مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 16

April 11, 2012

ما لا نعلمه لأطفالنا: الحذر ممن في قلبه مرض

عندما ذاعت في فترة ما قصص عن اغتصاب عدد من الصغيرات القاصرات وجد الكثيرون الحكايات برمتها صعبة التصديق، إذ كيف ينجح رجل في خطف وإغواء الصغيرات بهذه السهولة ولفترات طويلة دون أن يقبض عليه أحد؟ والأكثر إثارة للاستغراب كان مشاهدة الفيديوهات من كاميرات المراقبة في المجمعات التجارية وهي تظهر بعض الفتيات الصغيرات يمشين خلف الرجل أو معه بهدوء ودون ضجة! فالصورة الذهنية المتكونة لدينا عن حالات الاختطاف هي مشهد لرجل مخيف على شاكلة المجرمين يختطف الصغيرات عنوة وسط الصراخ والبكاء وفي غفلة من الناس في أماكن نائية، لكن هل هذه الصورة المتخيلة تطابق ما يحصل على أرض الواقع فعلاً؟

الأشخاص المولعون بممارسة الجنس مع الأطفال والمتورطون بهذه الجرائم غالباً ما يكونون أبعد الناس عن دائرة الشك، وهنا تكمن الخطورة، فمن السهل جداً أن يكسبوا ود الصغار وثقة الكبار، بحيث لا يثيرون الانتباه لجرائمهم ولا لقلوبهم المريضة، وهم أذكياء جداً ومتيقظون ويخططون لجرائمهم ببراعة فائقة.

الذي أعادني إلى الحديث عن هذا الموضوع قصة مرعبة سمعتها مباشرة من إحدى الأمهات عن عملية فاشلة لاختطاف صغيرتها تحت سمعها وبصرها دون أن تستوعب ما كاد يجري. فقد مر شاب يستقل سيارة فارهة ـ لا يقل سعرها عن ربع مليون ريال سعودي ـ بالأم وأطفالها أثناء انتظارهم لقدوم سيارتهم عند مجمع تجاري، فعلقت ابنتها الصغيرة ببراءة وبطريقة مهذبة عن جمال هذه السيارة المدهشة، وهنا أرخى سائق السيارة زجاج سيارته وشكر الصغيرة على لطفها وأدبها.. ثم وجه حديثه للأم مثنياً على تربيتها للصغيرة وتعليمها آداب الحديث.. وبعدها سأل الأم بأدب مستئذناً إياها في أن يعطي الصغيرة لصقة من تلك التي توضع على دفاتر الصغار؟ فلم تعترض الأم وشكرته الصغيرة، فسألها إن كانت تريد أن ترى سيارته الجميلة من الداخل؟ وهنا أحست الأم بحجم الخطر وبأن الأمور تتطور بشكل غير متوقع.. وبدأت تفكر: "ولكن لماذا يحتفظ شاب ثري بورقة ملصقات للفتيات في سيارته؟" وقبل حتى أن تعترض الأم كانت الطفلة التي استلطفت على ما يبدو هذا الشاب قد قفزت للمقعد الأمامي للسيارة وهي تتأملها بدهشة، وهنا بدأ الشاب يتحدث من جديد عارضاً على الأم أن يأخذ الطفلة في جولة سريعة في هذه السيارة التي سلبت لبها؟! لكن الأم لم تنتظر هذه المرة فصرخت معترضة وسحبت ابنتها بقوة وانطلقت نحو سيارتها مع بقية أطفالها وقلبها يكاد ينخلع من تلك اللحظة من عمر الزمن الذي بدا فيه بأن عقلها قد تجمد، وكادت صغيرتها تُخطف منها وهي تتفرج! وإذا به يطلق ضحكة خبيثة ويقول لها: معك كل الحق أن تخافي عليها فهي فاتنة! (لم يستخدم كلمة فاتنة وإنما كلمة أخرى ذات مدلول جنسي). وبعدها كانت لها جلسة طويلة مع صغيراتها لإفهامهن حقيقة ما حدث، وأن ذلك الرجل الطيب لم يكن طيباً وليس صديقهن ولا ينبغي أن يتحدثن مع غريب ولا يأخذن منه أي شيء.

ما أزعج الأم في هذه القصة وجعلها تلوم نفسها كثيراً هو كيف يمكن أن تُستغفل بهذه السهولة من قبل هذا الشاب؟ لم تبدُ عليه علامات الإجرام أو كونه غير سوي، ثم كيف فاتها وسط كل تلك الدراما أن تأخذ رقم السيارة؟ الأمر برمته حصل بسرعة مدهشة.. وهذا المرعب في الموضوع كله. المؤسف أنها ستشاهده من جديد دون أن ينتبه لها وهي في مجمع تجاري آخر بعدها بفترة غير قصيرة، وهو يتفرج بعين فاحصة على العائلات التي تتسوق مع أطفالها وكأنه يترصد لفريسة.

عندما انتهت الأم من رواية حكايتها شعرت بالقلق، لأنني أعرفها وأعرف أنه ليس من السهل استغفالها، فإذا كانت قد وقعت في الفخ فهذا يعني أنه لا أحد آمن! أرعبني أيضاً أن المجرم لا يزال طليقاً وما زال يمارس هوايته القذرة هذه. أيضاً استغربت جرأته الشديدة ووقاحته وعدم خوفه أو تردده، فالأم قد شاهدت وجهه واستمعت لصوته وتستطيع التعرف بسهولة على سيارته، ومع ذلك لم يكن يبالي! فإما أنه لم يكن في حالة طبيعية منحته هذه الثقة الزائدة كأن يكون تحت تأثير مسكر أو مخدر، أو أنه يعتقد أن عائلته الثرية تستطيع أن تخرجه من أية ورطة.. مهما يكن، فمن الواضح أن قضايا التحرش بالصغيرات لم تعد حوادث فردية، بل صار لها وجود حقيقي في المجتمع، ولا بد من التعامل معها، ليس على أنها ظاهرة، لأنها ليست كذلك، ولكن على أنها جريمة موجودة، بل قد تكون أبشع الجرائم على الإطلاق، فهي جريمة ضد الطفولة، ولو تعرضت طفلة واحدة فقط لهذا الأمر لاستحق أن يستفز مجتمعنا، فما بالنا إذا كانت هناك أكثر من ضحية؟

التحرش بالصغيرات يمكن أن يقع داخل العائلة أو خارجها، ومعظم المتحرشين، كما ذكرنا، هم أبعد الناس إثارة للشبهات، وهنا تقع المسؤولية في نشر الوعي على الوالدين (هذا على افتراض أن التحرش لا يحصل من الأب أو الأم وإلا كانت المصيبة أعظم)، ومن ثم على المدارس، وخاصة في المراحل الأولى من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الابتدائية تعليمهم الحذر من التعامل مع الغرباء، وماهية التحرش الجنسي بأبسط صورة مناسبة لأعمارهن أو أعمارهم، فالأولاد ليسوا بأوفر حظاً من الصغيرات في هذا الأمر.

وعلى مستوى المجتمع أيضاً نحتاج إلى تسليط الضوء بلا خجل على هذه الأمور في الإعلام، ومن خلال الحملات التوعوية للكبار، وذلك بطريقة علمية ومنهجية، فالغرض ليس إشاعة الرعب بين الناس، أو إساءة فهم الآخرين بحيث نفسر كل لطف من الكبار على أنه تحرش جنسي، وإنما نشر الوعي لتبقى عيوننا وعيون صغارنا متيقظة لأولئك الذئاب الذين يتنكرون في هيئة الحملان.


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 11, 2012 07:06

April 3, 2012

بين صناعة الكتاب وسلق البيض!

يحلو للكثير من المثقفين والكتاب والأدباء التشكي من حال الثقافة في العالم العربي، مستشهدين في ذلك بانخفاض معدلات القراءة الفردية سواء بين الأطفال أو الناشئة أو البالغين، كما يعقدون المقارنات غالباً مع القاريء في أوربا وأمريكا وبين القاريء العربي، وهي مقارنات قد تكون صحيحة من حيث الأرقام والنسب المئوية، لكن هل هي مقارنة عادلة وصحيحة حقاً؟


قبل أن نتحدث عن مستوى القراءة دعونا نرى مستوى ما يكتب أولاً، فلنقارن بين الكتاب الأجنبي والكتاب العربي ليس من حيث المحتوى فحسب وإنما لجهة كونه منتجاً متكاملاً. قد يعتقد البعض بأن سبب رواج الكتاب الأمريكي ( والانجليزي بالدرجة الثانية ) في العقود الأخيرة خاصة في مجالات بعينها مثل عالم التجارة وريادة الأعمال وتطوير الشخصية والتقنية والروايات الأدبية مرده لغة الكتاب فحسب، فالانجليزية هي اللغة الأكثر إنتشاراً في العالم كلغة ثانية. ولكن إذا كان ذلك صحيحاً فلم نشهد إنتشاراً واسعاً داخل الدول الناطقة بالانجليزية لكُتَّاب يكتبون بلغات أخرى كالبرتغالية ( باولو كويلو ) أو اليابانية ( هاروكي موركامي ) أو الأسبانية ( إيزابيل اللندي ) حيث تترجم كتبهم من فورها لعشرات اللغات الحية؟


أن تصبح كاتباً في العالم العربي يعني أن تكون لديك موهبة بالفطرة تنميها بالقراءة والممارسة ليس إلا، وحين تفكر بنشر كتابك فستعاني من أحد أمرين : إما أن لا تجد ناشراً بالأساس، أو أن تجد من هو مستعد لنشر مخطوطك على أن تتحمل تكاليف الطباعة أو تتحمل مسؤولية النشر أو الاثنين معاً. وما ستحققه من عائد مادي من الكتاب هو مبلغ زهيد جداً هذا إذا لم تصرف عليه أنت بالأساس. ولهذا فإن معظم كتابنا " هواة " بمعنى أنهم لا يتكسبون من عملهم ككتاب، وإنما لديهم وظائف أخرى هي التي ينفقون منها على أنفسهم وعائلاتهم وعلى هوايتهم ( الكتابة ) أيضاً. ونتيجة لذلك فمن الطبيعي أن نجد كتباً دون المستوى المأمول سواء من ناحية المحتوى أو الطباعة أو الإخراج أو التوزيع، ولهذا تفتقر مكتبتنا العربية إلى كتب في شتى المعارف والموضوعات بعكس نظيراتها الأجنبية. فلا يبقى الحال أمام القاريء العربي هنا إلا أن يتعلم الانجليزية ليقرأ العدد اللانهائي من الكتب التي تكتب بهذه اللغة أو تترجم إليها. أما الحل الثاني، فهو انتظار أن يتم ترجمة هذه الكتب الأجنبية المتميزة إلى اللغة العربية وأعتقد أن مكتبة جرير لديها جهد متميز في هذا المجال.


