مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 12
December 18, 2012
الإبداع وطابور القهوة!
الإبداع في المجالات المختلفة سواء كان ذلك في المنتجات أو الإدارة أو الأدب أو النظريات العلمية هو وليد العديد من العوامل التي لا يتسع المقال إلا لواحد منها. فالإبداع قد يكون فردياً في ناحية ما وجماعياً في نواح أخرى، لكن الأكيد هو أن الشخص لا ينجح دون مساعدة الآخرين، فمن مجرد تفاعله معهم تتولد لديه طاقات جديدة تذكي شرارة إبداعه. وفي عالم اليوم حيث تتضافر جهود العاملين في .أكثر من مجال للخروج بمنتج غاية في الجودة، فإن الاهتمام بهذا التفاعل وبتسهيل التواصل بين الأفراد يتضاعفان
في كتابه “تخيل” (Imagine) يذكر المؤلف بأنه عندما وضع المهندسون تصاميم المباني الجديدة لاستديوهات بيكسار (Pixar) والتي أخرجت لنا أروع أفلام الكرتون الرقمية مثل سلسلة حكاية لعبة (Toy Story)، كانت عبارة عن ثلاث مبانٍ تفصل الموظفين عن بعضهم بحسب مجالاتهم: فهناك مبنى للمتخصصين في علوم الحاسبات والبرمجة، وآخر للفنانين من رسامين ومصممين، وثالث للإداريين. وكانت تكلفة بناء هذا التصميم منخفضة، فالمباني الصغيرة المتخصصة كانت أرخص في الإنشاء والصيانة، إلا أن رئيس الشركة آنذاك ستيف جوبز قام بشطب هذا التصميم ليفرض آخراً يمثل رؤيته في خلق البيئة الإبداعية، فكيف كان التصميم الجديد؟
بدلاً من المباني الثلاثة الصغيرة صار هناك مبنى واحداً فسيحاً يضم الجميع، وجعل فيه وسطه مساحة زجاجية واسعة بحيث تستخدم كمكان لقاء عام لكل الموظفين. والفلسفة وراء التصميم الثاني هي أن أهم وظيفة في المبنى يجب أن تقع في قلبه، وما هي الوظيفة الأهم بنظره؟ اللقاء والتفاعل والأحاديث الجانبية بين الموظفين بغض النظر عن تخصصاتهم ومراكزهم وخبراتهم. ولم يكتف جوبز بذلك، فقد قرر أن يفعل كل ما بوسعه ليضمن أن يلتقي كل الموظفين ببعضهم بشكل تلقائي، فقام بنقل صناديق البريد الشخصية لهذه المساحة المفتوحة، بعدها نقل غرفة الاجتماعات الرئيسية ثم آلة القهوة ثم الكافتيريا إلى هنا أيضاً، ومع ذلك كان يشعر بأن هناك من الموظفين من لديه فرصة لتجنب المجيء إلى هذه المنطقة، فقام بإضافة الشيء الذي لا يمكن أن يستغني عنه معظم البشر خلال مدة تزيد عن ثماني ساعات يومياً وهي – أجلكم الله- دورات المياه!
كان لدى الإداري الشهير إيمانٌ بأن أفضل الاجتماعات، والتي تنتج عنها أروع الأفكار وأهم الفرص، تأتي من خلال اللقاءات العفوية والأحاديث العرضية بين الموظفين من الخلفيات المتباينة. وبحسب ما يرويه موظفو بكسار فقد نجحت هذه الفكرة نجاحاً باهراً، فالفرص والنقاشات والنشاطات التي نتجت من تعارف بعضهم ببعض أثناء انتظار أدوارهم لمليء كوب القهوة، أو أثناء تفقد البريد، أو وقت غسيل الأيدي، ما كانت لتحصل لو كان كل واحد منهم منطوياً على نفسه في مكتبه حائراً في حل مشكلة فنية أو تقنية أو إدارية.
فعندما يكون هناك المزيج الصحيح من أصحاب المهارات الذين يتفاعلون مع بعضهم بطريقة فعالة فإن المحصلة تكون عملاً إبداعياً فوق ما تصور الآخرون أنه ممكن، ويتفوق قطعاً على ما سيقدر عليه كل شخص بشكل منفرد، مهماً بلغت درجة ذكاءه وتميزه.
دعوة لفتح الأبواب وإزالة الحواجز لخلق بيئة عمل ليست فقط ترعى الإبداع بل تخلقه.
December 11, 2012
الخلافات الزوجية والعنف الأسري في دول الابتعاث 2-2
تناول الجزء الأول من هذا المقال قضايا المشكلات الأسرية في بلدان الابتعاث وأسبابها، كما عرض توجيهات وزارة التعليم العالي للطلبة بعدم اللجوء إلى السلطات الأجنبية، وأن القيام بذلك قد يعرض بعثتهم للإيقاف. في هذا المقال نستكمل الحديث عن هذا الموضوع لمعرفة الإجراءات المتبعة حالياً لاحتواء هذه المشكلات، ولاقتراح بعض الحلول التي يمكن بها استباق وقوعها قبل وأثناء فترة الابتعاث.
فالملحقية الثقافية في بلد الابتعاث تحاول ابتداء جمع الأطراف المتنازعة وتقريب وجهات النظر لحل المشكلات ودياً، مع تنبيه الطرف المعتدي على أنه تصرفه هذا إذا استمر يمكن أن يهدد بعثته أو يورطه مع سلطات البلد المضيف، ومعظم المشكلات تتوقف بحمد الله عند هذه النقطة. فيما يقرر آخرون تعليق البعثة لفترة مؤقته والعودة للوطن لحل المشكلة بمساعدة الأهل. أما إذا لم يجدي التوجيه والنصح لأحد الطرفين أو كليهما، فإنه لا بد من التفريق هنا بين كون المرأة المعتدى عليها مبتعثة أم مرافقة لمبتعث؟ وكذلك بالنسبة الأمر النسبة للرجل: مبتعث أم مرافق؟
ففي الحالات التي تتعرض المرأة فيها لعنف جسدي لا تمُنع من قبل الممثليات السعودية من الاتصال بالشرطة من أجل إيقاف هذا الاعتداء وتوقيع المعتدي على تعهد بعدم تكراره، أو من استصدار أمر يقتضي بأن لا يُسمح له بالعودة لمنزل الأسرة أو الاقتراب منها أو من أطفالها لفترة معينة، وهو ما يُعرف بأمر التقييد أو الزجر (Restraining Order) بحيث لو خالفه يسجن أو يدفع غرامة.
وفي هذه الحالة إذا كانت المرأة مرافقة وغير ملتحقة ببرنامج أكاديمي (بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه)، فإنه يُطلب منها من قبل البعثات السعودية في ذلك البلد إسقاط أية دعوة رفعتها عليه، ويتم منحها تذاكر سفر للعودة للمملكة مع أطفالها. حيث أنه في حالة الخلافات الأسرية في الخارج تقتضي التنظيمات الإدارية السعودية بأن أحد الوالدين حين يعود للمملكة فإنه يحق له أخذ الأطفال معه للوطن، وعلى الطرف الثاني رفع قضية حضانة أمام المحاكم الشرعية في المملكة. فهذه المرأة التي تعود للسعودية وترفع قضية طلاق ضد زوجها المبتعث فإن البعثة السعودية ستخيره إذ أراد أن لا تتأثر بعثته: إما أن يعلق البعثة مؤقتاً ويذهب للمملكة لحضور جلسات الطلاق، أو أن يقوم بعمل توكيل رسمي يكلف فيه من ينوب عنه فيها.
