مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 2

February 20, 2018

هل نعلق الدراسة أم لا

schoolsيعتبر مصطلح «تعليق الدراسة» جديداً على جيلنا، فلا أذكر أنه عُلقت الدراسة رسمياً عندما كنا طلبة، إلا اللهم إبان حرب تحرير الكويت، وكان ذلك أمراً طبيعياً ومفهوماً ومطلوباً. وإن كنت لا أنكر أن بعضنا كان يتغيب في تلك الأيام بسبب الأحوال الجوية أو غيرها، ولكنني لا أذكر أنه كان استجابة لقرارات رسمية من وزارة المعارف أو الرئاسة العامة لتعليم البنات أو وزارة التعليم العالي، (تم دمج هذه الوزارات لاحقاً لتصبح وزارة التعليم). ويبدو أن نقطة التحول في فكر الإدارات التعليمية بحيث باتت تمنح هذه الإجراءات بسبب الأحوال الجوية هي الأمطار الشديدة التي ضربت جدة قبل حوالي عشر سنوات، وتسببت في وفيات عدة وأضرار في الممتلكات العامة والخاصة. كما أن البعض نجا بحياته بالفعل من هذه المأساة لكنه قضى ساعات عالقاً في مكان ما بعيداً عن أهله وبيته، ومن بينهم طلبة مدارس وجامعات ومعلمات وغيرهم. آنذاك تم توجيه اللوم للمسؤولين في وزارتي التعليم والتعليم العالي على عدم تنسيقهم مع وزارة الأرصاد وأخذ احتياطات استباقية تجنب أولادنا وبناتنا الخطر في ظل طقس قاس وغير معتاد، واستعدادات غير كافية للتعامل مع المشكلة. من بعدها بات الحصول على إجازة ليوم أو بضعة أيام بسبب الجو أمراً شبه معتاد في كل فصل دراسي (أو عام دراسي على الأقل). وفي كل مرة يتكرر النقاش ويتم طرح السؤال: هل نعلق الدراسة أم لا نعلقها؟

في مساء يوم الأحد من هذا الأسبوع كنت قد أنهيت استعداداتي واستعدادات ابني للذهاب للمدرسة والجامعة في اليوم التالي، وأوشكت أن أخلد للنوم عندما علمت بأمر تعليق الدراسة الذي صدر في وقت متأخر جداً ليلتها. فلو أن شخصاً صلى العشاء ونام لما علم بالأمر، وهذا أحد تحفظاتي على موضوع تعليق الدراسة. فمع أن تقديرات الأرصاد الجوية تصدر قبلها بعدة أيام في الغالب، فإن قرارات تعليق الدراسة تصدر في وقت متأخر، وكأن نيزكاً هبط فجأة من السماء، أو حرباً غير متوقعة نشبت للتو، مما يتسبب في الكثير من الإرباك للأسر لجهة المواصلات، وأيضاً ترتيبات العناية بالأطفال إذا كانت الأم عاملة ولم يمنحها عملها إجازة في ذلك اليوم. وهو مربك للمعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات، خاصة فيما لو كان هناك امتحان أو تسليم واجب أو مشروع، إذ يتوتر الطلبة ويرتبكون ويطاردون الهيئة التعليمية لمعرفة مصيرهم الساعة الثانية عشرة فجراً!

فلماذا لا يتم التنسيق على مستوى عال وبشكل مبكر مباشر بين الوزارات المعنية بحيث تصدر القرارات في وقت مناسب وبشكل واضح؟ وبالنسبة للتمديد، في حال استمرت الأجواء السيئة، فلا بأس من إصدار القرارات بشكل يومي مواكب للتطورات المناخية على أرض الواقع.

إن ذلك سيساهم في الحد من الشائعات التي تنشط بشكل كبير في مثل هذه الحالات، فلقد ظللت ساهرة حتى وقت متأخر يوم الاثنين ليلة الثلاثاء انتظر قراراً أكيداً من الوزارة أو الجامعة أو مدرسة ابني، بشأن الدوام يوم الثلاثاء، ولم يصلني شيء، فاتخذت قراري بعدم إرسال ابني لروضته من تلقاء نفسي، خوفاً عليه من الغبار الذي من المتوقع أن يملأ المكان.

وهنا يبرز سؤال آخر: على أي أساس يتم اتخاذ قرار تعليق الدراسة أو استئنافها؟ بحسب مواقع الطقس والأرصاد العالمية المتوفرة على الإنترنت، كان يظهر بأن جدة ستعاني على الأقل من ثلاثة أو أربعة أيام من الغبار والأتربة، أقلها حدة يوم الإثنين ثم الثلاثاء وأعلاها حدة الأربعاء والخميس، فمن غير المفهوم إذن لماذا تم الاستعجال ومنح الإجازة يوم الإثنين، والذي تبين لاحقاً بأنها ربما لم تكن ضرورية فلم تكن هناك أتربة أو غبار حتى فترة الظهيرة (وقت الانصراف)، ولم تكن بالدرجة التي عهدناها أو توقعناها، بينما يتم استئناف الدراسة في الأيام التي يُتوقع – والله أعلم- أن تكون أسوأ؟!

شخصياً لست مع إعطاء الإجازات الكثيرة من دون سبب جوهري أثناء العام الدراسي، فقد كان والدي صارماً في موضوع الغياب ونحن صغار، فتعلمنا ألا نغيب إلا في الضرورة القصوى. وخاصة وأننا نشاهد الطلبة حول العالم يذهبون للدراسة في أجواء أقسى وظروف أصعب. ولكنني في الوقت نفسه أدرك أن بعض هذه الإجازات، استناداً لظروفنا المحلية قد تكون ضرورية. فالمطر الشديد لا يغلق المدارس في لندن، ولكن في جدة التي «تغرق في شبر مويه» كيف نتوقع أن يذهب الطلبة إلى مدارسهم ويعودوا منها بأمان وسلام؟

ولا أتوقع أن عاصفة الغبار إن هبت في ولاية أريزونا الأميركية ستؤدي إلى تعليق الدراسة، ولكننا هنا نعاني، ومن دون عاصفة رملية أو رملية، من أمراض صدرية وتنفسية عديدة خاصة صغار السن، وتعرضهم جميعاً للمشكلات التنفسية والنوبات الصدرية والسعال الشديد في وقت واحد يضع المستشفيات والمراكز الصحية تحت ضغط شديد. والمدارس والمؤسسات التعليمية غير مؤهلة للتعامل مع هذه الحالات ولا لنقلها بالسرعة المناسبة للمستشفى. فالأفضل في هذه الحالة أن يبقى الأطفال مع ذويهم، بحيث يحاولون حمايتهم ابتداء من التعرض غير الضروري للغبار، ويتولون علاجهم فيما لو تضرروا فعلاً.

نعود للسؤال الذي بدأنا به المقال: هل نمنح الطلبة إجازة بسبب سوء الأحوال الجوية؟ الجواب يعتمد على مدى شدتها وأضرارها المتوقعة، ومدى تطور بنية المدن التحتية وخدماتها الصحية واستعداداتها الإسعافية والتجهيزات الطبية المدرسية، التي نأمل أن تتحسن في السنوات اللاحقة. وأن يكون هناك تنسيق مسبق بين وزارات التعليم والصحة والأرصاد، ويتم إعلام الإدارات التعليمية بالأوقات المتوقعة لاحتمالية تعليق الدراسة، بحيث يُراعى ذلك لدى توزيع المناهج وترتيبات الاختبارات الدورية، فالتقنيات الحديثة المستخدمة في توقع حالة الطقس باتت توفر المعلومات بشكل مسبق ودقيق وسريع. وحينما يتم اتخاذ قرار بتعليق الدراسة بالفعل يجب أن يتم إعلانه بشكل واضح في عصر اليوم السابق مثلاً وليس بعد منتصف الليل، فنتجنب بذلك لعبة القط والفأر في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بين الإعلان عن إجازة ثم النفي ثم الإعلان من جديد حتى فجر اليوم التالي!


 


المقال في الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2018 06:30

ما بعد الخروج من المستشفى

hospitalsتتفاوت المستشفيات الحكومية والأهلية في حجمها وإمكاناتها، ونظافتها وجودة خدماتها وتميز أطبائها، وكفاءة طاقم تمريضها والفنيين والموظفين العاملين فيها.

ولكن مهما اختلفت المستشفيات فيما بينها، فإنها ستقدم الحد الأدنى من الرعاية المطلوبة، والتي تشمل إجراء الفحوص الضرورية المتكررة، وإعطاء العلاجات في مواعيدها، والاهتمام بنظافة المريض الشخصية وحاجاته الأساسية، بحيث لا يقلق المريض ولا ذووه من هذه النواحي. فيغدو وجود المرافق غالبا فقط من باب تقديم الدعم المعنوي والنفسي للمريض. لكن ما الذي سيحصل حين يغادر هذا المريض المستشفى؟

سنتفق على أن المستشفيات لا تستطيع إبقاء جلّ المرضى لديها حتى يشفوا تماما، إلا في حالات نادرة، وهي أن يؤدي خروج المريض من هذه البيئة، كالعناية المركزة مثلا، للكبار أو الحضانات للأطفال الخدج، إلى مضاعفات خطرة أو حتى إلى الوفاة، لا سمح الله. لذلك فغالبا ما يتم السماح للمريض بالخروج، حينما يبدأ في التماثل للشفاء، أي أنه قد يكون تبقى له 50 % أو 70 % أو 90 % للوصول إلى التعافي التام.

