مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 13
October 23, 2012
قضايا المرأة في انتخابات الرئاسة الأميركية
ستبدأ بعد أسبوعين الانتخابات الأميركية التي ستحدد من سيتولى قيادة الولايات المتحدة للسنوات الأربع المقبلة، فهل يكون المرشح الديموقراطي الرئيس باراك أوباما أم المرشح الجمهوري ميت رومني؟ 
ولأنها أميركا التي تقود عالما لا يزال أحادي القطب فمن الطبيعي أن تشغل انتخاباتها اهتمام الكثيرين. والمرشحان يختلفان في أمور كثيرة لها علاقة بالشأن الداخلي الأميركي، مثل نظام التأمين الصحي وضريبة الدخل وخططهم لانتشال الاقتصاد الأميركي المنهك، لكن ما أثار اهتمامي خلال سنة الانتخابات هذه هو موقف المرشحين وحزبيهما من المرأة.
يعتقد الكثير من المحللين بأن الأصوات التي يتوقع أن ترجح كفة الرئيس أوباما هي أصوات النساء، نظرا لسياسة حزبه وأفكاره فيما يتعلق بقضاياهن التي تعد تقدمية جدا مقارنة مع الحزب الجمهوري. وقد تحولت قضايا المرأة في هذه الانتخابات تحديدا لكرة من الاتهامات يتبادلها الطرفان وصلت إلى حد اتهام الديموقراطيين لخصومهم بأنهم يشنون حربا على النساء مستندين على نظرة دينية وتقليدية ضيقة لها يفترض أن تكون أميركا قد تجاوزتها، في حين يرى خصومهم بأن الديموقراطيين يريدون إخراج المرأة من بيتها بدون هدف ولا يحترمون دور ربة المنزل غير العاملة التي تقوم بأداء دورها بتفان كزوجة وأم.
فالجمهوريون مثلا يعارضون إجبار الجامعات والمستشفيات الكاثوليكية على تغطية تكاليف حبوب منع الحمل ضمن خطة التأمين الصحي للعاملات في هذه القطاعات ويرون في ذلك حربا على الدين كما قال المرشح السابق نيوت غنغرتش، إذ يرون بأن المرأة التي تستخدمها هي غالبا تلك التي تريد ممارسة العلاقات المتعددة خارج إطار الزوجية! وكلنا يعرف موقف الكنيسة المسيحية من هذه الحبوب ومن قضايا تحديد وتنظيم النسل. ويرد عليهم الديموقراطيون بأن هذا القول ليس فقط فيه تعد على حريات المرأة الراشدة وخياراتها في الحياة، بل إنه يكشف عن جهل طبي فاضح. فهذه الحبوب لا تستخدم فقط لمنع الحمل بل لعلاج الكثير من الأمراض النسوية مثل اختلال الهرمونات وعدم انتظام الدورة الشهرية، وتستخدم أيضا من قبل النساء المتزوجات من أجل تنظيم الإنجاب وهو حق طبيعي لهن من دون وصاية حكومية أو من جهة العمل.
وإبداعات الحزب الجمهوري في هذا الموضوع لم تتوقف، بل وصلت ذروة إهانتها كما تعتقد الكثير من نساء المجتمع الأميركي مع قضية الإجهاض. فلم تكن المشكلة في أن الحزب الجمهوري، الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى حزب يميني مسيحي متطرف وابتعد كثيرا عن أفكار ومبادئ رجالاته الأوائل مثل الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، يعارض هذه الفكرة ويطالب بسن قوانين تجرمها بالمطلق مستندا على آراء الكنيسة ومعلنا أنه مؤيد للحياة بالمطلق بل في تعصبه لهذا الرأي دون اعتبار للحقائق الطبية والعلمية. فمن ناحية يروج بعض ممثليه بأنه لا يوجد سبب طبي يؤكد أن هناك حالات طبية حقيقية تستوجب الإجهاض حفاظا على حياة الأم، وهو قول يستطيع طالب في كلية الطب يدرس طب النساء والتوليد دحضه. ويعتقدون بأن الطفل من حقه أن يولد ولو تبين عبر الفحوصات الطبية أنه مريض أو معاق أو مشوه، فهذا من قبيل الرضا بقضاء الخالق.
والأسوأ هو موقفهم من اللواتي يحملن عبر الاغتصاب، لاسيما لو كن قاصرات، فمرة أخرى يبرز تبرير من قبل أحد رجالات الجمهوريين الكبار في الكونجرس تود آكن، والذي أكد فيه بأن المرأة لا يمكن أن تُغتصب أو أن تحمل من الاغتصاب! لأن جسم المرأة، وتحديدا المهبل، لديه آلية خاصة ليغلق بوابته إذا كانت المرأة رافضة فعلا، كما أن حيامن المغتصب فيما لو دخلت فعلا ستقتل قبل الالتقاء بالبويضة! وكأن هناك نقاط تفتيش على مدخل قناة فالوب تتأكد من كون النطفة الذكرية قادمة من زوج أو حبيب أم من عدو مغتصب! وهذا القول ينطوي على فكرة شديدة الإهانة للنساء حول العالم، واللاتي عانين من أبشع صورة من صور انتهاك حقوق الإنسان والعنف الجسدي وهي الاغتصاب، إذ يقول لهن بأنهن كاذبات وأن ما حدث تم برضائهن. ثم يقول بأنه حتى لو لم تعمل هذه الآلية وحملت فلا يحق للمغتصبة معاقبة الطفل بجريمة أبيه.
وحانت فرصة الجمهوريين ليكسبوا شيئا من الدعم النسوي الذي فقدوه وذلك عبر تصريح أدلت به صحفية أميركية مقربة من البيت الأبيض اسمها هيلاري روزين، والتي كانت تعلق على مقولة كررها المرشح الجمهوري عن استشارته الدائمة لزوجته فيما يتعلق بمطالب النساء، قائلة: “لا يحق لها – آن رومني – بأن تدلي بدلوها فيما يتعلق بالنساء العاملات وهي التي لم تعمل يوما في حياتها”. فأخذها الخصوم وسيلة للهجوم على الديموقراطيين بالقول بأنهم يقللون من دور الأم والزوجة وربة المنزل التي تختار أن تبقى فيه لترعى عائلتها بنفسها، وفي ذلك تدخل في خيارات المرأة وتقليل من دورها الفطري العظيم، وهي اتهامات وجدت لها صدى في المجتمع الأميركي أيضا والمكون من خليط من النساء من كافة الأطياف، مما اضطر البيت الأبيض للنأي بنفسه عن أقوالها قائلا بأن أفكارها تمثلها وحدها.
وتستمر الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حتى نهاية السباق وستتضح النتائج خلال أقل من شهر، لكن المثير للاهتمام بالنسبة للمرأة العربية التي تابعت الانتخابات الأميركية التي ما زالت تناضل في منطقتها من أجل إقرار الكثير من الحقوق الشرعية، والتي تحاول إزالة الأفكار التقليدية والتي فيها الكثير من الوصاية والظلم، إدراكها بأن مجتمعها ليس بدعا عن غيره، وأنه في أكبر الديموقراطيات الغربية ما زالت نظيراتها يناضلن أيضا مثلها وإن اختلفت الدرجة أو الأسلوب أو حدة المعاناة بسبب أسبقية مجتمعها في التاريخ الحديث، وبالتالي فإن عليها مواصلة نضالها المشروع بوعي وثبات. وكذلك الإدراك بأن الحلول لمشكلات مجتمعها يجب أن تنبع منه هو لا أن تستورد بشكل أعمى من مجتمعات غيرها، فهذه المجتمعات هي بنفسها غير كاملة وما زالت تبحث عن الحلول من بيئتها لا عبر استيرادها من الشرق أو الغرب. أفكار آمل أن تعيها النسويات العربيات الجدد قبل أن يعتلين المنابر أو يدبجن المقالات في نقد مجتمعاتهن ومدح المجتمع الأميركي المثالي.