والقضية تصبح أكثر تعقيداً عندما تكون المرأة هي المبتعثة، ففي هذه الحالة يُطلب منها أيضاً إسقاط الدعوة أمام المحاكم الأجنبية مع احتفاظها بحقها في أمر التقييد، كما يحق لها توكيل من يرفع لها قضية طلاق أو حضانة في المحاكم السعودية دون الحاجة لمغادرة بلد الابتعاث وقطع دراستها، فحين تزود الملحقية الثقافية السعودية برقم قضيتها وما يثبت رفعها، فإنه يتم نزع ولاية زوجها عنها في مقر إقامتها حتى يُبت في قضيتها في الوطن، فلا يحق له لا فصلها من البعثة ولا التدخل في شؤونها خلال هذه الفترة. وزوجها في هذه الأثناء يتم مواصلة الصرف عليه حتى وقت صدور القرار، لأنه في نظر الشرع لا يزال محرمها في بلد الغربة، ولا يمكنها استبداله بأب أو أخ رسمياً إلا بعد صدور صك الطلاق. فعند تقديم هذا الصك للملحقية فإن الزوج إذا كان قد التحق ببرنامج أكاديمي للدراسة فإنه ينفصل ببعثة خاصة به حتى تنتهي فترة دراسته الحالية. أما في حال كونه في مرحلة دراسة اللغة فيتم إلغاء بعثته كونه لم يعد مرافقاً للمبتعثة الأصلية، وتصرف له تذكرة العودة.
وبالرغم من كون هذا التنظيم منطقياً على الورق، فإنه على أرض الواقع ستقول الكثيرات بأن مشكلة رفع قضايا الطلاق في المحاكم الشرعية في السعودية بأنها تأخذ وقتاً أطول مما ينبغي، فهذه المبتعثة المغتربة صحيح تم رفع ولاية زوجها الذي ترغب بالانفصال عنه ولم يعد يؤثر عليها في بلد الابتعاث، لكن هذا يعني بأنها ستمكث مغتربة حتى يصدر الصك وتحرم من زيارة وطنها في أثناء ذلك، لأنه طالما ظل زوجها رسمياً فهو غالباً لن يمنحها ورقة الخروج من المملكة والتي تحتاجها للعودة لمقر البعثة بعد الزيارة.
وهناك اقتراحات لحل هذه المشكلة، منها أن يكون هناك قاضي شرعي مختص بالقضايا الأسرية في السفارات السعودية بحيث لديه صلاحيات القاضي داخل البلد ليبت فيها سواء بالإصلاح أو الطلاق أو الخلع. واقتراح آخر بأن تأخذ قضايا المغتربين والمغتربات فيما يختص بالطلاق ونحوه الأولوية لدى المحاكم الشرعية داخل المملكة، ويكون هناك فترة زمنية تتراوح مثلاً ما بين ستة أشهر وسنة كحد أعلى للانتهاء منها.
أما في حال قرر كلا الطرفين أو أحدهما إهمال هذه التوجيهات باللجوء للمحاكم الخارجية ففي هذه الحالة يوقف الصرف عن من رفع هذه القضية.
وإذا كنا قد تحدثنا حتى الآن عما يحصل في حالة وقوع هذه المشكلات، لكننا لم نتحدث عن كيفية القيام بخطوات استباقية لمنع حصولها. فمن الواضح بأن الكثير من المبتعثين يعانون من ضعف التأهيل في نواحي عديدة، فاستحداث برامج توعوية وتعليمية قبل السفر سيكون له أثر كبير في التقليل من هذه المشكلات. وهذه البرامج الإجبارية سيتم فيها تهيئة الزوجين أو الأخوة لما سيحدث لهم في الخارج على صعيد الدراسة وأنظمة البلد المضيف وأيضاً على صعيد أسرتهم الصغيرة.
والمبتعثون الحاليون يحتاجون كذلك إلى التوجيه، مثل وجود مستشارين أسريين، واستخدام أدوات الإعلام التفاعلي لنشر الوعي بينهم، وتنظيم دورات أو ندوات سنوية للحديث عن هذه المشكلات وكيف تتطور من خلاف بسيط إلى عنف أسري يستدعي تدخل السلطات.
الابتعاث فرصة ذهبية يجب أن تُمنح لمن يستحقها ويقدر قيمتها، وهناك من لا ينطبق عليهم ذلك، وفي هذه الحالة فلا بد من تشريعات تحمي المستضعفين وتحفظ حقوق جميع الأطراف، وتحافظ على سمعة الدولة التي تصرف هذه المليارات لتعليم أبنائها في بلدان الابتعاث المختلفة، ولتحمي سمعة بقية المبتعثين الذين يدرسون بجد ويراعون القوانين و قبل ذلك يراقبون الله في تعاملهم مع أسرهم.
المقال في جريدة الوطن (تحت عنوان: المشكلات الأسرية في الخارج بين العلاج والوقاية)
December 3, 2012
الخلافات الزوجية والعنف الأسري في دول الابتعاث 1-2
تناولت بعض التقارير الصحفية مؤخراً قضايا الخلافات الأسرية بين المواطنين والمواطنات في دول الإبتعاث والتي انتهى بعضها بلجوء أحد الأطراف المتنازعة إلى السلطات الأجنبية، أو قد تكون هذه الأخيرة قد تدخلت من تلقاء نفسها بعد ملاحظتها لوجود مشكلة كما في قضايا العنف الأسري. ومن خلال علاقتي المستمرة مع المبتعثات في بريطانيا وأمريكا، فقد استمعت لقصص من طالبات أو مرافقات عن تعرضهن لمشكلات مع أزواجهن أو ربما إخوانهن. بعض هذه المشكلات تضمنت إساءة المعاملة والإهانة وسوء الخلق، وأخرى وصلت إلى حد الضرب أو السرقة أو حتى التهديد بالقتل. هناك أيضاً حوادث عن الإساءة للأطفال ، أو في أحسن الأحوال الإهمال، سواء من قبل الأب أو الأم أو زوجة الأب. وهذه الأمور لا يجب أن تعتبر غريبة بحكم أن الابتعاث قد أتيح لفئات المجتمع المختلفة ولم يعد كما كان في السابق خاصاً بالمعيدين ومنسوبي الجامعات وأوائل الطلبة والمبتعثين من جهات العمل. ومع وجود ما يزيد عن المائة ألف مبتعث ومبتعثه حول العالم، فإنه لن نعدم من بين هؤلاء وجود أقلية م لم تثنيهم الغربة عن الإساءة لعائلاتهم وصورة دينهم وسمعة وطنهم.
أسباب هذه الخلافات الأسرية متعددة كأية علاقة زوجية في الوطن الأم، لكن هناك نوع الآخر من الخلافات خاص بالطلبة المبتعثين، وهو ذلك الناتج من تغير ديناميكية العلاقة بين الزوجين في دولة الابتعاث. فالزوج مثلاً، لاسيما الذي عاش مع زوجته عدة سنوات في السعودية قبل البعثة، قد تعود على علاقة زوجية- ليست بالضرورة سيئة- لكن له فيها اليد العليا . فهو غالباً معيل الأسرة الأول، وكلمته هي الفاصلة، وليس مطلوباً منه المساعدة في أعباء المنزل والأولاد خاصة في ظل وجود الخادمات والسائقين، وبدون إذنه لا يتمكن أفراد أسرته من التنقل من مكان لآخر، فهذا مجتمعنا وتلك عاداته التي نتعايش معها.
