عبـــــــدالله خلــــــــيفة's Blog: https://isaalbuflasablog.wordpress.com , page 20

February 29, 2024

فلسطين: الأديان والطبقات : كتب ـ عبدالله خليفة

كأغلبِ الشعوبِ العربية عجزَ الحراكُ الاجتماعي الاقتصادي الفلسطيني عن إنتاجِ طبقة وسطى حديثة حرة، وتجسد الصراعُ الاجتماعي القاصر في دولةٍ مهيمنة ذات شكل سياسي مسيطر، وفي مذهب مُقسِّمٍ ومسيطر على جزء آخر من الشعب قطع جزءًا من الأرض الفلسطينية وكون دولة، فظهر التناقض الاجتماعي الحاد في كيانين حكوميين سياسيين (فتح وحماس)، يُظهران هذا العجز التكويني الطبقي الاقتصادي، ويظهران ضرورة تجاوزه كذلك.
الوعي الأول يجري بعباءةِ السياسة الوطنية والآخر بعباءة الدين المتحول إلى مذهب مسيس، ولكن فلسطين تمثل تجربة أكثر ضعفاً من الناحية التكوينية من بقية الدول العربية بسبب تشتت الشعب، ووجوده في مساحات سياسية مختلفة ومتضادة.
هنا لا توجد مؤسسات اقتصادية مركزية تاريخية متحكمة كبقية الدول العربية، إلا بشكل جنيني، بل توجد تجربة رأسمالية (حرة) في إسرائيل، حيث يعيشُ جانبٌ من الشعب الفلسطيني وحيث تم تشكيل تجربة السيطرة والاقتلاع الصهيونية.
تجربة إسرائيل لا تمثل تجربة رأسمالية حرة، كالعالم الغربي، فهي رأسماليةٌ حكوميةٌ طويلة عبرَ الشركات العامة والمستعمرات، ثم أسستْ دولةً دينية شمولية تجاه السكان العرب وتجاه الحركة العمالية، فظهرتُ الرأسمالية غير حرة تغيبُ عنها الديمقراطية، والعلمانية، فلم تتحول الدولةُ لمجتمعٍ تعددي ديمقراطي علماني، بل ظهرتْ كدولةٍ دينية عنصرية متفاقمة في هذا الطابع مع ضعف الحركات الديمقراطية العلمانية العربية والإسرائيلية على الجانبين. البرجوازية اليهودية ذات تاريخ اقتصادي مالي كبير في إنتاج جيتو (قومي – ديني) ومن هنا هي قادرة على تكوبن ديمقراطية داخل المجتمع الديني لا خارجه عند الشعب المسيطر عليه.
ولهذا فإن صعودَ طبقة وسطى حرة منتجة للديمقراطية في المجتمع الفلسطيني مليء بالصعاب، عبر الضعف الاقتصادي والتمزق السياسي والتشتت الاجتماعي، مما يجعل الاقتصاد الفلسطيني الصناعي ضعيفاً.
تتنوع الصناعاتُ الفلسطينية الخفيفة فهي صناعاتٌ غذائية وبلاستيكية وخشبية وصناعة لأحجار ورخام وأحذية وجلود وصناعات كيماوية وغيرها.
يصل عدد العمال الفلسطينيين في الضفة والقطاع إلى 648 ألف عامل منهم 227 ألف عامل عاطل عن العمل.
ويشتغل في إسرائيل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين، واللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية أغلبهم عمال وفقراء وحرفيون خارج الوطن، أي خارج التكوين الاقتصادي الوطني، وقدراته على إنتاج طبقة وسطى.
يوضح التكوين الاقتصادي التشتت وغياب المركزية والآلية الحديثة وسيادة الحرفيين والمُهمشين اقتصاديا وهي سماتٌ تترافقُ مع سماتِ الوعي السياسي المُفتَّتِ، ولهذا نلاحظ أن زمنَ التشتت الأكبر وسيادة سياسة المخيمات العسكرية، يتسمُ بطابع السياسة الفوضوية والارهابية، ووجود منحى وطني عقلاني ضئيل يعجزُ عن بلورةِ وتصعيد سمات الديمقراطية والعلمانية والوطنية، ومع تصاعدهِ وقدرتهِ على الحصول على الضفة والقطاع، يبدأ تجسيد وتجذير ذلك بصعوبات جمة.
لكن ظهور الانقسام بين فتح وحماس، بين الشكل السياسي للشمولية المهيمنة على السلطة، والشكل المذهبي السياسي للهيمنة على الدولة، يقسم الشعب الذي هو في حالة سيولة وعدم تشكل وتبلور.
حالة الانقسام بين السياسي الحكومي الشمولي، والسياسي الديني المعارض الشمولي، هي تعبيرٌ عن عجز الأمة العربية عبر شعوبها عن تشكيل طبقات وسطى تحديثية توحيدية، ويتمظهر ذلك في كل بلد حسب تطوره الاقتصادي الاجتماعي وسيره التاريخي.
الآلة العسكرية والشمولية الإسرائيلية تغذي عدم التبلور هذا، فالجنرالات والحاخامات والوعي الديني السياسي اليهودي المتطرف هنا كل ذلك يكرس الانقسام في بُنى الشعب الفلسطيني مثلما يكرس تاريخ الإسرائيليين داخل الجيتو حيث البشر إما يهود وإما أغيار.
فاليمين المتطرف ضد عودة اللاجئين وضد الوحدة الفلسطينية، وبالتالي فهو ضد صعود طبقة وسطى فلسطينية حديثة تمثل قيادة التوحيد والحداثة والتقارب مع الإسرائيليين لمجتمعين حرين متساويين يعيشان ويتطوران بتقدم وسلام.
أن تفتت جزئيات الطبقة الوسطى المُفترضة المتكونة عبر التشتت والصراع، يتجسدُ في جناحيها السياسيين الكبيرين: فتح وحماس، اللذين يعكسان مصادرها المذهبية، والقراءات المسطحة للإسلام وللتاريخ الوطني – القومي العربي، ويعكسان مستوى الفئات الوسطى ذات الصناعات الخفيفة والتجارة والوكالات والتبرعات والاسهامات عبر الحدود وسيولة المخيمات، وتشابكات علاقاتها مع الأنظمة العربية وإيران وإسرائيل.
وحدة الطبقة الوسطى تأتي من الصناعات المتطورة، ومن مجيء العمال اللاجئين ومن التوحد الوطني، ومن التداخل النضالي مع القوى العربية والإسرائيلية الديمقراطية، أي من صعود ثقافة حديثة عقلانية علمانية، توجه الفوائض نحو التقدم، وفتح الأسواق الحرة ونمو الديمقراطية، ولكن هذه الثقافات العربية والإسرائيلية ذات صراعات وفجوات هائلة تحتاجُ إلى فحص عميق لرؤية مدى قدراتها على الإنتقال للحداثة وعبور المجتمعات الدينية المحافظة الاستبدادي .

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 29, 2024 12:29

February 28, 2024

أمدنيةٌ أم علمانيةٌ؟ : كتب ـ عبدالله خليفة                             

نخشى دائماً من هذه الجماعات الدينية المتاجرة بالإسلام، فهي لا تكفَ عن التجريبِ في لحم المسلمين، وكل مرة تقوم بطبخة حارقة، ثم لا تتوقف عن الالتفافِ وعن طرحِ طبعةٍ جديدة من الكارثة.

الشعوبُ العربيةُ في البلدان الثائرة اكتوت بـ (علمانية) زائفة، بأنصافِ أنظمةٍ تحديثية، ومن شقوقِ هذه الأنصافِ تتسربُ مياهُ المجاري، وأبقتْ هذه الأنظمة (العلمانية) على حكم القانون وعلى احترام النساء وعلى التحديث الوطني وعلى التصنيع، ثم يتحول كل ذلك إلى علمانية الحزب المتدهور في علميته وعلمانيته وديمقراطيته وتحويله النساء إلى جوارٍ والفلاحين إلى خدمٍ وبوابين في عماراتِ الحرامية المدنيين.

وتحولتْ نصفُ العلمانية هذه إلى اضطهادٍ للقوميات والأديان الأخرى، فالأكرادُ يُضربون بالقنابل على ضفتي نظامي العلمانية الزائفين في سوريا وتركيا، والافريقيون تُحرق غاباتُهم ومنازلُهم في جنوب السودان، والأمازيغ يَحاربون في لغتِهم وتراثهم في الجزائر والمغرب.

هل جاء زمنٌ تتقارب فيه قارتُنا العربية الإسلامية مع الحداثة؟ مع مواثيق أوروبا العلمانية حقاً؟

يريدون دخولَ السوق الأوروبية مع استمرار وضع رؤوس الأكراد تحت أحذية المؤسسات المركزية. يريدون دخولَ السوق وقطف ثمار الحضارة والديمقراطية والإنسانية المتقدمة من دون أن يحترموا شعبهم وتظل الطائرات تغير على المناطق (المتمردة).

هم لهم طبعاتُهم الخاصة من الإسلام، إنها طبعات المحافظين الاستغلاليين، حيث يقوم الإقطاعُ المنزلي بأسرِ النساء، وحيث مكانة المرأة أدنى من الرجل، إنها المخلوق التابع، هنا تتخفى الذكوريةُ الاستبداديةُ وتموهُ نفسَها بالدين.

دائماً يجعلون الدين أو القومية المتعصبة أداتين لتمرير سلطانهم غير المتساوق مع البشرية الحديثة، وللذكور المتسلطين رغبتهم في بقاءِ سلطانِهم على النسوة، ومن هنا تغدو مدنيةُ هارون الرشيد دون مستوى علمانيةِ ملكةِ بريطانيا.

إن مدنيةَ ابنهِ المأمون الذكي المثقف لا تمنعُ من استخدامِ الدين لتعذيبِ علماء الدين، أو طبع تفسير معين وفرضه على الجمهور بالسياط.

