مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 10
June 8, 2013
حب في الطائرة!
انطلقت طائرة الخطوط الجوية السعودية في رحلة داخلية تقطع فيها بلادنا الشاسعة باعتبارها –حتى إشعار آخر- خيار السفر الوحيد العملي المتاح للغالبية. وكالعادة ما إن يدخل الركاب وحتى لحظة الإقلاع وطقم الملاحين ينشغل بلعبة الكراسي لحل مشكلة جلوس الراكبات المسلمات عموماً والسعوديات خصوصاً بجانب الركاب الأجانب. ولا أعرف لمَ لا يتم تطوير نظام الحجز، بحيث يظهر جنس الراكب وقت اختيار المقاعد عبر الإنترنت، أو حتى لدى موظف الخطوط في صالة المطار؟ صحيح يستحيل التغلب على هذه المشكلة بشكل كامل بسبب عدم تساوي أعداد النساء والرجال والأطفال في طائرة ما، لكن لعله يقلل منها ومن إضاعة الوقت. في رحلتنا الأخيرة قام شابان – هيئتهما ولهجتهما تقولان إنهما سعوديان- بالتنازل طوعاً عن مقعديهما لي ولسيدة أخرى، في موقف ينم عن ذوق واحترام وتفهم لعادات البلاد، شكرناهما وشعرنا بالامتنان، لكن ما إن أقلعت الطائرة حتى فوجئنا بمنظر لأحدهما لا يسر الناظرين، وقد تفاجأنا به كثيراً، لأنه لا يتفق مع هيئة الشاب وسلوكه العام!
حينما يتعرف شاب وفتاة للمرة الأولى، تجد البدايات عادة خجولة، يتخللها أسئلة ومحاولات لإذابة الجليد، ولا تتطور الأمور إلى إطلاق المشاعر لفظاً أو فعلاً إلا بعد عدة لقاءات، وقد لا تتطور إلا مع عقد القران بحسب تربية كل منهما وتدينه ونيتهما من العلاقة. ولذلك كان من الغريب جداً أن تجد شاباً يتعرف إلى شاب آخر للتو، ثم بعد عشر دقائق أو أكثر بقليل تجدهما يتصرفان بشكل غريب وغير لائق، دون خجل من الركاب، أو من الملاحين، ومع أنني بحكم إقامتي الطويلة في الخارج شاهدت هذه المناظر المؤسفة للشاذين في الأماكن العامة لدرجة أنها ما عادت مستغربة، لكنها المرة الأولى التي أراها فيها على هذا النحو داخل وطني المسلم المحافظ، فأزعجتني وأثارت استيائي، خاصة لجهة المجاهرة.
رفيقتي في السفر كانت سيدة عربية ناضجة، مقيمة هنا منذ الطفولة، ويبدو أن المنظر كان أكثر غرابة بالنسبة لها، وأكثر إثارة لاستيائها مني، كانت تضع يدها على رأسها وتستغفر. في البداية أردنا أن ندعو عليهما، ثم عدلنا رأينا وبدأنا بالدعاء لهما بالهداية، فأحدهما يبدو خلوقاً ومن عائلة محترمة، ومن المؤسف سقوط مثله في هذا الوحل. جرنا هذا التصرف للحديث عن أسباب ظهور الشذوذ في مجتمعاتنا، بل وظهورها علناً على السطح مؤخراً، فما الذي يجعل المرء ينحرف عن الفطرة السوية، ويسيء لنفسه وأهله ومجتمعه، وقد يعرض حياته للخطر بهذه العلاقات؟
سيتدخل البعض هنا ويقولون هو الكبت، والفصل الحاد بين الجنسين، ولكن لو كان هذا هو السبب فعلاً فلماذا يظهر الشذوذ على نحو واسع في المجتمعات الأكثر انفتاحا وحرية؟ مع اعترافي بأننا في مجتمعنا انشغلنا بقضية الاختلاط والعلاقات المحرمة بين الجنسين، والتي يمكن أن تنتهي نهاية جيدة بالزواج .. لو صلحت النيات، في حين تتوارى قضية، لا حل لها، مثل الشذوذ إلى الركن، فلم أسمع خطباً ولا فتاوى ولا برامج ولا مناشط دعوية توليه اهتماماً كما أولته لقضايا عباءة الرأس أم الكتف، وعمل المرأة المختلط، وحتى قيادة المرأة للسيارة، مع أن الشذوذ محرم بالإجماع وتأثيره مدمرٌ على المجتمعات والأسر.
رأي آخر سيتحدث عن الانفتاح الزائد والتأثر بالغرب والأفلام الإباحية وغيرها، ولا ينكر حتى العلم وأبحاثه التأثير المدمر لهذه الأخيرة، لكنه ليس سبباً كافياً، بدليل أن ملايين الشباب المغرمين بالغرب، أو المشاهدين لهذه النوعية من المشاهد السيئة لم يتحولوا عن ميولهم الفطرية، ولم يتنازلوا عن رجولتهم وشرفهم.
من الأسباب الأخرى التي تطرح الأسباب الأسرية والنفسية والاجتماعية، كأن يكون الشاب تعرض لتحرش جنسي وهو طفل، وبالتالي بدأ حياته في هذا المستنقع، فانعدمت ثقته بنفسه، وفقد إحساسه بالكرامة، وبالتالي لم يستطع أن يخرج من هذا الإطار، ومع مرور الوقت تعود عليه وبات هذا هو الوضع الطبيعي بالنسبة إليه. وسيفتي غيره من الأطباء أو علماء النفس بأن للأمر علاقة باختلال الهرمونات أو اضطرابات نفسية سلوكية، وغيرها من التفسيرات.
وكل الآراء السابقة هي لأناس يعتقدون بخطأ هذا الأمر وبالتالي يبحثون عن جذوره وأسبابه، لكن سيبرز فريق آخر، وهو الرأي المتبنى في معظم المجتمعات الغربية، أن الأمر لا يعدو عن كونه خياراً شخصياً يجب أن يُحترم، مثله مثل أن تختار أن تكون نباتياً. إلا أن المتدينين من أتباع الديانات السماوية الثلاث لا يعترفون بهذا الرأي، ويؤمنون بأن الإنسان إما ذكر أو أنثى، ولا وجود لجنس ثالث، وأن العلاقات العاطفية والجنسية يجب أن تكون بين الجنسين فقط وعبر بوابة الزواج الشرعي.
ما دعاني لطرح هذا الموضوع، والذي أرجأت الكتابة فيه مراراً، باعتباره من المحرمات التي يتحرج مجتمعنا من الخوض فيها، هو ما سمعته وقرأته عن ظهوره للعلن بشكل أكثر جرأة من السابق، والدليل ما شاهدته بنفسي في الطائرة، فتناولته من أجل الدفع باتجاه تشريح العلاقات الشاذة لوضع الحلول الوقائية -على الأقل- للحد منها. فلا أحد يستطيع تفسير هذه الأفعال نحن بحاجة إلى فرق علمية متكاملة تضم علماء نفس واجتماع وأطباء وعلماء شريعة لدراسة هذه الظاهرة في مجتمعنا، فمن قال بأننا لا نحتاج للتخصصات الأدبية والإنسانية، فهل بغيرها يمكن فهم أنفسنا كأفراد ومجتمعنا كذلك؟
هذه الفئات لا تزال قليلة نسبياً بحمد الله، لكننا لا نعرف كيف ستتطور الأمور في المستقبل، فإن زاد العدد قويت الشوكة، وصارت لهم ربما -كما في الدول الأخرى- مطالب، تدعمها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وغيرها،والتي لها منطلقات ليست بالضرورة متوافقة مع شريعتنا وقيمنا. فهل تتبنى هذه الدراسة جامعة أو مؤسسة بحثية ما؟
May 29, 2013
صناعة النجم أم تدميره؟
نعيش في منطقة تكثر فيها النسخ المتكررة من البشر، حيث الإبداع عملة نادرة، فما إن يبرز لدينا شخص مختلف، متفوق أو مبدع في أي مجال، حتى نسلط عليه الأضواء الكاشفة، فتهرع كافة وسائل الإعلام للاحتفاء به، وكأنه مخلوق فضائي هبط علينا! ولأن الكثير من الضوء يعمي، فهذا قد يفسر لماذا يحترق المتميزون والمبدعون سريعاً في عالمنا العربي مقارنة بمناطق أخرى في العالم. فقد اعتدنا الحديث عن دور الإهمال في القضاء على المواهب في المجتمع وتضييعها، لكن ماذا عن الاهتمام الذي يصنف على أنه “أكثر مما ينبغي”؟ خاصة لصغار السن من الشباب، الذين لم تصقلهم التجارب بعد، ولم تعلمهم كيف يستثمرون نجاحاتهم بشكل صحيح ليطيلوا عمر شموعهم، وممن لم يجدوا مرشدين أو معلمين يبصرونهم بتلك الحقيقة.
حين تصفحت العدد الأخير من مجلة “فوربس” في نسختها العربية، وجدت قائمة بالأشخاص الأكثر ثراء في المنطقة العربية، ولاحظت أن الوجوه المعروفة من بين هؤلاء للعامة قليلة جداً، ومعظمها عُرف بحكم مكانة العائلة، أو الاشتغال بالسياسة، وليس من خلال أعمالهم، فيما النسبة العظمى إما لم نسمع بأسمائهم قط، أو نعرفهم فقط بالاسم فقط. فهل ليس لدى هؤلاء الناجحين مادياً ما يقولونه في برامج تلفزيونية؟ أو ما يعملونه في دورات تدريبية؟ أو ما ينظرون به في وسائل الإعلام الاجتماعية؟ بالطبع لا، فلدى جلهم خبرة تراكمية لا تقدر بثمن، لكنهم مشغولون بتحقيق النجاح، وليس لديهم فائض من وقت ليقضوه في الاستعراض، فكل دقيقة من وقتهم تساوي الملايين.
بالمقابل لو نظرنا إلى شباب تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والخامسة والثلاثين تقريباً، وقد تصل إلى الأربعين في أقصى تقدير، وكانوا حتى الأمس القريب مجهولين تماماً، ثم قام أحدهم بتسجيل هدف، أو تأليف رواية، أو كتابة قصة، أو نشر بحث علمي متميز، أو الحصول على جائزة مرموقة أو حتى مدفوعة الثمن، أو القيام بعرض كوميدي، أو تقديم برنامج إذاعي أو تلفزيوني خفيف، أو المشاركة في واحد من برامج المواهب الغنائية، أو إلقاء محاضرة عن الإعلام الاجتماعي، حتى نفاجأ بأن الإعلام بكل أنواعه صار موجهاً عليه، نافخاً له، فتراه على شاشات كل الفضائيات، وتقرأ مقابلاته في كافة الصحف والمجلات المطبوعة والإلكترونية، وتجده يدعى للحديث في المحافل الوطنية والعربية.. باختصار يصبح نجماً بشكل فجائي وسريع وغير متوقع لأحد، وأولهم هذا الشخص نفسه!
وفي غياب النقد الموضوعي، والنصيحة الصادقة، يصاب نجمنا بداء النرجسية. ومع أن التاريخ يحفظ لنا أسماء كثيرة لمبدعين مغرورين، إلا أنه برأيي فأولئك أصيبوا بالغرور بعدما نجحوا في الوصول إلى القمة بعد سعي طويل ودؤوب، بعد أن نضج إبداعهم، ونضجوا هم كأفراد، فصاروا يدركون قيمتهم الحقيقية، ولهذا استطاعت النرجسية، في حالات محددة، التعايش مع التفوق والإبداع. إلا أنه في حالة نجومنا الذين انتقلوا من الدور الأرضي إلى الثلاثين بمصعد يعمل بسرعة الضوء، ولم يستخدموا السلالم أبداً، فهي تصيب إبداعهم في مقتل، تحرق الكعكة، وتطفأ الشمعة! لأن التركيز لم يعد على العمل نفسه وتطويره وتطوير أنفسهم، بل تحول في أحيان كثيرة إلى عملية تسويق وعلاقات عامة، يظن النجم فيها أنه عارض أزياء، وتعتقد من خلالها النجمة بأنها جديرة بالترشح لجائزة نوبل!
