مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 17

January 25, 2012

مسودات القوانين الأمريكية.. هل تهدد حرية الإنترنت؟

إذا كنت من المستخدمين الدائمين لشبكة الإنترنت، فلربما لاحظت ما حصل على أشهر مواقع الويب يوم الأربعاء الماضي ( ١٨ يناير ٢٠١٢ ) ، فأكبر موسوعة علمية على الشبكة ( ويكبيديا ) قد توقفت عن العمل يومها واستبدلت صفحتها الرئيسية البيضاء بأخرى سوداء، ومحرك البحث ( غوغل ) قد قام بتغطية علامته الشهيرة بلوح أسود كبير وحين تضغط عليه سيأخذك لصفحة تطلب منك التوقيع على عريضة احتجاج. والأمر نفسه تكرر مع ما يقارب السبعة آلاف موقع إنترنت. هؤلاء المحتجون كانوا يظهرون معارضتهم الشديدة لمشروع قانون جديد متعلق بحرية الشبكة العنكبوتية كان سيطرح للتصويت في اليوم ذاته في مجلس النواب الأمريكي يعرف اختصاراً ب (SOPA) ، وأيضاً لمسودة قانون مماثل سابق له في مجلس الشيوخ الأمريكي يعرف ب (PIPA) . فماذا ستعني هذه القوانين فيما أقرت بالنسبة لأمريكا وللعالم؟


كلمة SOPA هي اختصار ل (Stop Online Piracy Act) أي قانون إيقاف القرصنة الإلكترونية، وهو مشروع قانون تقدم به النائب الجمهوري ( لامار سميث ) في أكتوبر ٢٠١١، ليتمكن من توسيع صلاحيات الحكومة الأمريكية في محاربة القرصنة الإلكترونية للأفكار والسلع والخدمات والمنتجات الفكرية الإبداعية للأمريكيين، والتي تقوم بها مواقع إلكترونية أجنبية. فالهدف منه ملاحقة من يسرقون ملكيات الأمريكيين الفكرية في الخارج. وهذا القانون يطلب من شركات ومواقع أمريكية القيام بعملية الفلترة أو المراقبة تحت طاءلة المساءلة القانونية والغرامة والسجن في حالة الالتزام وعلى رأسهم : محركات البحث الأمريكية، مزودي خدمة الإنترنت ISP ، وخدمات الدفع الالكتروني ( فيزا وماستركارد وباي بال ) ، بالإضافة إلى شبكات الدعاية والإعلان الالكترونية.


فمحركات البحث عليها القيام بتصفية نتائجها بحيث تتجاهل تماماً الشركات التي يراها القانون الأمريكي بأنها تتعدى على الحقوق الفكرية للأمريكيين، ومزودات الخدمة في أمريكا مطلوب منها أن تمنع المستخدم من الوصول لهذا الموقع بأكمله . أما شركات التعاملات المالية فلن تسمح للمستخدمين بالشراء من هذه المتاجر الرقمية، وكذلك شركات الدعاية والإعلان الأمريكية يمنع عليها التعامل مع هذه المواقع " المارقة " بأي شكل.


مؤيدو القانون يرونه السبيل الوحيد لحماية حقوق الملكيات الفكرية الوطنية في العصر الرقمي حيث باتت " مجانية " المحتوى تمثل حقاً مكتسباً للمستخدمين متجاهلة حقوق المؤلف أو المنتج أو المبدع، مما يضر بالإقتصاد ويهدد الوظائف والأعمال. أما المعارضون فيرون بأن هذا القانون يهدد حرية التعبير بشكل عام، وسيمكن الحكومة من أن تقوم بعمل حجب لنطاقات كاملة صادرة من دول أو مؤسسات لمجرد أن صفحة واحدة من موقع واحد انتهكت ما يرونه ملكية فكرية لأمريكيين. والمكتبات الرقمية على وجه الخصوص بسبب نوعية محتوياتها ستكون مهددة بهذا القانون الصارم. وإذا أضفنا لهذا مبدأ المعاملة بالمثل، فستقوم دول أخرى بفرض قوانين مشابهة تمنع الوصول للمواقع الأمريكية للأسباب ذاتها، وتبدأ حرب الشبكات ( بدلاً من حرب النجوم !) بين الدول، والمحصلة ستكون مزيداً من الرقابة العالمية لمحتوى الإنترنت تفقده أهم مزاياه وهي الحرية والمشاركة والتواصل بين البشر بلا حواجز. 


وبين المؤيدين والمعارضين تبرز فئة ثالثة تعتقد بأنه بالفعل لابد من عمل شيء لحماية الحقوق الفكرية والملكية، وأن فكرة المجانية المطلقة للمحتوى ليست بالضرورة صائبة، وقد أدت هذه الفكرة إلى أرباح خيالية لشركات الدعاية على المواقع التي تتيح محتوى مجاني، ولكنها لم تقدم أي مقابل مجز للأفراد الذين يقومون بصناعة هذا المحتوى، إلا أن مسودتي القانونين المقترحين في مجلسي الشيوخ والنواب لا تخدمان هذا الهدف. وهؤلاء يركزون خطابهم على أن من يتقدمون بمشاريع القوانين والقرارات هذه هم أبعد الناس فهماً لطبيعة الإنترنت، وأن الخطوات الاحتجاجية التي قامت بها ويكبيديا وغوغل وغيرهم أثارت الاهتمام المطلوب وعرقلت حتى طرح المشروع للتصويت إلى أن يتم الوصول إلى صيغة توافقية وبذلك حققت نصراً آنياً لكنه لا يقدم حلولاً للمشكلات على المدى الطويل. وبالتالي فمن الأجدى أن تقوم شبكات الإنترنت العملاقة هذه، وهم الأدرى بعالم الويب، بالتقدم بمسودة لقانون بديل يحفظ حقوق الملكيات الفكرية والأدبية دون أن يهدد حرية التعبير.


مشروع القانون بصيغته الحاليه تأثيره المباشر سيكون على مستخدم الشبكة داخل أمريكا، فلم إذاً كانت له أصداء قوية حتى خارج القارة الأمريكية؟


الأسباب عديدة، منها ما تقدم ذكره عن الخوف من حرب رقابية متبادلة، أو وهو الأخطر أن يعطي حجة للحكومات عموماً في أن تخترع قوانين مشابهة تحد من حرية هذا الوسط الحر نسبياً حتى الآن. فإذا كانت أمريكا ذاتها تحجب وتراقب وتصفي المواقع التي لا تروقها فما الذي سيمنع دولاً أخرى ديمقراطية وغير ديمقراطية من فعل ذلك؟ 


بالمقابل فهناك - خارج أمريكا - فهناك من يرى بأن إقرار هكذا قوانين له فوائد على المدى البعيد للعالم بشكل عام، وإن تسبب في فوضى عارمة وتدمير بعض المواقع والأعمال على الشبكة على المدى القصير. فهذا المشروع ينبه العالم إلا أن المسيطر بلا منازع الآن على الشبكة ومحتواها هي أمريكا بحكومتها وشركاتها، وهذا بدوره أمر خطير فهذا الوسط العالمي البالغ الأهمية يستطيع أن يحتفي من الوجود بإمرة بلد واحد ! وبالتالي سيدفع الدول الأخرى لمحاولة كسر الهيمنة. وأيضاً ستخلق ضرورة لإنشاء بدائل منافسة : محركات بحث غير أمريكية، شركات تعاملات مالية إلكترونية وإعلانية غير أمريكية وهكذا، أي فرصة للإبداع والتنافس التحرر وخلق شبكة عنكبوتية متنوعة وبالتالي رب ضارة نافعة !


الرقابة على الإنترنت ليست جديدة، وتمارس في أكثر من دولة في العالم لأسباب دينية أو أخلاقية أو أمنية، فأحيانا لا تكون الرقابة شيئاً سيئاً، والقانون الأمريكي لن يخلق شيئاً من العدم، ولكنه سيقوم بذلك على مستوى أكبر مما هو قائم حالياً، ولأسباب لا علاقة لها بالأمن أو الدين أو الأخلاق. ومشكلته أنه صيغ بطريقة سيئة، فبدلاً من أن يركز على حماية الملكيات الفكرية والحقوق الفردية للجميع ومحاربة القرصنة ومعاقبة الذين يجنون أموالاً طائلة نتيجة سرقة مجهودات الآخرين، إذا به يركز على تقسيم العالم إلى فسطاطين : أمريكي وغير أمريكي، محلي وأجنبي، وصمم بطريقة تجعل تطبيقه يؤذي الكثير من الأشخاص والمؤسسات الذين لم ولن يسرقوا مجهودات أحد أو يجنوا من وراءها شيئاً.  



المقال منشوراً في جريدة الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 25, 2012 12:21

January 18, 2012

حتى لا تستحيل أقلامنا بيادقاً للمتحاربين

by_Elorenفي عالم الكتابة الإبداعية والرواية هناك ما يعرف بالشخصيات المسطحة، وهي تلك الشخصيات الثانوية الثابتة والتي لا تتغير ولا تتطور، فوظيفتها الأساسية القيام بدور مساند لدور البطل الأصلي الذي لا بد أن يظهر بصورة متكاملة، إذ يمر بتحولات وتطورات خلال فترة حياته بين دفتي الغلاف، والذي لشخصيته جوانب متعددة وإن طغى جانب بعينه على آخر بشكل رئيسي، مما يجعل شخصية هذا البطل أقرب للواقع الإنساني، وبالتالي أكثر قابلية للتصديق لدى القارئ، وتدل على تمكن الكاتب من أدواته الإبداعية


تدور الكثير حوارات السعوديين من المثقفين والعامة هذه الأيام، عبر الشبكات الاجتماعية الإلكترونية وعلى رأسها   فيسبوك وتويتر، حيث بات المجال مفتوحاً لأن يدلي المرء بدلوه في أكثر من موضوع بشكل سريع ومباشر ومختصر أكثر مما يتاح عبر المقالات أو التدوينات . ولهذا الأمر ميزات وعيوب، ومن أبرز العيوب هو أن صغر المساحة المتاحة للكتابة - لا سيما في تويتر - وكثرة المداخلات المشتتة للموضوع إذ لا تسمحان بتوضيح الرأي بشكل متكامل، خاصة وأن هناك من يصرون على تقديم سوء النية، أو ممن لا يكلفون أنفسهم عناء محاولة فهم ما كتب قبل طرح الأسئلة التهكمية أو التعليقات المستهجنة أو الردود اللاذعة


فلنفرض بأن عالم شريعة تحدث عن معارضته لمسألة الاختلاط بين الرجال والنساء لغير حاجة، ثم عبر عن تأييده لعمل النساء في محلات بيع المستلزمات النسائية، فسنجد بأنه سيوصف مباشرة بالتناقض وتغيير المبادئ . فنحن اعتدنا أن يكون الناس إما مع أو ضد، أن يكونوا في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، مطبلين أو معارضين، أي شخصيات مسطحة ذات بعد واحد، أما أن تكون لدينا شخصيات متكاملة صاحبة رؤى متعددة، فهذه منبوذة من الجميع، لأنهم باختصار لا يعرفون كيفية التعامل معها .