فهناك من هو بحاجة أكثر منه إلى السرير وإلى الرعاية في هذه المستشفيات المجهزة، سواء كانت حكومية أو خاصة، وبالتالي فعلى المريض أن يستكمل علاجه في المنزل. وهناك أيضا مرضى الأمراض المزمنة، أو ذوو الإعاقات الدائمة، أو كبار السن، ممن لم تعد المشافي قادرة على أن تقدم لهم ما يساعد في تحسنهم، وإنما يصبح الهدف هو المحافظة على أوضاعهم الحالية، ومحاولة الحد من متاعبهم. كل هذه الفئات وعائلاتها سيجدون أنفسهم في واقع جديد صعب ومربك ومحيّر.

فالناحية المادية لرعاية أي مريض، حتى لو اقتصرت فقط على شراء الأدوية والأدوات، لا شك أنها مكلفة، ولكنها تظل غالبا التحدي الأخف، لدى أبناء الطبقة المتوسطة على الأقل، مقارنة بالتحديات الأخرى.

فمن سيقوم برعاية المريض خلال 24 ساعة، كما كان عليه الحال في المستشفى؟ هناك ثمة طاقم تمريض يعمل بنظام الدوريات كل 8 أو 12 ساعة، بحيث يتفرغون -رغم الضغط الشديد عليهم بارك الله فيهم- لرعاية هذا المريض، لكن من سيفعل ذلك في المنزل؟

صحيح أن للمريض غالبا أهلا يحبونه ويرغبون في خدمته، لكن لكل منهم ظروفه، فمن بينهم الصغير، ومن يدرس، ومن يعمل، ومن يرعى الأطفال، ومن هو كبير في السن أو مريض وبحاجة إلى المساعدة. فمن أين يأتي الدعم؟

الأسر الميسورة ستلجأ إلى بذل الغالي والنفيس لحل هذه المشكلة، فقد تتعامل مع مراكز علاجية خاصة، وتدفع لهم بالساعة لقاء خدمة التمريض اليومي أو الأسبوعي، في المنزل أو في دار نقاهة، أو تبحث عن ممرضات أو ممرضين للعمل خارج أوقات الدوام الرسمي، أو قد يصل بهم الأمر إلى استقدام ممرضة أو أكثر من بلادها لهذا الغرض.

أما الأسر ذات الدخول المتوسطة فما دون، فقد لا تكون هذه الخيارات متاحة لها، فيتولون هم رعاية مرضاهم، رغم صعوبة ذلك، خاصة إن كانت لديهم التزامات معيشية ضاغطة أخرى في حال طالت المدة، وقد يكون أقصى ما يستطيعون عمله إحضار عاملة منزلية للمساعدة، مع أن هذه العاملة قد لا تكون الشخص المناسب للعب هذا الدور المهم.

ولأن هذه الحالة ليست خاصة بنا وحدنا، فيمكننا مشاهدة كيف تعاملت الدول المتقدمة مع مثل هذه المشكلات، خاصة مع اختلاف المجتمعات الغربية عن العربية، في جهة الترابط والقرب الجغرافي والمعنوي بين الأهل والأقارب.

فالنظام الصحي في تلك البلدان يحرص على تخفيف الضغط عن المستشفيات، ويؤمن بأن الرعاية المنزلية ليست فقط أقل كلفة من التنويم بالمستشفى، وإنما أفضل نفسيا للمريض أن يكون في بيته ووسط أهله وجيرانه. حتى إنهم باتوا في بريطانيا مثلا يشجعون الولادة المنزلية، ويعطون هذا الخيار للمرأة الحامل، ممن لا تعاني مشكلات صحية، ويتوقع أن تلد ولادة طبيعية دون تعقيدات، لما وجدوه من أن ذلك ينعكس إيجابيا على نفسية المرأة خلال الوضع وبعده. وحتى لو وضعت المرأة طفلها في المستشفى بشكل طبيعي، فإنه خلال الأسابيع الـ6 التالية للولادة «فترة النفاس – الأربعين»، ستزورها القابلة عدة مرات للاطمئنان على صحتها «جسديا ونفسيا» وصحة المولود، وللإجابة عن أسئلة الأم الجديدة بخصوص الرضاعة أو الرعاية.

وينطبق الأمر على بعض الأمراض المزمنة أو النادرة، كما هو الحال في بعض الأطفال المصابين بإعاقات شديدة، فهم يدركون أنه حتى لو كان أحد الأبوين أو كلاهما متفرغا ولا يعمل، فإن الأسرة تحتاج إلى المساعدة والدعم في رعاية المريض، حتى يتمكنوا من التقاط أنفاسهم ومواصلة حياتهم. فالضغط الجسدي له انعكاسات نفسية ربما تكون مدمرة للشخص المشرف على الرعاية، إن لم يكن هناك من يساعده.

أدركت المملكة منذ فترة تقترب من 10 سنوات أهمية الرعاية الصحية المنزلية، ففي وزارة الصحة برنامج خاص يُعرف ببرنامج «الرعاية الصحية المنزلية»، وهو يقدم خدمات مهمة ومتنوعة لفئات بعينها، وله شروطه الخاصة الموضحة في موقع وزارة الصحة، والتي بعضها منطقية جدا ومقبولة، وبعضها ربما يحتاج إلى أن يُعدّل لأن يكون أكثر مرونة وفعالية. كما تحتاج إلى تحديث البينات والإحصاءات المتعلقة بإنجازات هذا القطاع وحجم الاستفادة منه.

شخصيا، لا أعرف فردا أو أسرة استفادوا من هذا البرنامج المجاني المقدم من وزارة الصحة، فكل من احتاج إلى هذا النوع من الرعاية كان يلجأ إلى الحلول من القطاع الخاص، وبالتالي لا يمكن الحكم على مدى فعاليته واستفادة المرضى منه، لكنني أتمنى أن يُفعّل وينتشر بشكل أكبر. ويمكن أن تضاف إليه خدمات أخرى وإن بمبالغ رمزية، وأن يُتاح لجميع فئات المجتمع بلا تمييز، فالمرض لا يعرف كبيرا ولا صغيرا، ولا يميز بين ألوان جوازات السفر. فحتى أكثر المتعصبين حين يجد نفسه وسط المرض والألم له أو لمن يحب، سيشعر بأن العلاج يجب أن يكون للجميع، لأنه ضرورة وليس ترفا، ولأن الإنسان لا يكون إنسانا إلا إن أسهم في تخفيف أوجاع الآخرين.

متّعنا الله وإياكم بالصحة والعافية، وشفى الله مرضانا ومرضى المسلمين، ووفق المسؤولين إلى تقديم الخدمات المناسبة للفئات الأضعف من المجتمع.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 20, 2018 06:23

January 25, 2018

إلى أين أذهب مع ابني في الإجازة

في كل عطلة نهاية أسبوع، أو العطل القصيرة والطويلة الأخرى التي تتخلل العام الدراسي، أجد نفسي كأم لطفل دون سن المدرسة حائرة، وأطرح على article2نفسي والآخرين السؤال الآتي: إلى أين آخذ ابني لنقضي معا وقتا ممتعا أو مفيدا في مدينتي؟

الحدائق ليست خياري الأول لأسباب عديدة منها مستوى النظافة، وعدم ملاءمة الجو أيام الحر الشديد، وعدم وجود حديقة مؤهلة بالقرب من مقر السكن. وحتى الحدائق الأخرى البعيدة ولكن الجيدة نسبيا باتت تعاني سلبيات جديدة مثل ظهور الباعة المتجولين الذين طوروا من حرفتهم، فصاروا لا يبيعون السلع وإنما خدمات الترفيه! صار من الطبيعي أن تذهب لحديقة عامة وتجد من يطالبك بدفع عشرة ريالات لينط ابنك نطتين على «نطيطة جواله»، أو مبلغ أكبر ليستأجر سيارة إلكترونية تجذب انتباهه بأنوارها وأصواتها وأشكالها المتنوعة. وهم يمارسون هذا النشاط على مرمى حجر من مبنى أمانة جدة. تجرأت وسألت أحدهم: لديكم ترخيص من الأمانة؟ فقال نعم! وفي الحقيقة ليس لديهم طبعا. كما أن بعض المراهقين يلعبون الكرة وسط ألعاب الأطفال الأصغر سنّا، وبالتالي يمكن أن يتسببوا بإيذائهم.

الخيار الثاني، هبة الله لجدة، وهو البحر، والذي صار حاليا مع الواجهة البحرية الجديدة، مقصدا لسكان المدينة وزائريها، وسعدت لتوفر نشاطات متنوعة فيه للأطفال، مثل المراجيح والشواطئ الرملية والأماكن المخصصة للسباحة مع مرافقها، والتي أتمنى أن تواصل الأمانة الاهتمام بها، والحرص على نظافتها وسلامتها من التخريب. فما زال من المؤسف أن يقف المرء على كاسر الأمواج ليستمتع بمراقبة الموج العالي فإذا ببصره يتلوث بما يراه من قاذورات على الشاطئ. ولا أعرف متى سيصل مستوى الوعي لدينا كأفراد وجماعات بحيث نحافظ على بيئتنا.

ومع تميز الواجهة البحرية فأنت لن تزورها كل يوم، أو حتى كل أسبوع، فالناس تمل، كما أن الصغار يحتاجون إلى نشاطات متنوعة ومختلفة تسعدهم وتنمي مهاراتهم.

في كل مرة كنتُ أقرأ فيها عن برامج هيئة الترفيه كنت أهز رأسي، فبرامجها يظهر أنها لا تخاطبني ولا تلبي احتياجات عائلتي، كما أنني لن أقضي 4 ساعات ما بين ذهاب وعودة (مع طفل صغير) من وإلى مدينة الملك عبدالله لحضور مناسبة واحدة قد لا تزيد على الساعتين، ناهيك عن أن أسعار التذاكر غالبا توازي تذكرة سفر خارج المملكة.

