وقريبا سيشنق وحيد!
الطفل أحمد (٤ سنوات) ضحية من؟
هكذا قُتل الصغير أحمد الغامدي (وفي رواية إياد قبل أن يغير والده اسمه دون علم أمه)! على يد زوجة أبيه كما تابعنا في تحقيقات الصحف خلال الأيام الفائتة. قصة مؤلمة ومحزنة، لكنها لا جديدة ولا مستغربة، فسبق وأن قرأنا خلال السنوات الماضية عن العديد من الضحايا، صبيانا وبنات، ممن وقعوا ضحية العنف الأسري الذي لم تحتمله أجساد بعضهم ففاضت أرواحهم إلى بارئها. كتبتُ في هذه الصحيفة تحديداً مقالات عديدة عن الموضوع ذاته، تتغير أسماء الضحايا والمدن، ويظل السيناريو ذاته يتكرر. وبالرغم من أن بعض القصص انتهت نهاية حازمة كما حصل مع طفلة مكة غصون، حيث اقتص من الجناة (الأب وزوجته)، إلا أن ذلك لم يسهم في التقليل من هذه الحوادث على ما يبدو، فالعقاب للمجرمين في قضية بعينها مطلوب، ولكنه ليس كافياً أبداً ما دامت المنظومة كلها مختلة.
في قصة أحمد؛ نجد ابتداء بأنه تم تسليم طفلين في سن الحضانة لأبيهما، دون تحديد أي نوع من الزيارات للأم، التي ستحرم من رؤيتهما لمدة تزيد عن الثلاث سنوات، بحجة أنها ـ يا لفظاعة جرمها ـ قد تزوجت! بالرغم من أن زوج الأم هو محرم للبنت تماما كما هي زوجة الأب محرم للابن، ثم حتى وبعد أن طُلقت الأم من جديد لم يعهد لها لا بحضانة أطفالها ولم تمنح حق الزيارة، ولم يسمع أحدٌ لشكواها في الشرطة، ولن نتحدث هنا عن العراقيل الاجتماعية واللوجستية التي تمنع الأم من رؤية أبنائها بل وحتى من تقديم الشكوى.
شرعاء (١١ عاماً ) ضحية أخرى
هل يبدو هذا الكلام مكررا وكأنكم قرأتموه سابقا؟ حسنا لعلكم تذكرون شهيدة صغيرة كان اسمها شرعاء (ما زالت الأم تطالب بالقصاص من الأب وزوجته فيما أعلم)!
في قصة أحمد الغامدي أيضاً حديث عن زوجة الأب، هذه المخلوقة الشريرة التي لدينا مسبقا صورة سلبية عنها من قصص طيبات الذكر سندريلا وبيضاء الثلج، والتي لديها شهوة عارمة لقتل صغار زوجها، ومع أنني لا أدافع أبدا عن مجرمات يقتلن أحباب الله، إلا أنني أنظر للموضوع من زاوية أخرى. فهذه امرأة حديثة الزواج بالكاد تحاول التأقلم مع وضعها الجديد، فيُرمى عليها حمل ثقيل ويطلب منها أن تقوم برعاية أطفال يكرهونها غالبا لأنها أخذت مكان أمهم، وأن تفعل ذلك وحدها دون مساعدة من والدهم نفسه ودون تأهيل لها أو تمهيد للأطفال، بالإضافة إلى الأعباء الزوجية والمنزلية الأخرى، وقد تكون حاملاً في الفترة نفسها أو وضعت طفلاً للتو، مع كل ما يسببه ذلك من اختلال هرموني واضطراب نفسي تدركه النساء جيدا، قد قرأنا وسمعنا عن نساء يقتلن أولادهن بسبب اكتئاب ما بعد الولادة أو الضغوط الحياتية وليس كما كتب الدكتور الموسى بأن الأم لا تقتل أطفالها.
أسئلتي هنا: أين دور الأب الذي أنجب وطلق وأخذ الأطفال في دعم زوجته وأطفاله وأسرته الجديدة؟ بل لقد شهدنا حالات كان الأب هو المحرض الأساسي لزوجة الأب على أطفاله!
