مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 19
August 3, 2011
في قضية مغتصب القاصرات: من يخرجنا من المتاهة؟
تابعت كغيري على الصحف السعودية تفاصيل الحادثة التي عٌرفت بوحش جدة المشتبه باغتصابه لعدد كبير من القاصرات بعد خطفهن من الأماكن العامة كالأسواق والمستشفيات وقصور الأفراح وغيرها على مدى ثلاث سنوات. حينما نُشر خبر إلقاء القبض على المتهم في البداية، كان يشير إلى ملف إدعاء شبه كامل بأدلة قطعية. فهناك لقطات كاميرات المراقبة المختلفة التي تظهره ممسكاً بأيدي الضحايا وهو يسوقهن بعيداً، وشهادات الضحايا اللاتي تعرفن عليه الواحدة تلو الأخرى، وهناك الشقة (مسرح الجريمة) التي كان يمارس فيها شذوذه معهن، والتي ذُكر في التقارير الصحفية أيضاً بأن أكثر من ضحية تعرفت عليها وعلى أثاثها (السجادة الحمراء وشاشة البلازما والشيشة) بدقة، ثم بعد أن نشرت بعض الصحف خبر تطابق فحص الحامض النووي له مع ذلك الذي وجد في أجساد الضحايا..فماذا تبقى لإدانته بعد ذلك؟
كان المجتمع والرأي العام، بالاستناد على هذه التغطية الإعلامية، قد تجاوز تلقائياً مرحلة إثبات الجرم، وبات الكل ينتظر العقاب الرادع لهذه الجريمة التي هزت العروس، ومن يراجع المقالات التي كُتبت في هذا الصدد وقتها، يجد أنها تركز على أمرين: التساؤل عن كيف ولماذا حدثت هذه الجرائم؟ بالإضافة إلى كيفية تجنبها مستقبلاً، مطالبة في مجملها بتشديد الرقابة على الأطفال والعقوبة على من باتوا يظنونه "المتهم" حتى قبل توجيه التهمة له رسمياً.
وخلال فترة توقيفه، كان المشتبه به يرفض الحديث، ولجأت الصحافة لأسرته محاولة لمعرفة رأيهم في هذه المصيبة التي حلت به وبهم، فقرأنا مقابلات مع أمه وزوجته وبعض أفراد العائلة، وكلهم كانوا يقفون معه بثبات ويؤكدون ليس فقط براءته وإنما تعرضه لمكيدة من قبل والد إحدى المدعيات (الذي ينتقم بعرض ابنته!)، وأن لديهم أدلة البراءة هذه، وستكشف الأيام ذلك. كثيرون لم يأخذوا كلامهم على محمل الجد، باعتبارهم أهله، بل كان هناك نوع من الإشفاق عليهم من هذه الفضيحة الاجتماعية التي لا تُغتفر.
ثم شيئاً فشيئاً بدأت تظهر تقارير إعلامية جديدة غير متوقعة تتحدث عن ضعف الأدلة المسجلة في محاضر الشرطة ضد المشتبه به في هذه القضية وصولاً إلى تساقط بعضها بالكلية، ومنها عدم تطابق الحمض النووي المسجل في محاضر بعض الضحايا أو تواجده خارج المملكة في وقت حصول بعض الجرائم، وأنه ربما لن توجد قرائن كافية لدى الإدعاء العام لإدانته. وقد أخرجه الإدعاء العام مؤخراً من الحبس الانفرادي بعد حوالي ستين يوماً وسُمح بزيارته.
هذه التقارير الصحفية الأخيرة تقلب الأمور رأساً على عقب من كل النواحي، لجهة المشتبه به نفسه والذي يوشك أن يصير في نظر المجتمع هو الضحية بدل الجاني، وللضحايا وأهاليهن الذين ينتظرون القصاص ولم يتوقعوا هذه التطورات، وللمجتمع أيضاً، ويكشف بأن هناك مشكلة ما في التغطية الإعلامية وفي تعاطي الجهات الرسمية المسؤولة مع هذا الأمر إعلامياً.
وهذا يعني أيضاً بأن المجرم الحقيقي – في حال تبرئة المشتبه به الحالي -لا يزال حراً طليقاً، وهذا أمر مخيف للأهالي، فنحن الآن في الإجازة الصيفية ورمضان تحديداً، حيث يحلو السهر وتزدحم الأسواق والمراكز التجارية والملاهي والمطاعم وغيرها، مما يتيح فرصة ذهبية لتكرار هذه الأفعال الإجرامية، فهل بدأت الشرطة بالفعل في تعقب مشتبه به آخر؟
التغيير السريع في الموقف من المشتبه به حسبما قرأ الناس عنه في وسائل الإعلام، من وحش بتهمة كانت شبه ثابته إلى التساؤل عما إذا كان رجلاً بريئاً وقع ضحية لتصفية حسابات مع رجل آخر ليس أمراً من السهل على المجتمع تقبله، مما سيضعف الثقة بالإعلام المحلي والأهم من ذلك في الآليات المتبعة من قبل بعض الأجهزة الأمنية. فبدأنا نقرأ ونسمع عن اعتراضات واستياءات بشأن هذه التطورات الأخيرة، وبصراحة من يلوم الناس بعد ذلك الكم الهائل من التغطيات المتضاربة، والتقارير التي يناقض بعضها بعضاً؟!
التغطية الإعلامية في هذه القضية بالذات كانت مرتبكة ومرتجلة، سواء في محاولة إثبات التهمة في الفترة الأولى أو في محاولة إقناعنا بعكس ذلك في الفترة الحالية. وهي تكشف عن ضعف في الإلمام بأدوات الصحافة الاستقصائية المهمة في قضايا كبرى تهم الرأي العام مثل هذه القضية. كما تكشف وجود قصور في كيفية التعاطي مع الإعلام والتعليق على القضايا بدقة وحرص أثناء سير التحقيق من قبل بعض الجهات الأمنية.
جرائم اغتصاب القاصرات طعنت المجتمع، والتغطية الإعلامية التي تروي سير التحقيقات زادت الجرح إتساعاً، والحقيقة والمصداقية كانتا أول الضحايا، ولهذا فما يطلبه المجتمع الآن هو أن لا يغلق ملف القضية بشكل نهائي سواء بإطلاق سراح المشتبه به أو إدانته حتى يتهم توضيح حقيقية ما حدث بالضبط هنا، وحتى يتم شرح الأسباب التي أدت إلى هذا التخبط، ليطمئن الناس على أعراضهم وأطفالهم، وليكون ذلك سبباً في سير الصحافة السعودية نحو مستوى أعلى من المهنية والاحترافية التي تجعلها -بحق- سلطة رابعة.
نافذة:
جرائم اغتصاب القاصرات طعنت المجتمع، والتغطية الإعلامية التي تروي سير التحقيقات زادت الجرح إتساعاً، والحقيقة والمصداقية كانتا أول الضحايا، ولهذا فما يطلبه المجتمع الآن توضيح حقيقية ما حدث بالضبط
July 27, 2011
لنلق اللوم على المسلمين
النرويج من أجمل دول العالم وأكثرها رفاهية
استيقظت النرويج، تلك الدولة الاسكندنافية الوادعة، على كابوس مرعب، هو الأسوأ في تاريخ البلاد في زمن السلم. بدأ الأمر بانفجارٍ في قلب العاصمة أسلو، تم بواسطة سيارة مفخخة بالقرب من المباني الحكومية ومقر رئاسة الوزراء، وعلى أثر ذلك توفي سبعة أشخاص، بينهم مسؤولون في الحكومة وأصيب العشرات. وهذا الحدث المروع لم يكن إلا بداية العاصفة، فبعد ذلك بساعات قليلة، تحولت جزيرة جميلة أشبه بالجنة يُقام فيها معسكر صيفي للشباب (١٤-١٨عاماً) إلى جحيم، إذ قام شاب متطرف بإطلاق النار بشكل مكثف على الضحايا، لتكون محصلة هذا الجنون الرهيب ما يزيد عن خمسة وثمانين ضحية. ردة الفعل الأولى ساعة توارد الأنباء على الوكالات الإعلامية العالمية كانت اكفش إرهابي مسلم!
أندرس بيرينغ-برييفيك
لم أستطع إلا أن أتنفس الصعداء عندما شاهدت صورة المشتبه به، رددت بيني وبين نفسي: الحمدلله..إنه لا يشبهني في شيء! فهذا الأشقر بعنيه الزرقاوين رجل أوربي شكلاً وعرقاً ومولداً ومسيحيٌ ديناً، وسياسياً ينتمي لليمين الأوربي المتطرف، ولا علاقة له بنا من قريب أو بعيد إلا اللهم لجهة كرهه الشديد للإسلام والمسلمين وللمهاجرين، ورغبته في الحفاظ على آرية أوربا نقية.
