مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 4

June 2, 2017

دور المثقف وقت الأزمات

من الطبيعي أن تحصل خلافات بين الدول، ومن الشائع عالمياً وإقليمياً أن تحصل أزمات سياسية ومناوشات دبلوماسية. لا فرق في ذلك في دول العالم الأول الديمقراطية أو دول العالم الثالث التي تحكمها ميليشيات عسكرية. فهذا العالم قائم على المصالح التي قد تتقاطع أو تتعارض، ومسؤولية حكومة كل دولة هي رعاية مصالح شعبها السياسية والاقتصادية والأمنية.

ولأن السياسة فن الممكن، فقد يتصرف الساسة أحياناً على نحو مستغرب يخالف الهوى الشعبي أو المتوقع، لكن خلف ذلك هدف أكبر ومصلحة وطنية عليا قد لا تكون ظاهرة للعامة وقتها. وكما يقال في السياسة لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم لكن توجد مصالح مشتركة. وعليه يمكن في أحيان كثيرة فهم التحالفات المتغيرة للساسة.

لكن إذا كان هذا فيما يتعلق بالسياسي فماذا عن المثقف؟ ما هو الدور المأمول منه وقت الأزمات؟

في مجتمعنا يوصف أرباب الأقلام عموماً بأنهم مثقفون، والحقيقة أنه ليس كل من أمسك بالقلم وكتب في الشأن العام، وظهر بكثافة في الصحافة والإعلام، يصح أن ينطبق عليه هذا الوصف. فالمثقف هو شخص واسع الاطلاع، فمقابل كل مقالة كتبها فقد سبقتها عشرات ومئات الكتب التي قرأها، إنسان يقرأ في كل اتجاه ويهتم بالتاريخ والعلوم والحضارة. وكنتيجة حتمية للبحث والمعرفة والقراءة بات واسع الأفق، يحمل ضميراً إنسانياً، ويحترم اختلاف الحضارات وتنوع الشعوب، ويدافع عن القيم البشرية المشتركة. فنجده مهتماً بحقوق الإنسان والمشاركة الشعبية، والتوزيع العادل للثروات، وحق الشعوب في الاستقلال، وتقرير المصير. وهذه القيم قد تتصادم أحياناً مع مصالح أو رغبات بني قومه سياسياً أو دينياً أو تجارياً. ولكنه، بعكس السياسي، ليس مضطراً بأن ينحاز لما يخالف ضميره ومبادئه. بل نجد له غالباً مواقف شجاعة قد يدفع ثمنها غالياً، خاصة إذا ما تم تصنيفه بالانتماء إلى الجماعات المعارضة أو المنبوذة أو المحظورة في بلده. ولدينا مثال ما حصل للمثقفين الأميركيين، الذين لم يسيروا في ركاب سياسة الحكومات الأميركية المتعاقبة إبان حقبة الحرب الباردة، من تعنت وتضييق وتهم معلبة بالانتماء للشيوعية في الحقبة المكارثية الشهيرة. فحتى في الدول الديمقراطية الكبرى قد يدفع المرء ثمن مواقفه المستقلة.

كعرب ومسلمين نعتز بالكثير من المثقفين الغربيين ممن وقفوا بكل ثبات مع الحق العربي في فلسطين المحتلة، وناصروا القضايا العربية لقناعاتهم بعدالتها، بغض النظر عن مواقف حكوماتهم، وكان لهم فضل كبير في كشف الكثير من الحقائق، التي حاول الإعلام الغربي المدعوم من قبل الآلة الصهيونية أو الجماعات المسيحية المتطرفة تشويهها.

وقد لا يتاح أحياناً للمثقف أن يتخذ موقفا صريحا خوفا من تعرضه للأذى الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وفي هذه الحال يصبح الصمت خيارا محترما ومقبولا. وربما يستطيع البعض أن يستخدم ذكاءه وقدراته الخطابية أو التعبيرية في التوفيق بين وجهات النظر المختلفة، فالمعارضة لا تُطلب لذاتها، كما أنه في السياسة كثيراً ما تكون الأمور متشابكة ومعقدة ولا وجود لأبيض أو أسود فيها، وإنما بقع رمادية متفاوتة في الدرجة والمساحة. فأفضل ما يقوم به المثقف هو تذكير الناس بالمصالح المشتركة، مساهماً في نزع فتيل الأزمة ووقف التصعيد الذي قد يفضي إلى الحروب والنزاعات المسلحة التي لا يربح منها غالباً أحد، والتي ينبغي أن لا يُلجأ لها إلا للتحرر الوطني أو الدفاع عن الحدود والثروات في حال اُستنفذت كل السبل الدبلوماسية الأخرى.

وقد يحصل أن ينحاز المثقف عن قناعة لمواقف السلطات في قضايا بعينها، حتى وإن خالف في ذلك رغبات الجماهير، وهنا عليه أن يكون شجاعاً، فلا يبحث عن الشعبية والأضواء والبطولة الزائفة، بل عليه مرة أخرى أن ينحاز لقناعاته ومبادئه. فمن الطبيعي أن يدافع المرء، مثقفاً كان أو غير مثقف، عن مواقف بلاده وكرامتها، بشرط أن يستعمل لغة الحقائق والمنطق والعدل، فلا ينزلق للمهاترات المخزية.

أما أسوأ ما قد يقوم به المثقف فهو أن يتحول إلى حية تبث سمومها وتحاول أن تسترزق من المشكلات أو الأزمات. والأسوأ أن يغلف ذلك بغطاء قيمي وطني، وكأنه بفعله المشين يثأر لكرامة وسمعة وطنه، بينما هو في الحقيقة انتهازي يبحث عن مكسب شخصي بحت. بل قد يبالغ في سقوطة من الهاوية فيبدأ

بتوزيع فرمانات التخوين على من يخالفه على الطريقة المكارثية إياها. هو في ذلك مثله تماماً مثل الإرهابي الداعشي، الذي يتستر بلباس الدين وأحاديث الجهاد لتحقيق منافع دنيوية شهوانية ومادية بحتة. ومثل هذا المثقف (إذا اعتبرناه كذلك مجازاً) لا يؤتمن، لأن ولاءه ظاهرياً وطني ولكنه في الحقيقة مستعد لتبديل جلده ليتناسب مع المرحلة، وليتماهى مع من يدفع له أكثر، أو يخدمه بصورة أشمل. وهو بانحيازه لشهواته ومصالحه الضيقة يكون قد خسر احترام الناس وحتى جمهوره حتى لو سبق وكانوا معجبين بفنه أو أدبه أو علمه.

في وسط الأزمات والتشاحن تصبح النفوس ضيقة، والأفكار سوداوية، وتُغلَّب النيات السيئة حتى بين أفراد العائلة الواحدة، فكيف إذا كنا نتحدث عن دول ومنظمات وقوى إقليمية ودولية؟ فتصدر التصريحات المتسرعة، وتنحسر اللغة الدبلوماسية المنمقة والمصقولة بعناية لتحل محلها لغة متشنجة، ومع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حالياً تبرز الوسوم (الهاشتاقات) المتعصبة، والتي كما وصفها أحد الزملاء عبارة عن بحر من الجنون. فهنا يكون المجتمع بحاجة إلى مفكريه ومثقفيه وكتابه ليحاولوا تفكيك المشكلات وتحليلها بطرق علمية ومنطقية، الغرض منها فهم أبعاد الأزمة أو تهدئة الأجواء وفتح المجال للوساطات الدبلوماسية. فلا يحتاج المجتمع وقتها حتماً إلى من يحبون اللعب بالنار وإذكاء العداوات والسخرية من الخصوم. عدا عن كون استخدام اللغة السوقية الساقطة يسيء لأهلهم ودولهم قبل من يشتمونهم لأنه يظهرهم وكأنهم بلا أخلاق، ويصبحون من المنافقين الذين من صفاتهم أنهم إذا خاصموا فجروا.

حفظ الله بلادنا من كل مكروه، وأبعد عنها شرور الأصدقاء قبل الأعداء.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 02, 2017 04:47

May 17, 2017

كلهم غشوا وسرقوا

cheatingحكت لي إحدى المسؤولات في جامعة سعودية، أنه تم ضبط مجموعة من الطالبات، وقد قمن بعملية غش جماعي في الواجبات الجامعية، وعندما أُحضرن للتحقيق في الحادثة، فمنهن من أبدت خجلها وندمها وطالبت بأن تعاقب بأية صورة تراها الإدارة مناسبة، وهو ما يحسب لهن، فالاعتراف بالحق فضيلة، ومنهن من غضبت لمجرد فكرة التحقيق معها، فهي لم تنكر الغش، لأنه لا مجال للإنكار فالأدلة ثابته، لكنها ظلت تجادل بتبرير عجيب وهو: «كل الناس تغش جات علينا؟!»، وعلى الرغم من أن هذا التعبير مستفزٌ، فليس مستغربا في مجتمعاتنا العربية للأسف.

فهذا المشهد نراه يتكرر في الغش التجاري، وفي الفساد المالي والإداري، فتردد هذه الجمل «كلهم سرقوا أموال الدولة/المؤسسة، أو استخدموا ممتلكاتها لغير العمل «كالسيارات ونحوها» ليش نحن فقط نتحاسب؟!»، أو «كلهم وظفوا أولادهم وأقاربهم جات علينا!».

وحتى في السياسية، إذ أتذكر جيدا أيام الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة، كان بعض العرب يبرر عدم الرغبة في تحرير الكويت بالقول: «ولكن فلسطين محتلة. لماذا لا تحتشدون لتحريرها؟». واليوم كذلك حين نتحدث عن جرائم النظام السوري يأتينا الجواب: «وماذا عن جرائم إسرائيل؟ وماذا عن بقية الأنظمة الديكتاتورية الدموية؟!».

