مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 3

October 28, 2017

أبناء السعوديات هل يستحقون الجنسية؟

saudi_women_children2017


الجنسية لأبناء المواطنة السعودية موضوع قديم متجدد ما دام لم يصدر فيه قرار يحسم معاناة الكثيرات. بداية نلاحظ أن القضية لا تتعلق باستحقاق الجنسية لمن أحد والديه غير سعودي، وإنما فقط لمن أمه سعودية، أما أبناء السعودي فيستحقون الجنسية، حتى لو لم يكن له علاقة بهم إلا نطفة ألقاها. وليترك المسؤولية لسنوات طوال بعدها على سفارات بلادنا، والتي تصطف الأمهات على أبوابها مع صغارهن من ذكر لا يعرف معنى الرجولة أو الأبوة. فأبناء السعودي حتى لو لم يزوروا البلد، أو يتحدثوا العربية، أو لم تكن أمهم مسلمة، فإنهم عرفاً وقانوناً مستحقون لها. وكأننا نتحدث عن نسب شرعي وليس عن قوانين إدارية تنظيمية. فلماذا يختلف الوضع عندما يتعلق الوضع بأبناء مواطنة سعودية متزوجة برجل مسلم وغالباً عربي، بل وفي أحيان كثيرة من مواليد هذه البلاد؟

معظم التشريعات التنظيمية والقانونية تخرج من رحم مجتمعاتها، ومجتمعنا مجتمع ذكوري رغم كل التطور الظاهري، وهو ابتداء لا يرى أن الرجل والمرأة متساويان في المواطنة، بل الرجل هو الأصل والمرأة فرع تابع له، وتستمد قيمتها وحقوقها من انتمائها له كابنة أو زوجة أو أخت أو أم، لكنها ليست فرداً مستقلاً حر الإرادة. ولذلك ليس من المستغرب أن تختلف التنظيمات الإدارية المتعلقة بها، فلا يُجنس أبناؤها، ولا يحق لها مثلاً التقدم بطلب للحصول على مسكن أو قرض إلا في حالات خاصة، وغير ذلك من الأمور.

فنظراً لكون المرأة في العقل الجمعي تابعة، فهي جزء من العائلة أو القبيلة، التي تختار لها ما يناسبهم حتى في الزواج، فإن خروج امرأة عن هذا السياق واستقلالها في اختيار زوج لا تنطبق عليه مواصفات المجتمع، حتى لو كان برضا أهلها، هو أمر يشبه الجريمة لدى البعض. وحينما ترتكبين جريمة «مجتمعية» مثل الزواج بغير سعودي فيجب أن تكوني مستعدة للعقوبة، فستواجهين نبذ هذا المجتمع وإن كان بشكل غير مباشر، وذلك عبر لفظ أبنائك وتعقيدات حياة أسرتك. هؤلاء يشعرون بأن الزواج بغير سعودي يطعن في رجولة المواطن، فهم يقولونها سراً وعلناً «خلصوا السعوديين مثلاً؟!» وبالنسبة لهم من المنطقي جداً والمفضل أن تكوني زوجة رابعة لسعودي، أو حتى زوجة مسيار له، على أن تكوني ملكة في بيت وقلب «أجنبي».

ولأنهم يرون المرأة خفيفة العقل ومحدودة التفكير فهم يظنون أن هذا مدخل للاستغلال، فسيتم الضحك عليها من أجل الجنسية، وكأن النساء وأهاليهن ليست لديهن مقدرة على تمييز الطيب من الخبيث! مثل هذه الحالات حصلت وتحصل في كل مكان، بل وحصلت أكثر فيما يتعلق بزواج الأجنبيه بسعودي، لكنها تظل حالات محدودة والشاذ لا حكم له.

ومع أنه لا يُفترض أن يبرر المرء لأحد خياراته الشخصية جداً مثل الزواج، لكن من أجل توضيح عدالة القضية، فلا بأس من ذكر بعض المبررات، ومقارنة الأمر بوضع السعودي المرتبط بغير سعودية، والتي بالمناسبة ليس لدي أي اعتراض لمنحها أو منح أولادها الجنسية. فالرجل هو من يقرر الزواج في الوقت المناسب له، ويقرر من يخطب، بينما الحالة مختلفة كلياً لدى المرأة التي عليها أن تنتظر الخاطب المناسب وقتما يجيء. والرجل المقتدر مادياً يظل مؤهلاً ومرغوباً للزواج حتى أواخر الأربعينات من عمره، بينما المرأة ما إن تبلغ الثلاثينات حتى يعتبرها المجتمع عانساً.

الرجل قد تخطر في باله مواصفات شكلية معينة أو جنسية معينة، فيسافر لتلك البلاد ويتزوج منها، ولا يحتاج

إلا لإذن الداخلية، بينما لم نسمع عن امرأة سعودية سافرت بغرض البحث عن عريس! وحتى لو فعلت فهي تحتاج موافقة وليها (للسفر ناهيك عن الزواج)، وبقية أفراد أسرتها، ومن ثم الداخلية، حتى يتم هذا الأمر، الذي هو ليس سهلاً ولا ميسراً. فلماذا إذاً تتزوج السعودية بغير سعودي؟

الأسباب كثيرة، منها أن يكون قريباً لها، كأن يكون ابن عمها، ولدينا أسر كثيرة لم يتجنس كل أفرادها ومع ذلك يستمر العرف العربي القديم في الزواج بابن العم. وقد تكون أمها غير سعودية وترغب في الارتباط بابن خالها، وقد تكون امرأة ناضجة متعلمة تعليماً عالياً ولم يتقدم لها من يكافئها في العمر أو المكانة سواه، أو ربما تقدم لها ولكن

لم يحصل بينهما توافق أو انسجام. ولعله سبق لها الزواج أو لديها أطفال، وهي عوامل تقلل من جاذبية المرأة للزواج في مجتمعنا للأسف الشديد. وقد يكون حصل استلطاف قلبي أو توافق عقلي بينها وبين زميل عمل أو دراسة في الخارج، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لم ير للمتحابين مثل النكاح)، فالإنسان لا يختار من يهواهم قلبه، وإنما الله عز وجل هو مؤلف القلوب.

وفي كل الأحوال فإنه زواج على سنة الله ورسوله، مكتمل الأركان والشروط، وما دام الزوجان راضيين ومستقرين فليس لأحد أن يفرق بينهما أو يُصعب حياتهما. والمرأة أكثر التصاقاً بأرضها وقومها، والأم هي من ترضع العادات والتقاليد والقيم وحب الوطن مع حليبها، فأبناؤها وبناتها أقرب لقيم المجتمع من غيرهم. وفي هذا

رد على من يقول بأن التجنيس سيغير التركيبة السكانية للشعب، وكأننا نتحدث عن الشعب الآري في ألمانيا النازية، فكلنا مسلمون وجلنا عرب.

الحجة الأخيرة، وهي أن ذلك سيساهم في زيادة بطالة السعوديين، متناسين أن منح الجنسية يدخل ضمن الحقوق الإنسانية، والتي قد تخضع لشروط محددة مثل الدين أو اللغة أو سنوات الإقامة، ولكنها لا يجب أن تخضع لحال السوق ومشكلاته الاقتصادية، التي هي أمور متغيرة ومتحولة.

إن الدولة التي أنصفت النساء مؤخراً في واحدة من أكثر القضايا جدلاً وهي قيادة المرأة، قادرة – بإذن الله- وجديرة بأن تنهي معاناة المرأة السعودية بإعطاء الأمن والأمان لأبنائها عبر منحهم جنسيتها بغض النظر عن جنسية أبيهم. فالنسب للأب شرعاً وعرفاً وقانوناً، أما الجنسية فهي تنظيم إداري يحق لأي مواطن أو مواطنة توريثه أو هكذا يُفترض!

المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 28, 2017 23:56

October 14, 2017

التعايش مع الحقبة الجديدة

femiتغييرات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية بتشريعات حكومية نشهدها هذه الأيام، والأغلب أنها سوف تتواصل في المرحلة المقبلة. وهو أمر كان متوقعاً حصوله وإنما ليس بهذه السرعة وبهذا الحسم. ولعل التغييرات الاجتماعية هي الأكثر أهمية وإثارة للجدل بالنسبة للمجتمع السعودي، وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة. فبعد أن تم كسر الصنم الأكبر و«التابو» الأعظم وهو السماح بقيادتها للسيارة، فإن حسم الأمور الأخرى لا يعدو كونه مسألة وقت. وبالنسبة للمطالبين والداعمين لحقوق الناس عامة والنساء خاصة، فإن هذه أخبار مبهجة تفتح باباً للتفاؤل بالمستقبل كان منتظراً. وبالنسبة لأولئك المنحازين دائماً وأبداً للحياد أو للوقوف في منتصف الطريق بين الفريقين، فهؤلاء سيتكيفون كعادتهم مع الأوضاع الجديدة دون مشكلات تذكر. ويتبقى الفريق الرافض والممانع، والذي أمضى عقوداً مؤمناً بأفكاره بأن مكان المرأة في المقعد الخلفي، وفي قعر المنزل، وفي الصف الأخير في أي تجمع بشري. بل إنه عمد على نشر هذه الأفكار، فعلمها لأولاده، ونشرها بين طلابه وأهله ومجتمعه. فكيف سيواجه هذا التغيير الجديد؟

لاشك أن تغيير القناعات ليس بالأمر السهل، بل لو أن عملية تغييرها كانت سهلة لما صح أنها قناعات، وإنما مجرد رداء تسربل به ليكسب الإعجاب أو المناصب أو الاحترام في بيئة بعينها. وأمثال هؤلاء موجودون وانكشفوا يوم صدور القرار برفع الحظر عن القيادة، إذ انتقلوا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بين ليلة وضحاها! فخسروا احترام أنفسهم قبل الآخرين.

