مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog, page 11

March 22, 2013

دعوها تقرر.. دعوها تختار

yoga_beach-sunset1صادف نهاية الأسبوع الفائت اليوم العالمي للمرأة، ومع أنني لست معنية كثيراً بهذه المناسبة، التي أراها تكريساً للفكر الذي يعتقد أن الأصل في الإنسان الذكورة والمرأة استثناء من الأصل، أو كأنها كائن فضائي تم القبول به لاجئاً في كوكب الأرض الرجالي، إلا أن هذه الأيام تأتي وتمضي دون أن يتغير الكثير من واقع المرأة في كثير من بقاع المعمورة. ميزة هذا اليوم الوحيدة ربما هو أنه فرصة لملاحقة آخر التطورات والإنجازات النسوية بشكل سريع عبر ما تنشره وسائل الإعلام المختلفة. ولعل الكثير من السعوديين والسعوديات شعروا بشيء من الارتياح لأن وسائل الإعلام المحلية والعالمية وجدت شيئاً جديداً إيجابياً تكتبه عن وضع المرأة السعودية بدل الكثير من التقارير السوداوية التي تعودوا عليها، وذلك لتحقق خطوة في الاتجاه الصحيح عبر جلوس المرأة السعودية تحت قبة “الشورى” للمرة الأولى. خطوة استبشر بها الكثير من النساء السعوديات خيراً، فهي على رمزيتها، إلا أنها دليل على بداية الاعتراف بها كشريك في التخطيط والإدارة على مستوى الدولة. ووسط كل هذه الأجواء الاحتفالية، تطالعنا الصحف بأخبار تجعلنا نشعر بأنه في مقابل كل خطوة للأمام هناك اثنتان للخلف!




نشرت جريدة الحياة في نسختها السعودية يوم السبت 27/4/1434 خبراً محلياً من الدمام بعنوان: (مراكز نسائية تحصي خسائر بـ”الملايين”.. وتلويح بنقل الاستثمارات إلى “الخليج”). وكان مما جاء في ثناياه: “قدرت مستثمرات في قطاع التجميل في المنطقة الشرقية، حجم الخسائر الناجمة عن قرار منع حمام “الساونا” و”المغربي”، إضافة إلى منع الرياضة في المراكز النسائية، والمساج الطبيعي، بـ”ملايين الريالات”، لافتات إلى ما تتطلبه تلك الأجهزة من “كلفة عالية عند شرائها، وأثناء تركيبها”. وذكرن أن الخسائر، الناجمة عن قرارات أمانة الشرقية، ستؤدي إلى “إغلاق مراكز عدة، أو هجرة الاستثمارات إلى البحرين ودبي حسب تعبيرهن.”


 

والحقيقة لا أعرف من أين أبدأ بالتعليق على هذا الخبر؟ هل من الناحية الاقتصادية فأقول بأنها ضربة في وجه سيدات الأعمال السعوديات، وفي وجه الاستثمار المحلي في هذا القطاع الحيوي، لاسيما في المنطقة الشرقية حيث البدائل على مرمى حجر في البحرين؟ أم تكريس للبطالة بين الشابات اللاتي ينافسن في سوق عمل محدود الفرص أصلاً؟ إذ يعمل بعضهن في هذه المراكز كمحاسبات أو إداريات أو خبيرات تجميل، أم من الناحية الصحية والتجميلية؟ حيث إن حمامات “الساونا” من المعروف أنها تنشط الدورة الدموية، وهي موجودة في جل النوادي الصحية حول العالم، ناهيك عن إغلاق صالات الرياضة والتمارين التي توفر الأجهزة الرياضية المختلفة كالممشى الإلكتروني، والدراجات الثابتة، وغيرها، في بلد ترتفع فيه نسب السمنة بين الجنس اللطيف وما يصاحبها من أمراض القلب والضغط والسكر وهذا الأخير بات صديقاً للأسرة السعودية. هذا بالإضافة إلى تأثير السمنة على جوانب حياة المرأة المختلفة، سواء ثقتها بنفسها، وفرصها في الزواج، وحياتها الزوجية، وقدرتها على الحمل والإنجاب وتحمل أعباء الأسرة.


وما لا أفهمه هنا، كيف تستطيع أمانة أي مدينة أو منطقة ما، أن تصدر قراراً متعسفاً كهذا تجاه مرافق كهذه متاحة حتى من قبل الدولة في بعض قطاعاتها الحكومية؟ فهناك نواد رياضية نسائية في بعض الجامعات السعودية، وآخرها افتتاح الصرح الضخم في جامعة الأميرة نورة، وكذلك في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. بل وفي الشرقية نفسها، وفي الظهران تحديداً لدى شركة أرامكو مرفق رياضي نسائي متكامل، والكثير من المستشفيات والعيادات الصحية الأهلية توفر هذه الخدمة نظير مبالغ مادية معينة.


أم نتناول الناحية الترفيهية؟ ففي دولة تقل فيها مرافق الترفيه بشكل عام للجنسين، وتكاد تنعدم تقريباً بالنسبة للنساء، حيث إن النشاطات المتاحة للأغلبية تكاد تنحصر في مركز تسوق ومطعم- وهي بالمناسبة متعتان لا تتوفران في كل المدن والمحافظات- فلماذا يتم التضييق عليهن في هذه الممارسات الترفيهية القليلة المتاحة مثل الحمام المغربي أو التدليك والتي تلجأ لها النساء كنوع من الاسترخاء للتخلص من ضغوط الحياة، أو احتفالاً بمناسبة جميلة مثل الخطوبة أو الزواج؟


 

قد يدور في الأذهان تساؤل عما إذا كان القرار لا علاقة له بالتحليل ولا التحريم، وإنما سببه مخالفة اشتراطات الأمن والسلامة وشروط البلدية الملزمة، وكان يمكن النظر له في هذا السياق فيما لو تم إغلاق عدد من هذه المراكز والنوادي بسبب المخالفات، لكن أن يصدر قرارٌ بإغلاقها جميعاً، فهذا ما يدفعنا للشك في مبرراته. فحتى لو لم يكن ذلك بدواعي المحافظة والتشدد، فإنه كان على الأمانة والبلديات أن تعمل مع ملاك هذه المراكز وإداراتها للعمل على تحسين مواصفاتها وخدماتها حفاظاً على الصحة العامة، لا أن تتخذ القرار الأسهل، والذي تعودنا عليه في كل أمر يتعلق بالمرأة، وهو الإغلاق والمنع. فهناك مخالفات في الأمن والسلامة في الكثير من المرافق التعليمية النسوية الحكومية والأهلية، فهل سنغلق مدارس البلاد وجامعاتها ونحرم الفتيات من التعلم بحجة الحفاظ على أرواحهن؟


 

مشكلة المرأة السعودية مع كافة القوانين المكتوبة وغير المكتوبة، بما فيها الأعراف الاجتماعية، وكذلك مع التشريعات والتنظيمات الإدارية، تتلخص في عدم منحها حق الاختيار لتقرر كيف تعيش حياتها وتدير أمورها حين تشب عن الطوق مثل أخيها الرجل. لا أحد يستطيع، أو حتى يريد، أن يجبر امرأة على أن تدرس بعد مرحلة التعليم الإلزامي، أو أن تعمل في وسط نسائي محض أو مختلط، أو تقود السيارة، أو تدخل مجلس الشورى، أو تمارس الرياضة، أو تذهب لصالون التجميل، أو تسافر في بعثة، فهي امرأة مسلمة وعربية راشدة، ولها أن تقرر مع أسرتها ما يصلح لها من أمر دينها ودنياها، وخياراتها ستنعكس عليها بالدرجة الأولى، وبعائلتها المقربة في الدرجة الثانية، ولن يدخل غيرها الجنة أو النار نتيجة لممارساتها الشخصية. والأصل في الأمور الإباحة، ولن تخرج من دائرة التحريم إلا بدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع والقياس، وللأسف فإنه لا يكاد يوجد دليل واحد يمنع أو يحرم مطالبات الشرائح الواسعة من نساء المجتمع السعودي، لكنه الهوى.. قاتله الله!


 


 


المقال في جريدة الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 22, 2013 14:16

March 6, 2013

الحرية.. آثار جانبية

TwitterLies

مع انتشار وسائل الاتصالات الحديثة، ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، التي فر الناس إليها من جمود وسائل الإعلام التقليدية وخطوطها الحمراء والصفراء والبنفسجية، وجدت الشائعات ومن يقتات على ترويجها أرضاً خصبة غير مسبوقة للتكاثر والانتشار.. أمرٌ يحاول غض الطرف عنه المهووسون بحرية الإعلام الاجتماعي المتحرر من سلطة الحكومات المحلية، والمؤسسات الدولية، والكيانات الإعلامية. فبجانب كل باب فتح من أجل معلومة صحيحة وقضية واقعية سُدت في وجهها ظلماً أبواب الإعلام التقليدي محلياً أو دولياً، فُتح ألف باب أمام القصص الوهمية، والمعلومات الخاطئة والحملات الكاذبة.