والآن لننظر إلى واقع الكاتب في العالم المتقدم، وسأخذ هنا المثال الأمريكي. فهناك ابتداء تخصصات من الجامعة وحتى الدكتوراة في مجال الكتابة سواء الإبداعية من قصة ونثر وشعر ورواية أو للصحافة أو الكتابة العلمية أو الكتابة للأطفال أو المراهقين..الخ من المجالات المتعددة للكتابة. وهناك دورات تطويرية قصيرة في هذه المجالات سواء كانت مستقلة أو تابعة للجامعات ومعاهد اللغة. أضف إلى ذلك هناك عشرات المؤتمرات الدورية للكتاب والأدباء من المحترفين أو الهواة في كل ولاية أو مدينة تقريباً، حيث تتاح المجال للكتاب ليتبادلوا الخبرات والأفكار ويطلعوا على آخر المستجدات. وهذه مؤتمرات يحضرها المحررون والمدققون اللغويون والناشرون والعاملون في مجال الدعاية والتسويق والعملاء . فلكل كاتب عميل يتولى القيام بمهمة همزة الوصل بين الناشر والكاتب، كما قد يكون من مهامه أيضاً معرفة الموضوعات الأكثر إهتماماً في الوقت الراهن من قبل القراء وبيانات الكتب الأكثر مبيعاً بحيث يمكن أن يقترح هو على الكاتب المحترف الكتابة في موضوع بعينه، ثم يجد له ناشراً ويحدد الفترة الزمنية التي يفترض أن يستغرقها الكتاب حتى يصدر . بما في ذلك الوقت المستقطع للبحث في هذا المجال ( حتى لو كان رواية أدبية ) وللكتابة وثم للتدقيق والمراجعة والتصميم والطباعة ومناسبات التسويق وحفلات الإعلان والتوقيع وغيره. بحيث يعد كل كتاب مشروعاً مستقلاً بحد ذاته عمل عليه أكثر من شخص، فلا غريب إذاً أن يخرج لنا في أجمل صورة وأبهى حلة، وتباع منه ملايين النسخ، ويتحول إلى كتاب إلكتروني ومسموع وربما فيلم سينمائي أيضاً. وبالتالي فبعض الكتاب في الغرب قد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى مليونيرات ! فهذه الكاتبة ( جي كي رولنغ ) كاتبة سلسلة روايات هاري بوتر، والتي كانت حتى العام ١٩٩٥ تعيش على أموال دافع الضرائب البريطاني، فهي عاطلة عن العمل ومطلقة وأم عازبة لطفلة، فغدت اليوم أثرى امرأة في بريطانيا !


وتصدر أسبوعياً أو شهرياً عشرات المجلات المتخصصة فقط في الكتابة وتقدم نصائح متميزة للكتاب فيما يتعلق بتطوير كتاباتهم، والإستفادة من نصائح كتاب معروفين عن طريق إجراء مقابلات معهم، وتنشر إعلانات عن دور النشر والعملاء والمحررين والمؤتمرات أو المناسبات المتعلقة بهذا الفن والتي تهم  العاملين في هذا المجال. أما لو انتقلنا لحجم المصادر المعرفية المتاحة عبر الشبكة فسنزداد حسرة. فهناك مئات المواقع والمجلات والمدونات الإلكترونية المتخصصة في هذا المجال، والعديد من الدورات المجانية والمدفوعة على الشبكة والخاصة بتطوير الكتابة، سواء تطوير اللغة نفسها أو الأساليب الإبداعية والفنية.


http://meghanward.com/blog/2010/01/04/writing-residencies-and-conferences/

Hedgebrook منتجع


كما أن هناك مؤسسات خيرية لديها ميزانيات ضخمة من الأعضاء أو المتبرعين من رجال الأعمال والتجار المهتمين بالأدب والفن والثقافة تقوم باستضافة الكتاب في منتجعات منعزلة لفترات تتراوح من بين الأسبوع وحتى الستة أشهر أو العام ليتفرغوا فقط للكتابة ! فتمنحهم ثلاث وجبات يومياً مع سكن جيد وغرف مخصصة للكتابة ومكتبة وحواسيب واتصال بالإنترنت وأجهزة طباعة وغيرها، ولا يتبقى لهم إلا أن يكتبوا . وفي بعض الأحيان على الكاتب أن يدفع مبلغاً معقولاً جداً لهذه العزلة الإبداعية، وفي أحيان أخرى كثيرة تتحمل هذه المؤسسات التكاليف الكاملة من تذكرة الطيران وحتى وجبة الطعام. 


حينما أحاول تخيل المراحل التي يمر بها كلاً من الكتاب العربي أو الأنجليزي مثلاً، فأنا أتخيل طاهياً مستعجلاً يسلق البيض في الحالة الأولى، ومصنعاً متكاملاً يضم عشرات الموظفين المختصين بمتابعة المنتج في مراحلة المختلفة منذ أن كان مادة خام ( فكرة ) وحتى تصبح سلعة تنافسية في الأسواق في الحالة الثانية. فقبل أن نتحدث عن عزوف القاريء العربي عن القراءة فليطرح أهل القلم والثقافة والأدب وحتى السياسة على أنفسهم هذا السؤال : هل قدمنا له ما يستحق أن يُقرأ؟


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 03, 2012 18:38

March 28, 2012

المرحلة المكية..المنسية

mecca by Maram Meccawyحين نعود لمراجعة كتب السيرة النبوية والتي تؤرخ بإسهاب لتلك المرحلة الزمنية المفصلية من تاريخ البشرية نجد تفصيلات دقيقة لحياة الرسول الله عليه وسلم منذ ما قبل ولادته المباركة، تفصيلات تشرح لنا عن حال قومه وأسرته والبيئة التي سيولد ويعيش فيها قبل وبعد أن يبعث رسولاً نبيا. فمعرفة كل ذلك ضروري لفهم المسرح الذي ستجري على خشبته تلك الأحداث الكبيرة. المرحلة المكية لها أهميتها العظمى في تاريخ الرسالة المحمدية، فهي الفترة الأطول زمناً مقارنة بالمرحلة المدنية، وهي المرحلة الأكثر تحدياً فالبدايات دائماً صعبة فكيف إذا كانت بداية أعظم الرسالات السماوية وآخرها؟ 


في المرحلة المكية يتجلى جوهر الإسلام : الإيمان بأن للكون رباً واحداً يستحق التوحيد هو الله جل جلاله وأن رسوله هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم والذي جاء ليدعو الناس لهذه الوحدانيه وليتمم مكارم الأخلاق التي بها تصلح أحوال الناس فتتحقق من خلالها عمارة الأرض . لم يكن في هذا المرحلة أحكامٌ شرعية، ولا حديث عن الحلال والحرام، فقد كانت هذه مرحلة تأسيسية لتأصيل جوهر الدين ولبيان الحق للناس، ليؤمنوا عن يقين وقناعة قبل أن ينتقلوا للمرحلة القادمة، يكونوا مستعدين للذوذ عن هذه العقيدة الجديدة بكل ما أوتوا من قوة ويفدوها بأرواحهم..وقد كان .


والمتأمل في المرحلة المكية، لن يملك إلا أن يُعجب بعظمة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال تتبع أساليبه في الدعوة، فقد خاطب كل امريء بما يناسب خلفيته وعقليته، فأنزل الناس منازلهم، ولم يغفل دور الأهل والعشيرة والقبيلة كما صفات العرب الأصيلة ومكارم أخلاقهم من مرؤة وشجاعة وحمية وفخر وغيرها، وإنما سخر ذلك كله واستغله لنشر الإسلام. ومن الغريب أن نجد من بيننا من يتخلى مع خصومه عن كل خلق كريم وكل شيم النبلاء بحجة الدفاع عن الإسلام الذين هو بالأصل دين الأخلاق !


اليوم حين نُدَّرس الدين الإسلامي للأطفال والناشئة والشباب فإننا نتجاهل تقريباً هذه المرحلة أو أساليب هذه المرحلة ودروسها المستفادة. فالمرحلة المكية تدرس ضمن منهج التاريخ في المرحلة الابتدائية، والذي يدور معظمه حول تعذيب المشركين للمسلمين وإيذائهم مما يضطرهم للهجرة إلى المدينة المنورة. ولا يوجد تركيز كافٍ برأيي لاستخلاص عبر هذه المرحلة ولفهمها كما يجب، ولشرح حقيقة الوجود وحقيقة التوحيد بما يتناسب مع المرحلة العمرية وبلغة هذا العصر وليس لغة القرون التي عاش فيها خيرة علماء الإسلام الكبار.