إن المخاطرَ التي تنشأُ من الثورات العربية الحديثة أنها تسمح للجمهور غير المثقف بالهيمنة على الأصوات الانتخابية، مع بقاء المنظمات الدينية في تسويق أفكارها المحافظة التقسيمية للمواطنين، وطبع نسخ أقل قيمة من نسخة المأمون، والتسلل للسيطرة على الحياة السياسية الاقتصادية في ظل اقتصاد الانفتاح المالي وشركات المضاربة بمال وقوت المسلمين.

(ديمقراطية حديثة) مع بقاء المنظمات الدينية السياسية تتاجر بالإسلام والمسيحية واليهودية، ومع بساطة فهم العوام للدين والسياسة والحداثة، وقد رفعتهم نشواتٌ نضالية إلى السماء السابعة، ثم ستظهر أنظمة دينية شمولية مقنعة تسلبهم آخر مدخرات العمر، ويحدث لقاءٌ فريد بين ولاية الفقيه الإيرانية وولاية الفقيه المصرية ذات طاقية الإخفاء، وربما السورية كذلك.

احتمال ولكن المؤمنَ لا يُلدغُ من جُحرٍ طائفي مرتين، والعوام ليس هم الجمهور الثوري الحديث بعد، لم يصبحوا بعد المواطنين المثقفين ذوي التجربة السياسية العميقة بعد أن خيّمَ عليهم ظلامُ الأنظمةِ الشمولية طويلاً، هم يَنجرون للخطاباتِ الدينية الحماسية التي تدغدغُ مشاعرهم وتحومُ على رؤوسهم بالرموز لسلب عقولهم وجيوبهم.

النظام السوري نموذج للعلمانية الزائفة كلياً، حيث حكم العصابات العسكرية والمخابراتية يتجلى عن التبعية لولاية الفقيه الإيرانية، أي هو تعبير مشترك عن سحق المثقفين الديمقراطيين والحداثة والفلاحين في الأرياف من أجل عسكر ديني في سوريا كشط علمانيته بسكاكين القمع، وهناك عسكر ديني كرس تخلفه بالحديد والنار. ويظهرُ سنةٌ بسطاء ينشرون شعاراتهم الوطنية الدينية غير مدركين كذلك لسيطرة مذهبية سياسية متصاعدة. فلم يجدوا سوى صلاة الجمعة يفيضون بعدها لنقد النظام، وهكذا كأنهم الهاربون من الرمضاء للنار.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 28, 2024 13:28

أية ديمقراطية مرجوة؟! : كتب ـ عبدالله خليفة

الديمقراطية شبه مستحيلة في الدول العربية التي تقوم على هيمناتٍ حكومية محافظة وعلى معارضاتٍ متخلفة محافظة، نظراً لوجود الشعوب، وهي أرضية تلك القوى السياسية، في كيانات أغلبها تقليدي، والرأسمالياتُ المُنتجَّة لم تقمْ بأي تغيير عميق للبنى الاقتصادية الاجتماعية.
يبدو هذا في طبيعة العمل السياسي الفكري. فمنظماتٌ طائفيةٌ تقودُ نضالاً من أجل الديمقراطية، كيف؟!
هذه المنظماتُ مرتبطةٌ بسقف ديني محافظ، ذي مركز معروف، وفي داخل المركز تجري صراعاتٌ حادةٌ بين قوى فئات وسطى شبه ليبرالية والهيمنة الحكومية الشديدة المحافظة المعادية للتحديث وحريات الناس.
وقد عجزت تلك الفئاتُ الليبرالية (الإصلاحية) عن خلق مؤسسات ديمقراطية في شعبٍ يُعد بالملايين، وتنامت القوى المحافظة وضربتْ أشكالَ الحريات داخل البلد (إيران)، مثلما ضربَ العسكرُ المصري تجربةَ الديمقراطية في مصر.
والجماعاتُ الطائفيةُ لدينا تعيشُ تحت هذه المظلات الفكرية قبل كل شيء، وتعتبرها مرجعيتها (المقدسة)، فكيف يمكن أن تخلقَ ديمقراطيةً أو تساهمَ في تنمية شيء من الديمقراطية وهي غارقة في الرجعية الفكرية – السياسية؟!
هي لن تشكلَ ديمقراطيةً بل هي تجذرُ مؤسساتَها الدكتاتورية، وتعمقُ الطائفيةَ والشعاراتَ المحافظة المُنتجة في الريف الإيراني لأرياف المسلمين والعرب: جنوب لبنان، وجنوب العراق، وشرق السعودية، لكي تتغلغل هذه الشعاراتُ المحافظةُ في المدن وتسيطر عليها وتحولها ذيولاً للريف المتخلف بأشكاله القرابية الماضوية وبسجن النساء ومنع تفجر الثقافة الحرة، مثلما فعل الأخوان في مصر لكن إنتاجهم ذهب للسنة.
ويتم ذلك عبر التحشيد وإستغلال التجمعات العبادية والدينية وتحويلها إلى أدوات سياسية.
نقل هذه البضاعة الشعارية الرجعية لفقراء القرى المأوزمين في معيشتهم يحولهم إلى قوى حربية متفجرة في أجساد مجتمعاتهم، عبر تنمية وتصعيد الغضب وتحويله إلى سياسات طائفية.
ولكن هذا الخداع يتم من خلال شعارات (ثورية).
ويفترض في الناقدين أو الحذرين أن يطالبوا بنقل هذه الثورة إلى القرية، وتحريرها من الهيمنة الدينية المتخلفة، ومن أسرِ النساء، وبضرورة نشر الثقافة العلمية، وخلق التحديث فيها، إذا كانت هذه الآراء الثورية حقيقةً، فالأَولى بأهلِ المنزل أن يستفيدوا من بضاعتهم (العظيمة) هم قبل الآخرين.
هم يحاولون نقل هذه الأشكال الدكتاتورية الخطرة وهي محفوظة من خلال جمهور متدين شديد الإنفعال يغدو كقذيفة بشرية، عبر تصعيده إلى مراحل عليا، وتوسيع الأزمة من منطقة إلى منطقة في البلد، ومن بلد كجنوب العراق إلى العراق ككل، ومن منطقة كجنوب لبنان إلى لبنان ككل، ومن بضعة دول إلى المنطقة العربية الإسلامية عامة مثل قرناؤهم الأخوان لكن في المناطق الصحراوية العربية والريفية ثم هيمنة على المدن.
ومن هنا فإن الحديث عن الانتقال للمَلكية الدستورية والبرلمان الكامل الصلاحية يفترض في هذه الجماعات المذهبية أن تنزع صفتَها الطائفية وتغدو وطنيةً، وأن تفصل المذهبَ عن السياسة، وتعمل من خلال شعارات حديثة ديمقراطية، فمن الصعوبة بمكان أن تنتج فكراً، أما البقاء في نفس الأشكال المذهبية السياسية وقيادة الجمهور وتعبئته بهذه الأفكار الرجعية الخطرة على سلامته وسلامة الوطن فهو تصعيد للأزمة من مستوى مناطقي إلى مستوى وطني، ومن مستويات سياسية صغيرة إلى مستويات كبرى.
وبحراك هذه الجماعات المذهبية ونشر التعصب والممارسات البدائية يتم جر الجمهور أكثر فأكثر للصراعات الطائفية وللأفكار السطحية في الدين، ونشر التخلف الاجتماعي.
ولهذا فإن صعود مثل هذه القوى إلى هيمنة كبيرة على الساحة السياسية وتغلغلها في الحكم يعني تفجير الأزمة بصورة أكثر خطورة.
لا بد من إنتقال هذه القوى أولاً للديمقراطية والحداثة والوطنية، لكن ذلك مستحيل كما جرب المسلمون خلال ألف عام سابقة إمكانية تحول المذهبيات السياسية إلى معقولية سياسية بسيطة دون فائدة. فكيف من الممكن تحولها إلى ذلك خلال بضع سنين؟
لكن دورها هو نشر الأزمة التفتيتية في أي مجتمعٍ تشتغلُ فيه، وخاصة حين تكون التكوينات الاجتماعية والسياسية غضةً أو ساذجة فكرياً، وهذا ما حدث حين قامت الجماعات الطائفية بالأضرار بالجماعات التي يفترض أنها حديثة، فتغلغلتْ فيها الطائفيةُ وأنقسم الأعضاءُ حسب مكوناتهم المذهبية، وكل قسم يخشى ويرفض الآخر.
أما الجماعات التي تمسكت بليبراليتها ورفضتْ إدخال الطائفية في صفوفها فقد حققتْ إنجازاً، وأرهصتْ بالأزمة ومخاطرها وكانت أكثر طليعية من بقية الجماعات، ووضعت حلولاً عاجلة سريعة قبل إستفحال الأزمة، مما يجعلها لائقة بالمستقبل السياسي، خاصةً مع تناميها في مختلف الفئات الوسطى والعمالية وطرحها برامج محددة للتغيير في شتى جوانب الحياة.
أما المذهبية المغايرة المنافسة فهي لا تنتج جديداً لأنها تكررُ نفسَ المشكلة ولكن في جوانب أخرى، وعجزها عن إنتاج أفكار وطنية وإنتشارها في كافة الفئات، مما يخلق منها تورماً آخر وتصاعداً لصراع الطوائف.
تطور الأفكار الليبرالية ومساندة القوى الوسطى ذات التأثير للمجموعات التحررية هذه وحل المشكلات الكبيرة للشعب كالأسكان والعمل والأجور والصحة والتعليم، يمكن أن يفتح أفقاً لمجتمعنا يقلل من خطورة الجماعات المذهبية وبرامج الحدة السياسية التي تنتجُها في كل عشر سنوات وما يقاربها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 28, 2024 12:56