فمن الواضح أنه تسيطر على الذهنية العربية فكرة أن الحساب يجب أن يكون جماعيا وشاملا وعاما، حتى يكون عادلا. فإما أن تعاقب كل المغتصبين والمتحرشين والقتلة والفساد والسُراق أو لا تحاسب أحدا!، ويكاد يستحيل أن يقع كل المذنبين في قبضة العدالة، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، إما لعدم كفاية الأدلة، أو لعدم معرفة الجاني بالأساس، أو للنفوذ والفساد، أو ببساطة لأنها العدالة الربانية بأن يُعجل الحساب للبعض في الدنيا، فيما سيُضاعف العقاب لغيرهم في الآخرة. ولذلك، فوفق هذا المنطق يجب أن يُترك الجميع بلا حساب، ويا له من مجتمع مرعب ذلك الذي يعرف المجرم فيه سلفا بأنه لن يطاله العقاب.

إن مجرد شريحة أو بضع شرائح في المجتمع تعتقد بأنها فوق القانون، أو أنها قادرة على التحايل عليه، كفيلٌ بأن يتسبب في وقوع كثير من الجرائم والمشكلات، وهو ما نشاهده في تعدي بعض كبار التجار والأعيان وغيرهم على الأراضي والممتلكات العامة مثلا، أو ما نراه في المحاكم من تعدي بعض الرجال على زوجاتهم وأطفالهم، أو تعدي بعض النساء على الخادمات والمستضعفين من الأطفال. فما بالنا لو انتشر هذا الفكر لدى شرائح أوسع حتى ليكاد يشمل المجتمع كله؟

تبدأ المشكلة على ما يبدو من البيت، حين يغضب الأبوان من توبيخ أو معاقبة ابنهم لذنب ارتكبه في المدرسة أو الشارع أو لدى الأهل والجيران، فبدلا من الحرص على تعليم الصغير السلوك القويم، ليستشعر حجم الخطأ، ويتعلم منه كيف يكون إنسانا خلوقا، ومسلما صالحا، ومواطنا محترما، يتم الدفاع عنه -أمامه- باستخدام الحجة نفسها «فيما لن تنجح المحاولة الأولية لإنكار علاقة الملاك الطاهر بالجرم المنسوب!»، فينشأ معتقدا أن ما قام به أمرٌ طبيعي، أو على الأقل غير مستهجن، ما دام ليس الوحيد الذي يمارسه، فكلهم يفعل ذلك. فكل الجرائم تبدو صغيرة، وكل الذنوب تظهر بسيطة عندما تمارسها الجماعات لا الأفراد.

روت لي بغضب إحدى النساء عن تعرض ابن أختها الصغير «4 سنوات» لتحرش جنسي واضح في إحدى مدن الألعاب ممن يكبره سنا، في حدود الحادية عشرة تقريبا، فقد شاهدته الأم نفسها، كما فضحته كاميرات المراقبة، وحين أحضروا ولي أمره -والده- لم يبدُ عليه التأثر إطلاقا، فبرأيه هذا أمر يمارسه غالبية الأولاد في سنه، «ستعاقبونهم جميعا؟ فماذا تريدونني أن أفعل؟ لا تكبّروها!» فإذا وصلنا إلى مرحلة اعتبار التحرش الجنسي بالأطفال أمرا طبيعيا من بعض الأهالي أنفسهم، فلا شك أن المشهد ليس جيدا على الإطلاق.

يحتاج الفرد العربي والمسلم اليوم إلى أن يعود لمصادر التشريع في دينه، والتي تعلمه بأن المرء محاسب على أفعاله وأقواله ونيته وأفكاره، ما دام قد بلغ سن التكليف، وبأن ضلال الأمة وفساد الولاة والحكام والتجار والمجتمع بأسره، كلها ليست مبررا لانحراف وضلال الفرد، ولن تشفع له هذه الحجة يوم الدين، حين يقف بين يدي ربه، فكل نفس بما كسبت رهينة، ولا يضرك من ضل إذا اهتديت، وكل مسلم سيأتي ربه يوم القيامة فردا. وبالتالي، فإن من الطبيعي أن يتحمل الأفراد عواقب أفعالهم، بغض النظر عن الآخرين، وما سيحصل لهم ومعهم، وما سيجري عليهم.

صحيح أن الحرص في معاقبة الكبار قبل الصغار، والأغنياء قبل الفقراء، وأصحاب النفوذ قبل البسطاء، يسهم بشكل كبير وفعّال في تعزيز قيم العدالة في المجتمع، ويقول لمن تسول نفسه ارتكاب الخطيئة بأنه لن ينجو من العقاب الذي لم ينجُ منه ابن فلان، وهو من هو مكانةً أو حسبًا أو نسبًا أو مالا. وبالقدوة الحسنة كشخص في موقع المسؤولية تقنع الآخرين بانتهاج السلوك القويم أكثر بكثير من عشرات الخطب الرنانة والمحاضرات المكررة، لكن في الوقت ذاته فإنه في حال لم يتم الاقتصاص من هؤلاء، أو حتى من كل الناس العاديين -غير الشخص المعني في حادثة بعينها- فهذا لا يعني أنه يجب ترك الحبل على الغارب، وترك المجرمين يعيثون في الأرض فسادا، فعندها سيغيب الأمن والأمان، وسيتحول المجتمع إلى غابة لا يأمن المرء فيها على نفسه أو أهله أو ماله، والبداية من المدرسة، ففيها تبدأ صناعة المواطن الصالح أو الفرد الطالح.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 17, 2017 02:45

May 14, 2017

أحلام امرأة سعودية

articleلست متأكدة بأنن يكنت سأصبح كاتبة أكتب بإنتظام في الشأن المحلي منذ ما يقارب خمسة عشرة سنة، وأنا يومها طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، فيما لو كانت أحوال المرأة في بلادي مرضية أو متوافقة مع طموحاتي. فشعلة الكتابة في أحيان كثيرة تولد من رحم المعاناة، وهذه المعاناة ليس بالضرورة أن تكون شخصية، ولكنها معاناة تلامسها حولك وتدرك بأنك لست سوى قاب قوسين منها فيما لو تغيرت الظروف. ولو أحصيت عدد المقالات التي كتبتها في جريدة الوطن فقط -عددها يزيد عن 400 مقالة- لوجدت بأن نصفها تقريباً يدور حول المرأة وقضاياها التي لا تنتهي عندنا. في السنوات الأخيرة حاولت ألا أكتب عن هذا الموضوع بقدر استطاعتي، فقد بات بالنسبة لي مكرراً حد التشبع، والتكرار ممل جداً بالنسبة لي. لكنني أقر اليوم بأن هذا القرار ليس صائباً! فقد وجدت بأن مرده الأساسي ليس الملل وإنما اليأس الذي لا يليق بأصحاب القضايا المصيرية، كما أنه لا يصح أن تتوقف عن التسويق لقضية أنت مؤمن بعدالتها حتى يتحقق ما تصبو إليه. فماذا يجب أن نكتب عن المرأة السعودية؟

لا شك أن ما صدر عن الأمر السامي مؤخراً من توجيهات لأجهزة الدولة في كيفية التعامل مع المرأة، وعدم اشتراط موافقة ولي الأمر المطلقة على كل قرار متعلق بها، يصب في اتجاه تعزيز مواطنة المرأة السعودية، وفي تمكينها من مباشرة أمور حياتها وتحقيق طموحاتها بقدر أقل من التعقيدات. وفي واقع الأمر، فإن الدولة قد أصدرت في أوقات متفوتة تعليمات جيدة تصب في الاتجاه نفسه، وتهدف إلى حماية المرأة من تعسف محتمل لبعض أولياء الأمور. إلا أن الكثير من الأجهزة الحكومية ومن شركات القطاع الخاص، كانت تختار جهلاً أو تجاهلاً أو توجساً أو عدم قناعة أن تتجاهل هذه التعليمات والقرارات، وتقوم باجتهادات إجرائية وقانونية تنسف هذه الجهود. أما الآن بعد أن أصدر راعي هذه البلاد وقائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- توجيهاته السامية بهذا الخصوص، فلم يبق لأحد عذر. والجهة التي تختار أن تواصل التجاهل عليها أن تتعرض للتحقق والعقوبة. فهل مازال للمرأة السعودية مطالب بعد الآن؟

للأسف ما كدنا نفرح بالتوجيهات الجديدة حتى تداول المغردون في شبكات التواصل تصريحاً منسوباً لمتحدث من هيئة حقوق الإنسان يوضح فيه بأن” ابتعاث المرأة وتصريح السفر واستخراج الجواز يُشترط لها موافقة ولي الأمر،وقيادة المرأة للسيارة موضوع خلافي وقرار مجتمعي”. فإن صح ذلك، فهذا يعني أنه مازال أمامنا الكثير والكثير لننضال من أجله كنساء سعوديات. وأستغرب استمرار استخدام حجة المجتمع فيما يتعلق بموضوع قيادة المرأة للسيارة. فلو استمعنا للمجتمع إياه – خاصة في قضايا المرأة- لكنا لليوم بلا بطاقة بطاقة هوية شخصية للإناث، وبلا مدارس نظامية للبنات، ودون جامعات حكومية للنساء، ومن غير مبتعثات ولا طبيبات ولا مهندسات ولا محاميات. باختصار لظلت المرأة متاعاً يتصرف فيه ذكور العائلة فيزوجنها قاصرة لمن يرونه مناسباً لهم، دون أن يكون لها من الأمر شيء. المصلحة العامة للنساء المتضررات من الحظر هي من يجب أن تحسم هذا الموضوه الذي يكبل حياتنا إقتصادياً وإجتماعياً من ناحية، ويسيء لسمعة ديننا، ويعرض بلادنا للأسف للتندر والسخرية والنقد اللاذع على صعيد عالمي. ولو كان ذلك النقد موجهاً لشيء من صميم ديننا وقيمنا وثوابتنا الوطنية، لدافعنا عنه بضراوة، رضي من رضي، وغضب من غضب، لكن كيف تدافع عن الأوضاع المائلة؟

وبعيداً عن السفر والقيادة والابتعاث وجواز السفر، لازالت النساء حتى ممن تشغل مناصب مهمة موازية لمناصب الرجال، وتتمتع بتعليم عالٍ قد يفوق أخوتها الذكور تعاني من محدودية سلطاتها وصلاحيتها بدون سبب إلا لجنسها.