في الأيام الماضية مرت بنا على الصعيد المحلي قصتان تستحقان التوقف عندهما. القصة الأولى لفتاة قيل إن اسمها (تهاني مليباري)، كانت لها علاقات واسعة في تويتر، عرفنا فجأة أنها توفيت في حادث سير في فرنسا بعد يوم من آخر تغريدة لها، وحسابها بات يدار، ولمدة ثلاثة أيام من قبل ابنة خالتها المزعومة (سميرة حلواني)، التي قدمت لنا أيضاً عنوان العائلة للعزاء. ولأننا تربينا على أن للموت حرمة وقدسية، وأن الإنسان قد يكذب في أمور الحياة بينما يحترم هيبة الرحيل، فقد انسقنا وراء القصة، خاصة أن هناك سوابق لمغردين ومغردات كانوا بيننا وفارقوا الحياة.. وهكذا تحول تويتر إلى سرادق عزاء يضج بالدعاء للمرحومة، وفتح بعض المغردين حسابات خاصة كصدقة جارية من أجل الدعاء لتهاني، ويا لنا من شعب طيب! وكما تلاحظون فالأسماء المستخدمة هنا هي لعائلات حجازية معروفة، تماماً كما استخدمت القصة الثانية اسم قبيلة عريقة.



آخرون لم تقنعهم هذه القصة، خاصة وهم قد تصفحوا حساب الفتاة وشعروا أنهم أمام امرأة غير طبيعية من ناحية الانحلال الخلقي والهوية الجنسية. هؤلاء الأبطال ارتدوا قبعة المحقق كونان فتتبعوا الخيط من باريس، فاتصلوا بالفندق الذي ادعت نزولها فيه فلم يجدوا أحداً بهذا الاسم، ثم تواصلوا مع السفارة السعودية هناك، فأكدت عدم ورود خبر وفاة أي مواطن سعودي في فرنسا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وذهب بعضهم لعنوان العزاء المذكور في جدة فلم يجدوا بيتاً تقطنه عائلة بهذا الاسم في تلك المنطقة، وكانت النتيجة ليس أن (تهاني) لم تمت، بل إنها على الأرجح لم تولد قط! وبالمزيد من البحث والتدقيق تم التوصل إلى كونها شابا استخدم هذا الحساب للإيقاع بالمغردين من الجنسين، ولسبب ما انتهى غرضه أو اكتملت خطته – أياً كانت- وحان الوقت لإقفال الحساب بطريقة درامية!



أما القصة الثانية ففيها شحنة الدراما عالية أكثر. وأستطيع أن أطلق عليها سلفاً اسم فيلم (دموع يتيمة)، وبطلتها فتاة اسمها (مها العتيبي)، اتصلت عبر برنامج (لست وحدك) من إذاعة المملكة العربية السعودية خلال الأيام القليلة الفائتة، وأبكت كل من استمع لها.. فهي شابة يتيمة الأب، وأمها لديها انفصام في الشخصية، وليس لها سند في الحياة بعد موت جدها، وليس لديها شهادة ولا وظيفة ولا دخل، وعائلتها مهددة بالطرد من مسكنها في حالة توفيت جدتها، وناشدت الوطن والمواطنين أن يساندوها قبل أن تنهار. وثارت كل مشاعر النخوة والشهامة في شعبنا الطيب، فهناك من بدأ يرغي ويزبد ويتحدث عن تقصير الدولة، متسائلين مع المذيع: أين الضمان الاجتماعي؟ وأين هم أثرياء البلد؟ وآخرون أنشدوا القصائد يستثيرون فيها نخوة قبيلتها خصوصاً، ومجموعة ثالثة لم تملك سوى الدعاء والبكاء، والمجموعة الرابعة والأهم بدأت تتقصى عن أخبارها وتحاول إيجاد صيغة عملية يمكن من خلالها تقديم الدعمين المادي والمعنوي لها.



وفي فورة الاهتمام بـ (مها) التي غدت رمزاً للمحرومين والمهمشين، نشرت عدة مصادر إعلامية، على رأسها صحيفة (أنحاء) الإلكترونية، وكذلك موقع صحيفة (الجزيرة) الإلكتروني، تصريحات منسوبة لوزارة الشؤون الاجتماعية على لسان وكيلها للضمان الاجتماعي محمد العقلا، بعد أن قامت الوزارة بالتحري عن القضية، جاء فيها: ” أولاً: ليس هناك (مها) ولا محافظة الخرمة في الموضوع، كما أن المواطنة الكريمة متزوجة وكذا أختها، والضمان عائل من لا عائل له، والمواطنتان كانتا مستفيدتين من الضمان قبل الزواج، أما إخوان المواطنة الكريمة فهم في سن العمل (32،30،25 عاماً)، والضمان لا يحق لقوي مقتدر.. وهي تسكن في ضاحية قريبة من الطائف، والسكن جديد ومكون من ثلاثة أدوار وتقطن في شقة منه، والسكن ملك لأحد الإخوة. ووالدتها متزوجة، بينما والدة إخوتها من أبيها فهي المريضة نفسيا مشمولة بالضمان، وصرف لها مساعدة عاجلة قبل سنة، ولديها راتب تقاعدي، وأحد الإخوة كان مبتعثا لدراسة العلوم البحرية في إحدى الدول العربية”.. وكانت التبرعات من أهل الخير قد انهالت لأجلها وشملت منزلاً وما يقارب المليوني ريال سعودي، بحسب ما ذكرته (أنحاء).



فهل نحن سذج إلى هذا الحد، أم إن الآخرين قد بلغوا منزلة عالية من التمثيل؟ وعواطفنا الإنسانية العالية، وكرمنا العربي الفطري، هل يصبحان أكثر ضرراً منهما نفعاً، إذ يورطاننا أحياناً لنتعاطف مع القضايا المزيفة وأصحابها الوهميين، ولا سيما عبر التقنيات الحديثة؟



مغرد اسمه ماجد لخص الحكايتين بقوله إن العلاقة التي تربط بين الفعل من (تهاني) امتداداً إلى (مها) توضح أن عاطفتنا كما فكرنا مفعول بهما منصوب عليهما!



وهل ما زلنا مصرين على الاحتفاء المطلق بوسائل الإعلام الاجتماعي، وعلى رأسها “تويتر”، فنغدق عليه ألقاب التفخيم والتعظيم، فهو إعلام المواطن، والإعلام الحر، والإعلام الحقيقي، وإعلام الناشطين والمناضلين والثوار، أم علينا أن نعيد النظر في رؤيتنا له؟ فحريته وعدم خضوعه لسلطة أحد، ولا مروره بلجان تدقيق وتحقيق، والتي تعتبر أهم مزاياه، هي أيضاً من أهم عيوبه، إذ إن أبوابه مشرعة بالتساوي للأشرار كما الأخيار، وللمصلحين كما الإباحيين، وإنه كما ينجح في تجاوز الخطوط الحمراء للسلطات والحكومات لينشر الحقيقة التي لا يراد لها أن تنتشر، فهو قادرٌ في اللحظة ذاتها على تزييف الوقائع بريشة فنان.. فما الذي يمنع اليوم شخصاً لديه مشكلة مع آخر من إنشاء حساب باسمه، ويورطه في مشكلات أسرية أو قانونية؟ أسئلة جديرة بأن تطرح وتناقش لعلنا ننجح أخيراً في الاستفادة من مزاياه الرائعة مع التقليل من آثاره الجانبية.



المقال في جريدة الوطن السعودية



 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 06, 2013 06:43

الروضة ..والسكينة المفقودة

Tranquility2


عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ (، وحين تخطر الجنة على بال المرء يتخيل مكاناً فيه من الراحة والدعة والسكون والسلام ما ليس له مثيل في دنيا البشر. وصحيح أننا نتكلم هنا عن موقع دنيوي هو الروضة النبوية الشريفة بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلا أن النفس كانت ولازالت تتمنى أن تكون هذه البقعة المباركة صورة مصغرة لتلك الجنان التي ندعو الله متضرعين له أن يرزقنا الخلود فيها. لا سيما وأنه يرقد فيها سيد البشر، وبما أننا مأمورون بأن لا نرفع أصواتنا عنده حياً أو ميتاً، فإن الرغبة في الإحساس بالسكون والطمأنينة في هذا المكان تتعاظم.


كنت قد زرت المدينة المنورة لأول مرة وأنا طفلة، يومها أتذكر بأن النساء لم يكن مفصولات ومحشورات بالطريقة التي أراها اليوم، بعد أن حرمن من “المواجهة” لقبر النبي، وبعد أن تحددت أوقات الزيارة لهن بثلاث مواعيد فقط، وسط تزايد هائل في أعداد الزائرات. ففي زيارتي الأخيرة فوجئت بتنظيمات غريبة لم أرى لها نتائج إيجابية. فابتداء أوقات الزيارة للنساء قليلة قياساً بأعدادهن، ومن ثم يتم تقسيمهن إلى مجموعات للزيارة بحسب الجنسية: الخليج والعراق، بلاد الشام، مصر، تركيا، ماليزيا، وهكذا. ومع أنني أعرف بأن الهدف من ذلك تنظيمي بحت، وأنه من أجل سهولة التخاطب مع كل مجموعة بلغتها، إلا أنه في الوقت نفسه شعرت بنوع من الغصة إذ يحضر في هذا المكان انتماء آخر غير الانتماء لأمة الإسلام. فها نحن ندخل إلى هذا الجزء من الجنة كقبائل وشعوب، ونسلم على رسول الله ونحن نرفع لافتات الأمصار التي رسم خرائط معظمها الاستعمار.