فماذا يحصل عندما تنقلب المعادلة فجأة رأساً على عقب ويصبح الزوجان ندين لبعضهما وفق قوانين البلد الجديد وفي ظل غياب النضج والوعي والثقافة؟ بل ماذا يحصل حين تتفوق عليه زوجته؟ كأن تكون مجيدة للغة البلد الجديد أكثر منه، أو مكنتها درجاتها العالية من الحصول على بعثة وقبول جامعي بعكسه، فهو فقط المرافق لها، وبالتالي فراتبه أقل من راتبها، وحتى وضعه القانوني بحسب تأشيرة الدخول يجعله هو المعتمد عليها. هل سيكون ذلك دافعاً له ليجتهد أكثر ويطور نفسه مستغلاً هذه الفرصة الثمينة التي أتاحتها له بعثة زوجته؟ أم سيحاول معالجة عقدة نقصه بممارسة رجولة كاذبة عليها؟
أو كيف تتأثر العلاقة الزوجية حينما تنسى زوجة بأن حقوق زوجها عليها وفق دينها لا ترتبط ببلد معين، فخروجها لغير ضرورة دون إذنه أو تحقيرها له أمور لا تجوز لا شرعاً ولا عرفاً بل وليس تصرفاً لائقاً في حق من قد يكون ترك أهله وتخلى عن وظيفته لتحقق أحلامها.
كذلك فإن بعض الأزواج والذين ترافقهم زوجاتهم ليقمن على شؤون بيوتهم وأطفالهم فيما يتفرغ هو لدراسته يجد نفسه يحتقر زوجته ويقارنها بزميلاته وزوجات معارفه، وقد يسهر مع أصدقائه كل ليلة فيما يحرمها هي حتى من دراسة اللغة أو الاختلاط بالأخريات، بل وقد يتزوج عليها في الغربة، أو يتورط في علاقات غير مشروعة مستغلاً وجوده في بلد لا يعتبر في هذه العلاقات جريمة، دون أدنى مراعاة لمشاعر المرأة التي تغربت لا لشيء إلا لأجل مستقبله.
هذه أمثلة لبعض مشكلات الأسر السعودية في بلدان الإبتعاث المختلفة، وكأي مشكلة أسرية فإنه غالباً يكون هناك الخطأ مشتركاً، لكن أحياناً تكون مسؤولية أحد الأطراف أكبر لاسيما إذا تطورت المشكلات إلى ضرب أو حبس أو غيرها من التصرفات التي لا يقرها شرع ولا منطق. فكيف يمكن لهذه العائلات المغتربة التعامل مع المشكلات الأسرية سواء بغرض حلها بالإصلاح أو بالطلاق؟
بحسب تصريح سابق لوكيل وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله الموسى نشرته جريدة الوطن قبل عامين بعنوان: ” لا لتصدير خلافات المبتعثين الزوجية للحكومة الأميركية” جاء فيه بأن “على الزوجين ترتيب أمورهما قبل الابتعاث والاتفاق على المسؤوليات قبل المغادرة كي لا يحدث ما لا تحمد عقباه” مضيفاً أن “الوزارة ترفض أن يمتد الخلاف لتصل الشكوى للسلطات الأميركية في ظل وجود ممثليات سعودية هناك معنية برعاية شؤون السعوديين”.كما حذر الموسى الأزواج المبتعثين من إلغاء البعثة إذا خالفوا الأوامر أو لجؤوا إلى خارج الإطار الرسمي السعودي، وذلك لمخالفتهم التعهدات الموقعة من قبلهم قبل صدور قرار الابتعاث”.
فمشكلة اللجوء للسلطات الأجنبية عن طريق رفع الدعاوي بين السعوديين على بعضهم سواء كانوا أزواجاً أو أخوة أو زملاء أو معارف، تعني بأن على الحكومة السعودية، التي تقتضي أنظمتها أن لا يظل سعودي في السجون الخارجية، أن تتحمل تكلفة الترافع عن المتهم، وغالباً ما سيتم الإفراج عنه بكفالة مالية، ليعود للمملكة ربما دون أن يحصل صاحب الحق على ما يريده. وهنا يجدر القول بأنه لابد من وجود تشريعات تقتضي بأن المتهمين في الخارج والذين تتمكن البعثات السعودية من الإفراج عنهم، يجب أن لا يطلق سراحهم بشكل تلقائي في المملكة بل أن يعودوا للسجون السعودية لاستكمال التحقيق معهم ومحاكمتهم، لاسيما المتورطين بقضايا من العيار الثقيل، فكوننا خلصنا المجتمعات الأجنبية من شرورهم لا يعني أن نتركهم يسيحون بحرية في شوارعنا الآمنة.
فإذا اعترفنا بأن المشكلات الزوجية والأسرية تحصل في الخارج، وتم توجيه المواطنين والمواطنات بعدم اللجوء للسلطات الأجنبية، وبالتالي لا يبقى أمامهم إلا اللجوء إلى الملحقيات والسفارات السعودية، فكيف تتعامل هذه الأخيرة معها لاحتوائها ومحاولة حلها قبل تفاقمها؟ وما هي الحلول التي يمكن بها استباق وقوعها قبل وأثناء فترة الابتعاث؟ الجزء الثاني من المقال سيتناول الإجابات على هذه الأسئلة.
November 27, 2012
المواطن والدولة.. ما بين الخليج وأميركا
انتهت الانتخابات الأمريكية بفوز المرشح الديمقراطي بأصوات الناخبين كما كان متوقعاً ليواصل باراك أوباما عمله كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات مقبلة. وقد كان من المثير للاهتمام متابعة ردود الفعل في الإعلام الجمهوري على هذا النصر وعلى رأس هذا الإعلام قناة فوكس الإخبارية. كانت خيبة الأمل لدى تحليل النتائج واضحة جداً، وكان هناك استياء من الحالة التي باتت عليها هذه الدولة العظمى التي أصبحت كما يقول الإعلامي المعروف بيل أوريلي مكونة من عدد كبير من الكسالى الراغبين في الحصول على ميزات من الدولة بالمجان، ومن سيعطيهم هذه الخدمات والأشياء – غير المستحقة بنظره- إلا أوباما؟ وهكذا فإن الحلم الأمريكي القائم على العمل بجد والكفاح من أجل أن يصنع الإنسان من نفسه شيئاً يبدو وكأنه يتلاشى. ولا يخجل أوريلي أن يضيف شعوره بالحزن لأن الدولة التي بناها البيض وكانوا فيها الأغلبية وأرسوا دعائم الديمقراطية والرأسمالية والعمل الحر والسباق نحو النجاح قد تغيرت للأبد، فهي الآن دولة أقليات من سود وأسبان من أمريكا الجنوبية وغيرهم، ومغزى كلامه أن أمثال هؤلاء لا يريدون بذل الجهد وإنما العيش عالة على الدولة التي بهذه العقليات لن تواصل البقاء في الصدارة.