لنأخذ مثالاً البنوك، يطلبون منا دائماً أن نراجع الفرع النسائي، لكن ما أن تجلسي لدى الموظفة، وتطلبين طلبات مختلفة عن المعتاد (أي غير فتح حساب وسحب وإيداع)، أو تكون لديك مشكلة ما، ستجدينها ترفع السماعة على مديرها، حتى لو كانت هي نفسها مديرة الفرع، لتسأله وتستشريه وتأخذ إذنه. في صورة توضح للأعمى بأن موظفات البنوك هن في الغالب موظفات استقبال يقمن بأعمال سكرتارية وخدمية، لكن “القرار” المهم هناك.. خلف الجدار.

ولا تختلف الدوائر الحكومية عن ذلك كثيراً، نفس المشهد يتكرر، بل حتى في الجامعات، صروح المعرفة وديار العائدين من أمريكا وأوربا، نجد أنه –بإستثناء الجامعات النسائية البحته- فإن الرئيس رجل، والوكلاء والعمداء ورؤساء الأقسام والمراكز والبرامج كلهم رجال مع استثناءات قليلة لا تُرى بالعين المجردة. ربما درس الدكتور وزميلته في نفس الجامعة الأمريكية، وربما حصلا على الشهادة في السنة نفسها، لكنها ستكتشف فور العودة بأنه ينتمي للجهة التشريعية، فيما تسكن هي الجهة التنفيذية، وبالتالي ينعدم مبدأ تكافؤ الفرص ليس في المناصب فقط وإنما في البحث العلمي والتدريب وريادة الأعمال وغيرها. فليس مستغرباً أن نجد في نفس الكلية عضو هيئة تدريس يشغل ثلاثة أو أربعة مناصب مختلفة، في حين لم تحصل هي، بغض النظر عن علمها أو كفاءتها أو أقدميتها أو قدراتها الإدارية، على منصب إداري واحد. وهذه المناصب لا تطلب لذاتها ولكنها تفتح أبواباً أخرى للدخل المادي الإضافي، وللترقية وللتعاون خارج وداخل الجامعة.

بإختصار، في بيئة العمل بشكل عام، لاتزال المرأة في المقعد الخلفي، حتى عندما تسلم منصباً ما، فإنه يتم تميمه بحيث يكون منزوع الصلاحيات، ولا بد أن يمر عبر قناة ذكورية.

فنعود للسؤال السابق: ما هي أحلام المرأة السعودية اليوم؟

التمكين الحقيقي الذي يعني مواطنه حقيقية، تتساوى فيها مع شقيقها الرجل في الحقوق والواجبات، إلا ما يستثى – وذلك محدود جداً- من قبل الشرع الحنيف.

المرأة لا تهدف إلى الاستيلاء على وظائف الرجل أو على مناصبه، لأنها بالأصل لا ينبغي أن تكون تلقائياً لا له ولا حتى لها. ينبغي أن يكون المعيار هو الأفضلية والأهلية، ويصبح الجنس (النوع ذكر أو أنثى) أمراً ثانوياً بل وهامشياً. في أوربا وأمريكا كنت أنسى أحياناً أنني امرأة، أي لا أفكر بذلك بشكل متعمد، بينما أعي ذلك جيداً كل صباح، حينما انتظر بضجر رد سائقي على مكالمتي لتجهيز سيارتي.


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 14, 2017 03:30

May 3, 2017

حتى لا تضيع الفرحة

money_flyingمساء ليلة السبت الفائت كان خبر عودة البدلات المفاجئ مبهجاً لقلوب المواطنين العاملين في القطاع الحكومي من مدنيين وعسكريين، لا سيما وقد جاء قبل شهر رمضان والأعياد والإجازات، وهي مناسبات ترتفع فيها نسبة الصرف لدى الأسر السعودية. وكان هذا الموسم – قبل قرار عودة البدلات –هو الموسم الأول الذي ستواجهه هذه الأسر برواتبها الجديدة وسط قلق ومخاوف. لاسيما وأنه بعد الإجازة هناك هم آخر وهو الأقساط المدرسية التي ما فتئت تواصل الصعود دون مبرر منطقي. لذلك كما أسلفت، عمت الفرحة البيوت، وارتفعت الأكف بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين على المفاجأة الجميلة التي جاءت في التوقيت المناسب. إذ تنفس الكثيرون الصعداء، خاصة من لديهم ديون والمتعثرون في السداد بسبب انخفاض دخلهم عما كان عليه وقت أخذهم القروض البنكية الشخصية والعقارية. لكنهم بعد ذلك بقليل، بدأ البعض يتوجس من أن تُسرق هذه الفرحة بارتفاع أسعار السلع والخدمات.

فعلى بالرغم من أن الأسعار بشكل عام لم تشهد انخفاضاً كبيراً خلال الأشهر السبعة الماضية، ولم تتأثر بشكل دراماتيكي بانخفاض دخل السواد الأعظم من الطبقة المتوسطة، كما ذكرت في مقال سابق قبل بضعة أسابيع، إلا أنها على الأقل توقفت عن التصاعد المجنون. بل شاهدنا بعض القطاعات الصحية مثل عيادات التجميل والأسنان والأنديةالرياضية تقوم بعمل تخفيضات وعروض موسمية للحفاظ على زبائنها ومحاولة كسب زبائن جدد. أيضاً قاعات الأفراح ولوازمها شهدت بعض الانخفاض. فكما أخبرتني زميلة تعمل مع زوجها في مؤسستهما الخاصة بأنه إذا كنت كموظفة حكومية قد تضررت بشكل مباشر من حزمة الإصلاحات الاقتصادية عن طريق فقدان 40% من راتبي، فإنهم قد تأثروا بشكل غير مباشر، بسبب انخفاض الطلب على منتجاتهم وخدماتهم. فالناس في وقت الشدة أعادت ترتيب أولوياتها، وأجلت الكثير من المشاريع غير العاجلة أو غير الضرورية.

الخوف الآن من أن تعود ريما لعادتها القديمة، كما يقول المثل الشعبي الشهير، بمجرد أن يسمع التجار والمستثمرون ورجال الأعمال بتوفر سيولة إضافية لدى الأفراد، لاسيما في فترات المواسم، بات الخوف أن نشهد ارتفاعاً سريعاً في الأسعار يأكل الراتب الذي استعاد للتو عافيته. فنتمنى أن تراقب وزارة التجارة الوضع عن كثب وتحمي المستهلك من الزيادات المتوقعة. وقطاع التعليم الأهلي تحديداً معروفٌ بالجشع ورفعه الأسعار بشكل تزايدي كل عام فيما يشبه الابتزاز أحياناً بالنسبة للأهالي. فنأمل من وزارة التعليم كذلك أن تكون متيقظة ولا تسمح لهم بأي زيادة قبل بداية العام الدراسي الجديد (1438-1439).

مصدر القلق الثاني لدى الناس هو الارتفاع في أسعار الخدمات الأساسية، لاسيما وتباشير صيفنا اللاهب قد بدت سلفاً، ففصل الربيع قد انتهى والحرارة في ارتفاع. ومن المفروغ منه أن استهلاك الماء والكهرباء والغاز والبنزين سيرتفع بشكل كبير، رغم كل الدعوات للإرشاد، فالأسر السعودية -ما شاء الله- كثيرة العدد. كما أن موسمي الإجازات والأعياد يعنيان استهلاكاً أكبر للوقود للسفر داخل أو خارج المملكة. فالسؤال الذي يدور في خلد أرباب الأسر حالياً: هو هل ستختفي هذه البدلات سريعاً لسد هذه الاحتياجات الضرورية؟

أوقات الشدة تفيد الإنسان وتمنحه الكثير من العبر والدروس أكثر بكثير مما تفعله أيام الرخاء، ولا شك أنه كان على الكثير من الأسر أن تتعايش مع الأوضاع الجديدة خلال الأشهر الماضية، فغيرت من سلوكياتها ورتبت أولوياتها، وهو بلا شك ليس أمراً سهلاً كما قد يبدو للوهلة الأولى، لا سيما مع كثرة الالتزامات المادية للأسرة، فقيامها بذلك بشكل ناجح لهو مدعاة للإعجاب والفخر بلا شك. وقد تعالت الأصوات من قبل الاقتصاديين والمحللين بمجرد صدور الأخبار السعيدة مطالبة الناس بعدم العودة لنمطهم الاستهلاكي السابق، وبمواصلة العيش بدون البدلات، فهذه الأخيرة ينبغي أن توجه للادخار أو الاستثمار. وهو رأي فيه الكثير من الحكمة والمنطقية، فقد تعلمنا الآن –بالتجربة- أن دخلك المادي قد يتأثر بشكل كبير بين ليلة وضحاها وبالتالي يجب أن تكون مستعداً. ناهيك عن كون الإسراف رذيلة حذر منها رب العزة والجلال في كتابه العزيز.

