شهادة من جمال عبدالناصر: كتب ـ عبدالله خليفة
في زمن الستينيات واحتدام الصراع للأسف بين التيارات القومية والتقدمية حاول بعض المناضلين الوطنيين البحرينيين تشويه سمعة جبهة التحرير الوطني البحرينية، بأشكال كثيرة باعتبارها مجموعة من(العجم) الطارئين الذين تسللوا إلى البلد، وينفذون سياسة الفرس، أو أنها مطية من موسكو لضرب القومية العربية وانتشارها في منطقة الخليج العربي، وحينذاك لم يظهر المذهبيون الدينيون بأطروحاتهم اليمينية، مستخدمين اسم الإسلام دائماً للانتشار السياسي، حيث كانوا في الحياة العامة السياسية المختلفة دون موقف جهادي، ، فلم يشاركوا في معركة التحرر الوطني الضارية في الشوارع!
وقد عرض القوميون الذين هم دائماً في علاقة مناكفة شرسة غير مبررة للتقدميين، حججهم السابقة الذكر على الرئيس جمال عبدالناصر الذي كان أمامه طلب لجبهة التحرير الوطني البحرينية بإقامة مكتب لها في الجمهورية العربية المتحدة وقتذاك، وقد تسابقت القوى القومية المتنوعة تطرح نفسها لهذا التمثيل لحركة التحرر في البحرين.
لكن الرئيس جمال عبدالناصر أزاح حجة انتماء جبهة التحرير الوطني البحرينية لإيران، ولعبدالكريم قاسم، ولموسكو، وأعترف بها كأنشط المجموعات المناضلة الحقيقية ضد الاستعمار البريطاني في الخليج ولتحرر شعب البحرين منه!
وبطبيعة الحال لم يأت اعتراف الرئيس جمال عبدالناصر بالجبهة من فراغ، وقد قال هو نفسه للجماعات القومية أن هذا التنظيم هو الذي نراه فاعلاً عبر هذه السنوات ولا نرى لكم نشاطاً حقيقياً مثمراً!
في تلك السنوات التي تشكلُ فيها المنشوراتُ والمظاهرات والصمود في الشوارع وبدون تخريب مصباح واحد، أمضى الأسلحة الشعبية، كانت الجبهة مستمرةً رغم كل حملات الاعتقال والاضطهاد، وانفلاش التنظيمات الهلامية للجماعات القومية المختلفة، التي تقوم جبهة التحرير وقتذاك بتوجيه النصح لها بضرورة تغيير تكتيكاتها السياسية وعدم اللجؤ للفوضى والعنف وعدم تكوين التنظيمات الواسعة الفاضية، بل من الضروري الاعتماد على النوعية القليلة قوية الإرادة وواسعة الوعي!
كانت التنظيمات القومية، وهي ذات فهم مثالي للقومية، تعتبر مثل هذه النصائح والانتقادات بمثابة إعلان حرب عليها، ولهذا وجهت كثيراً من طاقتها لمحاربة التقدميين في البحرين للأسف، بدلاً من أن تركز على الاستعمار.
والآن صارت علاقتنا مع المذهبيين الدينيين هي نفس علاقتنا مع القوميين، الذين ورثوا عادات أولئك القوم السابقين وطرقهم في الأداء السياسي المتشنج، بكل أخطائها وأضافوا إليها الطائفية، فخسرنا الكثير على صعيد تفتيت شعبنا، وعلى صعيد عدم تراكم العقلانية السياسية.
ولم يكن عبدالناصر غير قومي وغير إسلامي وغير عروبي، فقدم شهادته لتنظيم رآه يزاوج بين هذه القيم الكبرى للأمة وبين عملية التحرر الوطني بظروفها الدقيقة الخاصة بمنطقة الخليج العربي. فكانت شهادة موضوعية من زعيم عظيم!
وقد بقي مكتب جبهة التحرير الوطني حتى أغلقه السادات في جملة سياسته!
فالقضية ليست بالكم أو بالصراخ أو بدعم الدول الغنية بل هو بصواب الفكرة وعقلانيتها وطرق تنفيذها على الأرض، وعدم خلق خسائر مجانية للناس، وكان شعار الجبهة دائماً أقل الخسائر الممكنة وأكثر النجاحات السياسية!
فنرجو قليلاً من الموضوعية وتذكر التاريخ يا سادة!