وإنما الحديث عن الذين يعتقدون جازمين أن دور المرأة الحقيقي، هو ذلك الدور الذي تم محاولة حصرها فيه خلال الأربعين سنة الماضية، بحيث يفضل أن تبقى في المنزل، وعلى هامش الحياة العامة، وإن كان ولا بد من خروجها، فبشروط وقيود، وإن كان لا بد من عملها ففي مجالات بعينها كالتعليم والطب. ومع أن المرأة السعودية قاومت الحصار والتعنت، وفتحت لنفسها أبواباً وآفاقاً جديدة في العلم والعمل، إلا أن الثمن كان مواجهة تحديات كبيرة اجتماعية وعملية. المشكلة الأكبر التي يعيشها هؤلاء الممانعون هي وجود تبريرات دينية لأفكارهم الشخصية، وتم لي أعناق النصوص أحياناً لتبرير التعامل مع المرأة كمواطن يستحق حقوقاً أقل، وتقديس التقاليد الجاهلية تحت غطاء إسلامي، وحينما يتعلق الأمر بالدين والاعتقاد فلا شك أن الأمر يصبح أكثر تعقيداً، فكأنما أنت تطالب شخصاً بأن يبدل إيمانه. والمشكلة أنهم كانوا يتجاهلون النصوص الأخرى التي تخالف وجهات نظرهم، ويرفضون الاستشهاد بالممارسات التقدمية للمرأة العربية المسلمة في القرون المفضلة، بدعوى أن الزمان قد تغير وأننا في زمن فتن وبالتالي يستلزم تشريعات وتنظيمات أكثر حزماً.

السبب الآخر الذي يجعل الأمر أكثر صعوبة عليهم، هو أن المبررات لم تكن دينية فحسب، إذ يخطئ من يظن أن التيار المتشدد أو تيار الصحوة وحده كان – أو لا يزال – معارضاً لحقوق المرأة. فهناك ممانعات قبلية واجتماعية، وحتى حكومية، وإلا لما استطاع الخطباء والكتاب والمعلمون وغيرهم نشر تلك الأفكار دون محاسبة. بل إن بعض الأنظمة هي التي كانت ولا تزال تنظم عدم قيادة المرأة، وعدم سفرها دون موافقة ولي أمر، وعدم قدرتها على تجديد جواز سفرها – حتى مع وجود حساب لها في أبشر- إلا عن طريق ولي أمرها، وهي التي تضع المناهج التعليمية والتنظيمات المدرسية والجامعية، وأمور أخرى كثيرة.

فالإنسان في الأخير ابن بيئته، فالموقف المتشدد من المرأة قد تربى عليه في بيته، وتعلم عنه في مدرسته، واستمع له في مسجده، وتعامل به مع مؤسسات دولته، فكان هذا هو الوضع الطبيعي بالنسبة له، وهذه الأفكار مسلمات لا يعتد بغيرها، بل إن المتوقع أن تكون غالبية الناس، خاصة من غير المتضررين (أي الرجال) بنفس هذا التفكير. والذين شذوا فذلك لانفتاحهم على أفكار شخصية إما برغبة شخصية أو نتيجة للظروف الحياتية البيئة الخاصة والتي رافقت نشأتهم.

ومع أن على هذه الفئة أن تواجه مشكلاتها بنفسها، وتجتاز التحديات الجديدة بأقل الخسائر، وهي تحتاج وقتاً كافياً، فلن يكون مستوى التقبل واحداً لدى الجميع. أما واجبنا كمجتمع وكمثقفين هو أن نساعدهم عن طريق بيان بأننا جميعاً نبحث في النهاية عن الأصلح لمجتمعنا، وعدم تصوير القضية على أنها انتصار لجماعة ضد أخرى، أو تغلب تيار علــى آخر، كما قام به للأسف بعض الكتاب ومشاهير المغردين. فهدفنا في النهاية مجتمع آمن مسالم مترابط ومتجانس رغم الاختلاف الطبيعي بين البشر، وليس مجتمعا محتقنا متشنجا يبحث المرء فيه عن زلات أخيه. مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية بين الناس بغض النظر عن جنسهم أو أية اعتبارات أخرى.

ولعلها فرصة لنتعلم جميعاً أن التعصب لا يأتِ بخير، وأن أخذ مواقف متشنجة في قضايا غير مصيرية لا مبرر له، وفي القضايا التي يكون فيها فريقان لكل منهما حججه القوية، فليس مطلوباً منا الانحياز لأحدهما بالمطلق، فالحياد في حد ذاته بطولة أحياناً.


 


المقال في جريدة الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 14, 2017 07:52

October 8, 2017

القيادة نحو القمة

كنت في الصف السادس الابتدائي حينما وزعت علي طالبة أخرى ورقة كتب عليها بالآلة الكاتبة أسماء مجموعة من السيدات (وأزواجهن) تحت عنوان drivingمشين يوحي بأنهن قمن بفعل مسيء للدين والوطن. وقد كان ذلك الفعل هو قيادتهن للسيارة عشية حرب تحرير الكويت في العاصمة الرياض، وقد عرفن لاحقا بنساء «نوفمبر 90». كانت المرة الأولى التي أقرأ فيها كلمات مثل: علمانية وليبرالية، ولم أعرف معناها ولا لماذا تم وصفهن بها. وفي وقت لاحقا في ذلك الأسبوع استمعت لنقاش حاد بين معلمتين حول القضية، إذ كانت إحداهن مع رفع الحظر والأخرى ضد. بات عقلي مشوشا، إذ لم أعرف أيهما -وأنا يومها ابنة العاشرة- على صواب، ولم أستطع في ذلك الوقت تكوين رأي خاص بي. فقد كنت معتادة على رؤية المرأة وهي تقود السيارة في بريطانيا وأنا طفلة. وفي نفس الوقت كان هذا الأمر في السعودية من المحظورات العظام.

ستمضي السنون، وككل المطالب المشروعة فإن القضية لن تموت، وستستمر المطالبة بالقيادة وتناول هذه القضية من فترة إلى أخرى، رغم كل اللعنات الاجتماعية والمشكلات القانونية التي ستتعرض لها من تتبنى القضية.

آنذاك كان تيار الممانعة قويا، حتى إنني وجدت في دفتر مذكراتي وأنا مراهقة صفحة أتكلم فيها عن مخاوفي من انتشار الفساد في بلاد الحرمين فيما لو سُمح -لي ولزميلاتي- بالقيادة! وستكون هذه القضية واحدة من أكثر القضايا حدة التي ناقشتها مع زميلاتي في سنتنا الجامعية الأولى، وعدت حزينة إلى البيت لأنني اكتشفت أنني أدرس وسط مجموعة من النساء الداعمات للفساد!

وأنا إذ أسترجع هذه الذكريات اليوم أغفر كل ذلك لنفسي، فأنا ابنة جيل ولد وترعرع في عز سنوات التطرف والانغلاق محليا ودوليا، زمن الحروب والتجاذبات السياسية والدينية، فقد سبقت مولدنا أحداث جسيمة هزت المنطقة؟، ابتداء بالثورة الخمينية في إيران، واحتلال جهيمان العتيبي الحرم المكي الشريف، والغزو السوفيتي لأفغانستان، ومن ثم شهدنا اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، واحتلال الكويت! فالخطاب الاجتماعي والديني وقتها كان يميل للانغلاق وللرأي الواحد، حتى الاختلاف الفقهي التاريخي بين المدارس السنية المعتبرة ما كان محبذا أو مقبولا وقتها.

ثم دخل الإنترنت للمملكة، وبدأنا لأول مرة ننفتح على آراء أخرى وأفكار متنوعة، وبدأت البعض يتشجع في طرح القضايا الساخنة عبر الإعلام الرسمي هذه المرة. وأذكر أن جريدة الوطن السعودية كانت أول من طرح هذه القضية للنقاش بشكل علني في الصحافة السعودية، وكنت يومها طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، وتابعت القضية باهتمام. ومع أن باب النقاش أغلق بعد فترة، ومع أن الضغط الاجتماعي سيجعلني أتحرج من طرح القضية بشكل مباشر في بداياتي عندما صرت أنا كاتبة في «الوطن»، إلا أن طرح الموضوع للنقاش العلني كان قد أزال الكثير من الهالة المخيفة المحيطة بهذا الموضوع، وكأنما لوحة «ممنوع الاقتراب» قد أزيلت وحل محلها لوحة أخرى «ممنوع اللمس» فحسب.

ستمضي الأيام، وستتصاعد المطالبات وستروج الشائعات عن قرب تمكين المرأة من القيادة، وسيكون هناك تراشق إعلامي بين الأطراف التي تملك رؤى مختلفة حول القضية، وغالبا ما كان هناك كذلك شجب لها من على المنابر، لكن رويدا رويدا فقدت القضية مبررها الشرعي (أقوى عقبة)، وبقيت في إطارها الاجتماعي المتصلب.

وستخرج البعثات التي تضم نساء هذه المرة وستحصل العديد من السعوديات على رخص قيادة من مختلف دول العالم العربية والأجنبية، وكنت واحدة من هؤلاء. ومع أنني تعلمت القيادة لكي أستفيد من ذلك أثناء حياتي في بريطانيا، إلا أن شيئا ما في داخلي كان يخبرني بأن هذه المهارة ستلزمني يوما حتى بعد العودة إلى الوطن. كان ذلك التبرير الذي سقته لنفسي لأبرر المصاريف الأسبوعية المتزايدة لدروس القيادة، ومن ثم الاختبارات النظرية والعملية. كنا نعرف أن هذا اليوم سيأتي، فلا يضيع حق وراءه مطالب، كما أن أحدا لا يستطيع الوقوف للأبد في وجه الحاجات الأساسية للإنسان، ومنها حقه في التنقل بالوسيلة التي يراها مناسبة.

