عبـــــــدالله خلــــــــيفة's Blog: https://isaalbuflasablog.wordpress.com , page 18

April 6, 2024

مسئولية المثقف: كتب ـ عبدالله خليفة

لا شك إن الفساد الساري في الوعي العربي على نحو واسع يتحمل جزءً كبيراً منه المثقفون، فهم انساقوا إلى أحابيله، وزحفوا في ممراته، تلوح أمامهم المغرياتُ بمختلف أنواعها.
حين كان شعراء العربية التقليديون الكبار موجودين في الزمن السابق، فإنهم لم يتركوا تعرضاً واستبداداً واقتحامات أجنبية بدون أن يكتبوا شعراً منبرياً صاعقاً على هذه الكوارث التي تنزل بالناس!
نعم كانت العديد من هذه القصائد مبنية بشكل تقليدي، لكنها كانت تعبر عن حرارة مواقف، وعن تضامن يعبر أسلاك الحدود السياسية والاجتماعية.
كان الكتاب يقومون بالرحلات من أجل تعرية حال الأمة، وليس ليحلوا ضيوفاً وأفواههم مغلقة.
لكن الآن استبسلت الوزارات في إقامة المآدب والمؤتمرات والمهرجانات، ليس من أجل البحث وكشف السلبيات لتجاوزها، ولتراكم المعرفة في شتى حقول المعرفة، بل للدعاية للأنظمة، أو لجعل هذه اللقاءات بنداً آخر لسرقة الميزانيات، وتقديم القوائم للحكومات والبرلمانات بأن أموالاً كثيرة صُرفت من أجل المصلحة العامة الخالصة!
وإذا كان المثقفون سوف يصمتون عن أخطاء الأنظمة كلما ذهبوا إلى مأدبة عامرة، أو سيتم اعتقالهم في الفنادق الفاخرة، وتتم رشوتهم بمكافآت، فمن سوف يتكلم عن الشعوب؟
وإذا ذهب مثقف إلى عدة أنظمة فسوف تتهاوى عقليته النقدية، وسوف يتحدث في حقول فكرية وثقافية وسياسية مقبولة من قبل المناخ الملوث.
ومن هنا ستنمو المدارس الفكرية التي لا تقول شيئاً، والآداب والعلوم المعلبة والمنتهية الصلاحية للاستعمال الثقافي السليم والصحي.
وهذا ليس دعوة لكي لا يذهب المثقف بل لكي لا يتم أصطياده من قبل شبكات الأنظمة والوزارات، ولكي لايُحبس في فندق خمس نجوم، بل أن يذهب للتعرف على حياة الشعب الذي من أمواله دفعت له التذكرة وتكاليف الضيافة، وأن لا يقيد جسده كما أغلق فمه، وأن يذهب للأزقة الشعبية ويكلم الناس ويتعرف على صحف المعارضة وأدبيات الأدباء والفنانين المهمشين.
فهذا المال الذي دُفع كرشوة لا ينبغي أن يُقبل كذلك، بل أن يُرد الجميل للشعب الذي سُحب منه هذا المال، فيتحول في لسان الشاعر قصيدة، وبقلم الناثر يغدو صرخة أو صفعة!
إن مسلسل إفساد الثقافة والعلم ينتشر بشكل وبائي، وقد راحت الإدارات تخلق الطبالين من كل لون وصنف، وهم طبالون وليسوا كتاباً يناقشون ما هو سلبي وإيجابي، وكما أفسدوا بلدهم فيريدون إفساد كتاب وصحفيي الدول الأخرى، وقد كانت الدول الدكتاتورية العنيفة السابقة هي أكثر من حول هذه الظاهرة إلى عالم كامل مفسد للصوت والكلمة، وصارت الآن هذه الطريقة سياسة عربية رسمية.
كانوا يعيبون على الجواهري تضامنه مع قضايا الشعب والأمة، وعلى هذا الصوت المجلجل الذي يملكه وينتج المظاهرات، لكننا الآن نريد ولو نصف صوتٍ مجلجل..
وصار الدينيون يوجهون سهام النقد للحداثيين العاجزين عن التضحية، والذين يهيمون بالمآدب بينما هم يهيمون بالاستشهاد!
ونحن لا نريد عقلية الحزام الناسف فهذه سيئاتها أكثر لأنها ثقافة موت وطريق هدم، لكن بين الانبطاح والانتحار هناك مسافة النقد الموضوعي، والوقوف مع المقموعين والمضطهدين، وتعرية المساوئ بالكلمة والصورة والريشة وبالفيلم والمسرحية والبحث، حتى تتراكم ثقافة الحقيقة والمسئولية بدلاً من أن تزدهر ثقافة المقابر أو ثقافة الكروش المنتفخة من المال الحرام!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 06, 2024 11:18

March 29, 2024

ثقافة الانتهازية

يتوحد الانتهازيون في ثقافة ذات أنماط عامة، وهي الثقافة الأكثر انتشاراً في العالم العربي والأخطر حضوراً، ولا بد من درس قوانينها وتجلياتها كماة خام للدرس.
تنقسم هذه الثقافة إلى شكلين أساسيين، الشكل اليميني والشكل اليساري، لأن هذين النمطين يصوران نفسيهما بالدفاع الأقصى عن الناس، لكن هذا الدفاع الأقصى هو شكل من خداع الناس كذلك!
إن هذه الحمية والعاطفية الشديدة والكلمات الحادة ولغة الأستعراض والأدعاء هي أمور توحد الفريقين رغم تعارضهما الظاهري، فهما يعتمدان على خلق مزايدة ما سواء بهذا الاتجاه أو ذاك ويبتعدان قدر الإمكان عن التفكير الموضوعي.
فهناك دائماً فيهما انتفاخ ذاتي، يغطيانه بألفاظ ملتهبة، ليغطيا به عن ضحالة تحليلهما، عتمدين على المساعدة الضمنية المتوارية التي تأتي من القوى السائدة في المجتمع.
حين يكره الاتجاه الانتهازي قوى المعارضة فهو يضخم أخطاءها بهدف الكسب من جهة أخرى.
وحين يضخم من أخطاء الحكومة فهو يهدف للتقرب إلى أتجاه آخر.
إنه لا يقدم تحليلاً موضوعياً يمكن عبره تطور الحالة السياسية وتغيير الظروف الاقتصادية دون أن يبالغ في الصواب أو الخطأ.
كما أن الحالة الدينية وأهميتها في حياة المسلمين تجعل بعض الاتجاهات تبالغ فيها، فجأة يصبح بعض الأشخاص المنافحين عن جماعة معينة من المسلمين ويقوم بالضخ التشنجي التعصبي فيها، بغرض إستغلالها واستثمارها لمصالحهم، وينبهر بعض البسطاء بهذه الحالة، فهم لا يتحدثون عن أخطاء هذه الاتجاه، بل يتعمدون ذكر فضائله من أجل أن يستغلوا هذا الشحن العاطفي لمصلحتهم.
وتتناقض مثل هذه الآراء الشخصية في كلها، فهم يمدحون هذه الاتجاهات في بلد بعيد، فإذا جاءوا لبلدهم انتقدوها!
وأقرب شيء لذلك هو مدح الزعماء وإستغلال أسماء الرموز، وجاءتنا فترة غثة سابقة أندفع بعض (المثقفين) فيها لتأييد شخصيات دكتاتورية فقط لمجرد إرضاء مشاعر عابرة هنا أو هناك!
لماذا يتركز المدح أو الذم على الأسماء الحادة في سياستها؟ !
فمثل هذه الشخصيات عرفت بالحدة في السياسة والتعصب وقيادة شئون البلدان إلى حافات الهاوية؟
لماذا لا تتوجه أفكارنا للتخفيف من حدتها من أجل الحفاظ عليها ومن أجل تطوير نهجها بدلاً من سيول المديح التي تفقدها الرزانة والعقلانية فتتوهم إن كل ما تفعله صواب؟! ومن البشري الذي لا يخطئ؟ !
لماذا لا نحافظ على هذه الشخصيات بشكل عقلاني نقدي فلا نضخمها ونحولها إلى آلهه!
وإذا كانت شخصيات دكتاتورية تمت إزالتها ينهمر عليها نفس المديح بغرض إيجاد بدال لها، وهي قد خربت ما خربته؟
ألسنا قادرين على تطوير النهج الإسلامي والنهج القومي بشخصيات موضوعية رصينة تدافع عن هذه الثوابت بشكل حديث ونقدي؟
هل عدمت الأمة إلا من شخصيات السحل والحرب والمحو للآخر؟
ولماذا تكون الشخصيات المعتدلة والزعامات البعيدة النظر والداعية للسلام هي في نظر هذه الكتابات والسياسات الانتهازية هي العدو؟
لماذا خلق هذا التشنج؟