الغريب أن (أندرس بيرينغ-برييفيك) كان يعلن بصراحة في مواقع الانترنت وصفحته على الفيسبوك وغيرها عن كرهه لنا ولديننا، ووضع دستوراً مفصلاً (مانفيستو) بعنوان: " إعلان أوربي للإستقلال" يشرح كيفية صنع الأسلحة لقتلنا، وعن رفضه لمجتمع التعددية الثقافية وتقبل الآخر، وعن صداقته لاسرائيل، ومع ذلك لم يشك فيه أحد، لم يوضع تحت مراقبة من أي نوع، لم تستدعه الشرطة وتحقق معه، لم يتهمه أحد قبلاً بالعنصرية والتحريض على الكراهية والقتل، ولم تجذب رائحته أنوف عملاء السي آي إيه الفتاكة على الشبكة، والتي كثيراً ما تسببت في اعتقال الأبرياء من العرب والمسلمين في المطارات الدولية والعواصم الأجنبية بل وحتى في حرم الجامعات مظنة الشبهة فقط دون دليل ملموس إلا ملامح شرق أوسطية ولسان يقول ربي الله.
المجتمع النرويجي كما الدولي مصدومان، ليس لوقوع العملية الإرهابية بل لأن وجه المجرم كان يشبه وجه أي شاب نرويجي الأصل والمنشأ والولادة، وهو ما لم يمكن في الحسبان. فأجهزة الإعلام الغربية نجحت في شيطنة الإنسان المسلم، فصار هو والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وتم تحجيم كل الأخطار الأخرى المحدقة بالمجتمعات المتحضرة لصالح تضخيم خطره. ففي التقرير الأمني الأخير الذي قُدم للسلطات النرويجية قبل أشهر قليلة فقط من الحادثة، والذي يدرس الأخطار الإرهابية المحتملة، وعلى رأسها طبعاً إرهاب الإسلاميين المتطرفين كردة فعل لمشاركة النرويج في عمليات حلف الناتو في ليبيا وأفغانستان، تمت الإشارة إلى اليمين الأوربي المتطرف بشكل عرضي وبسيط، ليتم وصفه بأنه ذو خطر محدود جداً، ولهذا كان ما حصل صفعة قوية في وجه أجهزة الأمن والمباحث، ليتها توقظ أوربا بالفعل من سباتها الاختياري وتجاهلها المتعمد لحقائق التاريخ والجغرافيا.
الزعيم النازي أدولف هتلر
فالقارة العجوز التي تبدو في حالة صدمة من قيام أحد أبنائها بهذا الأمر الفظيع تتناسى تاريخياً طويلاً للحركات المسيحية المتطرفة، خاصة حركات الشبيبة في العهدين القريب والبعيد. فمن أشعل الحروب العالمية التي أهلكت القارة القرن الفائت إلا اليمين الأوربي المتطرف والعنصري والذي يرتدي رداء المسيحية؟ ألم يكن هتلر وصليبه المعقوف ونازيته الدموية إلا أعظم مثال لفكر هذه الأحزاب؟
ليس للتطرف دين ولا لون ولا شكل معين، حقيقة طالما رددناها خلال الخمسة عشرة سنة الماضية، منذ أن ظهرت تقليعة ربط الإسلام بالإرهاب، ومن ثم ظهر مصطلح الحرب الإرهاب وعرابه العم سام، واستخدم هذا السلاح النووي لغزو الدول واسترقاق الشعوب وتعذيب البشر في أنحاء المعمورة، وهاهي أحداث النرويج تأتي لتؤكد صحة هذه المقولة. ومنذ خمسينات القرن الفائت، ألف الكاتب الأمريكي (إيريك هوفر) كتاباً قيماً بعنوان (المؤمن الصادق) قرر فيه أنه مهما اختلف التطرف في شكله قومياً أو دينياً أو عرقياً فإن جذوره واحدة. فهل ستعاني المسيحية كما عانى الإسلام من عار الإرهاب؟ وهل ستعاني النرويج كما عانت السعودية وإيران ومصر وجل الدول الإسلامية؟ هل سيطالب أحد بمراجعة المناهج المدرسية التي تتلمذ عليها (أندرس بيرينغ-برييفيك)؟ أم هل سيطالب أحد بإغلاق الكنيسة التي يرتادها، ويدقق في كشوفات تبرعاتها؟
لقد عانينا كثيراً كمسلمين خلال السنوات الماضية، واتهمنا بالخيانة، وصارت جوازات سفرنا، أو غطاء رقيق على رؤوسنا، كفيلة بأن تجعلنا موضع شبهة. لذلك أتمنى أن تكون هذه فرصة للعالم ليراجع نفسه بشأن مواقفه من المسلمين، والتوقف عن التضييق عليهم وخاصة أقليات المهجر.
ويبدو أن بوادر هذه المراجعة الايجابية قد بدأت تظهر لدى الشباب على الأقل حول العالم، فعبر الشبكات الاجتماعية عبر الآلآف منهم عن تعاطفهم مع المسلمين وعن غضبهم من توجيه التهمة لهم قبل التثبت. فوسائل الإعلام الشبكية ساهمت في جعل الشباب أكثر وعياً فأخذ هؤلاء يعلنون بصراحة أنهم ضاقوا ذرعاً بمشجب المسلمين وأنه حان الوقت للالتفات للأخطار الأخرى المحدقة بالأوطان، وهو أمر تحتاجه أوربا خاصة بشدة. فالأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة تتكاثر فيها بشكل مرعب بحجة مقاومة الهجرة، وبعضها يصل للسلطة أو يقترب.
فهذا الحزب الوطني البريطاني المعروف بالاختصارات الثلاثة (BNP)، يطرح دستوراً لا يختلف كثيراً في جوهره عن دستور سفاح النرويج، مع كونه حزباً نظامياً مستقلاً ومعترفاً به وله ممثلون في البرلمان الأوربي، رغم أنه يدعو صراحة لطرد المسلمين وكل الملونين من بريطانيا. بل إن هذا المتعصب النرويجي نفسه كان قد انتمى في وقت سابق للحزب التقدمي، وهو حزب نرويجي يميني.
في الوقت الذي انشغل الغرب فيه على ما يبدو بمحاولة تشريحنا ليفهم عقليتنا الدموية ورغبتنا العارمة لتدمير حضارته المتفوقه، نسي في خضم ذلك كله أن يفهم نفسه، وأن ينظف بيته قبل أن يطلب من الجيران تنظيف حديقتهم الخلفيه، وللأسف أنه كان يجب أن يموت مئة نرويجي بريء ليفق من غفلته. الخوف كل الخوف الآن أن تنتصر بعض الأصوات المتطرفة التي تعمد إلى تبرير ما حصل بأنه نتيجة طبيعية لأسباب مثل تهديد الثقافة المحلية، وإرهاب المسلمين، فإذا كنا قد نظرنا في المرآة طويلاً بعد أحداث سبتمبر، فحري بالأوربي المسيحي المتحضر أن يفعل الشيء ذاته..من أجل وطنه والسلام العالمي.
July 26, 2011
ندوة للشباب في الجنادرية..شاركوني باقتراحاتكم وآرائكم من فضلكم
كما ذكرت في التدوينة السابقة، فقد كُلفت بإعداد مسودة ومقترح من أجل ندوة خاصة بالشباب، حيث هم ضيوفها ومديروها، وحضورها كما نأمل، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الجنادرية فيما أعلم.
ولذلك فقد قمت بإعداد المسودة أدناه بشكل مبدئي وسريع (كتبتها اليوم فقط)، أي أنها قابل للأخذ والرد، وأكون ممتنة جداً لاقتراحاتكم المختلفة عن الفكرة بشكل عام أو بشأن المحاور، أو بما يختص بالضيوف من الجنسين. فقد وضعت هنا بعض الأسماء التي خطرت على بالي لأول وهلة، فإن كنتم تؤيدون القائمة، أو لديكم أسماء أخرى، سأكون ممتنة لو تخبروني بذلك هنا. كل ما أشترطه هنا هو أن يكون الاسم المقترح لشاب أو شابه ممن لهم نشاط شبكي متميز.
شاكرة لكم سلفاً.
الندوة: الشباب واستثمار الإعلام الاجتماعي من أجل التغيير الاجتماعي: قصص الشباب
إدارتها: ؟
مدتها: ساعتين (ساعة للمتحدثين وساعة للتفاعل مع الجمهور)؟
أهدافها:
- تعريف الجمهور بإبداعات الشباب وإنتاجهم في هذا مجال الإعلام الاجتماعي
- فرصة لمشاركة الشباب في ندوة خاصة بهم لجهة المتحدثين والمأمول قسم كبير من الجمهور أيضاً
- معرفة المعوقات التي لا زالت تواجه هؤلاء الشباب وكيفية إزالتها خاصة على الصعيد الرسمي
- مناقشة كيف يمكن للمجتمع أن يستفيد بشكل أكبر من هذه الأدوات الاعلامية الاجتماعية
نبذة عن فكرة الندوة:
كان للإعلام الاجتماعي أو التفاعلي (المعروف على نطاق واسع بالإعلام جديد) دور كبير في كسر احتكار السلطات وشركات الإعلام العالمية العملاقة للفضاء الإعلامي لعقود طوال، فقد أتاحت أدواته والمساحة الحرية نسبياً التي توفرها لأن يساهم المواطن نفسه في صياغة المشهد الإعلامي بشكل غير مسبوق، ولهذا بات يعرف أيضاً بإعلام أو صحافة المواطن. ولأن الشباب هم الأكثر قدرة واستعداداً للإستفادة من هذه الأدوات بحكم ثقافتهم التقنية ومهاراتهم الرقمية، فقد كانوا هم نجوم هذا النوع من الإعلام في العالم بشكل عام وفي المنطقة العربية والمملكة العربية السعودية بشكل خاص. لقد مكنتهم هذه الأدوات على أن يصبحوا أكثر تفاعلاً مع محيطهم الإقليمي والوطني، ومن التواصل مع مجتمعهم بشفافية وصراحة.