شخصيا، وعن تجربة، قد لا أحب القيادة خاصة في الطرق المزدحمة، وحركة المرور في جدة غير مغرية أبدا، وأفضل عليها المواصلات العامة مثل المترو. لكنني سعيدة بأن يكون هذا الخيار متاحا لي ولغيري اليوم بعد صدور الموافقة الملكية الكريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على منح النساء السعوديات هذا الحق ورفع الحظر السابق عنهن. أمر ما زلت أنا والكثيرات مثلي لم نستوعبه بشكل كامل، فقد قيل لنا كل حياتنا بأن تحققه شبه مستحيل، وأن علينا أن ننتظر اقتناع مجتمع، هو مقتنع بالأصل بأننا أخذنا حقوقنا وزيادة، وقد تجد بكل بساطة امرأة تبرر بكل قناعة كل التهميش أو الظلم أو الإجحاف التي عانت منه النساء السعوديات، أو شرائح منهن، ممن لم ترزق بعائلة محبة داعمة ورجال تشد بهم ظهرها. كنا نعرف بأن القرار تحت الدراسة، ولكن أكثرنا تفاؤلا لم تتوقع صدور القرار بهذه السرعة وهذه السلاسة، مما جعلنا نعاني مما يشبه صدمة الفرح!

وبعد أن نستفيق قريبا من هذه الصدمة الجميلة، ندرك أنه ما زالت تنتظرنا عقبات اجتماعية وحتى عملية ولوجستية كثيرة. مثلا المواقف المصممة في الجامعات والمدارس وكافة مرافق العمل ذات الفروع النسائية والرجالية في نفس المكان، مصممة للذكور فقط وعلى عددهم، فمضاعفة ذلك العدد فجأة قد يكون تحديا صعبا في مساحات محدودة، لكن نتمنى أن تكون هذه المؤسسات والمرافق والشركات على قدر المسؤولية، فتبحث عن حلول جذرية تتحقق فيها المساواة، ولا تعمد إلا توزيع هذه المساحات على الرجال دون النساء، بعض الموظفات دون غيرهن تحت حجج واهية. والأمر نفسه بالنسبة للطالبات والطلبة في الجامعات لا بد أن تكون هناك نسبة وتناسب بين الأعداد المتاحة لكل شطر.

ندرك أن التحديات ما زالت كثيرة، لكننا ندرك أيضا أن قافلة المرأة السعودية المنطلقة للأمام نحو القمة قد انطلقت، ولن يوقفها شيء، بإذن الله.


 


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 08, 2017 04:28

October 1, 2017

في يوم الوطن: أن تكون وطنيا

articleأمضى السعوديون يوم السبت وليلة الأحد وهم يحتفلون بيومهم الوطني السعودي، مظاهر الفرح كانت بادية بشكل كبير، حتى لتبدو غريبة حد الدهشة على أولئك الذين عاشوا ردحاً من أعمارهم – مثلي- بدون أن يكون هناك تقريباً أي نوع من الاحتفاء بهذا اليوم.

هؤلاء الذين مازالوا يحاولون استيعاب أن يكون اليوم الوطني نفسه إجازة! مظاهر الفرح كانت مختلفة هذا العام كونها ترافقت مع عودة الناس والطلبة خصوصاً من إجازة طويلة، وصعود المنتخب لكأس العالم، وبداية السنة الهجربة، وتطور نوعي في مستوى الاحتفالات، مما جعل الجو متخما بالتفاؤل بالبدايات وتحقيق الأمنيات الفردية كما الجماعية.

حمى اللونين «الأبيض والأخضر» غزت كل شيء، بعض ذلك كان أمراً جميلاً، والبعض الآخر كان ربما محاولات غير موفقة. مثلاً لا يرغب معظم الناس بأكل طعام أخضر (مثل البرغر!) -إلا ملوخية فتلك استثناء جميل- ولا أعتقد أن عرض الملابس الداخلية النسائية على واجهة المحلات وقد اكتست بهذين اللونين مع وشاح عليه السيفان والنخلة وكُتب عليه: «كلنا فداء للوطن»! كان مشهداً مناسباً للاحتفال بهذه المناسبة المميزة. وهذا يجعلنا نصل إلى موضوع «تسليع اليوم الوطني».

منذ سنوات والناس في الغرب يتبرمون من تسليع مناسباتهم الدينية والاجتماعية سواء كان الحديث عن عيد المسيح عليه السلام (الكريسمس) أو عيد الفصح (الايستر) أو عيد الحب (الفالنتين)، إذ تحولت هذه المناسبات من أوقات للعائلة وللعطاء والمشاعر الإنسانية الرفيعة إلى مناسبات استهلاكية لا تكتمل إلا بحمى الشراء وصرف آلاف الدولارات على الكماليات والتباهي. اليوم بدأت أشعر بأن الأمر عينه يتكرر مع يومنا الوطني، حيث سارعت الشركات باستغلاله تجارياً إلى أقصى حد ممكن. فاصطبغت الشعارات بألوان الوطن، وقدمت العروض «الخضراء» والتي كان بعضها حتى غير حقيقي، وغيرت شركات جوالات أسماء شبكاتها، وكأنها تريد أن تلعب على المشاعر الوطنية الجياشة في هذه الفترة لتجد لنفسها مكاناً في قلب وعقل المستخدم. فكأنما وطنيته لا تتحقق إلا بشراء هذه المنتجات السعودية (إن كانت سعودية فعلاً)، أو بالتعامل مع هذه الشركات الوطنية.

كل هذا سيكون جميلاً لو كانت هذه الشركات:

1) تقوم بعملها بشكل جيد كل يوم عن طريق تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة مرفقة بخدمة عميل (ما بعد البيع) رفيعة تجعل المرء يفخر بالمنتج السعودي والشركات المحلية

٢) لو أنها تقوم بخدمة المجتمع وتطبق المسؤولية المجتمعية بشكل حقيقي كما تفعل نظيراتها في الدول المتقدمة.


مثلاً هل تستطيع شركات الاتصالات منح شريحة مجانية وفواتير مدفوعة لسيدة مسنة فقيرة تعيش وحدها، وتحتاج للتواصل مع الآخرين للطوارئ أو حتى للحصول على احتياجاتها اليومية من البقالة؟ هل من الصعب أن تتكفل شركات الأغذية بالوجبات المدرسية للطلبة الفقراء خلال العام الدراسي؟ ألا تستطيع شركات النظافة والدهانات والأثاث والإنارة وغيرها أن تتبنى تنظيف وترتيب وتحديث بضعة بيوت في الأحياء الشعبية والفقيرة بمنتجاتها الجيدة؟ الأمر نفسه ينطبق على المدارس الخاصة وشركات المواصلات وغيرها، والتي تكون غالباً موجهة لمن يملكون المال، أما من لا يملكونه فقد سقطوا عمداً من أجندتها.

ما معنى الوطنية؟ وماذا يعني أن تكون وطنياً؟ الوطنية تعني أن تدعم وطنك وتسانده. وهل هناك مساندة أعظم من تبني قضايا الفقراء والمحرومين ودعمهم بما يجعل حياتهم أسهل وأجمل؟  بحسب ويكبيديا: «الوطنية مفهومٌ أخلاقي، وأحد أوجه الإيثار لدفعها المواطنين إلى التضحية براحتهم، وربما بحياتهم، من أجل بلادهم». رسالة يجب أن تصل إلى جل شركاتنا الوطنية، أو تلك العاملة في الوطن والمستفيدة من خدماته وخيراته، ولعلها تكون في صلب عروضهم «الدائمة والمستمرة» للأيام الوطنية، فكل يوم هو يوم للوطن.

وإذا نحينا الشركات والمؤسسات جانباً، واتجهنا بالبوصلة إلى الأفراد، فإننا سنجد مشكلة مشابهة. فقد نشأ جيل يعتقد بأن الوطنية محصورة فقط في ارتداء الأخضر والرقص بالأعلام على أنغام النشيد الوطني والأغاني الوطنية الحماسية، حتى لو كان معنى ذلك الانخراط في عمل غير وطني مثل تعطيل المرور وإغلاق الشوارع، أو ما تقوم به قلة قليلة من الشباب بالتحرش بالعائلات في الأماكن العامة.

وصدقاً لا مشكلة أبداً في أن نرتدي الأخضر أو نتوشح بالأبيض أو نتمايل على الأهازيج الحماسية أو نلوح بأعلامنا السعودية، المشكلة تكمن في قصر نظرتنا للوطنية على هذه الممارسات الوقتية القصيرة والمرتبطة بيوم واحد في السنة، بينما ليس في تصرفاتنا الأخرى أي سلوك وطني.

عندما تقصر في عملك أو لا تؤديه بالجودة التي تستطيعها، أو تأخذ ما ليس لك من أموال الدولة وممتلكاتها بحجج واهية، أو «تتوسط» لتنال أنت أو شخص قريب منك منصباً أو بعثة أو مقعداً جامعياً أو وظيفة دون وجه حق، أو عندما لا تحافظ على نظافة شارعك كما تحافظ على بيتك، أو عندما تهمل دراستك (في الداخل) أو «تمطط» بعثتك في الخارج دون دواعٍ علمية حقيقية، وبالتالي تسهم في هدر موارد الدولة، أو حينما تقوم بتصرفات غير لائقة مع مستخدميك أو ضيوف بلدك وتسيء إلى سمعة بلدك، أو تتورط في نشاطات معادية لبلدك أو يمكن أن تجر عليه مشكلات سياسية أو قانونية أو اقتصادية، أو حتى حين تسيء معاملة أهلك فتتسبب في تشتت الأسرة وخلخلة بنيان المجتمع، عندما تقوم بواحدة أو أكثر من هذه الممارسات، فأنت أبعد ما تكون عن الوطنية. أما إذا كنت تقوم بهذه الممارسات وأنت ترتدي شعارات الوطن وتغني نشيده وتلوح براية التوحيد الخفاقة فأنت لست غير وطني فحسب وإنما منافق كبير كذلك!