لو كنت مكان من يضع مناهج التربية والتعليم الدينية للمرحلة الإبتدائية لقصرتها على الحديث عن الإيمان والأركان الخمسة والسيرة النبوية الشريفة، ولفتحت المجال للصغار ليسألوا كل الأسئلة التي غالباً ما يواجهون بنظرات الاستنكار وينالون نوعا ًمن التوبيخ حين يسألونها، فيكتمونها في صدورهم الصغيرة ولكنهم لا ينسونها، وإذ تكبر عقولهم وأجسادهم فإن أسئلتهم تكبر أيضاً وتستحيل إلى كابوس مقلق، والأمر نسبي ويختلف من طفل لآخر. إذ يتركز كلامنا للصغار في البيت والمدرسة على التحذير من النار ومن غضب الله أكثر من الحديث معهم عن عظمة الله ورحمته وعن الجنة. والمشكلة أنهم حتى بعد أن يكبروا، فطريقة تعامل المجتمع معهم لا تتغير، والتعامل مع الشبهات التي تعتمل في عقولهم، والأسئلة التي تضيق بها صدورهم لا تتغير كذلك . فهناك لوم واستنكار للسائل ودعوة لعدم طرق الأبواب المغلقة ! وبالرغم من أن الإسلام ينهانا بالفعل عن كثرة السؤال لغرض الجدل، لكن هناك أسئلة هدفها بالفعل الوصول للحقيقة وقطع الشك باليقين وسد الباب على وسواس الشيطان. فحتى نبي الله إبراهيم طلب من خالقه أن يريه كيف يحي الموتى، ليس لأنه ينكر حقيقة الله ولا قدرته ولكن ليطمئن قلبه، فإذا كان قلب الخليل عليه السلام بحاجة للطمأنة..فكيف بقلوبنا نحن؟


يحلو للكثيرين من المشتغلين في سلك الدعوة الإسلامية رمي التهم فيما يتعلق بانحرافات الشباب العقيدية على التأثيرات الخارجية من وسائل إعلام وفضائيات وشبكة عنكبوتية ورفاق سوء وأفكار هدامة لبعض الكتاب والمفكرين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية، ومؤخراً تم إضافة الابتعاث لبلاد الكفار للقائمة، وهي تأثيرات لا يمكن إغفال دورها بالكلية، ولكنها قطعاً ليست السبب الرئيس. المرء لا يتحول من الإيمان المطلق إلى الكفر الصراح إلا إذا كان هناك خلل أساسي في إيمانه منذ البداية، ولا يتأثر بفكرة جديدة أو مجتمع غريب بسهولة إلا إذا كان فاقداً للحصانة من الأساس. 


فمن السهل التأثير على العواطف بكلام معسول ولكن ليس من السهل هزيمة العقل إلا بأدلة وبراهين قاطعة، ولهذا نلاحظ بأن الآيات القرانية التي نزلت في المرحلة المكية خصوصاً تركز على حث الناس على التفكر في أنفسهم والكون من حولهم وتضرب الآيات بأشياء محسوسة ويستطيع عقل الإنسان البسيط الأمي القابع في قلب الصحراء العربية أن يستوعبه. لكن حين تُقدم الإسلام للناس على أنه فقط قائمة بالمباحات والمحرمات، وحين تدور القضايا التي تشغل الكثر من خطباء الجمع كما الدعاة أو العلماء الذين يراهم الشباب في التلفاز أو يجلسون معهم في المناشط الدعوية حول مواضيع من العينة الجدلية إياها، دون أن يحاول أحد طرق تلك الموضوعات الوجودية الكفيلة بترسيخ الدين في العقول كما القلوب، فليس غريباً أن نصل لتلك النتائج المؤسفة. والمجتمعات التي يقدم فيها الإسلام على أنه دين جامد وصارم هي أكثر المجتمعات التي يكون أفرادها مؤهلين للاتجاه للنقيض تماماً، وللإنقلاب على ممارستهم نفسها، فينتقل الشاب من المسجد إلى الحانة، وتخلع الفتاة البرقع لتلبس " البكيني "!


نحن بحاجة ماسة لأن تكون في حياتنا في جوانبها المختلفة مرحلة مكية تجعل أي تغيير ننشده ممكناً بعد أن نؤمن به عن يقين في هذه المرحلة. وإذا كنا سنتحدث على مستوى الأمة وإصلاحها وعودتها لتقود نفسها والبشرية، فلن يصلح الحال إلا بما أصلحها أول مرة، بمرحلة مكية تثور على كل الفساد الفكري أولاً وقبل كل شيء، وتؤصل لحقيقة بأن الله وحده العظيم، وهو الأولى بأن يكون الخوف منه والطمع في عطائه، وتنزع القدسية والهالة عن البشر وإن كانوا علماء أو رؤساء. وحين يستقر ذلك في النفوس فهي تلقائياً ستراعي ربها في كافة معاملاتها وأدق شؤون حياتها، وإن لم تفعل فهناك أحكام وتشريعات كفيلة بردها للصواب.


المقال في جريدة الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 28, 2012 14:15

March 13, 2012

ماذا يحدث في الأقسام النسائية في الجامعات الحكومية؟


حينما مررت بمباني جامعة الأميرة نورة في الرياض الصيف الفائت في الطريق من المطار إلى قلب المدينة تملكتني دهشة كبيرة، ليس لأنها مباني متميزة وصرح تعليمي هائل ومتميز على مستوى عالمي فحسب، وإنما لأنها جامعة جديدة ومتميزة للنساء فقط! فنحن كنساء لم نتعود على أن نحظى بمنشآت متميزة تبنى خصيصاً لنا. فدائماً نحن جزء متفرع من المؤسسة الرجالية الرئيسية: فيقال القسم أو الفرع أو الركن أو الجناح أو الملحق حتى الممر النسائي، سواء كنا نتكلم عن جامعات أو بنوك أو سفارات أو مساجد أو دوائر حكومية وغيرها، وكأنما مكان المرأة دائماً هو ملحق المنزل، وليس المنزل نفسه، وقطعاً ليس في مجلسه الأكبر والأفخم. 


ففي إحدى الجامعات الحكومية تم بناء مباني جديدة للطلاب ولإدارة الجامعة، وحين انتقلوا إليها تم نقل الطالبات لمبانيهم القديمة! وعندما تم بناء مباني رياضية حديثة بما فيها إسطبل للخيول وإستاد رياضي جامعي متميز نُقل إليه الطلاب، في حين انتقلت الطالبات إلى الصالة الرياضية القديمة التي كان يستخدمها إخوانهم منذ أكثر من عشرين سنة، لكنها مع ذلك بدت لهن جنة مقابل "الصندقة" القديمة التي ظللن يمارسن فيها الرياضة لسنوات طويلة. وفوق ذلك كان هناك من لا يعجبهم حتى أن تستخدم الطالبات هذه المرافق التعيسة. ولازالت هناك جامعة سعودية لا تعتقد بأنه يجب أن تفتح فرعاً أو شطراً أو "سيكشناً" لتعليم الطالبات رغم وجود احتياج لذلك في منطقتها، وهي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وتلجأ شركة أرامكو السعودية حالياً لابتعاث طالبات لدراسة تخصصات هذه الجامعة الهندسية خارج المملكة.


لكن تظل جامعة الأميرة نورة بمبانيها ومستقبلها المشرق – بإذن الله- استثناء عن وضع بقية المؤسسات التعليمية الحكومية النسائية، فلم يفاجئني أبداً ما حصل في شطر الطالبات في جامعة الملك خالد في أبها قبل أسبوعين تقريباً. فشكاوى هؤلاء الطالبات تتكرر في المؤسسات الجامعية في المدن الكبرى أيضاً، وكليات التربية سابقاً وضعها كان أسوأ من وضع الأقسام النسائية في الجامعات، وإن كان الحال في كليهما لا يسر، مع الاعتراف بوجود بعض التطورات والتحسينات في بعض الجامعات مؤخراً.


مطالب طالبات جامعة الملك خالد في أبها كانت بسيطة جداً وأقل ما يمكن أن تقدمه مؤسسة تعليمية لتلامذة في دار الحضانة ناهيك عن طالبات جامعيات. خاصة في بلد ثري مثل المملكة العربية السعودية يدرس حالياً أكثر مئة ألف طالب وطالبة منه مواطنيه في أرقى جامعات العالم. فمطالبهن ليست سوى النظافة والنظام وصيانة مرافق الكلية ودورات مياه تليق بآدميتهن دون مرايات منزوعة! وهي شكاوى تقول الطالبات -حسبما نقلت الصحف- بأنهن حاولن إيصالها للمسؤولات في الجامعة دون جدوى. مما أدى في النهاية لتلك الأحداث المؤسفة، والتي ما كانت لتحدث برأيي لو كان هناك اتحاد للطلبة منتخب يمثلهن ويتحدث بإسمهن ويتواصل مع مدير الجامعة مباشرة لحل المشكلة قبل أن تتفاقم.


فإذا كانت مرافق الطالبات التعليمية سيئة ودون المستوى مقارنة بشطر البنين في نفس الجامعة، فإن طريقة إدارة هذه المرافق هي حكاية أخرى. فأسلوب التعامل مع الطالبات بشكل عام فيه الكثير من القسوة والجفاء وسوء الظن بالطالبة والتشدد معها، بشكل لا يليق بطالبة جامعية قد تكون هي بدورها متزوجة وأماً لأطفال. فهناك جامعات وكليات تفرض حتى زياً محدداً على طالباتها أو في أحسن الأحوال لوناً بعينه، في تعنت لا معنى له مع هذه المرحلة العمرية، فيكفي أن يكون اللباس محتشماً ولائقاً بالزمان والمكان. كما تحرم كثير الجامعات دخول الأدوات التقنية الحديثة للجامعة، أو استخدام الطالبات للإنترنت دون رقابة، ولا تسمح بالخروج منها إلا وقت الانصراف المحدد سلفاً حتى لمن ليس لديها سوى محاضرة واحدة  في الصباح ويفيدها كثيراً أن تعود للبيت لتنام أو تذاكر أو تهتم بأطفالها. ولا أعرف صدقاً إن كان هناك تعميم رجالي يجبر الإداريات على الالتزام بقائمة الممنوعات هذه أم أنه إبداع نسائي خالص؟ فقد لوحظ بأن بعض النساء ما أن تستلم منصباً حتى تكشر عن أنيابها وتقوم بما يشبه إعادة التدوير للمعاملة القاسية أو المتعنتة التي تعرضت لها هي شخصياً في البيت أو المدرسة أو المجتمع.