فيصبح بعضهم أسيراً للعمل الواحد الذي حقق له هذا النجاح والتفوق، غير قادر على الخروج من إطاره فينتهي، فلا يصبح الكاتب كاتباً بعد كتابة مقال واحد، ولا المغني مغنياً بعد أن يشدو بأغنية واحدة، ولا الروائي روائياً برواية واحدة. آخرون يقعون في فخ التكرار الممل، أو وهو الأسوأ، الإسفاف والاستخفاف، فيخرجون، ليس فقط عن النص، وإنما عن الذوق والآداب العامة، ويشعر الجمهور الفطن بهذا، فيبدأ بوصف العمل “بالبايخ” والشخص نفسه بالسماجة! وشيئاً فشيئاً ينفض السُمار، دون أن ينتبه النجم الذي انتفخ وصار مقتنعاً بأن الأمهات عقمن أن ينجبن مثله! وحين ينتبه يكون الوقت قد فات كثيراً لتدارك ما قد حصل، فيخسر الشخص تميزه، ويخسر المجتمع إبداعاته.
كيف كان يمكن تلافي ذلك؟
ببساطة، عن طريق إنزال كل شخص قدره، وعن طريق جعل النقد الهادف يمشي بالتوازي مع المديح والاحتفاء. مثلاً حين تنشر الصحف خبر فوز مبتعث بجائزة ما، نريد مع الخبر رأياً لخبير محلي في تخصصه يخبرنا عن أهمية هذه الجائزة علمياً في واقع الأمر، وقيمة بحثه أكاديمياً، وكيف يمكن أن يستغل هذا النجاح مستقبلاً. وحين يخرج علينا شاب صغير برواية مختلفة، لا نطير به ونقول عنه “نجيب محفوظ السعودية” فنظلم الفتى ونظلم الأستاذ نجيب محفوظ، وإنما يحتفي النقاد لمواطن التميز في إنتاجه الأدبي، وينبهونه إلى الثغرات في عمله الأدبي لجهة اللغة أو الأساليب أو الصياغة، حتى يخرج عمله الثاني – بإذن الله- بشكل أفضل. والأمر عينه ينبغي أن يحصل مع نجوم اليوتيوب الذين تكاثروا بطريقة الأرانب في زمن قياسي، ففي البداية كانوا هواة نتعامل معهم على هذا الأساس ونشجعهم، لكنهم صاروا محترفين، لديهم رعاة ومعلنون، ويقومون بجولات داخل القطر وخارجه، ويحققون مكاسب مادية جيدة، وبالتالي فلا بد من نقد أدائهم بموضوعية فنياً وأخلاقياً. فبعض شبابنا أخذوا من “الستاند آب” في الكوميديا الغربية ما هو أكثر من الاسم، استوردوا الشتائم واللعن والإيحاءات الجنسية، وهذا عيب ولا يليق بالفنان ولا الجمهور الذين من بينهم أطفال يتطلعون إليهم بإعجاب.
همسة أخيرة في أذن النجم أو النجمة: قيمتكم تكمن فيما تحسنون القيام به، ومعظمكم بالفعل موهوب ومتألق، ولكن شهرتكم تأتي من حب جمهوركم لكم، والذي بدوره يغذي اهتمام وسائل الإعلام ومنظمي المناسبات بكم، ومتى ما شعر جمهوركم بتعاليكم عليه فسينفض عنكم، وتعودون بعدها فجأة كما كنتم سابقاً، أشخاصاً عاديين لا يعرفكم أحد، وتعيشون بقية عمركم على ذكرى الخمس عشرة دقيقة من الشهرة التي كانت – ذات ساعة- لكم، كما بشر بذلك الفنان الأميركي “آندي ورهول” في ستينات القرن الماضي حتى قبل أن تولدوا!
May 22, 2013
احتراف “اللصمقة” إلى متى؟
اللصمقة..كلمة عامية من اللهجة الحجازية، وتعني إتمام الشيء بسرعة وقلة اهتمام وبالتالي غياب الإتقان والجودة، وتختزن الذاكرة الشعبية موروثاً من الأمثال التي تدور حول المعنى نفسه مثل “طبطب وليّس..يطلع كويس”، وفي كلها إشارة إلى “ضرب العمل على قلبه” والانتهاء منه بأسرع ما يمكن للتخلص من المسؤولية، بغض النظر عن المخرج النهائي. الغريب أننا في أمورنا الشخصية مثل مناسباتنا، وبيوتنا، وملابسنا، نحرص على أن يكون كل شيء كأفضل ما يكون. بالمقابل، حينما يتعلق الأمر بأداء واجباتنا، ووظائفنا، وأعمالنا، وخدماتنا، الحكومية والتجارية، يبدو كما لو أننا ننتقل إلى النقيض في لمح البصر، وكأننا احترفنا أو أتقنا عدم الإتقان!
فلماذا يصبح مقبولاً أن يتعامل موظف الجوازات مع القادمين بملل؟ لماذا نقبل أن تكون مطاراتنا على حالة من الفوضى لا تليق بدولة نفطية ناهضة؟ لماذا تدهور مستوى خطوطنا الجوية، وهي احدة من أعرق الخطوط الجوية في المنطقة، بعد أن كانت يوماً من أفضل الخطوط العالمية؟ لماذا شوارع الكثير من مدننا بائسة رغم الامكانيات الهائلة والمبالغ الضخمة التي تضخها الدولة؟ ولماذا يصبح من الطبيعي أن يقود الناس في شوارعنا بهذه الطريقة الهمجية المميتة بينما هؤلاء أنفسنا يلتزمون بكل قواعد السير حالما يغادرون أرض الوطن؟ لماذا استمرأنا مخالفة القانون؟
لماذا حين تزور فندقاً من فئة الخمسة نجوم، يأتيك إحساس بأنه لا يستحق نصف هذه النجوم إذا ما قارنته ليس بفنادق أوربا وأمريكا وإنما بفنادق الدول الخليجية المجاورة؟ ولماذا حين تتقدم بشكوى لسوء تعامل في مستشفى خاص أو مصرف بنكي ينظر إليك الجميع على أنك شخص “مشكلجي”؟! بدل من شكرك لأنك اتبعت الخطوات المناسبة لإيصال رأيك للمسؤولين.
لماذا نقبل بأن تتجمع في الأراضي البيضاء بقايا مواد البناء، والأثاث القديم، وأشجار النخيل الميته، وبعض الإطارات التالفة؟ ألا يؤذينا تشويه المنظر العام للبلد؟ ألا يؤذي القبح أعيننا ويغمرنا بالكآبة مع مطلع يوم جديد فنذهب لأعمالنا بنفسية لا تساعد على الإنجاز؟
كيف نرضى أن تستمر بعض معاملاتنا في الدوائر الحكومية أو في المحاكم القضائية شهوراً طويلة بل سنوات تتعطل فيها مصالح العباد..مصالحنا نحن أهل هذه البلاد والمقيمون فيها؟ لماذا يبدو أحياناً هذا الوطن الرائع والطافح بالخيرات والطاقات، وكأنه سلحفاة معمرة ضخمة تمشي ببطء لا يعنيها أن يسبقها العالم؟!
وحتى على الصعيد الاجتماعي، لماذا تتأخر كل هذه القرارات المصيرية كل هذا الوقت لإقرارها، ومنها فتح مجالات جديدة لعمل المرأة، وحل مشكلتها مع المواصلات، واقتطاع النفقة من راتب الأب أو الزوج، ووضع قانون للأحوال الشخصية مستمد من شريعتنا الغراء، يوقف عبث الجاهلية، من حجر على البنات، أو تزويجهن قسراً، أو تزويجهن دون علمهن وهن قاصرات، أو قضايا الحضانة، فهي أمور نعرف بأنها ستقر في نهاية المطاف، هكذا يقول العقل والمنطق وحتى الحراك المحلي والوضع الإقليمي والدولي، فلسنا بدعاً عن جوارنا الذي يشابهنا في الدين والعادات والتقاليد من صنعاء وحتى الكويت، ومع ذلك فقد تجاوزوا الكثير من الأمور التي لا نزال “نلت ونعجن” فيها منذ قرن! فلم لا يكون الإقرار عاجلاً إذاً؟
لماذا يغيب الترفيه البريء؟ لم يضطر المواطن السعودي أن يعبر الحدود كل أسبوع ليشاهد فيلماً سينمائياً في صالة عرض مع عائلته؟ لماذا تمتلئ بلادنا بكل هذه الجمال وفيها كل هذه الامكانيات المادية والبشرية ومع ذلك يغادرها أهلها بالملايين في أصغر إجازة وأكبرها لغياب المشاريع الترفيهية التي تتواجد عند الجيران؟ كيف لم ننجح في جعل الطائف أو أبها أو الباحة مصايف عالمية تجذب المواطنين والخليجيين الهاربين من حرارة الصيف القائظ في معظم فصول السنة؟ كيف لم تصبح جدة – عروس البحر الأحمر- مركزاً من مراكز الغوص العالمية للتمتع بمشاهدة ثروات البحر الأحمر المرجانية الجميلة، في حين نجحت في ذلك المنتجعات المصرية على الضفة الأخرى مع الفارق في الامكانيات؟ ليس شرطاً أن تُبنى السياحة على المحرمات من العري والخمر والقمار وغيرها، إذ نستطيع أن نبتكر لوننا الخاص من السياحة المحتشمة. بل كيف فرطنا في آثارنا الإسلامية التي كان يمكن أن تجعل من سياحتنا مصدراً للدعوة مع الكسب المباح حين نحيي في نفوس الناس تاريخ دينهم ونذكرهم بما فقدوه من حضارة أمتهم؟
كان لهذه البلاد شرف الريادة في كل شيء تقريباً في الجزيرة العربية، ولازلنا مولعين بالاحتفاء بهذه الأولية وبكل أسماء التفضيل الأخرى: أكبر، أضخم، أجمل، أشمل، ولكن هل الأولية أهم من الاستمرارية؟ جميل أن تحوز قصب السبق في مجال ما، لكن التحدي الحقيقي هو أن تحافظ على هذه الريادة، بل وتذهب بها إلى مدى أبعد.
هل لا توجد إيجابيات وإنجازات نفخر بها؟ بالطبع هناك الكثير جداً، لكنني حين أرتدي نظارة الإتقان التي تجعل المعايير التي أحكم بها وأرضاها لوطني عالية جداً، فستزعجني حتى خربشات المراهقين على الأسوار، وسأطالب بالتصدي لها.
سيحل اليوم الوطني بعد أربعة أشهر تقريباً، وسيخرج الآلاف للشوارع لينشروا الفوضى بدعوى الوطنية، وستمتلئ الصحف بعشرات المقالات التي تتغنى بحب الوطن، وسيأتي كبار التجار لينشروا التبريكات للقيادة الرشيدة على صفحات الجرائد، وستعرض التلفزيونات البرامج التي تتحدث عن نهضة المملكة، فيما ستنشغل الإذاعات ببث الأغاني الوطنية والتبريكات الشعبية، وكل هذا جميل (باستثناء الفوضى في الشوارع طبعاً)، لكن ما الذي يضيفه – للأمانة- للوطن؟ كيف يخدمه ويدفع باتجاه رفعته؟
إن كنت وطنياً حقاً فلا تقبل منذ اليوم إلا الافضل لوطنك، لا تقبل من نفسك سواء كنت طالباً أو موظفاً أو مسؤولاً إلا أن تقدم الأفضل والأكمل والأجمل، لا تقبل أنصاف الحلول، ولا تقتنع بالأعذار، اجعل هدفك الإتقان المطلق على مستواك الفردي وعلى مستوى من تؤثر فيهم، فباحتراف الإتقان يبدع وطنك، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي وإنما الدولي، أما “اللصمقة” فمع كل خطوة للأمام، تعيده خطوتين للخلف، أفلم تشتاقوا لأن تكونوا ووطنكم في المقدمة؟
أطفالنا و”تويتر” والعالم السفلي للتقنية
ساعد انتشار الهواتف المحمولة الذكية على أن يصبح استخدام الإنترنت متاحا لشرائح واسعة من المجتمع، بشكل ما كان متحققا قبل ذلك. إلا أن الوجه الجميل الذي نعرفه للتقنية يخفي خلفه وجها آخر شديد القبح، يتضمن مواقع الجنس المحرم، والشذوذ، والتحرش بالأطفال، وترويج الممنوعات، وتسميم الأفكار، واستقطاب الشباب لمنظمات مشبوهة، وصناعة الإرهاب، وغيرها. وهذا الحال يشتكي منه العالم كله، وكنا حتى وقت قريب في منأى عن كثير من هذه السلبيات لكون الإنترنت في السعودية مراقبا من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية سابقا، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حاليا، فيتم حجب جل هذه المواقع السيئة. وصحيح أن هناك من استطاع منذ البداية أن يزيل الحجب ويبحر في عالم الإباحية، لكنها تظل فئة قليلة، وتظل الشرائح الأهم، الأطفال والقصر، في منأى عن رؤية هذه الأمور التي لا تناسبهم لا سنا ولا دينا.
مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر وفيسبوك ويوتيوب، لاسيما بتطبيقاتها على الهواتف المحمولة، تبرز لنا تحديات جديدة في هذا المجال، خاصة وأن الأجهزة اللوحية، والهواتف المحمولة باتت منتشرة لدى الأطفال بشكل غير مسبوق. فلم يعد غريبا أن تجد طفلا في الثالثة من العمر يلهو بجوال والدته، أو آخر في الخامسة كانت هدية والديه له جهاز آيباد! والأطفال يقضون أوقاتا طويلة مع هذه الأجهزة بمفردهم في أغلب الأوقات. والمشكلة أن هذه المواقع، والتي صممت أصلا للكبار، قد اختلط فيها الحابل بالنابل، ففي يوتيوب مثلا مقاطع رائعة مخصصة للأطفال، وفيه أيضا مقاطع يندى لها الجبين.
والأمر في تويتر أسوأ، لأنه قد لا يلفت انتباه الوالدين أبدا، فرغم الوقت الطويل الذي أمضيته على تويتر منذ عام 2007 إلا أنه ستمضي خمس سنوات قبل أن أشاهد الوجه الآخر له! فعن طريق خطأ في كلمة البحث ظهرت لي نتائج لم أكن أتوقعها، وحين تصفحت أحدها جرني إلى حساب آخر مشابه، وهكذا وجدت نفسي فجأة في ما يشبه – عذرا – دار دعارة “إلكترونية” متكاملة! لا أستطيع حتى أن أصف بشاعة الكلمات والصور الموجودة، والتي تمثل أدنى درجات الانحطاط الإنساني، والأسوأ أن هؤلاء المرضى يمارسون فسوقهم ويروجون له من داخل مجتمعاتنا، وباللغة العربية.
وإذا كانت الإباحية تمثل الوجه البشع لتويتر، فإن هناك أيضا الجانب العقدي. لا أتحدث عن الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، ولا عن المناظرات بين المسلمين والمسيحيين، وإنما أتكلم عن الكفر البواح، والإلحاد الصريح، والسخرية المتعمدة من كل مقدس. ندرك وجود الكفريات والإلحاد في العالم، وهناك كتب وأفلام مسيئة منذ الأزل، لكن أن يكون الأمر مفتوحا ومتاحا على هذا النحو، وبلغتنا، بحيث أن أي طفل يستطيع القراءة يمكن أن يطلع على هذه الكتابات السيئة، لهو أمر مثير للقلق، خاصة وأن هؤلاء “المسلمين المرتدين” يستهدفون التشكيك في الغيبيات، التي نؤمن ونصدق بها قطعيا، لكن ليس سهلا أن تثبت وجودها لشخص غير مؤمن، أو تشرحها لطفل يطالبك بالدليل على صحتها وعقله يعجز عن استيعاب حتى المفردات التي تريد استخدامها معه.
هناك من يقترح أن تتم مخاطبة إدارة تويتر بشأن حجب هذه الحسابات، وأتمنى لو كان ذلك ممكنا، لكنني أتصور بأننا سندخل هنا في قضية ثقافية وقانونية، فتويتر في النهاية منتج أميركي، وفي أميركا لا ترى القوانين بأسا من وجود حسابات تروج مثلا للعلاقات المثلية بين الراشدين، في حين أن الإدارة حجبت بالفعل، بحسب ما ذكرته بعض المواقع التقنية في المملكة المتحدة، حسابات أنشئت في بريطانيا للترويج للجنس مع الأطفال، لأن القانون الأميركي يمنع مثل هذه الممارسات ويجرمها، وهكذا فإن في اتفاقية استخدام تويتر عبارة واضحة ترجمتها ما يلي: “لن نسمح أو نتساهل مع الاستغلال الجنسي للأطفال على تويتر”، يليه توضيح للقانون الأميركي بهذا الخصوص. ومع ذلك فقد وجدت مواقع مقالات أجنبية تتحدث عن عدم رضاها بدرجة التزام إدارة تويتر بهذا الخصوص، وأنه ما زال مليئا بحسابات تستخدم لغة غير مريحة وتضع روابط لفيديوهات فيها استغلال جنسي للأطفال. وقد ذكرت صحيفة “يو إس إيه توداي” الأميركية بأن بعض المتحرشين بالأطفال باتوا يستخدمون الشبكات الاجتماعية تحديدا للإيقاع بالأطفال.
هل هذه دعوة إذاً للتضييق على الحريات وحجب مواقع التواصل الاجتماعي داخل المملكة؟
بالطبع لا، وكم أتمنى لو كانت هناك طريقة تسمح بحجب الحسابات السيئة كما هو الحال مع المواقع الإباحية وغيرها ضمن نطاق جغرافي محدد، لكن يبدو ذلك متعذر تقنيا إلى حد كبير حتى الآن . في هذه الحالة لا يبقى أمام الوالدين إلا أن يعملوا على توعية أطفالهم أولا، وبطريقة لا تحفز على الفضول، لكن توضح لهم ما يجوز وما لا يجوز، وأيضا أن يراقبوهم بأنفسهم، فلا يسمحون لطفل صغير بالفعل بإنشاء حساب في تويتر، وموقع الفيسبوك على سبيل المثال يشترط عمر الثالثة عشرة كحد أدنى، وإن حصل ذلك كما هي الحال مع المراهقين، فلا بد من أن يتواجد الوالدان عليه أيضا، وبالتالي يراقبون نوعية المتابعين لأبنائهم، والمتابعين من قبل أولادهم، وأن تتم مناقشتهم باستمرار في نشاطاتهم الشبكية سواء ما يقرؤونه أو ما يكتبونه. ويجب أن يطلب من الطفل استخدام التقنية أمام الجميع وليس في غرفة نومه، مع الرفض التام لوجود كلمات سر للأجهزة والإلكترونيات. ويمكن معرفة عما يبحث الطفل أو المراهق مثلا عبر مراجعة تاريخ البحث في المتصفحات، وفي تطبيق تويتر نفسه. كما توفر معظم الأجهزة المحولة مساعدة بسيطة في هذا المجال عن طريق الإعدادات التي تسمح بالقيود والتحكم بالخصوصية، هذا إذا لم يكن الولد ذكيا بما يكفي لمسح آثاره، وهنا يبرز تحد آخر، فجل الأطفال هم أفضل في استخدام التقنية من أهاليهم!
الأطفال أمانة في أيدي أهاليهم، ما داموا يعيشون في كنفهم، ويقعون تحت السلطة المباشرة لهم، ماديا ومعنويا، وتركهم يبحرون في الشبكة العنكبوتية بلا حسيب أو رقيب هو تضييع للأمانة وإساءة للمجتمع.
April 24, 2013
شؤون عائلية!
مشهدان ترصدهما العين في مدينتين عربيتين أو في المدينة عينها، توضحان التناقض الصارخ الذي يسكن عقلية المجتمعات العربية تجاه المرأة وتجاه مؤسسة الزواج، حتى ونحن في العقد الثاني من الألفية الجديدة.
المشهد الأول، في مكان عام، رجل عربي ينهال بالضرب أو الإهانة الصارخة على زوجته التي تبدو مسلوبة الإرادة، وقد يكون الضرب عبارة عن صفعة تأديبية لاختلافهما على شراء سلعة ما، وقد يصل إلى درجة التعذيب الذي يمارس في السجون السياسية العربية، أو ما يقوم به كل من “الشبيحة” وأفراد من الجيش الحر في سورية الشقيقة – فرج الله عن أهلها – تجاه الآخر، من ركل وصفع وجر على الأرض، وسحب للشعر ودوس على الوجه بالأقدام! والناس تمر بجانبه ولا تجرؤ أن تتدخل، فالأمر في النهاية شأن عائلي خاص، لا ينبغي التدخل فيه، فكل رجل يسوس بيته بالطريقة التي تناسبه، وهذا الفكر هو عماد الأسرة العربية.
المشهد الثاني، في مكان عام أيضا، خاصة في الدول والمدن والقرى العربية الأكثر محافظة، يصل للرجل نبأ سار، فيبادر لاحتضان زوجته وشريكة حياته، أو يكونان معا في مطار يودعان بعضهما البعض قبل الفراق، فيضمها في رفق، وتربت على ظهره في حنان، في مشهد من أجمل مشاهد المودة والرحمة، ونحن لا نتحدث هنا عن مشاهد العشاق الحميمة في الأفلام الأميركية أو المسلسلات التركية، وإنما عناق وسلام المودة والرحمة، والذي لا يختلف كثيرا عن سلام أخت على أخيها، أو أب على ابنته، أو ابن مع أمه. ومع هذا يواجه هذان الزوجان النظرات الغاضبة، وعبارات الاستغفار، ويتطوع أحدهم ليذكرهم بأن للعرب عاداتهم، وأن هذه المشاهد لا تليق في الأماكن العامة، يستوي فيها إن كانت بالحلال أو الحرام! والغريب أن الرجل ذاته قد يصرح بأنه يقبل والدته في مكان عام قبل سفرها، لكنه لا يفعل ذلك مع زوجته، لأن هذا عيب وفيه خدش للحياء العام. وكأن الزوجة التي أنجبت الأطفال، وغسلت الثياب، وأعدت الطعام، وكانت وما زالت الحصن والسكن والوطن، لا تستحق الحب والرعاية والاهتمام والشوق مثل الأم.
المثير للاهتمام في هذين المشهدين هو أنه حين يتعلق الأمر بالإساءة للمرأة تترك المرأة تواجه مصيرها؛ لأن الأمر شأن عائلي، ولكن حين يحسن زوج لها، أو يعطيها حقها الطبيعي، أو يسمح لها بممارسة حريتها في العمل أو السفر أو الدراسة، يلام الزوج/الأب/الأخ، ويجد فجأة بأن أبسط قضية أسرية، والخاصة بهذه الأسرة وحدها، قد صارت قضية رأي عام، يدلي فيها الكل بدلوه، ويجد محرما بل محارم آخرين ينافسونه في الوصاية على أهل بيته!
وإذا انتقلنا من المنطقة العربية وهذه المشاهد المؤسفة، إلى مناطق من بلاد المسلمين أكثر قتامة وظلمة حيال المرأة، لا سيما في أفغانستان وأرياف باكستان وكردستان وتركيا، سنجد ممارسات أكثر بشاعة ضد النساء، عجزت كل الحكومات المتعاقبة في إيقافها، فحتى الدولة العلمانية التي غيرت لغة القوم ولباسهم وحاربت كل مظاهر دينهم، لم تنجح في القضاء على ممارسات فاسدة مثل زواج القاصرات أو جرائم الشرف في مناطقها القروية والريفية. وتحمل تقارير منظمات حقوق الإنسان عشرات القصص عن نساء مورس عليهن عنف وحشي بمباركة المجتمع وتغافل الحكومات. فهناك قصص النساء اللاتي سكب أزواجهن عليهن قناني مملوءة بماء النار فتشوهت وجوههن للأبد، وأخرى جدعوا أنفها لأنها هربت من بيت زوجها، وثالثة حكم عليها بالاغتصاب الجماعي انتقاما من نشوء علاقة حب بين أخيها وهو من أصل وضيع بعرفهم وبين فتاة من أصل رفيع. وكل هذه قصص موثقة بالصوت والصورة وليس فيها خيال أو تضخيم.