ومع ذلك، فلو أن هذه التنظيمات التي يبدو أنها مقتصرة على الجانب النسائي فقط، نفعت بالفعل في التحكم بحركة الزائرات، ولو أننا دخلنا للروضة بسكينة ووقار، وصلينا ركعتين بخشوع، لما كان عندي اعتراض عليها، فللضرورة أحكام. لكن الذي حصل هو أن معظم الزائرات لم تستطع أن تنتظر دور مجموعتها لثلاث ساعات، فالوقت متأخر بعد صلاة العشاء، والنساء متعبات، ولبعضهن التزامات أسرية أو ضرورات صحية، فما أن فُتح الباب حتى اندفعت النساء راكضات باتجاه الروضة الشريفة، ووجدنا أنفسنا في وسط أمواج متلاطمة من البشر تعصرنا عصراً، حتى لكأننا نطوف في الصحن الشريف في مكة المكرمة في ليلة السابع والعشرين من رمضان. وارتفعت أصوات الصياح والخوف من الدهس والسحق من قبل الكثير من الزائرات، فنحن أتينا نرجو الثواب لكننا وليس لنلقي بأيدينا إلى التهلكة! فللحظة نسيت أين أنا، ولا ما كنت أنوي فعله، فقط كنت أبحث عن مخرج سريع دون أن أؤذي نفسي أو غيري، ثم صاحت زائرة بأننا صرنا في الروضة فعلاً فانتبهت بصعوبة للسجاد الأخضر تحتنا، وأقصى ما تمكنت من فعله لحظتها هو الصلاة على النبي والدعاء بسرعة فيما أحاول حماية نفسي من السقوط.


وحين خرجت شعرت بالخجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد أكثر من ألف سنة على وفاته، لازالت أمته غير قادرة على تنظيم زيارة مسجده كما يليق به وبرسالة الإسلام الخالدة التي عنوانها النظام، والتي لم تترك ناحية من نواحي الحياة إلا ونظمتها بما في ذلك دخول الخلاء –أجلكم الله-.


ثمة عوامل عديدة تؤدي إلى هذه الفوضى في المشاعر المقدسة، فمنها كثرة العدد في الفترة نفسها، ولعلنا هنا نطرح جدوى فتح باب العمرة طوال العام، وإعطاء عدد لا محدود من تأشيرات الزيارة دون حساب للطاقة الاستيعابية للمسجدين الشريفين سواء في الحج أو العمرة أو الزيارة. فالهدف ليس أداء العبادة فقط حتى لو لم تكن هناك لحظة خشوع واحدة، أو حتى لو ترتب عليه ضرر للإنسان أو من حوله، وإنما الغرض زيارة بسكينة ووقار، تؤدى فيها المناسك كما يجب، ويخشع فيها القلب لخالقه. وقد سبق أن زرت مساجد وكنائس ومعابد بغرض السياحة، وكان القاسم المشترك بين كل دور العبادة هو هذا الهدوء الذي يغمرها، فالأديان جاءت لتعلم الإنسان السلام والتصالح مع نفسه ومن حوله. ومهما أقمنا من توسعات في مكة والمدينة فلن تستوعبا هذه الأعداد الهائلة من المسلمين، فالحل إذاً قد يكون بضبط الأعداد، ونظام المحاصصة للعمرة كذلك، فلا يكون الهدف شغل الفنادق والأبراج السكنية فحسب.


وهناك طرق تنظيمية أخرى لزيارة بقعة صغيرة مثل الروضة، فمثلاً يمكن العمل بنظام تذاكر مجاني على شكل أساور، الغرض منه تحديد وقت دخول كل زائر، وهو تنظيم معمول به في الكثير من المرافق السياحية التي يزورها السواح دفعة واحدة، إذا تعطى كل مجموعة، ولنقل مائة شخص، وقتاً محدداً مثلاً من الساعة الرابعة حتى الرابعة والربع ثم تخرج، وتدخل مجموعة ثانية وهكذا. ويتم تنسيق ذلك للأفواج القادمة من الخارج عبر حملاتهم، ولحجاج وزوار الداخل عبر مكاتب وأكشاك خارج المسجد النبوي. فأن تتاح لك زيارة واحدة تصلي فيها بأمن وسكينة وخشوع خير من زيارات متعددة لا تعلم فيها ماذا تقول، وقد تخرج منها بكتف مخلوع أو رجل مكسورة.


الأمر الأخير متعلق بهذا الفصل الصارم بين الرجال والنساء في المسجد النبوي، وهو أمر لم يكن له أصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، والذي من نتائجه تحديد وقت الزيارة للنساء بحيث يحولها لتصبح شاقة ومتعبة، والقاعدة الفقهية تقول بأن الضرورات تبيح المحظورات، وذلك لمن يرى بأن الاختلاط في المشاعر من المحظورات.


من المحزن جداً أن نشاهد الملايين حول العالم يزورون المرافق السياحية أو المهرجانات الغنائية بنظام وترتيب في حين لا نرى ذلك في أقدس البقاع، وجزء من السبب يرجع لتنظيم المسؤولين عن هذه المرافق، والجزء الآخر لوعي الحجاج والمعتمرين والزوار للأسف، وفي كل الأحوال، فإن الوضع لا يسر وهو بحاجة للكثير من الجهد والتنظيم ليصبح لائقاً بهذا الدين العظيم.



 المقال كما نشر في الوطن



 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 06, 2013 06:29

February 13, 2013

حمزة وتركي وحدود الحرية

zipped-mouth


سيصرخ أحدهم محتجاً ما إن يقرأ العنوان قائلاً بأنه ليس للحرية حدود، لاسيما إذا كنا نتحدث عن حرية التعبير لأنها حق من حقوق الإنسان، وهو قول مردود عليه تاريخاً وواقعاً معاشاً في العالم كله، فحتى الدول التي تعد دساتيرها الأكثر محاباة للحرية لديها دائماً استثناءات تحفظ ثوابت الأمة، وتراعي قيم الأغلبية ومشاعر الأقلية، وجريمة التشكيك بمذبحة “الهولوكست” النازية في أوروبا أقرب مثال.


وإذا كنا سنتحدث عن دستور بلد من بلاد المسلمين، والذي يفترض أن يكون مستمداً من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في المقام الأول، فإننا نجد نصوصاً واضحة فيهما تدل على عظم الكلمة، وعدم الاستهانة بمعناها، إذ قد تخرج الإنسان عن دينه إن صاحبها نية فاسدة وإصرار على الخطأ بعد بيانه، ولعل في حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل خير دليل على ذلك، إذ قال: “ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ”.


حرية التعبير واحدة من أبرز القضايا الشائكة التي تصارعت عليها التيارات في معاركها الفكرية في العالم الإسلامي، فالليبراليون وغيرهم رفعوا راية حرية التفكير والتعبير، أو يافطة الضرورات الفنية والأدبية والشعرية، ليبرروا نصوصاً أدبية، أو مقالات صحفية، أو تصريحات إعلامية، أو مشاركات فكرية وفنية، يخرج بعضها عن المقبول لدى المجتمع المسلم، ويقع بعضها الآخر في محظورات شرعية بشكل مبطن أو صريح. والأمثلة التي دار حولها اللغط كثيرة، نذكر منها: كتاب آيات شيطانية للكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي، ورواية وليمة لأعشاب البحر للسوري حيدر حيدر، وهذه الأغلال للسعودي عبدالله القصيمي، وفي الشعر الجاهلي لطه حسين.


في المقابل، فإن الكثير من المنتمين للحركات والتيارات الإسلامية، متهمون بأنهم يصطادون في الماء العكر، وإن بعضهم يستخدم عصا الدين ليهاجم الأشخاص الذين لا يروقون لهم فكرياً أو مذهبياً أو حتى مناطقياً، فيحورون كلام خصومهم بحيث يبدو وكأنه بالفعل مخالفٌ للشريعة وقادحٌ فيها، ومن ثم يتم تهييج الجماهير، المتدينة بطبعها، للنيل من هذا الشخص، سواء صح ما قالوه فعلاً أو كان في الأمر شبهة. ففضيلة حسن الظن ليس لها موقع من الإعراب في هذه الحرب الضروس، ويكون الثمن حرية شخص ما، أو سمعته، أو حتى حياته.