February 24, 2024

النقد وتبعيته المزدوجة : كتب ـ عبدالله خليفة

يمثل النقدُ الثقافي عموماً قوة تفكير كبيرة غدت شيئاً فشيئاً معطلة ، وكان يمكن أن ترفد الأدب والثقافة عموماً بطاقاتها لكي يزداد الأدب والثقافة تأثيراً في الواقع لكن النقد توقف عن هذه العملية الضرورية ، فما هي الأسباب؟
يقول ناقدٌ عربيٌ كبيرٌ هو إحسان عباس الذي استفاد كثيراً من (النقد الأمريكي والنقد النفسي لدى فرويد والأسطوري لدى كارل يونغ) يقول بأن الاقتراضَ الشديد من الغرب على هذا النحو (يجعل الدارس يقع في وهم فكري مزوج : يتكشفُ الأولُ في إغفالِ التاريخ الثقافي العربي ، ويتجلى الوهمُ الثاني في جهلِ التاريخ الكوني للآخر).. وهو أمرٌ في رأيهِ يقودُ إلى (التبعية الثقافية أو يفضي إلى المحاكاة الصماء) ، نقلاً عن سعد البازعي في كتابه استقبال الآخر)، ص 36 ، 37.
يتحسسُ الباحثون العرب الإشكالية المركبة في تبعية ثقافتنا للعصر الوسيط ببنائه الإقطاعي المذهبي ، المستمر حتى الآن ، وتبعيتها كذلك لما يُطلق عليه بعضهم (الآخر) ، وهذا التعبير تجريدٌ آخر معاكس للماضي ، فلا يقولون بأن الآخر هو النظام الغربي الرأسمالي المسيطر.
لكن التعميم على الجهتين يقودُ إلى سلسلة طويلة من الأخطاء ، لأن ثقافتنا العربية القديمة مرت بعدة أطوار وأبنية ، ولكل منها واقع خاص ، وكانت تعيش تطورات ومراحل كبيرة ، فالتعيمم المنطلق منها ، خاصة حين يساونه بالشخصية العربية أو بالذات العربية ، يقود إلى كوارث تحليلية.
فالشعرُ الجاهلي لا يُعرف لماذا صار بهذا الشكل ومن أين جاء وما هي علاقاته بالمكونات الفكرية والفنية السابقة ، والقرآن لماذا هو بهذه اللغة والتراكيب والأخطر ما هو دوره في عملية الثقافة التحولية ، ولماذا استمرت القصيدة المتناقضة البناء التقريرية حتى اليوم؟ ولماذا الغياب للبناء المسرحي في الثقافة والبناء الدرامي في الشعر وغياب الملحمة؟
دخل النقد العربي القديم في جوانب المحدود كالصور الجزئية والأغراض وأشكال البلاغة ، ثم وجد نفسه في العصر الحديث أمام مدارس أوربية كبيرة ، فلم تسعفه أدوات النقد العربي القديم ، ليس فقط لخضامة الإنجازات الغربية التي تشكلت خلال قرون النهضة والثورة الصناعية والعصر الحديث ، بل لأن واقعه العربي المتعدد راح هو الآخر يتغير ويصارع ، فبدأت الآدابُ والفنونُ العربية في الأزدهار في واقع متخلف اجتماعياً!
وككل نتاجنا وسياستنا وقع بين دكتاتوريتين ؛ دكتاتورية الماضي المبهمة والمتجسدة في البناء الثقافي ، وفي دكتاتورية الحداثة الغربية ، التي تفرضُ نفسها عبر أنماط سائدة قوية فتشلُ الوعي العربي عن أن يكون وعياً عربياً ديمقراطياً.
وكي نعرف أننا واقعين بين دكتاتوريتين ثقافيتين، يحتاجُ ذلك إلى فحصٍ على مستوى الماضي ومستوى الحاضر، أي القيام بنقد مزدوج على ضفتي الزمان والمكان.
حين نقرأ فقط القصيدة الجاهلية سوف نقول لماذا الانحباس في الشكل المضطرب الممزق المحدود؟ أي لماذا عجز العربُ عن إنتاج شعر أكثر تطوراً من هذا؟
وهو أمرٌ لا يتضحُ إلا في قراءةِ السياق التاريخي ، بكون القصيدة العربية الجاهلية هي نتاجُ شعبٍ محبوس ممزق في هذه الصحارى الهائلة المجدبة ، وبقراءة إن هذا الجنس الأدبي(الشعر الجاهلي) هو أرفع ما أنتجه هذا الشعب بعد انحباسه وتقطع صلاتهِ بالشمالِ ، السامي، لغة ومكاناً وتلاقحاً واسعاً ، وهو أمرٌ يربطنا بتدهور الأنواع الأدبية والفنية في الشمال (العراق ، وسوريا ، ومصر) ، فنقرأ فضاءَ الآداب والفنون في الحضارات القديمة التي عجزت عن التطور ، وعن تشكيل أنواع : الملحمة والمسرحية وبالتالي النقد.
وبهذا كان النتاجُ الثقافي العربي الجاهلي هو وليد ظروف العزلة والتخلف المزدوج ، فالانهيار الحضاري الذي أصاب الحضارات القديمة والذي كان إحدى سماته تحجر الآداب ، انتقل بقوة مضاعفة للجاهليين ، ومع ذلك قاموا في تلك العزلة النسبية بإنتاج ثقافي يعكس ظروفهم ويعكس كذلك حريتهم البدوية.
بين الغنى الثقافي الذي فجرتهُ ثورة الإسلام وبين الأشكال الأدبية والفنية المتيبسة التي سادت طوال العصر الأموي ، ثم تقطعت بفعل المدنية العباسية النسبية ، عوامل من الصراع والتداخل ، فقد أضفى الفهمُ الديني المحافظ على منتجات الثقافة المختلفة عوامل كبيرة من الكبح.
فقد قام بأسلمة الشعر الجاهلي ، محوراً العديد من الأسماء الدينية والأفكار الوثنية ، ثم جعلَ المبنى الفضفاض للقصيدة الجاهلية نموذجاً يُحتذى ، وجمد الأنواع الأدبية كما كان متبعاً سابقاً ، فغدت الفنون محرمة كذلك.
ثم حين تطورت الآداب والفنون في العصر العباسي في المدن النهضوية المؤقتة ، فإن تغيرات جذرية في الأنواع الأدبية لم تعد ممكنة ، وإذا حدثت تطورات كما في الرسم وظهور القصة والمقامة واتساع النقد وتشكل الفلسفة ، فإنها تغدو محاطة بدكتاتورية الماضي الثقافية ، ودكتاتورية الحاضر الأموي – العباسي الجارية.
وهكذا فإن الضرورة تتكشفُ هنا، فالعرب ورثة الدكتاتوريات المشرقية القديمة ، فهم إذ ينقطعون عن نتاج الحضارات المشرقية القديمة وراءهم ، بسبب ليس فقدان اللغات القديمة ، بل كذلك رفضاً للتعرف عليها ، كما أنهم يكيفون النتاج المترجم اليوناني والهندي تبعاً لحاجاتهم في هذا المجتمع النهضوي المتوجه للاختناق بفعل دكتاتوريات السلطات والجماعات السياسية – المذهبية المختلفة.
وهكذا فإن النقد هو الآخر يتعرض لهذا الحصار فيحافظ على شكلانيته العامة ، بتقزم الأنواع الأدبية والفنية فيه ، ثم يجمدُ تطور القصيدة بإبقاء مبناها العام المضطرب المحدود ، الذي لا يغتني إلا بفعل نقده للواقع ، وتداخله مع الأنواع الأخرى كالدراما والقصة ، وهو أمر غير ممكن إلا بشكل تعليمي ساذج.
ليست هذه الأنواع الثلاثة؛ النوع القصصي، النوع الدرامي، النوع الشعري ، أنواعاً منفصلة فحسب ، بل هي أنواع متداخلة كذلك ، فهي تغذي بعضها البعض ، وعدم وجودها في واقع ما ، دليل على مشكلات ديمقراطية عميقة فيه.
إن عجز النقد العربي القديم عن كشف ذلك ، هو بسبب ذلك الغياب الديمقراطي في السياسة والثقافة ، وهو أمر أتاحته له التجربة الغربية حين احتك بها ، وهي قادمة من خلال السيطرة الأجنبية.
إن النمو الداخلي العربي لم يكن حراً ، فلم ينتجْ الأنواع السابقة الذكر بانفصالها وتداخلها المركب ، ولم تتح تجربته المقموعة خلال تلك القرون ، التي لم تزدهر بالحرية الواسعة أن يصنع تلك الأنواع بتلاقحها وتنوعها ، ففوجئ وهو ينمو داخل الحياة الحديثة الغربية ، أن تاريخه الثقافي ناقصٌ ومتخلفٌ في أنواع معينة ، فراح يستكمل النقص.
ليس العرب كلهم منتجون ثقافيون ، بل أفراد وجماعات من الفئات الوسطى ، التي يتيح معاشها أن تشتغل في الثقافة ، وهي موزعة بين الدكتاتوريتين : دكتاتورية الماضي ، ودكتاتورية الحاضر ، لكن الثقافة الباقية الغنية هي منتجة الحرية ، ومن هنا راح نتاج هؤلاء الأفراد الباقي القوي الغني يؤسسُ ذلك.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 24, 2024 12:20