كلام أوريلي الممتلئ بالعنصرية والفوقية لا يمثل رأيه الشخصي فقط بسبب انتماءه للأكثرية البيضاء وأيضاً للحزب الجمهوري اليميني، لاسيما فيما يتعلق بالحلم الأمريكي ومسؤولية الدولة تجاه الأفراد والعكس، بل كثيراً ما يتردد مثله في الإعلام، وحين تناقشت مع مواطنين أمريكيين عاديين وجدت بعضهم يحملون أفكاراً مشابهة. فأمريكية – من الطبقة العاملة- تعتقد بأن الإنسان الناجح يجب أن يكافئ لا أن يستنزف بالضرائب من أجل الصرف على الفاشلين، وأن على المرء أن يعمل ليستحق ما يحصل عليها من ميزات، والدولة غير مسؤولة عن إعالة من لا يرغب بمساعدة نفسه، وثمة أجيالاً من المهاجرين قدمت بلا دولار واحد وبالجد والعمل الشاق حققت أحلامها وصنعت لنفسها حياة كريمة، فلماذا إذاً يحصل الفقراء الذين لا يعملون أو يكافحون على تعليم أو صحة أو رعاية بالمجان ؟
ففكرة أن تصرف الدولة على الشعب تعتبر إلى حد كبير مستحقرة في أمريكا، وهي ترمز للاشتراكية والشيوعية التي عاداتها الولايات المتحدة حكومة وشعباً حتى اندحرت. فكونك شخصاً يطلب معونة من الدولة يعتبر منقصة في حقك، ففي العقلية الأمريكية أنت إنسان فاشل تريد أن تنال ميزات لا تستحقها ولا مكان لك في دولة الحلم والفرص، وسينال نادل في مطعم أو كناس في الشارع احتراماً أكثر منك، ولهذا فالكل هنا يعمل، من طلبة المدارس في فترة الصيف وحتى طلبة الجامعات. وهناك من بدأ بتنظيف المراحيض العامة وانتهى به الحال مالكاً لشركة تقدم خدمات تنظيف. وقد علقت مرة بعد حديثي مع بعض الطلبة الجامعيين هنا بأنه لتغطية المصاريف فإن الطالب الأمريكي يعمل في وظيفة، والصيني في اثنتين، بينما السعودي يطالب بزيادة راتب البعثة!
ولأن الدولة لا تصرف على المواطن، إلا من يستحق فعلاً لكونه لا حيلة بيده كالمعاقين أو ضحايا العنف الأسري أو الأيتام ومن يدخل في حكم هؤلاء، ولأن المواطن المقتدر العادي يدفع ضريبة لهذه الحكومة ليحصل على الخدمات المختلفة، فإنه يجد بأن لديه الحق ليحاسب الحكومة على كيفية صرف هذه الأموال وأيضاً إدارة هذه البلاد داخلياً وبدرجة أقل خارجياً، فهم غير مدينون لها بشيء بل هي مدينة لهم مادامت تجبي منهم ضريبة كسبهم.
ولو انتقلنا من الحالة الأمريكية للحالة الخليجية لوجدنا في ذهنية الشعوب بأن البلاد التي تصرف بسخاء على مواطنيها هي التي تستحق الاحترام والتقدير، بل إن أوجب واجبات الدولة هي أن تقدم كافة الخدمات بالمجان من التعليم الأساسي والجامعي وكذلك الابتعاث والصحة والخدمات البلدية، بل إن ذلك يشمل في بعض دول الخليج تقديم الماء والكهرباء بالمجان. بل وقد يطالب البعض بلدانهم المصدرة للنفط بأن يكون الوقود بلا مقابل أيضاً. حتى لو كان ذلك على حساب مستوى الخدمة المقدمة وحتى لو أدى ذلك لاستنزاف الثروات دون تحقيق التنمية الحقيقية المستدامة والتي تضمن بقاء الرخاء حتى بعد عصر الثروة الناضبة. وحصول المواطنين على هذه الميزات ودون دفع الضرائب يجعلهم أقل تحفزاً على المحاسبة فيما يتعلق بإدارة المال العام أو الدفع باتجاه المشاركة الشعبية الفاعلة.
ولست في معرض المفاضلة بين أي العقليتين أفضل ولا أي الإدارتين أنفع، فلكل واحدة إيجابياتها وسلبياتها، فالفكرة الأمريكية تشجع الأفراد على العمل والكفاح والنجاح والاعتماد على النفس منذ سن مبكرة، كما يعامل الناس فيها بشكل شبه متساو إذ لا تنال فئة ما ميزات تفاضلية ويخضع الجميع لسلطة القانون. لكنها في المقابل لا تراعي ظروف البشر المختلفة وكأنها تبرر بأن البقاء للأقوى والأذكى والأنجح، ولا مكان للضعيف والفقير ومحدود القدرات ومن نشأ وتربى في ظروف صعبة، فهؤلاء يجب أن يهمشوا لصالح الناجحين والمبدعين والأذكياء في وال ستريت ووادي السليكون.
أما الفكرة الخليجية، فهي تحمل الدولة بالفعل مسؤولياتها من أجل توفير حياة كريمة لمواطنيها مستفيدين من دخلها الريعي الهائل، وتضمن أن تتاح أساسيات الحياة كالتعليم والصحة للجميع بالمجان فتمنح الفقير كما الغني فرصة جامعية متساوية لدخول كليات الطب والهندسة اعتماداً على درجاتهم وليس ما في حساب ادخار والديهم لتعليمهم الجامعي. لكنها أيضاً تكرس استثقال العمل والكفاح وتؤدي للكسل والاعتماد على الغير وربما التحايل على النظام من أجل تحقيق مكاسب أكبر غير مستحقة. وتجعل العلاقة بين المواطن والدولة أشبه بالمال مقابل الولاء، وهي علاقة غير سوية لا تنتج دولة متقدمة ولا حتى تقترب من تحقيق ذلك.