October 17, 2012
ستيف جوبز.. والنجاح مهما كان الثمن
قبل عام توفي رئيس شركة آبل المعروف ستيف جوبز، مما شكل صدمة آنذاك للكثير من معجبيه ومن عشاق منتجات الشركة حول العالم. لاسيما والرجل توفي في منتصف الخمسينيات من عمره متأثراً بسرطان البنكرياس وهو لا يزال في قمة عطائه وأوج تألقه ونجاحه، فقد كان واحداً من أكثر الرجال الذين يرى فيهم الشباب من محبي التقنية ورواد الأعمال قدوة ومثلاً يُحتذى به، وتقرأ سيرته التي كتبها والتر إيزاكسون قبل وفاة جوبز لاستلهام العبر منها، ليس حول النجاح فقط وإنما على النجاح بامتياز وتفوق وإبهار. فأي رجل كان ستيف جوبز كإنسان؟ وما هو الدرس الأهم الذي يستفاد من قصة حياته؟
الذين قرأوا الكتاب الذي تحدث بالتفصيل عن جوانب دقيقة من حياته كانت مخفية عن الأشخاص الذين لا يتعاملون معه مباشرة، انقسموا بشكل عام إلى قسمين: قسم ازدادوا إعجاباً بالرجل وقرروا أن يحذوا حذوه، وقسم آخر صدموا مما قرأوا وأقسموا في سرهم على أنهم لن ينهجوا أبداً نهجه. وفي مقال مطول ومتميز للكاتب بن أوستن في مجلة وايرد، يطرح الكاتب هذه الإشكالية والتباين في وجهات النظر وطارحاً السؤال: هل تريد فعلاً أن تصبح مثل ستيف جوبز؟ وتصدرت صورة معبرة غلاف العدد، إذ تصور جوبز وقد رسم أحدهم قرني الشيطان على رأسه فيما رسم آخر الشارة الدائرية والتي ترمز للملاك في الثقافة الغربية في محاولة لإبراز هذا التباين الشديد في شخصيته وفي نظرة الآخرين إليه. فقد كان بوذياً يؤمن بالتواضع والسلام للجميع، وفي الوقت نفسه كان طاغية مع أسرته وموظفيه..كان عبقرياً فريداً من نوعه، وفي الوقت نفسه كان أحمق..وقصة حياته مصدر إلهام للبعض وموعظة تحذيرية للبعض الآخر، ولا شك أن الأشخاص المتفردين، جمالاً أو قبحاً، هم الذين تنقسم حولهم الآراء، ويظل الناس يتحدثون عنهم سنوات طويلة وقروناً عديدة بعد وفاتهم.
ولد جوبز لأب سوري وأم أمريكية، رفض والداها زواجها بهذا العربي المسلم المهاجر، فقامت بإعطاء ابنها لعائلة جوبز التي تبنته، ومع ذلك فقد التقى ستيف أمه لاحقاً وتواصل معها ومع أخته التي أنجبها الأبوان بعد اجتماعهما من جديد وزواجهما ثم افتراقهما للمرة الثانية بينما ظل رافضاً لرؤية والده الحقيقي أو التواصل معه بأي شكل حتى آخر يوم من حياته، ويبدو أنه لم يغفر له أبداً ما يعتقده من تخليه عنه. لكن هل كان ستيف نفسه أفضل من أبيه مع أطفاله؟ لسنوات ظل ينكر أبوته لابنته ليزا قبل أن يعود للاعتراف بها. وكان يهمل أطفاله الأربعة بالعموم وسط انشغالاته، مقدماً العمل وتحقيق الإنجازات بشكل شبه كلي على الأسرة، وهو الذي دفع أحد معجبيه السابقين للقول بأنه: “إذا كنت ستفشل في أمر ما.. فلتفشل في بناء الآيباد.. لكن لا تفشل في بناء أطفالك!”.
وإذا انتقلنا إلى بيئته في العمل سنجد أنه كان رئيسياً لا يتمنى أحدنا أن يكون تحت إمرته. فقد كان عصبياً وبذيء اللسان، لا يتوانى عن تحقير الرجال مهما بلغت مكانتهم أو أعمارهم، معتبراً بأنهم حمقى وفاشلون وفضلات بشرية إذا لم يعجبه عملهم من برمجة أو تصميم أو أداء ما. كانت هذه على ما يبدو طريقته في التحفيز ليأتوا بشيء أفضل، كان معاييره عالياً جداً، وكان يغضبه ألا يكون الآخرون على نفس المستوى من الالتزام أو الرغبة في الإبداع، وكان شعاره: امض معي فيما أراه أو ابتعد عن طريقي! هذا الإصرار على أنني محق طوال الوقت يراه البعض دليلاً على الثقة بالنفس والالتزام بالرؤية والأهداف فيما يراه غيرهم تعصباً وديكتاتورية وتهميشاً للآخرين. لا يفهم أحد لماذا يحتاج رجل بهذه الدرجة من الذكاء والإبداع والنجاح إلى أن يلقي باللائمة دوماً على الآخرين حين يفشل مشروع ما؟ ولماذا يسمح لنفسه بسرقة أفكار موظفيه ونسبها لنفسه دون أدنى درجة من تأنيب الضمير؟
ولا شك أن الناجحين معرضون أكثر من غيرهم للوقوع في فخ الغرور والتحول لأشخاص بغيضين إن تمادوا، ولم يكن جوبز استثناء، فمعاملته الخشنة للناس استمرت حتى خارج العمل، فقد ثار وصرخ على عاملة عجوز في مقهى لأنها لم تحضر عصيره المثلج كما يجب!
لا يستطيع شخص أن ينكر الأثر الذي تركه ستيف جوبز على عوالم التقنية والأعمال والإدارة والإبداع والأفكار الخلاقة عبر شركتي آبل وبكسار، وهناك الكثير من المحاضرات في الجامعات التي تدرس طلابها أسلوب جوبز وفكره وإبداعه باعتباره واحداً من أكثر الأشخاص تأثيراً على عالمنا في الربع الأخير من القرن العشرين، وقد لا يكون هؤلاء معنيين بذكر شيء من التفاصيل الشخصية عن حياة الرجل، وربما سيذكرها آخرون ويرونها ضريبة لا مفر منها للنجاح. وسيرددون بأن كل العظماء الذين خلدهم التاريخ بعد وفاتهم كان في شخصياتهم من النقص ما كان في شخصية جوبز، والتاريخ معني بأعمالك لا بشخصك وأخلاقك.
سيكون في كلامهم الكثير من الصحة، لكن السؤال الذي يُطرح هنا على المستوى الشخصي، فيما لو أردنا نحن أيضاً الاستفادة من قصة مؤسس آبل، هل نريد بالفعل النجاح مهما كان الثمن؟ وأيهما أهم: أن أغير وجه العالم أم أن أكون حاضراً في حياة أسرتي؟ وهل سنكون أكثر سعادة بتخليد أسمائنا في سجل التاريخ بعد موتنا أم بأن نحيا حياة طيبة نحسن معاملة الناس فيها بغض النظر عن مستوانا ومستواهم؟ هل يجب على الإنسان فعلاً أن يختار فيما بين أخلاقه ونجاحه؟
الوصول إلى التوازن بين كل هذه الأمور ليس أمراً سهلاً، بل هو لب جهاد الإنسان مع نفسه في هذه الحياة: كيف نحيا حياة تقتبس من أخلاق النساك دون أن نحيا حياتهم الزاهدة في كل شيء، وكيف نحقق نجاحات باهرة تستلهم من سير الناجحين دون أن نقايض ذلك بأخلاقنا وقيمنا وعلاقتنا بمن حولنا.
المقال في جريدة الوطن
October 10, 2012
الخادمة والمخدومة..علاقة متأزمة
منذ ربع قرن توافدت النساء الآسيويات بالآلاف للمرة الأولى لدول الجزيرة العربية للعمل كمستخدمات في المنازل. وكان من بينهن الإندونيسية والفلبينية والسريلانكية، ومن هن المسلمة والمسيحية والبوذية، وفي مجتمع منغلق مثل المجتمع الخليجي فإنه من الطبيعي أن تصبح هذه العلاقة معقدة وغير سهلة منذ البداية، ليس فقط لاختلاف اللغة والثقافة والعادات والتقاليد بل والدين أحياناً، ولكن لأن فكرة الاستقدام ا بهذه الطريقة كانت جديدة على كل الأطراف.
فهؤلاء النساء الفقيرات ركبن الطائرات للمرة الأولى في حياتهن ليجدن أنفسهن وحيدات وأشبه بالأسيرات في بلد ربما لم يسمعوا به في حياتهن. وفي المقابل فالمجتمعات الخليجية التي لم يعرف عوامها فكرة الخدم بهذه الصورة من قبل لفم تكن عندهم خلفية لكيفية التعامل مع الوافدة الجديدة. فقد عرفوا سابقاً الجوار الذين يملكونهن بشكل مطلق، ثم عرفوا الخدم من الصبيان العرب والمواطنين الفقراء الذين كانوا يعملون بنظام اليومية أو الشهرية في البيوت، وفي السعودية كانت هناك أيضاً النساء الأفريقيات المقيمات في البلد بصورة غير نظامية والمتخلفات غالباً من الحج والعمرة واللاتي يعملن أيضاً باليومية أو الشهرية ومنهن من تبيت مع الأسرة ومنهن من تغادر بعد انتهاء واجباتها. كان الحد الفاصل بين العبد والخادم شديد الوضوح آنذاك في أذهان الناس حتى جاءت الآسيويات فاختلط الحابل بالنابل، فلا هي خادمة حرة باليومية لها أهل وجماعة تؤوي إليهم كل يوم أو أسبوع، ولا هي جارية مملوكة تربت بينهم ولها أحكامها الخاصة كما في الشرع الحنيف، وكان هذا بداية علاقة غير سوية من الطرفين لازلنا نعاني من آثارها إلى اليوم.