February 23, 2024

الفردية والفردانية : كتب ـ عبدالله خليفة

حين يغدو الفرد باحثاً عن فرديته وتميزه الشخصي ضمن الموضوعية والإنتاج الشخصي الحقيقي وتقدير قوانين الحياة، فإن ذلك يغدو كسباً للجماعة، بعكس ذلك حين يركب الموجات ويتصيد المناسبات ويخدع الآخرين لكي يرتفع ويتسلق. فتغدو تلك فردية مريضة، أي فردانية!
وما أصعب التضحية والإنتاج الحقيقي وما أسهل التسلق!
أي طفل يقوم بدوافع المنافسة المنزلية بالاستئثار بالحلاوة وإخفائها ومنع إخوته من الوصول إليها، يعتبر ذلك سلوكاً معيباً لكن حين يغدو (قانوناً) عاماً في الحياة الاجتماعية وبين الكبار فإن الكثيرين يشاركون الطفل في السرقة.
تقوم الزعاماتُ المغامرة على خطف هذه الحلاوة، التي تدفعها دولٌ تسرقها من شعوبها الفقيرة الجائعة، ولتوضع في أعمال سياسية لا تعود بالخير في نهاية المطاف على الناس بل تسبب لهم الكثير من المشاكل.
إن الفردية تظهر من خلال أعمال تضحوية دؤوب، ليس فيها لفت نظر، وتتسم بالصبر والوعي، وتقدم خدمات مهمة للإنسان، وتتقصد عدم الإضرار بهم، كأن يقوم الإنسان بنضال سري طويل مراكماً وعياً دؤوباً بين شعبه، والشعب بعد ذلك يختار سبل العمل التي يراها، فلا يضع المناضل صيغة للموت ويفرضها فقط لأنه لديه سلطة متنفذة. وكالشاعر الذي فقد طريقه لإنتاج الكلمات بين جمهوره وعبر النضال في ظروفه
وحياته وخياله، فيزعم الكثير من الادعاءات الشكلانية وينتفخ انتفاخات هائلة، فيقفز على شروط تكونه كشاعر فردي يغزل نسيجه بصبر وعبر معاناة جمهوره، فيحقق فردانية من دون أي مضمون داخلي عميق.
وما أسهل الآن من يتصيد أمراض النقص والدونية لدى الأفراد ويحولها إلى أمراض لديهم! فهؤلاء النكرات لم يصدقوا أن أحداً حكومياً اهتم بهم، وسرعان ما ظهروا كشخصيات مهمة ومتنفذة ويُحسب لها حساب وهم ليسوا سوى أفراد عاديين، لكن مكاسب الارتفاع التي حصلت لهم فجأة، وعبر آلات ميكانيكية إدارية، وليس من خلال تطوير مهاراتهم الفردية، أوهمتهم بأنهم صاروا شيئاً ونجوماً في المجتمع وربما العالم!
ثم تتحول هذه القفزة بالنوابض الآلية الحكومية وهماً متحكماً فيهم وتمنعهم من العودة إلى نفوسهم الداخلية ومحاكمتها ونقدها وإصلاحها.
والأخطر حين تقودهم هذه الأمراض إلى تدمير الآخرين والدخول في مغامرات وتخريب نفوسهم وتنظيماتهم وجماعاتهم وشعوبهم ودولهم فقط من أجل أن يبقوا فى الأعلي ويصبحوا موظفين كباراً، وزعماء مشهورين، وكتاباً عالميين!
ما أسهل بيع النفس وما أصعب صناعتها!
هل كان أدولف هتلر يمتلك أية مواهب ؟ كان مجرد نقاش سياسي مغمور، وبلطجي، ركز خطبه كلها على كراهية الدول الأخرى وتمجيد العرق الألماني، واستعادة الأراضي القومية الألمانية، التي أُنتزعت في الحرب العالمية الأولى. وقد وجدت فيه الشركات الألمانية الكبرى شخصية قادرة على تحقيق برنامجها في التوسع، فنفخت فيه وحولته إلى أسطورة، وكان ما كان من كوارث الحرب. هكذا يتم اصطياد النكرات وتحويلهم إلى قادة والمخيف أن يتحولوا إلى قادة بلدان ومصائر!
لكن هؤلاء النكرات الذين يتم رفعهم على رؤوس الباحثين والعلماء والفنانين والجمهور العامل، سرعان ما يتحولون إلى كوارث للانظمة، والنقاش على مستوى هتلر تحول إلى حمام دم هائل في العالم، وستالين القبضاي الجورجي صار يحكم نصف العالم، وصدام حسين القاتل المأجور حول العراق إلى مستنقع دم..
ويعرف الفردانيون كيف ينتهزون الفرص وكيف يمدحون الحكام ويطبلون ثم ينقلبون عليهم ويمدحون آخرين، والفردانيون يعجزون عن تطوير قدرات العقل والنقد لديهم. لأنها تحتاج إلى صبر طويل واخلاق عالية، وهم لديهم طموحات شخصية مريضة، ومن هنا تموت الثقافة الرفيعة والشخصيات العليا ويتحول المجتمع السياسي إلى سيرك تفوز فيه القوى التي تملك قدرات أكبر في التمويه والتزييف.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 23, 2024 13:56

تجاوز الشللية والقرابية كتب ـ عبدالله خليفة

إن أزمة المنبر الديمقراطى التقدمي التنظيمية والفكرية من المهم درسها ونقدها وتجاوزها، أي لابد أن نعرف في البداية لماذا الأزمة حتى ننتقل إلى مرحلة تالية من الفحص والحل.
فمشكلة الجمعية منذ البداية أنها تنظيم تجميعي لأفراد انتهى العديد منهم من لعب دورهم الطليعي، وهناك كذلك العديد من الذين يمتلكون طاقات، فلم تميز الجمعية في هيكلها بين القوى العادية، والطليعية، بين الذين يحتاجون إلى إعادة صقل وتحليل ونقد، وبين كفاءات سياسية ضاعت في هذا الكم السياسي غير المبرر.
وهذا الكم الواسع غير المنتج لم يوجه لأعمال نضالية بين الجمهور، أي أن يقوم بتثقيف نفسه وتثقيف الجمهور، فما هي فائدة تنظيم كل همه أن يستمع إلى ندوات بين أعضاء الفريق أنفسهم؟
بطبيعة الحال هناك أعمال كبيرة قامت بها الجمعية على صعيد الحضور السياسي الوطني، بالعمل لتكريس الواقعية السياسية، ورفض طرائق القفز على الواقع والعمل داخل المؤسسات المنتخبة، ونقد مستواها السياسي والدستوري في الوقت ذاته، والدفاع أيضاً عن مصالح الشعب وخصوصاً قواه العمالية.
لكن هذا الخط الجيد كان أمام طريقين خطرين، الأول: الاندفاع بالواقعية السياسية نحو الانتهازية، والثاني: الدفاع عن العمال من دون واقعية والوصول إلى المغامرة.
ولهذا فإن ظهور تيارين في المؤتمر الأخير، الأول: يطلق على نفسه خط التحرير والثاني: خط الليبرالية، هو انعكاس لعفوية التكوين التنظيمي في الجمعية، وعدم وجود جسور بينها وبين الجمهور، فهذا الكم من الأعضاء غير المسيسين وغير المتبلورين فكرياً، قابل لكل ضغط وتأثير وطبخات سياسية مُسبّقة، ومن هنا نراه بعد أن ضاق بجمود الجمعية السياسي وغياب فاعليتها على الأرض يقذف بنفسه نحو اسم جبهة التحرير لأنه لم يجد في الإدارة السابقة الحضور النضالي الذي تتطلبه الساحة السياسية.
إن الاتجاهين المتصارعين، اتجاه الأغلبية واتجاه الأقلية، وصلا إلى حد التطرف وعدم التعاون والإغناء المشترك، وذلك بسبب الغلو في الطرفين. فالمهيمنون في كل طرف يسعون إلى التفرد بالقيادة، بتوجيهها نحو أقصى شكل سياسي، وليس نحو خدمة الجمهور المنضوى تحت هذين الجناحين الاجتماعيين المتقاربين. وهذا يتخذ طابع التعاون مع الأجهزة الحكومية لدرجة الذوبان الفردي فيها، ومرة بالاتجاه نحو القاعدة العمالية مع تحقق بعض إنجازات نقابية قليلة والغياب عن المهمات الضخمة لمعاناة المستخدمين والفقراء والعمال.
ولهذا فإن طرح قائمة جبهة التحرير في جمعية أثار الارتباك بين جمهور يشتغل بعقلية سياسية جديدة متباينة. وطرح قائمة جبهة وسط جمعية هو كلام لا معنى له في وسط جمعية اتخذت اسماً جديداً. كما أنه خرق تنظيمي، لأن طرح اسم تنظيم داخل تنظيم آخر هو إعلان بحله، وهو إثارة للقطيعة من دون أن يشكل مقاربة على الأرض مع تاريخ الجبهة ومع الشغيلة، فلا يزال ينتهي لأحاديث المثقفين.
ولا يأتى هذا التطور بالجمل بل بالعمل الطويل لخلق وعي تقدمي وديمقراطي وبالعودة إلى شعارات الجبهة الأساسية التنظيمية وهي شعار التوجه نحو الجمهور، وتثقيف الذات، وتثقيف الأصدقاء، والعلنية الآن بدلاً من السرية في الزمن السابق.
إنها شعارات في منتهى البساطة ومنتهى الصعوبة ولكن المنبر الديمقراطى عجز عن تطبيقها فخلق حالة من انعدام الوزن والفراغ، ومع تكرار المشكلات الشعبية وغياب الطليعة السياسية الذكية المرنة الصلبة، تاه أعضاء المنبر الذين لم يصقلهم وعي تقدمي جذري في زمن التشتت السياسي، وسيطرت عليهم التكوينات الشللية والأهلية، فتحللوا بسرعة إلى مثل هذه التكوينات ما قبل التنظيمية وما قبل الوعي الفكري التقدمي.
والحل هو في تجاوز القطيعة والعودة إلى أبجديات العمل السياسي القديم، وعدم خلق تنظيمات داخل الجمعية، وهزيمة عالم الشللية الأهلية والصداقية والاكتفاء بتيارات اليمين والوسط واليسار، كتعبير عن مقاربات فكرية مختلفة في رؤية سياسية تقدمية واحدة.
تفككوا من شللكم وآمنوا بالفكر الذي يعلو على الأقارب والأصدقاء.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 23, 2024 13:20

شهادة من جمال عبدالناصر: كتب ـ عبدالله خليفة

في زمن الستينيات واحتدام الصراع للأسف بين التيارات القومية والتقدمية حاول بعض المناضلين الوطنيين البحرينيين تشويه سمعة جبهة التحرير الوطني البحرينية، بأشكال كثيرة باعتبارها مجموعة من(العجم) الطارئين الذين تسللوا إلى البلد، وينفذون سياسة الفرس، أو أنها مطية من موسكو لضرب القومية العربية وانتشارها في منطقة الخليج العربي، وحينذاك لم يظهر المذهبيون الدينيون بأطروحاتهم اليمينية، مستخدمين اسم الإسلام دائماً للانتشار السياسي، حيث كانوا في الحياة العامة السياسية المختلفة دون موقف جهادي، ، فلم يشاركوا في معركة التحرر الوطني الضارية في الشوارع!