لعل قضايا المرأة والتعليم والعلاقة بين الجنسين وصلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي المجالات الأكثر إثارة للجدل وللمعارك الفكرية أو الاجتماعية، حيث يُطلب منك أن تعلن بسرعة عن الجهة التي تنحاز إليها، وإلا وصفت بالتذبذب والتناقض .


منذ أن بدأت الكتابة على صفحة " نقاشات " في جريدة الوطن قبل أكثر من عشر سنوات وأنا يومها طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، وقضايا المرأة والتعليم ومحاربة التشدد تحتل جل موضوعات مقالاتي في وقت لم يكن الكثيرون يتحدثون عنها بشكل صريح، ولا أزال أعتنق المبادئ نفسها إلى حد كبير، لكن من الطبيعي أن تتطور بعض الأفكار وتتغير خلال عشر سنوات تخرجت فيها تلك الطالبة اليافعة من الجامعة وتدرجت حتى حصلت على الدكتوراه، لاسيما أن ذلك ترافق مع تجربة أخرى هي الدراسة والعمل في الخارج والاعتماد كلياً على النفس


فالغربة منحتني الفرصة لأرى ديني ومجتمعي ووطني بشكل أفضل بكل الإيجابيات والسلبيات، ومنحتني الفرصة أيضاً لأرى المجتمع الغربي عن كثب بعيداً عن تلك الهالة التي يصبغها عليه المثبطون والمنبهرون به .. رأيته بنجاحاته وإخفاقاته، وتعلمت منه كيف تسعى الأمم الحية لحل مشكلاتها بشكل عملي بعد أن تعترف بها، وكيف يتقبل الجميع إلى حد معقول ( وليس كامل ) الرأي الآخر، وأن الأفعال أبلغ تأثيراً من الأقوال .


وصلتني مؤخراً تعليقات مختلفة تستغرب ما اعتبروه تحولاً في تفكيري وكتاباتي، وأنني بت أكثر محافظة فكرياً مما كنت عليه وأكثر مهادنة للتيارات المتشددة وأن ذلك مدعاة لخيبة الأمل، والواقع هي أنني أستغرب استغرابهم، فأنا لم أنتمي يوماً لتيار ما، بل كنت أعبر عما يجول في خاطري من أفكار بناء تفكيري وقراءاتي وتجاربي الحياتية


فلازلت أعتقد بأنه لا بد من الاعتراف بالمرأة كمواطن كامل الأهلية، وبأن التشدد الذي يمارس ضدها في المدارس والجامعات والحياة العامة خاطئ وأتى ويأتي بنتائج سلبية . لكنني في الوقت نفسه لازلت أرى بأن الحل ليس في الانقلاب على الشرع، أو إجبار امرأة ما على الاختيار بين قناعاتها الشخصية والوظيفة مثلاً هو أمر خاطئ أيضاً


ولازلت أرى بأن تعليمنا العام في مرحلة احتضار، وتعليمنا العالي تائه يبحث عن هويه، وكلاهما بحاجة إلى خطة إنقاذ عاجلة، ولكن هذه الخطة لا تتم عن طريقة تهميش اللغة العربية والثقافة الإسلامية ومصادرة الهوية الوطنية عن طريق مناهج أجنبية مستوردة تعلم الأطفال تاريخ الحربين العالمتين الأولى والثانية لكنها لا تعلمهم شيئاً عن فتح الأندلس أو معركة حطين .


ولازلت أطالب بالاهتمام بالسياحة وكعاشقة للفن السابع أتمنى أن أرى صالات عرض سينمائية تحت إشراف الدولة والتي قد تحد من تدفق السعوديين في كل عطلة نحو دول ليست بأفضل منا لجهة المناخ أو المناظر الخلابة فقط لتوفر هذا المرفق الترفيهي فيها . لكن هذا لا يعني أن نسمح بما يخالف ديننا بحجة السياحة والانفتاح، فجدة ليست دبي ولا أريدها أن تتحول إلى صورة منها .


تمر بلادنا حالياً بفترة استقطاب فكري رهيبة ولكي تكون ليبرالياً سعوديا فلا بد أن تشتم الهيئة وتطالب بالاختلاط بالمطلق، ولتكون متديناً فلا بد أن تعارض كل قرار لصالح استقلالية المرأة وأن تقف مع الهيئة ولا تقر بأخطائها مطلقاً، وحتى لا تحسب على هؤلاء وأولئك تجد نفسك مضطراً أحياناً لأن تنأى بنفسك عن الخوض في هذه الموضوعات، أملاً في أن لا تتحول إلى " بيدق " بيد أحدها رغماً عنك . وهو ما نبهتنا له المرحومة هديل الحضيف في تدوينتها " أي بيدق أنا؟ " :" يرعبني أن أكون بيدقاً في يد لا أعرفها، يرعبني أن تكون آرائي صدى لغيري دون وعي مني، ويجعلني أحياناً أعيد النظر في جدوى الكتابة، وجدوى القضايا التي أؤمن بها، وجدوى كينونتي ككل !".


فإلى الذين أحبوا حروفي يوماً .. أنا لم أنقلب على مبادئي .. أنا فقط أرفض أن يكون قلمي بيدقاً بيد أحد .. أريده أن يظل حراً ومستقلاً وموضوعياً .. وأجاهد لتحقق ذلك .


المقال كما نشرته الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 18, 2012 13:16

January 10, 2012

يا شام.. أليس الصبح بقريب؟


شهد العام الماضي (١٤٣٢ه/٢٠١١م) ثورات عربية غير مسبوقة، أزاحت أنظمة قمعية جثمت بعضها على قلوب شعوبها لأكثر من أربعة عقود. تغييرات دراماتيكية لم يكن أحد يعتقد قبل عام بأنها ستحصل فعلاً! لكنها مشيئة الله وسنته في الكون ثم إرادة الشعوب التي صبرت طويلاً ثم هبت وغيرت واقعها المزري أملاً بمستقبل أفضل، هذا المستقبل تجسده اليوم تونس، حين انتخبت برلمانها ورئيسها بشكل حضاري وأثبتت للعالم بأن الشعب إذا أراد الحياة..فلا شك في أن الله سيستجيب وسيتغير القدر.  


ومع بداية كل من محرم ويناير كانت الشعوب المتحرره تحتفل بالعهد الجديد، رغم بعض الإخفاقات الحالية هنا والاختلالات الأمنية هناك والصراعات البينية، والتي نأمل أن تكون مؤقته وأن تنتهي هذه المرحلة الإنتقالية سريعاً، وحده الشعب السوري استقبل عامه الجديد بالمزيد من الدماء، والكثير من القمع، والقليل من الوعود الإقليمية والدولية المترددة، وشيء من التغطية الإعلامية الباهته. فهنا شعب يُنحر، ومسجد يُقصف، ونساء يُختطفن، وطفل يُعذب..فهل من مستجيب؟


دمشق ليست طرابلس الغنية بثرواتها النفطية، ولا العراق بثرواته الطبيعية وقدرته على إنتاج الأسلحة الكيميائية وموقعه الجغرافي على الخليج، فحلف النيتو ودوله وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا لا تجد على ما يبدو سبباً كافياً لتشن عليها هجوماً إعلامياً وسياسياً وعسكرياً كذلك الذي شنته على ليبيا.. فما من عقود مرتقبة هنا.


 أما الرئيس الأمريكي أوباما الذي يتطلع لفترة رئاسية ثانية فلديه أكثر من سبب يدفعه لتجاهل الوضع السوري. فمن ناحية كان إنهاء الحرب في العراق وسحب القوات منها من وعود حملته الانتخابية الأولى، وهي مهمة يحرص على القيام بها الآن من أجل أن يواجه الناخب الأمريكي وهو يقول المهمه انتهت، بغض النظر عن الوضع الأمني في العراق. كما أن صعود نجم الحركات الإسلامية السياسية وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" في كل دول الربيع العربي وحتى خارجه كما في المغرب، تجعل النظام الأمريكي يفضل التعامل مع النظام الأسدي، الذي يتفنن في قتل شعبه ويطلق الشعارات النارية ضد إسرائيل لكنه في الحقيقة "لا يهش ولا ينش" ضد دولة الكيان الصهيوني. فإدارة أوباما تفضل التعامل معه على الاضطرار للتفاوض مع نظام يرأسه تيار إسلامي بديل. وهناك خوف من أن تتحول سوريا إلى ملاذ للجماعات المتطرفة المسلحة التي تكن لأمريكا ولإسرائيل كل العداء، وهذه الفوضى على حدود الكيان الصهيوني غير مرغوبة بالمطلق. ويبدو أن حكومة واشنطن قد توصلت إلى قناعة بأنه حين يأتي الأمر لسوريا فلا يبدو بأن هنا طرفٌ قادر على إنهاء المعركة بسهولة، فقد ينتصر النظام أو يطيل أمده إلى حين، وقد تنتصر الثورة، وفي كلا الحالتين فالأفضل أن لا تتدخل أمريكا ولا تضطر لاختيار إلى من تنحاز إليه بشكل صريح وعملي..فالكرة في ملعب السوريين هذه المره.


وإذا أتينا للصينين والروس، لوجدنا بأن حلفاء دمشق المخلصين يوفرون لها غطاء دولياً يمنع استصدار قرار ضدها في مجلس الأمن مجاملة لهاتين الدولتين العظمتين، التي لا تريدان المخاطرة بحليف قوي وشبه وحيد لهما في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا يضيع دم الشعوب هدراً وسط صراعات الأمم العظمى ومصالحها الإقتصادية والعسكرية والسياسية وتنافسها الإقليمي والكوني. فبحسب ما قاله المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الشهر الماضي فإن عدد القتلى المدنيين في سوريا قد بلغ خمسة آلاف، بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمعذبين والمعتقلين.


أما الموقف العربي مما يحدث في سوريا فيصفه كثيرون بأنه دون المأمول، ففي حين ساندت دول عربية وخليجية الثورة الليبية بالمال والسلاح والدعم الإعلامي والسياسي، فإن الثورة السورية لم تجد إلا قراراً يتيماً بتعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية وفرض عقوبات إقتصادية عليها، تلتها مبادرة تمثلت في إرسال مراقبين عرب إلى سوريا أملاً في وقف العنف لكن ذلك لم يحدث، وتشير التقارير إلى عدم مقدرة المراقبين على أداء عملهم كما ينبغي، وبالتالي عدم القدرة على إنجاز مهامهم وهي حماية المدنين السوريين، والعمل على وقف جميع أعمال العنف في المدن والأحياء السكنية، ومنع الأمن والشبيحة وغيرهم من التعرض للمظاهرات السلمية.