فلو سألنا ربات البيوت من النساء عن مشكلاتهن مع الخادمات، لوجدنا أوعية معبأة بالكراهية لهذه المخلوقة، التي لا ترقى لمنزلة الإنسانية في نظر بعضهن، فهي القذرة التي لا تحسن تنظيف نفسها ولا البيت، وهي السارقة والساحرة، وهي الغانية التي تحاول إغراء رجال المنزل، والمجرمة التي تعذب الأطفال في غياب أهلهم انتهاء بقتلهم، ووجودها نكبة عظيمة للأسرة. وعند سؤالهن عن سبب عدم الاستغناء عن خدماتهن ما دامت هذه صفاتهن؟ تبدأ الأعذار بالتوالي، فهن شر لا بد منهم ما دمنا في مجتمع يرغب في أن تكون المرأة متمتعة بقوى خارقة حيث تتولى منفردة تنظيف المنزل والطبخ والغسيل والكي وتدريس الأولاد وتلبية رغبات الزوج والاحتفاظ بجمالها وأناقتها والتواصل الاجتماعي مع أهله وأهلها، وفوق هذا كله قد تكون موظفة، في حين تقتصر مسؤولية سي السيد غالباً على توفير الماديات لا أكثر. وكلنا يعرف كيف ولولت النساء خلال السنتين الماضيتين حين توقفت خدمات الاستقدام لبلدان بعينها، واشتعلت السوق السوداء للخادمات غير النظاميات حتى وصلت رواتب بعضهن إلى ثلاثة آلاف ريال، فمادامت ثقافة الأسرة والمجتمع لم تتغيرا، فستظل هناك حاجة ملحة لهن بغض النظر عن موضوع رعاية الأطفال بالنسبة للمرأة العاملة ومشكلة شح الحضانات.
وبالمقابل لو سألنا الخادمة عن سبب هذا الحقد على مخدومتها والذي قد يصل إلى حد الأذية بشكل مباشر أو غير مباشر؟ لكان الجواب بأنها تعمل في ظروف عمل قاسية أشبه بالعبودية، حيث تعمل بشكل متواصل لعامين كاملين على أقل تقدير دون إجازات وغياب تام للترفيه المباح، وحيث يتم تكليفها فوق طاقتها بشكل يفوق الوصف في كثير من البيوت، إذ ليس ثمة ساعات عمل محددة ولا مهام مجدولة، وفوق ذلك كله إهانة من الكبير والصغير – إلا من رحم ربنا- هذا عدا عن الحالات التي لا نريد تعميمها، ولكنها موجودة عن التحرش أو الضرب أو التعذيب. فإذا سألناها لماذا تقبل بهذه الشروط من الأساس ولم لا تغادر لوطنها؟ ستقول لنا والدمع يملئ مقلتيها بأنها مجبرة..وستحكي عن الصغار الذين يدرسون في المدارس، وعن الأم المريضة والزوج المعاق، وكلهم معتمدون عليها. وهذا يذكرنا بأنه بعيداً عن ظروف عملها السيئة فهي متعبة سلفاً بشكل نفسي بسبب آلام الغربة وفراق الأهل والقلق عليهم. كما أننا نتحدث هنا غالباً عن نساء أعمارهن بين العشرين والأربعين، أي في عز سن النضج الأنثوي واشتعال الرغبات الجسدية اللاتي هي محرومات منها. فنحن أمام امرأة محرومة من كل شيء مادياً ومعنوياً تعيش في نفس المنزل مع امرأة تملك – في نظرها-كل شيء، عليك أن تكون ملاكاً حتى لا يتسلل شيء ولو بسيط من الغيرة أو الحقد إلى قلبك.
عندما ذبحت الخادمة تالا الشهري قبل أسابيع، انتشرت القصص عن إجرام الخادمات الإندونيسيات في المجالس ووسائل الاتصال، وارتفعت المطالبات بطردهن جميعاً من البلد! وتناسينا بأن كل التعميمات خاطئة، وأن من بنينا آلاف الخادمات الرائعات اللاتي تعبن معنا صغاراً وخدمننا كباراً، ونسينا بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ألا نغضب حينما يفجر إرهابي منتسب للإسلام نفسه ويقتل الأبرياء فيتم وصمنا بالإرهاب؟
ثم هل من يقتل الصغار هن الخادمات فقط؟ كتبت عشرات المقالات عن جرائم قتل الآباء لبناتهن، فهل نعمم ونقول بأن كل الآباء سفاحين ويجب سحب البنات منهم؟
موضوع الخادمات ومشكلاتهن ومشكلاتنا معهن لا يحل بسذاجة مفرطة وحقد أعمى كالدعوة لطردهن ومنع استقدامهن، وإنما يكون بالتعامل مع كل حالة على حدا، والأهم من ذلك بإصلاح الكثير من الأمور على مستوى الأسرة وتعاون أفرادها لرعاية بعضهم والمنزل، ومراجعة بعض بنود قانون العمل والعمال، وتحسين عقود الخدمة والاستقدام، ونشر الوعي في المدارس ووسائل الإعلام بحقوق العاملات ووجوب احترام إنسانيتهن، وفي الوقت نفسه الطلب من مكاتب الاستقدام التنسيق مع دولة الخادمة من أجل إعطائهن دورات لغوية وتأهيلية للعمل في المجتمع الخليجي.
أما فيما يختص ما يجب أن تقوم به الأسرة من تلقاء نفسها للخادمة أو السائق فليس أكمل مما جاء به الحديث الشريف فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم”.
October 3, 2012
سعوديون مع وقف التنفيذ..إلى متى؟
يعيش بيننا مواطنون سعوديون قلباً وقالباً وفكراً وولادة ونشأة وتعليماً -بل وأماً في بعض الأحيان- ولكنهم بدون أوراق تثبت هذه الحقيقة، هم السعوديون الذين يتكلمون العربية بلهجة مكة أو الرياض ويدينون بديانة الإسلام، هن زميلاتنا اللاتي درسنا معهن في مدارسنا الحكومية ولم نعرف أنهن مختلفات عنا إلا حين كانت وكيلة المدرس تطلب من “الأجنبيات” الوقوف لإحصائهن، فيقفن ووجوههن تعلوها حمرة الخجل..الخجل من عدم القدرة على الانتماء رسمياً لهذا الوطن.
نشرت مقالاً في جريدة الوطن قبل ثماني سنوات بعنوان: “سعوديون بلا أوراق”، ولا أظن أن الكثير قد تغير منذ ذلك الوقت للأسف، فكما تقول (ف.ن) بالكثير من المرارة: “خمسون عاماً ولازلنا أجانب” وتذكر كيف هاجر والدها من اليمن إلى السعودية وهو ابن الثالثة عشرة في عهد الملك سعود، وفي هذا البلد الجديد شب وتزوج وأنجب وانقطعت كل صلة له ببلده القديم. وتضيف: “ليست المشكلة في منحنا الجنسية .. المشكلة في كونكِ كبرتي وتجذّر في نفسك انتماءك لبلد لا تعرفين سواه ولكنه لا يعترف بكِ في الواقع فأنت مجرّد “وافدة” وإن طال أمدك فيه .. لا يوجد قانون يحميكِ من الخروج منه في أي لحظة رغب فيها “الكفيل” بإنهاء علاقتك به حتى وبدون أسباب”.
وهذا الإحساس العارم بالمرارة والغبن هو ما يميز أبناء الجيلين الثاني من الثالث من السعوديين مع وقف التنفيذ، إذ ليس لديهم شك بأنهم أبناء هذه البلاد التي ولدوا فيها وأنهم يستحقون الجنسية بكل جدارة، وبالتالي فهم يشعرون بأنه حقٌ مسلوبٌ منهم.
عبد المحسن شاب سعودي الولادة والنشأة رغم جواز سفره التايواني (وهو بالمناسبة لا علاقة له نسباً ولا عرقاً بجمهورية الصين الوطنية!) يقول متندراً بأنه “سعودي نمرة بدون استمارة”، وهو يعاني من ذلك حالياً في موضوع زواجه، فهو سعودي الولادة والنشأة والتقاليد، ولا تناسبه إلا فتاة سعودية تربت على تقاليد هذا البلد وعاداته، ولكن كلما تقدم إلى عائلة سعودية من المعارف رُفض لهذه السبب بالرغم من تعليمه الممتاز ووظيفته الجيدة. وجميع أفراد الأسرة الممتدة سعوديون بما فيهم إخوته، باستثنائه هو وأمه وأبيه بالرغم كونهما من مواليد المملكة أيضاً، يقول عبدالمحسن :” فكرت في الهجرة الى كندا كثيراً، و لكني أتردد فقد عشت في وطني غريباً فكيف سأعيش غريباً في بلد غريب؟”
والآية لدى (هـ.س) معكوسة، فهو سعودي ولكنه يحمل هم والده الذي كان يعالج الفقراء بالمجان في عيادته قبل أن يتقاعد ويُطلب منه الرحيل إلى “كابول!” (والتي أيضاً لا ينتمي إليها نسباً ولا عرقاً) ثم شفعت له جنسية ابنه فنجى من الترحيل كونه باقياً بمسمى “مرافق” لابنه وزوجته السعودية كذلك. فقدر المرأة السعودية أن تعاني دوماً من مشكلة تجنيس زوجها وأولادها أو حتى منحهم الإقامة الدائمة، رغم أنها لن تقترن إلا بمسلم، بل وقد يكون عربياً أيضاً ومن مواليد هذه البلاد، في حين يستطيع شقيقها الزواج بمسلمة “صورياً” ولا تعرف لساننا ولا بلدنا ويمنحها كما أولاده منها الجنسية بكل يسر وسهولة.. فرق آخر بين أن تكون مواطناً أو مواطنة في بلادنا.