وقد عرض القوميون الذين هم دائماً في علاقة مناكفة شرسة غير مبررة للتقدميين، حججهم السابقة الذكر على الرئيس جمال عبدالناصر الذي كان أمامه طلب لجبهة التحرير الوطني البحرينية بإقامة مكتب لها في الجمهورية العربية المتحدة وقتذاك، وقد تسابقت القوى القومية المتنوعة تطرح نفسها لهذا التمثيل لحركة التحرر في البحرين.

لكن الرئيس جمال عبدالناصر أزاح حجة انتماء جبهة التحرير الوطني البحرينية لإيران، ولعبدالكريم قاسم، ولموسكو، وأعترف بها كأنشط المجموعات المناضلة الحقيقية ضد الاستعمار البريطاني في الخليج ولتحرر شعب البحرين منه!

وبطبيعة الحال لم يأت اعتراف الرئيس جمال عبدالناصر بالجبهة من فراغ، وقد قال هو نفسه للجماعات القومية أن هذا التنظيم هو الذي نراه فاعلاً عبر هذه السنوات ولا نرى لكم نشاطاً حقيقياً مثمراً!

في تلك السنوات التي تشكلُ فيها المنشوراتُ والمظاهرات والصمود في الشوارع وبدون تخريب مصباح واحد، أمضى الأسلحة الشعبية، كانت الجبهة مستمرةً رغم كل حملات الاعتقال والاضطهاد، وانفلاش التنظيمات الهلامية للجماعات القومية المختلفة، التي تقوم جبهة التحرير وقتذاك بتوجيه النصح لها بضرورة تغيير تكتيكاتها السياسية وعدم اللجؤ للفوضى والعنف وعدم تكوين التنظيمات الواسعة الفاضية، بل من الضروري الاعتماد على النوعية القليلة قوية الإرادة وواسعة الوعي!

كانت التنظيمات القومية، وهي ذات فهم مثالي للقومية، تعتبر مثل هذه النصائح والانتقادات بمثابة إعلان حرب عليها، ولهذا وجهت كثيراً من طاقتها لمحاربة التقدميين في البحرين للأسف، بدلاً من أن تركز على الاستعمار.

والآن صارت علاقتنا مع المذهبيين الدينيين هي نفس علاقتنا مع القوميين، الذين ورثوا عادات أولئك القوم السابقين وطرقهم في الأداء السياسي المتشنج، بكل أخطائها وأضافوا إليها الطائفية، فخسرنا الكثير على صعيد تفتيت شعبنا، وعلى صعيد عدم تراكم العقلانية السياسية.

ولم يكن عبدالناصر غير قومي وغير إسلامي وغير عروبي، فقدم شهادته لتنظيم رآه يزاوج بين هذه القيم الكبرى للأمة وبين عملية التحرر الوطني بظروفها الدقيقة الخاصة بمنطقة الخليج العربي. فكانت شهادة موضوعية من زعيم عظيم!

وقد بقي مكتب جبهة التحرير الوطني حتى أغلقه السادات في جملة سياسته!

 فالقضية ليست بالكم أو بالصراخ أو بدعم الدول الغنية بل هو بصواب الفكرة وعقلانيتها وطرق تنفيذها على الأرض، وعدم خلق خسائر مجانية للناس، وكان شعار الجبهة دائماً أقل الخسائر الممكنة وأكثر النجاحات السياسية!

فنرجو قليلاً من الموضوعية وتذكر التاريخ يا سادة!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 23, 2024 12:58