النظام السوري الدموي يستفيد من كل هذا التردد العربي والانقسام الدولي، فيزداد عتواً ونفوراً، بل بات يلجأ لأساليب مناورة رخيصة لا تنطلي على طفل سوري، وذلك بفبركة بعض الهجمات الإنتحارية في الأماكن العامة، وإلصاقها زوراً بالثوار والإسلاميين، لعله ينجح في إقناع أحد ما بأن هذا النظام العلماني شكلياً (الطائفي فعلياً) هو البديل الأفضل في مقابل الإرهابيين المتطرفين، وأن ما يحدث في سوريا اليوم ربما يمكن تبريره بمكافحة الإرهاب، الغطاء الذي سنه الرئيس بوش لتبرير جرائم مرعبة بحق الدول والشعوب منذ مطلع الألفية الجديدة.


لا شك أن التدخل العسكري الدولي في الدول العربية مرفوض، فالمرء لا يستبدل نظاماً محلياً قمعياً ديكتاتورياً باحتلال أجنبي غير موثوق النوايا ولا مرهون بزمن معين، والعراق وأفغانستان مثالان صريحان لفشل التدخل الأجنبي في بناء الدول حتى وإن نجح في إسقاط الحكومات. إلا أن هناك أمثلة لتدخل عسكري محدود وضربات جوية لإنقاذ المدنيين كما حصل ضد يوغسلافيا مثلاً والذين كان الحل الوحيد والأخير والذي أنقذ المسلمين في البوسنة والهرسك (١٩٩٥) وكوسوفا لاحقاً (١٩٩٩). لكن قبل التدخل العسكري هناك حلول سياسية ودبلوماسية أخرى يمكن أن تعجل بسقوط النظام وتقطع عنه الأنابيب التي تمده بالأكسجين فيسقط من تلقاء نفسه، ومن الأجدى أن تتولى الدول العربية القضية السورية، وتكون في القائدة في مساعدة الشعب السوري في تحديد مصيره.


خادم الحرمين الشريفين قال في خطابه الشهير في رمضان الفائت "مستقبل سوريا بين خيارين إما الحكمة أو الفوضى". ويبدو أن الحكمة قد فقدت من دمشق منذ زمن طويل، ولا يلوح في الأفق سوى الفوضى والمزيد منها، ما لم يتعاضد أولئك الذين يحبون سوريا لحلها بشكل جذري، وإلى أن يحدث ذلك..فلك الله يا أرض المنشر والمحشر..سوف يأتي الربيع حتماً وإن طال الشتاء فتزهر براعم الياسمين.


المقال كما نشرته الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 10, 2012 19:25

December 31, 2011

حلم المواطنة

يعاني البعض من حساسية مفرطة من قضايا المرأة، وبالرغم من أن الإعلام خلال السنوات العشر الأخيرة بات يتحدث عن أوضاع المرأة بصراحة وشفافية أكثر بكثير من السابق، سواء مظالمها أو نجاحاتها، إلا أن هناك من لا يزال يسألنا كلما أظهرنا تبرمنا من وضع ما أو تنظيم إداري ما: ماذا ينقصكم؟ وما الذي لا يعجبكم؟ ولهؤلاء أكتب مقالي.


ابتداء دعونا نؤكد للمرة المليون بأن مطالبات المرأة السعودية الأساسية والتي تلتقي حولها المرأة من كل التيارات، هي مطالب مشروعة لا تتعارض مع الشرع الحنيف. وحين أتحدث عن الشرع فأنا أقصد كل المذاهب المعتبرة والتفسيرات المختلفة للعلماء الربانيين. قد تتعارض مع العرف أو تختلف مع رأي فقهي واحد، لكن أليس في اختلاف العلماء رحمة لنا؟ ألم يجعلنا التدافع الشديد خلال مواسم الحج وهو من أركان الإسلام، إلى الأخذ بالفتاوى التي تهدف إلى تيسيره فيما يتعلق برمي الجمار مثلاً؟ وهكذا ينبغي أن يكون عليه الحال مع قضايا المرأة، فقاعدة درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح والتي كثيراً ما اُستخدمت لتبرير تهميش المرأة، هي في الحقيقة تصب لصالحها، فدرء مفسدة الظلم هي الأولى من جلب بعض المصالح التي يباركها العرف.


ماذا ينقصنا؟ ينقصنا أن نشب عن الطوق ذات يوم، أن يكون هناك سن ما للمرأة كما للرجل تصبح فيه مسؤولة عن نفسها ومتحملة لعواقب قراراتها الصائبة والخاطئة. ما الذي لا يعجبنا؟ فهو أن نعطى منا مناصب صورية تستخدم للتباهي بنا أمام العالم في حين أننا حقيقة لا نملك من الأمر شيئاً. الأستاذة الجامعية التي يفترض أن تصنع جيلاً نسائياً ناضجاً وواعياً بحقوقه، هي نفسها لا تستطيع أن تتخذ قرارات مصيرية لنفسها أو لطالباتها أو لكليتها دون الرجوع لقسم البنين في الجامعة، ولعل سكرتير هذا القسم يملك صلاحيات أكثر منها. وعليها أن لا تستغرب أبداً إذا ما وضعت أسئلة اختبارات نهائية لطلباتها لتكتشف يوم الامتحان، مثلها مثل الطالبات، بأن هناك من استبدل أسئلتها، أو فرض عليها الكتاب الجامعي الذي تدرسه.


قيل لنا بأن الدين والاحترام والعرف يفرض علينا أن نتعامل مع أقسام وفروع نسائية تراعي خصوصياتنا، ونحن نقول سمعاً وطاعة، فإذا لم يكن هناك داعٍ للتعامل مع الرجل فلا يجب اختلاقه هذا أفضل لنا وله، على شرط أن تكون هذه أقسام نسائية مستقلة لا أن تكون مجرد واجهة لاستلام الطلب! هل يعقل أن أبسط معاملة في البنك مثل فتح الحساب أو الحصول على بطاقة إئتمانية أو تحويل مبلغ مالي لابن في الخارج إلى موافقة المدير الكائن في فرع الرجال؟ لماذا لا تُعطى مديرات الفروع النسائية البنكية كافة الصلاحيات التي لدى المدير الرجل وهي تحمل نفس سنوات خبرته ومؤهلاته؟


الجامعة والبنك مثالان بسيطان جداً، يمكن أن نقيس عليهما، ماذا يعني أن تكون المرأة صورة وتتعامل مع صورة مثلها، لسبب لا نفهمه، فهل القوامة الرجالية أمر بين الرجل وزوجته فقط، أم أنه أمرٌ خاص بكل الرجال على كل النساء؟ هل هذا يعني أن سائقي مثلاً يمكن أن يكون مسؤولآً عني بحكم ذكورته وأنوثتي؟ وبعد السماح بدخول المرأة إلى مجلس الشورى هل ستتمتع بنفس ميزات وصلاحيات زميلها العضو؟ إذا كان الجواب بلا فأعتقد بأن ديكور المجلس لا ينقصه وجه نسوي جميل.


حين يبلغ الرجل سن الحادية والعشرين يصبح حراً، بإمكانه أن يعمل ويدرس ويسافر دون موافقة ولي أمره الذي كان يرعاه حتى وصل إلى هذه المرحلة التي يفترض أن يكون فيها قادراً على الاعتناء بنفسه ومعرفة الصواب والخطأ، وبالرغم من أن هذه ليست حال كل الشباب، فمنهم من يتورط في هذه السن أو بعدها في مشكلات عنف أو إرهاب أو إدمان على الخمر والمخدرات أو اعتداء على الأعراض لكن أحداً لم يطالب برفع سن الرشد إلى الخامسة والعشرين أو حتى الثلاثين، لأن هؤلاء شواذ والشاذ لا حكم له. فلم لا ينطبق الأمر نفسه عن المرأة؟ يقال دائماً أن المرأة السعودية هي امرأة مؤمنة محافظة في الغالب وأن المتبرجات أو السافرات أو المنحرفات هن شواذ لا قيمة لهن، بالتالي لم الخوف من منحهن الحقوق؟


لو أن حظر السفر عن المرأة إلا بموافقة ولي الأمر رُفع غداً، وأصبحت كل امرأة فوق الحادية والعشرين راشدة مثل شقيقها، ماذا سيحدث؟ ستختفي كل النساء من البلد دفعة واحدة؟ أبداً، فسماح الدولة إدارياً به -كما كان الحال طوال التاريخ الإسلامي- لا يُلغي الجانب الشرعي الذي يؤكد على أهمية المحرم في السفر مع وجود رخص واستثناءات، والكثير من النساء ستكون راغبة في أن تسافر مع محارمها إلا لو اضطرتها الظروف..فالمرأة المسلمة تطيع ربها راغبة لا مجبرة.


تطالب الكثير من السعوديات بحقوق للمرأة مثل قيادة السيارة أو الوظائف السيادية أو حرية السفر أو إلغاء اشتراطات ولي الأمر في أمور شخصية لا تمس سوى المرأة نفسها، لكنني أرى بأن كل هذه الموضوعات ما هي إلا تفرعات ثانوية من القضية الأصلية، وهي إعادة النظر في مواطنة المرأة بشكلها الحالي، بل إعادة النظر في تعريف المواطن: هل يجب أن ينتمي لجنس (نوع) بشري معين؟ والمواطنون هل هم متساون في الحقوق والواجبات؟ إذا كان الجواب بنعم فلم إذاً نشعر أحياناً بأنه تمت مجاملة مواطن (رجل) على حساب مواطن آخر (امرأة)؟


كمواطنة سعودية لا أريد أن أكون جوهرة ولا ملكة..كل ما أريده هو أن أكون مواطنة كاملة الأهلية مثل أخي الصغير الذي حممته ذات يوم فشب عن الطوق بينما أظل أنا قاصرة للأبد..أو حتى إشعار آخر!


المقال كما نشرته الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 31, 2011 06:46

December 21, 2011

واحات خلف الأسوار

انتقلت للإقامة في المنطقة الشرقية قبل بضعة أشهر، وكانت تلك زيارتي الأولى لها. وأنا حين أتحدث عن المنطقة الشرقية أقصد مدينتي الخبر والظهران تحديداً، اللتين أستطيع القول بأنني بت أعرفهما إلى حد كبير، وبدرجة أقل مدينة الدمام.