الطفلة غصون (٩ أعوام) قتلها والدها وزوجته بعد أن عاشت مع أمها سبع سنوات سعيدة قبل ذلك
وأين دعم أسرة الأب؟ أين دور المجتمع وجمعياته في توفير التوعية والمساندة لمثل هذه الأم البديلة؟ حتى المكتبة العربية تفتقر إلى كتب تشرح لزوجة الأب أو زوج الأم كيف يمكن أن يتصرفا من أجل تسهيل التأقلم مع الوضع الجديد وتقبل دورهم في حياة صغار ليسوا صغارهم. فما أسهل الكلام واللوم، ولكن ماذا لو كنا مكانهما؟
وأعود للأب من جديد في قصة أحمد، كيف لم يلاحظ ما كان يتعرض له الطفلان طوال هذه المدة؟ هل هذا دليل على أنه لم يكن يحتك بهما نهائياً ولا علاقة له بهما؟ لم أخذهما من أمهما إذا كانا سيعانيان من فقدان حنانه ورعايته في كافة الأحوال؟ أكاد أجزم بأن هذه القصة لو حصلت في بريطانيا لكان الوالد قد ألقي القبض عليه ووجهت له تهمة الإهمال والتستر على الجريمة، لكن ذلك لم يحدث بل على العكس. فما زال هذا الرجل هو الحاضن الرسمي والشرعي لشقيقة أحمد المعذبة (ريتاج) ولأبنائه من الزوجة الثانية، ولأنه رجل وله احتياجات فسنجده بعد قليل وقد تزوج أخرى وعهد لها بأطفالها الثلاثة لتبدأ القصة من جديد، بدل أن تسقط عنه الأهليه فورا بدعوى عدم الكفاءة الواضحة ويسلم الأطفال للأم أو الجدة.
الغريب في هذه القصة أنه تم التحفظ على الخادمة المسكينة بتهمة التستر على الجريمة! هل تمزحون؟! وماذا كان باستطاعتها أن تفعل في ظل التهديد والرعب؟ ولو تكلمت هل كان أحدٌ سيصدقها؟ فبحسب السيدة (أمل البارقي) والدة الطفل، فإنها حين حاولت أن تخبر والده عن تعرض أبنائها للتعذيب سخر منها ورفض كلامها تماماً، فكيف لو صدر الكلام من خادمة ربما كانت هي نفسها ضحية التعذيب؟
الأطفال يشكلون الحلقة الأضعف في المجتمع ولا شك، وفي الماضي كان يكفي أن نعهد بأمر العناية بهم للأبوين دون تدخل ولا رقابة، لكن الدنيا تغيرت وتغيرت معها النفوس، أمر أدركته
رهف ( ٦ سنوات) ضحية أخرى لكنها نجت من الموت!
جل الدول المتحضرة، فشرّعت القوانين التي تحميهم، وأوجدت مؤسسات اجتماعية تتابع أوضاع الأطفال عموماً في المدرسة والبيت، فالموظف أو الموظفة الاجتماعية يزوران الأسر التي لديها أطفال صغار بشكل دوري للتأكد من أنه يعيش في مكان ملائم ولا يتعرض لسوء معاملة من أي نوع. كما تؤخذ شكوك وشكاوى المدرسين أو الأطباء أو الجيران على محمل الجد ويفتح تحقيق بناء على ذلك، يحدث هذا حتى في الأسر التي يعيش فيها الأب والأم معاً، وبشكل أكثر تركيزاً في الأسر التي يعيش فيها الأطفال مع أحد الوالدين أو الأقارب أو حتى الأسرة بالتبني. ورغم كل هذه الاحتياطات تقع الجرائم المؤسفة، فتوضع المزيد من التشريعات، ويقدم المسؤولون في الأسرة والدولة للمساءلة على أمل أن لا يتكرر ذلك من جديد، مع الاعتراف بالقصور والعجز. أما عندنا، فما زلنا نكابر ونعتبرها حوادث فردية، وتضخيمها ما هو إلا مؤامرة تغريبية لتخريب المجتمع، ولذلك تُحرق غصون وتُقتل شرعاء ويُنحر أحمد ويشنق وحيد، حسنا وحيد هو اسم مستعار لضحية جريمة مستقبلية لم تحدث بعد لكن كل المؤشرات تقول بأنها ستحصل، تعازيَّ الحارة للضحية وللمجتمع مقدما.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