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 29, 2024 20:08

March 28, 2024

النقدُ الذاتي وليس المراوغة: كتب ـ عبدالله خليفة

النقدُ الذاتي من جميع التيارات للحراك السياسي ليس نقداً موضوعياً قائماً على قراءةِ الأنظمة ومسارها المطلوب في التاريخ الراهن العاصف.
لاتزال ثوابت الحداثة مرفوضة من قبل الفرقاء، الديمقراطية: تداول السلطة، العلمانية: إبعاد المذاهب الدينية السياسية عن الصراع والتعاون الاجتماعي السياسيين، العقلانية: إدارة الصراع وفق العقل والسلام الاجتماعي.
الصراعُ المذهبي السياسي المتفاقم هو شكلٌ صراعٍ غير عقلاني بين دول كبيرة وتُستخدم فيه المذاهب كحطب لتفجير المنطقة والذي وقوده الشباب والبشر عامة.
المعسكران يرفضان ثوابت الحداثة، وتنساق القوى التحديثية ذات التاريخ الوطني لتأييد هذا المعسكر أو ذاك. في حين يجب أن تؤدي ممارستها إلى تراكم الحداثة السياسية والوطنية في كل دولة ومنع الحروب وخاصة الأهلية منها.
المجتمعات العربية الإسلامية في صراعها بين الإقطاع السياسي والإقطاع الديني حولتْ القطاعات (العامة) وهي رأسمالية الدولة لخدمة الارستقراطيات المذهبية في شكلين رئيسيين من التنمية أولهما عسكرية شاملة خطرة وثانيهما خدمة للمحافظ النقدية الغربية بشكلٍ كبير وترك المجتمعات بأمس الحاجة للرساميل.
ويُفترض من القوى التحديثية التي انزلقتْ لتأييد أحد طرفي النزاع، أن تنسحب من هذا التأييد وتعمل لبنية سياسية عصرية ديمقراطية توحيدية للشعوب والدول.
من الضروري تحويل رأسمالية الدولة أي دولة، لتكون رأسمالية دولة وطنية ديمقراطية، تخضع ماليتها للبرلمانات المنتخبة، وللحكومات المنبثقة عنها، فيما تُترك للرأسماليات الخاصة النمو والتوسع في كل المجالات.
إداراتُ الدول التداولية تجري بين الأحزاب المعبرة عن طبقات وليست معبرة عن طوائف، لأن التعبير عن طوائف سوف يؤدي إلى توجه الرساميل نحو منطقة طائفة، أو قومية، ومصالح النخب فيها وليس ان يجري التداولُ الديمقراطي الرأسمالي الوطني لتطوير الانتاج لكل بلد وشعب، وهذا يؤدي إلى إفشال مشروعات الطائفية السياسية وينتج الدولة المدنية الجامعة.
لكن ممثلي الأحزاب في خلال الصراعات وبعد فشل نتائجها وانتكاسة ثوراتها استمروا في رفض الثوابت التحديثية الديمقراطية العلمانية وبقوا في معسكرات الطوائف السياسية وخندقي الصراع في العالم العربي الإسلامي، وهو ما يمثل خطورة على السلام والأمن والتقدم في المنطقة، نظراً لضخامة الآلات العسكرية ومواد الطاقة الهائلة ومخاطر الانفجار الشامل.
لديهم نظرة تجزيئية ويركزون على دعم الجماعات الطائفية أو على الدول الطائفية، على الإقطاع المذهبي المتعدد الأشكال، أو على الإقطاع السياسي وهيمناته على الأموال العامة.
هم يتخندقون مع القوى التقليدية التي تقود المنطقة للنزاع الحاد، ويصيرون جزءًا من القوى التقليدية، ويرجعون لحواضن الطوائف، ويرددون نفس مصطلحاتهم الدينية المؤدلجة للمصالح الضيقة المسببة للمشكلات السياسية والاجتماعية.
تدهور الجماعات التحديثية من حيث الوعي وتآكل أدواتها الوطنية الديمقراطية بسبب انقساماتها وعدم التشبث بمناهجها التحليلية الطبقية، وتصاعد الانتهازية بين قياداتها وبعض قواعدها للحصول على المكاسب والطفو على السطح السياسي.
لكنه سطحٌ سياسي مشتعل بحاجة للإطفاء والعقلانية والوطنية والسلام، وإعادة النقد إلى منهجيته الصحيحة وصبه في مشروعات سياسية وبرامج محددة، والدعوة لها في الدول والمنطقة عامة، من أجل تغيير سير القطار المناطقي المتجه للحرب وتصعيد العداوات بين القوميات والمذاهب والأديان، وتعبيد سكة جديدة له سكة الديمقراطية والحداثة والعلمانية.
هذا يتطلب من القواعد وبعض القيادات التي لم تصبها عدوى الأمراض العصبية السياسية، وتتحلى بموقف طبقي واع يعبر عن الطبقات الشعبية والطبقات الوسطى الرأسمالية إلى العودة لمناهج ما قبل الوباء الطائفي العام ونقد جميع أشكال الدكتاتوريات باسم طبقة أو مذهب أو دين أو قبيلة أو إقليم أو قومية، واعتبار النموذج الديمقراطي الغربي هو أساس الاحتكام وعلى الدول والقوى السياسية أن تطبقه أو ترتقي إليه، لا أن تكرس تخلفها وتلوي أشكال السياسات والمناهج تبعاً لتخلفها وهيمنتها وطائفيتها.
إن مجاملات الدول والأحزاب وهي بنواقصها وعدم تكامل برامجها لا يفيد شيئاً بل هو يضر بدورها الحاضر والمستقبلي، ولا يقدم إلى الجماهير خرائطَ طرقٍ حقيقية بل يوجهها نحو منزلقات وصدامات خطيرة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 28, 2024 04:35