ومع أننا لا نبرئ ساحة المنظمات الدولية وهيئات حقوق الإنسان وغيرها من ممارسة بعضها للنفاق الفج، بين إدانتها لهذه الممارسات الشيطانية في البلاد العربية والإسلامية، وبين صمتها أو صوتها الخفيض لما يحصل في فلسطين المحتلة خاصة، أو في الدول الواقعة تحت الاحتلال الأميركي، إلا أن هذا لا يعني بأن جل ما يأتي في هذه التقارير غير صحيح، وأنه مجرد محاولة لتشويه صورة المجتمعات العربية المسلمة، فهذا رد طفولي وساذج يردده الكثير من أبناء هذه البلدان كما حكوماتها، وكأن الإنكار سيحل المعضلة. وكان الأولى أن يفتحوا تحقيقا فوريا في الأحداث المنسوبة علهم ينقذون به أرواحا بريئة. ولا أستطيع إلى الآن أن أفهم كيف نجحت دول عربية في تمرير سلامها مع إسرائيل، وتبرير إقامة علاقة كاملة معها لشعبها، ولم تنجح في تمرير تشريعات صارمة تمنع جرائم الشرف عبر برلماناتها المنتخبة!
يعارض الكثيرون الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق المرأة، مثل اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة، والمعروفة اختصارا باتفاقية “سيداو”، إذ يعتقدون بأن بعض بنودها تعارض الشريعة، بل وتهدد قيم الأسرة العربية والمسلمة، ويدبجون المقالات لذكر مساوئها. وبما أن الاتفاقية دولية، وموضوعة من قبل أشخاص لا ينتمون إلى حضاراتنا ولا ديننا، فلا أستغرب أن يكون معهم بعض الحق. لكن في المقابل ماذا قدمنا نحن للمرأة في بيئتنا الإسلامية لنضمن لها الحياة الكريمة؟ نعم جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام منصفة للرجال والنساء، لا شك في ذلك، ولكن كيف ترجمنا هذه الأحكام إلى قوانين حديثة مكتوبة وقابلة للتطبيق؟
قبل أن ننتقد “سيداو” وغيرها: أين الوثيقة الإسلامية الدولية لحماية المرأة من العنف ومحاربة التمييز غير الشرعي وغير الأخلاقي ضدها؟ أم أن القضية أيضا شأن عائلي؟
April 22, 2013
الحوسبة السحابية.. هل تتغلب الميزات السحرية على الهواجس الأمنية؟
يُرتقب أن يكون للحوسبة السحابية من الأهمية والتأثير على حياتنا مثل ما نتج عن ولادة شبكة الإنترنت نفسها. نتحدث اليوم في 2012 عن الحوسبة السحابية على أساس أنها حلول تقنية جديدة نسبياً لجهة تبنيها من قبل الشركات، لكن الخبراء يتوقعون بأنه في أقل من عقد، وفي العام 2020 على وجه التحديد ستشغل الحوسبة السحابية جزءاً أساسياً ودائماً من البنية التحتية لمعظم الأنظمة التقنية التجارية. تقدِّم الكاتبة والمتخصصة في علوم الحاسبات د.مرام مكاوي في هذا المقال تعريفاً عنها يشرح ميزاتها المتعددة والهواجس الأمنية المحيطة بها.
يقولون إن الحاجة أم الاختراع، واهتمامي الشخصي بالحوسبة السحابية جاء بعد حادثتين تعرضت لهما وهما تشكلان مثالين ممتازين عن أسباب حاجتنا لمثل هذه التقنية.
الحادثة الأولى تمثلت في انسكاب مقدار بسيط من قنينة ماء على جهازي المحمول، ولم تكن المشكلة في العطب الذي أصابه بقدر ما كانت في أنني قد تكاسلت عن عمل نسخ احتياطية لملفاتي المهمة وبالتالي فقدت بعضها للأبد. أما في الحادثة الثانية فقد احتفظت بملفات تحوي صوراً عن أوراقي الرسمية في ذاكرة تخزينية محمولة كنسخة إضافية، لكن هذه المرة لم يكن الجهاز هو الضحية، ولكن الذاكرة التي فُقدت وحساسية المعلومات الموجودة عليها والخوف من استغلالها في عمليات انتحال الشخصية (identity theft).
فبدأت بالتفكير في حلول أخرى لحفظ البيانات المهمة، بحيث يتوافر فيها الأمان بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها من أي جهاز فكانت بداية علاقتي بالحوسبة السحابية.
ما هي الحوسبة السحابية؟
لعل أبسط طريقة لتحقيق فهم مبدئي عن الحوسبة السحابية هي النظر إليها على أنها تطبيق موجود على الإنترنت وأنت قادر على استخدامه دون الحاجة لمعرفة أية تفصيلات تقنية عنه، فكل ما تحتاج إلى معرفته من أجل الاستفادة من الخدمات التي يقدِّمها هي معرفة اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بك. والسحابة هنا ترمز لشبكة الإنترنت نفسها، فأنت ستستخدم التطبيق بنفس الميزات كما لو كان محملاً على جهازك الخاص، مع ميزة إضافية تجعل هذا النوع من الحوسبة وتطبيقاتها أكثر إغراءً هو أنك الآن تستطيع أن تستخدم التطبيق من كافة أجهزتك المحمولة وغير المحمولة بما فيها الهواتف الذكية، وأي تغيير تجريه من خلال أحد هذه الأجهزة، ستجد أنه قد تمت مزامنته (Synchronised) عبر كافة الأجهزة الأخرى.
الحوسبة السحابية تعني بأن الحوسبة تستخدم كخدمة يتم الاشتراك فيها عبر الإنترنت وليس كمنتج يتم شراؤه وتنصيبه على جهاز المستخدم. ولأنها خدمة اشتراك فهناك عدد كبير من الشركات التي تقدِّم هذه الخدمة ولكل شروطها
المختلفة وأنواعها المتعددة. فهناك شركات تتيح للأفراد أو الشركات مثلاً مساحة تخزينية مجانية محددة في السحابة الإلكترونية وفي حالة الرغبة في زيادتها فأمامهم خيارات عدة، فإما اشتراكات شهرية أو سنوية، أو اشتراك يدفع مرة واحدة كرخصة استخدام، وهناك خدمة الدفع بحسب الاستعمال، مما قد يوفر مبالغ كبيرة تصرف على أجهزة أو برامج ومساحات تخزين غير مفعلة بشكل كامل.
ويمكن لهذه السحب الرقمية أن تكون عامة، بحيث يتاح لأي عميل الوصول إليها عبر بيانات اشتراكه، وقد تكون أيضاً خاصة بشركة ما وموظفيها، أو قد تكون هجيناً بين السحابتين (العامة والخاصة) وهي ما تعرف بالهايبرد (Hybrid). وهناك نوع رابع يعرف بسحابة المجتمع (Community Cloud) وهي التي تستخدم من قبل مجموعات لها خصائص محددة مشتركة وتريد أن تتواصل مع بعضها وتتشارك في الموارد عبر الشبكة مثل المجتمعات التعليمية أو البحثية أو الأمنية.
لمحة تاريخية
والحوسبة السحابية ليست جديدة تماماً ولكنها في السنوات الأخيرة باتت متاحة للمستخدمين خارج مراكز الأبحاث والشركات العملاقة، ويعود الفضل لعالم الكمبيوتر الشهير جون مكارثي في تشكيل تعريف أو تصور مبدئي لفكرتها في الستينيات من العام الفائت حيث قال: «الحوسبة يمكن أن تُنظم ذات يوم بحيث تُعد مثل مؤسسة منفعة عامة» على غرار مؤسسات الخدمات (الماء والكهرباء)، وفكرته هذه تم البناء عليها وتطورت حتى وصلنا إلى الحوسبة السحابية التي بين أيدينا اليوم.
وكان لشركة أمازون دور كبير في تشكيل خدمات الحوسبة السحابية التي نتعامل معها اليوم حين أطلقت في العام 2006 خوادم الويب الخاصة بأمازون (Amazon Web Services). وفي 2007 ظهرت تطبيقات غوغل السحابية عبر بريد غوغل وتقويمه ومستنداته وبقية حزمة التطبيقات. وفي العام 2008 ظهر برنامج نيبولا (OpenNebula) الذي كان أول برنامج مجاني يسمح للشركات الراغبة بتقديم خدمات السحب الخاصة والهجينة عبر الحوسبة السحابية، وكان له أثر كبير في مسيرة وتطور خدمات السحب الإلكترونية.
وأعلنت شركة آبل في 2011 عن سحابتها الخاصة آي كلاود (iCloud)، والتي استبدلت بها برنامجها القديم للمزامنة بين أجهزتها والمعروف بموبايل مي (MobileMe). وبعدها قيام شركة مايكروسوفت بإطلاق خدمة أوفيس 365 (Office 365) والتي تقدّم من خلالها برامجها المكتبية الشهيرة أيضاً عبر سحابتها. وبذلك تشتعل المنافسة في مجال الحوسبة السحابية بين العمالقة الأربعة الكبار: أمازون وغوغل ومايكروسوفت وآبل، التي ستكون في صالح المستخدم النهائي.
سمات الحوسبة السحابية
بشكل عام هناك خطوط عريضة تجمع عليها المصادر المعتبرة التي تجعل خدمة ما تصنف على أنها حوسبة سحابية. فمن أبرز هذه الشروط أن تكون خدمة تقدَّم عن بُعد من قبل طرف ثالث وأن يتم الاتصال بهذه الخدمة بشكل رئيس عبر الإنترنت، وأن تعتمد هذه الخدمة على المشاركة في المصادر والموارد المختلفة (نظام التشغيل، مخازن البيانات والخوادم، منصات البرامج) بين المستخدمين.
أيضاً ألاَّ تحتاج إلى مهارات تقنية من قبل المستخدم لمعالجة الجوانب التقنية (الأمن، النسخ الاحتياطي، التحديثات، إصلاح الخلل والأخطاء) أو تحتاج إلى حد أدنى من ذلك. وأن يتمكن العميل من طلب هذه الخدمة بشكل مباشر عبر الإنترنت ويحصل عليها بشكل فوري أو شبه فوري، وتكون قابلة للتمدد والإنكماش بسرعة وسهولة (rapid elasticity) بحسب حاجته مثل زيادة المساحة التخزينية أو تقليصها، أو إضافة مستخدمين جدد أو حذفهم، كما من المهم في حالة لم تكن الخدمة مجانية أن يكون لها نظام تسعير واضح يفرق بين أنواعها ومزاياها المختلفة.
ولعله من المفيد هنا لفهم خصائص الحوسبة السحابية أن نلقي شيئاً من الضوء على ما لا يدخل في نطاقها. فمثلاً استئجار خادم بعينه من مركز بيانات لأداء مهمة محددة مثل استضافة موقع إنترنت، حتى لو كانت عملية الإيجار تتم عبر اشتراك مدفوع بشكل شهري أو سنوي،
لا يعد من خدمات هذا النوع من الحوسبة. وكذلك لا يصنف اتصال الموظف بجهازه المنزلي أو المكتبي عبر تطبيقات الاتصال عن بعد VPN كحوسبة سحابية.
أنواع الحوسبة السحابية بحسب المميزات التي تقدِّمها
هناك ثلاثة نماذج رئيسة يمكن أن تصنف خدمات الحوسبة السحابية من خلالها:
النموذج الأول: البرمجيات كخدمة ويرمز لها بـ SaaS Softwar as a Service حيث يتم تقديم حزمة من البرامج التي يمكن الوصول لها عبر الويب ومن أمثلتها تطبيق خدمة إدارة علاقات العملاء CRM.
والنموذج الثاني: منصة البرمجيات كخدمة ويرمز لها بـ PaaS Platform as a Service وهي تقدِّم للمستخدم بيئة تطوير متكاملة تمكنه من تشغيل أو تصميم وإنشاء واختبار ونشر تطبيقات الإنترنت الخاصة به بسهولة أكبر ومميزات أفضل مما لو قام بإنشائها في بيئته البرمجية المحلية، ومن الأمثلة عليها خدمة CloudSwitch Enterprise.
أما النموذج الثالث: البنية التحتية كخدمة ويرمز لها بـ IaaS Infrastructure as a Service إذ تقوم بإدارة الوصول عبر الإنترنت إلى أساسيات المصادر والموارد الحاسوبية مثل المعالجات السريعة، ومساحات التخزين والشبكات والخوادم والاستفادة منها حسبما يحتاجه العميل، ومن الأمثلة عليها The Joyent Cloud.