استخدم الشباب أدوات الإعلام الجديد بشكل رئيسي من أجل الدفع بعجلة التغيير والإصلاح، على الصعيد الشخصي عبر تحفيز تطوير الشخصية وعلى صعيد المدينة أو الدولة والمنطقة. وكأنما الإعلام الجديد هنا ساهم في إعطاء فرصة لصوت تلك الشريحة التي اشتكت طويلاً من التهميش في المجتمع رغم أنها تمثل الأكثرية: فئة الشباب من الجنسين. وبالتالي صار الشباب قادرين ليس فقط على التعبير عن آرائهم بشكل علني، مع بقاء المحاذير الرقابية حاضرة إلى حد ما في أذهانهم، وإنما على التأثير على محيطهم وعلى أقرانهم من الشباب كذلك. ونجحوا أحياناً حتى في الدفع بموضوعات معينة إلى رأس الموضوعات على قائمة صانع القرار.
وبالرغم من الصحفي يختلف عن المدون، والمعايير التي يخضع لها كلاهما قد تكون مختلفة، وليست هناك لجان للتدقيق من مصداقية الخبر كما في الإعلام الرسمي، مما تسبب أحياناً في نشر معلومات غير دقيقة أو في تكريس الشائعات، إلا أنه بعد فترة من زمن يكتسب المدون أو الناشط الرقمي الذي يتحرى الدقة لا التأجيج الشعبي مصداقية، ويصبح له متابعون كثر، ويغدو شخصاً موثوقاً به (كإعلامي) في العالم الرقمي.
على الصعيد المحلي شاهدنا مناقشة الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة من قبل الشباب على المدونات وفيسبوك وتوتير وغيرها مثل: سيول جدة، البطالة، ارتفاع أسعار الأراضي، قيادة المرأة للسيارة، قضايا الإرهاب، الحريات الشخصية، حقوق الإنسان وغيرها. وهي قضايا ربما يشعر الشباب أنها لا تناقش بالقدر الكافي، أو بالصراحة المطلوبة من خلال منابر الإعلام التقليدية، وبالتالي صار هذه الفضاءات الرقمية بديلاً إعلامياً رحباً.
هذه الندوة تستضيف نخبة من رموز العالم الرقمي والإعلام التفاعلي من الشباب في المملكة العربية السعودية، ليشاركونا بتجاربهم في هذا المجال، ويناقشوا المحاور الموضحة هنا.
المتحدثون: (٤- ٥ أشخاص)
- مدون: (فؤاد الفرحان، عصام الزامل، أحمد العمران، إيمان النفجان، مها نور إلهي، فهد الحازمي، اقترح أسماء آخرى)
- أحد القائمين على حملة متطوعي جدة في توتير والفيسبوك والمدونات ( اقترح إسماً من فضلك)
-كوميديا اليوتيوب الناقدة (فهد البتيري، عمر حسين، اقترح أسماء آخرى)
- راديو توتير (خالد الناصر، إبراهيم القحطاني)
- الصحف الالكترونية مثل سبق أو أنحاء (عاصم الغامدي، اقترح أسماء أخرى)
محاور الندوة:
-تعريف سريع بالاعلام الجديد والتفاعلي من قبل مدير الندوة
- عرض تقديمي لكل شخص في مجاله والفوائد التي لمسها وكذلك السلبيات؟
ثم فتح باب النقاش:
-ما هي نقاط القوة والأخطاء المشتركة؟
- إلى أي مدى يساهم الإعلام الاجتماعي فعلاً في تحريك الرأي العام وتحديد أولويات المجتمع والحكومات؟
- أي الاهتمامات تطغى لدى الشباب عبر ما نشاهده في الإعلام التفاعلي: الهم السياسي أو الاجتماعي؟ المجتمعي أو العربي أو العالمي؟
-الصعوبات التي لا تزال قائمة في طريق الشباب لإيصال رسائلهم للمجتمع
-ماذا يتوقع من المؤسسات الرسمية..وزارة الإعلام مثالآً؟
التحديات التي يضعها الإعلام الجديد على الحكومات والشركات والشخصيات العامة؟
-نظرة استشرافيه للمستقبل: إلى أي حد يتوقع أن يساهم هذا الحراك الشبابي متسلحاً بالأدوات الرقمية من صنع التغيير المنشود على أرض الواقع؟
مشاركتي الأخيرة في اللجنة التحضيرية لمهرجان الجنادرية٢٧
كما أعلنت سابقاً، فقد تمت دعوتي من قبل اللجنة الثقافية في الحرس الوطني المعدة لمهرجان الجنادرية ٢٧ للعام المقبل، وذلك ضمن مجموعة من المثقفين والمثقفات من أجل التشاور بشأن البرنامج الثقافي، واقتراح أسماء الحضور، والتصويت على الفائز بجائزة المهرجان وشاعره الفصيح أيضاً. ومن ثم تُرفع توصياتنا للاعتماد أو التعديل، وهي خطوة تُحسب للقائمين على المهرجان لإشراك أشخاص من خارج مؤسسة الحرس الوطني، لا سيما من المثقفين من أطياف متعددة. فقد كان هناك دكتور من جامعة الامام كما محمد رضا نصر الله، وكنت أنا موجودة وكذلك الدكتورة هتون الفاسي، وقد حرصت رغبة اللجنة بأن يكون عدد النساء مساوياً لعدد الرجال، لكن ذلك لم يحصل بسبب ارتباطات الإجازة والسفر للكثيرات.
ابتداء أشكر مؤسسة الحرس الوطني على حسن الاستقبال والضيافة المممتازة، وقد كانت لي تجربة سابقة مع قطاع حكومي آخر، ولكن ضيافة الحرس كانت الأفضل لجهة الدقة والتنظيم. وأشكر بشكل خاص الأستاذ حسن آل خليل (رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني، ورئيس اللجنة الثقافية في المهرجان)، والأستاذ فالح العنزي، وبقية الأخوة.
وقد افتتح الجلسة الأولى معالي الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالعزيز التويجري (نائب رئيس الحرس الوطني المساعد، ونائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة)، وكان في هذة الجلسة أيضاً سعادة السفير الدكتور يوسف السعدون من وزارة الخارجية.
وهذه ملاحظات سريعة من الاجتماعات التي استمرت لعشر ساعات تقريباً على مدار يومين، وقد تمت في أجواء إيجابية جداً بشكل عام:
- أعجبني مستوى الحرية النسبية في نقاشنا حول تحولات المنطقة وموقف الدولة منها.
- أعجبني الاستماع للآراء المختلفة على غرابة بعضها.
- تيقنت بأنه لا يمكن الحكم على فكر شخص من شكله الخارجي، فهذا الرجل الوقور الذي يقصر ثوبه ويطلق لحيته له مواقف مقدرة جداً للمرأة، ومنفتح على الفنون والآداب أكثر من بعض الليبراليين.
- أعجبت بشخصية الدكتورة هتون الفاسي كثيراً، فأنا أعرفها عبر قلمها وعبر الهاتف، لكنني حين التقيتها أحببتها أكثر. هذه السيدة تعتز بتراثها الحجازي بشكل يفوق الوصف، مع أنها تعيش في الرياض وتصادق أهلها بل ومتزوجة منهم، وهي تفعل ذلك دون تلك النبرة الشوفينية التي صرنا نلمحها في بعض الحجازيين والحجازيات مؤخراً. كما أن طرحها قوي، وهي شجاعة جداً، وطرحها منطقي وعقلاني في أغلب الأحوال.
- د. عزيزة المانع هادئة كثيراً، لكنها واعية جداً وأسلوبها في الطرح لبق جداً وموضوعي، فهي لا تتكلم كثيراً لكن إن تكلمت أتت بالدرر، احترمتها جداً، والنقاش معها ممتع وهي كانت لطيفة أيضاً.
- لم يعجبني الاستغراق في التفاصيل الصغيرة جداً، والجدل البيزنطي حول عنوان البرنامج الثقافي، وبعض التفاصيل الدقيقة الأخرى، أصبت بالصداع وقتها ودخلت على توتير، ثم اضطررت لأقول : يا جماعة ترى أنا "تهت!".
- لم تعجبني الحدة في طرح بعض الآراء أو االمقاطعة أو التراشق المبطن أحياناً بسبب خلاف في الرأي.
- لم يعجبني تعصب البعض لرأيه وأفكاره ورؤيته الخاصة للمهرجان.
- فقرة التصويت على جائزة المهرجان أحسست بأنها تمت بشكل سريع..
- كنت والأستاذ سعود كابلي أصغر الموجودين، وطبيعي أن يكون طرحنا مختلفاً، وكان هناك نوع من الاحتفاء بنا.