March 26, 2024

شكري بلعيد: كتب ـ عبدالله خليفة

#شكري_بلعيد

إستيلاءُ فئاتِ البرجوازية الصغيرة على الحكم في تونس جاءَ بشكلٍ دكتاتوري، وفي هوجةٍ من الكلمات والشعارات السياسية المجردة الحماسية التي لا تبحثُ عن طابع قوانين التطور الاجتماعي السياسي الموضوعية.
إن إستيلاءَ فئاتِ البرجوازية الصغيرة على السلطةِ السياسية في تونس هو ضمن الحراك البشري العام في العالم النامي حيث يصعبُ قيام البرجوازية الصناعية بالحكم وقيادتها للثورة الديمقراطية الصناعية لعدم وجودها كطبقةٍ بل كشرائحَ صغيرةٍ مُحاصرة وهي المؤهلةُ لذلك أساساً.
وهو خيارٌ إصطدمتْ به الثوراتُ المؤسِّسةُ في الغرب في القرون السابقة كالثورة الفرنسية والبريطانية وإحتاجتا لقرنين لكي تتبلورا. والتبلورُ هو ظهورُ رأسِ المال الصناعي الوطني الواسع الذي يطور قوى الانتاج البشرية والمادية.
في تونس قامت الفئاتُ البرجوازية الصغيرة المتعددة المتناقضة بالاعتماد على رافعةِ الطبقة العاملة لكي تضربَ وتزيحَ طبقةَ الإقطاع السياسي الاقتصادي الحاكم، المُمثّل في الحزب الدستوري المهيمن على رأسمالية الدولة، الذي كان غير قادر على إحداث التنمية الشاملة و(عدالة) توزيع فوائضها.
قيام الفئات البرجوازية الصغيرة بتحطيم الطبقة الحاكمة سياسياً بأسلوب أهوج، بدلاً من التحول العقلاني التدريجي، لم يجعلها تستولي على الحكم حقيقة، فالمؤسساتُ الاقتصادية والحكومية الغائرة ظلت في يد الطبقة الحاكمة السابقة، وجعلتها تصارعُ بقوة وتلجأ إلى خلق الفوضى في النظام الجديد وتصعيد الصراعات بين أجنحةِ البرجوازية الصغيرة المندفعة لاقتسام الغنائم وكراسي الحكم السياسي والتي لا تصل للسيطرة على مفاتيح الحياة الاقتصادية.
ونظراً لدكتاتوريات البرجوازية الصغيرة التي ليست لديها مُلكيات كبيرة فأنها تصعدُ من هذه الهيمنات في ظل عدم وجود طبقة مستقرة، لتتحول كل فئة إلى الطبقة الحاكمة المنتظرة.
وهذه السيطرة لا تتم من غير الشحن السياسي الإيديولوجي التعصبي في إطار الصراع الطبقي الذي تم بشكل حاد، وإفتراق البرجوازيات الصغيرة لجناحين طائفي ويساري يعتمدان على تطور البُنية الاجتماعية التونسية ذات التباين الديني المحافظ والتحديثي البرجوازي البيروقراطي.
فكلُ تيارٍ منهما يحاول أن يشكل دكتاتوريته، في غياب وجود الشكل السياسي للطبقة المسيطرة، نظراً لكونهما معاً رفضا الديمقراطية العلمانية العقلانية، ونزع الطبقة الحاكمة الدستورية بوسائل النضال الديمقراطي، وأصرا على دكتاتورية البرجوازية الصغيرة للعالم الثالث.
وصراعُهما كان حتمياً، كما في مصر، وكما في إيران، لكن القوى الريفية المتخلفة في البلدين ليست بضخامتها في إيران، ولهذا فإن الدكتاتورية الطائفية هنا غير قادرة على السيادة المطلقة.
الفئات البرجوازية الصغيرة غير موحَّدة إقتصادياً ولا تمثل علاقات إنتاج، ولا مُلكيات كبرى مهمة في الاقتصاد قادرةً على القيادة، ولهذا تظهر بأشكال إيديولوجية مضطربة متناقضة، غير قادرة على توحيد المجتمع إقتصادياً وفكرياً.
إنها الخريطة الاجتماعية المُمزَّقة بين خندقين تضطرب فيها القوى السكانية والقيادات السياسية، ومن هنا نجد نشاط شكري بلعيد تعبيراً عن هذا الحراك البرجوازي الصغير المضطرب بين اليسار واليمين، بين الهجوم الساحق على الطبقة المسيطرة(الدستورية)والهجوم الساحق على الفئة البرجوازية الصغيرة الصاعدة غير المتماثلة معه إيديولوجياً، والتي تريد أن تتحول لطبقة سائدة بوسائل مختلفة مضادة لوعيه وشعاراته وهي جماعة النهضة.
تماثل الفصيلان في الهجوم على الطبقة السائدة وإزاحتها بشكل شعاري عاطفي غير متحقق في الواقع، وتماثل الفصيلان في الهجوم على بعضهما البعض للتفرد بالسلطة، وهذا يظهرُ إيديولوجياً في التضادِ الحاد المطلق لمفرداتِهما الفكرية وعدم نضجها الموضوعي، وعدم فهمها لطبيعتها وطبيعة البُنية الاجتماعية التي يتصارعان فيها.
وهذا يحدث عبر الارتكاز كل منهما على جماعاته وتوسيع الهجوم وإنتقال الصراع الثنائي الفِرقي إلى الجمهور ووسائل معيشته وأمكنة تواجده المناطقية والاقتصادية.
أي هو تحويل صراع البرجوازيات الصغيرة إلى صراع وطني واسع وجلب الشعب إلى دائرة نزاعهما الفئوي الضيق، وهذا ما حدث خاصة عبر إنجرار إتحاد الشغل، إتحاد العمال، للصراع، مثل لجؤ جماعة النهضة للفِرق المسلحة والمليشيا الحزبية الخطيرة. أي هو شكلٌ أولي لحرب أهلية إجتماعية.
العصبيةُ السياسيةُ الاجتماعية التي تناولتْ بها مجموعاتُ البرجوازية الصغيرة السياسية التونسية لوضع جهاز الدولة، القضية المركزية في أية ثورة، تتالتْ نتائجُها الوخيمةُ على السلطة الجديدة فكان إغتيال شكري بلعيد هو أحدُ نتائجها المفجعة.
يصعب أن ترثَ هذه المجموعاتُ أي سلطة بشكلٍ عقلاني، فهي لا تمثلُ طبقةً، وفي ذات الوقت تقومُ بهدمِ الطبقة الحاكمة السابقة دون أن تطورها وتغيرها، ولكن الطبقةَ السائدة لا تزولُ بقراراتٍ سياسية فهي وجودٌ طبقي إقتصادي إجتماعي متجذر في الأجهزة الحكومية والشركات العامة والخاصة.
طبيعةُ حراكِ شكري بلعيد ترينا كيفيةَ هذا العمل السياسي الطفولي، فهو الذي دافع عن الفوضويين العنفيين الطائفيين في المحاكمات، يعملُ في حزب ماركسي لينيني قومي، أي يعملُ في كيانٍ سياسي فضفاض، في حين أن العصرَ الثوري الديمقراطي تجاوزه، فهذه الأيديولوجيةُ تمثلُ فوضوية البرجوازية الصغيرة اليسارية وقفزها للسلطة وعدم فهمها لقوانين الصراع الطبقي.
ويتجسد ذلك هنا في الصراع ضد فئةِ البرجوازية الصغيرة الطائفيةِ المؤدلجةِ للإسلام إقطاعياً وهي جماعةُ النهضة، المتماثلةُ في الهوية الاجتماعية مع شكري بلعيد، المغايرةُ له في الفكرة السياسية، وتشترك الجماعتان في خرق فهم قوانين التطور، على مستويي التراث والعصر، وكل منهما تتصور بأن بإمكانها أن تؤسسَ سلطةً وهي لا تستندُ على طبقة تمثل علاقات إنتاج. ومن هنا فلا بد لها من الدكتاتورية لكي ترثَ رأسَ المال وتكبرَ من فئة صغيرة لطبقة. هذه تكررُ تجاربَ الشرق (الإشتراكي) الشمولي التي وصلت للنهاية.
فقام بلعيد بتأجيج الاضرابات والمحاكمات ضد جماعة النهضة، لضربِ سيطرتها المتنامية على المجتمع ولكن في خضم تصاعد الأزمة الاقتصادية الواسعة في المجتمع التونسي.
فقد عرفت تونس بعد الثورة ما يقارب الثمانية وعشرين ألفاً من الحركات الاحتجاجية والاضرابات وغلق الطرق والإنتحارات!
وقام بلعيد بتحريك بعض قطاعات العمال من أجل جعلها رافعةً لضرب هيمنة حزب النهضة والترويكا الثلاثية الحاكمة.
فثمة شدٌّ طائفي يميني شمولي متصاعد يقابله شدٌّ يساري متطرف من جهة أخرى، والجمهورُ الكادحُ هو أدوات لهذا الصراع، وتدخل على الخط الطبقةُ السائدةُ والمعارضة الطائفية الأشد تطرفاً وتضيعُ أدواتُ الصراع العقلاني المتجهة لتنفيذ أهداف إجتماعية وإقتصادية وطنية مشتركة.
هذه الصراعاتُ الحزبيةُ بين النخبِ على الحكم وغياب إدارة طبقة أو تحالف طبقي عقلاني إصلاحي متماسك أدت إلى ظروفٍ بالغة القسوة على السكان:
فقد إستمرت نسبةُ البطالة المرتفعة 18% (ثمانية عشرة بالمائة)بين سنتي 2011 و2012، وارتفعت نسبةُ الفقر إلى 24.7(أربعة وعشرين وأربعة من عشرة بالمائة)، وتدهورت الطاقةُ الشرائية للمواطنين مع ارتفاع الأسعار وتدهور السياحة.
الفئتان الكبيرتان المتصارعتان على السلطة جرّتا بقية فئات المجتمع إلى حومة هذا الصراع، ولم تكن الترويكا الحاكمة من أحزابٍ ثلاثة تمثل الجبهة الوطنية المعبرة عن تحالف البرجوازية والعمال وهو التحالف الاجتماعي السياسي الوحيد الذي يُخرج هذه الأحزاب من رؤاها غير التاريخية وغير الاجتماعية، ومن الشمولية، ويقاربها بنموذج الغرب الديمقراطي العلماني العقلاني النموذج الوحيد القابل للحياة.
تتطلب تونس ليس الصراع بين الطبقة الحاكمة السابقة والحالية الصاعدة بدون نجاح وعبر فوضى سياسية وإجتماعية، بل تعاون القوتين لتكوين طبقة حاكمة جديدة ذات علاقة وثيقة بالعاملين.
فيما يمثل صراع النهضة وجماعة شكري بلعيد صراع التناقض الحاد بين المتطرفين في البرجوازية الصغيرة، فأحدها تمثل دكتاتورية الفئات الوسطى المحافظة للحفاظ على الإقطاع السياسي الاجتماعي، والثانية تمثل قفزة في الفراغ ودكتاتورية للفئات الوسطى لقيام دكتاتورية حكومية باسم الاشتراكية.
تصاعد الصراع بين هذين القطبين إستغلته القوى المتربصة بالتطور الديمقراطي وإستقلال تونس وقامت بتفجيره عبر إغتيال شكري بلعيد، من أجل أن تنزلق البلد ككل في حرب أهلية.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=345845