في أمريكا كما الخليج هناك من سيرى علاقة غير مثالية بين الدولة ورعاياها، لكنها في أمريكا لم تعق ازدهار البلاد وتطورها وتحويلها لدولة عظمى ولذلك سيمضي وقت قبل أن تتغير هذه الذهنية. لكن هل حققت هذه العلاقة بين الدولة والمواطن في الخليج الازدهار المرجو أو الممكن؟
برنامج قال الكاتب : مشكلات الوعظ والوعاظ – مداخلة د.مرام مكاوي
برنامج قضايا مبتعث الحلقة الأولى – المبتعثون: العودة أم البقاء؟ MVR -لقاء الكتورة/ مرام مكاوي
November 20, 2012
إغلاق مستشفى عرفان.. تنفيس أم محاسبة؟
صدر مؤخراً قرار من وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة بإغلاق فوري لمستشفى عرفان بجدة شهرين بعد وفاة الطفل صلاح الدين يوسف عبداللطيف جميل (8 سنوات)، حيث تم إعطاءه غاز أكسيد النيتروجين بدلاً من الأكسجين أثناء تخديره قبيل إجراء فحوصات طبية له، وكان من المفترض حسب ما ذكره والدا الفقيد أن يتم أخذ خزعة من غدته الليمفاوية لمعرفة سبب انتفاخها بعد معاناة الصغير مع نزلة برد شديدة لمدة أسبوعين، وبطريقة أقنع الطاقم الطبي في المستشفى الوالدة بأنه من الأفضل عمل ذلك عن طريق البنج الكامل، وقد كان إلا أن النتيجة كانت أن فارق الطفل الحياة على إثر تلك الحقنة المميتة (المدينة، العدد 4170). وللأسف ليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها مثل هذه القصة المأساوية في المستشفيات السعودية وفي هذا المستشفى بالذات، فطبيب الأسنان الدكتور طارق الجهني توفي أيضاً تحت تأثير التخدير الذي تم بشكل خاطئ قبل ثلاث سنوات بالضبط، فما الجديد الذي أوجب اتخاذ قرار الإغلاق الآن وليس آنذاك؟
سيجيب بعض المتشككين بأنه يكفي أن تقرأ اسم الصغير كاملاً لتجد الجواب، فهو ابن لواحدة من أغنى الأسر السعودية والتي لها دور كبير في مجال التجارة وإنما أيضاً في المجالات الإنسانية والإنمائية داخل البلد، وتحظى باحترام وتقدير من الجميع. وبالرغم من تعاطف الناس مع صلاح الدين وعائلته الكريمة إلا أن في داخل البعض منهم مرارة إذ يدور على لسانهم السؤال التالي: هل كان يجب أن يموت ابن أحد الوجهاء حتى يتم اتخاذ قرارات من العيار الثقيل؟
ونأتي للقرار نفسه هل هو قرار مدروس يتوقع أنه تكون له نتائج إيجابية من أجل رفع مستوى الخدمات الصحية في البلد؟ أم أن الهدف منه امتصاص الغضبة الشعبية من تكرر مسلسل الأخطاء الطبية لاسيما في عصر الإعلام التفاعلي وارتفاع سقف المطالبات وهي أمور لم يكن لها وجود بهذا الزخم قبل ثلاث سنوات؟
هل يهدف هذا القرار بالفعل إلى معاقبة المتسببين الفعليين فقط أم أن أنه بلاء سيحل بكل من له علاقة بالمستشفى من منسوبيها ومرضاها؟ ماذا سيحدث خلال هذين الشهرين للمرضى المنومين لاسيما في العناية المركزة والأطفال الخدج؟ وماذا عن المواعيد الطبية المجدولة سواء للمراجعات أو العمليات الجراحية؟ فبحسب مصادر المستشفى فإنه تم إلزامها بنقلهم لمستشفيات أخرى وتحمل تكاليف ذلك كاملة، المشكلة هنا أنه هل تكفي السرر والإمكانيات الطبية في بقية مستشفيات المحافظة الأهلية لاستقبالهم؟
وماذا سيحدث للطواقم الطبية والتمريضية والفنية وحتى عمال النظافة والصيانة في المستشفى خلال الشهرين؟ فهؤلاء لا ذنب لهم بخطأ زميلهم ولا بسوء إدارة المستشفى التي يحاول مديرها في إحدى المقابلات رمي سبب مشكلات المستشفى وتدني معاييرها إلى السعودة! في حين أنه في كل الأخطاء الطبية القاتلة التي عرفت فيه تمت من قبل أطباء غير سعوديين بعضهم ليست لديهم ترخيص لممارسة المهنة. ومرة أخرى يثبت جل رجال الأعمال لدينا أنهم ينظرون للوطن على أنه منجم ذهب يجنون منه أربحاهم ولا يريدون أن يقدموا له شيئاً بالمقابل، ولا حتى مجرد توظيف أبنائه وتقديم خدمات راقية له. كما أنهم يديرون المؤسسات التعليمية والصحية كعمل ربحي في المقام الأول والأخير وتأتي الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية في مكان ما في المنتصف وتبدو وكأن غرضها ذر الرماد في العيون.
وليس مستشفى عرفان بدعاً من غيره من المستشفيات الخاصة بل والحكومية أيضاً، فقد وقفت على حالة تم فيها صرف دواء لامرأة من واحد من أرقى مستشفيات جدة الخاصة حالياً -مالكها طبيب وإعلامي- وقد كتب عليه بالخط العريض من الخارج والداخل بأنه “يمنع منعاً باتاً استخدامه من قبل النساء” حيث أنه مخصص لعلاج سرطان البروستاتا، وهي غدة غير موجودة لدى النساء أصلاً، فما هي الآثار التي ستترتب على صرف دواء هو عبارة عن هرمون ذكوري لامرأة شابة؟ وما هي المعايير التي تتخذها وزارة الصحة لتتأكد من فعالية رقابتها على المستشفيات والمستوصفات والصيدليات والمراكز الطبيبة بما فيها عيادات الأسنان والتجميل العاملة في البلد؟
ثم ألا يعد تكرار وفاة شخصين في نفس القسم في نفس المستشفى بالخطأ الطبي نفسه تقريباً خلال ثلاث سنوات وخلال فترة الوزير ذاته هو أنه ووزارته مقصرون أيضاً في عملهم فيما يختص بالرقابة والإشراف؟ فمن يحاسب وزارة الصحة ؟ في البلاد المتقدمة قد يستقيل أشخاص في مناصب عالية من وظائفهم كنوع من اعترافهم بخطأ وقع تحت إداراتهم حتى لو لم يكن لهم يد مباشرة فيهن أما حدوث ذلك في البلاد العربية فأظنه يعد ضرباً من قصص الخيال العلمي!
وثمة أسئلة أخرى تدور حول سلامة التحقيق نفسه، فهل تم وفق المعايير المهنية العادلة طبياً وقضائياً؟ هل تم ذلك عبر فترة كافية؟ وهل صدرت عنه أحكام بخصوص جميع الأطراف المعنين بما فيهم الملاك والإدارة؟ فالقضية ليست مجرد البحث عن طبيب هارب عبر الإنتربول وتعليق العمل لشهرين في المستشفى، فما الذي سيحصل بعد هذين الشهرين؟ هل سيعود طاقم المستشفى كله بما فيه الإدارة للعمل وكأن شيئاً لم يكن؟
غالية هي النفس البشرية ومع أننا كمسلمين نؤمن بالقضاء والقدر إلا أن الإهمال جريمة يجب أن يحاسب المسؤولون عنها لاسيما حينما يتكرر ذلك، وفي جدة الجميلة فقد باتت المحاسبة وتحميل المسؤولية للمتسببين في إزهاق الأرواح على ثراها واحداً من أهم مطالب سكانها، سواء كان تضمن ذلك أطباء وممرضين وإداريين في مستشفى أو أمناء مدن ومهندسين وإداريين في بلدياتها، وإلى أن يتم ذلك ستظل العروس تدفن الضحايا في جوفها وفي العين دمعة وفي القلب غضبة وحسرة.
November 13, 2012
لمى.. حلقة جديدة من مسلسل قديم
ثمة مشاهد مؤلمة تعلق بذاكرة الإنسان بتفاصيلها الدقيقة رغم مرور السنين، أحدها كان مشاهدتي لطفل سعودي في الرابعة من عمرة راقداً على السرير الأبيض مصاباً بشلل رباعي نتيجة لإلقاء والده له من النافذة في غياب أمه الإندونيسية التي “سفرها” أبوه المزواج بعد أن انتهى غرضه منها، تماماً كما هي الحال مع بقية الزوجات وأطفالهن. لم ينقذه إلا أخته غير الشقيقة وهي بدورها في سن المراهقة، ولعلنا نتخيل المخاطر التي مرت بها فتاة يافعة تحمل طفلاً مشلولاً وتركب سيارة ليموزين لتصل إلى المستشفى. كنت وقتها أعمل كصحفية متدربة في جريدة عرب نيوز التي نشرت القصة آنذاك، كما كتبت مقالاً للوطن بعنوان (أحباب الله.. لكم الله – نشر بتاريخ 11 جمادى الآخرة 1425هـ). وسمعت بأن والده قد أوقف للتحقيق خاصة أنه كانت ثمة أخبار متداولة بأنه يشتبه في وفاة طفل أو أكثر له في ظروف غير معروفة. سافرت بعدها ولم أعلم ماذا حل بهما، لكنني لن أنسى أبداً وجه الصغير الملائكي البريء ولا جسده النحيل وحيداً هناك.