- أحياناً يكون المثقف هو من يبدو وكأنه يتملق السلطة بطرح أسماء معينة، أو من خلال طرح معين.
- خجلت من جهلي الفاضح ببعض الأسماء الشعرية المعاصرة، يبدو أنني لم أتابع الساحة الأدبية في هذا الجانب منذ زمن وأحتاج إلى توعية وتثقيف. من المخجل أن لا تعرف ما يكفي عن أدباء بلدك!
- تم طرح فكرة وجوب إشراك الشباب بشكل فعال في الجنادرية ومحاولة جذبهم للمهرجان الذي من الواضح أنه لا يتمثل في وجدان أغلبيتهم (وبالتالي أغلبية السكان بما أنهم يشكلون ٧٠٪ من السكان!) سوى الأوبريت وسباق الهجن!
- من ضمن اقتراحاتنا أيضاً: معرض للتصوير الفوتغرافي يعرض إبداعات الشباب بما أنها هواية تزايدت بشكل مطرد في مجتمعنا في الفترة الأخيرة..ذكر الآستاذ حسن بأنه حضر معرضاً خرافياً إبداعياً في القطيف بصحبة أ. محمد رضا نصر الله
- اقترحت أيضاً إدخال فن جديد للنشاطات الثقافية مثل سينما تصويرية تعرض أفلاماً وثائقية أو تعرض بعض أفلام الشباب القصيرة
وقد كلفت بالإعداد وطرح مسودة لندوة تختص بالشباب، وقد اتفقنا أن يكون لها علاقة بالإعلام التفاعلي، وسأعرضها في التدوينة التالية طالبة آرائكم فيها، ومن ثم إرسالها للجنة في أقرب فرصة.
حسناً كانت تجربة مميزة، أضافت لي الكثير، تعلمت الكثير من الحوارات الثرية ومع النقاشات الجانبية مع أهل الأدب والثقافة كذلك.
July 24, 2011
عن "الولاء" نتحدث
رواية ١٩٨٤
أقرأ هذه الأيام الرواية الشهيرة (١٩٨٤) للكاتب الإنجليزي ذائع الصيت (جورج أورويل) والنسخة التي اشتريتها مترجمة إلى العربية وصادرة عن المركز الثقافي العربي. كنت متحمسة لها لأنني كثيراً ما قرأت إعجاب النقاد بها وبنظرة كاتبها الاستباقية، فالرواية كُتبت في نهاية الحرب العالمية الثانية، أي في أربعينات القرن الفائت لتقدم لنا عبر قصة خيالية وصفاً لأحداثٍ ستحصل بعد هذا التاريخ بأربعين سنة.
إنها رواية الديكتاتورية والحزب الواحد والأنظمة الشمولية، وكيف سيتم تطويع التقنية (المتمثلة في شاشات الرصد) للتجسس على الناس والسيطرة على المجتمع، ولعل أورويل كان أول من استخدم مصطلح (الأخ الأكبر) أو (بيغ برذر) الذي عرفناه مؤخراً في برامج تلفزيون الواقع على هذه الشاشات. إذ تغدو أبسط احتياجات الإنسان الفطرية والنفسية محل مراقبة وتساؤل، فحتى تعابير وجهك يمكن أن تكون سبباً في سجنك، وحتى ممارسة هواية مثل الكتابة أو وضع مساحيق الزينة للنساء يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى أن تكون إحدى حملات "التطهير" التي يقوم بها الحزب ضد أتباعه، بحيث لا يبقى لهم أثر ولا ذكر في أي سجل أو مكان وكأنهم لم يخلقوا من الأصل!
الأخ الأكبر يراقب الناس عبر شاشات الرصد
وحيث يتم تزوير التاريخ والجغرافيا بما يتماشى مع أهداف الحزب السامية، فلا يصبح للوطن ذاكرة ولا تاريخ، وتولد أجيال لا تعرف من الحياة على هذا الكون إلا الحياة وفق ناموس الحزب فلا تحلم ولا تتطلع إلى تغيير من أي نوع. أحد شعارات الحزب: "من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي". ويبدو أن هذا الشعار يعتنقه الكثيرون، فنجد الدول والأنظمة الجديدة تحاول بشتى الوسائل طمس كل معلم بنته أنظمة غيرها، مع أنه لم يعد رمزاً للنظام السابق أو الدولة البائدة وإنما هو حقبة من تاريخ الأمة، ولذلك لا أوافق على ما حصل في العراق سابقاً، ويحصل في مصر وتونس حالياً من هذا التغيير الشامل والعشوائي لأسماء الشوارع والمؤسسات التعليمية وغيرها، بحجة اجتثاث آثار الأنظمة الفاسدة، التي مارست الشيء نفسه سابقاً، فجامعة القاهرة مثلاً كانت قبل ثورة يوليو ١٩٥٢م تسمى جامعة (فؤاد الأول) وكان ينبغي أن تظل كذلك.
وبالرغم من أن أحداث الرواية تدور في مدينة لندن، موطن واحدة من أعرق الديموقراطيات الحديثة، وبالرغم من أن العام ١٩٨٤م قد حل ولم تتحول بريطانيا إلى هذا النوع البشع من الحكم، إلا أن هذا لا يعني بأن هذا الأمر أو قريباً جداً منه لم يحصل بالفعل في أماكن أخرى من العالم، فقد شهدنا مآسي الدكتاتورية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية والصين والشرق الأوسط.
أحد الجوانب المهمة التي تطرحها الرواية هي قضية الولاء، الولاء للدولة والحزب، ويُربى الطفل صغيراً على أن يكون ولاؤه للحزب مقدماً على ولائه لأهله، بل يتعلم الصغير (عبر منظمة الجواسيس) كيف يتجسس على أهله ويكتب التقارير ويرفعها للمسؤولين، وهي تقارير قد تكون فيها نهاية أحدهم أو كلهم. فما هو تعريف الولاء لدى الحزب؟ حسب ما يفكر فيه ونستون بطل روايتنا فإن ذلك يعني: "انعدام التفكير، بل انعدام الحاجة للتفكير. الولاء هو عدم الوعي". ولهذا السبب فإن هناك شرطة متخصصة اسمها "شرطة الفكر" تتبع أولئك الذين يُشتبه أنهم يفكرون خارج الصندوق المرسوم لهم، خاصة من أفراد الحزب، فالحزب هو الذي ينتج الأفكار ويصوغها في الفنون والآداب وكل شيء من حولك، فما وافق ذلك لا يعتبر جرماً، لكن لو أتتك أفكار أخرى من نفسك، فأنت مذنب، ومشكوك في ولائك، وتشكل خطراً على أمن الدولة، ولا بد من تصفيتك.
جوروج أورويل وشعارات حزب الأخ الأكبر
قد تبدو هذه الصورة عن الحياة قاتمة جداً، ومستحيلة بل ومن غير المتوقع حصولها أبداً، لكن لو دققنا قليلاً لوجدنا، بأنه اليوم في بعض بلدان العالم العربي والإسلامي، نمارس هذا التعريف بصورة شبه يومية، على مستوى الدول والأحزاب والمؤسسات والأفراد، لأننا باختصار لا نقبل بأن يشذ فرد عن القطيع.
تريدون أمثلة؟ كيف يُحكم في بلدان عربية كثيرة على: الابن أو البنت اللذين يريدان الزواج من خارج القبيلة (أو المنطقة أو الدولة) من قبل أهلهم وعشيرتهم؟ أو على عالم الشريعة الذي يستنبط رأياً مختلفاً عن الإجماع؟ أو المثقف الذي اتخذ موقفاً من قضية ما عكس موقف أقرانه؟ أو الشباب الذين لديهم أفكار جديدة بالنسبة إلى المجتمع؟ أو النساء اللاتي يفكرن في اقتحام مجالات عمل غير مطروقة من قبل؟ أو على بعض المواطنين العرب الذين لديهم أفكار عن كيفية حل مشكلات بلادهم والمساهمة في تنميتها ويطرحونها بشكل سلمي وعلني ولم يتورطوا في أي عمل يمكن أن يزعزع استقرار أوطانهم؟
ألا يتم النظر إلى هؤلاء جميعاً بصفة عامة على أنهم مارقون ومعارضون وخونة؟ وستجد بأن هناك لوما شديدا ليس فقط للفعل الذي قاموا أو ينوون القيام به، وإنما حتى للفكرة ذاتها. فيتم لومهم على تفكيرهم، وتجريمهم على هذه الفكرة الجديدة سواء كانت تمس غيرهم بشكل مباشر أو حتى كانت أمراً خاصا بهم جداً، فقد اُرتكبت جريمة فكر ولا بد أن يحاسبوا عليها. وكل ذلك بسبب اعتناق هذا المفهوم الأعوج للولاء الذي بشر به أورويل قبل حوالي سبعين سنة.