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 26, 2024 14:38

March 19, 2024

التاريخ بين حوارين : كتب ـ عبدالله خليفة

عاشَ الشرقيون آلافَ السنين والتاريخ لا يتحرك، التاريخ جامدٌ لديهم مربوط بالجبال الرواسي، لأن قوى تاريخيةً جديدة لم تظهر، إلا في لمحاتٍ حين ظهرتْ مشروعاتُ فئات وسطى صغيرة من التاريخ وسط بحر بدوي أو وسط ركود ريفي مديد تسيجهُ حضاراتُ الأنهار الاستبدادية العريقة.
الشرقيون لا يعرفون الحوار لأن الصوت الواحد هو المسيطر، صوتُ الطبقة الوحيدة على المسرح.
حين قامتْ الانقلاباتُ العسكرية ظهرت طبقة جديدة على خشبة المسرح السياسي، لكنها لم تتداول الحكم، فلم تعرف الحوار.
الحوارُ هو حوارٌ اجتماعي طبقي وليس ثرثرة طويلة تستمرُ عقوداً أو قروناً كما فعلت القوى السائدة الشرقية على مر التاريخ، ومن هنا كان الغربُ يسير والشرق واقف.
الحوار هو إمكانية للطبقات أن تغير النسيج الاقتصادي الاجتماعي من خلال وجهات نظرها ومصالحها.
العسكريون والأنظمة الشرقية الآسيوية غير الديمقراطية واقفون في عوالمهم وهم يظنون التاريخ متحركاً.
ثمة بناءٌ ومشروعاتٌ وسفراء ووزراء وانتقالات لكنها كلها حركاتٌ في الفراغ.
حركاتُ الفراغ إما أن تؤدي إلى التآكل الاقتصادي السياسي المُفتت وإما أن تكون مقدمة لتحول قادم، حين تظهر قوى وسطى اجتماعية تلملمُ شظايا الجماعات والمذاهب والطبقات في مشروع تحولي يفيد كل الطبقات.
أشادت الحضارات الشرقية أكبر المباني في التاريخ عبر قوى العمل المجمدة فذهبت تلك المباني أدراج الرياح.
دولُ حوض الخليج خاصة تعيشُ زمنية الفراغ التاريخي، زمنية الركود، وثبات القوى الاجتماعية التي هي ذات الصوت الواحد، ذات الطائفة ومستوياتها العليا المتحكمة في الاقتصادات.
بدا التاريخ متحركاً ويضج في سنوات لكن ظهرت الطوائف لتصنع التاريخ، والطوائف لا تستطيع أن تصنع التاريخ، بل تعيده للوراء أو تجعله واقفاً متآكلاً يعيدُ أسطوانته على مدى الدهر.
الطوائفُ تكويناتٌ مما قبل الطبقات، تمثلُ النسيج الشرقي الاستبدادي المحافظ غير الديمقراطي.
الدول الاستبدادية المحافظة لم تسمح للطبقات الوسطى أو العاملة أن تصنع تاريخاً جديداً.
الطبقاتُ العاملة مشروعاتها التاريخية أفلست حين اعتمدت الرأسمالية الحكومية الشمولية.
الطبقاتُ الوسطى لم تُعطَ الفرصَ في الكثير من الدول.
الحوار إما أن يكون حوارا داخليا (مونولوجا) وإما يكون حوارا خارجيا (ديالوجا).
وقد سيطر الحوارُ الداخلي في التاريخ الشرقي، فالطبقات الحاكمة لا تحاور إلا أنفسها، فهي تستمعُ ثم تقرر هي نفسها.
الحوارُ الخارجي الديالوجي هو حوار اجتماعي، تقرره صناديق الاقتراع، وجدل المصالح المختلفة المتآزرة في النظام الوطني المشترك.
الجماعات التي تحكم بذاتها لذاتها تبقى نظاراتُها ترى أفقاً واحداً وسطحاً دائماً من الواقع، لأن مصالحَها المكرسة لا تسمح لها بأن ترى شيئاً آخر.
لكن التاريخ الذي لا يمشي ينكسر في النهاية، ولم يعد الشرقُ سرمديا في سلطانه وبخوره وتعاويذه وحفلات الزار السياسي التي يقيمها، بل ظهر تاريخ آخر، ودخل العالمُ ديالوجا عالميا شرسا.
فإما أن يدخل الشرقُ التاريخَ وإما أن يخرج منه.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2024 17:48