الشخص المحايد يستطيع ـ مفترضاً حسن النية لدى كلا الطرفين ـ أن يدرك بأن وجهتي نظرهما تستحقان الأخذ بالاعتبار. فلا أحد يريد أن يعيش في مجتمع يحصي عليه أنفاسه وكلماته ثم يفسرها على هواه، بحيث لا تبقى مساحة للتفكير أو الإبداع، في حين أننا ننتمي إلى دين يعتبر التفكر عبادة، وإعمال العقل لإعمار الأرض ضرورة. ولكن في الوقت نفسه، فمن حق المرء أن يعيش في بيئة تحترم ثوابته، ولا تهينها تحت ذرائع الفكر والفن والإبداع. فكيف يمكن التوفيق بين هاتين النظرتين؟


للإجابة عن السؤال السابق، سنتناول قضيتين تتعلقان بحرية التعبير شغلتا مجتمعنا السعودي مؤخراً، الأولى، قضية الشاب حمزة كشغري وتغريداته التي اعتبرت مسيئة للنبي، عليه الصلاة والسلام، على موقع تويتر قبل عام تقريباً، والقضية الثانية حدثت مؤخراً للدكتور تركي الحمد، وهي أيضاً نتيجة تغريدة فهم منها الإساءة للرسالة المحمدية.


في القضية الأولى أخطأ حمزة، وأعتقد أنه حان الوقت للمتعاطفين معه الاعتراف بذلك أولاً، فحتى لو افترضنا حسن النية كما أتصور، فإن هذا لا يبرر تقليل الاحترام لمقام النبوة في خضم استعراض المهارات اللغوية والخطابة الإنشائية، وغضبة الناس منه مفهومة، وكذلك إيقافه المبدئي للمساءلة، حتى لا يتكرر ذلك من غيره، خاصة مع وجود منظرين جدد يسممون أفكار الشباب ويشككونهم في دينهم تحت غطاء الفكر. وإذا كنا قد قاطعنا دولة بكبرها هي الدنمارك نصرة لنبي الرسالة، فسنكون منافقين لو سكتنا عن أي تطاول عليه على مرمى حجر من الكعبة المشرفة. لكن القصـة لا تنتهي هنا، فحمزة حتى قبل أن تتم مساءلته كان قد اعتذر عن التغريدات، ومسحـها، وأعلن توبته. بل إن العلمـاء الذين التقوا معه بعد احتجازه وحاوروه أكدوا ذلك أيضاً، فيبقى السؤال: لماذا ما زال البعض مصراً على أن حمزة يستحق أشد العقوبات؟


أما في قضية الدكتور تركي الحمد، والذي ليس بالضرورة أن تكون من المعجبين برواياته، ولا من المتابعين لطروحاته الفكرية، لتعرف أن أقواله حملت ما لا تحتمل. فقد أعدت قراءة


تغريدته محل الخلاف عدة مرات، وكان معنى المجاز فيها واضحاً من وجهة نظري وحسب ما فهمته عن حاجة الأمة لمجدد يضبط انحراف أمة محمد اليوم، كما كان نبي الإسلام مجدداً للانحراف الذي أحدثته البشرية على ملة إبراهيم في ذلك الوقت. فلماذا إذاً كل هذه الضجة وسوء الظن؟ ومع ذلك فأنا أعتب على الدكتور تركي الحمد، وهو رجل قد جاوز الستين، وأستاذ جامعي، وكاتب، وأديب، ألا يكون مدركاً، في هذا العمر وبهذه الخبرة، لطريقة تفكير شرائح واسعة في المجتمع، فيقع في مثل هذا السهو اللغوي، أو أن يخونه التعبير بهذه الطريقة التي تفتح باباً للمترصدين، لا سيما وحادثة حمزة ليست منه ببعيد.


حرية التعبير حق إنساني أقره الشرع الحنيف قبل أن تقره مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وقد ضبطها بحدود ووضع لها أطرا، بحيث لا تستغل للإساءة للأديان أو الرسل أو الأشخاص. فلك أن تعبر عن نفسك ضمن هذه الحدود، لكن حين تأخذك شطحاتك بعيداً، فعليك إذاً أن تتحمل مسؤولية كلمتك وتدفع ثمنها حسب ما يقرره الشرع الحنيف. ولكن من حقك على مجتمعك أيضاً أن يحسن الظن بك حين تخطئ، وأن يفترض في نيتك الخير لا الشر، والسهو لا العمد، ما لم تكن عنده أدلة لا لبس فيها، وما لم تكن معانداً للحق، ومجاهراً بمعصيتك، ومباهياً بتجديفك.


 


المقال في جريدة الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 13, 2013 10:57

February 7, 2013

محتاجين بطل!

beStudioكان هذا عنوان الإعلان الذي قامت بتنزيله إحدى الشركات المتخصصة في تصميم الهوية التجارية للشركات والمحلات التجارية والإعلانات ومقرها الرياض، لتطلب موظفين سعوديين مبدعين للعمل في إدارة العملاء، وتظهر في الإعلان صورة لشاب يرتدي الثوب السعودي ويحمل هاتفه المحمول بيد، وشماغه وعقاله في اليد الأخرى، في حين يغطي قناع إحدى شخصيات الخيال والإثارة (باور راينجرز) رأسه ووجهه! في إشارة إلى أنهم يبحثون عن موظف خارق للعادة ومتعدد المواهب والقدرات لهذه الوظيفة المميزة. وهذا الإعلان هو واحد من أكثر الإعلانات الوظيفية التي اطلعت عليها إبداعاً، سواء في السعودية أو خارجها.

ميزته أنه نجح في إنشاء علاقة خاصة بينه والباحث عن عمل، فبعكس الإعلانات الأخرى التي تحاول أن تصور نفسها وكأنها الجنة الموعودة للشباب بذكر الإغراءات المتعددة التي سينالها من يتوظف لديهم، وتبدو وكأنها تقول إن من حسن حظ هؤلاء أنها ستتكرم بتوظيفهم لديها، فقد قلب هذا الإعلان المعادلة. فهو جعل التميز من صفات هذا الشخص الذي سيتقدم للعمل لديهم، وهنا إشارة تدل إلى تقدير الشركة لموظفيها ومهاراتهم، كما يوضح أن هذا العمل ليس تافهاً ولا بسيطاً، بل قد تكون فيه تحديات وإثارة، بحيث لا يستحق أن يتولاها سوى بطل.


وهذه البطولة لا تحددها مبدئياً -بحسب الإعلان- سنوات الخبرة الطويلة التي يتم تعقيد الخريجين بها، ولا أن تكون ملماً بحزمة من البرامج المكتبية التي قد لا يتطلب عملك إلا واحدا أو اثنين منها (قد يتم السؤال عنها في وقت لاحق، لكن مبدئياً ما يهمهم هو شخصيتك)، ولا اشتراط شهادة من دولة بعينها. فهم لا يغلقونها في وجهك منذ البداية، بل يقولون لك نحن نريد شخصاً مميزاً وغير عادي، ويترك لك الخيار لتسأل نفسك عما إذا كنت هذا الشخص فعلاً، ومن ثم كيف تستطيع أن تقدم نفسك بحيث تقنعهم أنك البطل المنشود. وحين تنتقل إلى موقعهم الإلكتروني ستجد تفصيلات أكثر عن مهام الوظيفة. ولعل انتقادي الوحيد لموقع الشركة هو أنه مصمم بالكامل باللغة الإنجليزية، وهذا ما لا ينبغي أن يكون عليه الحال لموقع أي شركة، حتى لو كانت معظم تعاملاتها بها، فالسوق المستهدفة في النهاية، كعملاء وموظفين، هي السوق السعودية، ولغة المملكة “العربية” السعودية الرسمية ما زالت العربية ويجب أن تبقى كذلك.


وعلى الرغم من أنني لا أعرف الكثير عن هذه الشركة، إلا أن مجرد رؤيتي للإعلان يجعلني أتخيل موظفيها ومكاتبهم العصرية، فهذه فكرة جديدة، وغير مسبوقة في إعلاناتنا المطبوعة، وبالتالي أتصور أن وراءها شبابا طموحا وصاحب أفكار إبداعية، بحيث لم ينتظروا وظيفة رتيبة بساعات عمل محددة، حكومية كانت أو في القطاع الخاص، وإنما بادروا بإنشاء عالمهم المتميز، حيث يمارسون فيها هوايتهم التي باتت أيضاً مصدر رزقهم.


قد يتساءل البعض عن السبب الذي يجعلني أسلط الضوء على شركة ناشئة، والجواب بسيط، ففي ظل أزمة البطالة التي ما زالت تهدد الشباب، ومع المتغيرات التي جلبتها ثورة الاتصالات، والانفتاح على الخارج، وبرنامج الابتعاث، فإننا بحاجة إلى مزيد من هذه الشركات الناشئة، وإلى تبني الثقافة التي تفكر بطريقة عصرية من قبل الشركات الكبرى، ليس فقط فيما يتعلق بطريقتها في الدعاية، وإنما في قوانين العمل أيضاً، إذا أرادت استقطاب الشباب الأكثر كفاءة وإبداعاً.