لكن سؤال المليون هنا: هل سيبقى من هذه البدلات «العائدة» شيء؟ أم أنها ستكتفي بمصافحة المواطن في آخر كل شهر قبل أن تختفي سريعاً بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية؟ فيردد موظفو وموظفات القطاع العام بعدها المقولة الشعبية الشهيرة: يا فرحة ما تمت!


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 03, 2017 23:27

April 20, 2017

حرية الفرد أم حقوق الجماعة

لعل واحدة من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العربية والمسلمة، والتي تعتبر المصدر الرئيسي لبقية المشكلات، هي اعتبارها جزءا من الجماعة (القبيلة، العائلة، aw40الدولة)، وليست فرداً مستقلاً. بالرغم من أن الإسلام يكرر في أكثر من موضع مبدأ أن كل إنسان –بالغ راشد عاقل-مسؤول عن نفسه، ووحده سيتحمل عواقب أفعاله، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ولم يفرق في الخطاب بين الذكر والأنثى إلا في مواضع محددة، بينما الخطاب الأعم كان للإنسان. فلماذا تصر هذه الأجيال المتلاحقة على أن تعيش في عصر الجاهلية، حيث تدفن الرضيعة خوفاً من عار قد تجلبه، ولا يقتل الصبي تحسباً لجريمة ربما يرتكبها؟

نشاهد أن الأمور التي تخص الرجال، سواء كانت الواجبات أو السنن، يتناقش حولها الرجال (هل قرأتم مقالاً لكاتبة تتحدث فيه عن حكم إطالة الثوب؟!)، بينما أدق خصوصيات المرأة من لباس وتزيين وطهارة وخلافه يتدخل فيها الرجال دون أي استهجان من المجتمع. وكأن حقه الطبيعي كذكر أن يرسم خط حياة الأنثى، حتى لو كانت هذه الأنثى أمه التي أرضعته، أو أخته التي حممته، أو زوجته وإن كانت أكثر منه علماً ومالاً وحكمة ومكانة. فعندما يخطئ الرجل، يتم الحديث عن خطئه كخطأ فردي، قد ينال عقوبة عليه، وإن اقتنعوا بأنه تاب أو استقام أو نال جزاءه، فهذا المجتمع العربي – الإسلامي، مستعد أن يغفر له زلاته، ويزوجه خيرة بناته. عدد كبير من الشباب الذين انخرطوا في نشاطات إرهابية ثم تابوا وأفرج عنهم بعد برنامج المناصحة قد تزوجوا وأكملوا حياتهم. بل لعل بعضنا يذكر كيف أنه قبل بضع سنوات قام أحد المساجين بتزويج ابنته لزميله المحكوم عليه بالإعدام!

بالمقابل، فإن أي زلة صغيرة للأنثى دون اعتبار لسنها، فقد تكون طفلة أو مراهقة، قد تحرمها من الزواج أو الدراسة أو الحياة الطبيعية، أو حتى الحياة نفسها. ووصلت القسوة والظلم ببعض الأهالي إلى ترك بناتهن في السجون أو دور الرعاية الاجتماعية لسنوات طويلة بعد انتهاء محكوميتهن لإحساسهم بالعار، ولمعرفتهم بأن خطأ الأنثى، ولو كانت ابنة الرابعة عشرة لا يغتفر، وبالتالي لم تعد لها فرصة في الزواج أو غيره.

بالمقابل هذه العائلة نفسها لو قتل ابنها، الذي تجاوز الثلاثين، متعمداً صديقه لأنه شتم ناديه المفضل، ستلهث باحثة عن تجميع مبلغ دية من ستة أصفار، وستطلق صرخات الإغاثة، وسيصلك عبر الواتساب مقطع فيديو مع خلفية تصويرية حزينة لتظهر الأم المكلومة والشيخ الباكي ليطلبوا منا جميعاً المساعدة في عتق رقبة المجرم، وتغيب دموعهم هذه عندما يتعلق الأمر باضطهاد ابنهم بزواج أو طلاق قسري أو استخدام القسوة المفرطة معها عند أصغر هفوة.

نحن تعودنا هذه التفرقة الاجتماعية بين الذكر والأنثى في مجتمعاتنا التي تعيش ردة جاهلية عندما يتعلق الأمر بالنساء، حيث يرفض «الغيارى» استشهادنا بخديجة بنت خويلد، وأم عمارة وأسماء بنت أبي بكر الصديق والشفاء بنت عبد الله وعائشة رضوان الله عنهن أجمعين، والمكانة العالية التي تمتعن بها في عصر صدر الإسلام، والأدوار المهمة التي لعبنها في الحياة العامة. فلم يكنّ يوماً مقموعات ولا مهمشات ولا مستضعفات. فهذه الثقافة باتت جزءاً من العادات والتقاليد المقدسة، والتي يصعب تغييرها بين ليلة وضحاها.

لكن ما يجب أن يتغير دون انتظار لاقتناع المجتمع، هي القوانين والتشريعات والتنظيمات الإدارية، التي يجب أن تصاغ لتحفظ حقوق وكرامة الفرد، ولترفع عنه الظلم، بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه ومذهبه وجنسيته. وهو ما تتلكأ الدول العربية والإسلامية في تحقيقه كما ينبغي. ولولا ذلك لما استمرت حتى الآن ممارسات بشعة وظالمة مثل ختان الإناث، وزواج الصغيرات، والإكراه على الزواج عموماً، وجرائم الشرف، والعضل، والحجر، والحرمان من الإرث، أو حرمان المطلقة من رؤية الأطفال أبنائها، أو تحريم الزواج من خارج العائلة أو القبيلة أو البلد، أو المنع من السفر أو الدراسة أو العمل. قد تتفاوت نسبة المظالم التي تعيشها المرأة من بلد عربي أو إسلامي إلى آخر، لكن لا توجد دولة واحدة نجحت بامتياز في هذا المضمار. حتى تركيا التي استطاع أتاتوركها أن يغير حروف اللغة، ويبدل شعيرة الأذان، ويمنع الحجاب، ويطمس كل ما له علاقة بالإسلام، لم يستطع أن يقضي على الممارسات الفظيعة كزواج القاصرات وجرائم الشرف في القرى والأرياف والتي لا تزال مستمرة رغماً عن أتاتورك العلماني وإردوغان الإسلامي. أما باكستان التي سبقت بعض دول أوروبا في تولي امرأة منصب رئيسة الوزراء قبل ثلاثة عقود، فهي أيضاً فشلت حتى اللحظة في إيقاف مهزلة المحاكم العشائرية ضد المرأة في أريافها كذلك. والأردن الشقيق الذي وقع اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني نفسه، لم يستطع برلمانه أن يحل مشكلة جرائم الشرف الدامية. وعندنا في المملكة فإنه بالرغم من كل الإصلاحات الاقتصادية الصعبة والمهمة، لم تصل بعد إلى إصلاح شامل لوضع المرأة ورفع هذه الوصاية الذكورية شبه المطلقة عليها من المهد إلى اللحد. إذ تصطف بعض أجهزتها أحياناً إلى جانب الرجال، الذين يمثلون الجماعة دوناً عن الفرد، كما هي الحال في قضايا طلاق النسب.

بعكس ما يشاع من قبل أعداء حقوق المرأة، لم يكن هناك جيل من النساء راضٍ بالظلم، لا الأمهات ولا الجدات ولا جدات الأمهات ولا جدات الجدات. لكن تضافرت عوامل الفقر والجهل والخوف والأعباء الأسرية عليهن ومنعتهن من المطالبة بحقوقهن. اليوم هناك جيل جديد من النساء العربيات، هؤلاء لم يعدن يكتفين بالمطالبة ورفع الصوت بل بتن يتخذن أساليب عملية وجريئة لتحقيق رغباتهن، لا سيما إن كن واقعات تحت ظلم شديد، وليس لديهن ما يخسرنه. فلا تهرب فتاة من بيت منحها الحب والحنان والإحساس بالكرامة حتى لو حصل صدام وقتي واختلاف طارئ، مهما كانت المغريات. وإن وجدت حالات شاذة، فالشاذ لا حكم له.