أن توالي مذهباً أو دولة أو شخصاً أو حزباً أو فكرة، لا يعني أن على المرء أن يبيع عقله ويذوب تماماً فيها، فالعقل وجد ليُستخدم ولتقاس به الأمور، ولا يمكن أن يشكك في ولاء المرء لدينه أو وطنه أو أهله لمجرد أنه يتبنى أفكاراً مختلفة، فالولاء كما أفهمه، وليس وفق التعريفات اللغوية والشرعية، يعني أن تحب بصدق، فلا تخون من تواليه، ولا تطعنه في ظهره، ولا تستغل ضعفه، ولا تمكن منه أعداءه، ولا تتحالف معهم، بحيث يأمن جانبك. لكنه لا يعني أبداً أن تغض الطرف عن أخطائه، ولا ـ وهو الأسوأ ـ أن تجملها في نظره وتبررها لغيره، ولا أن تمتنع، في أضعف الأحوال، عن إنكارها قلبياً، فذلك حتى وفق شرعنا الحنيف.. أضعف الإيمان.
July 13, 2011
وقريبا سيشنق وحيد!
الطفل أحمد (٤ سنوات) ضحية من؟
هكذا قُتل الصغير أحمد الغامدي (وفي رواية إياد قبل أن يغير والده اسمه دون علم أمه)! على يد زوجة أبيه كما تابعنا في تحقيقات الصحف خلال الأيام الفائتة. قصة مؤلمة ومحزنة، لكنها لا جديدة ولا مستغربة، فسبق وأن قرأنا خلال السنوات الماضية عن العديد من الضحايا، صبيانا وبنات، ممن وقعوا ضحية العنف الأسري الذي لم تحتمله أجساد بعضهم ففاضت أرواحهم إلى بارئها. كتبتُ في هذه الصحيفة تحديداً مقالات عديدة عن الموضوع ذاته، تتغير أسماء الضحايا والمدن، ويظل السيناريو ذاته يتكرر. وبالرغم من أن بعض القصص انتهت نهاية حازمة كما حصل مع طفلة مكة غصون، حيث اقتص من الجناة (الأب وزوجته)، إلا أن ذلك لم يسهم في التقليل من هذه الحوادث على ما يبدو، فالعقاب للمجرمين في قضية بعينها مطلوب، ولكنه ليس كافياً أبداً ما دامت المنظومة كلها مختلة.
في قصة أحمد؛ نجد ابتداء بأنه تم تسليم طفلين في سن الحضانة لأبيهما، دون تحديد أي نوع من الزيارات للأم، التي ستحرم من رؤيتهما لمدة تزيد عن الثلاث سنوات، بحجة أنها ـ يا لفظاعة جرمها ـ قد تزوجت! بالرغم من أن زوج الأم هو محرم للبنت تماما كما هي زوجة الأب محرم للابن، ثم حتى وبعد أن طُلقت الأم من جديد لم يعهد لها لا بحضانة أطفالها ولم تمنح حق الزيارة، ولم يسمع أحدٌ لشكواها في الشرطة، ولن نتحدث هنا عن العراقيل الاجتماعية واللوجستية التي تمنع الأم من رؤية أبنائها بل وحتى من تقديم الشكوى.
شرعاء (١١ عاماً ) ضحية أخرى
هل يبدو هذا الكلام مكررا وكأنكم قرأتموه سابقا؟ حسنا لعلكم تذكرون شهيدة صغيرة كان اسمها شرعاء (ما زالت الأم تطالب بالقصاص من الأب وزوجته فيما أعلم)!
في قصة أحمد الغامدي أيضاً حديث عن زوجة الأب، هذه المخلوقة الشريرة التي لدينا مسبقا صورة سلبية عنها من قصص طيبات الذكر سندريلا وبيضاء الثلج، والتي لديها شهوة عارمة لقتل صغار زوجها، ومع أنني لا أدافع أبدا عن مجرمات يقتلن أحباب الله، إلا أنني أنظر للموضوع من زاوية أخرى. فهذه امرأة حديثة الزواج بالكاد تحاول التأقلم مع وضعها الجديد، فيُرمى عليها حمل ثقيل ويطلب منها أن تقوم برعاية أطفال يكرهونها غالبا لأنها أخذت مكان أمهم، وأن تفعل ذلك وحدها دون مساعدة من والدهم نفسه ودون تأهيل لها أو تمهيد للأطفال، بالإضافة إلى الأعباء الزوجية والمنزلية الأخرى، وقد تكون حاملاً في الفترة نفسها أو وضعت طفلاً للتو، مع كل ما يسببه ذلك من اختلال هرموني واضطراب نفسي تدركه النساء جيدا، قد قرأنا وسمعنا عن نساء يقتلن أولادهن بسبب اكتئاب ما بعد الولادة أو الضغوط الحياتية وليس كما كتب الدكتور الموسى بأن الأم لا تقتل أطفالها.
أسئلتي هنا: أين دور الأب الذي أنجب وطلق وأخذ الأطفال في دعم زوجته وأطفاله وأسرته الجديدة؟ بل لقد شهدنا حالات كان الأب هو المحرض الأساسي لزوجة الأب على أطفاله!
الطفلة غصون (٩ أعوام) قتلها والدها وزوجته بعد أن عاشت مع أمها سبع سنوات سعيدة قبل ذلك
وأين دعم أسرة الأب؟ أين دور المجتمع وجمعياته في توفير التوعية والمساندة لمثل هذه الأم البديلة؟ حتى المكتبة العربية تفتقر إلى كتب تشرح لزوجة الأب أو زوج الأم كيف يمكن أن يتصرفا من أجل تسهيل التأقلم مع الوضع الجديد وتقبل دورهم في حياة صغار ليسوا صغارهم. فما أسهل الكلام واللوم، ولكن ماذا لو كنا مكانهما؟
وأعود للأب من جديد في قصة أحمد، كيف لم يلاحظ ما كان يتعرض له الطفلان طوال هذه المدة؟ هل هذا دليل على أنه لم يكن يحتك بهما نهائياً ولا علاقة له بهما؟ لم أخذهما من أمهما إذا كانا سيعانيان من فقدان حنانه ورعايته في كافة الأحوال؟ أكاد أجزم بأن هذه القصة لو حصلت في بريطانيا لكان الوالد قد ألقي القبض عليه ووجهت له تهمة الإهمال والتستر على الجريمة، لكن ذلك لم يحدث بل على العكس. فما زال هذا الرجل هو الحاضن الرسمي والشرعي لشقيقة أحمد المعذبة (ريتاج) ولأبنائه من الزوجة الثانية، ولأنه رجل وله احتياجات فسنجده بعد قليل وقد تزوج أخرى وعهد لها بأطفالها الثلاثة لتبدأ القصة من جديد، بدل أن تسقط عنه الأهليه فورا بدعوى عدم الكفاءة الواضحة ويسلم الأطفال للأم أو الجدة.
الغريب في هذه القصة أنه تم التحفظ على الخادمة المسكينة بتهمة التستر على الجريمة! هل تمزحون؟! وماذا كان باستطاعتها أن تفعل في ظل التهديد والرعب؟ ولو تكلمت هل كان أحدٌ سيصدقها؟ فبحسب السيدة (أمل البارقي) والدة الطفل، فإنها حين حاولت أن تخبر والده عن تعرض أبنائها للتعذيب سخر منها ورفض كلامها تماماً، فكيف لو صدر الكلام من خادمة ربما كانت هي نفسها ضحية التعذيب؟
الأطفال يشكلون الحلقة الأضعف في المجتمع ولا شك، وفي الماضي كان يكفي أن نعهد بأمر العناية بهم للأبوين دون تدخل ولا رقابة، لكن الدنيا تغيرت وتغيرت معها النفوس، أمر أدركته
رهف ( ٦ سنوات) ضحية أخرى لكنها نجت من الموت!
جل الدول المتحضرة، فشرّعت القوانين التي تحميهم، وأوجدت مؤسسات اجتماعية تتابع أوضاع الأطفال عموماً في المدرسة والبيت، فالموظف أو الموظفة الاجتماعية يزوران الأسر التي لديها أطفال صغار بشكل دوري للتأكد من أنه يعيش في مكان ملائم ولا يتعرض لسوء معاملة من أي نوع. كما تؤخذ شكوك وشكاوى المدرسين أو الأطباء أو الجيران على محمل الجد ويفتح تحقيق بناء على ذلك، يحدث هذا حتى في الأسر التي يعيش فيها الأب والأم معاً، وبشكل أكثر تركيزاً في الأسر التي يعيش فيها الأطفال مع أحد الوالدين أو الأقارب أو حتى الأسرة بالتبني. ورغم كل هذه الاحتياطات تقع الجرائم المؤسفة، فتوضع المزيد من التشريعات، ويقدم المسؤولون في الأسرة والدولة للمساءلة على أمل أن لا يتكرر ذلك من جديد، مع الاعتراف بالقصور والعجز. أما عندنا، فما زلنا نكابر ونعتبرها حوادث فردية، وتضخيمها ما هو إلا مؤامرة تغريبية لتخريب المجتمع، ولذلك تُحرق غصون وتُقتل شرعاء ويُنحر أحمد ويشنق وحيد، حسنا وحيد هو اسم مستعار لضحية جريمة مستقبلية لم تحدث بعد لكن كل المؤشرات تقول بأنها ستحصل، تعازيَّ الحارة للضحية وللمجتمع مقدما.
