الفردية والفردانية : كتب ـ عبدالله خليفة
حين يغدو الفرد باحثاً عن فرديته وتميزه الشخصي ضمن الموضوعية والإنتاج الشخصي الحقيقي وتقدير قوانين الحياة، فإن ذلك يغدو كسباً للجماعة، بعكس ذلك حين يركب الموجات ويتصيد المناسبات ويخدع الآخرين لكي يرتفع ويتسلق. فتغدو تلك فردية مريضة، أي فردانية!
وما أصعب التضحية والإنتاج الحقيقي وما أسهل التسلق!
أي طفل يقوم بدوافع المنافسة المنزلية بالاستئثار بالحلاوة وإخفائها ومنع إخوته من الوصول إليها، يعتبر ذلك سلوكاً معيباً لكن حين يغدو (قانوناً) عاماً في الحياة الاجتماعية وبين الكبار فإن الكثيرين يشاركون الطفل في السرقة.
تقوم الزعاماتُ المغامرة على خطف هذه الحلاوة، التي تدفعها دولٌ تسرقها من شعوبها الفقيرة الجائعة، ولتوضع في أعمال سياسية لا تعود بالخير في نهاية المطاف على الناس بل تسبب لهم الكثير من المشاكل.
إن الفردية تظهر من خلال أعمال تضحوية دؤوب، ليس فيها لفت نظر، وتتسم بالصبر والوعي، وتقدم خدمات مهمة للإنسان، وتتقصد عدم الإضرار بهم، كأن يقوم الإنسان بنضال سري طويل مراكماً وعياً دؤوباً بين شعبه، والشعب بعد ذلك يختار سبل العمل التي يراها، فلا يضع المناضل صيغة للموت ويفرضها فقط لأنه لديه سلطة متنفذة. وكالشاعر الذي فقد طريقه لإنتاج الكلمات بين جمهوره وعبر النضال في ظروفه
وحياته وخياله، فيزعم الكثير من الادعاءات الشكلانية وينتفخ انتفاخات هائلة، فيقفز على شروط تكونه كشاعر فردي يغزل نسيجه بصبر وعبر معاناة جمهوره، فيحقق فردانية من دون أي مضمون داخلي عميق.
وما أسهل الآن من يتصيد أمراض النقص والدونية لدى الأفراد ويحولها إلى أمراض لديهم! فهؤلاء النكرات لم يصدقوا أن أحداً حكومياً اهتم بهم، وسرعان ما ظهروا كشخصيات مهمة ومتنفذة ويُحسب لها حساب وهم ليسوا سوى أفراد عاديين، لكن مكاسب الارتفاع التي حصلت لهم فجأة، وعبر آلات ميكانيكية إدارية، وليس من خلال تطوير مهاراتهم الفردية، أوهمتهم بأنهم صاروا شيئاً ونجوماً في المجتمع وربما العالم!
ثم تتحول هذه القفزة بالنوابض الآلية الحكومية وهماً متحكماً فيهم وتمنعهم من العودة إلى نفوسهم الداخلية ومحاكمتها ونقدها وإصلاحها.
والأخطر حين تقودهم هذه الأمراض إلى تدمير الآخرين والدخول في مغامرات وتخريب نفوسهم وتنظيماتهم وجماعاتهم وشعوبهم ودولهم فقط من أجل أن يبقوا فى الأعلي ويصبحوا موظفين كباراً، وزعماء مشهورين، وكتاباً عالميين!
ما أسهل بيع النفس وما أصعب صناعتها!
هل كان أدولف هتلر يمتلك أية مواهب ؟ كان مجرد نقاش سياسي مغمور، وبلطجي، ركز خطبه كلها على كراهية الدول الأخرى وتمجيد العرق الألماني، واستعادة الأراضي القومية الألمانية، التي أُنتزعت في الحرب العالمية الأولى. وقد وجدت فيه الشركات الألمانية الكبرى شخصية قادرة على تحقيق برنامجها في التوسع، فنفخت فيه وحولته إلى أسطورة، وكان ما كان من كوارث الحرب. هكذا يتم اصطياد النكرات وتحويلهم إلى قادة والمخيف أن يتحولوا إلى قادة بلدان ومصائر!
لكن هؤلاء النكرات الذين يتم رفعهم على رؤوس الباحثين والعلماء والفنانين والجمهور العامل، سرعان ما يتحولون إلى كوارث للانظمة، والنقاش على مستوى هتلر تحول إلى حمام دم هائل في العالم، وستالين القبضاي الجورجي صار يحكم نصف العالم، وصدام حسين القاتل المأجور حول العراق إلى مستنقع دم..
ويعرف الفردانيون كيف ينتهزون الفرص وكيف يمدحون الحكام ويطبلون ثم ينقلبون عليهم ويمدحون آخرين، والفردانيون يعجزون عن تطوير قدرات العقل والنقد لديهم. لأنها تحتاج إلى صبر طويل واخلاق عالية، وهم لديهم طموحات شخصية مريضة، ومن هنا تموت الثقافة الرفيعة والشخصيات العليا ويتحول المجتمع السياسي إلى سيرك تفوز فيه القوى التي تملك قدرات أكبر في التمويه والتزييف.