كنت أنتظر من هيئة الترفيه أن تهتم بشرائح المجتمع المختلفة، الصغار وهم فئات، والكبار وهم فئات، وبأولئك المنتمين إلى مدارس فكرية مختلفة ومتنوعة، وأن تهتم بشكل أخص بالترفيه الذي فيه ديمومة، أي بناء المنشآت الترفيهية التي يمكن زيارتها في أي وقت. كما من المهم الالتفات إلى الترفيه المنخفض التكلفة أو حتى المجاني، مع توفير خيارات ترفيه أغلى لمن يرغب في ذلك ويستطيع.

في فصل الصيف سافرنا خارج المملكة، وزرنا إحدى مدن الأطفال (ليغولاند) المخصصة لمن هم ما بين عمر

2 – 12 سنة تقريبا، وهي مثالية لمن أعمارهم ما بين 3 – 6 خاصة من الصبيان. بعد العودة ببضعة أشهر ظل يخبرني كل مساء قبل النوم بأنه يرغب في زيارتها من جديد، فأخذت أبحث عن أقرب فرع لهذه المدينة، فوجدتها في دبي! وهكذا تحملنا تكلفة تذاكر سفر وإقامة فندق وإعاشة ليومين وسيارة أجرة فقط لنزور مدينة ملاهٍ في دول مجاورة! وطوال الرحلة كنت أتساءل لماذا نفتح فروعا للمطاعم والمحلات الأجنبية بكل سهولة في بلادنا، بينما لا يحدث الشيء نفسه في قطاع الترفيه؟ خاصة أننا نتحدث عن مدينة للأطفال، أي لا توجد محاذير شرعية أو اجتماعية مرتبطة بها، ومدينة الملاهي هذه لديها فروع في عدد كبير من دول العالم. أليست جدة بعدد سكانها، وعدد زوارها كونها بوابة الحرمين، يفترض أن تكون الخيار الأمثل للاستثمار السياحي الأجنبي في المنطقة؟ ما الذي يمنع؟

تفتقد جدة أيضا، وهي المدينة الساحلية، حيث يجيد ويعشق جل أهلها السباحة، وجود مدينة ألعاب مائية متكاملة، أو حتى مسابح في الأحياء بمبالغ رمزية. وليس فيها، وهي المدينة الحارة معظم أيام السنة، مدينة ثلجية تطفئ حرارة الجو، ناهيك عن عدم وجود مدينة ملاهٍ ضخمة على المستويات التي نشاهدها في الدول الراقية، بل حتى بعض الدول المجاورة.

في كل مرة أزور دبي أجد فيها مرفقا سياحيا جديدا، وهو في الغالب يناسب الصغار والكبار، آخرها حديقة استوائية استمتع فيها ابني بمشاهدة الطيور الملونة الغريبة ولمس الثعابين الكبيرة!

قد يكون السفر متاحا لي أحيانا ولغيري مرة أو مرتين في السنة، ولكننا لن نسافر طوال السنة ولا في كل عطلة أسبوع، وهناك من بيننا من لا يتاح له السفر إطلاقا خارج المملكة لأسباب مادية أو اجتماعية أو صحية أو غيرها. فهل يحرمون هم وأولادهم من المتعة لأن هيئة الترفيه لا يدخل ضمن اهتمامها الأسر والأطفال بنفس الدرجة التي تهتم فيها بالمراهقين والعزاب؟ أو لأن أحدا أفهمها بأن الترفيه يعني حفلة غنائية!

انتهى مقالي ولم أجد بعد إجابة لسؤالي: إلى أين أذهب مع ابني في هذه الإجازة؟


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 25, 2018 01:42

نسوة تويتر مثقفات واعيات أم مراهقات ضجرات

لا نذيع سرا إن أشرنا إلى أن وضع المرأة السعودية كان وما يزال أقل مما تستحقه كمواطنة، وأدنى مما ترتقبه تطلعاتها. article1

فما تزال مقيدة في كثير من الحقوق مقارنة بشقيقها الرجل، وما زالت فرصها أقل وتحدياتها أكبر.

ولأنه حيث يوجد تمييز ستُخلق مناهضة له، وستكون هناك مطالبات بإنهائه، فطبيعي أن تكتب الأقلام النسائية آلاف المقالات والكتب التي تطالب بتعديل هذه الأوضاع، وباسترجاع الحقوق التي غُيّبت حتى صار غيابها هو الأصل لا الاستثناء. 

ولفترة طويلة، وقبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، تصدرت النساء المثقفات والواعيات هذه المطالب، التي كانت في الغالب منطقية ومشروعة بل وضرورية. وكان هدفها هو إعادة التوازن للعلاقة بين الرجل والمرأة، وبالتالي إصلاح حال الأسرة، ثم المجتمع. ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، وصارت منبر من لا منبر له، وكان لهذا الأمر إيجابيات، بحيث كُسر احتكار النخبة وسائل الإعلام، وسمح لعدد أكبر من الناس بالمشاركة والتعبير عن آرائهم، وأصبح الجميع يتفاعلون ويتناقشون ويتجادلون حول القضايا الجوهرية، منها تلك المتعلقة بالمرأة وحقوقها.

وهنا، لم تعد جل المطالبات بتمكين المرأة تصدر من تلك النخبة المثقفة القارئة الواعية فقط، بل اُنتزعت الراية منهن، فكيف غيرت النسويات الجدد في المملكة شكل المطالبات ونوعيتها؟

المتابع لهذه الحسابات التي تدّعي أنها «نسوية» على «تويتر» مثلا سيلاحظ كثيرا من الأمور المشتركة بينها، مع وجود استثناءات رصينة مميزة، فهي غالبا بأسماء وصور مستعارة، ومشحونة بالغضب الشديد، ولديها مشكلة ثقافية مع قيم المجتمع حتى الدينية منها. فمثلاً كثيرٌ منها لديها مشكلة كبرى مع الحجاب والنقاب والستر بكل أنواعه، وقناعة تامة بأنه لا توجد امرأة تختار الحجاب أو النقاب طواعية!

فهنّ إما مجبرات أو خائفات من ردة فعل المجتمع أو مغسولة أدمغتهن.

وبالطبع لا يقدمن تفسيرا منطقيا لانتشار الحجاب في دول الحرية الغربية، رغم كل المضايقات التي تتعرض لها المرأة بسببه هناك. ومع أنهن يطالبن بحق المرأة في التكشف فهن لا يحترمن حقها في التستر بالطريقة التي تناسبها، أو الامتناع عن مصافحة الرجال الأجانب.

وهن يعمدن بدلا من مهاجمة التنظيمات الإدارية المجحفة والمطالبة بإنهائها، إلى مهاجمة الرجل السعودي نفسه، واعتباره مصدرا لكل الشرور، مع أنه لا مقرر ولا مشرع إلا في نطاق أهل بيته. وهن يستلهمن النماذج السيئة وحدها، ويتناسين أن الرجل والمرأة في النهاية هما ضحية ثقافة هذا المجتمع وتربيته التي تشارك فيها الأم «المرأة» والأب «الرجل».

ولذلك، ليس غريبا أن يكون جُلّهن من الفتيات العازبات اللاتي يحتقرن مؤسسة الزواج، لأنهن يعتبرنها مهينة للمرأة، أو أنهن يتسلين بهذه القضية حتى يجيء الفارس المنتظر، أو من بعض السيدات المطلقات ممن عانين تجربة مريرة باتت تتحكم في تفكيرهن ونظرتهن للحياة.

هؤلاء الناشطات الجديدات، يطالبن بشكل أكبر بالأمور التي تمسهن بشكل مباشر، والتي ينحصر كثير منها، إذا استثنيا تسلقهن على وسم إسقاط الولاية والاعتراف الكامل بأهلية المرأة، في الترفيه والأمور التي قد لا تعني كثيرا للسواد الأعظم من نساء المجتمع، بل ويحاولن تقليد مطالب المرأة الغربية الخاصة بمجتمعها وظروفه وثقافته مثل حق الإجهاض.

فيما لا نجدهن يطالبن بحقوق المرأة العاملة فيما يتعلق بإجازة الوضع ورعاية المولود والأمومة، وحق الطفل في الرضاعة الطبيعة «إن أرادت أمه إرضاعه واستطاعت»، وتوفير أماكن مخصصة آمنة للأم للقيام بذلك في الأماكن العامة، ولا بضرورة توفير حضانات للأطفال في أماكن العمل، ولا نجدهن يُكبرن دور المرأة ربة الأسرة التي تختار التفرغ لرعاية أسرتها. لأنني كما أسلفت أجدهن يحتقرن مؤسسة الأسرة، ووصل الحال بهن إلى احتفال بعضهن بطلاقهن وذكر مزاياه.

ومع أن الطلاق حلال، وقد يكون أفضل حل لبعض الزيجات الفاشلة، ورغم أنه ليس سيئا ولا معيبا، ولكنه يظل أبغض الحلال، ويفترض أن يكون آخر الحلول، خاصة عند وجود أطفال، فلا ينبغي أن يُقدم للأجيال القادمة على أنه شيء جميل يستحق الاحتفاء!

ويلاحظ كذلك غياب نظرتهن الحقوقية عن احتياجات المرأة المختلفة عنهن، فيغبن عند الحديث عن المرأة التي تعاني ويلات الحروب والاحتلال واللجوء، وغيرها.