حين انتقلت للعيش في الخبر لن أقول بأنني أحببتها من أول نظرة، فقد وصلتها في يوم هبت عليها فيه عاصفة ترابية جعلتني لا أرى حولي سوى الغبار والمزيد من الغبار. كانت الخبر بالنسبة لي لا تشبه مدينتي عروس البحر الأحمر الممتلئة حيوية في شيء، توهمتها مدينة بلا تاريخ ولا روح.. مدينة ما كانت لتكون لولا النفط. لكن شيئاً فشيئاً بدأت أرى الجمال في هذا المكان الجديد، فلا أحياء عشوائية هنا، ونزلت الأمطار فلم تغرق في شبر ماء، والشوارع نظيفة، والتنقل في أرجائها سهل، فلا اختناقات مرورية، ولا مشاوير تستغرق ساعة أو أكثر للانتقال من شمال المدينة إلى جنوبها. وبدأت أشعر ببعض الألفة مع المكان، خاصة لجهة قربها من دولة البحرين الشقيقة، امتياز لا يتوفر لسكان أي منطقة سعودية أخرى. وأعتقد أننا الشعب الوحيد في العالم الذي عليه أن يعبر الحدود فقط للذهاب إلى السينما! وهناك في صالات العرض السينمائية والمراكز التجارية في مملكة البحرين لا نشعر بغربة أبداً، فنصف الزوار أو أكثرهم من السعودية، شباباً وعائلات، من مختلف الاتجاهات.


لكن إن كانت المقارنة مع البحرين غير عادلة على اعتبار أننا نتكلم عن شعب في دولة أخرى، له عاداته وتقاليده، فدعونا نجرِ المقارنة بين مدن السعودية قاطبة وبين شبه مدينة داخل السعودية أيضاً، سأطلق عليها هنا مدينة أرامكو. فكثيراً ما سمعت عن "الكامب" وعن الحياة التي يعيشها الناس داخله، وأنه بلاء نعوذ بالله منه ونتمنى زواله، ولهذا كنت أتمنى بعد انتقالي ألا اضطر للعيش داخله، في هذه البيئة الاصطناعية في بلدي، إلا أنني سرعان ما بدلت رأيي! فباستثناء بعض التجاوزات الفردية، فمدينة أرامكو، على المستوى المحلي، هي حلم كل مواطن، وهي تمثل الحد الأدنى مما يجب أن يكون عليه الحي السكني في أي دولة متقدمة.


فهناك التخطيط السليم للأحياء وللبيوت بداخلها، والمساحات الخضراء الشاسعة وملاعب الأطفال، كما بها نواد صحية ممتازة للرجال وأخرى للنساء، وفيها مكتبة عامرة بأفضل الكتب العربية والإنجليزية، وأماكن للدراسة ولاستخدام الإنترنت، وفي المكتبة أيضاً قسم جميل خاص بالأطفال. كما أن هناك دار سينما صغيرة، وبقالة وبعض المطاعم والمقاهي، ومركزا نسائيا للتجميل، ومستشفى وناديا للفروسية وملاعب رياضية، وتتوفر بها فروع للبنوك وبعض الدوائر الحكومية كذلك.


أضف إلى ما سبق وجود المساجد الكبيرة والتي تمتلئ بالمصلين والمصليات في شهر رمضان خصوصاً لأداء صلاة التراويح. ويستخدم السعوديون (وهم الغالبية) وغيرهم من المقيمين من عرب وآسيويين وأفارقة وأوروبيين وأمريكيين وغيرهم هذه المرافق يومياً بدون مشكلات تذكر.


لا أشاهد الشباب يطاردون الفتيات، ولا أحس بأن من حولي ذئاب. والأمر نفسه بالنسبة للقيادة داخل المدينة، فالرجل يقود سيارته بطريقة نظامية سليمة يراعي فيها كل أنظمة المرور واشتراطات السلامة، وفي بيئة كهذه لا تصبح قيادة المرأة قضية من الأساس، فهي ممارسة طبيعية تقوم بها سيدة منقبة وأخرى سافرة دونما إشكال، هذا مع وجود وسائل مواصلات عامة للتنقل داخل المدينة نفسها ولنقل سكانها لخارجها أيضاً.


وما إن تخرج من بوابة مدينة أرامكو الجميلة حتى تشعر وكأنك عبرت بين قارتين، فكل ما هو موجود في الداخل ليس له أثر في الخارج. حتى الرجل الذي كان يقود بمنتهى المسؤولية في الداخل يبدو وكأن جنية خطفته حال خروجه واستبدلته بقرينه المتهور! والسؤال الذي يظل يلح علي كلما عبرت البوابة دخولاً وخروجاً هو لماذا؟

لماذا نجحنا في صناعة مجتمع حضاري طبيعي في هذه الرقعة من بلادنا على مدى خمس وسبعين سنة وأخفقنا في صناعته في عموم الوطن؟ لماذا وكيف صنعنا "كمباوندات" نموذجية في جل المدن الرئيسية، يقيم فيها غير المواطنين بشكل رئيسي، ويتنعمون بحياة جميلة يُحرم منها أطفالنا؟ حين رأيت طفلة أمريكية تتدرب على ركوب الخيل داخل أرامكو تذكرت بنات العائلة الصغيرات واللاتي يشتكين من الملل وغياب وسائل الترفيه، وكم تمنيت لو استطعن اللعب هنا.


الجواب الذي توصلت إليه هو أن من أمن العقوبة أساء الأدب والعكس صحيح، فإدارة مدينة أرامكو صارمة، فهناك ابتداء تخطيط جيد للأحياء ومن ثم صيانة دورية فعالة لكل الموافق دون تهاون. وهي تُحمل كل موظف فيها مسؤولية أهله وزواره بالإضافة إلى مسؤوليته عن نفسه، وأي مخالفة ولو كانت مخالفة سير ستسجل كنقطة سوداء في سجل الموظف وقد يؤدي تراكمها إلى فصله. ولا مجال هنا للمجاملات أو الواسطات حينما يتعلق الأمر بعلاقة الرجال والنساء وتحرش أحدهم بالآخر سواء على مستوى الموظفين والموظفات أو في المرافق العامة.


السؤال الثاني الذي يطرح نفسه هنا..بدلاً من أن ننظر إلى دبي أو الدوحة باحثين عن نموذج نحاكيه.. لمَ لا نحاكي نماذج داخل السعودية نفسها، سواء أرامكو أو الهيئة الملكية في ينبع والجبيل أو جامعة الملك عبدالله؟ ولماذا تُحجب هذه الواحات عن غالبية المواطنين بأسوار عالية؟ لمَ لا تكون مدننا كلها على هذا النحو؟

أترك الإجابة لوزراء الاقتصاد والتخطيط والمالية والشؤون البلدية والقروية والسياحة ولأمناء المدن ولكل مسؤول يستطيع أن يجعل مدننا أجمل وحياتنا أكمل.. ولا يفعل.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 21, 2011 04:28

December 7, 2011

حمامة مكية طارت بعد أن علمتنا الأمل..

ريما نواويهل يمكن أن يبكي المرء بمرارة على وفاة أشخاص لم يعرفهم ولم يسمع صوتهم أبداً؟ هل يمكن أن يستشعر ألم المرارة والفقد لغياب شخص بعيد؟ بالطبع يمكن على شرط أن يكون هذا "الغريب – القريب" فرداً استثنائياً نجح في حياته، أو حتى بذاكره الطيبة بعد وفاته، في أن يؤثر فيمن حوله ويمس شغاف قلوبهم. قليلون هم هؤلاء القادرون على صناعة هذا التأثير الذي يشبه السحر، خاصة إذا كانوا من الأشخاص الذين يعيشون خارج دائرة الضوء..وريما نواوي (٢٨ عاماً) واحدة من هؤلاء الأشخاص النادرين.


ريما فتاة سعودية من مكة المكرمة، بعد تخرجها من الثانوية قبل عشر سنوات وصلتها الأخبار المزعجة: إنها مصابة بالمرض الخبيث، وقد خاضت ضد هذا المرض معارك عديدة وجربت أنواعاً مختلفة من العلاجات الإشعاعية والكيماوية والعمليات الجراحية، والمعارك بينهما كرٌ وفر..مرض يعقبه فترات نقاهة وذلك لمدة عشر سنوات. ثم قررت ريما وعائلتها الذهاب إلى الصين للعلاج، فتبين بأن رئتها اليسرى لم تعد تعمل وسيتم علاجها بالكيماوي، وأمضت بعض الوقت هناك قبل أن تعود للوطن قبل بضعة أشهر، ثم اضطرت للسفر من جديد لكنها عادت من هناك واهنة جداً هذه المرة. والخميس الفائت لفظت ريما أنفاسها الأخيرة بعد أن نطقت بالشهادتين رحمها الله تعالى و أعظم أجر أهلها ورزقهم الصبر والسلوان.


وبالرغم من أن قصتها محزنة، خاصة وأنها غادرتنا وهي في ريعان الشباب، إلا أن هذا ليس هو السبب الذي جعلني أكتب عنها، فلم تكن المصابة الوحيدة بهذا المريض الخطير، ولا هي أصغر الأرواح التي حصدها طاعون العصر، فلماذا إذاً نتحدث اليوم عن ريما؟


لأنها كانت شابة مدهشة بكل معنى الكلمة، فهي مصورة ومصممة إنترنت ورسامة موهوبة، ومتخصصة في رسم شخصيات الرسوم المتحركة اليابانية والمعروفة "بالأنمي"، وفوق ذلك كانت تعمل كمساعدة طبيب أسنان. وكلها أمور كانت تقوم بها بسعادة وحماسة وإقبال في الوقت نفسه الذي تعاني فيه من المرض العضال أو في أوقات النقاهة القليلة التي يسمح لها فيه الوحش بأن تفلت من قبضته.


ريما أو (ريكس توما نواتو) كما كانت تسمي نفسها، ولعل ذلك من ولعها باليابان واللغة اليابانية، كانت شابة مؤمنة راضية بقضاء الله، مليئة بالطاقة والحيوية ولديها مخزون فائض من الأمل وحب الحياة كانت توزعه على كل من حولها، وكان شعاعها يصلنا رغم أننا لا نعرفها سوى من خلف الشاشة من خلال الشبكة الاجتماعية "توتير"، بعد أن عرفنا عليها الأستاذ نجيب الزامل الذي كتب عنها مقالاً رائعاً في "الإقتصادية" في رمضان الفائت بعنوان : " ريما: ما زلتُ أحب الحياة!"..قال فيه: "عرفتم لماذا أكتب لكم عن ريما، ليس لأنها حالة فردية، بل لأنها إلهامٌ جماعي. فأنا الذي تواصلت معها في البداية، غيرتني بعد أن أنهيت معها المكالمة، لقد شُحِنتُ بأعماقٍ أبعد لمعاني الحياة والإيمان والتفاؤل عندما تكون محكـّاً أمام سيول الألم. ريما علمتني: "من لم يذق الألم فهو لم يعرف لذة الحياة.." يا الله!".