كيف تعمل السحب الإلكترونية؟
السحابة الإلكترونية تشريحياً هي تجمع افتراضي لمجموعة من الخوادم ومساحات التخزين ونظم التشغيل ومنصات البرمجيات والتطبيقات المختلفة، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، فلا يشترط أن تكون موجودة في مكان فيزيائي واحد لدى مقدِّم الخدمة نفسه، والتي تعمل بتناغم وانسجام مع بعضها لتقديم خدمة ما للمستخدم الذي يتصل بها عبر الإنترنت من خلال متصفح الويب أو برامج البريد الإلكتروني والتطبيقات المختلفة عبر هاتفه المحمول أو حاسوبه الشخصي، وذلك بإدخال بيانات حسابه التعريفية (اسم المستخدم وكلمة السر). وحين تفتح له السحابة أبوابها بعد التأكد من بياناته، فإنه سيقوم باستخدام التطبيقات التي تقدِّمها السحابة كما لو كانت هي جهازه الشخصي أو شبكة الشركة التي يعمل بها، وكأننا نعود بذلك لعصر بدايات الحواسيب، حيث هناك حاسوب رئيس (MainFrame) تُجرى عليه كافة العمليات وحواسيب أخرى ثانوية (Terminals) تستخدم للاتصال بالجهاز الرئيس عبر إدخال البيانات الرئيسة إليه من قبل المستخدم أو عرض نتائج معالجتها له عبر الشاشة. الفرق الأساسي أننا في حالة الحوسبة السحابية فإن هذا الجهاز الأساسي وما يرتبط به هو خفي وغير ظاهر وليس مطلوباً منا أن نعرف أي شيء عنه. وعندما ينتهي المستخدم من أداء مهامه، فإن كل ما عليه هو تسجيل الخروج من التطبيق/ الموقع/ السحابة، وستكون كل تعاملاته وبياناته قد حفظت فيها بحيث تكون جاهزة للاستخدام حين يطلبها من جديد بغض النظر عن الجهاز الذي سيطلبها منه في المرة القادمة.
كما يمكن للمستخدم أن يعمل على جهازه الشخصي كما هو المعتاد ثم يقوم لاحقاً بتحميل ملفاته من جهازه إلى سحابته الشخصية التي توفر له خدمة تخزين مجانية أو مدفوعة مثل خدمة دروب بوكس (Dropbox) والتي تتيح للمستخدم مساحة تخزينية مجانية محددة تبلغ 2جيجابايت، وتتيح للمستخدم أيضاً أن يشارك ملفاته مع مستخدمين آخرين يحددهم.
مزاياها للشركات وأصحاب المبادرات التجارية
يمكن تقسم منافعها لاسيما إذا ما كنا نتحدث عن الشركات المتوسطة والصغيرة، إلى أربعة أقسام رئيسة: مالية، وتقنية، وتشغيلية، وبيئية. فمادياً، يجادل الكثيرون بأنها تساعد بالفعل على توفير الكثير من التكاليف المالية إذ يدفع المستفيد من هذه الخدمة ثمن ما يستخدمه فقط، وبالتالي لا يوجد هدر مادي ناتج مثلاً عن شراء مساحات تخزينية تفوق الحاجة، وكذلك فإن نفقاتها تُعد نفقات تشغيلية غير مستوجبة للضرائب، بالإضافة إلى أن الشركات لن تحتاج لجيش من الموظفين المسؤولين عن إدارة وتشغيل أنظمتها الإلكترونية لأن كل ذلك جزء متضمن في خدمة السحابة الإلكترونية.
أما المنافع التقنية فأهمها هي هذه القدرة على التمدد والانكماش بحسب الحاجة، كما تجعل الشركة قادرة على التركيز على منتجها أو خدمتها دون الحاجة للقلق بشأن الأمور التشغيلية. كذلك ضمان أن يكون النظام المستخدم في مأمن من سلبيات التطورات التقنية المستقبلية. ففي الماضي أنفقت الشركات أموالاً طائلة على برمجة وإنشاء نظمها الإلكترونية الخاصة لكن سرعان ما تطور العالم الرقمي وأصبحت الكثير من هذه الأنظمة الكبيرة الحجم والمعقدة (legacy systems) والتي تحتوي على كم هائل من البيانات مما يصعب عملية التخلص منها منتهية الصلاحية، وعانى موظفو أقسام تقنية المعلومات في محاولة تأهليها لتصبح مناسبة للزمن الحالي وللمستقبل أيضاً. مع الحوسبة السحابية يُفترض أن تتولى الشركة المقدمة للخدمة تحديث أنظمتها باستمرار، بحيث لا يصبح هذا شيئاً يذكر بالنسبة للمستخدم الذي سيحصل دائماً على آخر التحديثات فيما يتعلق بالبيئات البرمجية ونظم التشغيل والبرامج والمعدات.
أما لو انتقلنا للمنافع التشغيلية، فالحوسبة السحابية تجعلك قادراً على تفويض المهام والمشكلات لغيرك في كل ما له علاقة بنظم المعلومات تقريباً. ومنها شراء وتنصيب ودعم وتحديث البرامج المكتبية، وصيانة البرمجيات والمعدات والتأكد من عملها جميعاً بالشكل المطلوب، والقيام بالنسخ الاحتياطي، وتوفير الأمن المعلوماتي وكل ما يدخل في حكم ذلك.
ونختم الحديث عن المنافع بذكر الفوائد البيئية للحوسبة السحابية فهناك ابتداء تشارك المستخدمين في المصادر التقنية وبالتالي توفير الطاقة الناتجة عما لو قامت كل شركة بتشغيلها أجهزتها ومعاداتها الخاصة، وأن هذه الأجهزة نفسها ستعمل بفعالية أكبر وهدر أقل. وكذلك فإن شركات الحوسبة السحابية التي تقدِّم هذه الخدمات فهي غالباً ما تستخدم أجود وأحدث الأجهزة المتاحة وهذه الأجهزة كثيراً ما تكون أفضل لجهة استخدام الطاقة. والحوسبة السحابية تدفع باتجاه مبادرات التقنية الخضراء (GreenIT) حيث لا يصبح الموظف ملزماً بالسفر بالطائرة أو السيارة إلى مقر العمل أو مكان الاجتماع للوصول إلى البيانات واستخدام أنظمة الشركة الإلكترونية، وبالتالي توفير الوقود وتقليل بصمته الكربونية. ففي عالم متغير مثل عالم اليوم فإن الحوسبة السحابية توفر المرونة اللازمة لمجاراته.
اللاعبون الكبار
بات مجال الحوسبة السحابية أرض المعركة الجديدة التي تتنافس عليها الشركات الرقمية العملاقة نفسها وعلى رأسها غوغل ومايكروسوفت وآبل وأمازون في الوقت الراهن وفيما يلي وصف مختصر عن الخدمات السحابية التي تقدِّمها كل واحدة منها.
غوغل
تتمتع الشركة بنصيب الأسد في هذا العالم، حيث إن ملايين المستخدمين العاديين، ناهيك عن الشركات ، يستخدمون خدماتها السحابية كل يوم عبر تطبيقات البريد الإلكتروني والتقويم والملفات. وخلال 2012 استبدلت غوغل تطبيق مستندات غوغل (GoogleDocs) بخدمة غوغل درايف (GoogleDrive)، وهي تقدِّم خدمة مماثلة لخدمة دروب بوكس المذكورة سابقاً بمساحة تخزينية مضاعفة تبلغ 5جيجابايت، كما أنها دمجت خدمات مستندات غوغل فأصبح من الممكن إنشاء مستندات نصية أو جداول بيانات أو عروض تقديمية أو نماذج أو مجلدات أو ملفات رسومية أو ملفات برمجة من داخل التطبيق نفسه. هذا بالإضافة على ارتباطها عبر الحساب نفسه مع خدمات غوغل الأخرى ( البريد، والتقويم، والخرائط، والصور وغيرها) مما يعطيها ميزة تفاضلية يصعب منافستها عليها. وتقدِّم غوغل حلولاً سحابية مطورة خاصة بالشركات عبر ما يعرف بتطبيقات غوغل (GoogleApps) نظير رسوم رمزية بعد شهر من الاستخدام المجاني كتجربة. ويتوقع أن تقود شركة غوغل الحوسبة السحابية للمستخدمين العاديين في المستقبل المنظور.
آبل
منذ إعلان الشركة في 2011 عن إطلاقها لسحابتها الخاصة والمعروفة ب(iCloud) والتي تهدف لتجميع ومزامنة ومشاركة البيانات عبر أجهزة الآيفون والآيباد وحواسيب الماك وكذلك الحواسيب التي تستخدم نظام تشغيل وندوز وهذه الخدمة تلقى الترحيب والإعجاب بكونها من أهم الحلول السحابية المتاحة للمستخدم العادي. وتقدَّم هذه الخدمة مساحة مجانية أيضاً بمقدار 5 جيجابايت. وتظل مشكلتها الأساسية هي أنه لابد من تنزيل وتنصيب برامج آبل من أجل الاستفادة على هذه الخدمة من قبل الأجهزة الأخرى مما يجعلها أقل مرونة من الخدمات المنافسة.
مايكروسوفت
مازالت شركة مايكروسوفت تضع بيئة الأعمال والشركات كأولوية على أجندتها عن طريق ترويجها وتطويرها لتطبيقات حزمة الأوفيس السحابية التي تقدَّم ذكرها (Office 365)، وكذلك عبر خدمة سكاي درايف (SkyDrive) التي تمنح مساحة مجانية سخية بحجم 7 جيجابايت تتيح حفظ ومشاركة الملفات وكذلك إنشاء ملفات ومستندات من حزمة الأوفيس والموجهة أيضاً للأفراد كما الشركات. وتركز الشركة على مشاركة الملفات بين المستخدمين من خلال هذه الخدمة وتضع جهوداً كبيرة وتكاليف مرتفعة على التسويق لها مما سيؤدي غالباً إلى أن تتبوأ مايكروسوفت وخدماتها الجديدة موقعاً مميزاً في عالم الحوسبة السحابية.
أمازون
يعتقد كثير من المختصين المتابعين لسوق الحوسبة السحابية بأن أكبر منافس لشركة غوغل في هذا المجال بالنسبة للمستخدمين العاديين هي شركة أمازون، والتي أنتجت وباعت القارئ الإلكتروني المطوَّر كندل فاير (KindleFire) وتعمل من أجل الدفع باتجاه تخزين عديد من الكتب الإلكترونية والملفات الأخرى بما فيها ملفات الموسيقى المبتاعة من خلاله من متجر أمازون الإلكتروني نفسه من خلال هذه السحابة (Cloud Drive) التي توفرها مجاناً بسعة 5 جيجابايت كذلك، وكذلك طرحهاً لحلول سحابية تنافسية فيما يتعلق بالشركات. ويبدو أن الحوسبة السحابية هي مستقبل عديد من الخدمات التي تقدِّمها أمازون لمستخدميها ولديها طموح كبير لتحقيق ذلك.
المخاوف من الحوسبة السحابية: هل هي فعلاً آمنة؟
لعل أكثر ما يجعل الأفراد كما الشركات يترددون عندما يتعلق الأمر باستخدام الحوسبة السحابية هو موضوع أمن وحماية البيانات. فعلى الرغم من أنه قد تكون هذه السحب أكثر تحصيناً من الجهاز الشخصي، إلا أن أية احتمالية ضئيلة لضياع هذه البيانات كفيلة بإثارة المخاوف لإحساس الشخص بأن ممتلكاته الخاصة ليست تحت حمايته الشخصية، فيتكرر السؤال: هل السحب الإلكترونية آمنة؟ لاسيما والمرء لا يحتاج لاختراقها، والعبث بالبيانات الموجودة فيها سوى لاسم المستخدم، وهو في العادة البريد الإلكتروني المتاح لكافة الناس، وكلمة السر!
مات هونان صحافي تقني تعرَّض لتجربة مؤلمة في 2012 حين تم اختراق حسابه في سحابة آبل، وبسرعة البرق قام المخترق بمسح كافة بياناته على كافة أجهزة آبل الخاصة به: الآيفون والآيباد والماك، والتي لم يكن قد قام بعمل نسخ احتياطي خارجي لها، فإذا كان المرء يحفظ بياناته على السحابة خوفاً من عطل يصيب أجهزته أو سرقة لها، فماذا يحصل حينما تكون السحابة هي المصابة؟
ويرى البعض أن هذه القصة تبين مدى سهولة اختراق سحابة آبل حيث لا تحتاج سوى اسم المستخدم وكلمة السر في حين يبدو الوضع مختلفاً لدى غوغل الذي يتيح للمستخدم إضافة درجة ثانية من الحماية بالإضافة لكلمة السر، وذلك عن طريق إرسال رسالة تحمل رقماً سرياً إلى هاتفه المحمول بما يشبه الدخول لحسابات البنوك الإلكترونية.