فلا نقرأ لهن تغريدات أو مقالات عن النساء الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتعاطفن مع الأم السورية أو البورمية، ولا يتعاطفن مع ما تتعرض له المرأة المسلمة في الغرب في ظل انتشار حالة العداء لكل ما هو إسلامي «الإسلاموفوبيا»، بل ونجدهن يبررن منع الحجاب أو أي إجراء مماثل، بحجة أن من حق الغرب أن يحمي ثقافته، في الوقت نفسه الذي يرغبن في استيراد وفرض الثقافة الغربية.

ما كنت أظن أنه سيأتي يوم أكتب فيه مقالا ضد شريحة من النساء، فقد بدأت الكتابة من أجلهن ولأجل حقوقهن، وما زلتُ أفعل ذلك منذ ما يقارب العشرين سنة. وكان مبدئي أن التطرف في حرمان المرأة من حقوقها سيؤدي إلى تطرف نسوي مماثل، إلى أن تعتدل الأمور وتعود إلى اتزانها. ولكن ما بدأت ألاحظه من استمرار لهؤلاء النسوة الموتورات منذ فترة ليست بالقصيرة حفزني لذلك، حتى لا ينشأ جيل تالٍ من النساء يعتقدن أن قمة البطولة أن تخالفي السائد، ليس لأجل الطموح أو تحقيق حلم، وإنما عنادا ولأجل المصادمة والمخالفة. أو أن الحرية والمساواة تعنيان التحرر من الحشمة والحياء، والتعامل مع الرجال بانبساط وأريحية، وكأنكِ واحدة منهم!، أو أن السعادة العظمى تعني التنكر لأدواركِ الفطرية ولسنّة الحياة، وأن تعتقدي أن أسمى غايات النسوية هي الانتصار على الرجل في معركة طواحين الهواء.

الحياة مكونة من رجل وامرأة أو امرأة ورجل.. لا فرق. والسر في حياة سعيدة هو في التكامل بين هذين الفردين، لخلق مجتمع متوازن يتشارك أفراده في الحقوق والواجبات، ويشعر كل فرد فيه بقيمته واحترامه، وينال فيه حقوقه المشروعة بلا ظلم ولا تمييز.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 25, 2018 01:20

January 3, 2018

عام جديد مختلف

لست ممن يحفلون كثيرا بتغير الأرقام في ورق التقويم، وبالتالي لم أنشغل لا بالتهنئة بالعام الميلادي ولا بالرد على التهاني، ولا بالجدل السنوي الذي بدأ newyearمنذ أن اكتشفنا الإنترنت تقريبا وانفتحنا على العالم، والذي ما زال مستمرا حول مشروعية الاحتفال برأس السنة الميلادية من عدمه. ولم أضع خطة لتحسين حياتي وشخصيتي في السنة الجديدة كما كنت أفعل في الماضي، وإن كنت مدركة لأهم أهدافي خلال الفترة المقبلة منذ بداية السنة الهجرية منذ أربعة أشهر. وعليه فإن يوم الأحد -ليلة الإثنين من هذا الأسبوع- كانت ليلة عادية وأقل من عادية بالنسبة لي. فلم أعد أهتم حتى بمتابعة الاحتفالات في البلدان الأخرى، أو بانتظار دقات الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل ليُسدل الستار على العام المنصرم. الشيء المختلف هذه الليلة هو أنني كنت فعلا أفكر في عام 2018، ولكن كان من جهة مادية بحتة، فهي ستكون سنة مختلفة اقتصاديا علينا ولا شك.

ففي هذه السنة سيبدأ تطبيق ضريبة القيمة المضافة «VAT» على السلع والخدمات، كما سترتفع أسعار الكهرباء والبنزين بشكل غير مسبوق، وهي إجراءات -حتى وإن كانت ضرورية- فإن ذلك لن يمنع المواطن من الشعور بالقلق تجاهها. تفكيري بات منصبا على عائلتي الصغيرة، والتي يعمل فيها كلا الأبوين، وإنفاقها الاقتصادي المتوقع خلال الأشهر القادمة: الالتزامات البنكية بأنواعها، رسوم المدارس، راتب السائق والخادمة، تكلفة البنزين في مدينة متمددة طوليا مثل جدة، وتفتقر لأي نوع من المواصلات العامة، بحيث تجعلك تفكر في الاستغناء عن السيارة الخاصة، تكلفة فواتير الاتصالات والكهرباء، وأخيرا إيجار الشقة. وهي في مجملها التزامات أساسية لا تختلف عن التزامات أية أسرة سعودية من الطبقة المتوسطة/‏ المتوسطة العليا. هذا مع عدم احتساب تكاليف ارتفاع السلع أو الكماليات التي اعتدنا عليها.

وبما أنه لا سبيل لتغيير أو الحد من الإنفاق في هذه الجوانب الأساسية، فإن الأنظار يجب أن تتجه نحو المجالات الأخرى المتاحة مثل الترفيه والمناسبات والاجتماعية. والأسئلة المطروحة للأسر هنا هي من عينة: هل يجب أن نسافر للسياحة هذا العام كالمعتاد؟ هل نستطيع تقليل كلفة الرحلة أم لا حل إلا بإلغائها كليا؟ هل علينا التقليل من الاستمتاع بوسائل الترفيه المحلية القليلة أصلا، مثل الأكل في المطاعم، وأخذ الأطفال إلى مدن الألعاب؟ هل يجب التقليل من ميزانية الهدايا والعيديات وما يدخل تحت هذا البند؟ وبالتأكيد ستتراجع أهمية شراء أية جوالات أو أجهزة إلكترونية كان البعض قد اعتاد على تجديدها كل سنة أو سنتين.

ومع أنه تم السماح بقيادة السيارة للمرأة، لكن هل الوقت مناسب فعلاً لشراء سيارة جديدة -فيما لو رغبتُ بالقيادة- أم يمكن الاكتفاء بسيارة السائق وتأجيل الجديدة إلى السنة القادمة؟

ولا شك أن حال الأسر الأضعف دخلاً سيكون مختلفا وأسئلتها أيضا مختلفة. فلكل عائلة أولوياتها وكماليتها، وهي من يقرر الوجه الأمثل للتعامل مع المتغيرات الجديدة، لكن بالتأكيد هذا العام سيكون مختلفا في حياة السعوديين، وليس بالضرورة سلبيا. فتعلم كيفية وضع ميزانية متوازنة للأسرة متناسبة مع الدخل، وترشيد الاستهلاك، مهارات ضرورية يمارسها الناس حتى في الدول الصناعية الكبرى، ولكن هذا لا يلغي كون كل تغيير صعبا ومؤلما في بدايته، خاصة لتلك الأسر ذات الدخل المحدود وما دونه، فهناك نوع من التوازن الطبقي في المجتمع، فكل طبقة تخدم من فوقها وتعين من تحتها، ولكن مع شد الأحزمة قد يجد بعض المحسنين نفسه مضطرا للتركيز على التزاماته المادية قبل تبرعاته الخيرية، وعلينا هنا أن نذكره وأنفسنا بأن نـحاول ما استطعنا عدم إغفال وجوه الخير، فما نقص مال من صدقه.

أتمنى أن يدرك التجار، بمن فيهم أصحاب المنشآت السكنية وملاك المدارس وغيرهم، هذه الظروف الجديدة، وألا يعمدوا إلى رفع أسعار الإيجار ورسوم المدارس بما يزيد على الضريبة المفروضة عليهم، فتلك أعظم مساعدة يقدمونها لمجتمعهم، وإلا فإنهم قد يواجهون الكساد والإفلاس لضعف قدرة الناس على تحمل هذه التكاليف، فقليل دائم خير من كثير منقطع.

كذلك قطاع الأفراح وكل ما يدخل تحته من قاعات ومستلزمات وتصوير وما إلى ذلك من كماليات (تعتبر في الوقت نفسه أساسيات)، يجب أن تراعي الحالة الجديدة للناس. فالتصاعد المستمر في الأسعار دون رادع بشكل سنوي أو نصف سنوي يجب أن يتجمد خلال الفترة القادمة، فسيكون من الجيد جداً إن تمكن الناس من التعامل مع الأسعار القديمة بالواقع الجديد، ناهيك عن أية زيادة متوقعة.

كل المجتمعات تمر بفترات ركود وانتعاش اقتصادي، وذلك مثبت في القرآن الكريم في سورة يوسف والسنوات السبع السمان والسنوات السبع العجاف، وليس لدي شك في أننا سنتجاوز الأيام الصعبة، ودعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- لهذه البلاد المباركة باقية، ولعلها فرصة لمراجعة طريقة حياتنا ونمط معيشتنا، وفرصة للمبذرين ليتوبوا ويرتدعوا.

وهي أيضا مناسبة مهمة لتخطيط جديد سليم لمستقبل البلد واقتصاده يشارك المواطن في رسم معالمه ما دام قد بات في النهاية متحملا لتكاليفه بشكل مباشر.

حفظ الله بلادنا من كل شر، ورزقها من واسع فضله.


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 03, 2018 07:24

December 30, 2017

ضريبة القيمة المضافة هل تستثني الصحة والتعليم

VATكنت أتحدث مع مسؤولة في روضة ابني عن الرسوم المتبقية، والروضات الخاصة ليست خيارا للأم العاملة، لعدم وجود روضات حكومية إلا ما ندر، فأبلغتني بأنه تبقى لي قسطان، أحدهما قبل نهاية العام والثاني بعده، واقترحت بأنه إن كنت أرغب في تجنب ضريبة القيمة المضافة، بأن أستكمل الرسوم جميعها قبل بدء السنة الجديدة. وكانت تلك المرة التي شعرت فيها بأن هذه الضريبة باتت واقعا، وأنها ستمسني شخصيا، وكل الحديث الذي يدور حولها، والذي كنت أتجاهله تقريبا حتى الآن، هو في الواقع يعنيني بشكل مباشر. 