July 5, 2011
رحلة لا تنتهي – القافلة الأسبوعية
في يوم مشمس وحار في مدينة ساندييغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية قبل عدة أشهر كنت أستقل حافلة مليئة بالركاب، لفت نظري أحدهم وهو رجلٌ كبير بالسن ولكنه مملتيء بالحيوية
ووجهه يفيض سماحة وبشراً، يكاد يتحدث مع كل راكب جديد أو كل من يهم بالنزول في المحطة التالية، غير مبالٍ بالملل الواضح على وجوه أغلبنا من شدة الحر وبطء الحافلة وتوقفها المتكرر. في البداية حسبته يعاني نوعاً من الخرف أو البلاهة، ودعوتُ الله أن يبعده عني فلم أكن في مزاج للتحدث مع أحد. فجأة أصبح المقعد القريب مني شاغراً، فقفز صاحبنا وجلس فيه، وبدأ يحاول جر أطراف الحديث معي بينما أحاول أنا أن أجيب على أسئلته الماطرة بأقل قدر ممكن من الكلمات، لكنني بعد قليل سأغير من أسلوبي معه حين عرفت سبب تصرفاته الغريبة هذه.
سألني عما إذا كنت أتقن لغة أخرى؟ أجبته بصبر نافذ بأن العربية هي لغتي الأولى، تهلل وجهه فرحاً وبدأ يستعرض معي قاموسه منها! بدأ بإلقاء السلام ثم أخذ يسرد على مسامعي كلمات متفرقة عديدة، سألته كيف ومتى تعلمت كل ذلك؟ فقال: أنا أحب اللغات وأحب تعلم مفرداتها بالحديث مباشرة مع أهلها، ولهذا أستقل الحافلة في تنقلاتي كل يوم وأحاول أن أتكلم لأتعلم، تعلمت الأسبانية بحديثي مع المهاجرين والعمال من المكسيكيين المتواجدين بكثرة هنا وصرت قادراً على التحدث بها بشكل جيد، كما تعلمت مفردات من عدة لغات أخرى ومنها العربية.
أعجبتني طريقته التعليمية المبتكرة هذه، فتخيلوا أنكم تتعلمون بضع كلمات من لغة ما كل يوم، ومع قليل من الجهد مع القواعد لاحقاً، ستجدون بأنكم قادرون على تعلم لغات جديدة بأسهل مما كنت تتوقعون. ثم بدأ يسألني بعدها عن بعض الكلمات العربية وأذكر منها الآن كلمة "مطر"، التي ما أن لفظتها حتى أخرج ورقة وقلماً وكتبها بالانجليزية، ثم طلب مني إعادة النطق فكتبها بالعربية بالحروف اللاتينية مع وضع بعض الحركات التشكيلية على الأحرف بناء على الطريقة التي نطقتها بها، وتكرر الأمر مع كلمات أخرى، حتى وصلت إلى محطتي فودعته وانصرفت.
ظللت أفكر بعدها كيف أنه لا حدود لطلب العلم وتوق النفس البشرية للمعرفة، فهذا رجلٌ عجوز متقاعد لم يركن إلى الدعة والتحسر على أيام الشباب والاكتئاب أو التبرم من الحياة وكأنه يستعد للموت، بل ظل قلبه شاباً محباً للحياة وهاهو يطلب العلم لذاته، وأكثر ما أعجبني فيه تحويله لعادة روتينية يومية مملة مثل ركوب الحافلة إلى فرصة ممتعة للتعلم والتواصل مع الآخرين، ولم يكن في حاجة لأكثر من ورقة وقلم ووجه بشوش وعدم مبالاة بما سيعتقده الآخرون عن فضوله.
ترى هل نستطيع عمل ذلك على المستوى الشخصي، أي تحويل الأوقات الضائعة إلى نشاط علمي أو ثقافي مفيد؟ ليس بالضرورة أن نتحدث مع الآخرين أو نزعجهم، ولكن هناك وسائل أخرى لعل أكثرها شيوعاً هي القراءة، أو الاستماع لمادة مفيدة عبر وسائل التقنيات الرقمية المتعددة، وهناك الكثير من الأفكار الخلاقة الأخرى. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً هنا: هل نملك الحماسة اللازمة والرغبة الأكيدة والعزيمة القوية لمواصلة التعلم خلال حياتنا كلها مثل ما فعل صاحبنا العجوز الأمريكي؟
June 29, 2011
استشارات رقمية للمشكلات الزوجية
تتغير أولويات المرء واهتماماته مع تغير ظروفه المهنية أو الاجتماعية أو الصحية، ولهذا لم يبدأ اهتمامي بزيارة المواقع التي تهتم بالحياة الزوجية والأسرية إلا في الفترة التي تلت
خطوبتي وزواجي، رغبة في الاستفادة من خبرات الآخرين، لسهولة الإبحار في الإنترنت من جهة، ولافتقار المكتبة العربية لكتب جيدة وحديثة في هذا المجال من جهة ثانية.
لو بدأنا بمواقع الإنترنت الزوجية العربية، فقد لفت انتباهي بداية أن صفحة الحجب من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لم تظهر لي، وهي التي تظهر باستمرار مزعج حتى في مواقع لا تفعل شيئاً سوى بيع الزهور! بالرغم من أن الأقسام الخاصة بالحياة الزوجية في غرفة النوم تحتوي على جرأة ملحوظة ومبالغ فيها أحياناً، بحجة أنه لا حياء في الدين، وأن الغرض هو خلق حياة سعيدة بين الزوجين. ولهذا يتبادل أعضاؤها من النساء والرجال من العامة أحاديث ونصائح "زوجية" بكل أريحية، وقد يضع أحدهم موضوعاً يجعل المرء يتصبب عرقاً، فتدخل إحداهن وتردد جزاك الله خيراً على هذه الموضوعات القيمة، وكأنه كان موضوعاً عن فوائد التمر!
ومصدر استغرابي ليس وجود مثل هذه المواقع، ففي مجتمع لا يعترف بالثقافة الجنسية الصحيحة المستمدة من الدين والعلم، سيلجأ الناس إلى أي مصدر للحصول على المعلومات، ولكن أن يكون هذا المجتمع العربي المحافظ نفسه، الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها على سهوة أو هفوة كاتب أو مذيع، هو نفسه لا يمانع من مناقشة أشد الموضوعات خصوصية على هذا النحو، ما دام الأمر يتم تحت أسماء مستعارة.
وإذا أتينا إلى موضوع آخر أكثر أهمية وخطورة، وهو موضوع مناقشة المشكلات الزوجية والأسرية، فسنجد أنه في المنتديات والمواقع العربية المرأة تكاد تكون دائماً صاحبة
الشكوى، وكأن الرجل العربي ليست لديه مشكلات أو لا يحتاج للبحث عن حلول لها، أما في المواقع الإنجليزية مثلاً، فمع أن المرأة هي أيضاً من يشتكي غالباً، لكن هناك أيضاً مساهمات رجالية واضحة.
وفي المنتدى أو الموقع العربي تكرر الشكوى نفسها: الزوج لا يهتم بزوجته أو أسرته إما مادياً أو معنوياً، وقد تكون هناك حالات فيها عنف أسري أو إهانة أو تجاهل تام أو خيانة، وللأسف فإن النصيحة ذاتها تتكرر: عليك بأن تصبري عليه، وهل الأفضل أن تطلقي وتعودي ضيفة ثقيلة في بيت أهلك؟ ثم لماذا لا تكون المشكلة أساساً فيكِ أنتِ؟ للأسف الشديد لا فرق في هذا الجواب بين استشاري نفسي ودكتور يقدم نفسه "كحلال" للمشكلات، وبين شخص من العامة يرغب في تقديم النصيحة، فتخرج المسكينة منهم بخفي حنين، لا بل بإحساس بالذنب بأن الخطأ في الأصل منها. مع أن بعض هذه النصائح يمكن أن تفاقم المشكلة، فحين تشتكي امرأة من سهر زوجها المتكرر، وإدمانه للعمل أو للقات أو للتدخين أو للشراب أو للعب الورق، وكيف أن ذلك الأمر يجعله لا يؤدي لها حقها الزوجي جسدياً وعاطفياً، فنحن هنا أمام امرأة لم يشبعها زوجها، وهي بالتالي معرضة للانحراف. وانحراف الأم وربة المنزل أسوأ بمراحل من انحراف الشابة غير المتزوجة. فبدلا من أن يتم نصحها بمصارحة زوجها أو استشارة طبيب أو طلب مساعدة أسرية، يتم الطلب منها أن تتجاهل الموضوع، لعل المشكلة تُحل من تلقاء نفسها، فلعل الله يهديه!
أما الأسوأ من هذا، حين تتعلق الشكوى بجريمة، مثل تلك السيدة التي لاحظت أن الزوج يتحرش بطفلتهما، فلا تدري ماذا تفعل، فيقال لها ألا تفضح الأب وتسكت من أجل ألا يخرب
بيتها ويتشتت بقية الأطفال، فنحن هنا أمام دعوة صريحة للتستر عن مجرم ومغتصب!