وإذا كنت لم أعرف ماذا حل بذلك الطفل فإنني أعرف شيئاً عما حل بغيره، فخلال السنوات التالية سأكتب عن غفران وشرعاء ورهف (الوحيدة التي نجت على ما يبدو) وغصون (الوحيدة التي تم الاقتصاص من أبيها وزوجته) وسلسلة طويلة من ضحايا العنف الأسري من الأطفال، أحد هذه المقالات كان بعنوان (نشر رواية جريمة لا تغتفر.. وقتل طفلة أمرٌ فيه نظر – نشر بتاريخ 21 ربيع الأول 1427هـ)، وبالتالي أعتقد أنه يمكن اعتبار الإساءة للصغار ظاهرة لابد من معالجتها بدلاً من الإصرار على كونها حوادث فردية.
لمى عصفورة جديدة، لا تختلف عن شقيقاتها من طيور الجنة إلا في الاسم وربما في بعض التفصيلات الدقيقة مثل كون والدها داعية مشهور وظهر في برامج تلفزيونية متحدثاً عن الرحمة! وهذه الجزئية توشك أن تحول القضية من عنف أسري وانتهاك لحقوق الطفولة وإزهاق روح بريئة وإفساد محرم في الأرض إلى قضية يتصارع حولها التياران المحافظ المتشدد والليبرالي، ولهؤلاء نقول: عيب! ما أقبح أن نرقص حول جثث القتلى، وما أبشع أن يكون نخب الانتصار من دماء الصغار. فإن كانت هناك فائدة يمكن الاستفادة منها في هذه الجزئية فهي عدم الانخداع بالمنظر، وأيضاً عدم امتهان لقب داعية بحيث يُمنح لشخص بلا علم شرعي ولا نهج تربوي وكل مؤهلاته: مفحط سابق أو مدمن تائب، فيتصدرون المجالس ويخطبون في المدارس.
النقطة الأهم والتي يجدر التركيز عليها هي لماذا يتواصل هذا المسلسل المرعب؟ ثماني سنوات كاملة تفصل بين مقالين عن نفس لبقضية، ولم يتغير شيء يذكر. سيتحدث البعض عن موضوع الحضانة وأنه لا ينبغي أن يُمنح للأب تلقائياً، بل تدرس كل حالة بشكل منفصل، وغالباً يجب منحها للأم قبل زواجها، وبعد الزواج هناك الجدات وغيرهن ممن نص عليهن الشرع، خاصة حين يكون الأب غير مؤهل ولا كفء، وهذا لاشك من الأمور المطلوبة، لكن من قال أن كل الضحايا كانوا في حضانة الأب قسراً؟
فمسؤوليتنا إذاً إيجاد نظام يحمي الطفولة بشكل عام بغض النظر عن أين يعيش الطفل. قد يشمل هذا النظام تخصيص أرقام حماية وتعليمها للأطفال، وتأهيل مشرفات المدارس الاجتماعيات للكشف عن هذه القضايا والإبلاغ عنها للجهات الرسمية، وعمل زيارات دورية من قبل مندوبين ومندوبات من وزارة الشؤون الاجتماعية لزيارة الأسر التي سبق وتم الإبلاغ ضد أحد أفرادها بأنه يمارس العنف الأسري سواء على الأطفال والمراهقين أو حتى الكبار، لأنه من لا يرتدع عن ضرب زوجته فلن يتورع عن تعذيب أطفاله. وأن يترافق ذلك مع حملة إعلامية ضخمة لا تقل عن حملات مكافحة الإرهاب والمخدرات، فإرهاب الأسرة لا يقل بشاعة عن إرهاب المجتمع، بل إن الكثير ممن انخرطوا في سلك الإرهاب أتوا من أسر ليس فيها تفاهم ولا حب رغم البحبوحة المادية.
يجب أن يدرك الآباء بأن جريمة قتل الصغير لا تقل عن جريمة قتل الكبير، بل تفوقها بشاعة لأنها تجاه طفل أعزل مستضعف، وأن الحد سيقام فيما لو ثبتت القضية بالأدلة القاطعة ودون أحقية التنازل، وأن بعض الأفكار الفقهية التي يتم الترويج لها مثل عدم أخذ الأصل بالفرع، والتي يظن الآباء أنها تقدم لهم حصانة ليقتلوا أطفالهن، لا تتفق في هذه الحالات الدامية من القتل والتعذيب للصغار مع مقاصد الشريعة العليا التي جاءت لحفظ الضرورات الخمس ومنها النفس ومع تحريم قتل الأطفال ووأد البنات والإجهاض. فجزء من المشكلة هو تفشي هذا الفكر الضال.
قبل أشهر قليلة هزت مجتمعنا قضية الطفلة تاله التي ذبحتها الخادمة الإندونيسية، وثار الناس وصبوا جام غضبهم على الخادمات وأنهن سبب كل بلاء، وتطرف البعض وطالب بتسفيرهن جميعاً، وتم تداول الموضوع بشكل كبير عبر أجهزة الهواتف المحمولة، وتخللته الكثير من رسائل الكراهية والتحقير والمبالغة، حتى شعرت بأن هناك من لن يشفي غليله إلا إعلان الحرب على إندونيسيا بأكملها، في حين لا تبدو الأصوات بتلك القوة مع قضية لمى رغم تشابه عمر الضحايا وبشاعة طريقة القتل! تتساءلون لماذا؟
السبب بسيط لأنه من السهل أن نحمل الجرم للآخر( الغريب..الأجنبي..الذي لا يحمل ملامحنا..الفقير الطامع بثرواتنا)، لأن الحل سيكون في إغلاق الباب دونه. أما في حالة لمى فنحن أمام واحد منا، جريمة تجبرنا على أن ننظر في المرآة ونشاهد ذلك الجزء القبيح من صورة مجتمعنا والذي نحاول أن ننكره دون أن نعالجه سائلين الله أن يذهب المرض من تلقاء نفسه دون حتى أن نزور الطبيب ناهيك عن أن نتناول الدواء.
قضية لمى وأخواتها كان يجب أن تهزنا أكثر من قضية تاله لأنها قضية قتل ممن يفترض أن يحمي ويرعى ويربي..قضية تتنافى مع فطرة البشر في حب الولد وقوة روابط الدم..لكن ذلك لم يحدث وهذا لوحده مشكلة كبرى.