إذ عليها أن تتعامل معهم بلغة اليوم، وهو ما بدأت تتنبه له كبرى شركات العالم حين لاحظت تسرب كثير من موظفيها النابهين من الشباب، وعندما بحثوا عن الأسباب وجدوا أن من بينها ساعات الدوام التقليدية من التاسعة وحتى الخامسة، وإلزامية الحضور اليومي، في حين أن كثيرا من الشباب تعمل ساعته البيولوجية بطريقة مختلفة، فبعض المبرمجين أو المحاسبين أو المصممين لا يستطيعون إلا العمل ليلاً أو في ساعات الصباح الأولى، في حين لا تعمل خلاياهم الإبداعية على ما يبدو خلال فترة النهار، ويفضل بعضهم العمل وحيداً ووسط عزلة تامة، ولا تساعدهم أجواء المكاتب الصاخبة قياساً بمكاتبهم المنزلية. ولأجل ذلك بدأت بعض الشركات في تغيير طريقة تعاملها مع هؤلاء، فصارت تتعامل معهم على أساس جودة الإنتاج ودرجة الإنجاز بدلاً من تقييدهم بساعات العمل الطويلة ، فالمهم أن ينتهي العمل المناط بهم في الوقت المحدد، وسواء أنجزوه في ساعتين أو ثمان فهذا ليس مهماً. وأصبحت تتيح لبعض العمل من منازلهم سواء أوقات الدوام أو خارجه، على شرط أن يبقوا على اتصال دائم بزملائهم في المكتب عبر برامج المحادثة والبريد الإلكتروني والهاتف الخاصة بالشركة. كما تعمد إلى تقديم مزايا تنافسية لهم خاصة بالعطل والعلاوات والتدريب وغيرها، وتتباهى الشركات الكبرى في أوروبا مثلاً بمراعاتها للشابات في سن الإنجاب والأمهات، بحيث تتم مراعاة احتياجاتهن الصحية والأسرية عبر عقود بدوام جزئي مثلاً، أو العمل عن بعد، أو ساعات عمل مرنة، بحسب ظروف كل أسرة.


كثيراً ما ننظر إلى قضية البطالة أو توظيف الخريجين على أن حلها يكمن في إيجاد وظيفة لهذا الشاب أو الفتاة و”السلام” كما نقول بالعامية، ونتيجة ذلك بطالة مقنعة حيث يعمل الشباب في وظائف لا يحبونها ولا تحبهم، ويأخذون عليها رواتب دون إنتاجية حقيقية لاسيما في القطاع الحكومي، في حين يتم تجاهل إنشاء بيئة عمل محفزة تسمح للشاب أو الفتاة باستخدام ملكاتهم، والاستفادة من قدراتهم، ومن ثم النمو والتطور للانتقال إلى مرتبة أعلى ووظيفة أفضل. وحين يكون لديك موظفون سعداء يقبلون على أعمالهم، ويؤدونها برغبة، فلك أن تتخيل شكل الناتج النهائي، وكيف سينعكس ذلك ليس على أرباح الشركة ومستواها فحسب وإنما على الوطن ككل، فهل نشاهد مزيدا من الشركات والمبادرات التجارية التي تفكر وتعمل خارج الصندوق؟


المقال في الوطن

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 07, 2013 02:55

January 31, 2013

هاي كييكرز!

كييك keek.com هو أحدث خدمة مجانية من تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي، وهو مخصص للفيديوهات القصيرة، إذ يقوم الشخص برفع هذه الفيديوهات الملتقطة عبر كاميراkeek الويب، أو باستخدام الهاتف المحمول عبر تطبيقه المخصص للهواتف المحمولة، إلى موقع الكييك. فهو أشبه بكتابة تغريدة صوتية بدلاً من 140 حرفاً كما في “تويتر”، أو بعملية تحديث الحالة على الـ”فيسبوك”. وهو مشابه في الوقت نفسه لموقع الـ”يوتيوب” في أنه خاص بالفيديو، ولكنه يختلف عنه في المدة الزمنية المتاحة للتسجيل التي يبلغ حدها الأقصى 36 ثانية.

مستخدمو الكييك يطلقون على أنفسهم اسماً مشتقاً منه وهو “كييكرز”. ويرى المحللون أن “كييك” بفيديوهاته القصيرة هو منافس للشبكات الثلاث الأكثر شعبية مجتمعة “تويتر” (الاختصار)، و”فيسبوك” (تحديث الحالة)، “يوتيوب” (فيديو)، بدلاً أن يكون منافساً لكل تطبيق على حدة، ولعل هذا يفسر شعبيته السريعة، حيث لم يطلق تطبيقه للهواتف المحمولة إلا في مارس 2012، فعمره أقل من عام، في حين يبلغ عدد مستخدميه أكثر من 6 ملايين مشترك حول العالم، وكان مديره التنفيذي إيزاك راشيك قد أطلقه من مدينة تورنتو الكندية، حيث توجد مكاتب الشركة الرئيسية اليوم.


وللتطبيق شعبية واسعة في السعودية والخليج، ولكن للأسف فإن هذه المشاركة المتمثلة في نوعية الفيديوهات المرفوعة من قبل جيل المستقبل، هي في أسوأ الأحوال فضائح مصورة، وفي أحسن الأحوال تهريج ممقوت.


لنأخذ، على سبيل المثال، المستخدمة التي تحتل المركز الأول في السعودية، وهي مبتعثة، فهذه الفتاة تحولت عبر كييك، كما تحول غيرها عبر يوتيوب أو الفيسبوك أو تويتر، إلى مشاهير يتابعهم الملايين دون أن يبذلوا جهداً يستحقون عليه الشهرة. فمن يشاهد الفيديو الأكثر انتشاراً لها، سيجده يبدأ بإعلانه رفضها للحجاب بسخرية، مبررة ذلك بأن أسلوب من يأمرونها به في الوطن (وأستميح القاريء عذراً هنا) هو زبالة! ، وبالتالي لم يقنعها، وكأن الحجاب يحتاج لإقناع وليس أمراً ربانياً مفروضاً من فوق سبع سماوات.. فهناك الكثير من الأخوات الفاضلات غير المحجبات اللواتي لا ينكرن وجوبية هذه الشعيرة حتى وإن لم يطبقنها بعد. ولا أعرف من تقصد بهؤلاء أصحاب الأساليب غير المقنعة، إذ يفترض أن من يأمر الفتاة البالغة بالحجاب، إذا لم ترده من تلقاء نفسها، هو عائلتها، فإما أنها تقصدهم، أو أن عائلتها فرطت في أمرها وبالتالي جاء من ناب عن العائلة في القيام بهذه المهمة.


وبالرغم من أنني لا أوافق بالفعل على الكثير من الأساليب التي يتبعها بعض أهل الحسبة، لما فيها من شدة وغلظة أحياناً، وإهانة وإحراج للآخرين في أحيان أخرى، لكن بالمقابل لا أرضى بهذه الوقاحة، فلكل مجتمع قوانينه وحدود لحرياته، فسيلقى عليك القبض لو مشيت عارياً في بريطانيا.


البعض يشهر سيفه مدافعاً عنها وعن غيرها بالتعذر بصغر سنها، ونحن نتحدث هنا عن سن العشرين لا العاشرة، وقد مللنا من إيجاد أعذار للعاهات السلوكية، فعامل الرجل على أنه طفل ومراهق وسيصدق ذلك، وسيواصل التصرف على هذا النحو ولو بلغ الأربعين، وعامله كراشد مسؤول عن تصرفاته، وسيتصرف على هذا الأساس. وللأمانة “فالاستهبال” في “كييك” لا يصدر عن المراهقين والمراهقات فقط، بل كذلك من أمهات وآباء يفضحون أنفسهم وأطفالهم، لعلهم ضحايا زواج مبكر أو مراهقة متأخرة! وأصابت اللوثة بعض المشاهير كذلك، وينسون أن الملايين من الشباب والبنات يتخذونهم قدوة وينتظرون منهم ما هو أفضل من هذا بكثير.


ولا أظن غياب الترفيه وحده سبب تفاهات “كييك”، لأنه، حتى المبتعثون لبلاد “الخضرة والماء والوجه الحسن” يتصرفون بالطريقة ذاتها، وإنما السبب برأيي يكمن في ثلاثة أمور: الترف وغياب الهدف وقلة الاحترام للذات. فالشاب أو الفتاة المحملان بهموم الأسرة أو التزامات المعيشة قد لا يملكان بالأصل هاتفاً ذكياً للعبث، لكنه ترف الوقت والمال. وكذلك لو كان لديك هدف محدد، حتى لو كان تكوين أسرة صالحة وليس فقط تحصيل الشهادات، لما ضيعت وقتك ولما خاطرت بسمعتك، أما قلة الاحترام للذات، والاعتداد الإيجابي بالنفس، فهي مما فشلت فيه التربية الأسرية والنظام التعليمي العام والجامعي في غرسه وتنميته.