لسانُ الشاعرِ المقطوع : كتب ـ عبدالله خليفة

قطعوا لسانَ الشاعر اليمني فتحسستُ لساني، وخفتُ أن يكونَ قد قُطع.
هل بقي شارعٌ لم يتكلمْ ويصرخ في اليمن؟ كلُ الجبالِ والأزقةِ والحارات والشجر ضجتْ بالكلام، ووصلت الميادينُ إلى الكواكبِ والنجوم، فلماذا هذه القطعة الصغيرة من اللحم تُزال؟
يقولون ان قطع اللسان كان مؤامرة لكي تُتهم أحزابُ الحريةِ بأنها قاطعة ألسنة للشعراء الصارخين بها.
كم من الألسنةِ قُطعتْ.
كم من الألسنةِ اجتُثتْ وهي لاتزالُ تثرثرُ بالكلام.
أيكونُ كلُ هذا الكلامِ هراء؟ وحين يجيءُ شاعرٌ فيعبرُ عن رؤية أو حلم يغدو أخطر من الفضائيات التي تروعُ الناسَ بضجيج الكلام؟
كم من الناس يصرخُ بلا لسان.
وكم من إنسانٍ يهذي بلا معان.
كم من الألسنة قُطعتْ منذ زمان طويل ودُفنتْ في الأرض أو حُفظتْ في المتاحف، أو عُلقتْ لتيبسَ في الشمس وتأكلها الغربان؟
هناك ألسنةٌ تتكلم لتعيش.
هناك ألسنةٌ تتكلم لتوقف عيش الآخرين.
هناك ألسنةٌ تتكلم ليحل الصمت.
هناك ألسنة تظهر فجأة وتختفي فجأة، فلا هي جاءتْ من أرضٍ معرفيةٍ خصبة، ولا هي ثبتتْ على موقف، ولا هي معنية بتطور وطن أو قضية، موجودة في الحلق لترقصَ بين الأحزاب والطبقات والمصالح.
هناك ألسنةٌ صامتةٌ لعقود، لم تعدْ لها قضية، اللسانُ صدأ في الحنجرة التي كانت صاخبة بنار الكلام، وقذفتْ الأصنامَ بأسنان المعاول، ومفجرات الحياة، فتعطلتْ الألسنة، وتاهتْ في دروب التجارة، وشراء الأقنعة، وغدا كل حرفٍ يوزن بهدية، أو سفرة هنية، أو دعوة مالية، أو طبعة فاخرة، إنها استراحة المحارب الذي لم يحارب وصدأت أسلحته في المخزن.
ولسان الشاعر المحبوس كالسيف الذي لم يَخرجْ من غمدهِ، ألا ترى أن الكثيرَ من الشعراءِ صار يتبعهم النخاسون والصرافون والباعة، يبيعونهم ليعلقوا رثاثَ الكلامِ في الواجهاتِ المضيئة؟ فإذا وُلد شاعرٌ أهتزتْ الأمةُ وشعرتْ بأنها حية، بعد أن بِيعتْ في سوق النخاسة، فلسانهُ ليس حصانهُ بل هو روحُ الشعبِ وكرامة أرضهِ ونقاء سمائه من الطائرات المغيرة والدخيلة ومن دخان التلوث الروحي الذي تنشرهُ في الفضاءِ لكي لا يظهر أولادٌ وبناتٌ يصرخون باسم الحرية.
لماذا أمةُ الشعراءِ التي بزتْ الأممَ بالأسواق التي تجثمُ تحت نعالِ الشاعر، وتُضربُ له أفخر الخيام، وتُعلق قلائدُهُ على أقدس مكان، تبحثُ عن شاعر الحقيقة والقضية بالبندقية والكبريت الأحمر؟
فإذا وُلد زغردتْ الدروبُ والنساءُ زغرداتٍ تصلُ إلى عنان السماء، وشعرَ الرجالُ بالفخر، فقد صارَ للناسِ لسان!
وحتى في زمان القصور التي تشتري الشعرَ بأوزان الذهب كان ثمة شعراء ملأوا المدن والصحارى بكلام لا يشترى حتى بكنوز الأرض، وهو شعر يغسلُ قدمَ عامل، وينظفُ جرح شهيد، ويعلي مكانة العقل.
فتأكدْ من وجودِ لسانكَ فقد يكون قد قُطع، وأنت نائم، أو ربما استبدلت قطعة أرض به، أو شيكا مؤجلا يُصرفُ عند موتك، أو ضاع منك في أنديةٍ أو في جمعياتِ نضالِ الثرثرةِ، أو استلفهُ نائبٌ ولم يرجعهُ حتى الآن، أو أخذتهُ نائبةٌ مصيبةٌ سياسية منك، أو تجمدَ في حلقك بعد سنوات الصمت، أو بَلعتهُ في زحام الأكل، أو هرب من رقادك الأبدي نحو الوجود والحياة!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2024 14:18