وهناك مخاوف أخرى مثل الخوف من انقطاع الخدمة (Cloud Outage) لسبب متعمد مثل إجراء التحديثات اللازمة أو غير متعمد كخلل فني غير متوقع، والتجارب في هذا المجال تذكر بأن خدمات السحب الأقدم والأشهر مثل غوغل، وأمازون، ومايكروسوفت، وسيليز فورس قد تعرضت لاضطرابات في خدمتها ما بين العام (2008-2009) لفترات تتراوح ما بين ساعة وأسبوع. ويجادل أنصار الحوسبة السحابية أن الاحصاءات تشير إلى أن نسبة توافر الخدمات الإلكترونية لدى الشركات المعتمدة على أنظمتها الداخلية الخاصة هي .8 في حين أن استمرار الخدمة وتوافرها من قبل شركات خدمات الحوسبة السحابية المعروفة هي .9 أي أن السحب لا تزال متفوقه هنا بالإضافة إلى ميزاتها الأخرى وهي مسؤولة عن إصلاح نفسها وتحمل تكلفة ذلك.
وهناك خطر توقف الخدمة بشكل نهائي ففي فبراير من العام 2009 مثلاً وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية اضطرت شركة مثل كوغ هيد (Coghead) لإبلاغ عملائها بأن أمامهم 9 أسابيع فقط ليجدوا مساكن جديدة لبياناتهم وبرامجهم، حيث إن الشركة قررت أن توقف تقديم خدماتها.
وفيما يتعلق بالبيئة هناك من يعتقد بأن الحوسبة السحابية ليست في الضرورة حوسبة خضراء، إذ إنها تتسبب في المزيد من الضغط على شبكة الإنترنت، وزيادة عدد النسخ من البيانات نفسها على أكثر من سحابة بالإضافة إلى النسخ المحلية، وازدياد الطلب على التقنية نتيجة للتوسع في الخدمات الجديدة الناتجة عن
المزايا المتاحة من قبل الحوسبة السحابية. وعلى رأس هؤلاء منظمة السلام الأخضر (Green Peace) والتي ترى بأن الحوسبة السحابية ستسهم في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، فالكهرباء الناتجة عن استخدام السحب ستزداد من 623 بليون كيلو وات في الساعة في 2007 إلى 1964 بليون كيلو وات في عام 2020. ويرد أنصار الحلول السحابية على هذه الآراء بالقول بأنه لا يمكن إعادة عجلة الزمن للوراء لكن ما يمكن القيام به هو جعل ما نستخدمه من تقنيات وعلى رأسها الإنترنت صديقة للبيئة بأقصى ما نستطيع.
مستقبلها
يتوقع الخبراء بأن حجم سوق الحوسبة السحابية سيرتفع من 35 بليوناً في العام 2011م إلى ما يقارب 150 بليوناً خلال الثماني سنوات القادمة كنتيجة حتمية لتبني حلول هذه التقنية في عالم المال والأعمال والتجارة.
والحوسبة السحابية التي سنتعامل معها في 2020م ستكون مختلفة إلى حد ما عما هي عليه الآن. فسيزداد استقلال البرمجيات عن بيئة الأجهزة والمعدات بحيث تبرمج على أن تكون صالحة للعمل على أي جهاز بغض النظر عن الشركة المصنعة، وستتحول هذه البرمجيات نفسها إلى مجموعة من الخدمات والمستقلة المرتبطة مع بعضها بتقنيات خاصة لأداء المهام المطلوبة، مما سيجعل الحوسبة الرقمية تبدو بشكل عام وكأنها غير مرئية كما يقول جون مانلي من شركة HP. ومن أجل ذلك فإن البرمجيات ستكتب على هيئة وحدات (modules) قادرة على العمل بشكل حر ومستقل عن بقية البرنامج الذي كُتبت كجزء منه ابتداء ، وحيث ستتفاعل السحب المختلفة وتتكامل مع بعضها البعض. ويتوقع أن يسهم ذلك كله في انخفاض سعر الأجهزة والبرمجيات والسحب الإلكترونية تبعاً لذلك مع زيادة هائلة في السرعة وإنجاز المهام. وسيتم تقسيم السحب إلى خدمات مختلفة تصنف وفقاً لإمكانياتها ومزاياها إلى درجات متباينة في الجودة والأداء والقيمة.
للحوسبة السحابية ميزات وعيوب كما عرفنا من خلال هذا المقال، إلا أنه من الواضح بأن المزايا تتفوق على العيوب، وكل المؤشرات توحي بأن هذه الميزات ستكون من القوة بما يكفي لجعل عربتها تمضي قدماً، وفي الوقت نفسه الذي ستتكثف الأبحاث في عالم التقنية بحثاً عن حلول حقيقية للمخاوف المرتبطة بها لاسيما الأمنية منها.
April 21, 2013
“كيدزانيا” دبي.. وبطالة الشباب العربي
كنتُ في رحلة عائلية إلى دبي، وزرتُ خلالها مدينة الأطفال الترفيهية المعروفة بـ”كيدزانيا”، والتي عرضت لأول مرة عبر برنامج خواطر على قناة تلفزيون الشرق الأوسط في موسم “كوكب اليابان”، ثم اُستنسخت الفكرة في دبي، ومنذ عامين ومركز مجمع العرب التجاري في جدة يعلن بأن افتتاح فرعها الأول في السعودية سيكون قريباً. فكرة المدينة المبدعة تقوم على أن يعمل الأطفال في وظائف مختلفة، تنمي فيهم روح التحدي والابتكار، وتفتح أمامهم أفكاراً جديدة بشأن ماذا يريدون أن يصبحوا في المستقبل، وفي المدينة مركز توظيف يمنحك شهادات سيرة ذاتية وخبرة، كما يقترح عليك وظائف مناسبة لك. في “كيدزانيا” أيضاً جامعة إذا درست فيها البكالوريوس قبل أن تعمل تحصل على راتب أعلى، وإذا عدت إليها بعد أن تعمل في بضع وظائف ودرست الماجستير سيزداد راتبك كذلك، وهناك مصرف يمكن أن تفتح فيه حساباً لتحول عليه راتبك. باختصار المدينة شيء جميل يجعلك تتمنى لو تعود طفلاً في التو واللحظة، لكن في الوقت نفسه، فإن التجربة التي شهدتها، وجدتها تلخص شيئاً من حالة البطالة لدى الشباب العربي عموماً والخليجي خصوصاً.
تابعتُ بحماس الوظائف التي اشتغل فيها الصغار، من قيادة الطائرة في الخطوط الإماراتية، إلى مسعف في مستوصف، إلى عامل إطفاء يطلق خراطيم المياه ليطفئ حريقاً شب في فندق، إلى موظف في شركة الاتصالات، إلى عامل في مصنع، وعامل توصيل في شركة شحن، وكلها وظائف جميلة جداً، ومشغولة عادة في الخليج بغير المواطنين.
واحدة من أبرز المشكلات التي رأيتها في “كيدزانيا”، والتي هي انعكاس لما يجري على أرض الواقع، موضوع اللغة الإنجليزية التي تقف حجر عثرة أمام معظم طالبي الوظائف من الشباب في مدننا الخليجية اليوم، حتى لو لم تكن الوظيفة تحتاج للغة الإنجليزية! فمع أنها مدينة للأطفال العرب وفي مدينة عربية خليجية، إلا أن العاملين فيها من الآسيويين كانوا يشرحون للأطفال مهامهم المطلوبة بالإنجليزية. سبب هذا إحباطاً للأطفال السعوديين وحتى للأطفال الإماراتيين، أما الأطفال الشقر والحمر فكانوا في غاية السعادة! كان معنا طفل سعودي متفوق جداً في دراسته، بل ومتفوق في اللغة الإنجليزية التي يدرسها في مدرسته السعودية الأهلية منذ السنة الأولى، لكنها ليست مدرسة لغات، فهو يقرأ بها ويتحدث قليلاً لكن ليس بطلاقة بعد. ومع ذلك فسرعان ما خبت حماسه حين شعر بأنه “مثل الأطرش في الزفه” وهم يحدثونه بالإنجليزية الركيكة، وهو شعور لازمه طوال الوقت في دبي، حتى امتعض ابن التاسعة قائلاً: “أنا عربي ودبي بلد عربي.. ليش يبغوني أتكلم إنجليزي؟” والأسوأ من هذا بأن العاملة الآسيوية التي كانت تتعامل مع الصغار، حتى ممن يجيدون اللغة، كانت تفعل ذلك بقرف يدل على أنها لا تحب وظيفتها، وبدأت حماسة الصغير تقل وشعوره بالخيبة يتعاظم. ثم قابلنا موظفاً عربياً تفهم مشكلة الأطفال العرب، وأخذ يكلمهم بالعربية فدبت الحماسة في أرواحهم من جديد، لقد كان يكلمهم بلغتهم، ويعاملهم بلطف وحنان أبوي.
سألته لاحقاً عن مشكلة اللغة العربية، فأجابني بأنه في البداية كان هناك غالبية من الموظفين العرب الذين يحدثون الأطفال بلغتهم سواء العربية أو الإنجليزية، وهم مؤهلون للتعامل مع الأطفال، ثم ارتأت الإدارة لتخفيض التكاليف أن تستبدل هؤلاء العرب بعمالة آسيوية رخيصة، ولا يحب كثير منهم الأطفال، لم يبق سوى أنا وأربعة غيري، وربما سنرحل قريباً، والمشكلة التي ذكرتها تتكرر معنا كثيراً، خاصة مع الزوار من السعودية والذين تقدم بعضهم بشكاوى للإدارة بسبب حاجز اللغة الذي يقلل من متعة أطفالهم لكن دون جدوى. وحقيقة لا أعرف كيف سيكون عليه الوضع في فرع “كيدزانيا” جدة، لكنني متأكدة بأن “كيدزانيا” اليابان تدار من قبل موظفين يابانيين يتحدثون اللغة اليابانية، فتلك أمة تعتز بهويتها، وتبني بلدها بسواعد أبنائها.
مرة أخرى يخذل المال الخليجي أوطانه، فيهمه تخفيض التكاليف على حساب الجودة والهوية وحتى المواطنين. فأن يكون الربح المادي هو الهم الأكبر في مشروع تربوي وتثقيفي للأطفال لهو مشكلة كبيرة.
وهذا بالضبط الذي يحصل في سوق العمل على أرض الواقع اليومي، فقبل أيام كان هناك يوم للمهنة في جامعة المؤسس، وكانت جل الشركات الخاصة تسأل المتقدمات لشغل الوظيفة، قبل حتى السؤال عن الشهادة أو المؤهل الدراسي أو الخبرة أو غيرها عن مستوى اللغة الإنجليزية، فإذا كان الجواب بلا، فهي ترفضهن، فكل الشروط قابلة للأخذ والرد إلا هذا الشرط، فهي لا تكلف نفسها عناء إجراء اختبار تحديد مستوى لهن، ولا حتى وضع الجيدات منهن ممن تحتاج لتقوية في برنامج تطويري للغة خلال فترة التدريب إن كانت وظيفتها فعلاً تحتاج لإجادة هذه اللغة، ثم تراقب تقدمها فيها كما يفعل كثير من الشركات العالمية التي تعمل في بلدان غير ناطقة بالإنجليزية، كالصين واليابان والدول الأوروبية. بل يتم حث الموظف الأميركي أو الإنجليزي، المنقول لهذه البلدان على تعلم لغة البلد الجديد، في حين لا ترغب هذه الشركات أو وكلائها في الاستثمار في الإنسان الخليجي رغم أنها تحقق أرباحها من جيبه.