قام مجموعة من الشباب الطيبين والفتيات الرائعات بتنظيم حفل استقبال صغير لها في المطار عند عودتها ما قبل الأخيرة من الصين، وكم فرحت المرحومة بهذه المفاجأة فرحاً عظيماً، ومن يبحث عن اسمها على موقع "اليوتيوب" سيشاهدها في صالة المطار على كرسيها المتحرك، ومع أن النقاب يخفي وجهها إلا أن عيونها كانت تضج بالسعادة والمرح..كانت عيونها كما وصفها أحد الزملاء تضحك!


 هذه الفتاة التي تعلمت كيف تتعايش ليس فقط مع المرض، وإنما مع الموت الذي كان يرفرف حول روحها اليافعة في وقت مبكر جداً من حياتها، أخذت تعلمنا – نحن الأصحاء- كيف نعيش حياتنا ونستمتع بها، وأن لا نجعل من العراقيل الصغيرة أحجار عثرة في طريق سعادتنا وتحقيق أحلامنا. تواصل معها الشباب والبنات عبر الموقع لأنهم ظنوا بأنهم بذلك ربما يساعدونها ويواسونها..فاكتشفوا بأن ما حصل هو العكس! فهي التي كانت تخفف عنهم وتحثهم على أن لا ييأسوا ولا يستسلموا..فأي شمس طيبة سكنت ذلك الجسد الضعيف فاستطاعت أن ترسل أشعتها لتغمر الجميع؟


دخلت حساب ريما على موقع "توتير" لاقتبس من حروفها التي لازالت باقية هناك فوجدت الكثير من الأقوال الجميلة، تقول:"ما أجمل أن تلبس أخلاقك وتتعطر بابتسامتك حتى عندما يكون منظرك غريباً وغامضاً عند الآخرين تجد هذا الحاجز يتلاشى وترى السعادة بهم " وأيضاً: " سبحان الله لا إله إلا الله حتى الإحساس بالألم نعمة كبيرة واحنا نعتبرها من الابتلاءات ..بدونها كان آذينا نفسنا واحنا ما ندري".


من الصدف المحزنة هي أن وفاة ريما في الليلة ذاتها التي توفي فيها الأديب والكاتب السعودي الكبير عبدالكريم الجهيمان يرحمه الله، ماتت ريما وهي على سلم العشرين ومات الجهيمان بعد أن بلغ عمره قرناً كاملاً من الزمن، وكلاهما علمنا في حياته الشجاعة وترك بعده أفضل الأثر..وهو الذكر الحسن الذي جعل الملايين يترحمون عليهما وسيرون قصتهما للأجيال القادمة، وبموتهما ندرك بأنه ليس مهماً كم يبلغ عمر حياتك على هذه الأرض وإنما بما تصنعه لنفسك وللآخرين في هذه الحياة..فأي مساهمة ستقوم بها لإعمار الأرض؟ وكم من العقول والقلوب


في زمن النجوم المزيفين وصناع البطولات الوهمية والنفوس التي أنهكها الجري خلف الأضواء، تبرز ريما..الشابة السعودية الجميلة، ابنة البلد الحرام والمغردة المتفائلة، التي أسعدت متابعيها بضحكها ومرحها وإقبالها على الحياة، والتي تستحق وسام الشجاعة لصبرها وإيمانها..فقد قاتلت بضراوة حتى آخر رمق من حياتها فهزمت المرض بالأمل وعلمتنا نحن كيف نحب الحياة..كانت تلك هي الرسالة التي حملتها إلينا الحمامة .. وبعد أن أدت أمانتها رفعت جناحيها وحلقت باتجاه السماء..وهي تقول: "اشتقتُ لربّي".


ا لمقال في الوطن


المقال في العربية


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 07, 2011 11:15

November 30, 2011

عندما بكى الكفن ! – النسخة المطولة

قد يبدو عنوان هذا المقال غريباً بعض الشيء ولعله يذكرنا بعناوين بعض الأشرطة الإسلامية الدعوية التي انتشرت في بلادنا بشكل كبير حتى أواخر التسعينيات الميلادية قبل أن يدخل الإنترنت حياتنا ويغيرها للأبد. وأنا إذ استخدم هذا العنوان لا أتعمد السخرية، بل أقوم بتلخيص وقائع حادثة بعينها شهدتها شخصياً خلال موسم حج هذا العام ١٤٣٢.


تشاركت في غرفة المخيم مع مجموعة الشابات (تتراوح أعمارهن ما بين الرابعة عشرة وحتى الثلاثين)، والغالبية منهن كانت في الحقيقة دون العشرين، وقد علمت لاحقاً بأن حملتنا، كبقية حملات الداخل، لديها داعيات متخصصات للنساء، ولديهن برنامج دعوي خاص للشابات تحديداً. وما سأسرده هنا هو وقائع إحدى الدروس الدينية الموجهة لهذه الفئة. وقبل أن أخوض في ذلك سأضيف بأن جميع الفتيات الموجودات يدرسن في مدارس وجامعات خاصة، وعدد منهن يدرسن أيضاً في مدارس عالمية، وينتمين إلى عائلات معروفة من جدة والرياض.


كان الليل قد انتصف تقريباً، حين اجتمع شمل الداعيات في غرفتنا بإعتبار أنها ليلة الثاني عشر من ذو الحجة، الليلة الأخيرة للمتعجلات. شخصياً كنت أعرف أن ورائي يوماً حافلاً غداً من رمي الجمرات للمرة الأخيرة ثم التوجه لمكة للطواف والسعي ومن ثم العودة لجدة، وبالتالي كنت أرغب بصدق في أن أنام لبضع ساعات قبل الفجر، لكن هذا لم يحصل لأن أحداً لم يهتم بأن يسأل إن كانت هناك من ترغب بسماع الدرس أو النوم، فطلب العلم " الإجباري" أولى.


 بدأت الداعية الأولى الحديث، والتي بدا أنها متطوعة وليست هنا بصفة رسمية، وسأكتشف لاحقاً بأن عملها يتركز في الأعمال الاجتماعية والخيرية وليس لها علاقة بالدعوة. فبدأت بدعاء شامل لله تعالى بأن "يحرق" البلاكبيري اللعين الذي تسبب في ضياع البنات وهتك الأعراض، ثم انتقل الحديث للصلاة والحجاب وكيف أن الأم محاسبة على المعاصي التي ترتكبها ابنتها وهي (إلى حد ما دون أن تقول ذلك صراحة) تستحق ذلك لأنها تعرف كيف توبخ ابنتها على تقصيرها في الدراسة لكنها لا تفعل الشيء نفسه مع فرائض الله. هنا تدخلت واحدة من أصغر فتيات المجموعة (١٦ سنة) وهي تدرس في مدرسة عالمية وتحلم بعضوية مجلس الشورى (عفواً يا أبله..أتوقع هذا الكلام غير صحيح مين راوي الحديث اللي ذكرتيه؟) وهنا جاءها رد صارخ سيتكرر مع غيرها وأمام الجميع : (لا تجادلي!)، وفي الحقيقة أنني تعجبت هنا من أمرين: عدم بكاء البنات من هذا الأسلوب القاسي فأنا حقيقة لو كنت مكانهن لبكيت! والثاني أنهن كن مهذبات جداً في تعاملهن مع هن أكبر منهن سناً حتى في حال عدم اقتناعهن، صحيح أنهن كن يطرحن الكثير من الأسئلة لكنهن كن يفعلن ذلك ببراءة شديدة، كنت أستمتع بمتابعتهن وهن يطرحن الأسئلة التي ما كنت أجرؤ وأنا في عمرهن على طرحها!


انتقلنا من الحديث للحجاب (وهو الحد الأدنى الذي تطالب به المتكلمة) للحديث عن تغطية الوجه، وأن هذا هو الدين الصحيح، رغم اعتراف المتحدثة بأن من قال به مذهب واحد من ثلاثة مذاهب، هنا تجرأت وهممت بالاستشهاد بكتاب الامام الغزالي، إلا أن رداً نارياً وصلني: " الغزالي على عيننا ورأسنا..بس نحنا لنا بشيوخنا!" فأجبتها بهدوء: " ولكن في الإسلام لا يوجد شيء اسمه عالم خاص ببلد ما..الإسلام عالمي والمرء يطلب الدين من أي قطر" ثم أغلقت فمي في انتظار ما ستسفر عنه هذه الليلة.


بعدها استرسلت بطلتنا في الحديث عن مضار كشف الوجه وأن الشاب الذي يرى شفة المرأة المصبوغة بالأحمر يقول في نفسه "يا ليتني أقبلك!" وهنا ثارت طالبة أخرى في الثامنة عشرة، لن أنسى أبداً تعابير وجهها البريء والمليء بالغضب وخيبة الأمل والفزع، وقالت بشجاعة " أنا الفتاة الوحيدة المتحجبة من بين كل صديقاتي..حين أخرج معهن للمطعم تضع كل واحدة منهن الطرحة على كتفها وحدي من تغطي رأسها..وأنت تريدين إقناعي بأن الشاب سيأتي ويبحث عمن كشفت وجهها ويتمنى تقبيلها في حين أمامه كل تلك المغريات من نساء لا ترتدي بعضهن لا الطرحة ولا العباءة أصلاً!". وهنا كان هناك رد ناري آخربانتظارها..لتجرأها طبعاً على طرح هذا الرأي! ووعدت نفسي بأنني سأتكلم معها بعد أن ينفض الجمع، فهذه الفتاة لا يجب أن تفهم بأن كشف الوجه يستوي مع كشف الرأس خاصة وأنها في مجتمع يشجعها على فعل الثاني وهي بتدينها الفطري تقاوم بشجاعة. (وقد فعلت)


لكن برنامجنا الوعظي لم ينته عند هذا الحد، فبعد أن غادر الكبار وظل في الغرفة فقط واحدة أو اثنتين من الأمهات والشابات و مع الداعية المخصصة لهن فوجئت بأن الدرس، الذي قدم في حوالي الساعة الثانية فجراً، هو عن تكفين الميت! الحقيقة صعقت..فبالأمس كان هناك درس جميل عن الجنه وبماذا تحلم كل فتاة بأن يكون لها فيها، كنت أظن أن هذه الدروس منعت من المدارس أصلاً، فإذا بنا نفاجأ بها هنا..في الحج! ومع شريحة عمرية غير مناسبة بالمرة.