March 18, 2024

الأبطال والفرح: كتب ~ عبدالله خليفة

مصائرُ الأبطالِ السابقين المأساوية مجلبة دائمة للأحزان، وهي الحالةُ العاديةُ الضحلة، لكنها مناسبة أعظم للدرسِ العقلاني، وبقراءة تضحيات الأوائل والفرح بمجزاتهم.
نحتفلُ معاً بالبطل الغائب فيما البعض يكدسُ الأموالَ في خزائنكَ وتملأ زرائبكَ بالخرافِ والعجول، وانا لا أملكُ ثمنَ الفطور؟!
نبكي معاً، فيما أنت ترسلُ أبناءك للدرس في الخارج، وانا يجهلُ ابنائي الثقافةَ في المدارس العامة الأمية؟
نصطفُ معاً للصلاة ثم لا تتخلى عن ديونك وتقودني للسجن؟!
نتمذهب ثم يكون لكَ الذهب وأنا لي الفقر؟
شكلَّ البابواتُ ثقافةَ المأساة، ومنذ شهيد السماء جعلوا من البكاءِ نهراً يصبُ الأموالَ في خزائنهم، ونهضتْ روما البابوية وإمتدت قطائعها وبساتينها على لحومِ الفلاحين المعجونةِ بالسياطِ والضرائب.
ومن قبل منذ أزوريس وأدونيس كان البكاءُ صناعةً إستغلالية متطورة، وكان جلدُ الذاتِ تطهيراً زائفاً، وهو الذي أشادَ الإهرامات الكبرى لجثثِ الحكمِ الإنانية، وبنى الحصالات العظمى من عظام العبيد!
المأتميةُ المستمرةُ تعبرُ عن بطولةٍ عظيمةٍ قديمةٍ وعن عجزٍ سياسي راهن.
الأبطالُ القدامى الذين تعاونوا أو خُذلوا في معركةِ التغيير، تتم إستعادتهم من قبلِ قوى فاشلةٍ في النضالِ الراهن، تدافعُ عن الفقراء وتجلدهم وتستغلهم، وتؤخرهم، خوفاً من أن يتطوروا أو يتحرروا منها!
عندما تقتربُ الجموعُ البشريةُ من القطعان المُعَّدة للذبح تختفي كلُ قدراتِها، تبكي بوجعٍ آلامَها النازفةَ عند الأضرحة، وفي الشوارع الخاذلة للعدالة وللوطن، وعند الحصالات التي جمعتْ دمها، والدوائر التي إستنزفتها.
تتمسكُ بالرموز التضحوية، التي بهرتْ الدنيا، ثم تضعُ دراهمَها القليلة الأخيرة لدى تجار الأضرحة والدموع وتشعرُ بلحظةِ سعادةٍ وتطهيرٍ في مسرحِ جلدِ الذاتِ وتغييب العقول!
تغدو المأتميةُ علامةَ فشلٍ سياسي راهن. السياسيون الفاشلون وحدهم الذين يجتمعون بإستمرارِ لندبِ تاريخ النضال، ولتذكر الشهداء في منولوجات لا تتوقف عن العظماء الغائبين، للشعورِ بلحظاتٍ من الصفاءِ الروحي الزائف المخدر حين ينسى العمالُ أجورَهم غير المدفوعة، وبطالاتهم المتسعة، ويتخفف الأغنياءُ والمتسلقون من الشعور بالذنب لامتصاصِهم خيراتِ المجتمع في جيوبِهم وأرصدتهم، فيتبرعون بعدة دموع من أجل النضال المشترك.
لكنهم ليس لديهم أجندة نضال حقيقية على الأرض، يتكئون على الشهداء لكي يخففوا من حركةِ أقدامِهم في حاراتِ البؤس، ومن إقامةِ علاقاتٍ مع خلايا التغيير وتطوير الكتل البائسة من الشباب التي تحلقُ في فضاءِ الموتِ بالإبرِ والدخان.
يطيرون من خلالِ الشهداءِ وسيولِ البكاء وأمطارِ التطهر ويسكتون ضمائر تضجُ بالأسئلة ويشيعون الحياةَ في ثقافةٍ صفراء تذبل ولا تستقيل وتتحول إلى مشانق وحظائر جنون.
تجارُ الدموعِ والكراسي يستمرون في تجميعِ الأموال، فيما يستمرُ الفقراءُ في تجميعِ العللِ والبؤس، لكنهم يواصلون البكاء والتشبث بالقبورِ والأضرحة والتماثيل والصور ويقبلون أرجلَ البابوات، أو يلحدون أو يهذون بالمسكرات يطيحون بعقولهم، أو يظهر منهم من يناضل ويراكم ثقافة النور، والإعتزاز بالأبطال السابقين وإحترامهم، والنضال الجديد المختلف، الحافر في المعرفة والأسئلة والخرائط الاجتماعية وتجميع الصفوف وحشد القوى للتغيير.
لقد شبعتْ الشعوبُ من الدموع!
شبعتْ من ثقافةِ السلاسلِ والسيوف والسياط!
شبعتْ من فنونِ البكاء وتاقتْ للأفراح وتغيير العشش والحارات الضيقة الخالية من النور، ومن بيوتها المصائد الأنفاق، ومن خرائبها، تريدُ الأعراسَ وقد ذبلتْ الفتياتُ بلا زواج، وأكتهل الفتيانُ قبل أوانهم، وتلوثت الشوارع بالكيمياء السرطانية، فالموت كثيف كثير، والبكاء عميم واسع!
فلتزغردْ النساءُ حين يظهر الشهداء من أجل القضايا!
لتحتفي الجموعُ وترقصُ من أخبار النضال وسكب الدم من أجل الأوطان!
لتوزع الورد والشراب والأغاني!
لتصدح الألحان في ذكرى الشجعان الغابرين!
لنحى ذكريات المناضلين بمزيد من النضال والفرح!
ولنقطع التجارات بالدين والسياسة وبالأوطان.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 18, 2024 00:54

March 16, 2024

الانتهازيون والفوضويون

مع غياب التيارات العقلانية الوطنية الديمقراطية انفتح الباب للفوضويين والانتهازيين للسيطرة على الساحة العقلية المعطلة للجمهور.
انتشار الوعي الديمقراطي توارى بسبب هذا الكم من الفوضويين والمسعورين سياسياً والحمقى فكرياً، فهؤلاء كانت مهمتهم الحقيقيةخلال سنوات عديدة سابقة هي تخريب ساحة النضال، ففي أيام العمل السري كان تجنيد الأعضاء ودفعهم في معارك غير متكافئة، وجر الشباب لأعمال تفوق فهمهم، وكان شعارهم(اعترفْ وأخرجْ من السجن) مما صحر القواعد وغيّب المناضلين والتراكم الديمقراطي والتماسك النضالي والصلابة السياسية والأفق الفكري المنفتح.
أعتمد هؤلاء على لغة الصراخ والانفعال الشديد مما جعل سياسة الحماقة هذه تولد(قادة) فوضويين عنفيين كل قدراتهم تكمن في الصراخ وعدم فهم الواقع والمستقبل، مما أدى إلى انتشار مدرسة الحماقة هذه خاصة في الجيل التالي الذي أجدب يسارياً ووطنياً ووسع من الدينيين الطائفيين الذين أوصلوا هذه الحالة للذروة، وقسموا المجتمع، وهدموا الفكر والتطور.
ما زال هؤلاء المغامرون الفوضويون يحكمون الصفوف الأولى في الجماعات السياسية، ويكرسون نهج الحماقة حتى بعد أن أُصيب الجيل الأول بالخيبات والاختفاء والهزائم.
هذا صّحر الواقع السياسي من الوعي، ومن رؤية المستقبل والانضباط العقلاني السياسي، وجعل الجملة الحادة الصاخبة، واستعمال الأيدي والألفاظ البذيئة والادعاءات السياسية المراهقة حتى في البرلمان بديلاً عن العقلانية والتراكم السياسي الطويل وتكوين الجماعات المعتدلة المتنفذة ذات المشاريع السياسية وفهم مشكلات الجمهور والبلد والمساهمة في حلها.
هذا مكن الانتهازيين من جهة أخرى من فرش نفوذهم في الواقع السياسي المريض، فهؤلاء لا يملكون أي وعي وأي رغبة في إصلاح المجتمع بقدر ما يسعون لتكوين مصالحهم الخاصة وتكوين شلل الفساد العامة الخاصة.
وقد حصلوا على فرصهم مع غياب العقلانيين والوطنيين المخلصين بعيدي النظر وأصحاب البرامج والثقافة السياسية العميقة فعطلوا البرلمان والصحافة والوعي عامة.
وهكذا بدلاً من دحر الفوضويين واستخدام ما في خطاباتهم من نواة عقلانية وفرزها عن الفوضى والصخب والعنف الذاتي، يقومون برفض كلَ شيء وعدم طرح البديل وعدم التعبير عن مشكلات الناس والمجتمع، مصورين أنفسهم بأنهم دعاة العقل وليس قوى الفساد السفلى المشاركة القارضة للمال العام.
تقوم الفوضوية والانتهازية بدور متكامل مشترك وهو منع الوعي السياسي الناضج من التكون ومن تشكل قوى الإصلاح الشعبية، وتحولها لتيارات مؤثرة.
وبهذا يفقد الجمهور أمل التغيير، وينتشر فيه اليأس ويفرز ذلك قوى التطرف والعنف والجريمة.
بدون النقد وتكوين البديل الإعلامي وطرح النماذج السياسية المركبة الجامعة للنقد والمسئولية التعبيرية والحكمة العملية، فإن هذه النماذج المخربة للعمل السياسي الوطني سوف تنتشر وتمنع التطور مستفيدة من الفوضوية والمراهقة السياسية.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 16, 2024 22:47