سيقول البعض إنني أقسو على الشباب كثيراً هنا، لكنني أعتقد أحياناً بأننا نبالغ فيما نسميه في لهجتنا الحجازية الدارجة “الطبطبة” عليهم حين يرتكبون الخطأ بغض النظر عن درجته، وهذا ربما يأتي بنتائج إيجابية مع البعض، لكنه يأتي بنتائج سلبية للغاية لدى البعض الآخر، تكون مضرة بهم قبل غيرهم، فحتى التربويون وأولياء الأمور في المجتمعات الليبرالية يدقون نواقيس الخطر بشأن ما ينشره المراهقون والشباب عن أنفسهم على شبكة الإنترنت، لأن هذه الأمور تترك أثراً لا يمحى، وقد يندم هذا المراهق بعد سنوات قليلة حين يتقدم لوظيفة فيفاجأ بالرفض، لأن مسؤول التوظيف شاهد – بضغطة زر- صورة مخلة له أو لقطة فيديو سيئة، وهناك أمثلة واقعية لذلك، لدرجة أن إحدى الأمهات الأميركيات تقول إنها تحولت لشرطي تحرٍ في العالم الرقمي، تقوم بالتفتيش وراء أبنائها لمعرفة ما يبثونه عن أنفسهم. فالقضية ليست برنامج كييك بذاته، ولا فيديوهاته السامجة، بل في عقلية الشباب الذين يعول عليهم النهوض بدولهم والارتقاء بأمتهم.


سنختم المقال بصورة إيجابية فنعيد القول إن التقنية سلاح ذو حدين، وإنه بالتوعية والحوار سنجد عشرات الأفكار الرائعة لاستغلال هذه التقنية، ليس فقط بشكل مفيد وإنما ممتع أيضاً. يستطيع المبتعث أن يأخذنا إلى رحلات سريعة لأبرز معالم مدينته، ويستطيع مراهق أن يرينا آخر إبداعاته، أو حتى يقدم لنا نقداً لما لا يعجبه بقالب كوميدي جميل، أو حتى بأسلوب جاد، ويستطيع ثالث مشاركتنا في آخر رسوماته أو هواياته مهما بدت غريبة، وربما تعطينا دودة الكتب لمحة عن آخر رواية قرأتها.

لسنا ضد أن يعبر المراهق عن نفسه أو ينفس عن كبته، لكننا مع أن يحترم نفسه قبل كل شيء، ومن ثم أهله الذين لم يبخلوا عليه، ويحترمنا نحن المشاهدين، فالتلوث أنواع، وما نراه على “كييك” نوع من أنواع التلوث السمعي والبصري.


 


المقال في الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 31, 2013 12:59

January 23, 2013

مولد.. مميز

Prophet_Mohammed2


تُصادف نهاية هذا الأسبوع ذكرى المولد النبوي الشريف، وبدلاً من أن تكون مناسبة لشكر الله على ولادة من أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بأمره وسراجاً منيراً، فإذا بها مناسبة لتجدد الحرب الكلامية الشعواء بين أنصار الاحتفال حتى لو كان هذا الاحتفال لا يضيف شيئاً وليس لدى البعض إلا مناسبة اجتماعية لملء البطون تتخللها فقرات إنشادية وترديد لمدائح شعرية صوفية.


 أما على الطرف الآخر الرافض لتخصيص هذا اليوم بأي احتفال أو تميز من أي نوع، واعتبار ذلك خطأ فادحاً وذنباً عظيماً تخصص له خطب الجمع المتتالية للتحذير منه، في حين لا تنال كبار الذنوب التي لا جدال فيها، ومشكلات المجتمع المستعصية، الاهتمام ذاته. ويبرز سؤال يبحث عن مكان بين طرفي حرب البسوس هذه: أليس هناك حل وسط؟ هل يمكن استغلال هذه المناسبة ودلالتها العظيمة بطريقة مبتكرة للتعريف بالسيرة النبوية من دون الوقوع في البدعة على طريقة احتفالات الموالد الحالية؟

لو سألنا كلا الطرفين لما وجد هذا السؤال من إجابة إلا “لا” واضحة! فأتباع الموالد حالهم يقول “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون”، وأعداء احتفالات المولد سيقولون إن البدعة تكمن في إضافة أي قداسة أو ميزة لهذا اليوم بالذات، وأشك في أننا نستطيع إقناع أي منهما بالعكس، ولذلك فمقالي موجه للطرف الثالث.. الحائر!


أنا واحدة من هؤلاء الحائرين والحائرات. فلسنوات طويلة كنت بتأثير دراستي في المدارس السعودية مؤمنة ببدعية المولد، وسبق واعتذرت عن حضور هذه المناسبة التي يقيمها بعض أهالي الحجاز، ليس فقط في شهر ربيع الأول وإنما في أوقات مختلفة من السنة، لشكر الله على نعمة ما، مثل عودة غائب أو شفاء مريض أو نجاة مكروب وغير ذلك، لكنني في السنوات الأخيرة بدأت أراجع هذه الأفكار المسبقة لسبب بسيط وهو أنني بدأت أستشعر كيف أن الأجيال الجديدة، ولا سيما من المبتعثين وعائلاتهم في الداخل والخارج قد باتت تحتفل – شئنا أم أبينا- بمناسبات قد يتعارض بعضها مع العقيدة الإسلامية، وأعني بذلك عيد ميلاد المسيح عليه السلام (وفق المعتقد المسيحي كابن لله.. حاشا الله تعالى) في الخامس والعشرين من ديسمبر، وعيد الفصح، وعيد رأس السنة، وعيد الشكر، وعيد الهالاوين، وعيد الحب، وغيرها. وجل أطفال المبتعثين، بل وبعض أطفال المدارس العالمية في بلداننا يتعلمون عن هذه المناسبات ويحفظونها عن ظهر قلب، فيما يكادون يجهلون تواريخ المناسبات الإسلامية غير العيدين ورمضان، وهي مناسبات مفصلية لمعرفة تاريخ دينهم وحضارة أمتهم، وكل ذلك لأننا نتحرج من بدعية بمناسباتنا فتحل محلها مناسبات غيرنا. فأحضر لي طفلاً، بل حتى مراهقاً، وأسأله عن تاريخ الإسراء والمعراج؟ أو عن معركة بدر الكبرى؟ أو عن الهجرة النبوية؟ أو عن فتح مكة؟ بل دعه يحكِ لك عن قصة فتح بيت المقدس والعهدة العمرية؟ سيقول البعض ولكن هذه المعلومات تدرس في المدارس! وهنا بالضبط مربط الفرس، فهي تدرس وتحفظ لغرض الامتحان وتنسى، لكنها لا تعاش ولا تسترجع، ولا يحتفى بها بأي شكل يجعل الصغار يطبعونها في ذاكرتهم، وتغدو جزءاً من تكوينهم الثقافي. والصغار لا ينسون، فقد كنت في الخامسة حين قال أبي إنه لن يشتري لعبة من أشهر محل ألعاب في لندن، لأنها مصنوعة في إسرائيل، ولم أعرف يومها ما هي هذه الإسرائيل، إلا أنني فهمت أنها شيء سيئ، وإلى يومنا هذا وأنا أكره الصهيونية وأقاطع المنتجات الإسرائيلية بحزم، وأتعصب للحق الفلسطيني.


والمولد هو واحد من هذه المناسبات، التي يمكن استغلالها للتعريف بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة خلاقة، ولا سيما في زمن تعرضت فيه هذه الشخصية العظيمة إلى التشويه المتعمد من قبل أعداء الإسلام كما في حالة الرسام الدنماركي، بل ومن بعض المنتسبين له بالولادة مثل الكاتب الهندي الأصل ، البريطاني الجنسية سلمان رشدي. ولأن الإسلام دين ينص على أن الأعمال بالنيات، فالنية التي تحضر هنا ستكون الدفاع عن الثقافة العربية الإسلامية في مواجهة مد تغريبي هائل، سواء بشكل متعمد أو عفوي، في ظل ثورة الاتصالات الحديثة، مقتبسين في ذلك أضواء من الهدي النبوي الشريف.


قمت بطرح هذه الفكرة في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) عبر الوسم (# مولد ـ مميز)، لاقتراح كيف يمكن إخراج هذه الفكرة إلى حيز التطبيق. وكان الهدف هو أن يتم تخصيص شهر ربيع الأول بأكمله، من أجل إقامة مهرجان السيرة أو النبوة، على غرار ما نشاهده في مهرجانات مثل الجنادرية وعكاظ بل وحتى اليوم الوطني، مع الفارق في المحتوى والهدف بالطبع. وفي ذلك أيضاً إعلاءٌ للتأريخ الهجري الذي يوشك هو أيضاً أن يندثر. ومن الأفكار التي قدمت إقامة مسابقة سنوية للمبدعين في التعريف بالسيرة النبوية عبر الفنون من مسرح وعروض للصغار (مسرح للعرائس) أو الكبار أو التقنيات الرقمية، أو جهود الترجمة، أو الأدب، أو فنون الخطابة والإلقاء، وأن تستخدم هذه المشاركات نفسها في المهرجان الذي سيحضره المواطنون والمقيمون، المسلمون وغير المسلمين والذين يشتكي بعضهم من أنهم يقيمون في بلادنا عقوداً ولا يجدون فرصة حقيقية للتعرف على ديننا وتاريخنا.