ولم تشفع شهادتان عُليتان في هندسة الطيران من أمريكا ليحصل عبدالهادي على الجنسية السعودية، وهو يحمل شهادة ميلاد سعودية وأهله قدموا للمملكة قبل ستة عقود، ويتحدث عن أزمة الانتماء وصعوبة الرحيل:” بعد تخرجي من أمريكا عُرضت علي وظيفة مغرية للعمل مع شركة متخصصة في صناعة الطيران ولكنني فضلت العودة للعيش في السعودية التي أعتبرها وطني وتعتبرني عمالة أجنبية”. وأمران يؤلمان المهندس تحديداً حينما يتعلق الأمر بالجنسية “: عندما يطلب مني فحص إيدز عند كل عملية تجديد إقامة، وعندما يأتي أبنائي من المدرسة يبكون لأن بعض الطلاب يعيرونهم بأنهم أجانب”.
القصص المذكورة هي غيض من فيض من القصص المؤسفة التي بحوزتي والتي اضطررت لاختيار أربعة منها لضيق المساحة، وهي توضح شيئاً من تعقيدات وعجائب موضوع التجنيس لدينا. فنحن لا نتكلم عن أشخاص وصلوا بالأمس ويرغبون بالاستقرار هنا، وهو ليس عيباً بالمناسبة ويحصل في كل أنحاء العالم المتحضر، وإنما عن أشخاص وجود بعض عائلاتهم سابقٌ على نشوء الدولة السعودية الحديثة ذاتها أو بعد نشأتها بقليل، فلا نتحدث عن خمس أو عشر سنوات من الإقامة تؤهلان المرء للحصول على جنسية أوربية أو أمريكية أو كندية، وإنما عن عقود من الزمن تغيرت فيه خرائط العالم، واختفت بعض بلدانهم من قائمة الدول المستقلة.
هؤلاء الأشخاص يعيشون بيننا، وربما كان من بينهم بعض أهلنا أو أرحامنا، وهم لن يتركوا هذا الوطن لأنه وطنهم بالرغم من مما تقوله الأوراق الثبوتية، وهم يتزوجون وينجبون، وبالتالي فهذه المشكلة والمعاناة ستستمر لأجيال قادمة ما لم نحاول حلها بشكل جذري وفعال وفوري. فلا يجب أن يعامل هذا السعودي في كل شيء إلا في جواز سفره كما يعامل الوافد الذي وصل بالأمس فيما يتعلق بالإقامة والفحوصات الطبية. والأمر نفسه فيما يتعلق بقوانين الترحيل ..هذا البعبع المرعب لا يجب أن يستخدم ضد من دخل البلاد بإقامة نظامية منذ عشرات السنين كما يستخدم ضد خادمة هاربة من كفيلها أو معتمر تخلف بعد حج العام الماضي.
لا جدال بأن كل دولة ذات سيادة من حقها أن تضع ما تشاء من شروط وقوانين متعلقة بالجنسية، وفي بلد له خصوصيته الدينية مثل السعودية فمن الطبيعي أن تكون هناك اشتراطات مثل الإسلام واللغة العربية، ومن حق الدولة أيضاً تحديد سنوات أعلى للإقامة للحصول على الجنسية بسبب العدد الكبير لغير المواطنين فيها إذ يشكلون حالياً أكثر من ربع السكان. فقد لا يستحق الجميع الجنسية السعودية بالفعل، ولمعرفة ذلك لا بد من التعامل مع كل حالة بشكل منفرد، فهناك خيارات مثل الإقامات الدائمة والإعفاءات من بعض قوانين واشتراطات الإقامة الحالية وأخيراً الجنسية، فالمهم أن يكون هناك نظام عادل وواضح وممكن التطبيق يفيد الناس ويشل قدرات بعض النصابين والمتلاعبين بقضية الجنسية لأغراض مادية دنيئة، ويكفل للجميع حياة آمنة وعادلة ولائقة في وطنهم الفعلي.
September 25, 2012
أمنيات للوطن.. في القادم من أيامه
احتفلت المملكة هذا الأسبوع بمرور 82 عاماً هجرية على توحيدها وقيام دولتها الواعدة على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1351 (1932)، فاستحالت الدويلات الصغي المتناثرة في صحراء جزيرة العرب إلى كيان موحد له مكانته وتأثيره الإقليمي والدولي دينياً وسياسياً واقتصادياً، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تحقق الكثير، ويكفي أن نذكر إنشاء البنى التحتية وقيام دولة بمفهومها الحديث، وخلال هذا الأسبوع كتب الكثيرون وسيكتبون عن مشروعات الوطن الرائدة وإنجازاته البارزة في مجالات التعليم والصحة والنفط والأمن وغيرها. فلقد عاش الأولون هنا حياة صعبة بالفعل، لم نعرف منها نحن الجيل الذي ولد بعد الطفرة شيئاً يذكر، ولأن الماضي قد رحل بإيجابياته وسلبياته، والحاضر لن يلبث إلا أن يلحق به، فليكن الحديث إذاً عن المستقبل.. فأي وطن نبتغي وأي سعودية نريد؟
إن 80 سنة من عمر الأوطان كفيلة بأن تشب عن الطوق، وبالتالي يُنتظر من الوطن اليوم ما لم يكن منتظراً منه وقت الإنشاء، أو قبل خمسين سنة، فإذا كنا في الماضي مهتمين بإرساء أسس البنية التحتية من ماء وكهرباء وشق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وتشييد الجامعات فإنه ينتظر اليوم أن نكون قد تجاوزنا هذه البديهيات وانتقلنا للمراحل التالية، ولا شك أن الكثير قد تحقق في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه لم نصل إلى النسبة التي ترضينا كمواطنين لا ننتظر من وطننا إلا الأفضل، وهذه النسبة المرضية لن تقل عن 100%. فحين تصل الكهرباء والمياه المحلاة إلى كل منزل في أصغر قرية سعودية، وحين تعبد كافة شوارع هذه القرية تماماً كما هي الحال في المدن، وحين تعلن بلديات المدن نفسها بأنها باتت مدناً خالية من جدري الأسفلت، وحين لا يبقى طالب واحد – مواطناً كان أم مقيماً – في عمر المدرسة خارج أسوارها، وحين لا تحتل مدرسة واحدة مبنى مستأجراً، وحين لا يعود إنسان إلى بيته متألماً مريضاً لأنه لم يجد سريراً في مستشفى حكومي يؤويه، عندها نستطيع القول بأننا تجاوزنا بالفعل المرحلة الأولى بكل رضا.
وإذا كان الحديث السابق قد تطرق إلى الجانب الملموس من مشوار النهضة، فإن هناك جوانب أخرى حل أوانها، ومنها تلك التنظيمات التي تمس شرائح واسعة من المجتمع وهنا تبرز العلاقة بين الجنسين، بحيث لا تتيح التنظيمات والتشريعات الإدارية عمداً أو سهواً طغيان أحدهما على الآخر أو استغلاله، ولن أتحدث عن المساواة هنا، فللرجل دوره ومسؤولياته شرعياً وقانونياً وللمرأة كذلك، إلا أن هذا لا يعني أنهما يتشاركان في الكثير من الجوانب الحياتية وفي الحقوق المستحقة، بما فيها فرص العمل والمشاركة في بناء المجتمع، وأن تكون الكفاءة وليس الجنس معياراً لتولي المناصب والقيام بالمهمات. فلا أظن عاقلاً سيطالب بأن تتولى أي امرأة – لمجرد كونها امرأة – منصباً هاماً كسفيرة أو وزيرة أو مستشارة، لكن في حال توفرت امرأة لديها القدرة والتمييز، فلم لا؟
وما ينطبق على الرجال والنساء، ينطبق على الأقلية والأغلبية، فلا ينبغي أن يُهمش مواطن أو يُستبعد من ترشيح لوظيفة أو منصب فقط بسبب مذهبه أو منطقته من قبل موظف متعصب، في حين يتم تقديم من يقله جودة وكفاءة، فذلك ليس فقط ينافي جوهر العدالة الشرعية والوطنية، ولكنه لا يخدم مصلحة العمل، ولا يخدم الوطن على المدى البعيد، فلا ينتج من كل ذلك إلا الإحساس بالغبن والكراهية.
وفي ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة، وفي ظل عالم متغير القوى تتصارع فيه الأمم على الموارد وعلى النفوذ، وتتطلع الدول القوية إلى الخرائط بشهوة وهي تمني النفس بإعادة رسمها، فإنه قد آن الأوان لبناء أجهزة مناعية مضادة تشكل درعاً أقوى من أي سلاح نووي لحماية الوطن، وذلك من خلال مشاركة شعبية أوسع من قبل المواطنين، الذين يتطلعون لأن يصبحوا عوناً للقيادة الرشيدة في الارتقاء بالوطن، فيكونوا لها عيوناً تنقل ما يحتاج إلى إصلاح وتنمية وتطوير، راجين بأنه إذا تحقق ذلك فإنهم يجنبون الوطن وكل من فيه شرور الزلازل والبراكين والنار التي تشتعل من حولهم في الهشيم.