الوطن شيء كبيرٌ جداً..عظيمٌ جداً..ثمين جداً..وربما لا يعرف قيمته حقاً إلا من جرب لوعة الغربة والتشرد في المنافي والبعد قسراً عن الأهل والخلان. والوطنية ممارسة يومية في البيت والمدرسة والشارع والعمل بل وحتى خارج حدود الوطن، الوطنية أكبر من علم وأغنية وألعاب نارية.

الوطن أنا..الوطن أنت..الوطن نحن وأرضنا وتاريخنا وحاضرنا وأيامنا الجميلة القادمة.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 01, 2017 09:01

July 25, 2017

البوابات لأ

Aqsaمضى أكثر من أسبوع على أمر جلل نزل بالمسلمين، وهو احتلال قوات الدولة الصهيونية المسجد الأقصى، وإغلاق بواباته بشكل كامل، بعد أن احتلت فلسطين منذ 70 سنة والقدس منذ 50 سنة.

فعلى الرغم من كل الإجرام الذي مارسته قوات الاحتلال من ذبح وقصف وتشريد للفلسطينيين، وهدم بيوتهم وتجريف مزارعهم وتهويد ثقافتهم وسرقة تاريخهم وتراثهم، وحتى أكلاتهم، ونسبها إلى نفسها زورا، إلا أن المسجد الأقصى كان ما يزال تحت إدارة وزارة الأوقاف الفلسطينية. أمرٌ لم يكن الكيان الصهيوني سعيدا به، ولكنه سمح باستمراره حتى حين. فلا يخفى إلا على غبي أو متغابٍ أن هذه الدويلة الدخيلة لا ترغب في السلام الذي يضمن العودة إلى حدود ما قبل احتلال 1967، بل هي تريد التوسع أكثر في الأراضي العربية، وتعتقد جازمة من خلال خرافات تاريخها المزور، بأن لها هيكلا يهوديا لا بد من إحيائه وإخراجه من تحت الأنقاض، وهذا الهيكل -يا سبحان الله- يقع تحت المسجد الأقصى! فتدميره هدف إستراتيجي بعيد الأمد، خاصة أن أحد أهم أسباب تعلق المسلمين بفلسطين هو وجود أولى القبلتين وثالث الحرمين فيها، وإلا لضاعت كما ضاعت الأندلس ومدن عربية وإسلامية عدة.

ولأن دولة الصهاينة حقيرة وخبيثة، فقد قامت بعد بضعة أيام من الإغلاق بإعادة فتح بابين فقط من أبواب المسجد الشريف، ولكن تحت شروط مذلة وغير قانونية، لم يقبل بها الفلسطينيون. هذه الشروط تشمل وضع بوابات إلكترونية أمنية كتلك الموجودة في المطارات، وفي حال «رن» الجهاز، فسيخضع الشخص لتفتيش آخر بالأجهزة اليدوية، أو تفتيش يدوي مباشر، إن لزم الأمر، وهي بوابات تابعة بالطبع لقوى الاحتلال التي تشرف عليها. أي باختصار ستشرف الدولة العبرية اللقيطة على شؤون المسجد الأقصى، فتتحكم فيمن يدخل فيه أو يخرج منه، بل وتتحكم في أوقات فتحه وإغلاقه، وكل ذلك بحجة الأمن. وكأن المصلين سيقومون بتهريب الأسلحة إلى داخل المسجد أو استخدامه مقرا للعمليات الشجاعة ضد دولة العدو. وهم لن يفعلوا ذلك طبعا لحرمة المساجد، ومكانة الأقصى من جهة، ولعدم تعريضه للخطر وإعطاء حجة للصهاينة للاعتداء عليهم.

سيأتيك صهيوني متنكر في زيّ ولسان عربي ويقول لك: وما المشكلة في وجود البوابات إن كانت لحفظ الأمن؟

الجواب: إن هذا مسجد إسلامي، وليس معبدا يهوديا. نحن كمسلمين نقبل أن تكون هناك حراسة من قوات الأمن في بلداننا الإسلامية، كما يحصل في المسجد الحرام والمسجد النبوي، فنفتح حقائبنا كنساء بطيب خاطر للمفتشة ونقدّر عملها. لكن لا نتخيل مجرد تخيل أن يقوم شخص من خارج المملكة العربية السعودية بالإشراف على الحرمين، حتى وإن كانت دولة مسلمة أخرى. لأن الإشراف على المقدسات يعني السيادة الإدارية والتنظيمية عليها، وإن كانت بالطبع لا يعني التملك، فهي ملك لكل المسلمين، ولكن من يحكم منطقة الحجاز المباركة يدير المقدسات وينظم الحج، هكذا كان الحال منذ ما قبل الإسلام.

فالسياسة تتداخل مع الدين في هذه الجزئية، ولا يمكن عزل إحداهما عن الأخرى كما تحاول إسرائيل إيهامنا. وبالتالي فإن تسليم المقدسات الإسلامية للإدارة الصهيونية فعليا، والإدارة الفلسطينية شكليا، هو تنازل صريح عن القضية الفلسطينية برمتها.

فمن سيتنازل عن الأقصى هل يُتوقع منه أن يطالب بحدود 67؟ أو أن يتمسك بحق اللاجئين في العودة؟

الفلسطينيون فطنوا إلى هذا الفخ، وخرجوا زرافات ووحدانا، برجالهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ومرضاهم، خرجوا بمسلميهم ومسيحييهم، بقادتهم شيوخ الإسلام ورهبان المسيحية، ليرابطوا هناك في أرض الرباط في هذا الصيف اللاهب، ليقولوا بصوت واحد: لا للبوابات! فرفضوا دخول المسجد الأقصى من البوابات التي فرضتها سلطات الاحتلال وأقاموا صلواتهم في الساحات والشوارع والطرقات المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك.  ويا للعار، أن تقوم قناة عربية تبث باللغة العربية بنشر خبر يقول بكل بجاحة الأرض:

«قوات الاحتلال حاولت إقناع عشرات الفلسطينيين بالدخول إلى الأقصى!»، فهداهم الله هؤلاء الفلسطينيين الذين لا يسمعون كلام الصهاينة الكرام ويرفضون الصلاة في مسجدهم!

نوع آخر من الصهاينة العرب، عرف بأنه يستحيل قول قناعاته الراسخة دون أن يتعرض لسخط الجماهير وكشف أوراقه، فاختار تجاهل القضية تماما، والتركيز على أعداء الأمة الأكثر خطرا بزعمه. الجيد في الموضوع -ورب ضارة نافعة كما تقول العرب- أنه كلما بدت بوادر صلح مع الكيان الصهيوني، وكلما سرت إشاعات التطبيع مع العدو، تقوم دولة الاحتلال نفسها بتصرفات استفزازية تعيد إحياء القضية، وتعود إلى توحيد صفوف الشعوب العربية، ليلتفوا حول أقصاهم، ويتناسوا كل خلافاتهم، فيتذكروا أن القبلة واحدة، والأرض واحدة، والمصير واحد والعدو واحد. وها هي نذر انتفاضة ثالثة عظيمة تلوح في الأفق، ولا تصلح المعاهدات في ظل شارع متفجر منتفض لدينه وكرامته حول مسرى رسوله.

إن السكوت عما يجري للمسجد الأقصى بأن يحصل له ما حصل للمسجد الإبراهيمي في الخليل، وهو ثاني أهم مساجد فلسطين، إذ أحكمت عليه قوات الاحتلال السيطرة، وباتت تغلقه أياما وتفتح أخرى، وتسمح لمن تشاء وتمنع من تشاء من دخوله، بل والطامة الأعظم أن هذا المسجد الإسلامي بات مفتوحا لغير المسلمين، ليس للزيارة وإنما لممارسة شعائرهم، فتفتحه إسرائيل لليهود في أوقات خاصة بهم، وأيام مقصورة عليهم! أمر لا يقبل به أتباع أي ديانة. تخيل، ندخل لنصلي في الفاتيكان؟ أو لنقيم الجمعة أو الجماعة داخل أي كنيسة مسيحية أو معبد بوذي أو هندوسي، فيما يُغلق في وجه أصحابه؟!

إن ما يحصل في فلسطين أمر جلل، أمر عظيم، يشبه سقوط القدس نفسها بعد النكسة، ويجب أن يكون موقفنا منه كأفراد وحكومات موازيا لهذا الحجم. على الأقل أن يلقى التعاطف والتأييد السياسي والإعلامي الذي نالته الرسومات الكرتونية الدنمركية المسيئة قبل بضعة أعوام.