التقدم في زمن مختلف : كتب ـ عبدالله خليفة

لم تعتد التيارات التقدمية على وجود تعددية فكرية داخلها، فكان شانها دائما وجود مركزية صارمة، تضع شؤون القيادة داخل مجموعة صغيرة ومن ثم في يد دكتاتور واحد، بحكم تنامي المركزية وسيطرة الزعيم على الاتباع.
لكن هذا الأمر لم يعد مقبولاً لدى الوعي التقدمي، الذي انتقل من حالة الشمولية إلى حالة الديمقراطية، بسبب تعقد المسار السياسي الموضوعي، والحاجة فيه إلى رؤى عميقة، وليس فقط إلى إرادة الزعيم وإلى العفوية السياسية والشعارات العاطفية والتحليلات المبسطة الخ ..
وتعقد الحالة السياسية بين الشمولية والديمقراطية ليس هو في الجماعة التقدمية بل هو كذلك في النظام السياسي الرسمي الذي لم يعرف بعد الرسو على ميناء الديمقراطية أو البقاء في الشمولية!
بل إنها حالة مناطقية عالمية فالنظام السياسي الجديد العالمي شديد الاضطراب، والحديث عن الديمقراطية لم يستقر على كيان سياسي واضح المعالم يطبق بصرامة وبوضوح، وكذلك فإن هذا النظام يعبر عن سيطرة الرأسماليات الغربية واليابانية وليس عن مساواة حقيقية بين الأمم!
وأساسُ التضاد والاضطراب يكمنُ في تداخل وصراع القوى الثلاث المناطقية، وعدم فرزها نظاماً مستقراً. فالقوى الحكومية والمحافظة الدينية، وقوى الرأسمالية الليبرالية، وقوى الشغيلة، لم تشكلْ نظاماً مستقراً ومقبولاً لدى الأطراف الثلاثة.
إن هذا الصراع والتداخل سوف يستمر لأمد لا أحد يعرف مدى طوله الزمني، لأنه مرتبط بعوامل موضوعية وذاتية معقدة، مثل مدى توجه الرساميل لتغيير البُنى الاقتصادية المتخلفة، ومدى نزوع الأنظمة إلى إعادة تقسيم الثروة، وإعادة تنظيم قوى العمل لصالح العمالة المحلية والعربية، ومدى قبول القوى الاجتماعية لهذه الخريطة المتبدلة الخ..
ومن هنا فإن هذه القوى الثلاث المناطقية تشكلُ تياراتها داخل التجمعات السياسية المختلفة، وهي تتواجد بهذه المساحة أو تلك داخل (كل) القوى السياسية.
أي أن القوى الحكومية والدينيين، وقوى الليبرالية، وقوى الشغيلة، موجودة في كل المجموعات السياسية، بهذا الحجم أو ذاك الذي يعكس علاقات القوى السياسية بالطبقات الرئيسية. وعلى مدى وجود هذه التأثيرات يتحدد برنامج هذا الفريق أو ذاك.
فخطوط الطبقات هي خطوط موضوعية لا يستطيع التنظيم المرتبط بها أن يتجاوزها، لهذا فإن القوى الحكومية تترابط والقوى الدينية من حيث تعبيرهما عن محتوى اجتماعي وسياسي واحد عريض، رغم ما يبدو من تنافر شكلاني بين الجانبين. لكن الفريقين يعبران عن محتوى سياسي واحد، هو تعبيرهما عن القوى التقليدية في المجتمع. أي أنهما يعبران عن منظومة واحدة. فهذه ملكية سياسية وتلك ملكية دينية. والجانبان يتداخلان. وتركهما وحدهما يعني تفكيك البلد.
ولهذا فإن التقدميين الذين يصرون على عدم وجود تأثير ملكي أو ديني داخلهم، يتجاوزن الواقع.
فهناك نسبة معينة لهذا التأثير داخلهم، لعدم تفاعلهم مع هذه التأثيرات بطريقة تقدمية ديمقراطية.
ومن هنا تتشكل مهام التقدميين تجاه الملكية بتطور حضورها السياسي الديمقراطي الدستوري، أي أن الأمر يتجه للتشديد على تطورها الديمقراطى الدستوري، إلى أقصى إمكانياته، بدلاً من التشديد الحاصل حالياً على وجودها فقط، وكان هذا الوجود هو خاتمة المطاف. وهو أمر سيندرج بعد ذلك في تنامي هذه العملية في دول الخليج، ولما يمكن اعتبار التجربة البحرينية نموذجاً يختزل لدى اخوتنا فى المنطقة فكرياً وسياسياً صراعاتهم وتضييع الوقت التاريخي والوصول إلى ما وصلت إليه التجربة البحرينية في مجالات عدة، وذلك لتماثل الظروف الموضوعية بدلاً من أن يخوضوا المشكلات نفسها.
إن موقف التقدميين تجاه الكتلة السياسية – الاجتماعية الرئيسية في هذه الفترة وهي كتلة الحكوميين – الدينيين هي حزمة من الجوانب السياسية المتنوعة، عبر دفع الفريقين بالقبول بنظام اجتماعي موحد، وهي القضية المحورية لنضال التقدميين في المرحلة الراهنة. ولكن النظام الموحد أمامه عقبات ومهمات كبرى.
ونحن ننظر أن الفريقين هما من نظام تقليدي واحد، وتعرقله مجموعةٌ من التقاليد والنظم المتخلفة، هي النظم المذهبية السياسية واحتكار السلطة والمرجعية المطلقة في كلا الجانبين، وعبر التخلى عن هذا الاحتكار بشكل تدريجي يمكن لنظام من التعايش أن ينشأ . لكن ذلك يرتبط بمهمات نضالية ملموسة وليس بدعاية مجردة، أي ينبغي الصراع في وجه الجانبين للتخلي عن ذلك الاحتكار!
أن نضال التقدميين لتدعيم السلطة الملكية الدستورية يتوجه لتحولها إلى سلطة عامة وطنية، تمثل مجموع المواطنين وتتحول السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى قوى الشعب تدريجياً وعبر الاتفاق والنمو لإرادة المجتمع وسلطاته.
كما أن احتكار السلطة لدى المرجعية واحتكار فهم الإسلام لعقل ديني واحد أو ثنائي، فردي شخصي أو ثنائي مذهبي، من شأنه خلق دكتاتورية مذهبية تحل محل المرحلة السياسية التي تم تجاوزها.
ولهذا فان نضال التقدميين من أجل ملكية دستورية متطورة، هو أيضاً نضال لديمقراطية الإسلام وفهمه.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتشكل بين عشية وضحاها بل عبر نضال ثقافي طويل أولاً، تقل فيه الجوانب السياسية المباشرة وتتعاظم فيه عمليات التنوير والتثقيف، لتعي القوى المحافظة أن نشاط الديمقراطيين والتقدميين ليس هو من أجل إزاحتها عن مسرح السلطة والسياسة؛ بقدر ما هو حلحلة وضع تقليدي جامد استمر طويلاً، ولا بد من التنازلات المشتركة والوصول إلى نظام سياسي جديد في المستقبل وهو لا يزال في علم الغيب، بالنسبة إلى إمكانيات المختلفين وإلى مدى الإصلاح الراهن وليس إلى التقدميين الذين يعرفون المدى التاريخي الممكن تنفيذه.
وإذا كان ذلك كذلك، فلا يجب أن يضع التقدميون أنفسهم داخل هذه القوة السياسية الرئيسية الراهنة، بل على العكس أن يكونوا خارجها، من أجل حفزها على التطور لنظام مستقبلي أفضل، يتجاوز احتكار السلطة واحتكار الدين، ويشكل ثقافة ديمقراطية في مجالي تداول السلطة، وفي مجال ديمقراطية الإسلام.
وإذا كان الحكوميون والمذهبيون يشكلون القوة المحافظة الرئيسية المهيمنة وطنياً وعربياً وإسلامياً، تعبيراً عن نظام تقليدي عاجز عن اللحاق بالمنظومة البشرية، بسبب خياراته الراهنة، فإن التجاوز الموضوعي لهما يكمن في تشكل نظام رأسمالي حر.
وهنا تغدو الليبرالية هي حضور الفئات الوسطى ودورها التجاوزي للنظام المحافظ، لكنها عاجزة عن ذلك بحكم عوامل موضوعية تتعلق بضعف المؤسسات الصناعية الخاصة وعدم انتشارها وغياب علاقاتها بالمؤسسات العلمية. وبالتالي يغدو القطاع العام البيروقراطي هو العقبة لهذا النمو، مثلما تغدو المذهبية الشمولية عقبة لتطور العقل الإسلامي الديمقراطي الحديث، وعقبة لتطور الوحدة الوطنية في كل بلد عربي وإسلامي.
وفي الجزيرة العربية والخليج هناك عوامل أكثر مضاعفة للتخلف بسبب غياب الطبقة العاملة المحلية الواسعة، وانتشار العمالة الأجنبية المتعددة اللغات.
ولهذا فوجود رأسمال وطني واسع، وطبقات عاملة بحرينية وعربية وخليجية واسعة، لا يمكن أن يحدث دون السيطرة الديمقراطية على القطاع العام، وبالتالي السيطرة على تشكل عقل وطني وإسلامي عقلاني، عبر مصادر ثقافة وتعليم حرة.
إن مساعدة الليبراليين والإسلاميين التنويريين والتيارات المتقاربة كافة مع الحداثة هي ضرورة موضوعية، لكن هؤلاء يسعون لتشكيل نظام راسمالي حر مطابق لمصالحهم الاقتصادية، التي ليس فيها اعتبار لوضع الشغيلة المواطنين، ومدى انتشارهم وسيطرتهم على سوق العمل.
ولهذا إن التوجهات التقدمية تتفق في جوانب مع الليبراليين وتتناقض في جوانب أخرى، وتتفق مع مطالب قواعد الدينيين بانتشار العمالة المحلية. ولهذا لا يمكن للتقدميين أن يتطابقوا مع رؤية الليبراليين المفصلة على مصلحة فئات مالية وخدمية أكثر منها صناعية في الوقت الراهن.
ولهذا فإن تعاون التقدميين يتوجه لتدعيم الجناح الصناعي من الفئات الوسطى بشكل خاص، عبر حماية هذا الرأسمال وتطوير محليته وتجذره الوطني عمالة وقيمة.
وللفئات الوسطى الغنية برامج متعددة، وتطرح ليبرالية بلا أبعاد وطنية عميقة وبلا تجذر في تقاليد المنطقة وسيرورتها الخاصة، وتجلب موديلات أوروبية جاهزة وشكلانية غالباً . وهناك مثقفون يعملون في هذا الأفق غير أننا لنا أفق آخر.
فليس كل طرح حكومي يغدو مقبولاً إلا إذا عبر عن مصلحة الشعب، وكذلك بالنسبة إلى الدينيين والليبراليين، فما يجسد معيار الموقف مدى قدرة هذه الأطروحات المختلفة على تغيير حياة العاملين والصناعيين والتجار الصغار الخ.. أي قدرتها على شق طريق لتعددية حقيقية وليست مظهرية. ونحن لدينا معيار مصلحة الطبقة العاملة البحرينية والعربية كمعيار أساسي لتقييم المواقف السياسية. فليس لدينا معيار ثقافي مجرد!
هل يعبرالتقدميون عن طبقة معينة أم عن تحالف طبقي وهل يستطيع تنظيم أن يعبرعن كل الطبقات مثلما يحاول المذهبيون السياسيون والقوميون الحكوميون وغيرهم أن يفعلوا وفي النهاية لا يستطيعون سوى التعبير عن نظام تقليدي فات زمانه، عاجز عن ملاحقة العصر؟
ومن الواضح إن التنظيمات الحديثة لدينا تعبر عن الفئات الوسطى الصغيرة، في حين يعبر التقدميون عن هذه الفئات الوسطى وعن العمال كذلك، بل هم يعبرون عن المذهبيين وعن الحكوميين، لأنهم لم يقوموا يفرز بل ظهروا فجاة بلا تراكم نظري وسياسي!
وإذ ينفي المذهبيون السياسيون الليبرالية والقومية والتقدمية، أي كل اتجاهات العصر الحديث طارحين نموذجاً ماضوياً تقليدياً لا يمكن ظهوره إلا عبر تحطيم المجتمع، إذ يعجزون عن فهم الإسلام كحركة توحيدية ويعجزون عن فهم الحداثة كذلك. ومن هنا فهم يضربون الفئات الوسطى التي يصعدون على أكتافها، في حين الاقتراب من التحررية الاجتماعية (الليبرالية) ومن القومية ومن التقدمية، هو الذي يطور الفئات الوسطى باقترابها من حليفها الطبيعي وهو العمال.
إن دعم فصائل الديمقراطية الحديثة كافة من إسلاميين توحيديين نهضويين، ومن قوميين وليبراليين، هي من مهمات التقدميين، حين تقوم هذه التيارات بالاقتراب من مصالح الشعب.
لكن التقدميين لا يمكن أن يكونوا ليبراليين او مذهبيين سياسيين، لأن الليبرالية تعبير عن مصالح الفئات الوسطى لنمو مشروع رأسمالها الخاص، وهو مشروع في صيغته الراهنة لا يستجيب حتى لمصالح ظهور رأسمالية حرة، لأن مثل هذه الرأسمالية الحرة في وعى التقدميين لها الشروط سابقة الذكر. لكن لا بأس من الحوار مع تجليات الليبرالية الحالية العاجزة عن تجذير ليبراليتها بحكم طبيعة رساميلها القادمة من الدولة، ومعيارها هنا مدى نزولها للنضال من أجل ديمقراطية القطاع العام وبحرنته!
مثلما أن المذهبية السياسية مرفوضة لتعبيرها عن تقسيم الشعب والمسلمين. ومن هنا فأي تعاون ينبغي أن يكون موجها في مضمونه العميق لتجاوز هذه المذهبية الانقسامية وليس لتكريسها. اي لإنتاج وعي إسلامي تحديثى.
ولهذا فظهور تيارات ومنابر لدى التقدميين ينبغي أن يكون من أجل تعميق الرؤية التقدمية في فهم الليبرالية والإسلام والقومية، وليس لخلق أحزاب عبر هذه المكونات. فلا بأس أن يقترب تقدميون من الليبرالية بشرط ألا يذوبوا فيها، لأن لدينا تجمعات ليبرالية عدة تعيش هي ذاتها انقسامات ومخاضاً فلا داعي لزيادتها.
إن هذا كله يعتمد على مدى قدرة التقدميين على التطور الفكري والسياسي، أي تقديم دراسات فكرية وسياسية محلية، وتحليلات معمقة للاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة الخ .. تشكيل هنا منابر تعبر عن جهود التقدميين في تطوير الليبرالية، أي إنه موقف يميني، والمنبر الذي يعكس مصالح العمال، أي هو موقف اليسار، لأن الجماعة في الواقع لم تفرز من هو مع العمال ومن هو مع الفئات الوسطى ومشروعها. وكيف يقام التحالف بين الجانبين. وكلما حدث التعبير النظري والسياسي وعملية الفرز تقدمت عملية الوعي التقدمية.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 23, 2024 12:29