المشكلة الثانية، والتي رأيت بأن المدينة لا تقدم صورة واقعية عنها للأطفال العرب هي موضوع الشهادات، فليس صحيحاً بأن المرء في الخليج كلما زادت شهاداته ارتفع راتبه، بل إن كثيرا من الحاصلين على الماجستير يدورون في حلقة مفرغة من البطالة، أو يضطرون لعدم ذكر شهاداتهم، ففرصة إيجاد وظيفة جيدة لخريج جديد بشهادة البكالوريوس تفوق بكثير فرص الحاصلين على شهادات أعلى، لا تضحكوا على الصغار فيستيقظوا على واقع مؤلم يهرس أحلامهم.
نتحدث كثيراً عن البطالة في الخليج رغم وجود الملايين من المستقدمين خصيصاً لشغل الوظائف التي يقال لنا إنه لا يتوفر لها مواطن كفؤ، ونرفع لافتات: سوء مخرجات التعليم وضعف المهارات للتبرير، لكننا في الحقيقة نغض الطرف عن كثير من الأسباب التي قد تكون أكثر أهمية من ذلك.. ويعيش لوبي رجال الأعمال وشروطه التعجيزية!
الشباب.. للوطن طاقات
استيقظنا بفزع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي جعلتنا كمجتمع ودولة وثقافة ودين في عين العاصفة. وعلى الرغم من عدم ثقة الكثيرين منا بتفاصيل الرواية الأميركية، ومع إقرارنا بوجود عوامل خارجية، ومشكلات دولية، ساهمتا في صنع هذا الشباب الكاره لسياسات أميركا، إلا أننا عدنا لمطالعة وجهنا كما هو في المرآة، باحثين عن مكمن الخلل الذي أوجد الفكر المتشدد، والذي قد يتطور، إذا ما اجتمعت عوامل معينة، لينتج الفكر الإرهابي. وقد نالت المناهج، كما المناشط الدعوية، والصيفية، وحلقات التحفيظ، الجانب الأكبر من النقد والاتهام، وكان الكثيرون يتساءلون عن: ما الذي يجعلها جاذبة للشباب؟
خلال العشر سنوات الماضية، كُتبت مئات المقالات، وأُلفت عشرات الكتب، لتناقش الأسباب الفكرية والدينية والاقتصادية لتطرف شبابنا، حتى باتت معروفة لا تحتاج إلى إعادة هنا. لكن النقطة التي أغفلها الكثيرون، والتي قد تكون الأهم، هي هذا الفراغ، والتهميش الهائلان، اللذان يعاني منهما الشباب في بلد يشكلون أغلبيته. لو أنك شاب أو فتاة، وتتفجر حيوية ونشاطا ورغبة في تغيير مجتمعك إلى الأفضل، فماذا باستطاعتك أن تفعل؟ بل لننسى أمر إصلاح المجتمع، لو عندك فائض من وقت وطاقة، وتريد تسخيرهما في الاستمتاع بهذه الفترة الرائعة من حياتك بشكل مفيد، ما الخيارات المتاحة أمامك؟
لن أتحدث عن ضعف وسائل الترفيه الصرف في مجتمعنا، فهذا من قبيل الحديث عما هو متفق عليه سلفا، ولكن لنتحدث عن الجوانب الأخرى. ففي الدول الأخرى، تشكل الاتحادات الطلابية الجامعية وانتخاباتها ونشاطاتها، مجالا رحبا لتبدع شريحة واسعة من شباب الوطن المنتمين لتلك الجامعات لتفريغ طاقاتهم. الكثير من السياسيين في أوروبا وأميركا، والذين تصدروا المشهد السياسي في بلدانهم، وفازوا بانتخابات الرئاسة على مستوى دولهم، كانت خطوتهم الأولى في أروقة الحرم الجامعي، حين فازوا برئاسة الاتحاد الطلابي في جامعتهم. فالمرحلة الجامعية هي في الخارج مرحلة صقل الشخصية وبناء الذات. أما الجامعات السعودية فلم تستوعب بعد أنها ليست مصنعا للشهادات مسؤوليتها تخريج متعلمين ومتعلمات بعلوم نافعة وغير نافعة، وإنما هي مدرسة لصقل المواهب، وبناء الشخصيات، وتحضير القادة والرواد، الذين سيتولون ذات يوم مسؤولية النهوض بهذه البلاد.
أما خارج الحرم الجامعي وبعيدا عن الأطر الرسمية، فالمناشط المتاحة قليلة جدا، وكانت حتى عهد قريب محصورة في يد شرائح وفئات محددة من المجتمع. وإن كان ظهور الكليات والجامعات الأهلية، والإمكانات المادية المتاحة لها، مع الحرية الهائلة التي تتمتع بها مقارنة مع الجامعات الحكومية، لا سيما النسوية منها، قد ساهم في ظهور مجموعات ومناسبات ونشاطات تطوعية بمبادرات شبابية متميزة.
وجاءت كارثة سيول جدة قبل أربع سنوات، وكانت من مزاياها القليلة، انطلاق شرارة العمل التطوعي الشعبي بشكل غير مسبوق، فمع أن النشاط التطوعي الشبابي لم يلبث آنذاك أن انضوى تحت مظلة رسمية هي الغرفة التجارية بجدة، إلا أن العلاقات التي تكونت بين المشاركين، ساهمت وما زالت في ظهور مناشط تطوعية أخرى غير مرتبطة بالكارثة. وانتشرت للمرة الأولى في مجتمعنا فكرة العمل التطوعي كشيء منفصل عن العمل الخيري، فهما وإن كانا لا يتطابقان، إلا أنهما لا يتعارضان. فأي عمل مفيد للمجتمع يقدمه المرء لمجتمعه دون مقابل، سواء أخذ صبغة دينية أو خيرية أو لم يأخذ، هو عمل تطوعي. ويشمل ذلك التوعية الصحية بالفوائد والأضرار بأنواعها، ونشر الثقافة والمعرفة، والترفيه عن الأطفال، وتكريس مبادئ التسامح والتآخي لتحقيق الهدف المشترك الأسمى. وأنا أرى أن واحدة من أجمل وأجدى الطرق لغرس الوطنية في نفوس الناشئة يكون عبر العمل التطوعي، الذي يهدف للارتقاء بالوطن عبر تطوع المرء بوقته وجهده لخدمة من يعيشون فيه، وليس عبر قاعات الدراسة والكتب المدرسية المملة التي تنسخ وتلصق من مناهج التاريخ.
قدرة الشباب السعودي اليوم على ممارسة النشاط التطوعي، وتنظيم النشاطات المختلفة، تظل محدودة بما يمكن أن يتحقق فيما لو توفرت ظروف أفضل، وذلك لوجود الكثير من التنظيمات الإدارية المعقدة للحصول على التصاريح اللازمة، وعدم وجود مظلة تنضوي تحتها هذه التنظيمات وتتعامل معها ليس كمرجعية تعقد نشاطاتهم بالبيروقراطية، وإنما كشريك موثوق يمكن من خلاله التواصل مع المجموعات المختلفة، ضمنا لتكامل الجهود بدلا من وقوعها في فخ الانعزال أو المنافسة السلبية. وقد تكون إمارة منطقة مكة المكرمة استثناء بارزا عبر مبادراتها الست العام الماضي لبناء الشباب، وعلى رأسها جمعية شباب مكة للعمل التطوعي، وما زال أمام الجميع الكثير من الجهد لتفعيل هذه المبادرات بالشكل المرضي.
كما يشكل عدم وجود دعم مادي إلا فيما ندر عائقا أمام المتطوعين، مما يطرح قضية البنوك والشركات ومسؤوليتهم عبر الشراكة المجتمعية، فلم لا تكون أبوابهم مشرعة لتبني ودعم مثل هذه المجموعات؟ فبدلا من أن تقرر الشركة كيف تخدم المجتمع عبر مشروع تقرره، لم لا يتحقق العكس؟ فالمجتمع هو من يطلب من الشركة دعمها في مشروع بعينه، فهو أدرى بما هو محتاج له. إضافة إلى غياب الدعم اللوجستي لدعم هذه المبادرات، مثل عدم توفر قاعات، أو مكتبات، أو غرف اجتماعات، مجانية أو بأسعار رمزية، تمكن الشباب من الاجتماع في النور في الأماكن العامة بدلا من البيوت المغلقة. ففي بريطانيا القاعات الجامعية مثلا متاحة للإيجار خارج أوقات الدوام بمبلغ رمزي وتنظيم غير معقد.
رمي المشكلات على الشباب، أظنه مطبا نقع فيه حتى نحن المنتمين لهذا الجيل، وبالتأكيد إن الشخص مسؤول عن تثقيف نفسه وتطويرها والاهتمام بمستقبله في أحلك الظروف وأصعبها على الصعيد الفردي، أما على الصعيد الجماعي فبدلا من لوم الشباب لانزلاقهم نحو التطرف أو التحرر، أو التعريض بهم على المنابر لانشغالهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو محاولة محاصرة برامج الاتصال بحجج لا تقنع حتى من يبرر لها، فلنفتح الأبواب أمام دور جديد للشباب يكون فيه الشاب شريكا حقيقيا في بناء الوطن. وهذا يمكن أن يوضع تحت خانة حماية أمن وسلامة المجتمع، فبيتٌ تضع لبناته بنفسك، وتزرع حديقته بيديك لن تهدمه أبدا.. ولن تسمح لأحد أن يمس طوبة منه بسوء.
March 27, 2013
البرامج المجانية وشركات الاتصالات.. منافسة أم شراكة؟
ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من التطبيقات التي تمكن المستخدم من إجراء مكالمات أو تبادل الرسائل بشكل مجاني عبر الهواتف المحمولة، مثل “سكايب” و”فايبر” و”واتس أب” و”لاين”. فما الفائدة الربحية التي تحققها الشركات المنتجة لهذه البرامج المجانية؟ ولم تسمح لها شركات الاتصال الرسمية بالعمل على الهواتف المحمولة التي تشغلها؟ أليس من الأولى منعها حتى لا تؤثر على أربحاها؟
لنبدأ بالحديث بشكل مختصر عن هذه التطبيقات وطريقة عملها، فهي تستخدم تقنية نقل الصوت عبر ميثاق (بروتوكول) الإنترنت والمعروفة بـVoIP، فهذا الميثاق هو وسيلة لربط المحادثات عبر أي شبكة تستخدم ميثاق شبكة الإنترنت IP. فما هي الميزة التي يقدمها الاتصال عبر هذه التقنية تحديدا؟
نظرا لأن تقنية VoIP ترسل البيانات على شكل حزم منفصلة بدلا من إلزامية، تخصيص خط اتصال محدد، فإن ذلك يؤدي لانخفاض التكلفة مقارنة بشبكات الاتصالات التقليدية، وهي لا تحتاج إلى بنية تحتية ومعدات اتصالات خاصة مرتفعة التكاليف، بل تستخدم الشبكات المتاحة حاليا للاتصال بالإنترنت. كما تتمتع بميزة التدرجية وهي القدرة على النمو مع تزايد أعداد المستخدمين، وكذلك تنتفي هنا التكاليف الناتجة عن الاتصال بأرقام خارج الشبكة المحلية بالنسبة للمكالمات الدولية أو ما يعرف بخدمة التجوال الدولي، فالكل مرتبط بالشبكة نفسها بغض النظر عن الموقع الجغرافي. بالإضافة إلى ميزاتها في نقل الوسائط المتعددة وسهولة استخدامها.
وتتعدد وتختلف الطرق التي تجني بها الشركات المنتجة لهذه البرامج أرباحها، فمثلا “الواتس أب” تحقق الأرباح بطريقة تقليدية عبر بيعها للبرنامج بمبلغ رمزي. والأمر نفسه ينطبق على تطبيق “سكايب”، فبالرغم من أنه مجاني بشكل عام؛ إلا أنه يقدم خدمات أخرى متعددة مدفوعة الثمن وبمزايا تنافسية، وعن طريق هذه الخدمات يتمكن من جني الأرباح خاصة عند الاتصال بأرقام دولية أو بأرقام لخطوط هاتف أرضية. ويختلف “فايبر” عنهما في أنه مجاني بالكامل، ولا يقدم أي خدمة مدفوعة الثمن، بأنهم لم يجنوا منه بعد أي فوائد مادية! وتبريرهم بأن ما يهتمون به الآن هو تكوين قاعدة عريضة من المستخدمين، بحيث تستخدم هذه القاعدة لاحقا في تصميم منتجات جديدة تكون قادرة على خلق الأرباح كما يتوقعون.