أمر آخر يتعلق يستحق أن يُشار إليه  هو حجم الصلاحيات الممنوحة لمنسوبات الجامعات سواء كن إداريات أو أكاديميات، فقد اشتكت لي أكثر من أستاذة جامعية، كيف أنها تشعر أحياناً بأن السكرتير في قسم الطلاب لديه من الصلاحيات أكثر مما لديها، وكيف أنه يتم اتخاذ قرارات بشأن المناهج وأسئلة الامتحانات على مستوى الكلية، وهي قرارات تشمل الجنسين، دون الرجوع إليهن في القسم النسائي، أن يتم إبلاغهن عن الاجتماعات ولكن على سبيل الإخبار وليس الاستشارة وطلب المشاركة في اتخاذ القرار. فإذا كانت هذه حال الأستاذ المساعد أو المشارك أو الأستاذ  فماذا نتوقع أن يكون وضع موظفة إدارية؟


لا أحد يحب الفوضى أو يباركها، أو حتى يحاول التبرير لها، لكن تكرر هذه الاحتجاجات والمشكلات في أكثر من جامعة ومدينة يعني أن هناك خللاً واضحاً، ففي العام الماضي شهدنا فوضى مماثلة في شطر الطالبات في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، ونحن هنا نتحدث عن مؤسسات التعليم العالي، أما لو فتحنا ملف مدارس البنات فسيحتل المقال صفحة كاملة.


النساء هن شقائق الرجال ونصف المجتمع وشريكات الوطن، ولهن حق مثل الرجال تماماً في كافة مرافق الدولة وثرواتها وخططها المستقبلية، وفي عصر الانفتاح والحرية الرقمية وزمن الاصلاح فهن لن يقبلن بأن إلا بأن ينلن هذه الحقوق كاملة غير منقوصة، وداعمهن الأول في هذا التوجه هو قائد البلاد ومليكها خادم الحرمين الشريفين إذ قال في كلمته الشهيرة: " المرأة هي أمي ..هي أختي.. هي بنتي.. هي زوجتي.. أنا مخلوق من المرأة" فقطع أبو متعب بذلك قول كل خطيب وحبر كل كاتب.


المقال كما نشر في جريدة الوطن 


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 13, 2012 21:38

March 6, 2012

مواطنة حاولت أن تفعل خيراً فدفعت سمعتها ثمناً

تعقيباً على مقالي الأخير في جريدة الوطن (حين يتحول إنكار المنكر لمنكر أكبر) وصلني ما يلي على مدونتي: "قبل شهر و بصفتي أحسب نفسي من طائفة المتدينيين كنت سأختلف معاك تماماً .. ربما سأعذر هؤلاء المحتسبين و أردد العبارة الشهيرة أنه لا يهاجم الهيئة (أو المحتسبين عموماً) إلا من كان في قلبه مرض.. لكن تغير هذا كله و إليك قصتي..


قبيل شهر كانت لي و مجموعة من طلبة وطالبات الطب فعالية تطوعية لتوعية المجتمع بمرض الإيدز في مجمع تجاري بمدينة ما .. كانت المواد التوعوية تركز على الإلتزام بقيمنا وتعاليمنا الاسلامية .. كان الركن "الرجالي" في موقع آخر تماماً من الركن "النسائي" ورغم اختلاف المذاهب حرصت جميع الطالبات على الالتزام بالنقاب الكامل (ليس حتى اللثام أو البرقع) والعباءة والبالطو المحتشم ..


في أحد أيام هذه الفعالية هجم علينا أحدهم .. يقول انه يحمل صفة رسمية مع أنه لم يظهر لنا أية اثبات ..صرخ علينا أمام المتسوقين بسوقية وهمجية بحتة، طلب منا أن نخرج له إثباتاتنا ولما رفضنا قال: "إذاً أمامي والعياذ بالله نساء غير حقيقيات" .. ثم طلب منا أن نحمل طاولاتنا ولوحاتنا وننقل ركننا إلى حيث ملاهي الأطفال.. وعندما سألناه لماذا بأدب واحترام؟ تنوعت حججه من أننا "سببنا زحمة واختلاط؟!" أليس هذا علامة الحملات التوعوية الناجحة؟! و "أننا نحتضن بعضنا البعض؟!" و "أن اختلاط الناس في السوق ضرورة بينما نحن وعملنا لسنا بضرورة ! ".


واستمرت هجماته علينا وتعطيل أعمالنا يساعده رجل الأمن .. تجمع علينا الناس وانتهت تلك الليلة بأن طبيبات الوطن المحجبات الشريفات اللواتي خرجن من دواماتهن إلى السوق لتوعية المجتمع وهن لن ينلن من هذا شيئاً سوى الأجر من الله، انتهت تلك الليلة بأن المتسوقين تجمعوا عليهن وصوروا الهيئة (أو المحتسب الذي يدعي أنه من الهيئة) وهم يصرخون عليهن ويحاولون منع مصوري القنوات من التقاط صورة لفعاليات حملتهن .. لن أنسى في حياتي مشهد الشباب الذين أخرجوا جوالاتهم ليصورونا..خنقنتني العبرة.. إذاً نحن الطبيبات العفيفات الشريفات صرنا في مقاطع الفيديو على اليوتيوب؟!


قد يعود البعض ويلبسنا التهمة بأننا ربما طاولنا ألسنتنا عليه أو أننا خرجنا بصفة غير قانونية .. نحن ما رددنا عليه بكلمة واحدة والله يشهد ..كان صراخه ينصب علينا فيأتي بعض أخوتنا طلبة الطب ليقولوا له: "كلمنا نحن ولا تكلم النساء" فيذهب حتى يغادروا إلى ركنهم ثم يعود ليقف إلى جانبنا مجدداً..


كانت جميع زبائن ركننا متسوقات.. ولو حصل وأتى رجل فإننا نرشده إلى الركن الرجالي لنمنع الاختلاط.. كنا محافظين على أدق التفاصيل في عملنا لكي نضمن وصول الخير بدون أية اشكالات .. ولكن بعض المحتسبين لا حل لهم !!


حاولنا الاستشارة القانونية فوجدنا ثغرات كثيرة في وضعنا أولها أننا مجموعة تطوعية..ونساء، وكان رأي الكثير أنه لا طائل أن نضع رأسنا برؤوس هؤلاء الناس ..فهم لديهم الخبرة في الخروج من أية ورطة وجيش من القانونيين والإعلاميين ومن الناس المغترين بهم.


فما كان أمامنا من حل إلا أن نبلعها ونسكت ونسمع الشائعات هنا وهناك تطير مثل أننا كنا نغازل وإلا لما مسكتنا الهيئة..وأننا لم نكن محجبات و أننا اختلطنا..إلى آخر التهم المعلبة المؤلمة..أخيراً أنا لست ضد الهيئة ولا المحتسبين ولا الإسلام قطعاً..أنا مجرد مواطنة حاولت أن تفعل خيراً فدفعت سمعتها ثمناً لذلك..".


جامعة نوتنجهام في أسبوع التوعية الإسلاميانتهى تعقيب دكتورتنا الرائعة والذي يقطر ألماً وحسرة وإبداعاً في الوصف في الوقت نفسه، إذ لم احتج إلا لتحريره بشكل طفيف، وليس لدي شك في أن قصتها حقيقة، ليس فقط لأنها طافحة بالصدق في كل كلمة، وإنما لأنني تعرضت وفي بريطانيا قبل سنوات لمواقف مشابهة من المحتسبين السعوديين -العابرين للقارات- حينما كنت أقوم مع زميلاتي بأعمال تطوعية إسلامية أو وطنية في جامعتي. كم كان مؤلماً أن يأتيني طالب سعودي (إمام مسجد الجامعة) وأنا أقوم بالتعريف بمكة والمسجد الحرام ضمن فعالية إسلامية لمجموعة من غير المسلمين ليقول: "إنتِ مين سمح لكِ تمثلين السعودية دون إذن؟!" وعبثاً حاولت أن أشرح لطالب الدكتوراة بأنه لا أحد يملك احتكار الحديث عن مكة المكرمة فهي لكل المسلمين. وتعرضت لإرهاب وتشويش واتهامات "بالليبرالية" فقط حين طالبت بحق الطالبات آنذاك في المشاركة انتخابات رئاسة الأندية الطلابية أسوة بالطلاب (انتخاباً فقط وليس ترشيحاً!)، خاصة وأننا ندفع رسوم اشتراك مثلهم.


وكنت أعتقد بأن هذه الفئات المتطرفة قد انقرضت من بين جموع المبتعثين الهائلة اليوم، إلا أن مكالمة تليفونية تلقيتها من صديقتي في أمريكا قبل أسبوع خيبت أملي! فصديقتي وزميلاتها يتعرضن لإرهاب فكري وعنف لفظي لأنهن يريدن القيام بفعالية جامعية إسلامية وسعودية تتحدث عن المرأة السعودية الناجحة وتحاول تحسين الصورة السلبية الفظيعة عنها في أمريكا، إلا أن هذا لم يمنع هؤلاء المحتسبين المتطوعين من الإساءة للفتيات والتشويش عليهن وتخويف بعضهن حتى ينسحبن، فهم يعرفون كم تكره الفتاة أن تتحول إلى حديث مجالس بحق أو بباطل.


هذه القصص الثلاثة رغم تباعد الزمان والمكان، إلا أن بينها خيوطاً مشتركة، فهاهنا فتيات متعلمات تعليماً عالياً..ملتزمات بحجابهن..محبات لوطنهن ودينهن ولعمل الخير ولم يقمن بأي عمل يمكن أن يختلف عليه عاقلان! فلماذا تتم محاربتهن على هذا النحو المخجل؟ هؤلاء الآنسات والسيدات تستحققن أوسمة شكر تقديراً لجهودهن وأن تصبحن قدوات يحتفى بهن لا علكة تلوكها الألسن منتقصة؟


ومن يحق له أن يمارس الاحتساب؟ كما حُصرت الفتوى ألا يمكن حصر الاحتساب أيضاً؟ والملحقيات الثقافية في الخارج هل يحق لها إنذار ومعاقبة الطلبة الذين يتحرشون بالطالبات وفعالياتهن؟ وكيف نوفر قنوات آمنة للنساء لإيصال شكواهن وتوعيتهن بكيفية نيل حقوقهن بدلاً من السكوت وبلع الإهانة ظلماً كما حصل مع طبيباتنا؟


للمرة الثانية..إنكار ما يعتقد أحدهم أنه منكر يمكن أن يتحول لمنكر أكبر مثل الظلم والقذف والإساءة للآخرين بتصرفات همجية يتم تبريرها باسم الدين..كذبة تخر منها حتى الجبال.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 06, 2012 21:53

February 28, 2012

حين يتحول إنكار المنكر لمنكر أكبر

تحتضن المملكة كل بضعة أشهر وبشكل سنوي مناسبة وطنية أو فعالية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية أوغيرها، فمن احتفالات اليوم الوطني إلى نشاطات مهرجان الجنادرية، ومن فعاليات جدة إلى احتفالات أبها، ومن معرض الكتاب في الرياض إلى مسابقة القرآن الكريم في مكة المكرمة. وهو أمر إيجابي ويدل على حراك ثقافي طال انتظاره.