ليس لدي شك في أن أنصار الاحتفال بالمولد النبوي والمعارضين له يتيهون حباً في أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الحب هو الذي يجعلهم يدافعون عن مواقفهم بحماسة ويحاربون الرأي الآخر بالحماسة ذاتها، ومع احترامي لهما إلا أن معاركهم الفكرية هذه تظل معارك نخبوية تحصل في أبراج عاجية، وينشغلون بها عن متابعة ما يجري على أرض الواقع، وإلى أين يتجه شباب الأمة. وأظن أن من أعظم الحب لنبينا هو أن تبلغ رسالته ونحفظ أمته من حالة العولمة الجارفة، وإذا تحقق ذلك من طريق ما، فلم لا نسلكه، خاصة أننا لا نتحدث عن نصوص قطعية الثبوت والدلالة في الوجوب أو التحريم؟


 


المقال كما نشرته جريدة الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 23, 2013 01:57

January 16, 2013

الفقر.. عدوها الأول

Poverty

لا شك أن الحدث الأهم في البلاد هذه الأيام هو تعيين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- لثلاثين سيدة، من أصل مائة وخمسين عضواً، عضوات في مجلس الشورى للمرة الأولى في تاريخ المجلس. وهي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إشراك المرأة السعودية في الشأن العام بشكل أكثر وضوحاً وفعالية، وإشارة إلى أن المملكة ماضية قدماً في مسيرتي الإصلاح والتنمية. وبالرغم من أن الطريق لا يزال طويلاً وتعترضه عقبات وصعوبات، إلا أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ولهذا فإن هذه الخطوة جديرة بالاحتفاء، وهذا الحديث يشكل دفقة أمل لجيلنا والأجيال القادمة بأن المستقبل سيأتي بالأفضل، إن شاء الله.


تصادف أيضاً أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية غطت الصحافة السعودية، وعلى رأسها صحيفة الوطن، قضية فتاة سعودية عشرينية تم تزويجها غصباً من رجل ثمانيني، وقد هربت منه قبل أن يبني بها، وتدخلت هيئة حقوق الإنسان السعودية وتمكنت من إنهاء هذا العقد بالتراضي بين كافة الأطراف بعد رد المهر للعريس. إلى هنا والقصة تبدو عادية، فقد تكررت لدينا كثيراً حتى ما عادت تستحق المتابعة، بل قد تكون أقل من عادية حيث إن العروس هنا ليست قاصراً كما في بعض الحالات السابقة، ولربما كنت سأعلق للوهلة الأولى، كما فعل الكثيرون عبر الصحف ومواقع الشبكات الاجتماعية، بالتعليقات إياها والتي تتحدث عن الظلم الذي تتعرض له المرأة، وأن الرجل، أباً كان أو زوجاً يعدها سلعة تباع وتشترى، وأن الأهالي يبحثون عن الإثراء السريع عن طريق المغالاة في المهور. وسيتطرف آخرون ويضيفون بأن السبب كله وراء ما حدث هم شيوخ الدين أو المتشددون والذين يعتقدون – والكلام لهذه الفئة- بأن المرأة نكبة وفتنة وشيطان لا يمكننا أن نأمن شرها إلا بتزويجها لأول طارق.


تفصيل صغير رأيته في صـورة نشرت مع هذه القصة جعلني أنظر للقصة مـن زاوية مختلفة تماماً، زاويـة يتم للأسف إهمالها دوماً، لأنها ببساطة لا تخدم معركة الاستقطاب بين المتشددينhouse_poverty والليبراليين الأزلية، وهي قضية الحاجة والعوز. فالصورة تظهر رجلاً يقف مع طفله أمام منزل صغير من القش!

فنحن إذاً لسنا أمام أب متجرد من المشاعر وشخص يبحث عن الإثراء عن طريق بيع ابنته، بل نحن أمام إنسان مسحوق ضاقت به السبل وهداه تفكيره البسيط بأن يزوج ابنته لمسن ثري مقابل خمسة وأربعين ألف ريال، وبالتالي يسهم هذا المبلغ في إعالته مع زوجته وأطفاله الاثني عشر، في حين ستتخلص ابنته في الوقت نفسه من هذه المعيشة الضنكة وتنتقل لسكن سيكون بالتأكيد أفضل من هذه العشة. فبحسب ما نشرته جريدة الشرق عن والد شريفة واسمه علي شويعي وهو من سكان قرية الشبقة في جازان “دفعني الفقر لتزويج ابنتي من المسن حيدر الذي يكبرها بسنوات كثيرة، فقد عشنا حياة ضنكاً لا يعلم بها إلا رب العباد، كما أني لا أملك أي أوراق تثبت هويتي، وكذلك ابنتي، فقد منعتني ظروفي المادية عن متابعة معاملاتي في الجهات الحكومية، لأحصل على بطاقة أحوال”.


حين شاهدت الصورة ومن ثم قرأت ما ذكره والدها شعرت بالخجل من نفسي، لأنني عندما سمعت بالخبر للمرة الأولى حكمت في سري عليه وعلى أسرته بشكل مسبق بأنهم جهلة وطماعون يبيعون فلذات أكبادهم لأجل حفنة دراهم، ولم يكن يدور في ذهني وقتها أن السبب وراء هذا التصرف أبسط بكثير مما تخيلت وأصعب بكثير مما ظننت، وهو السبب الذي يقف خلف الكثير من الجرائم منذ قديم الأزل: الفقر المدقع.


كيف نطلب من شخص يصارع مع أسرته الجوع كل ساعة، والهم كل يوم، بأن يتصرف كمواطن صالح ومسلم واع؟ هنا رجل محروم من حق إثبات المواطنة، لأن مركزيتنا القاتلة تجبره على السفر للرياض لاستصدار هوية ولكنها لا توفر له في الوقت نفسه المواصلات المجانية التي تمكنه من تحقيق ذلك، ومن دون هوية فلا تعليم ولا صحة ولا ضمان اجتماعي ولا مسكن ولا شيء إلا رحمة رب العالمين وما يجود به المحسنون. هذه قضية لا علاقة للمحافظين بها ولا شأن لليبراليين فيها، هذه قضية الإنسان المطحون حتى النخاع في بلد بلغ الفائض في ميزانية هذا العام رقماً فلكياً غير مسبوق. الغريب أنني لم أقرأ في ثنايا التغطيات الإعلامية المختلفة لهذه القصة تفصيلات تتحدث عن كيفية دعم هذه الأسرة بعد الطلاق، فدور هيئة حقوق الإنسان يجب ألا يكمن فقط في إبطال زواجات الإكراه وحل قضايا العنف الأسري، وإنما كذلك ضمان تحقق الحد الأدنى من مقومات الحياة لهذا الإنسان.


لعل هذه القضية المؤسفة جاءت في وقتها ومتزامنة مع جلوس المرأة السعودية تحت قبة مجلس الشورى، ومن المتوقع أن تنصب اهتمامات هذه السيدات في المقام الأول على قضايا المرأة الملحة، والتي قد يبدو سببها ظاهرياً مجرد لعبة شد الحبل بين القطبين الأعلى صوتاً في المجتمع، لكن في الحقيقة فإن مثلث الفقر والجهل والمرض كثيراً ما يكون كامناً خلفها، فإذا أردنا إصلاح وضع المرأة السعودية، فذلك لن يتحقق دون النظر لها من هذه الزاوية ودون تحسين أوضاع الأسرة السعودية بشكل عام وتهيئتها لأن تكون هذه البيئة الحاضنة للجنسين معاً.


فإذا كانت المعيشة الضنكة نكبة وبلاء على الناس بشكل عام، فإنها في حالة المرأة والطفل تكون أشد، لأنهما الحلقات الأضعف في المجتمع، وغالباً ما يقدمون كقرابين في معركة الحياة والموت مع هذا الوحش.


 


المقال في جريدة الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 16, 2013 04:55

December 26, 2012

الوجه القبيح للإعلام

newspaperيُفترض بالإعلام أن يكون وسيلة لنشر الأخبار وتقصي الحقائق، وأن يكون هدفه المصداقية قبل أي شيء آخر، مما سيؤهله لأن يكون سلطة رابعة بعد السلطات الثلاث: القضائية والتشريعية والتنفيذية. وهو يتمتع بميزات تخوله أن يراقب ويعري الحكومات وكذلك المعارضات، والمسؤولين كما المواطنين. وكم أسقط الإعلام الجاد من حكومات منتخبة كما حصل في قضية الرئيس الأمريكي نيكسون وفضيحة “ووترغيت”، وكم سلط الضوء على قضايا جوهرية ودفع الحكومات لاتخاذ قرارات صارمة وشجاعة . وهو كذلك ذاكرة الزمان وحافظ التاريخ، فالعديد من القضايا الهامة تتم العودة إليها اليوم عبر تصفح ما ذكرته وسائل الإعلام عنها آنذاك. وبالرغم من اعتقادي بعدم وجود إعلام مستقل، ولا حتى في زمن الإعلام التفاعلي الشبكي، ومع معرفتي بأن الإعلام عموماً يبحث عن الخبطات الصحفية والمفرقعات الإخبارية، إلا أن درجة الاستقلالية والمصداقية تتفاوت كثيراً ليس فقط من بلد لآخر وإنما من صحيفة لأخرى في البلد الواحد. فهناك صحف رصينة وأخرى توصف بأنها صحافة صفراء تقتات على الفضائح، وتقدم الإثارة على الحقائق. لكن المشكلة الأكبر تقع حين يسيطر هذا النوع الأخير السيء من الصحافة على جل مصادر الإعلام في بلد بعينه، بحيث تصبح الحقيقة هي الضحية، ويغدو الأمر أكثر إيلاماً في حالة تعلق الموضوع بحياة إنسان أو سمعته، خاصة إذا كان قد فارق الحياة وبالتالي لا يستطيع الدفاع عن نفسه.