February 20, 2024

انحطاط الغناء.. انحطاط السياسة : كتب ـ عبدالله خليفة

إن عملية انحطاط الغناء العربي يجب ألا تؤخذ معزولة عن انحطاط السياسة السائدة، فذاك هو التجلي المباشر لهذا، فإن السياسة المنحطة أنتجت غناءٍ منحطاً.
ليس لأن هذه المغنية التي تبيع جسمها على مرأى من الملأ مسوقة في أجهزة إعلام حكومية تأخذ ميزانيتها من أموال المواطنين فقط، بل أيضاً لأن الذين سرقوا الأموال العامة، ويقيمون الآن محطات فضائية يتأجرون بجسمها وصوتها!
وهي قد وجدت الفرصة مناسبة للتعري، مثل أن الحكومات العربية فقدت ثيابها السياسية ولم تحصل على ملابس الحشمة الديمقراطية بعد!
شاركت أغلب التيارات السياسية، دينية وتحديثية علمانية، في انحطاط الغناء مثلما ساهمت في انحطاط السياسة.
فكلها اعترضت على أغاني الحب الجميلة، فلم يحصل عبدالوهاب ولا أم كلثوم ولا عبدالحليم ولا فريد الأطرش أو اسمهان، على أي تأييد من قبل القوى السياسية والفكرية.
لم يمد أحدٌ يده لتقييم ومعاضدة ونقد وتطوير مثل هذا الغناء، فقد تركت القوى السياسية المناضلة المغنين الكبار للأمة العربية، خاضعين فقط للتأثيرات الحكومية بحلوها ومرها، بأغانيها العاطفية الرومانسية وبأغانيها السياسية الموظفة لدعم السياسات العابرة.
بل إن الأغانى العاطفية الرقيقة والعظيمة المقاومة حتى الأن للابتذال، رفضت من قبل القوى السياسية، مرة بأنها مضادة للدين، ومرة أخرى بأنها ذاتية، رومانسية، والحصيلة المشتركة للرأيين هي الخوف من الغناء كشكل من الحرية الذاتية والتعبير عن الحب والانطلاق والحرية!
ونعرف من سيرة التيارات الدينية في مصر كيف انعزلت هذه التيارات عن مسار الحداثة، وكيف رفضت الأشكال الغنائية الدينية الصوفية، ذات الثراء التعبيري، في حين حافظ المغرب العربي على الأغاني الأندلسية والموشحات والأناشيد الصوفية، وغدت مجالاً لتطوير الحرية والذوق، في حين عجزت مصر عن مقاومة الابتذال الغنائي.
مع هجوم الريفيين المحطمين على المدينة فإنهم غير قادرين على متابعة الغناء والموسيقى العربيين الكلاسيكيين، فهم لا يريدون أن يتعلموا، ولهذا فإنهم يستخدمون أي إيقاعات وكلمات لتشكيل أغنية منحطة مثل عالمهم المنهار، معبئين هذه السوقية في الأشرطة مثلما يعبئ تجار الخردة أي سلع مغشوشة، جامعين بينها وبين المخدرات والتفاهة والجنس الرخيص والتأوهات المبتذلة ومقدمين هذه لشباب الأمة المجيد كأحدث منجزات العصر العربي الانحطاطي!
ويقوم رأسماليو المال العام المسروق الذين لم يتعبوا في إيجاده، بفرش الأبسطة الحمراء لأسياد الغناء العربي الجديد، جامعين بين الطبالات ومغني المواسير والكتاب الفاشلين في إنشائهم المدرسي، وصاحبات العرض الجسدي السوقي اللواتي وجدنها فرصة ذهبية للمشاركة في لطش المال العربي العام المعروض لكل أنواع الحرامية، والعاجزات عن الغناء الحقيقي، ولم يثبتن أي جدارة في الفن المدرسي وطلعن فجأة هكذا، من علب الليل وغرز الحشاشين، فقط عبر عرض السيقان والنهود، ولديهن أصوات وإيقاعات يهرب منها حتى الحمير!
ومثل هؤلاء القبيحات الكريهات روحاً العاجزات عن التطريب تحتضنهن المهرجانات «الفنية» العربية، وشركات المشروبات، ومن المؤكد أن هذه المهرجانات لا تدار بطريقة ديمقراطية، بل هي جزء من جو الفساد السياسي والمالي الذي أنتج مثل هذه الظواهر بل المساخر الغنائية!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2024 13:42

محمد باقر الصدر: الأنظمة ـ كتب ـ عبدالله خليفة

في كتابه (فلسفتنا) يعتبر محمد باقر الصدر المفكر الديني الراحل وجهة نظره بأنها (مجموعة مفاهيم الإسلام عن العالم)، ويعتقد بأن ثمة صراعاً فكرياً مريراً (لا بد للإسلام أن يقول كلمته) فيه ص 6، فيتصور بأن ما يقوله هو المعبر عن الإسلام لا وجهة نظر شخصية أو وجهة نظر تيار أو مذهب.

وهو من البداية يؤكد (صحة الطريق العقلية في التفكير، وإن العقل، بما يملك من معارف ضرورية فوق التجربة، هو المقياس الأول في التفكير البشري، ولا يمكن أن توجد فكرة فلسفية. أو علمية دون إخضاعها لهذا المقياس العام، وحتى التجربة التي يزعم التجريبيون أنها المقياس الأول، ليست في الحقيقة إلا أداة لتطبيق المقياس العقلي، ولا غنى للنظرية التجريبية عن المنطق العقلي.): (فلسفتنا، محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، 1979، ص 7 بيروت).

 فهو يعتبر (العقل) هو المهيمن على التجربة وعلى الفكر التجريبي، وهذا العقل غير موضح الفصيلة في بداية كتابه السابق الذكر.

ولكي يمهد محمد باقر الصدر لمناقشة وتفنيد الماركسية، باعتبارها الخصم الرئيسي للفكر الديني كما يتصور، فإنه يناقش طبيعة الأنظمة السائدة في زمنه وهي:

1 – النظام الديمقراطي الرأسمالي.

2 – النظام الاشتراكي.

3 – النظام الشيوعي.

4 – النظام الإسلامي.

وهو يعتبرُ بأن مشكلة الإنسان عميقة الجذور لكننا لديه لا نعرف مسيرة العلاقات الإنسانية إلا بشكل ضبابي أخلاقي مجرد، يقول:

(فإن هذه العلاقات التي تكونت تحقيقاً لمتطلبات الفطرة والطبيعة في حاجة بطبيعة الحال إلى توجيه وتنظيم، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه يتوقف استقرار المجتمع وسعادته)، (ص 11).

وهكذا تتشكل لديه الإنسانية عبر الفطرة والطبيعة وبالتالي فإن تاريخاً غائراً عميقاً يتوارى هنا، وتظهر الإنسانيةُ المعاصرة كمذاهبَ فكريةٍ فلسفيةٍ سياسية، مقطوعةِ السياقِ عن سيرورةِ التاريخ والطبقات، وبالتالي فإنه لا يقوم بأي ربطٍ بين المذاهب والقوى الاجتماعية، محولاً المذاهب إلى كينوناتٍ متجوهرةٍ على أنفسها منذ البداية، ويعتبر النظامان السائدان في العالم في زمنه هما (النظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض، والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة أخرى)، (وأما النظام الشيوعي والإسلامي فوجودهما بالفعل فكري خالص).

عبر قطع الأنظمة والأفكار عن سياقاتها الكبرى يقوم بعد ذلك باختيارِ جانبٍ رئيسي من النظام ليعتبره هو النظام الكلي، فيقول عن النظام الرأسمالي بأنه قائم على (الإيمان بالفرد إيماناً لا حد له. وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل ~ بصورة طبيعية ~ مصلحة المجتمع في مختلف الميادين) ويعلقُ محمد باقر على هذا النظام من الوجهة الفكرية قائلاً: (ومن الواضح إن هذا النظام الاجتماعي نظام مادي خالص، أُخذ فيه الإنسانُ منفصلاً عن مبدئه، وآخرته، محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادية، وأُفترض على هذا الشكل. ولكن هذا النظام في نفس الوقت الذي كان مشبعاً بالروح المادية الطاغية… لم يُبن على فلسفة مادية للحياة وعلى دراسةٍ مفصلةٍ لها)، ولكن هذا لا يعني بأن الباحث محمد الباقر لا يعتبر النظام الرأسمالي صاحب ثقافة مادية (فلسفية هنا)، ( بل كان فيه إقبال على النزعة المادية: تأثراً بالعقلية التجريبية التي شاعت منذ بداية الانقلاب الصناعي  وبروح الشك والتبلبلِ الفكري الذي أحدثه انقلابُ الرأي، في طائفةٍ من الأفكار كانت تعدُ من أوضح الحقائق وأكثرها صحة وبروح التمرد والسخط على الدين المزعوم، الذي كان يجمدُ الأفكارَ والعقولَ، ويتملقُ الظلمَ والجبروتَ)، (ص 17 ~ 18). نحن نرى هنا إن عشرة قرون من التطور العلمي و الثقافي والروحي الأوربي تــُركز في مظاهرٍ مختزلة، فهناك تمردٌ وسخط وهناك شك وبلبلة وهناك فلسفة تجريبية ، لكن يبدو إن ليس هنا ثمة بناءٌ فكريٌ وأخلاقي كما يتصور الباحث، فقد دمر الغربيون الدينَ المزعوم ، لكنهم لم يشكلوا وعياً دينياً آخر حسب تصوره، أو أنهم بلا مظاهر روحية وثقافية غنية وعظيمة، وهذا الاختزالُ الذي يقومُ به الباحثُ بإلغاء الدين المعاد تجديده أو فصله عن الدولة الغربية، يغدو لديه إبعاداً كلياً للدين عن المجتمع وعن الثقافة، وهي الأمور التي لم تجرِ في الغرب، كما أن ثقافة أخرى غير دينية وأخلاقية كذلك  لم تتشكل مهيمنةً على كل الفضاء الروحي، وهو بعد هذا الإلغاء لثقافة روحية أخلاقية وهامة في الغرب يستنتج:

(كل هذا صحيح، ولكن النظام الرأسمالي لم يركز على فهم فلسفي مادي للحياة، وهذا هو التناقض والعجز، فإن المسألة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلا إذا أقيمت على قاعدة مركزية، تشرحُ الحياةَ وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة)، (ص 19).

وهذه التعابير الغامضة يُـقصد منها عدم وجود أساس ديني للنظام الرأسمالي الغربي العلماني، فبدون وجود رجال دين يهيمنون على النظام فإنه يخضع لزوال الأخلاق: (والدليل على مدى اتصالها بالحياة من الديمقراطية الرأسمالية نفسها أن الفكرة تقدم على أساس الإيمان بعدم وجود شخصية أو مجموعة من الأفراد، بلغت من العصمة في قصدها وميلها وفي رأيها واجتهادها، إلى الدرجة التي تبيح إيكال المسألة الاجتماعية إليها، والتعويل في إقامة حياة صالحة للأمة عليها)، (ص 19ـ 20).

إن الثقافة الروحية والفكرية الأخلاقية تــُفهم من قبل السيد محمد باقر بأنها إيكال أمر السيادة السياسية إلى رجال الدين وبدون ذلك فإنه لا توجد حياة صالحة للأمة، وهذا يعني ضرورة هيمنة رجال الدين على المؤسسات السياسية لكي يكون هناك تطور روحي وأخلاقي في المجتمع!