ما يجب أن يدركه المشرعون هو أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وبالتالي استمرار التعامل مع الفتيات بمنطق الوصاية والتعسف لن يجدي نفعاً، فستخرج من رحم معاناتهن نساء أكثر تمرداً وأصلب عوداً.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 20, 2017 10:23

April 15, 2017

تشجيع للموهبة أم استغلال للطفولة

لم أكن أعرف ولا أتابع تلك الطفلة الجميلة الموهوبة، وإنما جاءني اقتراح من برنامج «الإنستجرام» للمتابعة، فأثارت صورتها على حسابها فضولي وضغطتُ على الرابط، ثم أمضيت قرابة ساعة أتجول بين صورها وأفلامها ومشاركاتها المختلفة، وانتابتني مشاعر متناقضة. هنا صبية سعودية يتراوح عمرها ما بين العاشرة والثانية عشرة تقريبا، وهي جميلة وأنيقة وموهوبة، وتبدو كأميرة صغيرة من قصص ما قبل النوم. لا ليست مجرد طفلة بوجه جميل، بل من الواضح أنها تتمتع بالفعل بمواهب متعددة: الغناء والرقص والإلقاء والتمثيل والحديث مثل الكبار، وقد أعطاها الله فوق ذلك سماحة وقبولا وابتسامة آسرة. ما الذي أزعجني إذاً؟ ما شاهدته في بعض الصور وبعض الفيديوهات، حيث تساءلت حينها: هل من الصواب أن تتصرف هذه الصغيرة على هذا النحو؟ وأن تكون صورها وأفلامها متاحة للجميع هكذا؟ ولكن مهلا، أليس لها أبوان وهما مسؤولان عنها، وهما من يسمحان لها بكل هذا؟

فبرز السؤال الأصعب والأهم: فما حدود سلطة الوالدين على أبنائهما؟ هل هي مطلقة؟

الطفلة التي لفتت انتباهي تحديدا كان حالها أفضل بكثير من غيرها. إذ كان لبسها بشكل عام محتشما، وكانت تلبس وتتصرف كطفلة، ومن الواضح أن والديها وإخوتها معها باستمرار في المشاركات المختلفة. ومع ذلك لم يعجبني أن هذه الصغيرة التي توشك على دخول عالم الأنوثة، ترقص مثل الكبار على أنغام أغاني الكبار في مكان عام، وتتصور بأريحية مع رجال من مختلف الأعمار والجنسيات. فمهما حاولنا تجاهل حقيقة وجود من في أنفسهم مرض، ممن يشتهون الصغيرات، فهم موجودون للأسف في كل مجتمع، بدليل وجود زواج القاصرات ممن هن حتى أصغر سنا منها. فهناك من سيرى هذه الفراشة البريئة أنثى مغرية فحسب. كما أن وجود حسابات لها على وسائل التواصل الاجتماعي، التي هي أشبه بالشارع الذي يجول فيه كل من هب ودب، يجعلها عرضة لتعليقات مسيئة، ولتحرش لفظي، وحتى لمحاولة إغواء عبر طلب التواصل على الخاص.

من ناحية أخرى، أتخيل ماذا سيحصل لهذه الصغيرة خلال عامين على الأكثر، حينما تصل سن البلوغ، ويُفرض عليها الحجاب شرعا، مع مجموعة قيود شرعية واجتماعية أخرى، فهي على ما يبدو من عائلة محافظة. كيف سيتم إقناعها بالتخلي عن هذه الحياة الصاخبة فجأة؟ كيف ستتقبل فكرة أنه لا يصح أن تشارك صورها وحياتها بشكل عفوي كما تفعل الآن؟ من سيحميها من داء الشهرة اليوم، وداء ما بعد الشهرة غدا؟ وكيف تؤثر مشاركاتها المحلية والعربية من خلال المناسبات الوطنية والمهرجانات التسويقية المتواصلة على أولوياتها الأهم مثل دراستها وصحتها؟

وماذا عن الدخل الذي تتحصل عليه من هذه المشاركات، من سيديره ويحفظه لها حتى تبلغ سن الرشد؟ لعنة الشهرة للصغار لم ينج منها الأطفال حتى في الدول التي لديها برامج واضحة لحمايتهم، وقوانين رادعة لمنع استغلالهم، وتحويلهم إلى «مصدر دخل» لذويهم. وكم شاهدنا من قصص طلاق بين أهالي الأطفال المشاهير، وما يتبعها من معارك مريرة من أجل حق الحضانة والوصاية على أموالهم. فكانت الشهرة والثراء وبالاً على الطفل المشهور، وتسببت بتدمير مستقبله، وربما إصابته بأمراض نفسية لازمته طول العمر. أبرز مثال يحضرنا هنا هو الممثل الأميركي (ماكولي كالكن)، بطل فيلمي وحدي في المنزل 1و2 اللذين ذاع صيتهما في التسعينيات.

فوجئت بفتيات أخريات من عوائل محافظة ومتحفظة، إذ نرى صورة الابنة مع أمها، وهذه الأخيرة لا تظهر أي شبر من جسدها، في حين الابنة متناقضة معها بهيئتها. فهي ترتدي ما يُعتبر في عرف مجتمعنا لبسا غير لائق، كأن يكون ضيقا ومكشوفا وقصيرا جدا لفتاة باتت قاب قوسين أو أدنى من بلوغ سن التكليف، وتضع المكياج الكثيف وكأنها عروس في ليلة زفافها، وتظهر في الكثير من الصور التي فيها ميوعة وتقليد لعارضات الأزياء الغربيات.

الغريب أن بعض هؤلاء الصغيرات بدأت شهرتهن في قنوات «إسلامية»! ويبدو أن بعضهن قد انتقلن من مرحلة أناشيد الصغار أو أغاني الكبار إلى التنافس في إلقاء «الشيلات»!

جيلنا والأجيال السابقة لنا تربت على شيء من الشدة والحزم عندما يتعلق الأمر باللباس وتبادل الصور مع الصديقات منذ سن مبكرة، فأستغرب أن تعمد الأمهات أنفسهن، وهن من جيلنا، إلى نشر صور بناتهن الصغيرات بأبهى حلة على الحسابات الإلكترونية المفتوحة، بل يسعين إلى زيادة عدد المتابعين وعدد الإعجابات و«اللايكات» و«الريتويت»، ويتنافسن على ذلك.

في الوقت نفسه، فإن ممثلة مشهورة من هوليود وهي الأميركية آن هاثواي، والتي قامت مؤخرا بنشر صورة جانبية لصغيرها البالغ من العمر عاما واحدا بملابس النوم على حسابها في إنستجرام، ولا يظهر تقريبا شيء من ملامحه، قد أبدت ندمها الشديد على نشر تلك الصورة. فقد شعرت بأنها انتهكت خصوصيته، وربما عرضته للخطر من قبل بعض الأشخاص السيئين الذين يعج بهم الإنترنت. وقالت بأنها تنوي من الآن فصاعدا الانتباه لما تنشره من صور لعائلتها على شبكات التواصل الاجتماعي. فهذه الممثلة تدرك أن للكبار قوانينهم وللصغار أيضا، وأن من واجب الأبوين، بغض النظر عن الحياة التي يختارانها لأنفسهما، حماية صغارهما من الأخطار القريبة والبعيدة، الظاهرة والمحتملة.

نشر التوعية بين الأهالي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، بحيث نجعل هذه الأم ترى المشهد الأكبر كما يقال لما تقوم به اليوم مع طفلتها الجميلة أو الموهوبة، وتضع في الحسبان الانعكاسات المستقبلية. لا نطالب بحبس الصغيرات وعدم السماح لهن بالتعبير عن أنفسهن وممارسة ما يحببن فعله، ولكن لا بد من وجود شروط وقواعد وأحكام تضعها كل عائلة بحيث تضمن سلامة أبنائها الجسدية والعقلية والنفسية. أما الخطوة الثانية التي قد نحتاج إليها، فهي سن تنظيمات من قبل الدولة لحماية الأطفال، ومنع استغلال براءتهم وطفولتهم بهدف المال أو الشهرة، حتى من قبل أقرب الناس إليهم مثل والديهم.


المقال في صحيفة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 15, 2017 00:48

April 5, 2017

إخواني أم أعدائي

أغلب البشر يعيشون وفق قناعات أو مبادئ محددة، تفرض عليهم أفكارا وسلوكيات وقيما بعينها. فقد يكون الجامع أو المحرك لها دينيا، أو قد تكون ناشئة من توجهات فكرية مختلفة. خلاصة القول إن انتساب المرء عن قناعة لدين أو فكر أو جماعة، يعني بالضرورة أن يكون مؤمنا بجل مبادئها، وملتزما بالأركان الأهم فيها. ولا يصح له أن ينتقي ما يشاء منها، وقتما يشاء، بما يخدم مصالحه على الطريقة الميكافيلية بأن الغاية تبرر الوسيلة!  عندما كنا أطفالا تشبعنا كثيرا بفكرة الأممية، أممية المسلم في انتمائه. كان الحديث عن الوطنية آنذاك قليلا وباهتا، بل لم نكن في مدارس البنات، في المرحلتين المتوسطة والثانوية، نردد النشيد الوطني مطلقا. وفي الوقت عينه، على مسرح مدرستنا الصغير استمعنا لنشيد مؤثر عن سراييفيو، وشاهدنا فيديوهات مؤلمة، وحضرنا محاضرات مبكية، عن إخواننا في فلسطين وأفغانستان والبوسنة والصومال واليمن وكشمير. معلماتنا كن يرددن:«فأينما ذُكر اسمُ اللهِ في بلدٍ….عددتُ ذاكَ الحمى من صلبُ أوطــاني».