إلا أنه للأسف لا تكاد تخلو مناسبة واحدة من هذه المناسبات من منغصات قد تغطي على الفعالية الأصلية وتدخل البلاد في حالة احتقان فكري أو ثقافي. ففي كل مناسبة يظهر لنا مجموعة من الشباب الغاضب ممن ليست لهم غالباً صفة رسمية، ويشرعون في سرد كمية المنكرات والمخالفات الشرعية التي تتضمنها هذه المناسبة، مستخدمين في ذلك كافة الوسائل المتاحة لاسيما في عصر الإنترنت وإعلام المواطن.


بل ويحضرون شخصياً إلى هذه المناسبات ويتوجهون لإداراتها الذين يستقبلونهم غالباً ويسمعون منهم ثم ينصرفون. وما دمنا في بلد يحكم بالشريعة الإسلامية وسكانه بحمد الله كلهم مسلمون وهناك جهاز حكومي متخصص في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بدور الحسبة وتدفع لهم أجور لقاء عملهم هذا، فإن دور المتطوعين من المحتسبين كان ينبغي أن ينتهي هنا.إلا أن ذلك لا يحصل بل ويستمرون في التشويش على الآخرين، وتنتشر الشائعات ويكثر التضخيم، وينقسم الناس في الصحافة والشبكة العنكبوتية ما بين مؤيد ومعارض، حتى تنتهي الفعالية وقد تركت في أفواه الجميع طعماً مراً أفقدها بهجتها ولم يحقق للغيورين مبتغاهم.


مشكلتنا الأساسية مع هؤلاء المحتسبين المتطوعين تتركز على أمرين بشكل رئيسي: أولهما، أنه لا يوجد اتفاق ولا إجماع على المنكر الذي يحاربونه ولا حتى في أصغر مدينة سعودية. فنحن لا نتحدث عن رجل وامرأة يفجران في الشارع، أو عن رجل يستحل الخمر أو يؤذي الناس أو يحقر الدين أو يفسد في الأرض، بل عن أمور بعضها مما نعايشه في الحياة اليومية ولا يعترض عليها أحد. فقد كانت هناك في الأعوام السابقة اعتراضات على الاختلاط في معارض الكتاب، فهل زار هؤلاء مكتبة جرير أو العبيكان؟ ألا توجد هناك امرأة ورجل والكتاب ثالثهما؟ فما الفرقإذاً بين المكتبة والمعرض؟ أليست أسواقنا ومطاعمنا ومستشفياتنا وشوارعنا وطائراتناكلها مختلطة؟ أليس هناك اختلاط في قلب المسجد الحرام؟


وهناك اعتراضات على الرقصات الشعبية مع وجود حديث شريف يثبت بأن الأحباش كانوا يستعرضون في المدينة ولم ينكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أهل المدينة مشاهدتهم،بل دعا زوجته عائشة ـ رضي الله عنها ـ لتشاهدهم. وثمة اعتراض على الحفلات الغنائية بالرغم من وجود آراء مختلفة منذ الأزل بشأن الغناء والفنون. لا أحد يطلب من هؤلاء أن يغيروا قناعاتهم، ولا يملك فرد أن يزعم أنه وحده يمتلك الحقيقة، لكن من الصعب جداً أن تلزم الناس بالاحتكام للرأي الذي تلزم نفسك به وتفرضه على الآخرين إذا كان المسلمون قد قبلوا بالاختلاف في الآراء الفقهية منذ أيام ابن عمر وابن العباس رضوان الله عليهم أجمعين.


نقطة اختلافنا الثانية معهم، هي أنهم غالباً لا يحسنون الموازنة بين ضرر المنكر الذي يحاولون إزالته والمنكر الذي يترتب على إنكارهم ذاته. فالجماعات الإرهابية كانت تعتقد أن إنكار المنكر وهي إزالة هذه المجتمعات التي يتفشى فيها الفساد أو الظلم له الأولوية على ما سواه، حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب واحدة من أعظم الكبائر وهي قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.


وفي نقاش غير مريح تداخلت فيه العنصرية مع الحمية الجاهلية مع التعصب الديني على شبكة تويتر وجدنا من يترحم على من ارتكب أكبر تهديد لأمن البلاد وأشنع تهديد لمقدساتها باحتلاله الحرم المكي عام 1400 هجرية (الموافق 1979 ميلادية)، ومحاولة التبرير له بأنه كان يريد إنكار المنكرات التي تفشت في البلاد آنذاك، ومنها ظهور السيدة أم كلثوم –رحمها الله- على شاشة القناة الأولى حاسرة الرأس! مما يعني بأنه في ذهنية هؤلاء فإن الخروج على ولي الأمر، ورفع السلاح في محرم الحرام، واستحلال المسجد الحرام ومكة المكرمة، التي لم تحل لنبي الهداية إلا ساعة من نهار لعظم حرمتها، وقتل الحجاج العزل، كل هذا الفجور ضروري من أجل منع ظهور امرأة (مثل أم كلثوم!) على الملأ عبر شاشات الأبيض والأسود!


ومن المؤسف أن هذه القصة لا تدرس في مدارسنا، مع أنها يجب أن تكون حاضرة أبداً في ذاكرة الوطن حتى تذكرنا ماذا يفعل الغلو بأهله وإلى ماذا يمكن أن ينتهي التطرف، لكن الذي حصل هو أن تلك العصابة نالت حسابها، لكن فكرهم ظل باقياً بعدها وعانينا منه سنوات طوال. كم كان صعباً أن نولد بعد اندحارهم ثم نكون أطفالاً في الثمانينات والتسعينات الميلادية، حين كان يُمنع بيع دمى (باربي) علناً في محلات الأطفال في مكة المكرمة، وكان البائع يلتفت يمنة ويسرة قبل أن يخرجها لنا من تحت الطاولة. أما في مطار جدة فقد كانت بعض العرائس الكبيرة القادمة من الخارج تُعدم ويفصل رأسها أمام الصغيرات الباكيات لأنها تماثيل على هيئة روح!


المنكر الحقيقي لن يختلف عليه عاقلان سويان من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيسعيان لإزالته، فكلنا ينكر مثلاً ما يفعله بعض الشباب في اليوم الوطني من رقص في الشوارع وتكسير للممتلكات وإعاقة للمرور وتحرش بالعائلات، وبالتالي تهديد للأمن والاستقرار، ونطالب بإيقاف هذه الممارسات، بينما هناك أمور أخرى لا تدخل في باب الحرام وإنما ربما تخالف قناعات البعض وعاداتهم، وبالتالي ليس عليهم أن يقبلوا بها لأنفسهم، ولكن ليس لهم الحق أيضاً في إلزام عشرين مليون شخص آخرين بها.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 28, 2012 18:54

February 22, 2012

الجنادرية.. تجربة أولى

اختتمت الفعاليات الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، المعروف بالجنادرية، وكانت هذه مشاركتي الأولى حضوراً وإدارة في هذا المهرجان، الوطني النشأة، العالمي التوجه. وكانت هذه العلاقة قد ابتدأت منذ الصيف الفائت حين تلقيت دعوة من الأستاذ حسن آل خليل (رئيس اللجنة الثقافية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة) للمشاركة في ورشة عمل مخصصة لوضع أجندة الفعاليات الثقافية للدورة الأخيرة. ودارت نقاشات ثرية وحامية وتم الخروج بتوصيات رفعت بعد ذلك لإدارة المهرجان. وكان من ضمن التوصيات أن تسند لي ولزميلي الأستاذ سعود كابلي إدارة إحدى الندوات أو ورش العمل الخاصة بالشباب، وذلك بعد أن أقر الحضور بأن غياب الشباب عن فعاليات الجنادرية الثقافية في دوراته السابقة في ظل كونهم يشكلون الشريحة الأكثر عدداً من السكان هو أمر غير مقبول.


لو أردت أن أتحدث عن المهرجان ككل وانطباعي عنه لاحتجت إلى مساحات إضافية، ولذلك سأحاول أن أقدم صورة بانورامية سريعة تختصر هذه التجربة المميزة. في البداية كان من

الشرف لنا جميعاً أن نتناول طعام الغداء على مائدة خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، والاستماع مباشرة لكلمته التاريخية حول الأوضاع في سورية.. حفظ الله قائدنا ومتعه بالصحة والعافية، فهو الراعي الأول لهذا المهرجان العريق.


بصفة عامة، انطباعي عن المهرجان وفعالياته الثقافية خصوصاً إيجابي، فهذا مهرجان وطني يدار بأيد سعودية وعقول محلية. مهرجان برائحة القهوة الأصيلة وطعم الشاي بالنعناع. مهرجان لا يتسول لغة أجنبية ولا بدلة إفرنجية، فلا يتحدث فيه السعودي "المضيف" بالإنجليزية بحجة مخاطبة "الضيوف"، وإنما نجد المتحدثين التركي والإيراني والأفريقي وحتى الكوري الجنوبي يتحدثون العربية الفصيحة.