ومن هنا فإن (القيم المادية؛ بمعنى الابتذال السوقي هنا) هي التي تسودُ في الحياة الديمقراطية الرأسمالية حسب رأيه. ولهذا قام الباحثُ بإزالة التطور الفكري والأخلاقي الطويل من نسيج الحضارة الغربية خلال القرون العشرة الأخيرة، وغيّب مختلفَ أشكال الثورة الثقافية والفكرية والفلسفية الغربية التي تفجرت كثقافة النهضة ثم التنوير ثم ثقافة العصر الصناعي والثورة الديمقراطية البرجوازية ثم صعود ثقافة الطبقات العاملة، وذلك فقط بسبب إبعاد الدين عن السلطة السياسية، في حين أن الدين المسيحي مع غيره من الأديان لا يزال يقوم بالسيادة العبادية على الحياة الاجتماعية في الغرب خلال هذه القرون كلها.

أي أن الغرب (العلماني) لم يحطم الهيمنة الدينية المسيحية على الناس، حيث قامت القوى المهيمنة بنشر والحفاظ على الدين في الوعي الجماهيري بمختلف الأشكال، مثلما يوجد وعي لا ديني غير أنه غير مهيمن، ولهذا فإن موضوع سيادة الدين على الحكم هو الذي يجعل الحياة مادية غير روحية في تصور السيد محمد باقر!

(وكان من جراء هذه المادية التي زخر النظامُ بروحها أن أُقصيت الأخلاق من الحساب، ولم يلحظ لها وجود في ذلك النظام.. وأعلنت المصلحة الشخصية كهدف أعلى.. فنشأ عن ذلك ما ضج به العالم الحديث من محن وكوارث..)، (ص 20). 

إن العالم الصالح في نظر الباحث هو الذي يتمكن رجالُ الدين من إدارته حيث تغدو الأخلاق في بؤرة الاهتمام، فالعالم الرأسمالي الذي لم يسيطر عليه الروحانيون غدا بلا أخلاق ، وصار التكالب على الماديات، وهنا يجري في وعي محمد الباقر تغييب الصراعات الاجتماعية التي شكلت مسار التطور، وكذلك نمو المستويات الثقافية والأخلاقية الغربية عبر هذا الصراع الاجتماعي نفسه ، فالتكالب على الماديات يعتبره سبب الكوارث، في حين أن النظام الغربي يجعل الصراع على (الماديات) كالأرباح والأجور والخدمات الخ.. جوهر نشاطه السياسي الرسمي والشعبي، في حين أن الجانب الروحي والاجتماعي مباح للدين وغير الدين!  ففصل الدين يجري فقط في إدارة المجتمع السياسية أما غير ذلك فإن للدين دوره الكبير، ولهذا فإنه حتى الأخلاق الدينية لها مكانتها!

ويتصور الباحث محمد باقر إنه عبر هذه الحياة المادية الاستهلاكية (لا توجد قيم) وتتحكم (الأكثرية في الأقلية ومسائلها الحيوية) ص 21، وهو يقصد هنا تحكم الجمهور المادي في الجمهور الروحي الديني، (وما دامت الأكثرية لا تعرف للقيم الروحية والمعنوية مفهوماً في عقليتها الاجتماعية؟؟) ص 22، أي أن إبعاد رجال الدين عن السيطرة الفكرية على الجمهور الذي لا يعرف القيم الروحية هو أمر يؤدي إلى حيونة الإنسان.

والباحث محمد باقر هنا يعود إلى الخلفية الشرقية وإلى قيام بعض اتجاهات الدين الكفاحية دورها التحويلي والأخلاقي، وهو يتصور بأنه مع غياب ذلك لا يعود الغرب سوى غابة!

إن تحويل الجمهور الغربي بأغلبيته إلى قطيع حيواني، هو مسألة لا علاقة لها بالتطور الحقيقي، ولكنه هنا يتشكل في وعي السيد محمد باقر مثلما يتشكل في وعي بعض عامة المسلمين عبر تعميم بعض المظاهر و عزلها عن اللوحة العامة وتضخيم هذه المظاهر بشكل كاريكاتيري، في حين أن التطور الأخلاقي والثقافي الرفيع يجري في الغرب بمواكبة النضال ضد مظاهر ابتذال الإنسان واستغلاله. فالنضال من أجل تطور حياة الإنسان المادية لا ينفصل عن النضال لتطور حياته الأخلاقية.

إن هذا الإسقاط الديني الإيديولوجي للسيد محمد باقر جرى في أزمنة لم تكن الرؤية الشرقية للغرب متعددة وعميقة وذات مستويات مختلفة ، كذلك فإن الإسقاط يجري من مواقع الفئات الوسطى والصغيرة الإسلامية التي ترفض هيمنة الشركات الكبرى الغربية في الغرب والشرق كذلك، وهو ما يؤدي إلى دهس إنتاجها المادي والثقافي. وهو أمر يشعر المتصدون للقيادة الدينية والسياسية بخطورته على العالم.

إن محمد الباقر يفسر الأسلوب الرأسمالي للإنتاج بشكل فكري أخلاقي، (كل هذه المآسي المروعة لم تنشأ من الملكية الخاصة، وإنما هي وليدة المصلحة المادية الشخصية التي جعلت مقياساً للحياة في النظام الرأسمالي، والمبرر المطلق لجميع التصرفات والمعاملات)، (ص 35). 

فالملكية الخاصة لم تنتج ثقافتها المختلفة عبر العصور، بل لعبت روحيةُ المصلحة الشخصية الأنانية هذا الدور الاستغلالي، وحين تــُضاف القيم النبيلة إلى الملكية الخاصة فإنها تنتج أدواراً اجتماعية مختلفة في رأيه، ومن هنا كان يمكن للنظام الرأسمالي الغربي أن يكون شيئاً آخر لو كان هناك رجال دين مختلفين غير استغلاليين وفاسدين ، حيث يمكن لرجال الدين النزيهين المتحكمين في جهاز الحكم أن يصنعوا غرباً مختلفاً!

وهنا يفكر محمد باقر كذلك من خلال تاريخه الاجتماعي الشرقي، حيث الملكية الفردية الإنتاجية في الحقل والحرف والملكيات الصغيرة تتوازى مع ملكية الدولة، وحيث لا تزال العلاقات الاجتماعية لم تترسمل بشكل واسع، كما أن هذا الوعي يعبر عن حياة الركود طوال عصور حيث لعبت الدولُ المركزية عبر الأديان والمذاهب دور المهيمن، فهنا اندمج الدور (الأخلاقي) للملكية الخاصة مع الدور الحكومي ودور رجال الدين ، وحيث أُعتبرت الملكية الخاصة خالدة لا يسبقها تاريخٌ مشاعي طويل، وبالتالي فإن محمد باقر يريد أن يشرقن ويمسلم الغرب، الذي غادر التاريخ الشرقي حيث الترابط بين الملكية الخاصة الصغيرة والإدارة الحكومية وسيطرة الأديان والمذاهب، وقد جعل الغربُ قوى الإنتاج في ثورة مستمرة مرتبطة بالسوق المحلية والعالمية، فهي تعيدُ تشكيلَ البنى الاجتماعية والفكرية بشكل دائب، لكي تسهمُ في عملية التغيير الاقتصادية التي يتحكم فيها الرأسماليون وعبر صراع دائب مع العمال.

ولهذا فإن السيد محمد باقر يرى التجربة المسماة (اشتراكية) بنفس الرؤية، فيقرأها بالصورة التالية: (أما مضاعفات هذا الإنتاج فهي جسيمة جداً: فإن من شأنه القضاء على حريات الأفراد، لإقامة الملكية الشيوعية مقام الملكيات الخاصة. وذلك لأن هذا التحويل الاجتماعي الهائل على خلاف الطبيعة الإنسانية العامة)، (باعتبار  إن الإنسان المادي لا يزال يفكر تفكيراً ذاتياً، ويحسب مصالحه من منظاره الفردي المحدود)، وهذا كله جعل الاشتراكيون يشكلون (قوة حازمة تمسك زمام المجتمع بيد حديدية، وتحبس كل صوت يعلو فيه، وتخنق كل نفس يتردد في أوساطه، وتحتكر جميع وسائل الدعاية والنشر..)، (ص32). 

يعتبر محمد باقر كما تقول (الماركسية ~ اللينينة) بأن التجربة التي جرت في الاتحاد السوفيتي والصين وغيرهما بأنها تجربة (اشتراكية)، وليست رأسمالية دولة شمولية، وهو لا يؤيد هذا البناء من ذات منطلق الملكية الخاصة الصغيرة التي ستُحطم هنا من خلال الدولة وليس من خلال الرأسماليين كما في الغرب، ولكن بمضاعفات أخرى وهي غياب الحرية الفردية كذلك، وهو يجعل هيمنة الملكية الخاصة جزءً من (الطبيعة الإنسانية)، كما أنه يتنبأ بشكل صحيح بعودة (الاشتراكية) إلى الرأسمالية العادية لأن المديرين والمهيمنين على المال العام هم أفراد، أي كما لاحظ تروتسكي بأن البيروقراطية تنخر (الاشتراكية) المفترضة كما تنخر التجارب التنموية الرأسمالية الفردية في العالم الثالث الأخرى.

لكن منطلقات محمد باقر دينية مثالية ، حيث تتناغم لديه الملكيةُ الخاصة الصغيرة والدينُ والدولةُ المسيطرة الشاملة في علاقة شرقية أبدية. دون أن يقرأ بأن رأسمالية الدولة الشرقية (الاشتراكية) جرت بسبب عوامل نهضوية تسريعية، وبهذا فإن المركزة الاقتصادية الحكومية أدت إلى تجاوز هذه البلدان منظومة الدول المتخلفة، وأجرت ثورة ثقافية وتقنية، بسبب عدم جعل الملكية الخاصة الصغيرة والمذاهب تتحكم في البناء الاقتصادي العام، ولكن كان لذلك ثمن باهظ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انظر عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية، الجزء الرابع، تطور الفكر العربي الحديث، وهو يتناول تكون الفلسفة العربية الحديثة في مصر خاصة والبلدان العربية عامة، منذ الإمام محمد عبده وبقية النهضويين والمجددين ووقوفاً عند زكي نجيب محمود ويوسف كرم وغيرهما من منتجي الخطابات الفلسفية العربية المعاصرة، 2015.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2024 12:47