أمدنيةٌ أم علمانيةٌ؟ : كتب ـ عبدالله خليفة                             

نخشى دائماً من هذه الجماعات الدينية المتاجرة بالإسلام، فهي لا تكفَ عن التجريبِ في لحم المسلمين، وكل مرة تقوم بطبخة حارقة، ثم لا تتوقف عن الالتفافِ وعن طرحِ طبعةٍ جديدة من الكارثة.

الشعوبُ العربيةُ في البلدان الثائرة اكتوت بـ (علمانية) زائفة، بأنصافِ أنظمةٍ تحديثية، ومن شقوقِ هذه الأنصافِ تتسربُ مياهُ المجاري، وأبقتْ هذه الأنظمة (العلمانية) على حكم القانون وعلى احترام النساء وعلى التحديث الوطني وعلى التصنيع، ثم يتحول كل ذلك إلى علمانية الحزب المتدهور في علميته وعلمانيته وديمقراطيته وتحويله النساء إلى جوارٍ والفلاحين إلى خدمٍ وبوابين في عماراتِ الحرامية المدنيين.

وتحولتْ نصفُ العلمانية هذه إلى اضطهادٍ للقوميات والأديان الأخرى، فالأكرادُ يُضربون بالقنابل على ضفتي نظامي العلمانية الزائفين في سوريا وتركيا، والافريقيون تُحرق غاباتُهم ومنازلُهم في جنوب السودان، والأمازيغ يَحاربون في لغتِهم وتراثهم في الجزائر والمغرب.

هل جاء زمنٌ تتقارب فيه قارتُنا العربية الإسلامية مع الحداثة؟ مع مواثيق أوروبا العلمانية حقاً؟

يريدون دخولَ السوق الأوروبية مع استمرار وضع رؤوس الأكراد تحت أحذية المؤسسات المركزية. يريدون دخولَ السوق وقطف ثمار الحضارة والديمقراطية والإنسانية المتقدمة من دون أن يحترموا شعبهم وتظل الطائرات تغير على المناطق (المتمردة).

هم لهم طبعاتُهم الخاصة من الإسلام، إنها طبعات المحافظين الاستغلاليين، حيث يقوم الإقطاعُ المنزلي بأسرِ النساء، وحيث مكانة المرأة أدنى من الرجل، إنها المخلوق التابع، هنا تتخفى الذكوريةُ الاستبداديةُ وتموهُ نفسَها بالدين.

دائماً يجعلون الدين أو القومية المتعصبة أداتين لتمرير سلطانهم غير المتساوق مع البشرية الحديثة، وللذكور المتسلطين رغبتهم في بقاءِ سلطانِهم على النسوة، ومن هنا تغدو مدنيةُ هارون الرشيد دون مستوى علمانيةِ ملكةِ بريطانيا.

إن مدنيةَ ابنهِ المأمون الذكي المثقف لا تمنعُ من استخدامِ الدين لتعذيبِ علماء الدين، أو طبع تفسير معين وفرضه على الجمهور بالسياط.

إن المخاطرَ التي تنشأُ من الثورات العربية الحديثة أنها تسمح للجمهور غير المثقف بالهيمنة على الأصوات الانتخابية، مع بقاء المنظمات الدينية في تسويق أفكارها المحافظة التقسيمية للمواطنين، وطبع نسخ أقل قيمة من نسخة المأمون، والتسلل للسيطرة على الحياة السياسية الاقتصادية في ظل اقتصاد الانفتاح المالي وشركات المضاربة بمال وقوت المسلمين.

(ديمقراطية حديثة) مع بقاء المنظمات الدينية السياسية تتاجر بالإسلام والمسيحية واليهودية، ومع بساطة فهم العوام للدين والسياسة والحداثة، وقد رفعتهم نشواتٌ نضالية إلى السماء السابعة، ثم ستظهر أنظمة دينية شمولية مقنعة تسلبهم آخر مدخرات العمر، ويحدث لقاءٌ فريد بين ولاية الفقيه الإيرانية وولاية الفقيه المصرية ذات طاقية الإخفاء، وربما السورية كذلك.

احتمال ولكن المؤمنَ لا يُلدغُ من جُحرٍ طائفي مرتين، والعوام ليس هم الجمهور الثوري الحديث بعد، لم يصبحوا بعد المواطنين المثقفين ذوي التجربة السياسية العميقة بعد أن خيّمَ عليهم ظلامُ الأنظمةِ الشمولية طويلاً، هم يَنجرون للخطاباتِ الدينية الحماسية التي تدغدغُ مشاعرهم وتحومُ على رؤوسهم بالرموز لسلب عقولهم وجيوبهم.

النظام السوري نموذج للعلمانية الزائفة كلياً، حيث حكم العصابات العسكرية والمخابراتية يتجلى عن التبعية لولاية الفقيه الإيرانية، أي هو تعبير مشترك عن سحق المثقفين الديمقراطيين والحداثة والفلاحين في الأرياف من أجل عسكر ديني في سوريا كشط علمانيته بسكاكين القمع، وهناك عسكر ديني كرس تخلفه بالحديد والنار. ويظهرُ سنةٌ بسطاء ينشرون شعاراتهم الوطنية الدينية غير مدركين كذلك لسيطرة مذهبية سياسية متصاعدة. فلم يجدوا سوى صلاة الجمعة يفيضون بعدها لنقد النظام، وهكذا كأنهم الهاربون من الرمضاء للنار.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 28, 2024 13:28
No comments have been added yet.