مسئولية المثقف: كتب ـ عبدالله خليفة

لا شك إن الفساد الساري في الوعي العربي على نحو واسع يتحمل جزءً كبيراً منه المثقفون، فهم انساقوا إلى أحابيله، وزحفوا في ممراته، تلوح أمامهم المغرياتُ بمختلف أنواعها.
حين كان شعراء العربية التقليديون الكبار موجودين في الزمن السابق، فإنهم لم يتركوا تعرضاً واستبداداً واقتحامات أجنبية بدون أن يكتبوا شعراً منبرياً صاعقاً على هذه الكوارث التي تنزل بالناس!
نعم كانت العديد من هذه القصائد مبنية بشكل تقليدي، لكنها كانت تعبر عن حرارة مواقف، وعن تضامن يعبر أسلاك الحدود السياسية والاجتماعية.
كان الكتاب يقومون بالرحلات من أجل تعرية حال الأمة، وليس ليحلوا ضيوفاً وأفواههم مغلقة.
لكن الآن استبسلت الوزارات في إقامة المآدب والمؤتمرات والمهرجانات، ليس من أجل البحث وكشف السلبيات لتجاوزها، ولتراكم المعرفة في شتى حقول المعرفة، بل للدعاية للأنظمة، أو لجعل هذه اللقاءات بنداً آخر لسرقة الميزانيات، وتقديم القوائم للحكومات والبرلمانات بأن أموالاً كثيرة صُرفت من أجل المصلحة العامة الخالصة!
وإذا كان المثقفون سوف يصمتون عن أخطاء الأنظمة كلما ذهبوا إلى مأدبة عامرة، أو سيتم اعتقالهم في الفنادق الفاخرة، وتتم رشوتهم بمكافآت، فمن سوف يتكلم عن الشعوب؟
وإذا ذهب مثقف إلى عدة أنظمة فسوف تتهاوى عقليته النقدية، وسوف يتحدث في حقول فكرية وثقافية وسياسية مقبولة من قبل المناخ الملوث.
ومن هنا ستنمو المدارس الفكرية التي لا تقول شيئاً، والآداب والعلوم المعلبة والمنتهية الصلاحية للاستعمال الثقافي السليم والصحي.
وهذا ليس دعوة لكي لا يذهب المثقف بل لكي لا يتم أصطياده من قبل شبكات الأنظمة والوزارات، ولكي لايُحبس في فندق خمس نجوم، بل أن يذهب للتعرف على حياة الشعب الذي من أمواله دفعت له التذكرة وتكاليف الضيافة، وأن لا يقيد جسده كما أغلق فمه، وأن يذهب للأزقة الشعبية ويكلم الناس ويتعرف على صحف المعارضة وأدبيات الأدباء والفنانين المهمشين.
فهذا المال الذي دُفع كرشوة لا ينبغي أن يُقبل كذلك، بل أن يُرد الجميل للشعب الذي سُحب منه هذا المال، فيتحول في لسان الشاعر قصيدة، وبقلم الناثر يغدو صرخة أو صفعة!
إن مسلسل إفساد الثقافة والعلم ينتشر بشكل وبائي، وقد راحت الإدارات تخلق الطبالين من كل لون وصنف، وهم طبالون وليسوا كتاباً يناقشون ما هو سلبي وإيجابي، وكما أفسدوا بلدهم فيريدون إفساد كتاب وصحفيي الدول الأخرى، وقد كانت الدول الدكتاتورية العنيفة السابقة هي أكثر من حول هذه الظاهرة إلى عالم كامل مفسد للصوت والكلمة، وصارت الآن هذه الطريقة سياسة عربية رسمية.
كانوا يعيبون على الجواهري تضامنه مع قضايا الشعب والأمة، وعلى هذا الصوت المجلجل الذي يملكه وينتج المظاهرات، لكننا الآن نريد ولو نصف صوتٍ مجلجل..
وصار الدينيون يوجهون سهام النقد للحداثيين العاجزين عن التضحية، والذين يهيمون بالمآدب بينما هم يهيمون بالاستشهاد!
ونحن لا نريد عقلية الحزام الناسف فهذه سيئاتها أكثر لأنها ثقافة موت وطريق هدم، لكن بين الانبطاح والانتحار هناك مسافة النقد الموضوعي، والوقوف مع المقموعين والمضطهدين، وتعرية المساوئ بالكلمة والصورة والريشة وبالفيلم والمسرحية والبحث، حتى تتراكم ثقافة الحقيقة والمسئولية بدلاً من أن تزدهر ثقافة المقابر أو ثقافة الكروش المنتفخة من المال الحرام!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 06, 2024 11:18
No comments have been added yet.