أية ديمقراطية مرجوة؟! : كتب ـ عبدالله خليفة

الديمقراطية شبه مستحيلة في الدول العربية التي تقوم على هيمناتٍ حكومية محافظة وعلى معارضاتٍ متخلفة محافظة، نظراً لوجود الشعوب، وهي أرضية تلك القوى السياسية، في كيانات أغلبها تقليدي، والرأسمالياتُ المُنتجَّة لم تقمْ بأي تغيير عميق للبنى الاقتصادية الاجتماعية.
يبدو هذا في طبيعة العمل السياسي الفكري. فمنظماتٌ طائفيةٌ تقودُ نضالاً من أجل الديمقراطية، كيف؟!
هذه المنظماتُ مرتبطةٌ بسقف ديني محافظ، ذي مركز معروف، وفي داخل المركز تجري صراعاتٌ حادةٌ بين قوى فئات وسطى شبه ليبرالية والهيمنة الحكومية الشديدة المحافظة المعادية للتحديث وحريات الناس.
وقد عجزت تلك الفئاتُ الليبرالية (الإصلاحية) عن خلق مؤسسات ديمقراطية في شعبٍ يُعد بالملايين، وتنامت القوى المحافظة وضربتْ أشكالَ الحريات داخل البلد (إيران)، مثلما ضربَ العسكرُ المصري تجربةَ الديمقراطية في مصر.
والجماعاتُ الطائفيةُ لدينا تعيشُ تحت هذه المظلات الفكرية قبل كل شيء، وتعتبرها مرجعيتها (المقدسة)، فكيف يمكن أن تخلقَ ديمقراطيةً أو تساهمَ في تنمية شيء من الديمقراطية وهي غارقة في الرجعية الفكرية – السياسية؟!
هي لن تشكلَ ديمقراطيةً بل هي تجذرُ مؤسساتَها الدكتاتورية، وتعمقُ الطائفيةَ والشعاراتَ المحافظة المُنتجة في الريف الإيراني لأرياف المسلمين والعرب: جنوب لبنان، وجنوب العراق، وشرق السعودية، لكي تتغلغل هذه الشعاراتُ المحافظةُ في المدن وتسيطر عليها وتحولها ذيولاً للريف المتخلف بأشكاله القرابية الماضوية وبسجن النساء ومنع تفجر الثقافة الحرة، مثلما فعل الأخوان في مصر لكن إنتاجهم ذهب للسنة.
ويتم ذلك عبر التحشيد وإستغلال التجمعات العبادية والدينية وتحويلها إلى أدوات سياسية.
نقل هذه البضاعة الشعارية الرجعية لفقراء القرى المأوزمين في معيشتهم يحولهم إلى قوى حربية متفجرة في أجساد مجتمعاتهم، عبر تنمية وتصعيد الغضب وتحويله إلى سياسات طائفية.
ولكن هذا الخداع يتم من خلال شعارات (ثورية).
ويفترض في الناقدين أو الحذرين أن يطالبوا بنقل هذه الثورة إلى القرية، وتحريرها من الهيمنة الدينية المتخلفة، ومن أسرِ النساء، وبضرورة نشر الثقافة العلمية، وخلق التحديث فيها، إذا كانت هذه الآراء الثورية حقيقةً، فالأَولى بأهلِ المنزل أن يستفيدوا من بضاعتهم (العظيمة) هم قبل الآخرين.
هم يحاولون نقل هذه الأشكال الدكتاتورية الخطرة وهي محفوظة من خلال جمهور متدين شديد الإنفعال يغدو كقذيفة بشرية، عبر تصعيده إلى مراحل عليا، وتوسيع الأزمة من منطقة إلى منطقة في البلد، ومن بلد كجنوب العراق إلى العراق ككل، ومن منطقة كجنوب لبنان إلى لبنان ككل، ومن بضعة دول إلى المنطقة العربية الإسلامية عامة مثل قرناؤهم الأخوان لكن في المناطق الصحراوية العربية والريفية ثم هيمنة على المدن.
ومن هنا فإن الحديث عن الانتقال للمَلكية الدستورية والبرلمان الكامل الصلاحية يفترض في هذه الجماعات المذهبية أن تنزع صفتَها الطائفية وتغدو وطنيةً، وأن تفصل المذهبَ عن السياسة، وتعمل من خلال شعارات حديثة ديمقراطية، فمن الصعوبة بمكان أن تنتج فكراً، أما البقاء في نفس الأشكال المذهبية السياسية وقيادة الجمهور وتعبئته بهذه الأفكار الرجعية الخطرة على سلامته وسلامة الوطن فهو تصعيد للأزمة من مستوى مناطقي إلى مستوى وطني، ومن مستويات سياسية صغيرة إلى مستويات كبرى.
وبحراك هذه الجماعات المذهبية ونشر التعصب والممارسات البدائية يتم جر الجمهور أكثر فأكثر للصراعات الطائفية وللأفكار السطحية في الدين، ونشر التخلف الاجتماعي.
ولهذا فإن صعود مثل هذه القوى إلى هيمنة كبيرة على الساحة السياسية وتغلغلها في الحكم يعني تفجير الأزمة بصورة أكثر خطورة.
لا بد من إنتقال هذه القوى أولاً للديمقراطية والحداثة والوطنية، لكن ذلك مستحيل كما جرب المسلمون خلال ألف عام سابقة إمكانية تحول المذهبيات السياسية إلى معقولية سياسية بسيطة دون فائدة. فكيف من الممكن تحولها إلى ذلك خلال بضع سنين؟
لكن دورها هو نشر الأزمة التفتيتية في أي مجتمعٍ تشتغلُ فيه، وخاصة حين تكون التكوينات الاجتماعية والسياسية غضةً أو ساذجة فكرياً، وهذا ما حدث حين قامت الجماعات الطائفية بالأضرار بالجماعات التي يفترض أنها حديثة، فتغلغلتْ فيها الطائفيةُ وأنقسم الأعضاءُ حسب مكوناتهم المذهبية، وكل قسم يخشى ويرفض الآخر.
أما الجماعات التي تمسكت بليبراليتها ورفضتْ إدخال الطائفية في صفوفها فقد حققتْ إنجازاً، وأرهصتْ بالأزمة ومخاطرها وكانت أكثر طليعية من بقية الجماعات، ووضعت حلولاً عاجلة سريعة قبل إستفحال الأزمة، مما يجعلها لائقة بالمستقبل السياسي، خاصةً مع تناميها في مختلف الفئات الوسطى والعمالية وطرحها برامج محددة للتغيير في شتى جوانب الحياة.
أما المذهبية المغايرة المنافسة فهي لا تنتج جديداً لأنها تكررُ نفسَ المشكلة ولكن في جوانب أخرى، وعجزها عن إنتاج أفكار وطنية وإنتشارها في كافة الفئات، مما يخلق منها تورماً آخر وتصاعداً لصراع الطوائف.
تطور الأفكار الليبرالية ومساندة القوى الوسطى ذات التأثير للمجموعات التحررية هذه وحل المشكلات الكبيرة للشعب كالأسكان والعمل والأجور والصحة والتعليم، يمكن أن يفتح أفقاً لمجتمعنا يقلل من خطورة الجماعات المذهبية وبرامج الحدة السياسية التي تنتجُها في كل عشر سنوات وما يقاربها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 28, 2024 12:56
No comments have been added yet.