وباستثناء موظفي الفندق فإن كل من تتعامل معهم من المنظمين والمشرفين والعاملين وغيرهم هم من السعوديين، ولم أجد شخصياً، كامرأة سعودية، سوء تعامل أو نظرة دونية أو وقاحة مع أي شخص تعاملت معه في الجنادرية، سواء كنت أتحدث مع شخص برتبة عقيد أو ضابط شاب أو ذلك الرجل الذي تكرم بصب فنجان من القهوة لنا. وقدرت للمهرجان احترامهم لخيار المرأة، فمن تُرِد المشاركة في نفس القاعة الواسعة مع زميلها الرجل يمكنها ذلك ولها طاولة خاصة بها. ولمن لا ترغب في ذلك، فهناك أماكن لائقة بهن مخصصة لهن خلف حاجز معتبر، متصلة بشاشة كبيرة تنقل لها وقائع الندوة وكأنها مع المتحدثين في نفس الغرفة. وشخصياً جربت الخيارين، ووجدت لكل واحد منهما ميزات وعيوبا، إلا أنني كنت ممتنة، لأن الخيار كان بيدي وليس بيد شخص آخر.


أما عن الندوات والمتحدثين فيها فقد كان جلهم من نخبة المثقفين والمثقفات من السعودية والخليج وتركيا وإيران وكوريا الجنوبية (ضيفة المهرجان). وإذا كانت أوراق المتحدثين متميزة بالفعل فإن الأكثر تميزاً منها ليس سوى مداخلات الحضور، والتي تميزت بالجرأة والوضوح والقيمة المعرفية. ومن أجمل الندوات التي حضرتها وأكثرها فائدة ندوة العلاقات الكورية السعودية. أيضاً ندوة (المثقف العربي والمتغيرات) والندوة الساخنة (رؤية خادم الحرمين الشريفين في الإصلاح المالي والإداري.. ومكافحة الفساد) والتي خرجت منها زميلتي المصرية وهي تقول: أنا مندهشة من جرأة الطرح!


أما ما يعاب على هذه الندوات فهو تغيب الكثير من المتحدثين أو اعتذارهم في اللحظة الأخيرة لأسباب غير مقنعة، خاصة إذا كان يفترض أن تكون مدير الجلسة، فإذا كان المثقف لا يلتزم

بكلمته فماذا نتوقع من البقية؟ أيضاً الحضور الجماهيري يكون أحياناً منخفضاً حد الإحراج كما في ندوة (العلاقات السعودية الكورية وآفاق المستقبل)، بالرغم من تحمل الجنادرية لنفقة إقامة أكثر من خمسمئة ضيف، معظمهم من الخارج. فإذا كان هؤلاء لا يسهمون في إثراء الحوار والثقافة، فلماذا تتكرر دعوة بعضهم؟


نأتي لورشة العمل التي تشرفت بالإشراف عليها مع الأستاذ سعود كابلي ومنسقها الشاب مهند الشريف والتي كانت بعنوان (الإعلام التفاعلي والشباب والمتغيرات)، والتي استقطبت حضوراً كبيراً وكانت الفعالية الأكثر حيوية مقارنة بما سبقها، لأنها حملت روح الشباب وأفكارهم، وقد سبقني للحديث عنها زميلي في "الوطن" الأستاذ كابلي في مقالته بعنوان (المزيد من شباب الإعلام الجديد). والحقيقة أنه بالرغم من بعض الارتباك في التنظيم ومن بعض التوجس الخفي من مشاركة شباب هم مشاهير في عالم الإعلام الرقمي إلا أنهم مجاهيل بالنسبة للأجيال الأكثر سناً، إلا أن مشاركتهم كانت فعالة ومميزة وتلقائية، وتعطي الأمل بمستقبل البلد، وتثبت بأن الشباب أهل للثقة وللمسؤولية. ومبادرة المهرجان لاستضافتهم هذا العام مثلت رمزية جميلة لمصافحة ما بين أحد أجهزة الدولة، وهو الحرس الوطني المنظم للمهرجان، وثلة من شباب الوطن.


سأختتم بالحديث عن قرية الجنادرية التي أصررنا كسيدات على زيارتها وتمت تلبية رغبتنا، وإن كنت أتمنى أن يكون هناك تنسيق في الأعوام المقبلة بين هيئة السياحة والمهرجان، بحيث يتم

تنظيم رحلات إلى القرية وسباق الهجن وبرج المملكة والمتاحف والصحراء وغيرها من المناطق التاريخية والأثرية القريبة، فهذه فرصة رائعة للترويج للمملكة كوجهة سياحية. فقرية الجنادرية التي أمضيت فيها حوالي ثلاث ساعات تقريباً ولم أتمكن من مشاهدة كل معالمها، هي من أجمل ذكرياتي عن المهرجان، وللمرة الأولى أشعر أمام ضيفاتنا العربيات بهذا الاعتزاز الوطني وأنا أشاهد هذا المستوى الطيب من النظافة والنظام والاحترام وحسن التعامل في القرية. جميل هو بيت المدينة ومثير للاهتمام هو بيت الباحة ومبدع هو صانع شبكات الصيد في جناح المنطقة الشرقية، ومثيرة للحماس هي رقصات أهل الجنوب، ولذيذة هي كليجة القصيم.. لحظات جميلة التقطت فيها عدداً كبيراً من اللقطات الفوتوجرافية وأنا أحلم بأن أزورها المرة القادمة مع والدتي، ولذلك شعرت بالاستياء حين قرأت الحملات الشعواء على القرية والمهرجان واستعجبت: كيف يمكن أن تنجح الدعاية المضادة في تشويه الصور الجميلة؟ وللرد على ذلك لن أقول سوى إنني أعرف جيداً الصفاقة وقلة الحياء والمجون حين أراها وكمسلمة محافظة أنفر من هذه المظاهر وأرفضها، ولكن ما رأيته شخصياً في المهرجان وفعالياته وقريته لم يكن فيه أي من ذلك أو حتى يقترب منه.


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 22, 2012 14:37

February 18, 2012

وجه تويتر..القبيح!

أعتقد أنني كنت أول من كتب مقالاً عربياً في صفحة رأي في صحيفة عربية عن توتير وكان بعنوان "تويتر..وكيف يغير حياتنا" قبل ثلاث سنوات، حينما لم يكن في موقع التواصل الشهير الكثير من الناس كما هو اليوم يضج بأهله. كنت آنذاك متحمسة لاستخداماته في التواصل الاجتماعي وفي الأنشطة التطوعية والإنسانية وفي مجالات التسويق وتواصل المسؤولين مع المواطنين، ولم أكن أتصور أبداً أنه سيتحول إلى أداة جوهرية ساهمت في تسريع سقوط أنظمة القمع والفساد ضمن الثورات الشبابية الأخيرة.


ومع أنني كنت ولا أزال من أنصار تقنيات التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية بحكم التخصص والهوى لكنني في الوقت نفسه لم أغفل عن جوانبها السلبية البادية للعيان في غمرة هذا الاحتفاء المبالغ به برأيي بدورها من قبل العامة والمثقفين على حد سواء، إلى درجة اعتبار بعضهم لها بأنها المحرك الأساسي وراء الثورات العربية، وليس كما هي في الواقع أداة فعالة من الأدوات التي تم استخدامها من قبل الثوار المرابطين فعلياً في الساحات والميادين. فالنضال من خلف الشاشات لا يسقط الدول ولا يبنيها. 


فعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي تحدث عنها الكثيرون لاسيما عن تويتر، إلا أن له وجهاً آخر قبيحاً سيكون محل اهتمامي في هذا المقال. فطريقة تصميمه في المقام الأول و١٤٠ حرفاً فقط التي يسمح لك بها للتعبير عن فكرتك، تتسبب أحياناً في وصولها مشوشه، خاصة إذا انهالت عليك الردود قبل أن تتمكن من شرح تغريدتك الأولى بأخرى وانشغلت بالرد عليهم. فخير الكلام ما قل ودل كما يقال ولكن حينما نتحدث عن موضوعات عميقة وحساسة ومثيرة للجدل فربما لا تصبح هذه الحكمة صائبة بشكل كامل.


كما أن فكرة الأتباع أو الفلورز – ويقابلها فكرة الأصدقاء في الفيسبوك- تستحث في المرء مشاعر وسلوكيات غير سوية مثل حب الاستعراض والغرور التنافس لجلب أكبر عدد من الناس عن طريق قول ما هو مخالف للسائد دون قناعة حقيقية في بعض الأحيان ودون وعي أو إدراك أو معرفة للنتائج المترتبة. بل وتعمد كتابة الآراء الصادمة أو المستفزة أو التي تتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة أو الجنس أو الدين وهي الأخطر. وهو ما أسميته بممارسة الفلسلفة الفارغة، وهي أن تتناول موضوعاً عميقاً وحساساً بسطحية وغرور منبعهما الجهل ومحركهما حب الظهور دون أن تعمل حساباً للعواقب.


وفكرة الوسوم أوما يعرف بالانجليزية بالهاشتاق بالرغم من أنها تساعد على جمع وتبويب التغريدات المختلفة حول الموضوع ذاته تحت عنوان واحد إلا أنه أسيء استخدامها في عدم مناسبات للتشهير بالناس وشن هجوم كاسح ومدمر عليهم. فقد تتقبل أن يهاجمك شخص أو شخصان في الوقت نفسه لكن أكثرنا شجاعة وقلة اكتراث بآراء الآخرين سيصدمه أن يهاجمه في اللحظة ذاتها ألف شخص!