 لكن كان هذا هو الواقع، وهكذا تم اخراج الكفن الجاهز من العلبة مع نصيحة من الداعية (ومغسلة الموتى) بأن نشتري أكفاننا بأنفسنا لأنه بعضنا طويلات وممتلاءات وبالتالي الأكفان المتوفرة في السوق ربما لا تكون مناسبة. كما تعرفنا على الكافور وبقية الأدوات المستخدمة في هذه العملية، لكن المصيبة الأعظم حدثت عندما سألتنا إن كانت هناك من ستتطوع لكي تكفن ويكون لها أجر تعليمنا وتجربة استشعار الموت! وهنا قفزت طالبة في الثامنة عشرة أيضاً لتقول:" أبلة الله يخليكي كفنيني". وبالرغم من أن إحدى قريبات الفتاة اعترضت وذكرتها بأن أمها قد نبهت عليها مراراً بأن لا تفعل ذلك، إلا أن رضا الأم لم يبدو مهماً لأحد هنا بالرغم من أن درس الأمس كان عن بر الأم!


وهكذا تفرجنا على شرح بالصوت والصورة لعملية التكفين، وبعد أن تم الإنتهاء من العملية وتمت تغطية وجه زميلتنا وربط رأسها، بدأت أسمع أصوات النحيب والبكاء من قبل الحاضرات، وهو أمر شجعته أستاذتنا لأنه دليل على "حياة القلب!" وترافق ذلك مع ذكر العديد من القصص عن النهايات السيئة التي شهدتها الداعية أثناء عملها كمغسلة للموتى، ثم حين بدأ الكفن في الاهتزاز عرفنا بأن الفتاة " الميتة – الحية" قد أخذت تبكي أيضاً، هذا المنظر الأخير كان القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لي.. فقمت بصمت وغادرت المجلس. علمت لاحقاً بأن بعض رفيقات الحجرة طالبن بفك الكفن عن زميلتهن الآن فالمعلومة وصلت، وكان الجواب لا..فهي تريدها أن تمكث مدة أطول لعلها تستشعر الموت! وتتمة القصة تقول بأن أم الفتاة عرفت وحصل لغط وجدل وقتها..وأعجبت فتيات وأمهات بالفكرة في حين عارضتها أخريات.


وعندما استفهمت من إحدى السيدات التي سبق وأن حضرت دروساً مع ذات الحملة وذات الداعية عن سبب تكرار هذا الدرس المخيف؟ قالت بأن الغرض هو الحجاب! فقد لوحظ بأن الكثير من الفتيات يتأثرن كثيراً بمشهد الموت وبهذا الدرس أكثر من غيره فيخرجن من الحج عاقدات العزم على أن لا ينزعن حجابهن أبداً..لا في البلد طبعاً ولا خارجها. وبما أن الغاية تبرر الوسيلة..فهذا يبرر إرعابنا وإقلاقنا بهذا الدرس!


إذا كانت هناك من يعتقدن بأن التأثر يكون دائماً إيجابياً وفي الاتجاه الذي يريده هؤلاء فهن واهمات. هذه الدروس التي ذاع صيتها أيام طفولتنا ومراهقتنا (فنحن أطفال جيل الصحوة) كان لها تأثير سلبي على الكثير من بنات جيلي. بعضهن تحولن لليبرالية والعلمنة بشكل متطرف، والبعض الآخر لم تتطرف وظلت تؤمن بالشريعة منهج حياة ولكنها عاهدت نفسها على أن لا تحضر محاضرة دينية ما حييت ولا تدخل مسجداً لصلاة التراويح (لأنها لا تتحمل دعاء القنوات والبكاء المصاحب له)، ولا تريد أن تتعرف على أي إنسان يرفع شعاراً دينياً يذكرها بطفولتها المرعبة! فدرجة تأثر الناس مختلفة، فكلنا تعرضنا للدرس نفسه وكل واحدة منا كانت لها ردة فعل مختلفة. وهذا الدرس الديني هو من أسوأ دروس تلك المرحلة، إذا أضفنا إليه طبعاً أفلام الفيديو، فلم نكن نستخدم الفيديو الوحيد في المدرسة في التفرج على برامج علمية أو وثائقية، وإنما للتفرج على تعذيب إخوتنا في البوسنة على يد الصرب، وعندما كنا نشاهد شاشات سوداء مكتوب عليها (ممنوع من العرض)، كان يقال بأنها مشاهد إغتصاب! لم نكن في تلك السن نعرف ماذا يعني إغتصاب على الوجه الدقيق! لكن زميلة لي في مدرسة أخرى ذكرت لي بأن المعلمة كانت تفرط في وصف المغتصاب وكيف تسيل الدماء من …. بعد ذلك! (عذراً على الجرأة في الوصف ولكن هناك كلام يجب أن يقال!).


وعودة إلى حج هذا العام، في الحقيقة لا بد من فتح ملف الداعيات في الحج، فما شهدته ليس استثناء، فقد روت لي إحدى صديقاتي ما حصل معها حين حجت قبل سنوات (أيضاً المزيد عن حكايات الميتات العاصيات)، فهل تحتاج الحاجات بمختلف أعمارهن إلى داعية من الأساس؟ رأيي الشخصي نعم ولا.


لا فلأنني قد حججت قبل خمسة عشرة سنة ولم يكن هناك وقتها داعية في حملتنا، ومكننا ذلك بأن نركز أكثر على الدعاء والصلاة وقراءة القرآن. في حين أنه في حجتي الأخيرة كنت لا أجد أحياناً مكاناً أصلي فيه الفريضة بهدوء لأن هناك درس ديني بالداخل، كما أن الدروس الدينية التي شهدتها لم يكن لها وقت بداية أو نهاية محددين. قد تمتد من بعد صلاة العصر وحتى العشاء مع فاصل قصير لصلاة المغرب، شخصياً تقدمت في السن ولا يستوعب عقلي اليوم ولا يتحمل جسدي أن أظل مقعمزة :) (على قول إخوتنا الليبين) أكثر من ساعة في محاضرة.


أما نعم فلأننا نحتاج إلى وجود عالمة بالشريعة تجيب على أسئلتنا بخصوص مناسك الحج ومحظورات الإحرام وغيرها، لأن العلم الشرعي كما لاحظت عند بعض النساء قليل خاصة من غير السعوديات وهذه أمور دقيقة تحتاج إلى أجوبة محددة من أجل آداء النسك على أحسن وجه. وقد يكون من المفيد عمل درس ديني يحكي قصة الحج ويذكرنا بأبينا إيراهيم عليه السلام وزوجته وابنه وإيمانهم العظيم (وقد كان هناك درس بالفعل حول ذلك)، وأكثر من ذلك أعتقد أن لا الحال ولا المقام مناسبين.


 الغريب أن محرمي الذي كان في قسم الرجال في المخيم لم يتعرض لما تعرضنا له، لا لجهة كثافة المحاضرات ولا مواضيعها، بل كانت لديهم أوقات للأناشيد! فهل المرأة وحدها من يجب إرعابها لتؤمن؟


عندما خرجت من الغرفة وعندما عدتُ واجهت نفس السؤال: لماذا خرجتِ..هل خفتِ؟ وكان جوابي: بالتأكيد يتأثر الإنسان بذكر الموت..لكنني لم أخرج لأنني كنت خائفة بل لأنني كنت غاضبة جداً..وكانت تلك حركة الاحتاج الوحيدة التي أستطيع أن أعبر بها عن غضبي دون أن أخرب حجتي أو أتسبب بالمشكلات لأحد.


أما سبب غضبي فلأنني أحسست بأن السنوات تمضي ولا يتغير في أسلوبنا الوعظي والديني شيء، وهو الأسلوب نفسه الذي تسبب في نفور عدد لا يستهان به من أبناء جيلي من دينهم، لاسيما من المثقفين والمتعلمين، أربعة عشرة سنة مرت على تخرجي من المدرسة الثانوية، وخلال هذه الفترة عرفنا الإنترنت والهواتف المحمولة العادية وأجهزة التصفح الجديدة والقواريء الإلكترونية ومعالجات الحواسيب السريعة وتغيرت خرائط بعض دول العالم وتم اكتشاف الشفرة الوراثية للإنسان وصارت لدينا ثورة معلوماتية جعلت الكون قرية واحدة، حتى كادت معالم الحياة الأولى التي عشناها بالأمس فقط تبدو وكأنها قادمة من زمن سحيق. ومع ذلك يظل خطابنا الدعوي العقيم على حاله، لاسيما الموجه للناشئة، والذي يعتقد بأن التخويف من الموت والنار أجدى من التبشير بالرحمة والجنة، وأن التركيز على الحجاب والنقاب أهم من التركيز عن الإيمان الصادق قولاً وفعلاً بحيث يتحلى المسلم بحسن الخلق ولا يقرب الحرام بأي شكل. لازال الدين يقدم في إطار "الحلال والحرام" بدلاً من الفهم الجوهري لمعنى أن تؤمن يقيناً، وتسلم حياتك كلها لله، وتتبع شريعته في كل أمر.


الخطاب الدعوي السعودي لم يتغير عبر السنين..الترهيب بالموت أبداً بدلاً من محاولة زراعة حب الحياة في نفوس الشباب، تلك الحياة التي تدور في فلك الله تعالى وتعمر هذه الأرض في آن واحد، فلم يخلقنا الله لنموت، بل لنعبده ونعمر الأرض وفق شريعته. فلماذا لم يكن هناك خطاب مناسب للعصر الذي يتسم بميل الشباب لحضور المحاضرات والفعاليات التي تركز على تطوير الشخصية وتحقيق الأحلام وتقديم النماذج الإيجابية مع ربط كل ذلك بالدين وبأهداف الإنسان في هذه الحياة؟ لماذا تسعد الداعيات منذ أيام المدرسة ببكاءنا أكثر من ساعدتهن بفرحتنا؟


كانت هناك محاضرة سابقة لهذه المحاضرة للدكتور عمرو خالد، والتي كانت للجميع نساء ورجالاً، ويالها من محاضرة جميلة ونافعة. فابتداء لا أعتقد أنها زادت عن الساعة، وكانت تدور حول كيفية الاستفادة من الحج للمرحلة القادمة سواء على الصعيد الشخصي (غفر الله لك فلا تعود للمعاصي وقد دعاك وغفر لك)، أو على صعيد الأمة (ما هو العمل الخيري أو التطوعي الذي ستقوم به للمساهمة في رفع أمتك؟ مركزاً هنا على المساهمة بالنفس والمجهود الشخصي أكثر من المساهمة بالمال وموضحاً بأنه حتى لربات البيوت دور والأمر ليس حكراً على الوجهاء أو المتنفذين أو المتعلمين أو المثقفين). وهذا ليس بمستغرب فالرجل – أحبه البعض أو خالفه- يعيش في هذا العصر، ويلتقي بالشباب ويدرك مشكلات الأمة. ويعلم بأنه في الوضع الحالي فإن فقه الأولويات يجب أن يتبع.