وخبراء التسويق في عالم الهواتف المحمولة يوضحون الاستراتيجيات التي تدفع شركة ما لإنتاج برنامج مجاني، منها استراتيجية “فايبر” آنفة الذكر، بالإضافة إلى الاستراتيجيات التالية:
1- تطبيقات شبه مجانية Freemium: أي أن تقوم الشركات بإنتاج نسخة محدودة الإمكانات من المنتج الأصلي، بحيث تسمح للمستخدم بتجريبه بشكل يعطيه الخواص المهمة التي ستؤدي لإعجابه به، لكنها في الوقت ذاته ستحرمه من خواص أخرى تتيح له الاستفادة الكاملة من قدرات البرنامج.
2- تحصيل مكاسب من الترقية والتحديثات: مثال ذلك الوصول لمراحل جديدة فيما يتعلق بالألعاب الإلكترونية.
3- تمكين النشاطات التجارية: فهناك تطبيقات مجانية في ذاتها، إلا أنها تمكن المستخدم من القيام بعمليات تجارية إلكترونية وتعطيه خصائص مختلفة للتسوق مثل تطبيق متجر “أمازون”.
4- ترويج العلامة التجارية للشركة: قد لا تتحقق أرباح تذكر بشكل مباشر من التطبيقات المجانية لبعض الشركات الكبرى مثل “ماكدونالدز” أو “ستاربكس”، وهي لم تنتج لهذا الهدف، وإنما لأجل الاحتفاظ بولاء المستخدمين لهذه لعلامات التجارية ومنتجاتها، بحيث يشاهد آخر منتجاتها، ويتابع أهم عروضها.
5- الدعايات التجارية: وتظل الدعايات المختلفة من أقدم وأنجح الطرق التي يتمكن بها مصممو البرامج من تحقيق أرباح مادية من المعلنين بحيث لا يحتاج المستخدم تحمل تكلفة الإنتاج والتشغيل.
تنظر الشركات المشغلة للهواتف المحمولة اليوم بالكثير من الريبة لهذه البرامج المجانية، وبالرغم من أنها لم تكن في معظم الدول – حتى الآن – من الحماقة لتمنع استخدام هذه البرامج فتفقد مشتركيها، وهي قد تتذرع بالهاجس الأمني المحلي، لا سيما في عصر الحرب على الإرهاب، إلا أنه من الواضح للمستخدم العادي أن أكثر ما تخشاه هو ما سيترتب عليها من هبوط في الأرباح التي تجنيها من المكالمات الهاتفية عبر شبكاتها. وعبر دراسة أجريت في نوفمبر 2011 في مؤتمر Telco 2.0 والذي حضره مندوبون من شركات الهواتف المحمولة من آسيا وأفريقيا وأوروبا، عبر المشاركون عن اعتقادهم بأن الأرباح المجنية من الاتصال الصوتي ستقل بنسبة 21% في السنوات الثلاث المقبلة في حين ستنخفض أرباح الشركات المشغلة من الرسائل النصية بنسبة 37%، وعزا 44% من هؤلاء السبب إلى ظهور هذه البرامج المجانية التي تسمح بتجاوز شبكاتهم.
برايان أكتون أحد مؤسسي برنامج “الواتس أب”، يعتقد بأن على الشركات المشغلة للهواتف المحمولة ألا تقف في وجه التطور التقني، وأن تنظر للنصف الآخر من الكأس. فهذه التطبيقات تحتاج للاتصال بشبكة الإنترنت، وهذه الأخيرة لن تعمل على الهاتف المحمول إلا بوجود شبكة اتصالات لاسلكية، أو عبر شبكات الجوال التي تستخدم معايير الجيلين الثالث أو الرابع .3G/4G فهنا فرصة ذهبية إذاً للتركيز على تحقيق الأرباح عبر بيع منتجات الشركة من حزم الاتصال بالإنترنت بشكل رئيسي في المستقبل وليس من خلال تكلفة الاتصال الصوتي.
ويبدو أن شركة “الواتس أب” ستعمد لتحقيق الكثير من الأرباح التشغيلية عن طريق توقيع اتفاقيات مع الشركات المشغلة للهواتف المحمولة، حيث يتاح البرنامج كخدمة اشتراك كما هي الحال شبكة الهواتف المحمولة الإندونيسية Telkomsel.
فالأجدى إذاً للشركات المحلية والوطنية المشغلة لشبكات الهواتف المحمولة أن تركز جهودها على المستقبل، وعلى كيفية الاستفادة من التطورات المقبلة لزيادة الأرباح، بدلا من الانشغال بالقلق من التطبيقات التي توفر اتصالات مجانية أو محاربتها. فالتقنية ستواصل تقديم المزيد من الحلول التي تتيح تجاوز شبكات الشركات المشغلة بفعالية أكبر، إذ ما زالت تقنية VoIP في الوقت الراهن تعاني من تحديات عديدة وتحتاج للتطوير، ولا أحد يستطيع أن يوقف عجلة التطور لكنه يستطيع اللحاق بها وركوبها في الوقت المناسب.
March 22, 2013
الشعب يريد الأمراض الوراثية!
في كثير من القضايا المطروحة ومشكلاتها تخلص النتائج إلى أن مردها هو الجهل وقلة الوعي لدى شرائح واسعة من الناس على اختلاف مستوياتهم، وبالتالي تشمل الحلول المطروحة عادة توصية بزيادة جرعات الوعي والعمل على نشر الثقافة الصحيحة، والدعوة لأن يتحمل كل من الإعلام والنظام التعليمي دورهما بهذا الخصوص. وينسب التقصير إن حصل لهذه القطاعات الحكومية والأهلية المختلفة، وتطالب ببذل المزيد من الجهد، وهذا واجبها على أية حال، لكن ماذا لو نظرنا إلى الطرف الآخر من المعادلة، أي إلى المتلقي، هل يعي هو أيضاً دوره؟ هل يدرك أن كل التنظيمات الإدارية والتشريعات القانونية في العالم لا تستطيع أن تحميه من نفسه؟ وأنه حتى أفضل الحملات التوعوية لن تفلح مع شخص يصم أذنيه عن سماع الحقيقة؟
نشرت صحيفة الوطن في عددها 4850 خبراً بعنوان: (عرسان يتحدون “الفحص” ويكملون الزواج رغم عدم التوافق) وكان مما جاء فيه: “كشف مدير مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية بجدة، استشاري الأطفال وحديثي الولادة الدكتور كمال عبدالله أبو ركبة أن مركز فحص الزواج الصحي بالمستشفى استقبل خلال العام الماضي ما يزيد على 35 ألف فحص زواج للسعوديين والمقيمين، مشيرا إلى أنه يتم استقبال 150 حالة يوميا وأن نسبة كبيرة من حالات عدم التوافق تصر على إكمال الزواج، وأشار إلى أن العمل في مركز فحص الزواج بالمستشفى، الذي انطلق في عام 1424 بدأ بفحص أمراض الدم الوراثية كفقر الدم المنجلي وفقر دم البحر الأبيض المتوسط، وتلا هذا البرنامج الوطني للزواج الصحي تطبيق إلزامية فحص الأمراض المعدية للمقبلين على الزواج في عام 1429(..) مبينا أن الدولة بدأت منذ بداية عام 1429 في إلزام المقبلين على الزواج بالخضوع لفحص طبي، يتضمن تقريرا يفيد خلوهم من مرض الإيدز والكبد الوبائي بفئتيه (ب) و(ج) ليتمكنوا من إتمام عقد الزواج لدى مأذون معتمد”.
ومن الأمراض التي أصر أصحابها على إتمام الزواج والتي تم اكتشافها من خلال برنامج الفحص بالمركز لعام 1433 أمراض الدم الوراثية مثل الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، والأمراض المعدية مثل الكبد الوبائي بنوعيه “ب” و”ج”. فعلى الرغم من اطلاع هؤلاء الأشخاص على النتائج، وبالرغم من النصائح الطبية التي قدمت لهم من قبل أطباء المركز؛ فإن هناك من يصر على إتمام هذه العقود الزوجية التي تحمل في أرحامها نذر المرض والألم. فماذا يعني أن تصر 24 حالة من حالات الأنيميا المنجلية على إتمام الزواج مقابل 9 حالات فقط أوقفت المشروع؟ وكذلك الحال بالنسبة لمرض الكبد الوبائي “ب” حيث أتمت 167 حالة غير متوافقة الزواج مقابل امتناع 19 حالة فقط؟ وشقيقه الكبد الوبائي “ج” لم يقف حجر عثرة أمام 72 حالة مقابل انسحاب 9 حالات؟
الأرقام السابقة بحاجة إلى وقفة جادة، فهي تكشف عن نوع من التوكل هو أقرب ما يكون إلى التواكل، حيث لا يأخذ المرء بالأسباب التي سخرها الخالق له، ثم ينتظر أن تأتيه أفضل النتائج. صحيح أن الموت والحياة بيد الله تعالى، وكذلك الصحة والمرض، ولكن هذا لا يعني إهمال الأسباب التي تحفظ هذه الحياة الغالية، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج. والقرآن الكريم يأمر الإنسان ألا يلقي بنفسه إلى التهلكة، والنظافة هي عنوان الصحة، ولذلك شدد الإسلام عليها وعلى الطهارة، وهي مرحلة أعلى من النظافة، كما أمر المصابين بالأمراض المعدية باعتزال الجماعة فترة مرضهم. واليوم يُسَّخر العلم لصحة الإنسان، فإذا كان هذا العلم يبين لنا عبر التحاليل المخبرية أن فلاناً مصاب بمرض معدٍ، أو أن الاقتران بفلانة سينتج عنه تعزيز إصابة الذرية بأمراض مزمنة، فلماذا لا يدخل هذا في باب الوقاية الملزمة شرعاً؟
أتساءل أيضاً عما إذا كانت هذه الزيجات تتم لاعتبارات أخرى كالأعراف القبلية والعائلية وربما حتى المادية، بحيث تأخذ صحة العروسين وذريتهما المرتقبة المرتبة الثانية أو الثالثة في الأهمية، وهو مما يؤسف له في عصر العلم هذا، بل ومن قبل أتباع الدين الإسلامي الذي جاء لحفظ ضرورات الحياة الخمس.
ومنعاً للبس، نحن لا نتحدث هنا عن الحكم بالعزوبية الأبدية للمرضى بشتى أنواعهم أو للمعاقين ومن يدخل في حكمهم، فأن يختار الرجل أو المرأة – دون جبر أو ضغوط – الارتباط بمريض أو معاق هو أمرٌ خاص جداً، ويرجع لأولويات واعتبارات كل شخص، فيما لو كنا نتحدث عن الأمراض غير المعدية، أو تلك التي لا تؤثر على سير الحياة الزوجية الطبيعية، ولا يوجد ما يثبت احتمالية انتقالها للأجيال القادمة، وهناك الكثير من الزيجات الناجحة في مجتمعنا من هذا النوع. ومما يستحق التعليق عليه أيضاً، هو كيف يكون قرار المضي قدماً في الزواج بيد العرسان في حين أن الفحص الطبي إلزامي؟ فما فائدة إلزامية الفحص دون إلزامية التقيد بنتائجه؟ هل هي ورقة تقدم للمأذون لرفع العتب؟
صحة الإنسان لا تؤثر عليه فقط، وبالتالي ليس حراً في التضحية بها، ناهيك عن تضحيته بصحة من يأتي بهم للحياة، فأن يصبح لدينا جيل تنتشر فيه الأمراض المختلفة، والتي كان بالإمكان – بأمر الله – تجنبها، هو جريمة في حق هذا الجيل وفي حق الوطن أيضاً، الذي بدلا من أن يصرف جل ميزانيته لتعليمهم وتطويرهم ليرتقوا به للمعالي سيجد نفسه يصرف لتطبيبهم وهم في ريعان الشباب وإلى أجل غير مسمى، فيكونون هم عالة عليه، وهو عالة على غيره إذ يصبح مجبراً لاستقدام من يسد فراغهم في سوق العمل.
ويبقى السؤال: هل نحتاج بعضاً من الحزم والقوة لنحمي مستقبل الوطن من مصير كهذا لمن لا تجدي التوعية معهم نفعاً؟
المقال في جريدة الوطن
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