فمعركتنا في فلسطين هي معركة وجود لا حدود، وهي معركة الأمتين العربية والإسلامية، لم تكن يوما قضية فلسطينية فقط، ولا يجب أن تكون. فحتى لو تنازل كل أهل فلسطين عنها

-وهم أبدا لن يفعلوا- فإن هذا لا يعفينا عن مسؤولية حفظ مقدساتنا وتحرير أراضينا.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 25, 2017 10:38

July 18, 2017

هل هي حقا دار رعاية للفتيات

girls_prisonنشرت الصحف المحلية الأسبوع الماضي خبرا عن «فوضى» حصلت في دار رعاية الفتيات في مكة المكرمة انتهت بتحويل تسع من النزيلات للسجن. وهذه الدار بالذات سبق ونشر عنها أخبار مشابهة، مما يعني أن ثمة مشكلة حقيقية فيها، ولا بد من متابعة أمرها عن كثب، بل وفتح ملف دار رعاية الفتيات بشكل كامل بعد أن تواترت الأخبار السلبية عنها في عدة مناطق. 


مما لفت نظري في حيثيات الخبر، أن واحدا من الأمور السيئة التي يتم تعريض النزيلات لها إجبارهن على المشاركة في النشاطات «الدعوية» في مدارس البنات. وبعد الاستقصاء عما يعنيه ذلك، علمت أنه يؤتي بهؤلاء المستضعفات ويطلب منهن الحديث علنا عن أخطائهن والقيام بشتم أنفسهن وإظهار الندم، وإخبار الفتيات بكم هي مروعة الحياة التي يحيينها الآن في الدار! وحين تثور كرامة إحداهن، وتكون مدركة بأنه ليس من حق أحد إجبارها على هذا الفعل المهين، تتعرض للعقوبة! فعن أي رعاية للفتيات نتحدث؟


ابتداء ما هو دور دار رعاية الفتيات؟ بحسب المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خالد أبا الخيل: «مؤسسة رعاية الفتيات هي مؤسسة تعنى بتحقيق أسس الرعاية والتقويم الاجتماعي، وتقوية الوازع الديني، والعمل على تحقيق الرعاية الصحية والتربوية والتعليمية والتدريبية السليمة للفتيات الجانـحات اللاتي يُحتجزن رهن التحقيق أو المحاكمة، وكذلك اللاتي يقرر القاضي بقاءهن في المؤسسة ممن تقل أعمارهن عن ثلاثين سنة».


الأهداف المذكورة جيدة، ولكن هل المسؤولات القائمات عليها مؤهلات للقيام بها؟ هل إذلال النزيلة وإيصالها إلى المرحلة التي تحتقر فيها نفسها حتى تقرر الانتحار، وقد وقعت حالات مؤسفة بالفعل، يدخل ضمن الرعاية النفسية والتربوية؟ هل هي أفضل من زجهن في السجون العامة؟ ولماذا عمر الثلاثين؟ يصبح الذكر راشدا في بلادنا في عمر الحادية والعشرين، بينما تظل الأنثى في حكم الفتاة «القاصر» حتى سن الثلاثين؟!


في الشرائع السماوية وكذلك الوضعية فإن هناك جرائم وثمة عقوبات لها، وبهذا تتحقق العدالة، ويستتب الأمن. وقد وجدت السجون كحل للكثير من العقوبات، بحيث يقضي فيها الشخص محكوميته، ويحرم من أغلى ما لدى الإنسان..حريته، ثم يخرج ليمارس حياته من جديد.


ولأن الدول والمجتمعات المتقدمة تعي بأن الشخص سيعود للمجتمع بعد فترة طالت أو قصرت، فهم يعمدون إلى إعادة تأهيله وتجهيزه لهذا الخروج. ففترة السجن هي فترة عقوبة، ولكنها يمكن أن تكون كذلك فترة لإعادة برمجة المنظومة الأخلاقية والفكرية والمهنية للسجين. بحيث يخرج منها ولا يعود إليها، لأنه قد وجد في حياته الجديدة ما يغنيه عن عالم الجريمة.


فإذا كان هذا حديثنا عما يجب أن تكون عليه السجون، وحال المساجين الذين ثبت جرمهم وتحددت عقوبتهم، أفلا يفترض أن يكون حال النساء أفضل في دار الرعاية، وهن –بحسب الأستاذ أبا الخيل– قيد التحقيق ولم تثبت جريمتهن بعد؟ بل وبعضهن لسن مذنبات أصلا، بل معنفات هاربات من ظلم الأهالي وتقصير النظام وتعنت المجتمع.


يفترض أن يفتح تحقيق «مستقل» للنظر في أحوال هذه الدور، والتحقق من أحوال الأخوات المقيمات فيها، بل وفي كافة مؤسسات الدولة المعنية برعاية الفتيات، بل وحتى الفتيان من الأيتام. كنت في الحادية عشرة من عمري عندما شاهدت مشرفة دار الأيتام تضرب بالعصا في ساحة المدرسة زميلتي في الصف لأنها طلبت منها ببراءة أن تمسك لها الآيس كريم حتى تلبس العباءة بسرعة! كانت تضربها بعصبية وتقول لها: «هو أنا باشتغل عندك؟!»، إن كون المؤسسات النسائية مغلقة يجعلها في وضع آمن من التفتيش مقارنة بالبنين، فتتحول بعضها إلى مدن للخوف والظلم تحكمها طاغية مع زبانيتها.


وبعيدا عن التحقيق في الأوضاع الحالية، فإنه لا بد من إعادة النظر في كيفية أوضاع النساء اللاتي يدخلن إلى هذه الدور، وهل هناك حاجة لها أصلاً؟


إذا كنا نعتبرها إصلاحية للجنح الصغيرة أو للقاصرات (دون 21 سنة)، فيجب أن تستمر ولكن أن يتم تحسينها بشكل كامل، فهؤلاء الفتيات في أول الشباب ويحتجن كل دعم لبناء حياة جديدة سعيدة.


أما من تورطت في جريمة واضحة، وهي راشدة، ولنقل مثلا الزنا، فعقوبة الزنا الشرعية في الإسلام الجلد، وبعدها لماذا يجب أن تستمر في السجن؟ الجرائم الأخلاقية عموما يجب إعادة النظر فيها، هل هناك عقوبة شرعية على الخلوة مع عدم ثبوت الزنا؟ وهل كل من يقبض عليهن مع غير محارم في خلوة؟ لو أن فتاة وجدت مع شاب غريب في مطعم، دون أن يقوما بأي فعل مناف للآداب، فهل هذا أمر يستوجب أصلا تدخل الدولة لمراقبتها ناهيك عن معاقبتها؟ 


شرعيا وأخلاقيا هناك الكثير من النواهي والمحظورات التي يتقيد بها الإنسان خوفا من الله تعالى، لكن ذلك أمر بين العبد وربه، فالدولة ليست لديها أجهزة تراقب قيام الفرد بالصلاة أو الحج وهي أركان. فكيف نقضي على مستقبل فتيات صغيرات؟ وإن كان لا بد من عقوبات على الجرائم «الأخلاقية» فلتكن مقننة وواضحة وغير متروكة للقضاة ليقرروا فيها. بحيث يقضي الشخص محكوميته ثم يعود لحياته على أمل أن يكون الله قد رزقه التوبة.


أما المعنفات الهاربات من الظلم، أو اللاتي انتهت محكوميتهن، فلا أفهم لماذا يدخلن هذه الدور أصلا؟


إن لم تستطع الدولة إجبار أهاليهن على حسن المعاملة أو استلامهن، فعليها إذا توفير سكن مستقل لائق بهن، وتأمين وظيفة ومواصلات لهن، أو مقعد مدرسي أو جامعي لمن ترغب في مواصلة دراستها. بحيث تدريجيا تعتمد على نفسها وتشق طريقها في الحياة دون أن تكون عالة على من يسمون بأهلها أو على الدولة. وإن رغبت في الزواج يمكن مساعدتها في ذلك، ويكون القاضي وليها، بشرط أن يكون الزواج بقناعة وقبول، ولا يكون مثلما اشتكت البعض من أشخاص مسنين أو معطوبين.


لا يوجد أسوأ من الإرهاب وترويع الآمنين، وتوريط البلاد في مشكلات محلية وإقليمية ودولية، ومع ذلك فالدولة مشكورة قدمت برنامجا فريدا للمناصحة، توفرت فيه عناصر الرعاية النفسية والمادية والمعنوية، بحيث يستطيع من يتخرج منه أن يعود للمجتمع ويعمل ويتزوج، وكأن المناصحة تجب ما قبلها. فهل تطمح المعنفة أو صاحبة الجنحة التي لم تضر أحدا إلا نفسها إلى معاملة تشبه معاملة الإرهابي؟


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 18, 2017 04:19

المقيمون ليسوا كلهم سواء

مع الإعلان عن قرب فرض ضرائب على الوافدين، انقسمت آراء المواطنين تجاه هذا القرار، وكل طرف لديه وجهة نظر تستحق النظر فيها.

فمنهم من يراه قرارا وطنيا موفقا، يهدف إلى توفير مدخولات جديدة للدولة، وربما سيؤدي إلى تقليص نسبة الأجانب العاملين في المملكة، مما يعني إفساح المجال أمام المواطنين السعوديين لا سيما الشباب، خاصة مع تزايد نسب البطالة، واحتكار بعض الجنسيات وظائف بعينها في الشركات الخاصة، والأجنبية على وجه الخصوص.

فريق ثانٍ يراه حِملا ثقيلا سيضاف إلى شرائح واسعة من المجتمع، الكثير منهم إخوة لنا.

فهم يعتقدون أن هذه الرسوم ستكون عبئا على أصحاب الدخول القليلة ممن يشغلون مهنا بسيطة، ورواتب غالبها لن تزيد على 5 آلاف ريال، وهم يعولون بها أُسَرا كبيرة، ومع غلاء المعيشة وارتفاع الإيجارت ورسوم تجديد الإقامات وتكاليف الدراسة والعلاج لا يبقى منها شيء يذكر.