قضية الشاب حمزة كشغري المشتعلة حالياً مثال حي جمع كافة وجوه تويتر القبيحة ليفتح أعيننا على هذه السلبيات لعلنا نستطيع بنشر الوعي تجاوزها مستقبلاً. ففي غمرة المناوشات السنوية عن بدعية أو عدم بدعية المولد النبوي، وتحت وسم "المولد" كان المؤيدون والمعارضون يديرون معركتهم إياها، جاء حمزة وأحدث زوبعة وحدت جل المحبين للرسول صلى الله عليه وسلم سواء المؤيدين أو المعارضين للاحتفال بمولده. فقد قام بخطأ فادح في حق مقام النبوة إذ خاطب رسول الله كند وصاحب بطريقة لا يجرؤ المرء أن يخاطب بها ملكاً من ملوك الأرض فكيف يخاطب بها أكرم الأنبياء والرسل؟


وإذا كان حمزة ارتكب الخطأ الجسيم الأول، فإن بقية المغردين قد وقعوا في أخطاء خطيرة، وتحولت العصافير إلى صقور ونسور جارحة انقضت على الشاب تريد عنقه! فانطلق علماء الإنترنت الذين تحولوا لعلماء في الشريعة بين ليلة وضحاها، فحكموا بالردة عليه سلفاً وأصدروا حكمهم: ضربة تطير برأسه عبر السيف الأملح! وحين انتبه حمزة لذلك وأعلن اعتذاره الأول والذي للأسف جاء ضعيفاً بعض الشيء، وجاوبه الشيخ سلمان العودة بحلم الداعية وبعد نظر العالم طالباً منه التنبه وعدم تكرار ذلك، ثار الصقور واعتبروا الشيخ متساهلاً. ثم ازداد الهجوم واضطر حمزة لحذف حسابه وإعلان توبته، ووصل الأمر إلى مغادرته البلاد خوفاً على حياته من قضاة وسيافي الشوارع الذين وصل إجرام بعضهم إلى تصوير منزله ونشر الصور وتهديد أفراد أسرته، وكلها ممارسات تدخل ضمن جرائم التحريض والتي آمل أن تتقدم أسرة حمزة كشغري ضدهم ببلاغات، وترفع دعاوى ليتم التحقيق معهم حتى يتعلم الناس بأن لكل فعل عواقب، وأن كرامة الناس وحرماتهم خط أحمر.


لنا جميعاً غيرة كبيرة على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا نقبل أن يساء إلى خير الخلق بحال، وحمزة لابد أن يتحمل نتيجة ما قاله حتى بعد توبته وإعتذاره، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تبرير ردات الأفعال التحريضية المحتقنة بالعنصرية والشماتة والحقد والكراهية تحت أي ذريعة ولا حتى الغيرة على مقام أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. فمن يجب أن يحاسب حمزة هي الدولة وأجهزتها المعنية وقضائها الشرعي وعلمائها الربانيون، والدولة التي استوعبت الإرهابيين الذين قتلوا الأبرياء وأراقو الدماء الزكية وأنشأت برنامجاً عالمياً فريداً للمناصحة قادرة بلا شك على أن تستوعب شاباً واحداً حائراً أو خاطئاً أو ضالاً..على أول سلم العشرين.


المقال كما نشر في الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 18, 2012 13:53

هل الشعوب الخليجية مستعدة لاستحقاقات الديمقراطية؟

في السنوات الطويلة التي قضيتها في الخارج وتنقلت فيها في أكثر من دولة، كانت الأسئلة حول بلدي تنهمر كالمطر، والاتهامات المعلبة جاهزة، فالصورة المتخيلة للحياة في بلادنا خاصة ودول الخليج العربي عامة هي صورة مخيفة غذتها وسائل إعلام متحاملة على العرب والمسلمين وحاقدة على دول الخليج النفطية بشكل أساسي. فهم يتخيلون بلداناً تُقطع فيها الأيدي والأرجل بحسب تعبيرهم، ولكل رجل فيها أربعة نساء، وهؤلاء النسوة مقيدات بلا حقوق، والأطفال يتعلمون كيف يقتلون الغربيين في المدارس، والجمال تسرح وتمرح في شوارعنا سعيدة !


قد تبدو هذه الصورة كاريكتورية بعض الشيء، لكنني صدقاً وجدتها مازالت في أذهان بعض المتعلمين والمثقفين حتى في عصر الإنترنت، وهي بلدان لا يتمنون زيارتها أبداً إلا من باب تصوير عجائب الدنيا والفوز بلقطة العام ربما في مسابقة دولية للتصوير الرقمي ! لكن كل ذلك يتغير ويبدأ بعضهم بالسؤال عن فرص العمل فيها حالما يسمعون بالحقيقة التالية : هذه بلدان ليس فيها ضرائب ! عندها سيخفت الحديث عن الديمقراطية والحرية وغيرها لصالح المكسب المادي، فالمواطن الأوربي أو الأمريكي البسيط، لا يبدو معنياً كثيراً بمن يحكم بلده أو كيف يحكم، وربما لم يذهب لمقر إنتخابي منذ سنوات، وما يفكر فيه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة هو كيف ينمي مدخراته ويشتري بيته الحلم ويستمتع بحياته.


ينشط الكثير من الشباب الخليجي هذه الأيام في المطالبة بالمزيد من الاصلاحات والحريات والمشاركة الشعبية، وهو أمر محمودٌ ما دام يتم في النور وبشكل سلمي ولا يهدد مصالح الأوطان أو يعمد للإساءة إليها أو الاستقواء بالخارج بحال من الأحوال، وهؤلاء الناشطون كثيراً ما ينظرون بإكبار إلى النماذج الغربية في احترام حقوق الإنسان والأقليات ووجود قوانين صارمة منظمة تطبق على الجميع وعلى حسن الإدارة والنظافة والنظام وجودة التعليم والرعاية الصحية وغيرها في تلك الدول. وهي أمور مثيرة للإعجاب حتماً، ولكن السؤال الذي يثير اهتمامي هو هل يعي هؤلاء الشباب الوجه الآخر للعملة؟ 


هذا المقال ليس للتخويف من الديمقراطية ولا التقليل من أهمية المشاركة الشعبية، وإنما رغبة في إثارة النقاش حول استحقاقات هذه التغييرات، وهل هذه " الحقوق " مطروحة بالتوازي مع " الواجبات " في أذهان المتحمسين لها؟ فالعلاقة بين الدولة والشعب في منطقة الخليج تكاد تكون فريدة من نوعها، فالدولة توفر " نظرياً على الأقل " لمواطنها كل شيء مجاناً : الصحة والتعليم ( من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة ) والتدريب والابتعاث ومنحة الأرض وقرض السكن وتنظيم وتنظيف الأحياء وصيانة الشوارع والغذاء المدعوم والطاقة الرخيصة، وهي أمور يأخذها المواطن الخليجي كمسلمات بل وواجبات غير قابلة للنقاش، فمجانية كل شيء في الحياة وعقلية الهبات والمنح والمكرمات راسخة في ذهنه. وفي المقابل فإن مساهمة هذا المواطن في صنع القرار، وفي المشاركة الشعبية، وحريته في التعبير بالقول أو الفعل ( الاعتصامات والاضرابات ) تعد منخفضة كثيراً بالمعيار الدولي.


يمارس المواطن الغربي بطريقة يحسد عليها حقه الديمقراطي والانتخابي في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية ( في الجمهوريات ) وحرية التعبير ومحاسبة حكومته التي لا بد أن تدير البلاد ومواردها بشفافية، لكنه في المقابل أن يلتزم بقوانين صارمة ويدفع سلسلة من الضرائب اللامنتهية، وهي ضرائب قد لا يحس بها الكثير من الطلبة المبتعثين لهذه الدول لكونهم " طلبة " معفون من جلها، لكن فيما لو توظف أحدهم هناك فسيشعر بها حتماً. فهناك ضرائب دخل سواء كنت موظفاً أو رجل أعمال أو حتى مصمم صفحات ويب أو كاتب مقالة يومية تعمل من بيتك ( قد تصل إلى ٤٠٪ في بريطانيا بحسب الدخل الشهري ) ، وهناك ضرائب على المدخرات، وضرائب بلدية حسب منطقة السكن، وضرائب على البيت الذي يملكه المرء، وأخرى تعليميةوصحية وبيئية وضرائب على المواصلات الخاصة والعامة بما فيها الشوارع والخطوط السريعة، وضريبة على الطعام والشراب وكل شيء يُبتاع بما في ذلك الملابس والأدوات الكهربائية والأثاث، في حين تعفي معظم هذه الدول الضرائب على الأمور المتعلقة بالثقافة كالكتب وغيرها.


وأجد شخصياً الأمور في أمريكا أصعب من أوربا، فمع أن ضرائب أوربا قد تكون أعلى من مثيلاتها في أمريكا، إلا أن الدول هناك تقدم مقابلاً مقبولاً للناس من حيث هناك شبه مجانية في التعليم والصحة ودعم كبير من قبل الدولة للفقراء وللنساء العازبات وللأطفال والعجائز وغيرهم. في حين أن المواطن الأمريكي عليه يكاد لا يحصل على شيء مجاناً، والمشردون في شوارع واشنطن ونيويورك بالآلآف. لن أسترسل حتى لا يُفهم من ما ذكرته هنا أنني أحاول تصوير الوضع في دول الخليج على أنه وردي وبالمقابل شيطنة الوضع في الدول الغربية المتقدمة، فأخشى ما أخشاه أن يصنف المقال في خانة " الحمد لله نحن أحسن من غيرنا " أو " الله لا يغير علينا " أو " احمدوا ربكم شوفوا الناس كيف عايشين " ، فالحمد لله دوماً وأبداً ولكن هناك فرق بين حمد الله وبين القبول بما يجب أن يتغير لمصلحة البلاد والعباد.


الفكرة هي أن لكل تغيير إيجابي استحقاقات أخرى قد تكون سلبية على الصعيد الشخصي ( من يريد أن يستلم راتباً نُزع منه ٤٠٪ من قيمته مثلاً !) ولكنها مفيده للصالح العام، فأصحاب المباديء ومن يرون الصورة الأكبر يدركون ذلك، ومع ذلك يواصلون مساعيهم لتحقيق ما يرونه صواباً وفي مصلحة أوطانهم، وهم مستعدون لكل هذه الاستحقاقات ما دامت لن تستثني أحداً، وما دامت ستصب في عدالة توزيع الثروات والمسؤوليات وفي حسن إدارة البلدان، وهؤلاء يستحقوق الاحترام لذلك. أما الفئات الأخرى، فهم الذين يعتقدون أنهم يستطيعون أن يغيروا ما يريدون تغييره فقط في حين تظل الأمور التي تعجبهم على حالها، وكأن النفط باقٍ للأبد، أو أن أسعاره ستستمر في الصعود إلى ما لا نهاية، وأن الموازنات السنوية لا تتعرض لاهتزازات لظروف داخلية وخارجية، وأن عدد السكان لا يتضاعف مسبباً ضغطاً على الموارد ( التي لا تزيد بدورها ) والمرافق وغيرها، وهؤلاء هم الذين عليهم أن يفكروا ملياً فيما يطالبون به، فلا شيء بلا ثمن..حتى الحرية .