كنت أتوقع أن تكون هناك ضرائب على بعض السلع والخدمات، وما كان هذا ليكون جديدا بالنسبة لي، فقد عشت ردحا من عمري في المملكة المتحدة كطالبة وموظفة. وكطالبة كنت معفاة من جل الضرائب تقريبا. لكنني حين تخرجت وعملت في واحدة من أكبر الشركات العالمية العاملة في لندن فقد عرفت ماذا تعني ضريبة الدخل، وضريبة الخدمات البلدية وغيرها. ولكن مصدر استغرابي بعد ذلك الحوار في المدرسة هو أنني سأدفع ضريبة على أمر له علاقة بالتعليم والأطفال، وكلاهما غير مشمولين بالضريبة في بلد أوروبي ورأسمالي كبريطانيا.

في المملكة المتحدة هناك ضرائب عالية بالفعل، ولكنها تستثني كل ما له علاقة بالتعليم والتدريب، وما له علاقة بالثقافة مثل الكتب، والمواد الغذائية الأساسية، وملابس الأطفال واحتياجاتهم إذا كانوا دون الرابعة عشرة من العمر.

فالأصل في التعليم الإلزامي أنه حكومي ومجاني، والأهالي الذين يختارون أن يضعوا أطفالهم في مدارس خاصة فهم إنما يخففون عن الدولة عبء تعليم أبنائهم، ويدفعون لا سيما في جدة والرياض مبالغ كبيرة جدا في السنة. ولا أتحدث فقط عن الرسوم الدراسية التي تتراوح بين 10 آلاف و70 ألف ريال، وإنما هناك رسوم أخرى للزي المدرسي والأدوات التعليمية والكتب والرحلات وغيرها. والدولة -حفظها الله- كانت تُقدر ذلك وتقوم بتقديم دعم سنوي لهذه المدارس الأهلية، ولهذا كان مفاجئا أن تخضع الرسوم الدراسية للضريبة الجديدة! فهل توقف الدعم الحكومي للمدارس الخاصة؟

إذا كان الأمر كذلك فإذاً قد تم توفير هذا البند للميزانية، ولا حاجة لإثقال كاهل الأهالي بالمزيد من التكاليف. خاصة أن وزارة التعليم لم تنجح في كبح جماح ملاك المدارس الخاصة فيما يتعلق بالزيادة المطردة للرسوم الدراسية بشكل شبه سنوي (قبل إقرار الضريبة)، ولا شك أن الأمر سيتواصل بعدها، وسيواجه الأهالي في كل عام معضلة الرسوم المدرسية ومعها الآن الضريبة الجديدة.

قد يلجأ بعض الأهالي، كما حصل عند اقتطاع البدلات العام الماضي، إلى سحب أبنائهم من المدارس الخاصة، خاصة من لديه أربعة أطفال وأكثر، ونقلهم لمدارس حكومية، مما يزيد الضغط على التعليم الحكومي. وكأن ما كسبته الدولة من المدارس الأهلية ستصرفه مباشرة لاستيعابهم في التعليم الحكومي. مع ما يمكن أن يتسبب به النقل القسري للأطفال من فصولهم الواسعة وأصدقائهم القدامى إلى فصول مكتظة وبيئة مختلفة، من ضرر نفسي ومعنوي عليهم.

إن أحد أسباب إدخال الأبناء في مدارس خاصة هو الحصول على تعليم أفضل، يجعلهم مؤهلين بشكل أكبر للجامعات ولسوق العمل المحلي. فالاستثمار في تعليم الأبناء ليس ترفا، وإنما يرى الكثيرون أن جزءا من واجبهم كآباء وأمهات أن يوفروا مستقبلا جيدا لأبنائهم لإعدادهم لحياة الكريمة مستقبلا.

وما ينطبق على المدارس الأهلية ينطبق على الكليات والجامعات الأهلية، خاصة بعد توقف الابتعاث الداخلي تقريبا، وينطبق على معاهد اللغة والكمبيوتر وغيرها، فالتعليم والتدريب والتطوير إنما يصب في تحسين مستوى الأفراد والأسر، وجعل المواطنين قادرين على المنافسة في سوق عمل متغير على الدوام، فإثقاله بالضرائب والرسوم، مع الأسعار المرتفعة أيضا سوف يحد من فائدته وقد يصرف الناس عنه.

وإذا كان هذا حديثنا عن التعليم، وهو ذو شجون، فالأمر عينه في مجال الخدمات الصحية التي يبدو أنها أيضا غير معفاة، سواء ما يتعلق بالعلاج في المستشفيات الخاصة أو رسوم التأمين الطبي السنوي.

وإذا كان البعض سيجادل بأن التعليم الخاص ترف يمكن الاستغناء عنه، فإن هذا الكلام لا ينطبق على الصحة. فالإنسان لا يذهب إلى الطبيب إلا مضطرا، ولن يذهب إلى مستشفى خاص إلا والخيارات الأخرى أمامه معدومة أو غير مناسبة أو منطقية. فإما أن يكون مقيما، وبالتالي لا يحق له العلاج الحكومي، أو أن يكون مواطنا، لكنه يدرك أن الحصول على موعد في مستشفى حكومي يعني الانتظار لأيام أو أسابيع أو أشهر. فحتى لو لم يكن المرض مهددا لحياته، فإن الألم قد لا يطاق أحيانا، ولنأخذ ألم الأسنان على سبيل المثال، ضرس أكله السوس كفيل بأن يحرمك النوم والقدرة على الحياة الطبيعية لعدة أيام. وتكلفة علاج الأسنان (وليس التجميل!)، في العيادات الجيدة مرتفعة أصلاً، فكيف إذا أضيفت لها الرسوم؟

وما ينطبق على الأسنان ينطبق على كافة العلاجات الأخرى، بل حتى على الولادات الطبيعية والعمليات القيصرية، وأمراض الأطفال، فهؤلاء الصغار حين يمرضون لا تملك أن تنتظر موعدا لهم في مستشفى حكومي، بل ستهرع بهم إلى أقرب مشفى خاص إن كانت حالتك المادية تسمح، وإن لم تسمح فستجد نفسك تقترض من الآخرين لصحة وراحة أبنائك، لأن هذا واجبك. قد يقول البعض وماذا عن خدمات الطوارئ؟ ولهؤلاء أقول بأن الطوارئ في كل البلدان التي عشت فيها، وليس المملكة فقط، هي تجربة مزعجة جداً ومؤلمة، فما لم تكن ضحية حادث سيارة -لا سمح الله- وفاقدا الوعي تماما ورأسك يشج دماً، فمن المرجح أن تمكث هناك طويلا قبل أن يفكر أحد بإلقاء نظرة عليك.

لقد ارتأت الدولة للمصلحة العامة أن تفرض ضرائب، وتم تفهم الأمر وتقبله، ولكن هذا لا يمنع من الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الأساسية للإنسان، كالغذاء والصحة والتعليم، بحيث تُعفى أو تُستثنى، حتى لا تثقل كاهل الأسر بمصاريف إضافية مع بداية السنة الجديدة. وليتم النظر إلى هذين القطاعين الحيويين كاستثمار بعيد الأمد في مستقبل البلد، فالإنسان دون صحة ممتازة وتعليم جيد لا يكون قادرا على العطاء والبناء.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 30, 2017 01:52

December 18, 2017

تجريم التعاطف مع الصهيونية

القدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى المصطفى، صلى الله عليه وسلم. جرحنا النازف أبدا منذ أن وقعت أسيرة في يد الاحتلال Zionestالصهيوني الغاشم.



ومع أن العرب والمسلمين لا يقبلون باحتلال أي شبر من فلسطين الأبية، بما في ذلك حيفا ويافا وعكا وكل المدن التي سقطت عام 1948، إلا أن سقوط القدس بعد هزيمة 1967 النكراء تظل الوجع الأكبر، لأنها المدينة الأكثر قدسية وأهمية لدى المسلمين بل والمسيحيين. ولعل وقوعها تحت الاحتلال أسهم بشكل كبير في بقاء القضية حية، فتجد طيفها في جاكرتا والرياض وفي إسطنبول وصنعاء، ورب ضارة نافعة.

وكلما خفت وهج القضية يسّر الله إحياءها عبر الصهاينة وأصدقائهم في العالم الغربي. فكل الانتفاضات بدأت بالقدس أو انتهت إليها، آخرها قبل بضعة أشهر حادثة البوابات الإلكترونية، إذ رفض الفلسطينيون هذا التدخل الإسرائيلي السافر في تنظيم شؤون المسجد الأقصى، ونجحوا بصمودهم في إفشال مخططهم الخبيث.

واليوم، الشكر موصول للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يبدو أن تخصصه الدقيق إشعال الحرائق في الداخل والخارج، فمجرد إعلانه أنه ينوي نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وتكريسها عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، انتفض العالم بعربه وعجمه ومسلميه ومسيحيه، ليقولها بصوت واحد: إن القدس عربية وهي عاصمة فلسطين الأبدية.

الجديد هذه المرة، هو أنه في الماضي كنت أجد نفسي في حوارات ساخنة في أوروبا وأميركا أو حتى عبر الإنترنت، لأشرح للأجانب عدالة القضية الفلسطينية، ولأن الحوار كان فيه القليل من العواطف والكثير من الحقائق والمنطق فقد نجحت -بتوفيق الله- في جعل بعضهم يتفهم على الأقل وجهة النظر العربية.