بينما أصحاب الدخول الفلكية والمرتفعة، والتي ربما تراوح بين 20-100 ألف ريال شهريا، خاصة الأجانب من الجنسيات الغربية، لن يتأثروا بها مطلقا، لقلة أفراد الأسرة من ناحية، والراتب المرتفع من ناحية أخرى، فكل شيء آخر موفر لهم مجانا بشكل يفوق ما هو موفر للمواطن السعودي. فلديهم سكن مؤثث فاخر، أو بدل سكن مُجزِ، ولديهم تذاكر سفر سنوية، وتدفع جل –إن لم تكن كل– الشركات لهم تكاليف تعليم الأبناء في المدارس العالمية، أو حتى بعض الجامعات الأميركية. ولعل هؤلاء يرون أن الرسوم –إن كان لا بد منها– فيجب أن تقنن على فئات بعينها.

فريق ثالث، يعتقد أن من حق الدولة فرض رسوم على كل من سيوقّع عقد عمل في المملكة بعد أغسطس 2017، أي أنه ينطبق على القادمين الجدد وليس القدامى، فليس لأحد التذمر من شرط سبق أن وافق عليه في العقد. سواء كانوا من العمالة الماهرة، أو الأيدي العاملة الرخيصة.

أعتقد أن حصر غير السعوديين تحت مظلة واحدة، واعتبارهم جميعا عبئا يجب أن تحاول الدولة التقليل منه، وأنهم ينافسون المواطن السعودي في رزقه، ويحولون ملايين الريالات شهريا للخارج، ليس أمرا دقيقا بالمطلق، كما سيتم التوضيح في هذا المقال، وعليه فإن التعامل معهم لا يجب أن يكون واحدا.

هناك ابتداءً المقيم غير النظامي، فهذا يجب معرفة أسباب تخلفه، ومنحه الفرصة لتصحيح وضعه أو إعادته إلى بلده، وهو ما قامت به الدولة مشكورة في حملاتها المختلفة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

ثم هناك المقيم الذي جاء بعقد عمل واضح، سواء كان من أميركا أو مصر أو كوريا أو لبنان، وهؤلاء غالبا رواتبهم جيدة، فلن يترك أحدٌ بلده ويتغرب إلا لراتب مُجزٍ، لا سيما إن كان من الطبقات المتعلمة والمهن الرفيعة، كالأطباء والمهندسين والصيادلة والمعلمين وأساتذة الجامعات والخبراء والمستشارين بأنواعهم. فهؤلاء يقومون بالفعل بتحويل جزء لا بأس به من رواتبهم لبلدانهم –فهذا الهدف من المجيء للعمل في المملكة بالأساس– وبالتالي في حال تغير عليهم الوضع، أو شعروا بأن تكلفة الإقامة هنا تفوق المدخرات التي سيستفيدون منها، فلن يكون من الصعب عليهم اتخاذ قرار الاستقالة والعودة إلى أوطانهم. لا سيما أن جُلّهم جاؤوا من بلدان مستقرة سياسيا وأمنيا.

وهناك المقيم الآخر الذي إما وُلد هنا، فلا يعرف وطنا غير السعودية، أو جاءها طفلا وانقطعت كل صلاته ببلده الأصلي. هذا المقيم، لا يقوم بتحويل أي جزء من راتبه إلى الخارج غالبا، لأن أهله جميعا معه هنا. بل نظرا لأن بعض أفراد أسرته حصلوا على الجنسية وفق النظام القديم الخاص بالمواليد، فستجد أن كثيرا منهم جزء من أسرة مختلطة بين المواطنين والمقيمين حتى لا تميز بينهم. هؤلاء يعيشون تحت ضغط نفسي شديد، فمن ناحية هم يشعرون أنهم سعوديون ولادة وروحا وقالبا، حتى إن لم تقل الأوراق الرسمية ذلك، ومن ناحية أخرى يشعرون بالغبن لأنهم يواجهون معاملة مختلفة، باعتبارهم رسميا أجانب.

ولأنهم أجانب، ففرصهم في التوظيف أقل ورواتبهم كذلك، فضلا عن عدم تمكن الغالبية منهم من الاستفادة من التعليم الجامعي الحكومي. وإذا ما فكروا في العودة إلى بلدانهم الأصلية تواجههم معضلتان أساسيتان: أولا، كيف يفترقون عن أهاليهم وعن عائلاتهم؟ ما الإنسان دون إخوة وأقارب وأرحام؟ ثانيا، أن أهلهم في الأصل نزحوا من بلدان فيها فاقة شديدة وحروب مستمرة. كيف سيستطيع من وُلد في مكة أو ترعرع في جدة أو تعلم في الرياض أن يعود للعيش في قرية نائية؟ أو مدينة تعيش تحت القصف اليومي وتحكمها ميليشيات وعصابات؟ أو أخرى أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الكوليرا فيها باتت وباء يحصد أرواح الآلاف؟

فهؤلاء ليسوا هنا لسرقة خيرات المملكة، وأخذ مكان المواطن السعودي، هم هنا لأنهم يحبون هذا البلد من ناحية، ولأن خياراتهم الأخرى معدومة.

ومثلهم المقيمون المتزوجون بسعوديات، أو المولودون لأمهات سعوديات، هؤلاء يشعرون بغبن مضاعف لأنهم يعتقدون أنه كما يحق للمواطن منح جنسيته لأبنائه من أم غير سعودية، فإنهم يستحقونها كذلك. ولأن الزوجة هي السكن والمرفأ، والأم هي الوطن، فهؤلاء كذلك لا يتصورون حياتهم بعيدة عن أمهم وأخوالهم ومدينتهم وأرضهم التي لم يعرفوا سواها. وهم يعيشون في انتظار ذلك التغيير الجوهري في نظام الجنسية الذي باتت الحاجة إليه مُلحة لتصحيح أوضاع هؤلاء «السعوديين بلا أوراق».

الوافدون أو المقيمون من غير السعوديين ليسوا سواء في هذا البلد، لا من ناحية الجنسية الأصلية، ولا طبيعة الإقامة، ولا الرواتب ولا المزايا ولا الظروف الأسرية والاجتماعية والسياسية المحيطة بهم. وعليه فإنه يؤمل ألا ينظر النظام لهم بعين واحدة، حينما يتم استحداث قرارات جديدة بخصوص غير السعوديين، سواء كانت إجرائية أو نظامية أو مادية.

من حق أي دولة أن تعتني بمواطنيها، وأن تسعى إلى تحسين اقتصادها، بل ومن المتعارف عليه دوليا أن يكون للمواطنين مزايا في بلدانهم تشمل أولويتهم خريطة المملكةفي التعليم والتوظيف وغيرها من الخدمات. لكن هذا لا يعني أن ننسى شركاء الوطن الذين شاركونا في بنائه، وعاشوا معنا في أحلك الظروف، والذين لا يحملون في قلوبهم سوى كل الود والعرفان لهذا الوطن المعطاء.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 18, 2017 03:58

July 6, 2017

صورتنا في الإعلام الخارجي ما زالت سيئة

دأبتُ منذ فترة على متابعة ما يُنشر عن العرب والمسلمين بصفة عامة في الإعلام الأجنبي، سواء الصحف والقنوات الرسمية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع تصاعد الحركات والأحزاب اليمينية من ناحية، والجماعات الإرهابية من ناحية أخرى، وظهور مشكلة اللاجئين السوريين الزاحفين إلى أوروبا وأميركا، وما يصاحبه من تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا، وبروز النَفَس القومي والوطني المتطرف حول العالم، حتى ليشعر المرء أنه يشهد عشية حرب عالمية ثالثة، فإنني أستطيع القول: إن جُلّ ما قرأته لم يكن إيجابيا، بل بصراحة كان سيئا، سواء فيما يتعلق بالجانب السياسي، أو حقوق الإنسان، أو وضع المرأة، أو حتى بعض الشرائع الإسلامية والعادات المحلية. 

لكن، إن كان هذا فيما يتعلق بنا كمسلمين مجتمعين، فماذا عن صورة السعودية، والسعوديين تحديدا؟

للأسف، تبدو الصورة أكثر قتامة، بل وإجحافا، ولعل ذلك مرده أسباب كثيرة، أهمها كون السعودية قلب العالم الإسلامي، فمن يكره الإسلام أصلا ويحتقر تشريعاته كيف يمكن له أن يتقبل المملكة التي تأسست على الشريعة، وتضم الحرمين الشريفين، وهي القبلة والمحج؟

الغريب أن دولة مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا ينالها النصيب نفسه من الاهتمام والنقد. ويبدو العداء الموجّه ضدها سياسيا في المقام الأول، فالحكومات الإيرانية المتعاقبة بعد الثورة مكروهة، لكن في الوقت نفسه هناك إعجاب بالحضارة الفارسية، وبالثقافة الإيرانية مثل السينما، أي أنه لا يتم النظر إليها كدولة صحراوية لا تملك سوى النفط، كما هو الحال مع الدول الخليجية.

ولعل العلاقات القديمة بين الإيرانيين والغربيين منذ أيام الشاه، أو النشاط الثقافي الملحوظ للإيرانيين في المهجر، خاصة في ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، له دور في تسليط الضوء على الوجه الآخر لتلك الدولة.

