انحطاط الغناء.. انحطاط السياسة : كتب ـ عبدالله خليفة

إن عملية انحطاط الغناء العربي يجب ألا تؤخذ معزولة عن انحطاط السياسة السائدة، فذاك هو التجلي المباشر لهذا، فإن السياسة المنحطة أنتجت غناءٍ منحطاً.
ليس لأن هذه المغنية التي تبيع جسمها على مرأى من الملأ مسوقة في أجهزة إعلام حكومية تأخذ ميزانيتها من أموال المواطنين فقط، بل أيضاً لأن الذين سرقوا الأموال العامة، ويقيمون الآن محطات فضائية يتأجرون بجسمها وصوتها!
وهي قد وجدت الفرصة مناسبة للتعري، مثل أن الحكومات العربية فقدت ثيابها السياسية ولم تحصل على ملابس الحشمة الديمقراطية بعد!
شاركت أغلب التيارات السياسية، دينية وتحديثية علمانية، في انحطاط الغناء مثلما ساهمت في انحطاط السياسة.
فكلها اعترضت على أغاني الحب الجميلة، فلم يحصل عبدالوهاب ولا أم كلثوم ولا عبدالحليم ولا فريد الأطرش أو اسمهان، على أي تأييد من قبل القوى السياسية والفكرية.
لم يمد أحدٌ يده لتقييم ومعاضدة ونقد وتطوير مثل هذا الغناء، فقد تركت القوى السياسية المناضلة المغنين الكبار للأمة العربية، خاضعين فقط للتأثيرات الحكومية بحلوها ومرها، بأغانيها العاطفية الرومانسية وبأغانيها السياسية الموظفة لدعم السياسات العابرة.
بل إن الأغانى العاطفية الرقيقة والعظيمة المقاومة حتى الأن للابتذال، رفضت من قبل القوى السياسية، مرة بأنها مضادة للدين، ومرة أخرى بأنها ذاتية، رومانسية، والحصيلة المشتركة للرأيين هي الخوف من الغناء كشكل من الحرية الذاتية والتعبير عن الحب والانطلاق والحرية!
ونعرف من سيرة التيارات الدينية في مصر كيف انعزلت هذه التيارات عن مسار الحداثة، وكيف رفضت الأشكال الغنائية الدينية الصوفية، ذات الثراء التعبيري، في حين حافظ المغرب العربي على الأغاني الأندلسية والموشحات والأناشيد الصوفية، وغدت مجالاً لتطوير الحرية والذوق، في حين عجزت مصر عن مقاومة الابتذال الغنائي.
مع هجوم الريفيين المحطمين على المدينة فإنهم غير قادرين على متابعة الغناء والموسيقى العربيين الكلاسيكيين، فهم لا يريدون أن يتعلموا، ولهذا فإنهم يستخدمون أي إيقاعات وكلمات لتشكيل أغنية منحطة مثل عالمهم المنهار، معبئين هذه السوقية في الأشرطة مثلما يعبئ تجار الخردة أي سلع مغشوشة، جامعين بينها وبين المخدرات والتفاهة والجنس الرخيص والتأوهات المبتذلة ومقدمين هذه لشباب الأمة المجيد كأحدث منجزات العصر العربي الانحطاطي!
ويقوم رأسماليو المال العام المسروق الذين لم يتعبوا في إيجاده، بفرش الأبسطة الحمراء لأسياد الغناء العربي الجديد، جامعين بين الطبالات ومغني المواسير والكتاب الفاشلين في إنشائهم المدرسي، وصاحبات العرض الجسدي السوقي اللواتي وجدنها فرصة ذهبية للمشاركة في لطش المال العربي العام المعروض لكل أنواع الحرامية، والعاجزات عن الغناء الحقيقي، ولم يثبتن أي جدارة في الفن المدرسي وطلعن فجأة هكذا، من علب الليل وغرز الحشاشين، فقط عبر عرض السيقان والنهود، ولديهن أصوات وإيقاعات يهرب منها حتى الحمير!
ومثل هؤلاء القبيحات الكريهات روحاً العاجزات عن التطريب تحتضنهن المهرجانات «الفنية» العربية، وشركات المشروبات، ومن المؤكد أن هذه المهرجانات لا تدار بطريقة ديمقراطية، بل هي جزء من جو الفساد السياسي والمالي الذي أنتج مثل هذه الظواهر بل المساخر الغنائية!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2024 13:42
No comments have been added yet.