وعليه نشأنا ونحن نعتقد بأنه لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى. كان ذهاب شبابنا للقتال مع «إخوانهم» أمرا طبيعيا بل مطلوبا، ولاحقا كان تنظيم حملات مقاطعة المنتجات الأميركية لممارستها العدوان على العراق أو لدعمها اللا منته لدولة الكيان الصهيوني أمرا مفروغا منه. سيطرت فكرة أن ما أصاب إخوتك كأنه أصابك بالضبط، فألمك واحد، وجرحك واحد، ومن يسيء إلى القدس فقد أساء إلى مكة. بل وإلى اليوم، تجد السعودي ينفعل للأحداث في مصر أو تركيا، ويدعو لأهل العراق، ويغلي الدم في عروقه لشأن ليبيا، ويبكي حرقة لأجل الشام، حتى إذا سألته: وما دخلك أنت؟ قال: كيف تسأل هذا السؤال؟! إنهم أهلي! إلى هنا وكل شيء متوقع لأسباب دينية وتاريخية وجغرافية. ما هو غير مفهوم، هو كيف تتغير النظرة، وتنعكس الآية، وتتبدل العلاقة كليا، عندما يأتي هذا «الأخ» ليقيم بيننا! إذ بتنا نلاحظ مؤخرا تصاعدا في اللهجة العدائية تجاه المقيمين، خاصة من الإخوة العرب والمسلمين، وتحميلهم وزر كافة مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية وحتى البيئية. ويتحول الموقف منهم من كونهم إخوة الدم وشركاء المصير إلى اعتبارهم كائنات طفيلية تسللت -في غفلة منا- لتسرق خيرات أوطاننا، وتستحوذ على وظائف شبابنا، بل ولعل لديها مخططا ماسونيا لتخريب بناتنا. واختفى شعار بلاد العرب أوطاني.. وكل العرب إخواني، ليحل محله شعار السعودية للسعوديين! وتتصاعد الدعوات للطرد والترحيل والتسفير والتخلص من هؤلاء «الإخوة/ الأجانب»، لنستعيد زمام الأمور في بلادنا. بالطبع الإعلام هو المسؤول الأول عن هذه الحالة العدائية ضد المقيمين، فكم نشرت من مقالات وتحقيقات على صدر صفحات الصحف السعودية، وكان هدفها شيطنة غير السعوديين، فاتهمتهم بمنافسة المواطن في لقمة عيشه، متناسية بأن هذا المقيم النظامي قد جاء هنا برضانا، وبتأشيرة عمل قدمها له سعودي، فإذا كانت هناك بطالة بين السعوديين بسبب غيرهم فعلا، فاللوم ليس على من بحث عن عمل فوجده، وإنما على من منحه العمل، وهو الأجدر بأن يتم صب جام الغضب عليه.

فقد قام الإعلام كردة فعل على الأممية المفرطة التي تسببت في توريط شبابنا في مشكلات عالمية عويصة، وليس لنا دخل مباشر فيها، بالمبالغة في العزف على وتر الوطنية، فتحولت إيقاعات النوتة الموسيقية الجميلة إلى نشاز الشوفينية والنظرة الاستعلائية على بقية شعوب الأرض. فأصبح مجرد كونك مواطنا يعني أنك تستحق أن تُعامل وكأنك فوق الجميع، ويحق لك أن تهين الآخرين ممن لم ينالوا هذا الشرف العظيم.

كما أن هذا الإعلام لم يفرق بين المقيم الذي بات أقرب للمواطن، والذي لو كان في بلد غربي لأصبح مواطنا، لطول إقامته هنا، وعبر جيلين أو أكثر، حتى لم يعد له بلد سواه، وبين الذي جاء بالأمس لغرض محدد وهو العمل.

حقيقة لا أرغب في أن أناقش في مقالي هذا تحديدا أسباب هذا النفس الكريه تجاه الآخر القريب/البعيد، بقدر ما أرغب في التوضيح بأن النظرة الأولى والثانية لا تستويان مع بعضهما. لا تستطيع أن تقول أنا مسلم ولا فرق عندي بين المسلمين، ولا يؤمن من بات وجاره جائع، وسأذهب إلى القدس مجاهدا، وتشجع الزواج منهم دعما لإخواتك المسلمات، وأصلا لا فرق بيننا وبينهم، إلخ، ثم في نفس الوقت تريد طرد إخوانك حينما يحلون ضيوفا على أرضك ويكسبون قوتهم بجهدهم، أو عندما تضطرهم ظروفهم للجوء إلى بلدك، أو طلب المساعدة المادية منكم، بأن هذا ليس شأننا ولا يعنيني، وأنا وعائلتي أو قبيلتي أولى! فأنا سعودي فحسب ومصالح بلادنا القُطرية تحتم علينا قطع أي روابط معهم.

باختصار لا تستطيع عمل ذلك، لا تستطيع أن تمارس هذه الازدواجية ولا هذا النفاق. صحيح أن العالم تغير عما كان عليه في صدر النبوة وفي زمن الخلافة الراشدة وما تلاها، وصارت هناك جنسيات وحدود، ويحق لكل دولة أن يكون لها أنظمتها في السفر والتنقل والعمل والدراسة وغيرها، وأن تعطي الأولوية لمن يحملون جنسيتها، ولمن هي مسؤولة عنهم. لكن كل ذلك لا يلغي الإخوة التي قررها الدين، والتي من واجباتها أن تنصر أخاك وتدعمه في حدود استطاعتك، فإن لم يكن في استطاعتك شيء، فعلى الأقل لا تسيء إليه، أو تسعى للتضييق والتحريض عليه، فهو لن يأخذ رزقك، لأن الله تعالى قرر ذلك، فلا أحد يأخذ رزق أحد ولا نصيبه ولا قدره، وفي السماء رزقكم وما توعدون.

إما إذا كنت لا تزال مصرا بأنه لا شيء يربطك بهؤلاء ولست مسؤولا عنهم، وأنت أفضل منهم بنسبك أو عرقك أو منطقتك أو جنسيتك، فلا بأس، لكن لا تأتي بعد ذلك لترفع شعار الإسلام والوحدة المحمدية، هذه أو تلك.. أنت من يقرر.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 05, 2017 23:53

March 21, 2017

حينما يكون العنف لأجل الشهرة

رجل آسيوي يشعل النار في فأر، شاب خليجي يوهم القطة بإطعامها ثم يقوم بركلها بكل قسوة، شباب مصريون يقومون بتعذيب كلب، شاب سعودي يقوم بضرب وافد cruiltyإفريقي بآلات حادة، مجموعة شباب يسكبون القهوة على عامل في كشك قهوة على طريق سريع. كلها مشاهد مرت علينا، وشاهدناها رغما عنا، في أقل من عام!

فلا يكاد يمر أسبوع دون أن يقوم أحدهم بتمرير فيديو مريع تتم فيه ممارسة العنف ضد إنسان أو حيوان، تختلف الأماكن والأوقات، وتتنوع البلدان واللغات، إلا أن الحقيقة المرة واحدة: إيذاء نفسي أو جسدي من قبل شخص أو مجموعة أشخاص ضد كائن أضعف، سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا أو حيوانا. ولسبب ما، ينم عن خلل نفسي ونفسية سيكوباتية مريضة، يقوم هؤلاء أو أصدقاؤهم بتصوير هذه المشاهد الأليمة وتعمد نشرها. فما الذي يحدث للبشر؟

لا شك أن التعذيب والظلم كانا موجودين منذ قديم الأزل، لكن هذا التصوير وتعمد النشر هما ما يجعلان حوادث اليوم مختلفة عن حوادث الأمس. فتوفر التقنية ساهم في تعريفنا بهذه الجرائم بشكل أكبر، ليس لغرض التوعية للأسف، وإنما لغرض الشهرة. فهذه الأخيرة غدت مطلوبة بأي ثمن، وتحولت من كونها خاصة بالمشاهير والوجهاء، ممن ميزهم الله بالعلم أو الأدب أو المال أو المنصب، أو من المشتغلين في مجالات بعينها مثل الفن والرياضة، وكانت تُبنى عبر سنوات أو عقود، إلى أمر متاح لكل شخص، فكل ما يحتاج إليه المرء ليشتهر هو بذل القليل من الجهد في ابتكار فكرة غير تقليدية تضمن له هذا الانتشار.

ولما كان ابتكار الأفكار الخلاقة أو المبادرات الإيجابية يحتاج إلى شيء من الجهد العقلي والتفكير المنطقي، فإن الأكثرية تختار الطريق الأسهل، وهو الاشتهار عن طريق القيام بأمر سخيف أو سلبي. بعض هذه التصرفات متناهية الإسفاف وسوء أدب، ولكنها لا تؤذي غير صاحبها. فالحل الأمثل معها هو التجاهل، وعدم نشرها، وبالتالي عدم تحقيق هدف هذا المريض الطامح بالشهرة، لعله يمل ويجد شيئا أجدى يفني فيه حياته.

لكن ماذا عن هؤلاء الذين يريدون تحقيق الشهرة نفسها ولكن عبر الأعمال المؤذية لمخلوقات الله؟ ما هو السبيل الأنجح للتعامل معهم؟ بالتأكيد هناك قوانين خاصة بالإيذاء الجسدي، سواء بتصوير أو بدونه، وهذه ستطبق عليهم حال القبض عليهم، مثلهم مثل غيرهم، ولكن هل ذلك كافٍ لهم ومفيد للمجتمع الذي يعيشون فيه؟

لا يوجد أي مبرر للعنف أو التعذيب، لا باسم الأديان أو الأوطان أو خلال جلسات التحقيق أو بحجة محاربة الإرهاب، إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون دفاعا للفرد عن النفس في مواجهة الموت. ومع ذلك يستطيع المرء أن يفهم – وليس يتفهم- أن يفقد أحدهم أعصابه في لحظة غضب ويؤذي غيره. ستظل جريمة نكراء لكنها تختلف عن تلك التي تمت مع سبق الإصرار والترصد. وهؤلاء الذين يصورون جرائمهم وهم يضحكون ويتفاخرون تجاوزوا حتى مرحلة سبق الإصرار والترصد إلى مرحلة المجاهرة والرغبة بنشر الظلم والإيذاء في المجتمع، وتشجيع الآخرين لاتباع النهج ذاته، ولهذا فهم يحتاجون عقوبات أشد.

أليسوا طلاب شهرة في الغالب؟ فعقوبتهم يجب أن تتضمن التشهير بهم وبفعلهم الشنيع، وأن يخضعوا لعلاج نفسي إجباري، بحيث يصبح لديهم ملف يثبت وجود هذا الخلل في دواخلهم، يمكن الرجوع إليه وقت الحاجة. فأمثالهم لا يجب أن توكل إليهم، حتى ولو بعد عشرين سنة، مناصب حساسة تؤثر على حياة الملايين من البشر.