وفي عصر النهضة والعلم والتقنيات المتسارعة فقد آن الأوان للخروج من نادي الدول النامية، أو الفوز بشرف المحاولة على الأقل، تماماً كما فعلت دولٌ لم تكن لديهم لا مواردنا ولا استقرارنا مثل كوريا واليابان وماليزيا وما نشاهده اليوم في البرازيل. فقد حان الوقت إذاً لنتوقف عن الرضا بكوننا دولاً تصدر المواد الخام وتستورد كل شيء آخر ما عدا الهواء! وأن لا يكون منتهى الأمل في القضاء على البطالة هو توفير أي وظيفة للمواطن بمجرد إحلاله مكان مقيم، وإنما خلق وظائف جديدة باستمرار عبر اقتصاد منتعش وفعال. وبات ضرورة وليس ترفاً أن تعود جامعاتنا لتصبح جامعات يُطلب العلم الحديث فيها وتجرى من خلالها الأبحاث التي لا تقف عند حدود أسوارها، وإنما تخرج لتتحول لمنتجات تنفع الناس، أو نتائج دراسات تفيد في سن القوانين والتشريعات، وأن يكون معيار تعيين الأساتذة هي الكفاءة وليست عوامل الوراثة والعلاقات العامة.
من السهل جداً أن تكتب موضوعاً إنشائياً تتحدث فيه عن كون كل شيء على ما يرام وليس بالإمكان أفضل مما كان، لكن الأمانة تقتضي أن تكتب بمصداقية عما يحتاج للتطوير والتحسين وعن تطلعاتك لوطنك الغالي، تماماً مثل أب رحيم أو أم حنون وهما يلفتان نظر أبنائهما إلى ما يعتقدان بأنه سيجعل منهم أشخاصاً أفضل. فلا المديح الزائد ينفع ولا التجريح المقذع يجدي، ولا المقارنات السامجة وغير العادلة مع الجيران تحقق هدفاً، هذا لمن يحبون وطنهم ويرغبون في مشاهدته محلقاً. وإنما ينبغي الاعتراف بما تحقق للوطن من إنجازات وكذلك الاعتراف بما وقع فيه من الأخطاء، ومن ثم المضي قدماً في مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير وكل شخص حسب مركزه واستطاعته، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وكل عام وأنت مزدهرٌ يا وطني.
September 20, 2012
الفيلم المسيء..ما الجديد؟
المنطقة العربية الإسلامية تشهد حالياً تظاهرات يتخللها الكثير من العنف والتخريب، كما تتعرض المصالح الدبلوماسية الغربية للهجوم، ومواجهات إعلامية حادة بين بعض المسلمين والمسيحيين، وبين أنصار حرية التعبير المطلقة وبين من يعتقدون استحالة وجود هذه الحرية ولا لدى الغرب نفسه، والدليل هو موقفه ممن يشكك في المحرقة النازية لليهود (الهولوكست).
تجري هذه الأحداث في الربع الأخير من العام الميلادي 2012 وما أشبه اليوم بالبارحة، فقبل سبع سنوات في عام 2005 شهدنا فوضى مماثلة سببها الرسوم الكرتونية المسيئة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي نشرتها صحيفة (يولاندس بوستن) الدنماركية وتبعتها صحف أخرى في الدنمارك وأوروبا تضامناً مع الصحيفة وانتصاراً لحرية الرأي والتعبير بلا قيود. وتسبب كل ذلك آنذاك في اشتعال أزمة دبلوماسية على أعلى المستويات بين العالم الإسلامي والدنمارك وبعض دول أوروبا، فسُحب السفراء للتشاور، وتعرضت بعض السفارات الأوروبية لشغب المتظاهرين، وبرزت دعوات المقاطعة للمنتجات الدنماركية، وعاش العالم في أزمة لم تنفرج سريعاً رغم كل أصوات دعاة التسامح والسلام من الجانبين. وقد نجح المسلمون يومها في إرسال رسالة مهمة وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم خط أحمر، وأن أمة المليار الممتدة من جاكرتا إلى مراكش، بل والتي تعيش جالياتها بالملايين في قلب العالم الغربي، لن تسكت على إهانة لنبيها وإمام أمتها.
لكن ماذا حصل بعد أن هدأت ثورة الغضب تلك؟ لا شيء! لم نشاهد مبادرات على صعيد الأفراد أو المؤسسات أو الدول العربية والإسلامية للتعريف بنبي الهداية ولا بالإسلام ولا بالحضارة العربية الإسلامية. لم نشاهد لا كتباً ولا أفلاماً سينمائية ولا برامج وثائقية ولا مناسبات ثقافية تنظمها السفارات الإسلامية في الخارج، التي ما زالت تعتقد أن دورها دور موظف التشريفات لكبار الشخصيات: استقبل وودع، حتى المجموعات الطلابية انشغلت عن هذا الأمر. لم يتحرك أحد ولم يبادر بشيء، ثم كان هذا الفيلم الأمريكي الأخير المسيء، فإذا بنا نستيقظ من جديد، ونتذكر بأن علينا نصرة نبينا!
كالعادة، مواقفنا خلال المائة عام الماضية تجاه كل اعتداء سياسي أو ثقافي أو ديني أو عسكري لم تكن سوى ردات فعل.. موتورة غالباً، فخرجت المظاهرات التي بدل أن توصل رسالتها للسفارات الأمريكية وللعالم بوضوح، لاسيما في دول ما يسمى الربيع العربي، وإذا بها تتحول إلى ممارسات بلطجية تُحرق فيها الأعلام وتكسر النوافذ وتقذف السفارات المحصنة بالصواريخ ويقتل السفراء. وهي تصرفات لطخت كثيراً صورة العرب والمسلمين وصورة الإسلام، وجعلت التركيز على الهجوم وجريمة القتل أكثر مما هو على الجريمة الأصلية وهي إهانة مقدسات المسلمين ورموزهم. وبالرغم من أنه قد لا يكون مقتل السفير الأمريكي في ليبيا (كريس ستيفنز)كما يعتقد البعض بالضرورة مرتبطاً بهذا الفيلم، إلا أن الحابل قد اختلط بالنابل، وها هو الشعب الأمريكي يجد أن سفير بلاده قد قتل بسبب فيلم أنتجه أحمق لا علاقة له بالحكومة الأمريكية ولا بعموم الشعب الأمريكي، وبالطبع فجريمة القتل في نظره أشنع بكثير من جريمة الإساءة لنبي ديانة ما.
الطريف أن دعوات المقاطعة الاقتصادية التي ظهرت ضد الدنمارك بشدة لم نسمع عنها كثيراً فيما يتعلق بأمريكا، وذلك لخيبتنا الكبيرة، فنحن معتمدون عليها وعلى منتجاتها بشكل كلي من الإبرة إلى الصاروخ! فلا نتحدث هنا عن مقاطعة الزبدة ومنتجات الألبان بأنواعها، وإنما عن مقاطعة للسيارات والكمبيوترات والتعليم والكتب والمعدات وحتى أجهزة الآيفون والآيباد. ولعله من هنا يمكن أن نفهم أسباب لجوئنا للعنف، لأننا مهزومون حضارياً ومتأخرون علمياً وبالتالي فهذا الإحساس بالهزيمة يقودنا للتصرف كالمجانين، لأننا لا نملك ما نخسره، فنحن إذ نضرب السفارات ونحرق الأعلام فنحن نضرب تخلفنا ونحرق جهلنا الذي نزدريه.
لكن ألا يحق لنا أن نهب غضباً لديننا في زمن نشعر فيه أحياناً بأننا تحولنا كأمة إلى ما يشبه ممسحة الأقدام التي يدوسها الكل دون رادع أو خوف بسبب حالة الضعف والتردي التي نعيشها على كافة الأصعدة؟
بلى يحق لنا، وأنا مع المظاهرات المليونية أمام السفارات في الدول التي تسمح بذلك، شرط أن تكون منظمة وواعية ولها رسالة محددة تسلمها للسفراء، ومع القيام برفع دعاوى قضائية في كل الولايات الأمريكية ضد منتج الفيلم ومموليه ومخرجه، ورفع دعاوى كذلك على موقع اليوتيوب لرفضه حذف الفيلم، ومع تنظيم ندوات في السفارات العربية والإسلامية في أمريكا سواء للمسؤولين أو الجمهور لتوضيح سبب الغضبة الإسلامية، وكيف يمكن أن تؤثر هكذا ممارسات غير مسؤولة من مواطنين أمريكيين على العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي، والتي بالكاد استطاع الرئيس باراك أوباما ترميم شيء منها بعد أن عاث فيها سلفه فساداً، لاسيما ونحن في سنة الانتخابات الأمريكية.