رجل في الظلام ـ بول أوستر: كتب ـ عبدالله خليفة

واقعية الرعب #عبدالله_خليفة
يتوجه الوعي الفكري وخاصة الجنس الأدبي منه لعلاقة مركبة معقدة مع الواقع. فقد تشكلتْ مستوياتٌ وتراكماتٌ خلقتْ عوازلَ كبيرةً بين الفرد والحياة في الغرب.
إن الإنسان الغربي يعيش في ذاته، وفي ذاته الواسعة وهي الأسرة، وعلاقته بالمجتمع المباشرة تأتي عبر العمل.
وتبينُ لنا الروايةُ الغربيةُ خاصةً هذه المركبات بين الفرد والأسرة والمجتمع، وغالباً ما يعيش الراوي في خدعةٍ هائلة كبطلِ رواية ميشائيل كروغر الألماني في رواية(الكوميديا التورينية) فهو مؤلفٌ روائيٌّ مزيفٌ يكتشفُ صاحبُ وصيتهِ عمليات نصبهِ على القراء من خلال درس مواد التركة الأدبية المسروقة التي خلفها.
أما رواية (رجل في الظلام) لبول أوستر الأمريكي فهي أكثر وضوحاً في تجسيدِ عزلةِ المواطن الغربي العادي عن الواقع العام، وفي حين كانت روايةُ الألماني مرحةً واقعية، فإن أعمالَ بول أوستر تتميزُ بالكابوسية المركبة، فالراوي المحوري، وهو رجلٌ تجاوزَ السبعين عاماً، يعيشُ حياةً مريرة في أواخر عمره، فيكتب روايةً يختلقُ فيها شخصيات (حقيقية) تشعلُ حرباً في الولايات المتحدة، حيث تنقسمُ الولايات اللامتحدة مرةً ثانية بين الشمال الذي يريد الحرية، والإنفصال، بينما الجنوب بقيادة الرئيس بوش يعلنُ الحربَ ويشنها على الشمال!
وهذه الرواية المتخيلة ذات الحرب الطاحنة المزعومة التي يؤلفها الرجلُ المبدعُ الكهل، تتمردُ شخصياتُه عليه، وتريدُ قتله لأنه ورطها في حرب وتصفيات، فتغدو عملية قتله هي المنقذ لها وللبلد!
إنها نوعٌ من الفنتازيا التي لا يكملها المؤلفُ نفسه، لكن بعد أن قطعَ ثلاثةَ أرباع الرواية (232 صفحة، دار الآداب)، وهذه العمليةُ المركبةُ من فنتازيا وواقع تلفت النظر النقدي والمؤلف غزير في إنتاج هذا النوع من الأدب الكابوسي وهو من مواليد 1946.
الجانبُ الأولُ في الرواية يجسدُ لنا شخصيات هامشية؛ قتلة محترفون بدرجة خاصة، وهي الشخصيات التي تمثل الحياة السياسية، وتعيشُ في عملياتِها وخططِها الدموية أو في يومياتها العادية التي يمثلُ العنفُ روتينَها، معطيةً وجهَ الحياة الأمريكية السطحية، في حين أن الشخصيات الأخرى كشخصيةِ المؤلفِ وعائلتهِ من زوجةٍ وابنةٍ وحفيدةٍ، فتمثلُ حياة الطبقة الوسطى التي تعيشُ قضايا الحب والعواطف والصراعات الفكرية والنفسية العميقة في قواقعها.
وهذا الجانبُ الشخصي الأخيرُ لا يأتي سوى في الثلث الأخير من الرواية بعد أن تغلغلَ ببعضِ العروقِ في القسم الأول، ولا توجدُ مشكلةٌ متجذرةٌ تمثل إشكالية أو بؤرة كبرى لقضاياها، بقدرِ ما تمثل مشكلاتِ أسرةٍ حدثتْ فيها كوارثٌ شخصيةٌ وغدت مآسي.
إنها مشكلةُ عملِ الزوجة العازفة المغنية التي تنتقلُ لمدنٍ عديدة، فيعيشُ زوجُها في فراغٍ عاطفي يملأه بخيانةٍ مدمرةٍ لحياتهِ الزوجية ولنفسيته، التي تنزلقُ في الإدمان الكحولي، حتى تتقطع أعمالُهُ الإبداعية، وهو يكتبُ قصصَ الجريمة، ويعلنُ التمردَ في قصص الجريمة هذه ذات الأفق المسدود، ويتوارى ماضيه الديمقراطي عبر هذا الجمود التعبيري.
هو نوعٌ من عجزٍ إجتماعي للطبقةِ الوسطى، وما ظهور أقصى اليمين عبر أمثولة بوش إلا شكل لهذا التدهور في قيمها، وسببه عزلتها عن السياسة والتأثير.
إننا في القسم الأخير نعرفُ هذه الجذور للتدهور؛ فراقُ الرجل لزوجته، عودتهما مرة أخرى، إنتاجهما أسرة مفككة، متغربة، تحاول إعادة صلاتها بالحياة عبر الفنون، لكن الذروة هي مجيء حبيب للحفيدة، وهو شابٌ مرحٌ طموح، يبترُ مسيرتَهُ الواعدةَ هذه من أجلِ أن يذهبَ للعراق، وكان رافضاً للحرب بشدة، لكنه يريد أن يستثمرها الآن وبشكل شخصي جنوني. فيكون في ذلك نهايته.
مصير الشاب أشبه بالثمرة المرة لتناقضات عميقة في الحياة.
إن منظر الرجل المقيد والمُصَّور بالفيديو والذي يتمُ قطع رأسه ببلطة، ثم تنغرز السكين في العينين كذلك! هو منظرٌ مألوف في المشرق، لكنه كارثي في غرف هذه العائلات في مدينة نيويورك.
إن مجموعة كبيرة من الظاهرات والجذور الإجتماعية والحيوات ساهمت في أشكال العجز هذه، لكنها مقطوعة السياق عبر هذا النثر الروائي، والتي تصور بلغة شفافة جميلة، ممتعة، متغربة، كابوسية.
عدم قدرة المؤلف على تحليل تناقضات الحياة الأمريكية عبر لجؤه للرواية داخل الرواية ، أي لهذه الشكلانية الفنية، جعله في النهاية يلجأ للابهار أو لما نسميه الميلودراما، عبر قطع رأس الشاب الأمريكي في العراق وجعل الرواية تصرخ بالدم.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 16, 2024 13:39