يحاول البعض أن يجد مبررات أحيانا للعنف، خاصة إذا كان صادرا عمن يشبهوننا ضد الآخر المختلف عنا في شيء أو عدة أشياء، بالقول: «لا نعرف خلفية الحادثة» أو «من المؤكد أن هناك سببا قويا وراء هذا الفعل»، والحقيقة أن مبرر الفعل الإجرامي، مشارك بشكل جزئي في الجريمة. فحتى لو صح بأن أحدهم كان قد أساء للآخر وأراد الثاني أخذ حقه فإن هناك دولة وقضاء وقانون، ولسنا في غابة. فحتى الحرب وفيها موت وحياة، لها أحكام شرعية إسلامية وأخرى دولية تحدد بوضوح كيف يجب أن يُعامل الضعيف فيها أسيرا كان أم جريحا.

أما الجريمة الأكثر إيلاما والتي تكاثرت في الأيام الأخيرة، والتي يستحيل إيجاد مبرر لها، فهي تعذيب الحيوانات، حتى لو كانت مفترسة. فمن حق البشر الدفاع عن أنفسهم أمام أسد أو نمر أو تمساح أو حية حتى لو اقتضى ذلك قتل هذه الحيوانات، لكن القتل لأجل البقاء غير التعذيب. فالحيوان لا يعقل، وهو إذ يفترس الإنسان يفعل ذلك إما خوفا أو جوعا، فدفع شره مبرر، أما تعذيبه لعقابه على سلوك فطري فهي جريمة الإنسان. خاصة إذا كان الإنسان هو من يعتدي على هذه الحيوانات في بيئتها الطبيعية، أو يخرجها من بيتها ليجبرها على أن تكون أليفة وهو ضد فطرتها. فموضة اقتناء الحيوانات المفترسة تزايدت مؤخرا لدى أبناء الأثرياء المرفهين، مما يشكل خطرا على المجتمع، وأستغرب ألا يُتخذ إجراء ضدهم؟! خاصة أولئك الذين يتباهون بها في الأماكن العامة، ويسعدون بإثارة الرعب في نفوس الآخرين.

ومع ذلك، أغلب الحيوانات التي نراها تتعرض للتعذيب هي الحيوانات الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة. ومؤسف أن تنتشر مثل هذه المقاطع في دول إسلامية، ونحن الذين تعلمنا صغارا من والدينا ومن دروس ديننا أن بغيا دخلت الجنة لأنها سقت كلبا، وامرأة دخلت النار في هرة لأنها حبستها، لاحظوا لم تعذبها!، ولم تطعمها.

ومن يعذب حيوانا هو ليس فقط إنسانا مريضا، بل خطير، فتاريخ السفاحين الذين ارتكبوا جرائم القتل المتعدد يشهد بأنهم كانوا قد مارسوا العنف ضد الحيوانات في طفولتهم وصباهم ومطلع شبابهم، فهي من علامات موت الضمير وانعدام التعاطف والإحساس والتمركز حول الذات.

كما قلت في بداية مقالي، العنف ليس جديدا على المجتمعات الإنسانية، لكن الجديد هو أن يغدو وسيلة للتسلية والتباهي والشهرة! وهو تطور خطير ستكون له انعكاسات مرعبة على هذه المجتمعات ما لم يتم كبح جماحه باكرا.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 21, 2017 09:30

March 14, 2017

عاداتهم عندنا وعاداتنا عندهم

Malysianتملكني خجل ممزوج بالغضب، عندما شاهدت التصرف الأرعن الذي قام به ابن وطني المخرب، المسمى كذبا بـ«المحتسب»، من إهانة وصراخ واعتداء على الممتلكات العامة في الجناح الماليزي «ضيف الشرف» في معرض الكتاب بالرياض الأسبوع الماضي. وتعاظم هذا الشعور وأنا أسمع السيدة الماليزية تردد: «يا إلهي كيف يعاملنا هكذا، نحن ضيوف الشرف؟!». فهذا الآثم تطاول على إخوة الدين، الذين زرت بلدهم الجميلة -أربع مرات- في الماضي فلم أجد على صعيد شخصي إلا كل لطف ومودة، أما على صعيد رسمي فقبل أقل من أسبوع كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- في العاصمة الماليزية، يلقى كل حفاوة وتكريم، لشخصه المميز وللثقل العربي والإسلامي الذي تمثله دولته، فبأي حق يدنس موتور هذه العلاقة الجميلة بين الطرفين؟

دافع الكثيرون عن هذا المعتدي، بدعوى الغيرة على الدين، ويبدو أنهم يعنون دينا غير الذي نتبعه. ففي الدين الذي نعرفه ونؤمن به، رقص الأحباش في «المسجد»، وبال الأعرابي في «المسجد»، وتم كل ذلك في حضرة النبي صلى الله عليهم وسلم، فشاهد العرض الفلكلوري لأهل إفريقيا مع زوجته -رضي الله عنها-، ولم ينهر الثاني، وإنما علمه برفق. فلو افترضنا أن ما قام به الماليزيون المسلمون المحافظون مخالف للشرع، فهل هذه طريقة شرعية لإنكار المنكر؟ وهل هؤلاء هم الأشخاص الذين ينبغي التوجه لهم لمناصحتهم؟ أم يفترض التوجه بالشكوى لإدارة المعرض، ووزارة الإعلام لأنها من أعطى التصاريح؟

حتى على صعيد مجتمعي، عندما يقوم ابنك وابن ضيفك بتخريب شيء في بيتك، فإنك عادة توبخ ابنك وتحمله المسؤولية، وتتغاضى عن ابن الضيف احتراما لذويه، هكذا تربينا، فالكرم وخاصة للضيف، صفة عربية أصيلة في جزيرة العرب منذ ما قبل عصر النبوة والرسالة.

لكن للأمانة، هل تصرفه كان مستغربا؟ بصراحة لا. فهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها أعداء الثقافة والمعرفة والفنون، وأعداء الحياة، ومن نصبوا أنفسهم أولياء وأوصياء وحكماء وأنبياء على خلق الله، بالتشويش أو التخريب على الفعاليات العامة أو الخاصة، لا سيما في معارض الكتاب في العاصمة. ولهم موقف سابق في الجنادرية مع الوفد الإماراتي قبل بضعة أعوام. هذه المرة كان الأمر مزعجا، لأنه حصل مع إخوة وضيوف مدعوين وبأسلوب غير مقبول، مهما كانت المبررات. لكن هذا الشاب وأمثاله نتيجة ثقافة خاطئة تم غرسها منذ الصغر، سواء ما يتعلق بتعريف المنكر، وكيفية إنكاره.

هؤلاء تعلموا بأن المنكر هو أي شيء يدخل فيه الفنون أو توجد فيه المرأة، فتراهم يتشنجون ويتوترون من الحفلات الغنائية، وما يعتبرونه اختلاطا، وهي بالمناسبة كلمة لا توجد في كتب الفقه المعتبرة، والسينما والمسرح والمسابقات والمهرجانات وغيرها. ولكنهم لا يتأثرون كثيرا لدرجة الأخذ على يد المفسد، عندما يرون رجلا يضرب امرأة، أو امرأة تظلم خادمتها، أو شبابا يسيئون إلى مغترب، أو أطفالا يعذبون الحيوانات، أو رئيسا يمارس الفساد الإداري والتمييز الوظيفي، أو تاجرا يغش برغم الآية الكريمة «ويل للمططفين»، فهذه الأمور يبدو أنها لم تنتهك حرمات الله بقدر ما فعلته رقصة شعبية لرجل ماليزي بزيه التقليدي.

نحن كمجتمع سعودي نرفض وبشدة كل دخيل من المجتمعات الأخرى، ونطلب من الآخرين احترام خصوصياتنا وثقافتنا، ونعتبر أي حضور لثقافة خارجية، حتى لو كانت عربية أو إسلامية، تعديا وتغريبا. لكننا بالمقابل، نحمل ثقافتنا معنا أينما حللنا، بل ونطالب باحترامها، ونعتبر أي رفض أو استهجان لها، عنصرية وتمييزا. مثلا تسافر السعوديات إلى ماليزيا بأعداد هائلة مع عائلاتهن، وشريحة كبيرة منهن يرتدين العباءة السوداء بل والنقاب، وهو منظر غريب على الماليزيين الذين يحبون الألوان الفاقعة الجميلة، ولا يُعرف عنهم النقاب، ومع ذلك سمحوا لهن بارتدائه ولم يعارضوهن. والأمر نفسه في أوروبا، التي زيادة عن ماليزيا لديها حاجز نفسي مع المسلمين، ومع ذلك نسافر بحجابنا، ونصلي في الحدائق العامة، ونمارس كل شعائرنا كحق من حقوقنا، بغض النظر عن غرابة ذلك على الدول المستضيفة. بل أذكر أنه حتى بعض الطلبة المبتعثين في بريطانيا كانوا يطلبون طلبات عجيبة من معاهد اللغة، مثل أن تدرس زوجاتهم في فصول نسائية، وتدرسهن نساء! وهي ثقافة غريبة جدا على الناس هناك، بل تضرب في صميم معتقداتهم حول المساواة بين الرجل والمرأة، والتي تحارب الفصل بينهما، باعتباره نوعا من التمييز من جنس ضد آخر.