عودةً إلى صورة المملكة التي لا تعجبنا للأسف، فلو استبعدنا العامل النفسي الاستباقي الذي يجعلهم يكرهونها لأسباب أيديولوجية أو عنصرية، لا يد لنا فيها، وحاولنا بكل شفافية معرفة ما إذا كان لنا يد في تصدير هذه

الصورة المشوهة، ماذا ستكون النتيجة؟

ملف المرأة وحده كافٍ ليجر علينا الانتقادات. لا أتحدث هنا طبعا عن التشريعات الإسلامية الأصيلة الخاصة بالمرأة، والتي ربما يراها الآخرون ظلما، لكنها ليست كذلك، فهذه لا نطلب فيها رضا أحد، وإنما عن تلك العادات المحلية المجحفة التي تم إلباسها رداء الدين، وعلى رأسها قيادة المرأة للسيارة، والتي أسقطت كل أوراق التوت التي كنا نستتر بها لنبرر هذا الحظر. فضلا عن تصريح السفر، أو الولاية المطلقة على المرأة من المهد إلى اللحد من ذكور العائلة، حتى وإن كانوا أحفادها، كل هذه التشريعات لا تعطي صورة طيبة عن الدولة التي تتبناها، ولا عن الشعب الذي يتقبلها.

المواقف السياسية التي ربما لا تكون واضحة أحيانا للمتابع الغربي، تسهم في ذلك أيضا. فمثلا في ملف اللاجئين السوريين، لا يعرف كثيرون جهود السعودية في استضافة الإخوة السوريين، ولا عن وجودهم بأعداد كبيرة فيها، فكلما فُتح ملف اللاجئين السوريين والتذمر الأوروبي منهم يرتفع صوت: وماذا عن السعودية: لماذا لا تستضيفهم؟

ورغم كل جهود المملكة في محاربة الإرهاب، والتي اعترفت بها علنا الحكومات الأجنبية، فإنها لم تصل إلى جل الشعوب الأجنبية. فلا يكاد يُنشر مقال عن الإرهاب أو القاعدة أو داعش، إلا وتجد عشرات التعليقات على مواقع الصحف الأجنبية، مثل الواشنطن بوست والجارديان والإندبندنت والنيويورك تايمز، أو على روابطها في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا وتربط المملكة بالإرهاب، وبأنها -بهتانا- مسؤولة عن تمويل هذه الجماعات، رغم أنها من أوائل المكتوين بنارها.

فما الحل إذًا؟ هل نتقبل الوضع ونتعايش معه، رغم ما يمكن أن يتسبب فيه من كلفة سياسية لنا؟ ففي الدول الديموقراطية، الشعوب تحاسب قادتها على سياستها الداخلية كما الخارجية، وما زالت رئيسية الوزراء البريطانية تتعرض لهجوم إعلامي شديد، بسبب موافقتها على بيع أسلحة للمملكة. وفي حال نجحت مساعي المعارضة في الإطاحة بحكومتها، فإن البديل هو اليساري رئيس حزب العمال جيرمي كوربن الذي ربما تكون له مواقف سياسية مختلفة في الشرق الأوسط.

الحل الثاني، أن نبدأ بخطوات داخلية وخارجية باتجاه تحسين الصورة، وذلك يستلزم تحسين الأصل، فالملفات كثيرة، تنتظرها إصلاحات ضرورية وعاجلة، على أن تصاحبها حملة إعلامية تظهر التقدم الحاصل.

من ناحية أخرى، يجب أن يتصدر المشهدَ الإعلامي السعودي خارجيا أشخاصٌ ذوو خبرة وكفاءة، ولهم إلمام بالثقافة الغربية والمجتمعات الأجنبية وتاريخها، بحيث يخاطبونهم بلغة يفهمونها، ويكسبون احترامهم، وإن اختلفوا معهم في الرأي، وأن يتم تعيين السفير والملحق الثقافي استنادا إلى قدرته على اختراق هذه المجتمعات ثقافيا، والوصول إلى العقول قبل القلوب.

الطريق طويل، والتخطيط صعب والتنفيذ أصعب، لكن لو بدأنا اليوم فستكون الصورة مختلفة بعد 10 سنوات، ولو كنا بدأنا بشكل صحيح بعد أحداث سبتمبر، لربما كان الوضع الآن مختلفا بشكل كبير، لكن أن تبدأ متأخرا خيرٌ من ألا تبدأ أبدا.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 06, 2017 13:53

June 23, 2017

لنكن مستعدين للكوارث

Tower fireمهما بلغ البشر من تطور ومهما ملكت الدول من وسائل تقنية حديثة، فإن أحداً لا يستطيع منع حصول الكوارث الطبيعية، أو إيقاف وقوع أخطاء بشرية غير متعمدة أو متعمدة. وهكذا تنقل لنا نشرات الأخبار العديد من المصائب التي تحل بالبشر سواء أقاموا في دول متقدمة أو نامية. وتشمل الحرائق والزلازل والفيضانات والأعاصير وانهيار المباني أو الجسور أو مناجم الفحم، بالإضافة إلى حوادث السيارات والطائرات والسفن والقطارات. ولأن الوقاية خير من العلاج، تحاول الدول جاهدة أن تضع الأنظمة التي تمنع أو تقلل من نسبة حصول هذه المصائب، ولكنها في الوقت نفسه تستعد للتعامل معها في حال حصل المحذور.

قبل أسبوع مررت بتجمع سكني كبير في مدينتي، يضم عدداً من العمائر المكونة من عدة طوابق، والتي يحوي كل طابق منها على الأقل أربعة شقق، وأتوقع أن مجموع عدد سكانها لا يقل عن ألف ساكن (إن لم يكن أكثر من ضعف هذا العدد). بصراحة شعرتُ بانقباض وتخيلت لو حصل حريق لا سمح الله، كيف ستستطيع سيارات المطافئ والإسعاف الوصول إلى المتضررين في هذه الشوارع الضيقة؟ وعن مدى سهولة انتشار النار ما بين المباني المجاورة وشبه المتصلة ببعضها؟ مجرد التفكير بهذا الأمر أصابني بالقشعريرة.

بعدها ببضعة أيام وقع حريق برج (غرينفيل) في لندن، والذي أسفر عن كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة. فعدد الضحايا كبير، مهما حاولت السلطات البريطانية التقليل من العدد. فسكان العمارة عددهم 600 شخص، ونظراً لكون عدد كبير منهم من المسلمين فيتوقع بأنه ربما كان لديهم زوار لتناول وجبة السحور، وقد تأكدت وفاة ما يقارب 60 شخصاً، ونجاة ما بين 75 – 100 شخص، بينما البقية في عداد المفقودين. مما يعني أننا نتحدث عن وفيات بالمئات، ولم تسمح حالة البناء حتى الآن لعمال الإطفاء بالدخول لكافة الشقق والتأكد من وجود جثث أخرى رغم مرور أكثر من أسبوع على الحادثة المؤلمة.

تأثرت كثيراً بالحادثة لعدة أسباب، فمن ناحية هذه لندن! مدينة أعشقها وسبق أن عشت وعملت فيها، وأعرف أحياءها وشوارعها وناسها. ومن ناحية ثانية، فالكثير من ضحاياها هم من المسلمين الذين فروا من أماكن النزاع ونيران القنابل في سورية والعراق وأفغانستان، ليلقوا مصرعهم في عاصمة الضباب.

صدمت كما غيري بالفشل الذريع في عمليات الإنقاذ. فحصول ذلك في بلد متطور وخامس أقوى اقتصاد في العالم مثل بريطانيا، وهو بلد مهووس بالأمن والسلامة، ويقتلك من كثرة ما يجرون في المدارس والجامعات وأماكن العمل تجارب الإخلاء، لهو أمر صادم بالفعل! ويجعلك تتساءل ماذا لو وقع مثل هذا الحريق في بلدان العالم الثالث حيث قوانين البناء أقل صرامة، وإمكانيات النجدة والإنقاذ أقل كفاءة؟ فالمشهد قد يكون أبشع والنجاة شبه مستحيلة.

ما تألمت له بشكل خاص، هو ما رواه شهود العيان والأهالي وغيرهم، عن الساعات التي ظل فيها الكثير من الضحايا محتجزين داخل شققهم في الطوابق العلوية وهم واعون لما يجري، ويشاهدون تصاعد ألسنة اللهب، وطلبهم النجدة باستماتة عبر هواتفهم المحمولة وعبر تلويحهم عبر النوافذ، وقد جاءهم الرد الرسمي بأن أبقوا حيث أنتم وستصلكم النجدة قريباً..لكنها لم تصل، وشاهد أحدهم عمه وهو يلوح له قبل أن تلتهم النيران شقته. آخرون أدركوا أنها ساعة النهاية فودعوا أهلهم قبل أن يفارقوا الحياة. الاستماع إلى تلك الشهادات أمر مؤلم وقابض للصدر بالفعل ولا يغادرك ذلك الإحساس بسهولة.

الشعب البريطاني، والذي لا يستسيغ سواده الأعظم أصلاً فكرة العمارات والشقق، ناهيك عن العمارات المرتفعة وناطحات السحاب، غاضب جداً مما جرى في برج غرينفيل (مكون من 24 طابق)، وتتعرض رئيسية الوزراء تيريزا ماي لحملة إعلامية شرسة تتهم حكومتها بالإهمال الذي أدى إلى وقوع الحادث ابتداء، ومن ثم التقاعس في التعامل معه بعد وقوعه. فحكومة حزب المحافظين التي تقود البلاد منذ منتصف 2010، أي منذ سبع سنوات، قد قامت بحزمة من الإجراءات التقشفية شملت تخفيض أعداد قوات الأمن والإغاثة وغيرها، وتخفيض ميزانيات هذه الأجهزة الحيوية في الدولة. فلم تكن لديهم المعدات التي تجعلهم يصلون إلى الطوابق العالية جداً، وبالرغم من أنه لم يمض على تولي ماي رئاسة الوزراء أكثر من سنة، إلا أنها تنتمي لنفس الحزب ومنصبها السابق كان وزيرة الداخلية. لذلك لم يكن غريباً أن يجابهها جمهور غاضب عند زيارة المنطقة صارخاً في وجهها:»قاتلة»!