العالم لا يحترم إلا من يحترم نفسه، ونحن كمسلمين توقفنا عن احترام أنفسنا منذ أمد بعيد، منذ أن تخلينا عن كل جميل من ديننا وحضارتنا واستبقينا على كل قبيح من عاداتنا، فكانت النتيجة تخلفا حضاريا مريعا، ثم حين أردنا أن ننهض ونلحق بالركب ..تسابقنا لتسول هوية من خارج الزمان والمكان، فما عدنا نعرف من نحن ولا إلى أين نسير؟
فالنصرة الحقيقية لسيد البشر وخاتم النبيين تكون بإحياء سنته في قلوبنا وتطبيق شريعة ربه في أرضنا، بنشر العدل في الدنيا التي امتلأت ظلماً وجوراً، وبإعمار الأرض وصناعة الحضارة، وقتها نستطيع أن نباهي العالم بأننا أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم- صُناع التاريخ ومهندسو الحضارات، ويومها لن يؤثر فينا حاقد يسعى لتشويه صورة ديننا وإهانة رموزنا، لأننا سنشعر آنذاك بأننا عمالقة وبأنه ليس سوى حشرة لسنا معنيين حتى بالانحناء للنظر إليها.
September 5, 2012
راشيل كوري.. أميركية سقت بدمها تراب فلسطين
أن تضحي وتستشهد في سبيل دينك وأرضك وكرامتك وأسرتك فعل بطولي موجب لكل فخر، لكن أن تقطع آلاف الأميال من وطنك لتدافع عن أشخاص لا يجمعك بهم سوى رابط الإنسانية وإيمانك السامي بعدالة قضيتهم ثم تدفع حياتك ثمناً لموقفك البطولي هذا فأنت إنسان من طراز نادر، معرفتك مكسب كبير وفقدانك خسارة فادحة. راشيل كوري القادمة من أمريكا هي واحدة من هؤلاء البشر المدهشين، فلم يمنعها موقف بلدها المنحاز ضد قضية فلسطين من اتخاذ موقف شجاع أمام أعين العالم، فما قصة راشيل؟
راشيل (راحيل) كوري ولدت في مدينة أولمبيا بولاية واشنطن في 10 أبريل 1979، وكانت فتاة لديها إيمان عميق بالأخوة الإنسانية وبالعدالة المفقودة في العالم منذ صغرها، إذ وقفت في مؤتمر لتلقي خطاباً رائعاً عن حقوق الإنسان في العالم الثالث وهي بعد طفلة دون العاشرة، وبالتالي ليست كما يصور بعض الصهاينة في الإعلام الغربي بأن تعلقها بفلسطين وقضيتها ليس سوى شطحة من شطحات الشباب ضمن سلسلة من الاتهامات الباطلة والمعيبة لتشويه صورتها لأنها فضحت ممارسات العدو الصهيوني.
التحقت راشيل بحركة التضامن العالمية (ISM) ففي بلدها، ولم تكن قد تجاوزت الثالثة والعشرين حين سافرت لغزة لتتظاهر ضد هدم وتجريف بيوت الفلسطينيين الرافضين للإخلاء فوق رؤوسهم، وفي يوم 16 مارس ،2003 وبينما بلادها تمارس العدوان على العراق، وقفت مع أصدقائها أمام جرافة كبيرة من شركة كاتبلير الشهيرة في محاولة يائسة لمنع تدمير منزل عائلة فلسطينية، كانت الفتاة تدرك ولا شك خطورة الموقف لكن لم يكن أمامها خيار آخر، ففي مقابلة معها قبل أيام من اغتيالها قالت بأنها لا تعول كثيراً على أن تصغي الحكومة الإسرائيلية لأصوات ناشطي السلام، وأن حكومة أمريكية بقيادة جورج بوش الابن الذي يعتبر المجرم شارون “رجل سلام” لا يرجى منها إنصاف، وهكذا قررت الأمريكية الشجاعة أن تواجه جرافة بصدر عار من أي سلاح إلا سلاح الإيمان بعدالة القضية التي تدافع عنها، لعلها كانت تعرف بأن اسرائيل لا يردعها شيء ولن يغني عنها جوازها الأزرق ولا أسطول بلادها الضخم المتواجد في المنطقة، لكنها ربما أرادت أن يكون موتها أقوى رسالة للعالم الذي لن يمر عليه مرور الكرم حادثة قتل عمد في وضح النهار لشابة غريبة دهساً بالجرافة مثلما مرت وتمر الأخبار عن مقتل الفلسطينيين بشكل يومي، وهكذا واجهت موتها بثبات وفاضت روحها على ثرى فلسطين.
وكان للشقراء الجميلة اليافعة ما أرادت، فسلط الإعلام الضوء على قضيتها ولا يزال رغم مرور ما يقارب العشر سنوات على الجريمة النكراء، وبات وجهها الملائكي رمزاً للنضال والصمود والتحدي، وباتت هي أشبه بقديسة في الألفية الجديدة، لكن ذلك طبعاً عند المتعاطفين مع قضية فلسطين أو المنصفين على الأقل، أما إسرائيل وأنصارها في الإعلام الدولي -ومنه الأمريكي – الذي للمرة الأولى يبرر قتل مواطنته على يد دولة أجنبية، فلا زالوا يصورون الراحلة على أنها فتاة حمقاء وطائشة وتستحق ما جرى لها! ولم تتحرك حكومة بوش وقتها ولم تفعل شيئاً للضحية وأسرتها، فوحدها إسرائيل تستطيع أن تقتل امرأة أمريكية بيضاء على هذا النحو وتنجو بفعلتها، وهناك شارع اليوم في غزة باسم هذه المناضلة الرائعة، وكم أتمنى أن نرى شوارعاً باسمها في كل عاصمة عربية، فلا ينبغي أن ننسى أسماء الشرفاء الذين وقفوا معنا.
لم تسكت عائلتها عن مقتل ابنتهم بهذه الوحشية المفرطة فرفعت قضية على جيش الاحتلال الإسرائيلي مطالبة بإدانته وبتعويضات عن مقتلها. وبعد أخذ ورد على مدار عامين صدر الحكم من القاضي الإسرائيلي قبل أيام قليلة والذي رفض فيه القضية المرفوعة معتبراً بأن قتلها كان حادثة غير متعمدة، وأن راشيل تسببت بمقتلها، والجيش غير مسؤول عنها، وبالتالي لن تدفع الحكومة الاسرائيلية أي تعويضات! وقد علقت والدتها على الحكم بالقول:” إنه حكم محزن ومؤلم للعائلة وهذا يوم حزين لحقوق الإنسان في العالم”.كم أتمنى لو ساعدت المنظمات العربية الحكومية والأهلية عائلة كوري واحتفت سنوياً بذكراها، فاليهود جعلوا في كل مدينة متحفاً عن المحرقة حتى لا ينسى العالم ويظل شاعراً بالذنب للأبد خاصة في أوربا، فلماذا تكون ذاكرتنا قصيرة ونفسنا متقطعاً؟
وسؤال لتجار المسلمين ورجال أعمالهم الذين يتعاملون مع شركة كاتبلير (Caterpillar) الأمريكية للمعدات الثقيلة والجرافات، هل يدركون أن هذه الشركة تدعم وبفعالية جيش الاحتلال الصهيوني؟ وأنها لازالت تشارك في برنامج أمريكي من توابع كامب ديفيد يقوم بتوريد معداتها للجي رغم مناشدات منظمات حقوق الإنسان لها بالتوقف، إذ تعرف يقيناً بأن منتجاتها تستخدم للقتل والإرهاب وتدمير منازل المدنيين؟ هل يستطيعون أن يتخذوا موقفاً إسلامياً وقومياً ووطنياً فيوقفوا التعامل معها احتجاجاً ويبحثوا عن بدائل من دول صديقة أو من شركات لا تبارك إرهاب الدولة؟
أذكر أنه عندما جاء ممثلو كاتبلير لجامعة نوتنجهام في يوم المهنة تعرضوا للشتم ومظاهرات نعادية ومنددة من الطلبة، لأنهم يمثلون شركة تساعد في انتهاك حقوق الانسان، فطلاب الجامعات البريطانية الشباب كان عندهم من الوعي والإيمان بحقوق الإنسان ليطالبوا جامعاتهم وحكومتهم بعدم التعامل مع الشركة، في حين أن من بيننا من سوف ينكر دعوتنا هذه بحجة أنه يجب فصل السياسة عن التجارة، لكن هل الآخرون يفعلون ذلك؟ ألا يقاطع الغرب إيران ويمنع شركاته من إقامة علاقات اقتصادية معها لاختلافهم مع النظام الإيراني ومن أجل الضغط لإلغاء البرنامج النووي؟
راشيل كوري حمامة سلامة هجرت عشها الآمن الوادع في واحدة من أجمل الولايات الأمريكية طبيعة متجهة إلى فلسطين حيث الخراب والاحتلال والموت المجاني ..ووقفت تدافع أعشاش الفلسطينيين الصغيرة..لأنها آمنت بأنه ما استحق أن يولد من عاش لنفسه لكن قوى الغدر اغتالت الحمامة بلا رحمة..ماتت الحمامة لكن سيرتها العطرة لم تمت..ودمائها الزكية ستظل وصمة عار على أيدي قتلتها لا يجدون سبيلاً لغسلها مهما حاولوا.