المقال كما نشر في الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 18, 2012 13:37

February 1, 2012

بطالة خريجات الدراسات العليا وعجز جامعي في الأكاديميات..أين الخلل؟

الخبر الأول، من جريدة الوطن بتاريخ (١٢/١١/ ١٤٣٢) عنوانه ("التعليم العالي" تتجه إلى الأجنبيات لسد العجز):" تدرس وزارة التعليم العالي طلبات تقدمت بها عدة جامعات بالمملكة للموافقة على استقدام محاضرات أجنبيات من دول عربية بينها الأردن ومصر والسودان، بغرض التعاقد معهن لسد العجز الذي نتج عن التوسع في افتتاح الكليات. وبحسب "الوطن" ومن مصادر مطلعة بوزارة التعليم العالي، أن الوزارة ما زالت تدرس عدة طلبات تأييد استقدام تقدمت بها عدة جامعات، وأن ما أخر تأييد هذه الطلبات هو كثرة الأعداد المطلوبة من قبل الجامعات، وخصوصا المحاضرات، وأن طلبات التأييد التي تلقتها الوزارة تضمنت تبريرات الاستقدام، ومن بينها وجود عجز في الكليات الجديدة التي افتتحتها الجامعات ببعض المحافظات، قابلها عدم وجود وظائف شاغرة يمكن تعيين السعوديات عليها".


الخبر الثاني فمن جريدة الشرق بتاريخ ( ٨ /٢/ ١٤٣٣) بعنوان (استنكروا «مماطلة» وزارة الخدمة المدنية: حملة الماجستير.. عاطلون بسبب شهاداتهم): "استنكر عدد كبير من حملة الماجستير مماطلة وزارة الخدمة المدنية في توظيفهم، مستعرضين مفاضلة عام ١٤٣٠ التي لم يتم توظيف أي من حاملي الشهادات العليا خلالها (..) حيث تكون الأولوية لحديثي التخرج دائماً (..) ولم تشفع التخصصات النادرة، أوالمعدلات المرتفعة لأصحابها، أن تهيئ لهم فرصاً وظيفية (..) ويعاني الخريجون والخريجات من الشروط التعجيزية، والمتمثلة في تحديد العمر، إضافة إلى اشتراط الإنجليزية للأقسام العربية، وطلب الخبرة الأكاديمية في الجامعات السعودية، وكذلك حق الجودة والاعتماد".


وعلى موقع "بوست دوك جوبز" ( http://www.postdocjobs.com) وجدتُ إعلانين لجامعتين سعوديتين إحداهما حكومية والثانية أهلية وهما موجهان لغير السعوديين. فالجامعة الحكومية تعرض وظائف في علوم الحاسبات كمحاضرين/محاضرات أو أساتذة مساعدين، ولا تشترط الخبرة، فيمكن لطالب دكتوراه يتوقع تخرجه قريباً التقدم لها. أما الجامعة الأهلية فكانت تبحث عن نساء تحديداً (ماجستير ودكتوراه) في كافة التخصصات لكنها أضافت شرطاً لم أشاهده في أي إعلان آخر وهو بأن هذه الوظائف متاحة "فقط" للأمريكيين والكنديين!


حين قرأت الخبرين والإعلانين في الفترة الزمنية ذاتها تيقنت بأن هناك خللاً غريباً، فالوزارة تقول عندي نقص في المحاضرات والأساتذة من السيدات وأحتاج لسد العجز للقيام بالاستقدام من الدول العربية. وفي الوقت نفسه هناك خريجات سعوديات تائهات بين وزارة الخدمة المدنية ووزارة التعليم العالي ويطالبن بإعطائهن الفرصة لخدمة بلدهن الذي صرف بالأساس على دراستهن في الداخل والخارج. أما الجامعات فتقول عندي نقص في أعدادهن ولكنني أريد خريجات جامعات غربية، وتشترط الأهلية منها غير المواطنات مع أن هذه الجامعات الغربية تقوم بتخريج سعوديات أيضاً.


ولمعرفة حجم المشكلة وأسبابها، قمت بعمل استبيان على الإنترنت بسيط لأنني أردت فقط أخذ عينة عشوائية لوصف المشكلة، وجعلته موجهاً لخريجات الدراسات العليا العاطلات (ماجستير ودكتوراة)، وقد شاركت فيه حتى الآن إحدى وسبعون مواطنه وجاءت نتائجه كما يلي:

٩٥.٧٪ من العاطلات من حملة الماجستير، ٢.٩٪ منهن من حملة الدكتوراة، ١.٤ ٪ من الحاصلات على مؤهلات ما بعد الدكتوراة. أما التخصصات فشملت: الأدب الانجليزي، ونظم المعلومات الإدارية، وعلم التوليد (القابلات)، والإدارة التربوية، وتقنيات التعليم، وعلوم المناعة والأحياء الدقيقة، والهندسة، وطرق تدريس العلوم، والكيمياء، وصعوبات التعلم، وماجستير إدارة الأعمال، والخدمة الاجتماعية، وعلم النفس، وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصول الفقة، والمحاسبة، وتقنية المعلومات، وعلوم الحاسبات، والتجارة الإلكترونية، والشريعة والسنة، والإقتصاد، والتغذية، والرياضيات التطبيقية، وطرق ومناهج التدريس، والفيزياء، وتلوث البيئة، والإدارة المعلوماتية.


٦١.٤ ٪ منهن حاصلات على الشهادة العليا من داخل المملكة بينما ٣٨.٦ ٪ حصلن عليها من جامعات معتمدة من خارج المملكة منها جامعات بريطانية (ساوثهامبتون، ليدز، شافيلد، اندنبره، برونيل، كنجز كوليج). أو جامعات كندية (جامعة كنكورديا) أو أمريكية (ميامي، روبرت موريس) أو استرالية (كوينزلاند، كيرتن،RMIT).

أما سنة التخرج فتراوحت ما بين (١٤٢٩ – ١٤٣٢) هجرية و ( ٢٠٠٥-٢٠١١) ميلادية أي ما بين ٤-٦ سنوات. وعند السؤال عما إذا كن قد تقدمن للجامعات السعودية والأهلية، كانت الإجابة بنعم، ونتيجة التقديم تراوحت ما بين الرفض أو عدم الرد أو في انتظاره . أما الرفض فكانت من أسبابه: لا يوجد شواغر، أو التخصص غير مطلوب، أو لا توجد خبرة، أو مسار البكالوريوس مختلف عن مسار الدكتوراة، أو السن، أو بسبب أن الأم سعودية لكن الأب غير سعودي، أو ضاعت الأوراق! أو الجامعة تريد خريجات من أمريكا. وعند السؤال إن كانت المتقدمة ستقبل الانتقال من مقر الإقامة من أجل الوظيفة ٤٢٪ فقط كانت إجابتهن نعم.


وللتعليق على الاستبيان، الذي لا اعتبره نتائجه مؤكده بالمعنى البحثي، لكنه يعطينا صورة مصغرة لمشكلة أكبر ستتفاقم مع عودة الآلآف من المبتعثين والمبتعثات للدراسات العليا مستقبلاً. ولن ندعي بأن كل هؤلاء السبعين متقدمة مؤهلات للوظيفة، فهناك من مهاراتها وشخصيتها لا تساعدانها على أن تكون أكاديمية ناجحة، فنحن نريد الأفضل لجامعاتنا بالتأكيد، ولكن كيف سيتم معرفة ذلك من عدمه إن كانت لا تجرى لها مقابلة شخصية ولا يُنظر في أوراقها؟ وبالنسبة للخبرة فكيف ستحصل عليها؟


وهناك من تخصصها فيه اكتفاء، وهؤلاء جلهن من خريجات جامعات حكومية، فلماذا تم قبولهن في هذه البرامج وبهذه الأعداد إذ كانت جامعتهن نفسها ليس لديها احتياج ولا رغبة في توظيف الأولى على دفعتها منهن؟ وهل يحق للجامعات الأهلية والتي تتلقى دعماً حكومياً على شكل منح وهبات أن تشترط جنسية من يعمل فيها بحيث يكون لديها متقدمة سعودية وأمريكية فتفضل الأمريكية لجنسيتها فقط؟


وفي حالة لم تكن المواطنة صاحبة الشهادة العليا مؤهلة للسلك الأكاديمي، فما هي البدائل المتاحة لها؟ أسئلة مطروحة أمام وزارتي العمل والخدمة المدنية.


هناك خلل إذاً، قد يكون من أسبابه أن قطاعات الدولة المختلفة ووزاراتها وبرامجها الطموحة يبدو وكأنهم لا يعملون في انسجام وتكامل، ومحصلة ذلك كله: معدلات بطالة عالية في ظل وجود أعداد هائلة من العمالة أجنبية، ونقص في كوادر التدريس الجامعي وفي الوقت نفسه ارتفاع أعداد العاطلين والعاطلات من حملة الشهادات العليا، وبرنامج فريد من وزارة التعليم العالي للإبتعاث لكل دول العالم في حين أن الجامعات التابعة للوزارة لا تستقطب هؤلاء المبتعثين وبعضها يمارس عنصرية "بلد الابتعاث" على المتقدمين. ووزارت عمل وخدمة مدنية وهيئة استثمار أجنبي لا يبدو بأن لهم علاقات مؤطرة وقوية بالجامعات المحلية أو ببرنامج الابتعاث من أجل التنسيق لتوظيف الخريجين والخريجات. فإذا اعترفنا بوجود هذا الخلل..تأتي الخطوة الثانية: كيف نصلحه؟


المقال في جريدة الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 01, 2012 08:51

مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.