كما أن اشتراطات السلامة، وهو أمر غريب في المملكة المتحدة، كانت دون المستوى في المبني، وقد اشتكى السكان من ذلك مراراً، واستغربوا أن يكون هذا وضعهم، وبنايتهم التعيسة هذه، والتي جل سكانها من المهاجرين واللاجئين والعمال والفقراء، تقع في واحدة من أرقى أحياء المدينة. ورغم رصد 10 ملايين جنيه إسترليني (ما يقارب 50 مليون ريال سعودي) لترميمه العام الماضي، فيبدو أن ثمة شبهة فساد، وذكرت تقارير عن استخدام مواد صينية سيئة لا تقاوم الاشتعال، كما يشترط في قوانين الاتحاد الأوروبي. وينتظر الجميع بفارغ الصبر انتهاء التحقيقات ومحاسبة المقصرين.

وبينما تلملم لندن جراحها، أخذت أفكر في الحوادث التي في منطقتي خلال السنوات الماضية: من أمطار جدة إلى حادثة الرافعة في الحرم المكي الشريف، ومن حوادث التدافع في رمي الجمار إلى حريق منى. فترحمت على الضحايا، وتساءلت عما حل بذويهم؟ وماذا تم من محاسبة للمسؤولين – إن وجدوا- عنها، وهل تعلمنا منها دروساً بحيث نمنع وقوعها؟ أو نقلل من وقوع ضحايا في حال حصلت من جديد؟

قد يوحي التطاول في البنيان الذي تتباهى به دول الخليج جميعها بالحضارة والتطور، وقد يمنحك ذلك المنظر الخلاب الذي سيدفع الناس لأجل مشاهدته، لكن كل ذلك يصبح بلا قيمة، بل يغدو بناؤها جريمة، إن كنت لا تملك القدرات الكافية للتعامل مع حادث يقع هناك قرب السحاب، فوسط لهيب النيران – لا سمح الله – ستبدو هذه المباني الجميلة وكأنها جبال في سقر، أعاذنا الله وإياكم منها.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 23, 2017 04:42

لستم منا في الحياة ولن تجاورونا بعد الممات

_96374330_mlلطالما واجه المسلمون الاتهامات، خاصة من اليمين المسيحي المتطرف في أميركا وأوروبا، بأنهم لا يشجبون الأعمال الإرهابية التي يقوم بها أفراد أو تتبناها جماعات محسوبة –زوراً-على الإسلام والمسلمين. وفي كل مرة يقع فيها عمل إرهابي جديد في عواصم الدول الغربية تحديداً، توضع الأقليات المسلمة هناك تحت المجهر. فتجد نفسها مضطرة المرة تلو الأخرى أن ترفع صوتها الذي تعبر فيه عن الرفض لهذه الممارسات الإجرامية الإرهابية، وتجريم من يقوم بها، والتأكيد على أنها ممارسات دخيلة، ليست لها سوابق في التاريخ الإسلامي حتى في أحلك أيامه. ولكن كان هناك ما يشبه الحرج من تكفير الانتحاريين، لعظم شأن التكفير في الشريعة الإسلامية. والمفارقة هنا هو أن الإرهابي نفسه لا يتحرج من تكفير الأمة بأسرها إن لم توافق هواه الإجرامي، بينما تتحرج هذه الأمة الطيبة من أن تكفره وتطرده من جماعتها. لكن هل يستمر الحال على ما هو عليه مع تصاعد الهجمات والجرائم؟

للأسف، لا يبدو أن عشرات الخطب والندوات والبيانات والبرامج التي تستنكر الإرهاب وأهله قد أفلحت في وقف دوي الانفجارات وفي حقن دماء الضحايا الأبرياء. فهؤلاء الإرهابيون لا يردعهم رادع، ولا يحركهم باعتقادي الإسلام أصلاً، هم شباب تم التغرير بهم أو غسل أدمغتهم من قبل منظمات استخباراتية وإجرامية عالمية وعابرة للقارات، لتوهمهم بأن ذلك طريقهم إلى الجنة. وهم، الشباب، لا يعفون من المسؤولية قطعاً، فكل نفس بما كسبت رهينة، قد سلموهم عقولهم طواعية. ومثل هؤلاء لا يجدي معهم الكلام ولا النصح ولا المواعظ التقليدية، بل لا بد من التعامل معهم بشكل قاطع وحازم وصادم. فأما من مات منهم فقد انتهى أمره وبئس المصير، لكن لعل الموقف الأخير الذي اتخذه الأئمة في بريطانيا يجدي نفعاً مع البقية المتحفزة للإرهاب والإجرام، وفي إخراجهم من غيبوبتهم الاختيارية.

بعد الحوادث التي ضربت بريطانيا في مانشستر ولندن خلال الأسابيع الأخيرة، شعر المسلمون البريطانيون بأن السيل قد بلغ الزُبى، وأنهم لم يعودوا مستعدين لأن يدفعوا ضريبة جرائم لا يد لهم فيها. فقام مجموعة من الأئمة الشجعان، وسرعان ما لحق بهم آخرون في طول البلاد وعرضها، باتخاذ قرار ثوري وغير تقليدي ولا متوقع حتى بحسب آراء أتباع الديانات الأخرى!

فقد قرروا ألا يغسلوا ولا يكفنوا ولا يقيموا صلاة الميت على الطريقة الإسلامية على أي إرهابي حتى وإن كان مسلماً، فهو بالأصح مدّع للإسلام. وفوقها لن يُسمح لهم، أو ما تبقى من جثثهم الكريهة، بالدفن في مقابر المسلمين. فكأنهم بذلك يخرجونهم من ملة الإسلام قاطبة فعلياً لا لفظياً فقط، فقد جاء في البيان: «نحن لا نقبل بكم جزءاً من مجتمعاتنا المسلمة وأنتم أحياء، ولا نريدكم أن تجاورونا في مقابرنا بعد الممات». أي من الآن فصاعداً لا علاقة لنا بكم إطلاقاً!

هذا الموقف العظيم أسقط الحجة من أيدي أولئك المتربصين، فما هو الموقف الأكثر وضوحاً وصرامة من هذا لبيان بأن المسلمين يشجبون الإرهاب؟

يقول أحد المعلقين البريطانيين إن هذا الموقف صادم حتى له كمسيحي، إذ يقول إننا كمسحيين مجبرون على أن نكرم الموتى، نحن نقيم مراسم دفن لائقة لعتاة المجرمين والقتلة والمغتصبين ومجرمي الحروب وغيرهم، من الصعب جداً أن تجد قساً مسيحياً سيرفض تلاوة صلاة صغيرة على جثة شخص ميت. فللموت هيبة وحرمة، ولأتباع الديانات جميعاً، وخاصة السماوية، طقوسٌ محددة تُحترم حتى في أوقات الأزمات والحوادث والحروب. إن اتخاذ المسلمين هذا الموقف لهو دليل على تأصل كرههم العميق لهذا الفعل الإرهابي، الذين حاولوا طويلاً نبذه من قومهم دون جدوى، فهم اليوم يتخلصون من الأفراد الذين يقومون به، متجاوزين الأحاديث التقليدية عن العفو والرحمة، إنه طلاق بائن بين المجتمعات المسلمة في الغرب وبين أفرادها الضالين، فلا يوجد موقف أقوى من هذا، والربط بين المسلمين والإسلام والإرهاب في الغرب بعد الآن غير مقبول. مما يعني أن الرسالة بحمد الله وصلت لكل منصف.

وبالرغم من شعوري بالحزن على أهالي الإرهابيين الذين فقدوا أولادهم مرتين، إلا أنني وجدت نفسي متوافقة مع موقف أئمة بريطانيا، الذين شعروا بأن لديهم واجبا تجاه دينهم وصورته المختطفة، وتجاه أفراد مجتمعاتهم الأبرياء الذين يدفعون الثمن بعد كل عمل إجرامي، وتجاه بلدانهم التي احتضنتهم، وتجاه مستقبل الإسلام في أوروبا تحديداً. لا سيما مع تصاعد الدعوات اليمينية المتطرفة التي تنادي بطرد المسلمين «الإرهابيين» بالمطلق، وإغلاق مدارسهم ومساجدهم، ومنع الحجاب وغيره من الشرائع السماوية.

أفلا يجدر بنا في العالم الإسلامي، ونحن الذين اكتوينا بنار الإرهاب أكثر من غيرنا، أن نمارس الشيء نفسه؟

لقد تساهلنا كمسلمين مع الإرهابيين، كثيرون يتحرجون حتى اليوم من تكفيرهم، وحتى تكفير «داعش» نفسها، على سوئها وقذاراتها، ويعمد البعض إلى استخدام مصطلحات مثل «إخوتنا وإن بغوا علينا»، ولا يخجلون من الترحم عليهم. البعض رفض تكفير المجرم جهيمان العتيبي وهو الذي استحل المسجد الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام لتحقيق مطالبه الخاصة، ووقع ضحية لحركته الإرهابية الكثير من الحجاج المحرمين الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل. تلك الحادثة وقعت قبل ولادتي، فلو أننا حجبنا عنهم صلاتنا ودعاءنا وأبعدناهم عن مقابرنا يومها لربما قضينا على هذه الأفعال قبل ما يقارب أربعة عقود، ولما استغلها الأعداء ليطعنونا بها في ظهورنا، ومن ثم يجعلوننا نواجه العالم برأس كسير، واعتذار مرير عن جريمة لم نرتكبها وجراحها أصابت المسلمين في قبلتهم قبل أن تصيب العالم.


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 23, 2017 04:28

مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.