فكيف نتوقع أن يتكيف العالم لأجلنا ويتقبلنا كما نحن، بينما نحن نرفض تقبل حتى تراث أقرب دولة مجاورة لنا؟

أنا لا أتحدث هنا عن المحرمات التي لا خلاف فيها، لن نفتح أماكن للخمر أو ممارسة الرذيلة كنوع من «التعايش» والانفتاح، ولن نسمح بممارسة ما ينافي الدين والأخلاق علنا، فهذه أمور لا يختلف عليها اثنان، وفيها تحريم قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة، وإنما عن الأمور التي فيها سعة، مهما حاول البعض التعصب لرأي واحد وإيهامنا بأن هذا الرأي وحده دون سواه هو الصواب والأجدر بالاتباع. فالناس قد تجاوزت مرحلة الوصاية، وكل شخص له أن يجاهد بإصلاح نفسه أولا، فلا يضره من ضل بعد ذلك. والفضيلة لا تتحقق بالإجبار وإنما بالاقتناع بكل منطق ورفق واحترام للناس على اختلاف أنواعهم ومعتقداتهم.

ما قام به الشاب المزعج في معرض الكتاب يجب ألا يمر مرور الكرام، لأنه فيه استهتارا بسمعة الدولة وهيبتها واعتداء على الآمنين وتروعيهم. كامرأة أنا لا أشعر الآن بالأمان للمشاركة في فعالية عامة، إذ من الممكن أن يقتحم أي شخص له موقف من كشف الوجه أو مشاركة المرأة في نشاطات مجتمعية ويسيء إليّ أو يزعجني، ومن أمن العقوبة أساء الأدب. وإذا كنا نعاقب طلبة الجامعة مثلا على تصرفات فردية لا تضر أحدا سواهم «قصة الشعر، أو الملابس»، فالأولى أن يُعاقب من ضرره متعدٍ.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2017 01:44

حين تكون العقوبة أكثر ضررا من الجريمة

universityمن أمن العقوبة.. أساء الأدب. مقولة لطالما حفظناها ورددناها وطالبنا بها، لردع بعض من تسول لهم أنفسهم الاعتداء بالقول أو الفعل على الحرمات أو الممتلكات، أو إيذاء الآخرين بأي شكل.

فوجود الأنظمة والقوانين هو أساس لحفظ الأمن والحقوق. وفي كثير من الأحيان تكون العقوبات جزءا من التربية والتعليم، لا سيما في الفئات العمرية الصغيرة.

فهنا، العقوبة تكون نافعة لأنها تنقذ الطفل أو المراهق من الاستمرار في خطأ قد يجر عليه الويلات طوال حياته، وهي فرصة ليتعلم الدرس باكرا، لذلك يسمى سجن الصغار «إصلاحية».

لكن، هل كل المخالفات تستوجب العقوبات؟ وهل كل العقوبات مكافئة للمخالفات التي تجازى عليها؟

هذه الأسئلة أطلت برأسها الأسبوع الماضي، فمن ناحية هناك الخبر الذي تناولته وسائل الإعلام عن قيام جامعة أم القرى بفصل 27 طالبة، لأسباب أبرزها تناولا هو التشبه بالرجال، ومن ناحية أخرى نسمع بين حين وآخر في الأقسام النسائية في جامعاتنا الحكومية المختلفة، عن غياب بعض الطالبات دون أعذار ولفترات طويلة، فنكتشف أن السبب هو منعها من الدراسة من وليّها، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا، وذلك عقوبة لها أو تنكيلا بها.

فإذا أخذنا أولا النوع الثاني، وهو حرمان الطالبة من الدراسة الجامعية، وهي أحيانا قاب قوسين من التخرج، ففيه ظلم كثير لها وهدر لموارد الدولة.

الطالب الجامعي الواحد يكلف الدولة مئات الآلاف من الريالات، وصحيح أن الدولة لا تستطيع إجبار أحد على مواصلة دراسته إن لم يرغب في ذلك، لكنها تستطيع التدخل -في رأيي- لتمنع إجباره على الانقطاع، من باب اقتصادي إن لم يكن من باب حقوق الإنسان.

الطالبة الجامعية مواطنة راشدة، يتجاوز عمرها الثامنة عشرة، لكنها تعامل داخل أسوار الجامعات وخارجها في المجتمع وكأنها قاصر، وكأنها ما زالت تلميذة في المدرسة، فُتفرض عليها كثير من القيود التي لا تُفرض على شقيقها في الجامعة نفسها.

والأمر نفسه في الأسرة، فالفتاة التي تتورط في أبسط خطأ ستتعرض للعنف والحبس والمنع من وسائل الاتصال، بينما يعرف الوالدان أن فرض مثل ذلك يكاد يكون مستحيلا على ابنهم الشاب الذي يستطيع ببساطة الهرب والإقامة عند أصدقائه، ولا يحتاج إلى موافقة ولي أمره.

وعلى افتراض أن الفتاة ارتكبت جرما من نوع ما، يتفق على عدم صحته الجميع، هل حرمانها من التعليم عقوبة مناسبة؟ هل هي عقوبة هدفها الردع؟ أم عقوبة الهدف إنهاء مستقبلها، أي الانتقام؟

من المعروف أن الشخص الذي ليس لديه ما يخاف عليه، والذي خسر كل شيء كان يعنيه، مستعد لفعل كل شيء وأي شيء. فالحياة والموت يستويان عنده، وبالتالي نحن نوجه بناتنا باتجاه الدمار والضياع ونلقيهن في المجهول، حيث لا شهادة ولا وظيفة ولا حلم، إلا انتظار العريس، وحتى هذا العريس «الجيد» لن يأتي بعد أن تم فضح الفتاة بحرمانها من التعليم، فسيسأل الجميع عن السبب.

وإذا كنا نستغرب صدور مثل هذا الحكم القاسي من الوالدين، اللذين قد يكونان جاهلين، فنحن نستغرب أكثر صدوره من صرح تعليمي عريق مثل جامعة «أم القرى».

ومع أن الأخبار لم تشر ما إذا كان الفصل جزئيا أم كاملا، أي طي قيد الطالبة نهائيا، وفي كلتا الحالتين فإن الخبر يستحق التوقف عنده.

فلو أن الطالبات المفصولات قد ثبت عليهن الاعتداء على الأخريات، أو شوهدن في أوضاع غير لائقة ومخلة، أو ارتكبن مخالفات أكاديمية كالغش أو التزوير، لكان الفصل مقبولا، أما أن يكون للأسباب الشكلية «المضحكة» والتي ذكرتها بعض الصحف مثل: قصة الشعر، أو تميزهن بعراضة المنكبين، أو وجود شامة في الوجه، أو استخدام العطور الرجالية، أو عدم استخدام المكياج!، فهنا لا بد للمرء من وقفة. باختصار، أرادوا القول إن الفتيات المفصولات مسترجلات بالمصطلح الفصحيح، أو «بويات» كما يعرفن شعبيا، ولعلها فرصة لنا كمجتمع لنتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال، ولتفعيل الأقسام الأدبية المعنية مثل علوم النفس والاجتماع والشريعة لدراسة هذه الظاهرة، بدلا من المناداة بإغلاق هذه الأقسام بدعوى بطالة المتخرجين منها.

والحقيقة، أننا نحن من لم نعرف كيف نوظف معارف هؤلاء لمصلحة الوطن. فلو عمل هؤلاء إلى جانب الأطباء والممرضين والمعالجين النفسيين لربما توصلنا إلى أمرين:

1) حددنا أسباب رغبة فتاة في التحول إلى شاب؟ هل هي أسباب طبية مثل التخنث أو اختلاط الجنس العضوي؟ أم أسباب نفسية؟ أم مجتمعية؟ أم من باب العناد وتحدي الدين والمجتمع فحسب؟

2) إذا عرفنا أسبابها، عرفنا كيف يجب أن نتعامل معها بالشكل الصحيح. فمن تحتاج علاجا عضويا أو نفسيا يقدم لها، ومن تحتاج إعادة تأهيل وبناء الثقة بنفسها كأنثى وامرأة يقدم لها، ومن تعاني مشكلات أسرية نبحث عن حلول لها.

هذا بالطبع إذا كنا نبحث، خصوصا كجامعات وصروح علمية وبحثية، عن حلول حقيقية وعملية وواقعية لمثل هذه المشكلات، أما إذا كان هدفنا فقط «تطهير أروقة جامعاتنا»، فسنكتفي بالطرد، ونلقي بالمشكلة من عندنا إلى المجتمع، العاجز بدوره عن حلها. وبالتالي لم تعد عندنا امرأة مسترجلة فقط، بل وعاطلة وبلا أمل في المستقبل، وفوقها حاقدة على مجتمعها الذي حرمها فرصتها في التعليم، فكيف تتوقعون بأنها ستتصرف أو ستكسب عيشها بشرف؟ لن نتحدث عن عريس الغفلة هنا، لأن العرسان لا يبحثون عن مسترجلات.

ضرورات الحياة: الهواء والماء والغذاء والأمن والصحة، ويأتي بعدها مباشرة التعليم، لأنه الطريق للعبور إلى المستقبل، فكما أن السجون لا تحرم حتى أعتى المجرمين من حقوقهم الإنسانية الرئيسية، فإنه لا ينبغي أن تتضمن العقوبات الأسرية، أو تلك الصادرة عن المؤسسات التعليمية الرسمية حرمانا أبديا من التعليم. خاصة في بلادنا التي تميزت وأبدعت في إعادة تأهيل الإرهابيين عبر برامج المناصحة، ومنحتهم الفرصة لحياة جديدة، رغم تورط بعضهم في جرائم، وفي التآمر ضد الدولة، وفي التخطيط لزعزعة الأمن، فلا أظننا عاجزين عن استيعاب فتاة متشبهة برجل، أو طالبة لا تسلك سلوكا محترما، فقط لو توافر الدعم وتوافرت الإرادة.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2017 01:37

مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.