بالمقابل، فإن المواقع باللغة الإنجليزية تقدم صورة مختلفة، فالبيئة الشبكية ليست في النهاية إلا انعكاسا للثقافة على أرض الواقع، ففي مجتمعات تنظر بمساواة للرجل والمرأة، وتتعامل معهما كنديين محاسبين بشكل كلي عن أفعالهما، وعن تقاسمهما المسؤولية فيما يتعلق بأمور الأسرة، فمن الطبيعي أن نجد الطرح يتضمن حلولاً منطقية لمعظم القضايا، ليس من قبل أهل الاختصاص فحسب بل ومن مشاركات العامة أيضاً.
فيتم النظر للمشكلة الرئيسية، وطرح الأسئلة على صاحبة الشكوى، ومحاولة تقديم رؤى وخيارات مختلفة لها، وتكون النصائح عبارة عن دعوة لاتخاذ خطوات عملية، مثل مصارحة الزوج بالمشكلة، أو نصيحة للزوجين بأن يذهبا لمستشاريين متخصصين في حل المشكلات الأسرية، أو تغيير سلوك ما وانتظار ردة الفعل، وغيرها من الاقتراحات التي تبدو منطقية وقد تساهم في حل المشكلة أو على الأقل جعل الشاكية تفهم أسباب تصرف الشخص الثاني بشكل أفضل.
وتتعدى منافع الشبكات الغربية الاجتماعية موضوع الاستشارات، فهي تطرح موضوعات متنوعة مفيدة عن كل ما يتعلق بالحياة الزوجية، سواء ما يتعلق بعلاقة الزوجين مع بعضهما أو علاقتهما مع محيطهما من الأهل والأصدقاء والجيران وزملاء العمل وغيرهم. وعن كيفية التغلب على مشكلات الطباع في السنة الأولى وما بعدها، والمشكلات المادية، والتغييرات النفسية المصاحبة لكل ذلك، ثم ظهور الأطفال في الأسرة وتقاسم الأبوين للمهام بشأنهم، بل وحتى الأغذية والنشاطات التي يمكن أن تساعد في تجاوز كل هذه الصعوبات. أمورٌ مهمة تكاد تكون المعلومات عنها شبه معدومة في المواقع العربية.
من نافلة القول أن المحتوى الرقمي العربي على الشبكة هو دون المستوى المأمول، لا كماً ولا كيفاً، وهذه مسؤولية الأفراد المتخصصين كما هي مسؤولية الحكومات العربية التي تحتاج أن تقدم المزيد من الدعم المادي والمعنوي لتشجيع المبادرات الفردية المتميزة. وبالرغم من أنه يستحيل أن نغير من ثقافة المجتمع بين يوم وليلة، ولكن يمكن أن نحاول توظيف التقنية من أجل تثقيف أفراد هذا المجتمع ونشر الوعي. شريطة أن يكون القائمون على هذه المواقع والمنتديات قد حازوا التأهيل العلمي والثقافي اللازمين، مع شيء من الحكمة، بحيث تؤهلهم كل هذه الأمور لصناعة الفرق في حياة الآخرين.
June 22, 2011
كيف نحميهم من الوحوش؟

حين كنت تلميذة صغيرة في السنة الأولى في اسكتلندا، أعطتنا المعلمة ورقة لنلونها كان عليها صورة رجل يتحدث مع طفلة، وبعدها أفهمتنا كيف أنه لا يصح للصغار أن يتحدثوا مع الغرباء حين يكونون بمفردهم، وقد حملنا لاحقاً الورقة التي التي لوناها والتي كُتب عليها "لا تتحدث مع الغرباء" إلى بيوتنا مسرورين. وسيؤكد الوالد علينا الأمر ذاته طوال سنوات طفولتي: لا نثق بأحد لا نعرفه، ولا نركب معه تحت أي ظرف ما لم يسمح لنا أحد أبوينا بذلك. سيمضي وقت طويل قبل أن أفهم أهمية تصرفات والدي وقبل أن أشعر بالامتنان له لحمايتي وحراسة طفولتي بعد الله، وجاءت قضية "وحش جدة" مغتصب الصغيرات لتعيد هذا الموضوع للذاكرة من جديد.
بداية هذه الآفة وهي شهوة ممارسة الجنس القصّر ليست ليست حكراً على مجتمع دون آخر، فهي موجودة في الشرق كما الغرب. وجاءت التقنيات الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة لتزيد الطين بلة، فقد صارت هناك تجمعات شبكية عالمية واسعة لأصحاب هذا الشهوة الحقيرة، والذين يطلق على ممارسها بالانجليزية "بيدوفايل" (pedophile)، حيث يتبادل أفراد هذه الشبكات الصور ومقاطع الفيديو الخاصة باغتصاب الأطفال، وربما عناوينهم أيضاً. بل ومن شدة حقارة أعضائها أن بعضهم يقوم بتصوير أطفاله أو طلابه وتبادل صورهم مع الآخرين. فالشخص الذي لديه اتصال مباشر وسهل ومبرر بالأطفال يشكل كنزاً لغيره من الأعضاء ممن لا يُتاح لهم هذا الأمر، وكثيراً ما تم الكشف عن تورط المدرسين والمدرسات في هذا الأمر، ولعل معلمة دار الحضانة (فينسا جورج) البريطانية من أشهرهن مؤخراً.
ولانتشار هذه الآفة، فقد باتت معظم الحكومات في الدول المتقدمة تجاهد من أجل القضاء عليها، فأولاً هناك منع رسمي وصريح لدخول هذه المواقع الإلكترونية أو لتبادل صور أطفال في مثل هذه الأوضاع حتى لمجرد النظر دون الفعل. وإذا صادف ووجد أحدهم في جهازك المحمول صورة واحدة لقاصر عارٍ أو في وضع مخل فستتعرض للسجن، في حين لن يلقي الشرطي بالاً لألف صورة لنساء راشدات عاريات.

قرأت قبل سنة رواية مؤلمة بعنوان (معطوبة) أو (Damaged) كتبتها سيدة ترعى الأطفال عن قصة واقعية لطفلة تعرضت لتحرش جنسي واغتصاب من قبل أهلها وأصدقائهم منذ سنواتها الأولى، فصارت لديها إعاقات جسدية متنوعة وتأخر عقلي مع بلوغها سن الثامنة ستلازمها بقية حياتها مع أنها لم تولد بها، فالتأثيرات النفسية وخيمة وبعيدة المدى تستمر حتى بعد سنوات من إبعاد الطفل عن هذا الواقع المر ما لم يتم علاجه بأسرع ما يمكن وبالشكل الصحيح.
هذه المشكلات تحصل إذاً ولا يجب أن نخجل من الاعتراف بوجودها في مجتمعنا وإنما محاربتها. ما حصل لصغيراتنا في جدة مؤلم جداً، وأقل ما نقدمه لهن هو علاج نفسي تأهيلي كامل حتى يتجاوزن هذه المرحلة، لا فرق في ذلك بين الضحية السعودية واليمنية والأفغانية، فكلهن منكوبات.
ولكن أود أن أطرح هنا سؤالاً لمحاولة معرفة أسباب ما حصل وكيف يمكن تلافي ذلك مستقبلاً، فمن المسؤول عن التقصير هنا؟
فمن ناحية كيف يتكرر هذا الأمر مع ثلاثة عشرة ضحية أو أكثر، من الشخص نفسه، في المدينة نفسها، وبالطريقة نفسها تقريباً، وعلى مدى سنوات دون أن يقع المجرم في قبضة العدالة؟ سؤال نطرحه للأجهزة الأمنية، فهل كانت لديهم شكوك حول الرجل وكانوا ينتظرون فقط الأدلة؟ أم أن المعلومات اللاتي كانت تدلي بها الصغيرات لم تكن كافية؟ وهل أدلت الصغيرات بأقوالهن أصلاً قبل القبض عليه أم أن الخوف من العار والفضيحة كان أقوى في نفوس الأهالي فلم يقدم بعضهم شكوى رسمية؟

من ناحية ثانية أنا متفاجئة قليلاً أيضاً من تصديق البنات الواحدة تلو الأخرى لقصص هذا الرجل لاستدراجهن! أعنى القصص لم تبدو لي محبوكة بحيث تنطلي بسهولة على ابنة العاشرة التي تجاوزت سن التمييز، خاصة من قبل شخص غريب تماماً، ولكن يبدو أنه لم يتم توعيتهن أبداً، لا في البيت ولا في المدرسة بشأن التحرشات الجنسية أو الاختطاف وبشأن التحدث مع الغرباء، وأنهن متعودات على السمع والطاعة. وهذا يبين خللاً كبيراً لدينا يجب أن ننتبه له، سواء على صعيد أسري وعائلي، أو تربوي وإعلامي. فكما كانت هناك لوحات وندوات متكررة في المدارس بشأن العناية بالأسنان، فالأمر يجب أن يكون هكذا وأكثر بشأن العناية بالنفس والمحافظة عليها من الأذى. وأن يتم شرح هذه الأمور بطرق مبسطة للأطفال، دون تضخيم يجعلهم يخافون من خيالهم، فالهدف هو التوعية وليس خلق حالة من الرهاب الاجتماعي لديهم.