سيقول الكثيرون بأن نية هؤلاء الناس طيبة وهم يريدون الخير للشباب، وربما أخطأوا الأسلوب لكن تظل قلوبهم في المكان الصحيح، وأنا لا أنفي ذلك عنهم، بل وأعترف بأن هذه الداعية قد قالت لي شخصياً كلاماً لا يزال يرن في أذني وأنا أشكرها عليه وعلى خفة دمها وطيبتها، ولكننا أمام مرحلة حاسمة من تاريخنا، والتيارات والثورات تعصف بالأمة يمنة ويسرة، والطريق إلى جهنم كما يقال مفروش بالنوايا الحسنة، والدفاع عن الإسلام والحرص على أن لا يتم تنفير أبنائه منه أولوية كبرى لا يمكن التفريط فيها.


فديننا ليس دين الإرهاب ولا دين الموت وكراهية الحياة، بل هو دين التوحيد والرحمة والتآخي وإعمار الأرض ونشر الخير بين الناس. دين يعطيك صدقة علي تبسمك في وجه أخيك وإدخالك بهجة صغيرة على قلبه. لقد انتهى زمن كان يعد فيه الشباب ليكونوا صناع الموت..بل نريدهم أن يكن للحياة صناعاً..يرتقون بأمتهم وينهضون بأوطانهم.


النسخة المختصرة من المقال والتي نشرتها في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 30, 2011 04:22

بابٌ يغلق..بابٌ يفتح – القافلة الأسبوعية


كثيرة هي اللحظات التي تضعنا فيها الحياة أمام مسارات متعددة، وعلينا أن نختار واحداً منها فقط، فتمر علينا تلك اللحظات عصيبة ونحن نحاول الوصول إلى القرار الذي نظنه الأصوب، حتى إذا ما اتخذناه فعلاً وعشنا نتائجه حتى نبدأ بالتفكير بيننا وبين أنفسنا ماذا لو؟ لاسيما إذا كانت النتائج المترتبه عليه غير مرضيه. فلماذا لو اخترنا القسم العلمي بدلاً من الأدبي في الثانوية؟ أو الهندسة بدل الطب في الجامعة؟ أو الزواج بهذا الرجل أو تلك المرأة؟ أو قبول هذا العرض الوظيفي أو ذاك؟ أو السفر للخارج على البقاء في الوطن؟


وفي أحيان أخرى كثيرة هي بدورها فإن الحياة لا تترك لنا حرية الاختيار، بل تختار لنا نيابة عنا طريقاً دون آخر، كأن تصل متأخراً للمطار بسبب الزحام المروري فتفوتك الرحلة وتضطر لإلغاءها أو تأجيلها، أو يفوتك موعد التسجيل للجامعة التي اخترتها فتدفعك للالتحاق بجامعة أخرى، أو تصل رسالتك للشخص الخطأ وهكذا، ومع ذلك نجد أنفسنا من حين لآخر نتساءل أيضاً، سواء كان ما ترتب على هذا التغيير المفاجيء في الخطة سلبياً أو إيجابياً، بأنه ماذا لو سارت الأمور على نحو مختلف؟


في العالم ١٩٩٨عرضت صالات السينما فيلماً مميزاً بعناوان (Sliding Doors) أو "الأبواب المنزلقة"، وتظهر فيه بطلة الفيلم، التي فُصلت للتو من وظيفتها، وهي تغادر مكتبها مسرعة وغاضبة وتتجه إلى إحدى محطات المترو في مدينة لندن، فتنزل السلالم مسرعة باتجاه القطار الذي مازالت أبوابه مفتوحة لكنها توشك أن تغلق..وهنا تأتي الحركة الذكية في الفيلم، إذ يقدم لنا نسختين متوازيتين للكيفية التي ستسير بها حياة بطلتنا. النسخة الأولى تحكي لنا قصتها فيما لو أدركت القطار وعادت لمنزلها في ذلك الوقت تحديداً لتجد مفاجأة كبيرة في انتظارها، أما في النسخة الأخرى فسيفوتها القطار الحالي ثم تعلن المحطة عن توقف جزئي في عملها اليوم، فتضطر لمغادرة المحطة وتحاول العودة للمنزل بطريقة أخرى، فتتعرض لحادث بسيط تصل بعده للبيت متأخرة بضع ساعات، وستأخذ حياتها الأسرية كما المهنية منحيين مختلفين في كلتا الحالتين.


إحدى نقاط القوة والجمالية الكثيرة في هذا الفيلم المميز تمثيلاً وإخراجاً هو أنه يجيب على السؤال الذي كثيرآً ما يؤرقنا كبشر: ماذا لو سارت الأمور على نحو مغاير..أي شخص سأكون عليه هذا اليوم؟ وليس ذلك فحسب بل هو يقدم جرعة مكثفة من الأمل والتفاؤل بالمستقبل، فهنا إثبات لحقيقة أن الحياة لا تقفل في وجهنا باباً حتى تفتح آخر، وإنه ليس ثمة طريق واحدٍ للوصول إلى الأهداف أو تحقيق الرغبات. وهناك لقطة مهمة في نهاية الفيلم توضح بأنه إذا كان مقدراً لنا أن نفارق أحدهم فسنفارقه وإن اختلفت الطريقة التي سيتم بها هذا الفراق، والأمر صحيح أيضاً فيما يتعلق بالالتقاء بآخرين جدد. فما من داعٍ إذن للحسرة والبكاء على اللبن المسكوب، فحين يخيب أملنا تجاه أمر ما فيمكن أن نحزن قليلاً ثم نمضي للإمام باحثين عن ما هو متاح الآن، فبجانب الباب المغلق ولاشك بابٌ آخر مفتوح ينتظر أن نعبره.


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 30, 2011 03:59

November 23, 2011

ما بين فاجعة جدة ومأساة حائل: إهمالٌ لا بد أن يحاسب..وفساد يجب أن يحارب

ياله من أسبوع محمل بالأنباء السيئة، فقد نعى الوطن أربعة عشرة فراشة فاضت روحها لبارئها، فيما لا تزال بعض الفراشات الأخرى تحت رحمة الله. البداية من جدة، المدينة التي كانت بالأمس تنعي الغريق واليوم تبكي ضحايا الحريق. فقد شب حريق في مدرسة "براعم الوطن" الأهلية للبنات متسبباً بمقتل معلمتين وإصابة أكثر من أربعين طالبة. وقبل أن نفيق من الصدمة كانت وسائل الإعلام تحملنا إلى حائل، حيث حصد حادث تصادم سيارة بحافلة نقل جامعي أرواح اثنتا عشرة طالبة، بالإضافة إلى السائقين، فأعاد للأذهان مسلسل حوادث الطرق التي راحت ضحيتها عشرات المعلمات العاملات في القرى النائية والمتوالية منذ ما يقارب العقدين. فعلى من تقع مسؤولية تكرار هذه المآسي؟ 


لنبدأ حادثة جدة، هذا الحريق ليس الأول، ففي عام ١٤٢٢ وقع حريق في المتوسطة ٣١ بحي الهنداوية بمكة، ونتج عنه مقتل أربعة عشرة طالبة وإصابة حوالي الخمسين! كانت هذه مدرسة حكومية مكتظة بطالباتها وتقع في حي شعبي، كان المبنى المدرسي قديماً ووسائل السلامة معدومة، وتسبب الدخان والتدافع في هذه الوفيات والإصابات. ودار لغط كبير وقتها حول أسباب الكارثة، فهناك غياب تام لكل ما له علاقة بالأمن والسلامة، فلا المبنى مجهز، ولا الطالبات والمعلمات مدربات. كما اُتهم جهاز الدفاع المدني بالبطء في الاستجابة وعدم الفاعلية في الموقع، وألقى أفراد من هذا الجهاز باللائمة في ذلك على جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن التقرير الذي صدر من لجنة التحقيق برأ الهيئة. وكنتيجة مباشرة تم حل الرئاسة العامة لتعليم البنات في إجراء اعتبر تحميلاً للرئاسة لمسؤوليتها عما حدث في إحدى المرافق التعليمية التي تشرف عليها.


اليوم تكررت المأساة رغم اختلاف الزمان والمكان، فهذه مدرسة خاصة في حي جيد من أحياء جدة، تبدو مبانيها من الصور بأنها جيدة، أو على الأقل أفضل من مئات المدارس الأخرى التي لو وقع فيها هذا الحادث لكانت الخسائر أشد فداحة، فالمبنى ليس قديماً ولا مستأجراً، والفصول ليست مكتظة بطالباتها، وتتوفر في المدرسة طفايات الحريق، كما أنه كان هناك تدريب على خطة طواريء كما أكدت الطالبة رزان نجار(١٢ سنة) للعربية.نت. فلماذا إذاً تكررت المأساة؟


لأن أسباب القصور الحقيقية لم تعالج سلفاً، فالقضية ليست في حل جهاز إدارة ما بقدر ما هي محاسبة المسؤولين المباشرين ومعالجة القصور أياً كان لتلافي هذه الحوادث مستقبلاً، وإلا فهل سيكون الحل الآن هو حل وزارة التربية والتعليم باعتبارها المسؤول المباشر الآن عن هذه المدارس وكل ما يتعلق بها؟


لازالت المرافق التعليمية تعاني من عدم الجاهزية لجهة اشتراطات الأمن والسلامة، سواء كان المبنى قديماً أو جديداً، وسواء كنا نتحدث عن مرفق حكومي أو أهلي، فهناك حواجز على النوافذ، ومخارج الطواريء إما غير متوفرة، أو غير كافية، أو لا يمكن استخدامها لسبب مجهول. فقد ذكرت التقارير الإخبارية بأن بعض مخارج الطواريء في مدرسة جدة كانت مغلقة! والسؤال هنا يوجه لملاك المدارس الأهلية، ويوجه أيضاً لمن منحهم التراخيص، ولمن لم يفتش خلفهم بعد ذلك.


ولا يوجد تدريب كافٍ وفعال للعاملين في هذه المدارس للتعامل مع الأزمات والكوارث الفجائية، ولا تدريب واقعي للطالبات على خطط الإخلاء وحماية أنفسهن من الخطر حتى يتم إنقاذهن وذلك من قبل مدربين مؤهلين وأعني بهم رجال الدفاع المدني. ومرة أخرى يوجه السؤال لوزارة التربية والتعليم، والتي ترسل تعميمات بخصوص لون الحذاء المدرسي، ماذا عن تعميماتها بخصوص الأمن والسلامة؟


الطالبة رزان نجار قالت بأنهن اتجهن للأسفل بأمر من المعلمات حين شممن رائحة الحريق، ثم طُلب منهن الصعود لأعلى من جديد، وهنا انقسمت الطالبات لمجموعتين: مجموعة واصلت الجري للأسفل وخرجت، ومجموعة صعدت للأعلى باتجاه حجرة المعلمات، حيث أغلقن الباب وجلسن ينتظرن، وحين هاجمهن الدخان بضراوة بدأت المعلمات بالقفز من الشباك، وتبعتهن الطالبات وسط حالات من الفوضى والارتباك والتدافع، وهذا كله يعكس حالة التخبط التي كانت فيها المعلمات. ولم أقرأ حتى الآن تصريحاً من مديرة المدرسة حول الموضوع. كل ما نعرفه أن هناك معلمتان رائعتان استشهدتا وهما يحاولن إنقاذ طالبتهن، وحري بنا أن نكرمهما ونواسي أسرتيهما وهما: غدير كتوعة وريم النهاري.