August 29, 2012
الصمت وقود الشائعات
قبل أسبوعين تقريباً فوجئناً بخبر غير سار من أرامكو السعودية، وقليلة هي الأخبار المزعجة القادمة من هذه الشركة الوطنية التي بشكل عام نفخر بأدائها مقارنة بقطاعات وطنية أخرى. فقد تم الإعلان عن حصول اختراق أمني لأنظمة الشركة الإلكترونية جعلت موظفي الشركة حتى لحظة كتابة هذه السطور غير قادرين على استخدام حساباتهم البريدية الالكترونية كمثال بسيط على الضرر المتحقق. ولأنها شركة أرامكو التي تدير مع وزارة البترول والثروة المعدنية والمجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن قطاع النفط السعودي الذي هو عصب اقتصادنا الوطني، ولأن السعودية أكبر بلد مصدر للنفط وصاحبة أكبر الاحتياطات النفطية، والطاقة شريان الحياة لهذا العالم، فمن الطبيعي أن يكون هناك اهتمام كبير محلي ودولي بهذا الحدث المؤسف. هذا عدا عن اهتمام الإعلام التقني والمؤسسات المعنية بأمن المعلومات بمثل هذه الحوادث. فكيف تم التعامل مع الحدث إعلامياً؟
هناك الكثير من الأسئلة التي تدور في خلد الكثيرين، فكيف تم هذا الهجوم أو الاختراق لشركة بهذا الحجم؟ هل كان نتيجة خطأ غير مقصود ترك ثغرة فنية؟ أم أن في القضية جناية سببها الإهمال أو التخريب المتعمد؟ هل هناك تحقيقات جارية بهذا الخصوص داخل الشركة وخارجها؟ هل تعد هذه جريمة أمنية وطنية بحيث يُفترض أن تشارك في التعامل معها قطاعات الدولة الأخرى مثل وزارة الداخلية؟ هل الموضوع محصور في أرامكو أم أن العالم ينتظر سماع تعليق رسمي سعودي سواء من وزارة الإعلام أو الخارجية؟ وهل تم سد هذا الخلل الآن؟ وما هو حصاد الخسائر المادية والمعنوية؟
حتى اللحظة لا يوجد تعليق رسمي من الشركة إلا تصريحات متفرقة هنا وهناك وتصريحات أخرى من “مصادر” نشرتها جريدة الحياة وموقع العربية والذين نقلوا أيضاً عن مواقع إلكترونية أجنبية، وهذه التصريحات فيها شيء من التضارب فهناك من يتحدث عن هجمة فيروس وآخرون عن اختراق لمجموعة من المخترقين (الهاكرز). ولعل أوسع تغطية، وليس بالضرورة الأفضل إذ تعكس فقراً في المعلومات التقنية، هي التي قرأتها في جريدة الاقتصادية (الاثنين 02 شوال 1433 هـ )، والتي ركزت على الاجراءات الاحترازية التي تقوم بها الشركة الآن مثل جلب خبراء أجانب، وليس عن أسباب الحدث أو أية تفصيلات أخرى.
وبعد أكثر من أسبوعين بدون تفصيلات موثقة في الإعلام طبيعي أن تبدأ الشائعات في التضخم مثل كرة الثلج، بعض هذه الشائعات يسيء لأرامكو السعودية وللمملكة العربية السعودية، فقد وجود البعض في هذه القضية فرصة سانحة لتفريغ هواهم الشخصي وتحقيق فرقعاتهم الإعلامية، وبدلاً من الحديث عن قضية أمن معلومات الكترونية بتنا نتحدث عن الدين والسياسية والمشهد الإقليمي والاستخبارات الدولية، ومع ذلك لا جديد لا من أرامكو ولا من إعلامنا المحلي الذي يتعامل مع القضية وكأنها حصلت في بوركينا فاسو.
ومع أننا نتحدث هنا عن قضية محددة إلا أنه يمكن القول بأن هذا الأسلوب السعودي في عدم إعطاء تفصيلات عن الأحداث المهمة والتي الأضواء مسلطة عليها سلفاً، وبالتالي لا فائدة من تجاهلها، يفتح مجالاً لهذه الشائعات التي تصبح بعد برهة من الزمن حقائق تاريخية يصعب المجادلة حولها. وقد نشرت قبل بضعة أشهر في الوطن مقالاً بعنوان (كيف تعامل السعوديون مع قضية الجيزاوي؟) وضحت فيه بأن المملكة على الرغم من سلامة موقفها قد كانت بطريقة غير مباشرة سبباً في استمرار ذلك الهجوم عليها من قبل الإعلام المصري الموتور آنذاك، وذلك حين تأخرت كثيراً في الإعلان عن روايتها الرسمية التي توضح بأن احتجاز المحامي أحمد الجيزاوي تم لشبهة جنائية وهي تهريب الحبوب المخدرة الممنوعة وليس لأن له مواقف سياسية سلبية من المملكة وأنه جاء معتمراً محرماً وملبياً وحيل بينه وبين بيت الله الحرام! والآن لنتخيل الفرق في وقع خبر الاحتجاز على عموم المسلمين قبل وبعد اتضاح الحقائق. فقبل التوضيح الرسمي نحن أمام دولة تحتكر بيت الله الحرام وتحول بين المرء وعبادة ربه! وبعد التوضيح دولة ذات سيادة لها كل الحق في حماية نفسها ومواطنيها وسكانها بشكل عام من الآثار المدمرة للمخدرات وما يدخل في حكمها.
دور الإعلام هو أن يكون سلطة رابعة، وبالتالي فمن واجبه تسليط الضوء على القضايا المهمة والحساسة والتي تهم الناس وتمسهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن يتحدى العقبات التي يضعها من لا يريدون أن يطلع الموء على ما يدور حوله، وهنا يأتي دور الصحافة الاستقصائية، التي هدفها تتبع خيوط القضية بأسلوب المحققين البوليسيين المستقلين. لكن ما يحصل عندنا هو أن القضايا إما أن لا تُغطى بالأساس، أو تُذكر بشكل مقتضب، أو أن يتم الحديث عنها بإسهاب حتى تصبح بالفعل قضية رأي عام ثم فجأة يسدل الستار دون معرفة تتمة القضة، ويُترك لخيالنا تحديد النهاية. فما آخر التطورات في قضية مغتصب قاصرات جدة؟ وماذا حل بالجيزاوي؟
قبل ثورة المعلومات وقبل الجوالات الذكية كان مقبولاً انتهاج سياسة التروي والحذر، وأن يتم تأخير الإعلان عن الأحداث الكبرى، وكان يمكن فهم تهيب الإعلام من الخوض فيها إلا بعد مرور وقت كافٍ، ولكن تغيرت الأمور كثيراً خلال العشرين سنة الماضية، وآن الأوان للتعامل إعلامياً مع الجمهور في الداخل والخارج بلغة العصر وإيقاعه السريع، لاسيما في القضايا الوطنية والقومية الكبرى، وتهديد أمن المعلومات في أرامكو واحد من هذه القضايا. فلسنا في مجال توجيه اللوم للقطاع النفطي أو الإعلامي أو الحكومي بقدر ما نرغب في أن نرى تغييراً قريباً في سياسة التكتيم والتجاهل من أجل صالح هذا الوطن الغالي.
د. مرام عبدالرحمن مكَّاوي
* كاتبة سعودية مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية
August 22, 2012
لا للواي فاي! – القافلة الأسبوعية
على باب أحد أحدث مقاهي العاصمة الأمريكية تقابلك لوحة عليها إشارة ممنوع فوق العلامة التي تشير لتوفر خدمة شبكة الاتصال اللاسلكية (Wi-Fi)، وقد كُتب تحتها:
(لا للواي فاي: هذا المكان مخصص للحديث والقراءة وشرب القهوة. من فضلك دع جهازك المحمول في حقيبتك وخذ فترة استراحة. حيي جيرانك وتحدث معهم. رسائل البريد الالكترونية تستطيع الانتظار)
نتحدث هنا عن مقهى قد يعتبره البعض يعيش خارج العصر، لكن حين قمت بتصوير تلك اللوحة ومشاركتها على موقع تويتر فإن هذه الصورة قد انتشرت في وقت قياسي، فهل كان هذا دليلاً يا ترى على موافقة كل هؤلاء المغردين/ المستخدمين العرب للفكرة أم أنهم تبادلوها استغراباً منها؟
وفي العدد الأخير من مجلة (الاتلنتك) الأمريكية اقتراحٌ بأن تكون هناك أماكن عامة مخصصة للتواصل الحقيقي للبشر بعيداً عن جنون التكنولوجيا مطالباً بأماكن خالية من الواي فاي غرار الأماكن الخالية من التدخين!
فبحسب رأي المحرر لا يوجد ما هو أسوأ من رؤية أربعة أصدقاء خرجوا لقضاء وقت ممتع سوية وإذا بكل واحد منهم يعيش في عالمه الخاص عبر هاتفه المحمول.
فإذا كان الغرب قد بات يشكو من أضرار الاكتساح الجبار للتقنية ويقرع صفارات الإنذار، وهو الذي لم يُعرف عن ثقافته تلك الروابط الاجتماعية والأسرية القوية على النحو الموجود في ثقافات الشرق، فهل الوضع لدينا أفضل حالاً؟ أم أننا في المركب نفسه ولكن لم نعي بعد درجة التأثير؟
إذا نظرنا حولنا فنسجد يميل لصالح الخيار الثاني، فالهاتف المحمول في أيدي الجميع. ولم تعد هناك قدسية لوقت الأسرة اليومي على المائدة، أو للاجتماع الأسبوعي في بيت كبير العائلة، أو حتى للأماكن الدينية كالمساجد، بل قد تجد شخصاً يطوف بالكعبة الشريفة وعينه على شاشة جواله! ونسمع الكثير عن قصص التوتر بين الوالدين والأبناء، أو بين الزوجين، أو بين الأساتذة وطلبتهم، بسبب إصابتهم بحالة متقدمة من الإدمان الرقمي.