كنت أفعل ذلك بلسان أعجمي في بلد غربي، وأحتسب الأجر عند الله، لكنني اليوم أجد نفسي مضطرة لخوض الحوارات نفسها بلسان عربي مبين، في فضاء افتراضي عربي مع أشخاص مسلمين، يقيمون في جدة أو الرياض أو دبي أو القاهرة.

فلسطين وقدسها التي كانت القضية التي اتفق عليها المسلمون والمسيحيون، الشيوعيون والإسلاميون والقوميون، الموالون والمعارضون، الأنظمة الملكية والثورية، النخبة كما العامة، العرب والعجم، هذه القضية فجأة صارت أمرا فيه نظر! بل زاد الوضع سوءا حتى ليشعر المرء بأنه يعيش كابوسا مريرا، إذ يقول لك مراهق فكري يدّعي الثقافة، إن لليهود حقا تاريخيا في فلسطين المحتلة، وأنها أرضهم فعلا، والعرب طارئون عليها، متجاهلا كل حقائق التاريخ والجغرافيا، بل وما جاء في القرآن الكريم.

وصلنا إلى مرحلة مرعبة، يتم فيها التشكيك بحادثة الإسراء والمعراج، أو بمكان الإسراء «أحدهم يقول: إن النبي أسري به إلى ينبع!»، أو بكون المسجد الأقصى المذكور في القرآن هو نفسه الموجود الآن في القدس، بل وبكون القدس قبلة المسلمين الأولى. الهدف من كل هذا الكذب والتجديف هو تقليل مكانة القدس وفلسطين في نفوس الناس، حتى يسهل التخلي عنها خدمة للصهيونية العالمية. مع أن عدم وجود مقدسات في أرض المسلمين -لو صدقنا جدلا أكاذيب المرجفين- فإن هذا لا يجعلنا نتنازل عنها.

فنحن مع كشمير المحتلة، ونريد لأهلها حق تقرير المصير، ونحن مع المسلمين في سيكانج الصينية، وفي بورما، كما كنا مع المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا. وإنما وجود المقدسات في فلسطين يعطيها بعدا أشمل، ويجعل قضيتها أقوى ونصرتها أوجب.

ومع أن بعض هذه الآراء والتغريدات تصدر -ولا شك- من جيوش إلكترونية قد تكون تابعة للصهيونية العالمية والاستخبارات الدولية، لا سيما وقد بدا ذلك جليّا في محاولة ضرب العلاقات بين الشعوب العربية، ومنها الشعبان: السعودي والفلسطيني، إلا أن الصادم اليوم هو سقوط أقنعة بعض المثقفين الخليجيين المحسوبين على التيارات الليبرالية في المنطقة. فهؤلاء لم يتجردوا فقط من عروبتهم وينسلخوا عن إسلامهم بمباركة الحق اليهودي والسخرية من الفلسطينيين والمنّ عليهم ومحاربتهم، تحت دعاوى وطنية مزيفة، بل حتى تنكروا للمبادئ الليبرالية نفسها التي يقولون إنهم يتبنونها. فالليبرالية في العقيدة الغربية تناصر العدالة، وأبعد ما تكون عن التطرف القومي والتعصب الوطني. الليبرالي الخليجي أثبت أنه على ما يبدو يريد من الحرية الغربية حرية الإلحاد والشهوات، وليست حرية الفكر وسلامة الضمير.

عندما يقول مثقف سعودي كبير، إن المقدسات في مكة والمدينة فقط، وإنه لا ناقة للمملكة في نصرة فلسطين ولا جمل، فهذا يعني أنه يتنكر لسورة الإسراء ولحديث المساجد التي تشد إليها الرحال، ولكل القيم التي رضعناها هنا في بلاد الحرمين الحبيبة، والتي علّمتنا أن ثمة حبلا سرّيا يربطنا بأرض بفلسطين.

أو حين يعتبر آخر ما قدمته هذه المملكة الكريمة الأبية للأشقاء في فلسطين الصمود منّة وكرم وصدقة وبقية فضل، وليس واجبا إسلاميا وقوميا ووطنيا لأرض الإسراء والرباط والجهاد من بلد تضم قبلة المسلمين، ومرقد خاتم النبيين.

أو يأخذ الثالث التصرفات الصبيانية الهوجاء لبعض المندسين التابعين والممولين من  الأنظمة المعادية للمملكة، ليعتبرها ذريعة للتخلي عن فلسطين. وكأن مواقف الأفراد والدول من القضايا العادلة والمصيرية مرتبط بعلاقة أصحابها معنا، فإن شكرونا أكرمناهم، وإن شتمونا أنكرنا حقهم التاريخي في أرضهم!.

هذا النفس الصهيوني المتزايد في الخليج، لا يشكل خطرا على جيلي والأجيال الأكبر منا، فقد نشأنا على حب فلسطين، وسنبقى أوفياء لها حتى نلقى ربنا، وإنما الخوف على الأجيال القادمة أن تقع في هذا الفخ، وتصدق أكاذيب أرض الميعاد، وأوهام السلام من أنصاف المتعلمين والمثقفين المنتفعين.

من أجل ذلك، نحتاج قانونا لتجريم التعاطف مع الصهيونية، بحيث يُعدّ كل متعاطف معها مروّجا لأدبياتها، معاديا لله ورسوله ودينه ووطنه، فمن يعادي القدس يعادي مكة، ومن يعادي مكة فليس من أهل القبلة. ويا ليت آيات سورة الإسراء تنقش على الكعبة ومعها صورة المسجد الأقصى، أو مسجد قبة الصخرة، بحيث كل من يرى الكعبة يبصر الأقصى. فما يقوم به هؤلاء المعادون لعروبتهم، والذين يحمل بعضهم للأسف جواز سفر سعودي، مُضِرّ جدا بسمعة المملكة ومكانتها العربية والإسلامية، لأنهم قد يحسبون عليها. فأي أحمق يدّعي الوطنية وهو يستعدي عليها أمة المليار نسمة؟

وأخيرا، يا أخت مكة: لا تحزني، ومهما أرادوا خيانتك لا تتألمي، فنحن على العهد باقون ولو كره الكافرون وأعوانهم المنافقون.


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 18, 2017 04:43

December 5, 2017

بلطجية وليست وطنية

الوطنية.. مصطلح يفترض أنه يرمز لكل جميل في حياة الإنسان، فهو يشمل حب الإنسان الفطري لأرضه وأهله ووطنه وتاريخيه وثقافته ومقدساته. وقد علمونا في ما مضى أن حب الوطن من الإيمان، وبالتالي فإن الذود عنه والموت في سبيل حمايته ورفعة شأنه بطولة، بل وأعلى مراتب الشرف.

في فترة ما عانينا من تراجع الاهتمام بترسيخ الانتماء للوطن الأصغر (الدولة السعودية الحديثة) مقابل الاهتمام بالوطن الأكبر (الأمتين العربية والإسلامية)، إلى درجة أن بعض المدارس، خاصة مدارس البنات، لم يكن يُسمع فيها النشيد الوطني. ولحسن الحظ تنبهنا في وقت جيد لهذه المشكلة، وتم البدء بتعزيز قيم الوطنية لدى الطلبة، بل تم تخصيص مادة كاملة تحت مسمى الوطنية، وصار لدينا يوم وطني وبات إجازة رسمية. وأكاد أجزم أن احتفالات اليوم الوطني السعودي باتت في الأعوام الأخيرة تضاهي احتفالات عيد الاستقلال الأميركي الشهيرة في الرابع من يوليو كل عام.

وكلها أمور إيجابية يفترض أن تكون محط سعادة ورضا من قبل كل مواطن، لكن الذي حصل هو أن هذا الانتماء الوطني وهذا الاعتزاز القومي قد انحرف لدى البعض عن مساره وتحول إلى ممارسات مقيتة تضر بالوطن ومواطنيه قبل أي طرف خارجي كما سنرى في المشاهد التالية.

المشهد الأول: مواطن يهين رجل أمن في منشأة ما لمجرد كونه يمنيا، ويتهمه بالتزوير ويحقق معه وكأنه سلطة حقيقية مخولة، وفوق ذلك يصور وينشر فعله المقيت. فهو لحماقته يعتقد أنه يقوم بعمل وطني وبطولي يكشف فيه عن وظيفة «مسروقة» من قبل أجنبي، وكأن هذا الأجنبي وظف نفسه بنفسه!

المشهد الثاني: شاب سعودي يتجول في مكان ما فيلمح سيدتين يقول إنهما من إيران، فيقوم بعمل إشارة غير لائقة بيده لهما، ويصور نفسه بفخر مباهٍ بالإنجاز الوطني العظيم! فهو يعتقد على ما يبدو أنه لا يختلف عمن يقاتلون الحوثي وبقية عملاء إيران في الحد الجنوبي، وكأنه بفعله هذا اعترض صاروخا موجها إلى الرياض. ويتناسى أن هاتين السيدتين لا علاقة لهما بما تقوم به حكومتهما المتسلطة، وللمرأة احترامها في ثقافتنا بحيث يتجنب الرجال «الرجال» الزج بالنساء في الخلافات. كما يظهر في المقطع أنهما ليستا صغيرتين في العمر، وللسن احترامه في ثقافتنا، بل والأهم أنهما لم تتعرضا له بأذى، فتحت أية ذريعة يتم التعدي عليهما بقول أو فعل أو إشارة؟ ما المكسب الذي تحقق؟

المشهد الثالث: للأسف هذا قد يكون الأخطر، لأنه موقف جماعي، وتقوده أحيانا أو تنزلق فيه أقدام بعض المحسوبين على الصحافة والفكر والإعلام، بحيث يتجيش القطيع تجاه شخص أو جماعة أو دولة بشكل هستيري متشنج، وباستخدام ألفاظ نابية وسباب مقذع لا يمكن تبريره حتى لو كان دفاعا عن دين الله تعالى، فهذا الدين لم يأتِ بالفحش ولم ينادِ به حتى مع من كفروا بالله، عز وجل. فنجد الإساءة للإخوة والأشقاء وتعييرهم بأمور مثل فقرهم، أو تمزقهم السياسي. وممارسة أسلوب المن البغيض بذكر الدعم المادي أو المعنوي الذي قدمته بلادنا لهم، متناسين أن الدولة -حفظها الله- ما كانت لتقدم على شيء إلا عن قناعة تامة بأن فيه مصلحة البلاد والأمة معا.