October 29, 2012
ساندي.. وفن إدارة الكوارث
أكتب مقالي هذا من الولايات المتحدة الأميركية، قبل بضع ساعات فقط من الوقت المتوقع لمرور إعصار ساندي بمدينتي قادما من الجنوب في طريقه للشمال. ساندي – ولا يغركم الاسم الأنثوي الناعم – هو إعصار عنيف ومن المتوقع أن يكون مصحوبا برياح عاتية تنذر بفيضانات على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ووفقا لبي بي سي العربية فإنه رغم أن الرياح المصاحبة للإعصار ليست كبيرة مقارنة ببقية الأعاصير إلا أن اتساع نطاقها يجعل منها استثنائية، حيث تمتد الرياح على اتساع 165 كيلو مترا من مركز الإعصار. كما يهدد إعصار ساندي باجتياح الثلث الشرقي من البلاد بأمطار غزيرة ورياح عاتية وانقطاع الكهرباء، ومن المتوقع أن يرتفع منسوب مياه الأمطار إلى 30 سنتيمترا بالإضافة إلى سقوط ثلوج كثيفة في بعض المناطق. ولأن ساندي آتٍ لا محالة، ولأننا لا نستطيع إيقاف تقلبات الطبيعة مهما بلغنا من تطور ومدنية، فإن الخيار الوحيد المتبقي لنا هو الاستعدادلمواجهتها، فكيف كان الاستعداد الأميركي؟
تعد المناطق الواقعة بين مدينتي نيويورك ونيوجيرسي الأكثر عرضة لهذه الزائرة غير المرغوب بها، وعليه فقد تم إجراء إجلاء إجباري لنحو 375 ألف شخص من منازلهم قبل يوم الاثنين التاسع والعشرين من أكتوبر الجاري، وإيقاف المواصلات العامة في تلك المناطق. وبالرغم أنه لا يتوقع بأن تكون مدينتنا في قلب الإعصار، إلا أن مجرد مروره بها في طريقه، واحتمالية أن يتسبب ذلك بأضرار للممتلكات أو الأشخاص جعل المسؤولين هنا يرفعون درجة الاستعدادات إلى الحد الأقصى.
فقد تم توجيهنا قبل ثلاثة أيام من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهته عبر كافة وسائل الإعلام. وهذه الاستعدادات تشمل تخزين ما يكفي من المواد الغذائية ليومين أو ثلاثة، وملء خزان السيارة إلى حده الأقصى، والاحتفاظ بكشافات وبطاريات وغيرها، وشراء شاحن للهاتف المحمول من النوع الذي يستخدم في السيارة، وإبعاد قطع الأثاث وغيرها من الشرفات الزجاجية. أيضا طُلب منا ألا نغادر المنزل حين تشرفنا الآنسة ساندي إلا لضرورة قصوى، وقد تم تعطيل الدراسة في بعض المدارس والجامعات إن لم يكن كلها، وأعلن المسؤولون في شبكة القطارات الأرضية (المترو) في واشنطن العاصمة أنه تم تعليق خدمات هذه القطارات ليوم الاثنين كإجراء احترازي قابل للتمديد، وكذلك تمدد إلغاء أو تأجيل العشرات من رحلات الطيران الداخلية والدولية المنطلقة أو المتجهة في المناطق الواقعة في عين الإعصار أو التي سيعبرها في طريقه، فالسلامة العامة لها الأولوية في مثل هذه الظروف الاستثنائية ولو كان على حساب الخسائر المادية التي ستتكبدها شركات الطيران والتأمين وغيرها، حتى لو كان ذلك في بلد رأسمالي مثل أميركا.
وواصلت وسائل الإعلام وفي مقدمتها قنوات وبرامج الطقس في التلفاز والراديو إعطاء تحديثات حول الأوضاع على مدار الساعة، وأسهم ذلك كله في تجهيزنا نفسيا وفعليا لتقلبات الطبيعة المرتقبة، فهناك قلق ولا شك يحيط بالوضع برمته، ولكن في الوقت نفسه كان هناك إحساس بأن ثمة من يهتم لأمرك، وبأنك مستعد لما سيجري إلى درجة كبيرة، وأن الوضع تحت السيطرة إلى حد ما. وبالتالي لا يتوقع أن تكون هناك فوضى عارمة على النحو الذي نشاهده حين تضرب الطبيعة دول العالم الثالث كما حصل في كارثة أمواج التسونامي التي ضربت عددا من جنوب شرق آسيا في 2004، أو زلازل تاهيتي في 2010، بل وحتى ما حصل في مدينة من مدن أميركا الفقيرة مثل نيو أورلينز أيام إعصار كاترينا في عام 2005 تحت إدارة حكومة جورج بوش الابن، ويبدو أن أميركا قد تعلمت من ذلك الخطأ الفادح وهو المطلوب.
يحضرني السؤال: إذا كانت الكوارث الطبيعية تضرب أنحاء متفرقة من العالم دون تمييز، فلماذا ينجح البعض في التعامل معها وفي تقليل خسائرها إلى أقصى حد ممكن، في حين يفشل في ذلك آخرون؟
إنه فن إدارة الكوارث، ذلك التخصص الغائب في جامعاتنا وعن حياتنا الخاصة والعامة بشكل أكثر عمومية، والذي لسبب ما لا نجده حتى في برامج الابتعاث التي ينبغي أن تراعي احتياجات البلاد قبل رغبات الطلاب، فقد شهدنا سابقا كوارث من عينة التدافع على جسر الجمرات في الحج، أو حريق المخيمات بمنى، أو حريق مدارس براعم الوطن في جدة. وهي كوارث ربما كان يستحيل أن نمنع وقوعها، ولكن لم يمكن من المستحيل أن تدار قبل وبعد وأثناء حصولها بكفاءة تحول دون خسارة أهم ثروات الوطن وهو الإنسان. وحين نتحدث عن إدارة وفن فلا نتحدث عن معدات متطورة ولا عن أجهزة رصد حديثة بقدر ما نتحدث عن تغيير في الذهنيات، بحيث لا تكتفي بالنظر للمصائب على أنها قضاء وقدر بل مشكلة لا بد من مواجهتها بالحلول المناسبة، عن طريق معرفة المواطن كما المسؤول بكيفية التصرف بطريقة صحيحة حين لا تكون الأمور على ما يرام، ولن يمنع ذلك مشيئة الله في القدرلكنه يؤهلنا لنقاوم – ما أمكن – الخطر.
October 24, 2012
إعادة اكتشاف مكة المكرمة وبلادنا ..لله.. للتاريخ ..للوطن!
[image error]
استمعت للدكتور زغلول النجار(أحد أبرز العلماء المتخصصين في علوم الأرض في العالم، وزميل الأكاديمية الإسلامية الدولية للعلوم)، على قناة الجزيرة، والتي تحدث فيها عن مكة المكرمة، والمسجد الحرام، وما فيهما من معجزات كونية خارقة، ومن بركات عظيمة، ومن عبر وآيات. وبقدر ما أثرت هذه الحلقة معلوماتي، وأضافت إلي الكثير مما كنت أجهله، وأسعدتني جدا، بقدر ما أشعرتني بالحزن! هذه المعلومات لم نسمعها من وسائل إعلامنا، المقروءة، والمسموعة، والمرئية، وكان الأولى أن نستضيف نحن الدكتور زغلول، ليتحدث عن هذه القضية بالذات. كذلك لم ندرسها في مدارسنا، فلم يقل لنا أحد شيئاً من هذا لا في مناهج التاريخ، ولا الجغرافيا، ولا الجيولوجيا (التي لا تدرسها البنات في بلادي أصلا!)، ولا في مواد الدين كدروس الثقافة الإسلامية، أو الحديث، ولا حتى في الاختراع الحديث نسبيا دروس الوطنية!