ومع أن ثورة الاتصالات قد سهلت الكثير من أمورنا وقربت البعيد، وهناك فوائد جمة متحققة من سهولة وسرعة التواصل من خلالها في أي زمان ومكان، لكنها أيضاً تساهم في تضييع وقتنا وتشتيت تركيزنا وفي تحولينا لكائنات مدمنة ومنطوية وفاقدة لمهارات التواصل الاجتماعي، وهو أمر سنشاهده أكثر في الأجيال الجديدة.
لنعترف بأننا لا نستطيع إلغاء وجود هذه الأجهزة الذكية من حياتنا ولا نبتغي ذلك أصلاً، فالهدف ليس إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، لأن ذلك مستحيل ، ولكننا نستطيع حتماً ترشيد استخدامها، بحيث ندرك بأن للعبادة وقتٌ، وكذلك للعائلة، وللعمل أو للدراسة، وللأصدقاء، وللقراءة، وللاستمتاع بالحياة على أرض الواقع وليس من خلال عوالم افتراضية.
عمر وصناعة الحضارة
خلال شهر رمضان المبارك استمتعت بسيرة الفاروق عبر برنامج (عمر صانع حضارة) الرائع الذي قدمه الدكتور عمرو خالد، وقد تعمد أن يربط من خلاله بين الماضي والحاضر، فهدف البرنامج هو استنهاض همة الشباب لإحياء حضارة المسلمين في أوطانهم مستلهمين سيرة حياة مؤسس الحضارة الإسلامية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه. وقد تمكن الدكتور عبر أسلوبه السهل الممتنع من توثيق سيرة عمر بشكل علمي منهجي يجعله قابلاً للتطبيق والاقتباس، كما نجح عبر انتقال الكاميرا ما بين مكة والمدينة ومصر والعراق والأردن إلى جعلنا نعيش أجواء ذلك العهد الزاهر، وهنا تبرز أهمية الحفاظ على الآثار الإسلامية.
فقد قام عبر دراسة شخصية الفاروق من تحديد صفات الإنسان القيادي القادر على صناعة الحضارة وهي بشكل عام: الحركة والعمل، والإيمان العميق بالفكرة والانتماء إليها بالكلية، وتجميع صفات مختلفة تحقق توازناً في الشخصية مثل القوة والرحمة، والإخلاص، والمرونة، والتكامل مع الآخرين (مهارات العمل الجماعي)، ومعرفة الهدف من بناء أي حضارة وهو تحقيق السعادة للناس.
كما لخص إنجازات عمر المبهرة التي لم يسبقه إليها أحد، والتي – لضيق المساحة – سأذكر بعضها فقط، ففي السياسات العامة كان أول من أنشأ الدواوين (الوزارات) في الإسلام، وأول من أنشأ سجلات إحصائية للمواليد. أما في مجال العبادة فقد كان أول من جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، وأول من أسقط الجزية عن الفقراء والعجائز من أهل الكتاب، بل أول من أعطاهم مخصصات من بيت مال المسلمين، كما منع هدم كنائس النصارى. أما في مجال الإدارة والاقتصاد فكان من إبداعاته أنه أول من فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية (الحكومات)، وأول من فرض أموالاً وعطايا للشعب من بيت مال المسلمين بما في ذلك الأطفال، وأول من أنشا سجلاً للمعلمين والحرفيين وخصص لهم رواتب.
وكان من الجميل أن أستمع لموقف عمر بن الخطاب من النساء، فأحد أكبر الإشكالات التي يرمي بها خصوم الإسلام عليه اليوم هي الموقف من المرأة. فهذا الفاروق المعروف بغيرته الشديدة يقوم بتولية الشفاء بنت عبدالله كمحتسبة في السوق تتابع عمل التجار ومدى مراعاتهم لأحكام الشريعة في تجارتهم. بل ويذهب عمرو خالد إلى التأكيد بأنها لم تكن مجرد محتسبة بل رئيسة جهاز الحسبة وهو ما يشبه جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اليوم، وحين أنشأ الدواوين (الوزارات) وجعل من بينها ديواناً للحسبة كانت الشفاء ترأسه، مما يعني أنها بلغة عصرنا كانت وزيرة، في حين أن البعض اليوم يحرم عملها خارج بيتها! وهناك مثال آخر يبين تشجيعه للنساء وللعمل الحر كذلك، فقد أعطى هند بنت عتبة قرضاً بأربعة آلاف درهم من أجل إنشاء تجارتها الخاصة. ويحتاج العالم اليوم بشدة لرجل بعقلية عمر ليدرك أنه لتنشئ حضارة فلا بد أن تشرك الجميع في عملية البناء، فقبل أن تحاسب الدولة الأفراد على السرقة واقتراف المحرمات فهي تفتح أمامهم أبواب الرزق الحلال وتحقيق الذات، فلا يضل منهم إلا من شاء لخلل في نفسه.
أما حين نأتي للتعايش بين الحضارات والديانات في عهده الميمون، فإنجازاته هنا تستحق أن تترجم وتنشر وتلقى في وجه الحاقدين سواء كانوا من العرب أو الغرب، ممن ما برحوا يشوهون تاريخ الإسلام وحاضره ويرمونه بالإرهاب والظلم وكراهية الآخر. فتاريخ الفتوحات الإسلامية لا سيما في عهد الخلفاء الراشدين ينبغي أن يكون دستوراً لحقوق الإنسان، ولنقرأ العهدة العمرية التي عاهد عليها قساوسة القدس، ولنقرأ عن تعامله مع القبط في مصر، وهنا تبرز روعة تعاليم الإسلام التي عمد البعض إلى تشويهها، ففرض الجزية على المواطن غير المسلم لم يكن تمييزاً بقدر ما كان يعادل الزكاة التي تؤخذ من المواطن المسلم، وينال الذمي أو المعاهد في مقابلها ميزات من الدولة مثل البنية التحتية والتعليم والصحة والأمن.
في المقابل نجد من خلال قراءة التاريخ الأوروبي والأميركي أنه تم استخدام المسيحية كغطاء لارتكاب مجازر باسم الرب شاهدناها في بيت المقدس من قبل الصليبيين، ومن قبل الإفرنج في الأندلس وما فعلوه بالمسلمين واليهود، وكيف تعامل المستوطنون المسيحيون الأوائل مع الهنود الحمر في أميركا والذين مازالوا يعيشون في ظل نوع من التمييز ضمن محمياتهم الخاصة.
فالحضارة الإسلامية هي حضارة أخلاق ومبادئ، فلا ترفع شعار الغاية تبرر الوسيلة، وهي حضارة زراعة وصناعة وعمران وبناء وعلوم ومعارف وأدب وغيرها من نواحي الحياة، لكنها ليست حضارة ترف وخيلاء، ولذلك لا أُعجب بمشاهدة الأبراج الشاهقة في الخليج، فهذه حضارة حجارة وحديد لا تمس جوهر الإنسان ولا تضيف قيمة للبشرية.
ولقد ركز البرنامج في رسالته على أن سبب مشكلاتنا الحالية هي أننا نستورد حضارة من الخارج لها قيمها ومتطلباتها، وهي متعارضة أحيانا مع قيمنا الخاصة، ونحن نحاول باستماتة تركيب قيمنا على هذه الحضارة، وحين نفشل كما هو متوقع نرمي باللوم على الشريعة أو على قيمنا أو على الآخرين! في حين أنه يفترض أن تنطلق من قيمك وهويتك ولغتك لتصنع حضارتك الخاصة ولدينا أمثلة من عالم اليوم: في اليابان وكوريا.
إن الذين يحصرون ديننا فقط في العبادات وبناء المساجد والحجاب والحدود لم يستوعبوا بعد رسالة الإسلام الخالد، وهي تحقيق العبودية المطلقة لله تعالى وإقامة حضارة عالمية على أسس القيم والأخلاق. فإن نحن أكلنا وشربنا وصلينا لكن لم نأمر بمعروف، ولم ننه عن منكر، ولم نحاول الإصلاح أو نطالب به، فأية عبودية لله حققنا وأي حضارة في الأرض شيدنا؟
وكذلك فإن التدين المشغول بالجدل الفكري والمذهبي العقيم عن مناقشة احتياجات الأمة كإقامة العدل ودعم الاقتصاد ليس مؤهلا لرفع لواء الإسلام، إذ يرفعه عالياً في الآفاق من يفهم مقاصد الشريعة قبل أن يفهم الحلال والحرام.
نحتاج لثورة في الفكر، وثورة في السلوك، وثورة في التدين لنصبح ذلك الجيل المؤهل للنهوض بأوطاننا وبالتالي صناعة حضارة هذه الأمة.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