قد يرد البعض بأن الآخرين أيضا يتطاولون ويتجاوزون ويعايرون وينكرون، وهو أمر لا شك فيه. وقد عانينا -ولا نزال- من هجمات بعض مرتزقة الإعلام العربي لعقود طويلة، ولكن هل يستلزم للرد على السفهاء أن نصبح سفهاء مثلهم؟ ألا نستطيع الرد عليهم بالحجة والمنطق؟ خاصة أن الأدلة كثيرة وفي صالحنا وهي تخدمنا دون أن ننزلق إلى مجاراة الوضاعة بمثلها. وقد مررت بمواقف كثيرة من هذا النوع إبان إقامتي في بريطانيا، وأذكر منها موقفين في لندن، أحدهما في مجلس اللوردات البريطاني، والثاني في نادي لندن للصحافة، حيث وقفت ورددت بهدوء على من كانوا يسيئون للمملكة ويحرضون عليها، ونلت احترام الحضور.

ألا نعطيهم اهتماما أكبر مما يستحقون حين نناقش الأمر أصلا؟ لماذا نعطي قيمة لكل تافه يتقيأ حقدا وكراهية؟ التجاهل أحيانا أكثر إيلاما.

لا أعرف كيف ومتى أصبح من لوازم حب الوطن والاعتداد به الانتقاص من الآخرين، والإساءة لهم بشكل يخالف الدين والأخلاق والعادات والقيم السعودية الأصيلة، من كرم وشجاعة ومروءة وحسن ضيافة، هل هو الانفتاح الثقافي المفاجئ؟ أم الشحن الإعلامي المحلي؟ أم وسائل التواصل الاجتماعي؟ أم ثمة مندسون بيننا من مصلحتهم إظهار أخلاقنا بهذا الشكل؟

الذي أعرفه هو أن جيلا كاملا قد ينشأ معتقدا أن هذه الأفعال السيئة هي من صميم الوطنية، وتلك كارثة أخلاقية وسقطة تربوية، ولن تعود على هذه البلاد المباركة إلا بعظيم الضرر من سمعة سيئة وكراهية متبادلة بين شعوب منطقة ما زالت تغلي على فوهة بركان منذ أن فقدت بوصلتها وقُطعت أوصالها.

إننا بحاجة ماسة لاستنكار كل تنمر فردي أو جماعي، وكل حملة إعلامية موتورة، وبيان أن هذه الأفعال ليست من الوطنية، وإنما هي أفعال بلطجية، ولعلنا نراجع دروس التربية الوطنية ونضمنها أمثلة واقعية، لنبين لهم الفارق بين الوطني الحقيقي الذي يخدم وطنه بإخلاص ويرفع اسم بلاده عاليا بإنجازاته وبأخلاقه، وبين عديم التربية والأخلاق الذي يريد أن يجد غطاء شعبيا لأفعاله المشينة وأفكاره الشاذة.


 


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 05, 2017 14:05

November 19, 2017

فلتكن إذا حرباً شاملة على الفساد

استبشر كثير من المواطنين بما أُعلن الأسبوع الماضي من عزم الدولة محاربة الفساد بشكل صارم وعملي. corruption

فسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان قد ذكر ذلك سلفا في حديث متلفز، «أن الفساد لن يستثني أحدا»، وبدأنا نرى هذه الأيام التطبيق الفعلي لكلامه.

وأكاد أجزم بأن القلق بل الرهاب هو ما يسيطر على نفوس وعقول وقلوب كثير من الفاسدين والسُراق والمنتفعين والنصابين.

فهم يعرفون أنه لو فُتحت الدفاتر القديمة بأثر رجعي، لخسروا كل شيء، ابتداء من المال الحرام وانتهاء بالسمعة الحسنة والمكانة الاجتماعية غير المستحقة.

ولكن، هل الفساد الذي وجبت محاربته هو فقط فساد المال؟ وفساد خاص بطبقة الأثرياء والمتنفذين؟

واقع الحال يؤكد أن الفساد له أكثر من شكل ولون وطعم، وأن كثيرين متورطون فيه بشكل مباشر أو غير مباشر.

وللأسف، بعض أنواع الفساد على وضوحه وفداحة الظلم المترتب عليه، إلا أنه من النوع الذي يصعب أن تثبته في جلسة تحقيق أو محاكمة. فكيف يمكن أن يكون أحدنا، نحن الناس العاديين، متورطا في الفساد؟

الوساطات بكل أنواعها، إن لم تكن شفاعة حسنة لرفع ظلم أو تحصيل حق، فهي فساد كبير، تسبب في حرمان الآلاف من وظائف، أو كراسي جامعية، أو بعثات تعليمية، أو فرص تدريبية وتطويرية، وهذا النوع من الفساد يكون في أحيان كثيرة مدفوعا ليس بالمصلحة المباشرة، وإنما قد يكون بنيّة طيبة وهي «الفزعة» للأقارب والأرحام والجيران والأصدقاء، لكن، إن تسببت هذه الفزعة في حرمان من هو مستحق فهذه النية الطيبة لا تعود نافعة بل هي شديدة الضرر.

من الفساد أيضا، تعمّد تقصير المرء في عمله، إما مدفوعا بالكسل وحده، أو لتحصيل منفعة كلجوء الطالب إلى أخذ درس خصوصي عند الأستاذ، لأنه لا يشرح جيدا. أو اضطرار الطالب الجامعي إلى شراء ملخصات وكتب الأستاذ نفسه، إن كان يرغب في النجاح،

أو أن يسرق الأستاذ الجامعي أبحاث طلبته ويجيرها تماما لنفسه.

والحقيقة، أن فساد المعلم في المدرسة أو الجامعة، هو من أسوأ أنواع الفساد، لأنه فوق المشكلات المادية التي يسببها، فهو مدمر معنويا، لأنه يكسر هيبة واحترام الأستاذ لدى الطلبة، فينشأ جيل حاقد وناقم وبلا قدوة.

ولا أسوأ من المعلم الفاسد إلا الطبيب الفاسد، هو ذلك الذي يهمل مرضاه، ويتأخر على عيادته، إذا كان يعمل في مستشفى حكومي، ولكنه يتصرف بغاية الرقة واللطف والمهنية والالتزام حينما يستقبل المرضى أنفسهم في عيادته الخاصة، أو في مستشفى 5 نجوم، مقابل مبالغ فلكية. هو ذلك الذي يقولها بصراحة وبرود لمريض يتميز من الألم: «لا توجد مواعيد هنا إلا بعد 6 أشهر، لكن يمكنني استقبالكم في مكان آخر فورا»! وما يفعله غير مقبول -بغض النظر عن مستوى المريض المادي أو الاجتماعي- لأن فيه استغلالا لحاجة الناس، لكنه ينزل إلى درجة أدنى من الوضاعة حين يقولها لمريض بادية على وجهه وثيابه علامات العوز والحاجة. هذا إنْ افترضنا أنه طبيب جيد ولكنه استغلالي، الأسوأ أن يكون طبيبا سيئا وفوقها استغلالي، فيكون قد جمع الطامتين. وبعكس المعلم فإن الخسارة المادية هنا أكبر، لأن الإنسان قد يخسر حياته بسبب الإهمال الطبي من الأطباء السماسرة.

هناك أيضا التجار وأصحاب الأعمال الذين يدلسون في المواد الغذائية، ويجعلون الإنسان يشتري السموم بـ»حُرّ ماله»، أو المقاولين والمهندسين ممن يغشون في مواد البناء والتشطيبات، فالمواطن المسكين الذي دفع «تحويشة» عمره مع قرض من البنك ليشتري بيت العمر، قد يكتشف في جدة مثلا أنه اشترى مسبح العمر! فما أسرع ما تداعى المنزل وخر السقف مع أول قطرة مطر، بل ومن دون الأفكار فإن تمديدات المياه الرديئة قد أغرقته.

كذلك الموظفون في المرافق الحيوية، كشركات المياه والكهرباء والاتصالات وغيرها، ممن يستطيعون تسريع أو تأخير -إلى ما شاء الله- وصول الخدمات الأساسية لطالبيها ومحتاجيها، وذلك أحيانا لتحقيق منافع نقدية أو عينيه.

الفساد أيضا، هو أن يتوظف في الجامعة والمؤسسات الحكومية عامة، من ليس أهلا لها، وإنما من يوصله لقبه بها، وبعد أن يتوظف تُفرش له الورود ليصل إلى أعلى المراتب والمناصب، على حساب الأجدر والأقدر والأكفأ، فيهمش المميز ويبرز المتواضع، إما لمصلحة مباشر لمن بيده الأمر، أو لكراهية «أو خوف!» بسبب أو من دون سبب للشخص الأنسب لهذا المنصب.

ومن أنواع الفساد البشعة، هو ذلك الذي يتحقق عبر تدمير سمعة الآخرين والتحريض عليهم، وممارسة كل أساليب التدليس والكذب والافتراء. وللأسف، نحن في عصر يتيح للمرء أن يسيء إلى الآخرين وهو يختبئ بجبن خلف لوحة المفاتيح.