نأتي بعد ذلك للمجرم وكيف نتعامل معه ومع من يثبت تحرشهم بالصبيان أو البنات. في الغرب، هؤلاء يجدون عقوبة أكثر من عقوبة القاتل، ومع أنه لا يتم إعدامهم، لأن الإعدام ممنوع في تلك البلدان، إلا أنهم يقضون سنوات طويلة في السجن، وتوضع أسمائهم حتى بعد الخروج في سجل المتحرشين للأبد، ولا يُسمح لهم بالعمل أو السكن في أي مكان قرب الأطفال، وأحياناً يطلب من أحدهم أن يرتدي سواراً في قدمه مدى الحياة يسجل كل تحركاته.
أما نحن فبحمدالله مازال الحد الشرعي لدينا قائماً، وبعد التحقيق وثبوت الأدلة ومحاكمة عادلة، فلا حل لهؤلاء سوى الإعدام بغض النظر عن قرابة الشخص للطفل. فجريمته إفساد في الأرض وإعدام للطفولة واغتصاب للكرامة، فلا يجب أن يكون هناك مجال للشفقة والرحمة.
كما نحن بحاجة ماسة إلى خبراء وخبيرات في قضايا التحرش والاغتصاب والعنف الأسري بالنسبة للأطفال وأسرهم، سواء من الناحية الطبية والنفسية أو الاجتماعية أو الحقوقية، فلعل هذه التخصصات تضاف إلى برنامج الابتعاث ويُشجع الطلبة على التخصص فيها.
أتمنى أن لا تتوقف وسائل الإعلام عن تغطية هذه الجريمة الشنيعة، وأن تبلغنا أولاً بأول بآخر أخبار التحقيقات والمحاكمة، وأن لا يختفي كل شيء فجأة من الإعلام كما يحصل في قضايا العنف الأسري.
أخيراً..ألم يحن الوقت بعد لوضع مسودة واضحة لحقوق الطفل بحيث تحميه وترعى طفولته من الإعتداءات الجسدية والجنسية والنفسية من الأقارب كما الأباعد؟
June 14, 2011
الدعوة للفضيلة لا تكون بنشر الرذيلة
كتبتُ سابقاً في صحيفة الوطن مقالاً بعنوان "عندما يبتعد الوعظ عن الوقار"، تحدثت فيه عن بعض الخطب والمواعظ التي تُلقى على الشباب، والتي كنت قد شاهدت تسجيلاً لبعضها على موقع "اليوتيوب". ذكرت وقتها أنه لا اللغة ولا الألفاظ والأسلوب ولا حتى الموضوع أحياناً مما يمكن اعتباره لائقاً بالدعوة إلى الله تعالى، فالاسترسال في الوصف الجنسي للحور العين بطريقة مثيرة للغرائز يتناقض مع دعوة الشباب العزاب للعفة وعدم إشغال النفس بالتفكير في هذه الأمور، والتحذير من قيادة المرأة للسيارة بذكر أن النساء سيعدن للبيت "سكرانات" لا يخدم الرأي القائل بمنع هذا الأمر أبداً. ومن الردود التي وصلتني يومها هو أن هذه الخطب الركيكة والمواعظ السخيفة إنما تعكس ثقافة المتحدث والبيئة التي جاء منها، فحين نكون أمام مفحط تائب أو مدمن سابق، فماذا نتوقع؟ وتم توجيه اللوم لمن سمح لهؤلاء باعتلاء المنابر وتشويه سمعة الدعوة والدعاة، وهذا رأي فيه الكثير من المنطق، لكن حين تصدر أمورٌ مشابهة من شخص يحمل تخصصاً دقيقاً في الشريعة، وخطيب جمعة، وداعية معروف له برامجه التلفزيونية، فمن الملام هنا؟
على برنامجه الشهير في إحدى الفضائيات تم ذكر قصة عنوانها "مأساة فتاة مبتعثة " للمرة الأولى، وبعدها تناقلتها وسائل الإعلام الرقمي بسرعة البرق. ملخصها أن فتاة من أسرة طيبة ومتدينة، والدهم إمام مسجد قد ركبت موجة الابتعاث، فأرسلت شاباً وأخته أعمارهما دون العشرين للدراسة في الخارج، فوقعا في الإدمان، الشاب أولاً ثم جر أخته لذلك، ووصل الأمر في النهاية إلى أن باعت عرضها لأخيها من أجل المخدر! ثم إلى الممول، وصارت تحمل وتجهض عشرات المرات من كثرة معاشرة أخيها والمدمنين والممولين. ثم علم أخوهما الكبير بأمرهما فعاد بهما للسعودية وتعالجا بحمدالله، بل وصار الأخ حافظاً للقرآن والأخت أيضاً تابت توبة عظيمة وهي تذكر قصتها هذه للعظة والعبرة من الابتعاث! وفي القصة كما يوردها الدكتور تفاصيل وعبارات مخجلة حاولت أن أعفي القارئ منها، وسأعلق تالياً عليها.
ابتداء، كان للكثيرين فعلاً تحفظات ليس على برنامج الابتعاث لذاته، وإنما للطريقة التي يتم بها اختيار المبتعثين، ومن ثم إرسال بعضهم ولا سيما صغار السن دون تأهيل كافٍ. وأعتقد أنني كتبت خلال السنوات الماضية أربعة أو خمسة مقالات حول القضية، فأن تكون لك وجهة نظر مختلفة أمر طبيعي، لكن هذا لا يعني أن يتم نسف فوائد هذا البرنامج، ولا أن يتم تشويه صورة المبتعثين والمبتعثات بالاعتماد على قصة شبه خيالة، فما قيمة التربية والدين والتعليم إذا كان المرء سينهار أمام أول اختبار؟ ثم هل الإدمان في الغرب فقط؟ وهل الاعتداء على المحارم هناك فقط؟ من يصل إلى هذا المستوى الحقير سيفعل فعلته هنا أو هناك.
الأمر الثاني، الابتعاث مدعوم مادياً ومعنوياً من قبل الدولة، ويأتي منسجماً مع خططها التنموية، فهل يحق للدكتور أن يأتي ويحذر من أمر تقره الدولة وتباركه؟
الأمر الثالث، آلاف الأسر ابتعثت أبناءها وبناتها للدراسة، وفي ـ ربما ـ نصف الحالات كان الأخ الشقيق هو المحرم الوحيد القادر على الذهاب مع أخته، وشرط المحرم للمبتعثة مما أصر عليه أهل العلم والدين وجعلوه أساسياً في نظام البعثة والوزارة، فكيف ستكون مشاعر هؤلاء الأهالي وهم يسمعون بقصة تبعث بكل الأفكار السيئة إلى عقولهم عن أمور لا يتخيلها المرء إطلاقاً؟ وماذا لو لعب الشيطان برأس بعض أولياء الأمور وبدأ يشك بابنه وابنته ومن ثم سحب موافقته على البعثة، وأعاد ابنته للوطن قبل أن تنهي دراستها، فتكون قد ضاعت أموال الدولة كما وقتها وجهدها هدراً؟ بل كيف ستشعر المبتعثة ويفكر محرمها حينما يسمعان بهذه القصة؟ هل ستجعل أحدهما يتوجس من الآخر؟ إن العلاقة بين الأشقاء والشقيقات علاقة مميزة جداً رغم الاختلافات التي قد تحدث بينهما، والأخ غيور جداً على أخته في الغالب إلى درجة مرضية أحياناً، فكيف يصبح هو المجرم الذي يجب أن تحترز منه؟ نعم هناك حالات شاذة بدأت تطفو على سطح المجتمع تذكر قصص اعتداء لشباب على أخواتهم تحت تأثير المخدر أو السكر لكنها تظل حالات شاذة لا يجب أن تُعمم.
الأمر الرابع: ما الداعي لذكر التفصيلات التي تستحضر الذل والعملية الجنسية في ذهن المتلقي؟ ما الذي تضيفه هنا سوى إنتاج الخيالات الشهوانية؟ ولماذا يتم ذكر تفصيلات أخرى قد تتسب في تأجيج الأحقاد مع دول شقيقة؟ لماذا كان يجب معرفة أن الممول" كويتي"؟ لماذا لم يقل "عربي" مثلاً؟ حتى لو أن هذه التفصيلات مذكورة في رسالة الفتاة، فكان الأولى به المضي إلى الشاهد والمستفاد من القصة دون ثرثرة ضررها أكثر نفعها.
الأمر الأخير: لماذا عنوان القصة "مأساة فتاة مبتعثة" وليست "مأساة شاب مبتعث"؟ برأيي أن نكبة الشاب أعظم، لأنه المرتكب لكبيرة الزنا بالمحارم ولخيانته لأهله وبلده بينما الفتاة ضحية، أم إن هذا العنوان يخدم رأي الشيخ الدكتور الذي يعارض ابتعاث الفتيات وليس الشباب؟
كما أسلفت من حق الشيخ الدكتور أن يعبر عن رأيه، وأن يكون ضد الابتعاث، فهذا ليس عيباً، لكن عليه أن يوضح للناس الأسباب والحجج، لا أن يعمد إلى تشويه صورة المبتعثين، ويطرح قصصاً خيالية فيها الكثير من البهارات الجنسية، فهذا مما لا يليق لا بالشيخ ولا بالدعوة ولا بالوطن. وحتى لو اعتبرنا أن القصة حقيقية بالفعل فلا يجب نشرها على هذا النحو، فليس كل ما يعلم يقال.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