March 14, 2024

إعادة تقييم التجربة السياسية : كتب ـ عبدالله خليفة

#عبدالله_خليفة

يجري السكوت على الماضي إلا من إنجازاته، وهذا أمر مشترك لكل القوى الاجتماعية والسياسية. يحبذون نشر تاريخ مضيء زاهي الألوان، والكل مع هذا يدرك أن ثمة أخطاءَ جسيمة، وتقديم الصورة الزاهية قد يصل حتى إلى التشويه وعرض صور كاريكارتيرية عن تاريخ المجتمع والقوى المختلفة.
وهذا ما يدفع إلى أن كل إنسان يقدم صورة وردية عن نفسه، حتى لوكان بعيداً جداً عن هذه الصورة البطولية المتألقة الزائفة. وبطبيعة الحال لا يصحح أحدٌ هذه الصورة، ولكن لماذا وقعنا ونستمر في هذه الكوابيس إذا كان الجميع أبطالاً؟
تستمر هذه القوى السياسية بنشر الصور الوردية لأن هذه الصور تعكس التوحد الزائف، وإخفاء الأخطاء الكبيرة في تاريخها وتداخل المخطئين والسيئين والحرامية والانتهازيين بأبطال العمل الحقيقي التائهين والضائعين والصلبين في هذا العزف المشترك للفرقة الحماسية الوطنية. صخب الفرقة وحماسها الذي يصم الآذان يتناقض مع بعض العيون الزائغة وفلتات اللسان عن سوء بعض البقع الكبرى في الماضي، وهذا الجمود السياسي في كل شيء وعن كل شيء حقيقي، ليستمر الماضي كما كان الماضي، المسرح نفسه والأبطال أنفسهم، والمأساة نفسها!
الجمع السياسي أو التيار أو سلطة التجمع وما شئت من أسماء لا تريد تبصراً نقدياً للماضي، وألسنة أحوالها دعونا من الماضي، والحاضر أهم والمستقبل أجدى.
إنه رجل مريض مأزوم يعيش عقداً ولكنه خائف من الذهاب للطبيب المعالج. فيكفي بهذه الوحدة الموهومة التي يعيش فيها مع نفسه في بضع لحظات من اليوم المعيشي، يكفي أن يتوهم الصلابة والبقاء والصحة، وإنه ليس منقسماً ولا منفصماً، بل هو بطل كبير!
يقوم بكتابة صفحات كثيرة عن نفسه وإنه قاوم وكافح المردة والشياطين وقاد المظلومين وفعل وفعل ما لم يفعله أحد.
لكن الواقع الذي يعرفه آخرون بأنه ليس في هذه المكانة العالية، وأنه رجل له إيجابياته وله أخطاؤه، لكن الصورة الموضوعية هذه إما أن تـُزال تماماً ولا يستطيع أحدٌ أن ينطق بها، وإما أنها تصير مهموسة ومنتشرة في أمكنة كثيرة ولكن لا تصل إلى أسماع البطل!
في بعض القوى السياسية هناك رفض للتمادي في هذه الصورة البطولية الزائفة خاصة إذا قاد (البطل) الجماعة إلى كوارث، فيصبح الانقسام هنا ضرورياً، لكن الانقسام لا يصل إلى محاكمات فكرية في الماضي والحاضر، وكيف أن التيار أو القوة الاجتماعية الكبيرة تشكلا في ظل الحماس البطولي وعبر الكثير من الادعاءات والتباهي بالحزب أو بالقبيلة أو بالطائفة المنصورة. فقد كانت الدنيا ظلاماً حتى ظهرت القبيلة ~ الحزب ~ الطائفة ~ الجماعة النورانية، ورفعت الشمسَ المنيرة فوق المسرح المعتم، وحينذاك بدأ التاريخ!
من الممكن في هذا التاريخ أن تـُستحضر أسماء وتواريخ دقيقة، وتـُجلب وثائق وحيثيات، وتنهمر ذكرياتٌ عاطفية مريرة مليئة بالدموع والشجن والفرح الوامض، ولكن كل هذا من أجل صورة البطل الخالد؛ الحزب، الجماعة، الطائفة، القبيلة، وكيف صارت في هذا العلو. إن حالة الأمية الثقافية والفقر النظري هي من حماس جماهيري شعبي بسيط للحفاظ على مصالح تائهة في خضم العولمة والتحولات الرهيبة التي جعلت الغرباء والأجانب والفضائيات والاقتصاد البذخي والاقتصاد الشمولي تهيمن، وجعلت كلها الناس الغلابة مثل أعواد في نهر جارٍ جارف، يتمسكون بأي شيء من أجل البقاء في العيش.
وحتى المصالح القوية لا بد لها من صورة موهومة بطولية، ولكن إلى أي حد هي قوية؟ وفي غمضة برميل نفطي وانتباهته تتدحرج قوى وعوالم.
يستبدلون بالرمضاء النار، فهم بحاجة الى البطل لكي يحفظ وحدتهم الموهومة الراهنة، ويدافع عن حقوقهم، أو امتيازاتهم غير الصامدة للتاريخ.
ولهذا حين تحدث العروضُ التاريخية الزائفة وتـُوضع أدلة ناقصة، وتواريخ مبتورة، هي كلها بغرض أن (تاريخنا) كان هو التاريخ البطولي الذي صنع المجد الراهن. أو يجري عرض انتقادي بسيط لتاريخ الجماعة المنصورة فلو أنها واصلت نهجها لتوصلت إلى انتصار كامل. كان أغلب هذا التاريخ للجماعة ~ للحزب ~ أخطاء فادحة، ولكن هذه الأخطاء الرهيبة تم محوها من الشريط الملون الزاهي، الذي تواكبهُ الموسيقى الحماسية المخدرة للعقول!
ويذهب المخدرون لمواقع النزاع والحرب التقليدية وخنادق التباهي بالأمجاد ليواصلوا حروب داحس والغبراء التي تزيد الطين الوطني بلة أجنبية وسرقات عولمية وتناثر الثروة الشعبية شرقاً وغرباً.
لا يستطيع كلٌ من هذه القوى الاجتماعية أن يقرأ التاريخ الحقيقي، فالصور الزائفة لها حراسها وعلاماتها التجارية وإعلامها وفضائياتها وفرقها الغنائية.
لا تستطيع أن تغير شيئاً جوهرياً في أحوالها، تصير متحجرات، أما النقد السياسي فلا يستطيع أن يخترقها، وإذا طاف في جوقة الدراويش فهو ضائع ويبتر بقوة.
لا توجد حريات عميقة ونظرات مستقبلية بعيدة المدى فليس ثمة كوادر شبابية جديدة يُسمح لها بالنشوء الحر، حتى لو كانت تريد مصلحة الجماعة ~ الطبقة، فلا يتم تشجيعها من قبل الديناصورات السياسية على الإبداع السياسي إلا إذا كان تطبيلاً. المراكز المهيمنة في كل هذه الكتل الكبيرة والصغيرة تعيش على الأكل اليومي وما دامت الخزائن معمرة بالملايين أو أن البطون شبعى بالخبز، أو أن الأموال تتدفق على أقطاب الفئات الوسطى، فلا شيء يدعو للنظر في المستقبل وكشف تاريخ الجماعة المليء بالأخطاء أو رؤية الطوابق السفلى للوزارات. من هنا فإن الأبطال هم المسيطرون على المسرح المتداعي، وتجد العديد من المسوخ فرصة فريدة لكي تتحدث عن عظمتها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2024 10:42