فكل الأدوات التقنية تتيح لك القيام بعملية اغتيال شخصية معنوية بسهولة مطلقة عبر «حملة تلطيخ»، وهو ما يعرف في الغرب بـ»smearing campaign»، ويستخدمها بعض السياسيين ضد خصومهم في الانتخابات المهمة، ولكنها باتت تستخدم لدينا للأسف للإساءة إلى الأفراد العاديين، أو لمن لديهم شعبية في مجتمعهم.

ونظرة واحدة على الوسوم «الهشتاقات» اليومية سنجد أنه قلما يمر يوم لا يتعرض فيه شخص لحملة تنمر إلكترونية جماعية لأسباب واهية، كالاختلاف في الرأي، أو التباين الفكري، أو لأسباب عنصرية، أو تنافسية، أو حتى لمجرد الحقد والحسد.

من السهل والمريح التفكير في الفساد على أنه شيء لا علاقة لنا به، فهو خاص بالأثرياء وعِلية القوم، وبالتالي يقع على عاتق الدولة وحدها، ممثلة في أشرعتها التنظيمية والتشريعية والتنفيذية، التصدي له. لكن الحقيقة تقول إن كل واحد فينا مطالب بالتصدي للفساد، في نفسه وأهل بيته أولا، ثم في مجتمعه وبيئة عمله وحياته.

فليحاسب المرء نفسه قبل أن يُحاسَب. فمفتش الدنيا قد يغفل عنك، لكن كيف ستنجو من حساب يوم الحساب؟


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 19, 2017 01:20

November 1, 2017

لماذا يتطلقون

نشرت صحيفة الوطن يوم الأحد خبراً بعنوان «6 عقود زواج و3 طلاق كل 4 دقائق في محرم». والخبر كما ترون لا يحتاج إلى شرح، فهذه البيانات هيdivorce من تقرير وزارة العدل الذي تصدره دورياً. الزواج يظل أمراً طبيعياً وفطرياً، وهو غالبا حدث سعيد تفرح به العائلة وبه يستقر المجتمع. لكن ماذا عن الطلاق؟ الذي هو غالباً العكس تماماً، معاكس للفطرة، ومصدر تعاسة للزوجين والأهل والأبناء، وضرره متعد للمجتمع بأكمله سواء اجتماعياً أو نفسياً أو مادياً. مما يجعلنا نطرح السؤال لماذا يتطلقون؟

أتمنى لو تتلقف وزارة الشؤون الاجتماعية مثل هذه التقارير لتنطلق منها في إجراء بحوث مسحية على هذه الحالات. فمن ناحية نحن نحتاج لمعرفة أسباب هذا الطلاق، لنحاول الحد منه ومن تبعاته، حتى لو عبر منع وقوع بعض الزيجات ابتداء. ومن ناحية ثانية، سيوفر ذلك فرص عمل كثيرة لخريجي وخريجات التخصصات الاجتماعية كعلم الاجتماع، وعلم النفس، ورياض الأطفال، وغيرها. إذ إننا كثيراً ما نتهم هذه التخصصات بأنها عديمة الجدوى، فيما الحقيقة هي أننا نحتاج أبحاث هذه التخصصات بشدة لنصلح من أحوال مجتمعنا ولنبني خططنا المستقبلية.

ومن الأسئلة التي دارت في بالي حين قرأت الخبر الذي نشرته الصحيفة فيما يتعلق بحالات الطلاق الكثيرة هي: هل كان يمكن التنبؤ بوقوع مثل هذه الحالات؟

هل كان الزوجان ناضجان وجاهزان إلى حد ما؟ وهل كان الفارق العمري بين الزوجين كبيراً أم صغيراً؟ كم نسبة زواج القاصرات؟ هل كان زواجاً بالإكراه؟ بمعنى أن الرجل أو المرأة مجبران على التوقيت أو على الشريك؟ ما المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي والمادي لكل منهما؟ وهل هما متكافئان أم شبه متكافئين أم مختلفان بالكلية؟ هل هناك تشابه في مستوى التدين؟ أو في القيم والأعراف والتقاليد والأخلاق؟ هل الزوجان يحملان نفس الجنسية؟ هل هما من نفس المدينة أو المنطقة أو القبيلة؟

أي أن ما نود معرفته هل ابتدأ الزواج على أسس سليمة تؤهله ليزدهر؟ أم أنه كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية؟

ثمة أسئلة أخرى تبرز حينما يأتي الحديث لأسباب الطلاق ذاته: هل كان رغبة منفردة أم قراراً مشتركاً؟ هل كان أمراً خاصاً بالزوجين كعدم الحب أو عدم الانسجام والتوافق؟ أم أنه نتيجة لتدخل الأهل والأصدقاء والصديقات؟ هل نتج عنه أطفال؟ هل كان لإنجابهم السريع دور في هز أركان العلاقة الزوجية الجديدة أم أن العكس هو الصحيح؟ أي أن عدم الإنجاب كان سبباً في فض العلاقة. هل عانى أحد الطرفين من أمراض وقتية أو مزمنة أو كان تحت تأثير الإدمان أو الكحول؟ هل ساهمت الأوضاع المادية الصعبة كالفقر أو البطالة في هدم هذه الأسر؟ هل كان للتقنية وغيرها من المستجدات تأثير؟

هل يمكن أن يسهم التعدد في الطلاق؟ بمعنى هل كان الزواج الثاني للرجل سبباً في وقوع الطلاق في زواجه الأول؟ في هذه الحالة هل يصح استمرار الحث عليه دعماً للأرامل والمطلقات كما هي الحجة المعهودة؟ أم أنه هو نفسه قد يكون سبباً في ازدياد عدد المطلقات؟ هل تقام البيوت الجديدة على أنقاض أخرى؟ وهل يكون هذا الزواج الثاني في هذه الحالة مستحباً أم مكروهاً؟

وقبل أن يحصل الطلاق، هل كانت هناك محاولات جادة للإصلاح؟ هل لجان إصلاح ذات البين الحالية مؤهلة للقيام بهذا الدور؟ أم أننا نحتاج إلى برنامج متكامل يشرف عليه استشاريون من تخصصات نفسية واجتماعية وطبية ودينية، بحيث يجلس المختص مع الزوجين، لاسيما إن كان بينهما أطفال، لا ليحاول ثنيهما عن القرار، وإنما لفهم أبعاد المشكلة، فهل هي مما يمكن تجاوزه في العلاقات الزوجية؟ أم أنهما وصلا مرحلة اللاعودة؟ بعد ذلك تُعرض عليهما الخيارات المختلفة والحلول الممكنة ويترك لهما القرار.

قد يستخف البعض بهذه المقترحات ويراها مضيعة للوقت، لكنني أعرف شخصياً سيدة كانت قد اتخذت كل الإجراءات للبدء في عملية الانفصال، فاستأجرت بيتاً منفصلاً وغيرت مدارس الأبناء، ثم قررت أن تخضع هي وزوجها لجلسات استشارات زوجية ونفسية قبل اتخاذ القرار النهائي. فعرف كل منهما خطأه من خلال طرف محايد، ونتيجة لذلك اتخذا قرارهما بالعدول عن فكرة الانفصال والمحاولة من جديد، بالرغم من كون الزوجة مستغنية مادياً ومعنوياً عن زوجها.

إن كل سؤال من الأسئلة المطروحة آنفاً في المقال قد يصلح موضوعاً لرسالة ماجستير حول أسباب ازدياد الطلاق في المجتمع السعودي، بل ولعل كل بضعة أسئلة قد تصلح موضوعاً لرسالة الدكتوراه. ولن تكون دراسات عبثية لا يستفيد منها أحد، إنما توصيات مدروسة مبنية على أسس علمية صحيحة يمكن أن تسهم في أمن وسلامة واستقرار مجتمع.

يفرح مجتمعنا كثيراً بالزواج، حتى لو كان واضحاً بأنه بُني على أسس خاطئة، فقبل عام تم الاحتفاء بزواج طالب في المرحلة المتوسطة، لم يخط شاربه بعد! وقبل أيام تم الاحتفاء بإنجابه مولوده الأول وهو بالكاد بلغ السادسة عشرة، وزوجته بالتأكيد أصغر منه، فماذا يفعل هذان المراهقان مع بعضهما ومع هذا الطفل؟ هل كان لديهما الوعي لاتخاذ قرار الزواج أصلاً؟ وإذا كانا قد أثبتا أن لديهما القدرة الجسدية، فهل لدى الزوج القدرة المادية والعقلية لإدارة بيته وتربية أولاده؟ هل يدرك معنى الأبوة وحجم المسؤولية؟ أتكلم عن الزوج تحديداً لأن زواج القاصرات من النساء (ما دون 18 سنة) ليس بأمر مستغرب. والجواب غالباً لا، فهو متكل على أسرته، والتي ستظل تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياته، وهذا قد يكون لاحقاً سبباً من أسباب الطلاق لا قدر الله.

الطلاق أبغض الحلال عند الله، ويترك شروخاً مجتمعية كبيرة، ويخلف آثاراً نفسية عميقة قد يظل ضحاياها يعانون منها بقية حياتهم، ولهذا يستحق كل اهتمام ممكن للحد من وقوعه أو تقليله على أقل تقدير. وهو لا يقل أهمية عن حل مشكلتي البطالة والإسكان، بل ربما أهم منهما، فكل منها يتأثر بالآخر، وفي النهاية ما فائدة بيوت من حجر لا تفرح بداخلها الأسر؟


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 01, 2017 22:40

مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.