ترى كم من الناس، يعلمون بأنه ما من نبي إلا وحج إلى البيت الحرام، وما من قوم عذبهم الله إلا وهاجر نبيهم بمن آمن إلى مكة. وأن قبور أكثر من سبعين نبياً في منى، وأن بعضهم مدفون بجانب الكعبة، مثل نوح وصالح وشعيب عليهم السلام، أي حيث نطوف؟ كم من الناس يعرفون أن الطيور لا تحلق فوق الكعبة تحديدا، بل تطوف حولها، وذلك من كرامات الكعبة؟ وأن مكة تقع في وسط اليابسة تماما، وبذلك يفترض أن يكون توقيتها (لا توقيت جرينيتش الذي فرضته بريطانيا على العالم بالقوة) هو التوقيت العالمي!. وأن اتجاهات أركان الكعبة، هي الاتجاهات الحقيقية للجهات الأصلية تماما، أي الشمال شمال، والجنوب جنوب بلا أي ميل أو انحراف! والدليل أن الحجر الأسود كان أول نقطة تستقبل شروق الشمس، قبل أن تطاول المباني العالية المسجد الحرام، أي في الشرق تماما.
وحركة الطواف تتوافق مع فطرة الكون والإنسان، وهو نفس اتجاه دوران الكواكب حول الشمس، والإلكترونات في الذرة! وأن تركيبة المدينة الجيولوجية، معجزة في حد ذاتها، وقصة انطباع أقدام الخليل إبراهيم على المقام على حجر أصم صلد، معجزة أخرى، وأنه حجر خاص يحتاج إلى تحليل علنا نفك بعض رموزه!.
وكم من الناس يعرفون معجزات زمزم، وبعض حقائق تكوينه العجيبة، والتي جعلته يستحق أن يكون خير ماء على الأرض؟ كم من غربي يقدس العقل والعلم، قبل الغيبيات بطبعه، كان سيؤمن لو أننا نعرض عليه، معجزات مكة والمقدسات، بالعلم والعقل والمنطق؟!
وهل يا ترى لو عرف الناس هذه المعلومات واستشعروها، سنجد من يبصق (أجلكم الله) في المسجد الحرام، أو يدخن في ساحاته أو قريبا منه، أو في مكة أصلا؟! هل كنا سنجد الناس يدفعون بعضهم، يتشاجرون، يبتدعون، وينصحون بخشونة وعنف، يفترشون الأراضي ويؤذون المسلمين، في المسجد الحرام، لو أنهم استوعبوا معنى أن يجلسوا، داخل حرم، وطئته أقدام الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وبعضهم مدفون تحته؟! هل كنا سنجد أناسا، يهملون نظافة أنفسهم، أو نظافة المكان الذي يجلسون فيه في الحرم، لو استشعروا روحانية الزمان والمكان بحق؟! وهل كنا سنحتاج إلى هذا العدد الكبير من عمال النظافة _جزاهم الله ألف خير_ عندئذ؟!
إنني أتساءل وبكل صراحة هنا، ما الذي نعرفه عن بلادنا بوجه عام، ومن أين عرفناه؟ ماذا نعرف عن مكة والمدينة وجدة والطائف؟! أين آثارنا؟ من سوق عكاظ، لمواقع الغزوات، لسقيفة بني ساعدة، لدار بني الأرقم، لبيت الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، لدار أبي سفيان، لغاري ثور وحراء. هل هي واضحة، معلّمة، للناس كي يزوروها، لا للتبرك، فنحن أوعى من ذلك بكثير، ولكن لنستشعر عظمة التاريخ، ونتعلم أكثر، ونؤمن أكثر. ماذا نعرف عن نجران، وأين مكان الأخدود العظيم؟ ومدائن صالح، تلك المعجزة المذكورة في القرآن، حين تنحت البيوت في الجبال؟! متى تنظم الرحلات إلى هناك، للأسر، وللطلاب، لنقف هناك بصمت، نتذكر معصية الإنسان القديم وكفره، مع نعمة الله عليه، فاستحق التلاشي من الوجود، وبقي بيته هناك، آية للناس! علنا نتدارك أنفسنا فنتوب !
كم سيكون رائعا لو وُجد هناك أناس يشرحون بمختلف اللغات، قصة قوم صالح، وقصة هلاكهم، فقد يكون في ذلك يقين للمؤمن، وخيط هداية للكافر! ترى ماذا يعني الإعلام بالنسبة للدولة على أية حال، إن كان هذا الإعلام، لا يستطيع، سواء الخاص منه أو العام، أن يُعرف الناس بأنفسهم، ودولتهم، وتاريخهم، ناهيك عن أن يُعلم الآخرين؟ كم سيكلف إنتاج فيلم وثقائي احترافي، بمستوى الأفلام التي تنتجها “الجزيرة”، أو “العربية”، عن مختلف مناطق بلادنا وتاريخنا؟ وإن كنا غير قادرين على تحمل التكاليف، فلنسمح للآخرين بأن يقوموا بذلك، ونفتح الباب أمام وسائل الإعلام العالمية. متى يأتي الزائر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما اقترحت إحدى الأخوات المسلمات في الإنترنت، فيُعطى كتيبا، يشرح له فيه عن آثارهما، ومكانتهما، وعن كيفية ومواعيد زيارة متاحفهما؟.
أنا مثلا لا أعرف إن كان باستطاعتي، كامرأة أن أزور مصنع كسوة الكعبة، أو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، أو المتحف الإسلامي بمكة، ولا مواعيد الزيارة، فما بالكم بالزوار والمعتمرين؟ وسؤال آخر يطرح نفسه هنا، متى نتحرك للمطالبة بآثارنا المسروقة، أو المأخوذة بغير وجه حق؟ سواء في متاحف أوروبا مثل قطعة من الحجر الأسود أخذها عميل بريطاني، حسبما ذكر الدكتور النجار. أو آثارنا الموجودة في تركيا، والتي تصرف بها
أحد ولاة مكة بلا حق، وأخرجها من مكانها الطبيعي؟! مقالي هذا مهدى لأهل مكة ومحبيها، ليشكروا الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن جعلهم من ساكنيها، ويضعوا أمام أعينهم دائما أنهم في مدينة تضاعف فيها الحسنات والذنوب! وللقائمين عليها، علهم يساهمون في زيادة تعريف الناس بمكانتها وفضلها. كما أهديه أيضا للعاملين في المسجد الحرام من الرجال والنساء، علهم يعون أكثر عظمة المكان الذي هم فيه، فيتعاملوا مع الناس بأريحية أكبر، وبخلق أرفع بعيداً عن الصراخ، أو التضييق على الناس(وخاصة النساء) وهم يؤدون عباداتهم فيه، بحجة المحاذير. وصورة من المقال أيضا، للإرهابيين، علهم يحترمون المكان، ويحفظون له وللبيت المهابة والأمن، ويعظمون هذه المدينة التي لم تحلّ إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار، ودخلها مطأطئاً رأسه، تواضعا لله. فيمتنعوا عن إفزاع أهلها، وعن شق سكونها ، بأصوات الرصاص، والقنابل، والصواريخ!
* نشر هذا المقال في جريدة الوطن السعودية في ١٤٢٤ هجرياً الموافق ٢٠٠٣ ميلادية
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