طلاب مدرسة بنين مجاورة ساهموا في إنقاذ الطالبات..تحية لهم


أيضاً لازلنا نسمع عن تأخر وصول الدفاع المدني لموقع الحدث، فالمعدل المقبول لوصول سيارات الإطفاء والإسعاف في الدول المتقدمة هو ثلاث دقائق من وقت وصول الخبر إلى أقرب فرع لهما، فما المدة الزمنية التي استغرقهما وصولهما للمدرسة في عام ١٤٢٢؟ وهل تغير الوضع في عام ١٤٣٢؟ هل تحسن الأداء بعد مرور عشر سنوات؟ كل هذه أسئلة ننتظر الإجابة عليها من إدارة جهاز الدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة.


 ومن جدة إلى حائل، حيث تكشف صورة الحادث المروعة عن رداءة الطريق الذي كانت المرحومات تقطعنه في كل يوم من قريتهن في جنوب حائل إلى جامعة حائل، قاطعات مسافة ٥٠٠ كم ذهاباً وإياباً يومياً لعدم وجود فروع للجامعة في منطقتهن. ثم لنكتشف عبر تغطية "الوطن" بأن هذا الطريق تحملت كلفته بالأصل إحدى القبائل في عام ١٤٢٠ (قبيلة الهمزان) وأن الشكاوى بشأن حاجته للترميم والتوسعة والاصلاح قد توالت على إدارة البلدية منذ مدة ولا من مجيب. في حين قالت إدارة النقل والطرق في المنطقة بأن هذا الطريق لا يدخل ضمن حدود مسؤوليتها. وكم بدا معيباً محاولة الإدارات المختلفة في حائل التنصل من مسؤولياتها ورمي التهمة على جهاز آخر! وكأن الأهم ليس الاعتراف بالقصور ومعالجة المشكلة وإنما النجاة من المساءلة. كما أكد شهود عيان بأن عدد من نقلهم الإسعاف إلى المستشفى هما اثنتان فقط في حين تبرع المواطنون بنقل البقية دون أن نعرف السبب.


في مثل هذه الفواجع التي تنزل بالوطن حري بنا أن نتكاتف من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولملمطالبة بحاسبة المهمل بشدة وبالتالي محاربة الفساد الإداري. فصغيراتنا في جدة وشاباتنا في حائل خرجن لطلب العمل تداعب خيالهن أحلام المستقبل، ومن العار أن يحاول أحد التغطية على من تسبب بمأساتهن.


المقال في جريدة الوطن


 


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 23, 2011 05:41

November 15, 2011

مشاهدات حاجة


من الصدفة أن أكتب هذا المقال، الذي خططت له منذ ذهابي للحج، في اليوم ذاته الذي زارتنا فيه أسرة مسلمة من أوربا قضت للتو ركنها الخامس. كانت فرصة مناسبة لي لأسجل انطباعات الآخرين عن حج هذا العام، لاسيما وأن الغربيين عموماً لا يعرفون المجاملة كما نعرفها نحن. وقبل حتى أن أسأل كانت هذه السيدة الانجليزية، التي اعتنقت الدين قبل أكثر من ثلاثين سنة، تثني على موسم حج هذا العام، وتثمن كثيراً جهود الحكومة السعودية في التنظيم والتحديثات التي تجريها في المشاعر. قالت لي:" أستاء كثيراً حينما أسمع أحداً يقلل من جهود المملكة العربية السعودية في ما يتعلق بالحج والعمرة، بإمكانك أن تختار التركيز على خلل بسيط هنا أو نقص هناك حيث تكون..لكنك حين تمد بصرك إلى الأفق البعيد وترى هذه الحشود المليونية في هذه البقعة الضيقة في زمن واحد، وتبصر هذه الجهود المبذولة من أجل حفظ أمنهم وسلامتهم والعمل على راحتهم ستشاهد الصورة الكبرى الصادقة وهي أن الإيجابيات تفوق السلبيات بمراحل وبعض هذه السلبيات من الحجاج أنفسهم".


ما قالته ضيفتي أسعدني ولم يفاجئني، لأنني أعرف إنصافها ولأنني أقدر جهود بلادنا أيضاً. وبما أنه أتيح لي الحج بحمد الله هذا العام، فقد خبرت ذلك بنفسي ورأيت كل هذه المشاريع التطويرية في منى، التي بدت مختلفة بشكل كبير عن تلك التي عرفتها قبل خمسة عشرة عاماً حين أديت حجة فريضتي. ويكفي جسر الجمرات الذي جعل أداء هذا النسك العظيم أمراً سهلاً وميسراً مقارنة بالسنوات السابقة، حين كان الخوف من التدافع والدهس يجبر الكثير من النساء خصوصاً على توكيل من يرمي عنهن وبالتالي يُحرمن من أجر الدعاء بين الجمرتين.


ومع كل هذه الإيجابيات التي ذكرتها، فلا شك أن هناك بعض الأمور التي نذكرها هنا بهدف تلافيها في السنوات المقبلة وليس تقليلاً من مجهودات كل من خطط وأشرف وشارك وعمل في موسم الحج لهذا العام.


فابتداء دعونا نتحدث عن حملات الحج الداخلية، التي لازالت ترد بشأنها شكاوى عديدة، فهناك الأسعار الفلكية التي قفزت بشكل غير مبرر لتصل تكلفة الحاج الواحد أحياناً إلى أكثر من ستة عشر ألف ريال في غرفة مشتركة مع الآخرين، أو إلى خمسين ألف ريال للشخص الواحد في الغرف العائلية الخاصة. وصحيح أن هذه الحملات تصنف نفسها على أنها حملات النخبة أو الخمس نجوم، لكن هل هناك من يتأكد من أنها تقدم خدمات موازية لما تعلن عنه وللتكلفة التي تتقاضها؟ هل هناك تصنيف رسمي للحملات كما هي الحال في الفنادق مثلاً؟ وفي حال لم تلتزم الحملة بما وعدت به الحاج، مثل استخدام قطار المشاعر بحجة أن خطة التفويج المقدمة لهم غير مناسبة، هل يحق له المطالبة باسترداد بعض التكلفة؟ وما هي الجهة التي يتظلم عندها؟


قابلت فئات مختلفة من حجاج الداخل ودول الخليج، وسمعت عبارات الاستياء من البعض لهذا السبب أو ذاك، فتلك حاجة استغرق منها الوصول من مخيمها في منى إلى محطة القطار ومن ثم إلى محطة عرفة وبعدها إلى المخيم هناك أكثر من ست ساعات مع الحملة! وتخلل ذلك الكثير من المشي فوصلت مع رفيقاتها مرهقة بشكل كبير. وآخرون لم يقم باص حملتهم بالتوقف في مزدلفة بتاتاً، أو توقف لساعة ولكنه غادر قبل منتصف الليل، وهذه الأمور مزعجة جداً لمن يحج حجة الفريضة خاصة بالإضافة إلى كونها مخالفة لما تم الإتفاق عليه سلفاً.


ومن حملات الحج سننتقل إلى الحجاج وإلى كارثة الافتراش، والتي رغم كل القيود والعراقيل التي تضعها السلطات في وجه هولاء من أجل أن يؤذوا ضيوف الرحمن بافتراشهم، فإن أعدادهم لا تبدو وكأنها تقل أبداً، فهم حولك في كل مكان، بل باتوا أكثر تطوراً إذ يستخدمون الآن الخيام الصغيرة الخاصة بالتخييم. ويترتب على هذه الأعداد الهائلة من المفترشين كمية غير طبيعية من القاذورات والمهملات وبقايا الطعام التي تعكر الصورة الناصعة البياض للحجيج في المشاعر المقدسة، وما قد تجلبه معها من أوبئة وأمراض.


حين طرحت قضية الافتراش في الشبكات الاجتماعية، اتفق الكثيرون على كونها مشكلة مزمنة، أرجعها البعض للجهل وللمفاهيم الخاطئة عن المشقة والأجر، في حين أرجعها آخرون إلى إرتفاع أسعار حملات حجاج الداخل، بحيث لم يعد المفترشون فقط من فئة الفقراء والمساكين بل بات من بينهم بعض أبناء الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود من المواطنين. وصحيح أن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، ولكنه في الوقت نفسه لا ينبغي أن يتحول إلى متعة للأغنياء وحدهم. وأعتقد أن تقليل عدد المفترشين يجب أن يوضع ضمن أولويات أي حج مقبل، بل ويصبح أحد معايير نجاح الحج مثله مثل الأمن من الكوارث والسلامة من الشغب والخلو من الأمراض الوبائية والمعدية. وهذا بدوره سيجعل الحج أكثر نظافة وأقل صعوبة ومشقة على الناس، إذ أنه من أصعب الأمور في الحج أن تمشي وسط هذا الركام البشري دون أن تدوس على النائمين، أو أن تخوض بملابس الإحرام الطاهرة وسط مخلفاتهم.


أيضاً نشكر جهود الكشافة ورجال الأمن في الحج، ولا ينكر أحد فضلهم ومساعدتهم للناس، إلا أن الكثير منهم على ما يبدو من خارج المنطقة مما يجعلهم غير ملمين بها بشكل جيد. تسألهم أن يدلوك على مكان إقامتك أو إلى كيفية الوصول من هذا المشعر لذلك فيأتيك الجواب: "لا أعرف"! أو يعطيك إجابة ستتسبب في أن تقضي ليلة كاملة وأنت تدور في حلقة مفزغة.


الحج شعيرة عظيمة، وفي أدائها -رغم التعب- متعة كبيرة، وقد أكرمنا الله تعالى دوناً عن العالمين بشرف إدارتها والإشراف عليها، ولذلك كنا وسنظل راغبين بأن يتحسن أداؤنا فيها عاماً بعد آخر..فالحج أقدس وأجمل وأطيب مهرجان سنوي في هذه الدنيا، ويجب أن يخرج في أكمل صوره.


المقال في الوطن


* ملاحظة: يمكنكم الضغط على الصور لتكبيرها


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 15, 2011 16:17

مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.