قبل بضعة أشهر تعرض مبتعث سعودي للقتل في إحدى دول الابتعاث الأجنبية، وإذا كان خبر القتل قد نزل نزول الصاعقة على أهله المكلومين، ففقدان ابن هو مصيبة عظمى بكل المقياس، فما بالكم إذا كان قد مات مغترباً ومقتولاً؟!، إلا أن التغطية الإعلامية البائسة في صحافتنا قد زادت من معاناة العائلة وجرحها. فهذه التغطيات كانت تستند في أحسن الأحوال على افتراضات لا أساس لها من الصحة، وأخرى تحمل تفصيلات خاصة لا تهم القارئ، وثالثة تستقي معلوماتها من صحف أجنبية ثم تقدم ترجمة ركيكة وغير صحيحة لما ذكر فيها، كل هذا قبل استكمال التحقيقات وقبل وصول جثمان القتيل، وقبل ظهور النتائج النهائية من قبل السلطات الأجنبية. وهو ما دعا القائم بأعمال سفارة خادم الحرمين الشريفين في ذلك البلد للتعبير عن استياءه من هذه المعلومات المتداولة في إعلامنا المحلي عن ظروف وملابسات الحادث واعتبرها ليست سوى تكهنات.


ووصلت الجرأة ببعض الصحف إلى درجة نسبة أقوال زوراً إلى عائلة الفقيد، وحين اعترضت العائلة لاحقاً لدى تلك الصحيفة عن هذه الافتراءات عرض عليهم الصحفي (كاتب الخبر) تقبيل رأس والد القتيل! وكأن هذه القبلة ستزيل الضرر الناتج عن نشر صورة ابنهم في الصفحة الأولى والاتهامات المبثوثة هناك من دون أدلة. والدقة الإعلامية مفقودة حتى في أمور بسيطة مثل وقت صلاة الجنازة على الميت، وهي معلومة لا يصعب التحقق منها لمن يريد بذل الجهد للوصول إلى الحقيقة. ولعل الأمر الأكثر إثارة للتقزز والاستياء هو محاولة صحيفة أخرى ممارسة نوع من النفاق الإعلامي الذي لم يطلبه أحد منها، وذلك مع إمارة المنطقة التي ينتمي إليها المرحوم. فقد حضر العزاء أحد الصحفيين وسأل ذوي القتيل مباشرة إن كانت قد وصلتهم تعزية من أمير المنطقة، وهو أمر غير ملزم بالمناسبة لسموه وإن فعل ذلك فجزاه الله خيراً، فردت العائلة بأن ذلك لم يحدث، فإذا بالعنوان يتصدر الصفحة الأولى في اليوم التالي: أمير ( ) يعزي ذوي الفقيد!


ويبدو أن الأمر لم يكن قاصراً على الصحف المحلية، فحتى الصحف السعودية الدولية تبرعت هي أيضاً بإضافة بعض التوابل على القصة وبنشر معلومات خاصة عن الشاب المقتول ونسبها لمسؤولين في السفارة أو الملحقية، مع تأكيد القائم بالأعمال لذوي الفقيد بأن السفارة لم تقم سوى بالتصريح سوى بالبيان الصحفي الرسمي حول القضية، والكثير من صحفنا تبرعت باستكمال ما تريد استكماله من عندها. وهنا تظهر المفارقة العجيبة لدينا في هذه القضية، فهنا نشهد تعاوناً بين عائلة الفقيد والسلطات السعودية في الداخل والخارج، ويظهر رضا الأهل عن إدارة الدولة وممثليها لهذه المصيبة التي نزلت بهم، مع استياء كلا الطرفين من التعاطي الإعلامي مع القضية، بدلاً من حصول العكس وهو أن تلجأ العائلة للإعلام لإنصافها من تقصير السلطات.


وبالرغم من أنني أكتب هنا عن حادثة بعينها آثرت أن لا أذكر تفصيلاتها الدقيقة احتراماً للعائلة إذ يكفيها ما لحق بها من الإعلام، لكننا شاهدنا تكرر هذه التصرفات في أكثر من قضية سابقة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بإيقاف شخص أو محاسبته أو بجريمة مثل القتل أو الإرهاب أو التعذيب أو الاغتصاب أو غيرها، حيث تخلط بعض الحقائق بالكثير من الشائعات التي تتحول بدورها إلى حقائق في ذاكرة الناس. ولأن نفس صحافتنا ليس طويلاً، ففي الغالب لا تتم متابعة ونشر ما توصلت إليه التحقيقات النهائية بالفعل، وهكذا قد تضيع سمعة إنسان أو كرامة أسرة ظلماً.


مقالي هذا يُفترض أن ينشر في صحيفة سعودية، وأنا أعتز بأن انطلاقتي الحقيقية في عالم الكتابة كان من هذه الصحافة التي أتمنى لها أن تزهر وترتقي لمستوى الصحافة العالمية، بل وآمل أن تتفوق عليها بابتعادها عن المعايير المزدوجة والأحقاد الثقافية التي تعاني منها الأولى خاصة تجاه القضايا العربية. ومن أجل أن يتحقق ذلك فلا بد من وضع الإصبع على موضع الخلل ليتم التعامل مع المرض بجدية. نعم لدينا خلل كبير في تأهيل الصحفيين، ولدينا ضعف في صياغة الأخبار، والصحافة الاستقصائية الجادة شبه معدومة في إعلامنا، وحتى التدقيق اللغوي والنحوي ليس كما ينبغي، وهذا كله لا يليق بصحافة عريقة انطلقت من هذه الأرض منذ أكثر من قرن من الزمان. فأية صحيفة من صحفنا ستكون لها الريادة في حمل شعلة الاصلاح الأولى؟


 



 المقال في الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 26, 2012 20:00

December 18, 2012

لماذا لا تتحمس بعض المبتعثات للعودة؟

reverse_culture_shockعندما كنت أحزم حقائبي للعودة للوطن بعد ما يقارب العقد في المملكة المتحدة كان السؤال الأبرز من صديقاتي آنذاك هو: كيف ستتأقلمين من جديد في الوطن؟ الطريف أن السؤال كان يأتي في الغالب ممكن لم تمضي أكثر من بضعة أشهر إلى أقل من سنتين في الغربة، ومع ذلك تبدو العودة لها شبحاً مرعباً! وظل السؤال يتردد على مسامعي بعد عودتي، والحقيقة أنني لم أمر –بحمد الله- باكتئاب ما بعد العودة، ربما لأنني كنت قد اتخذت قراراً سابقاً بأن لا أكرر غلطة المبتعثين العائدين وشكواهم الأبدية التي تجعل كل من حولهم يضجر منهم. أو ربما لأنني كنت قد اكتفيت بالفعل من الغربة. ثم تشاء الظروف أن أرحل بعدها تارة أخرى، فأمر بمرحلة التأقلم في البلد الجديد ثم الاستعدادات للعودة للمرة الثانية. ومع أنني لا أخشى العودة كثيراً، لأنني أدرك عن تجربة بأن للحياة في أي مكان ميزات وعيوب، لكنني أعرف بأن هذا الأمر يؤرق بالفعل نسبة لا بأس بها من المبتعثات المقبلات عليها..فما سبب ذلك؟


الصدمة الحضارية العكسية، والتي تحصل للمغتربين بعد العودة لأوطانهم، ليست خاصة بنا، بل يعاني منها حتى الغربيون الذين يعودون من بلداننا لمواطنهم الأصلية بعد عدة سنوات. وكانت هناك محاضرات اختيارية في جامعتي تقدمها كلية الدراسات العليا للطلبة الأجانب الذين هم على وشك التخرج لتجهزهم عن كيفية التعامل مع هذه الصدمة المؤقتة بعد النجاح والعودة للأوطان.


how_to_survive_reverse_culture_shockلكن  هناك بضعة أمور مقلقة تكاد تكون خاصة بالمرأة السعودية التي ستعود للوطن بعد تجربة الحياة في الخارج، خاصة إذا كانت طالبة وليست مرافقة، أي أنها حتماً ستتعامل مع الآخرين وتعتمد على نفسها في أمور عديدة. فهذه المرأة تعرف ابتداء بأنها ستفقد حريتها في التنقل، وحين أتحدث عن حرية التنقل فلا أعني فقط قيادة السيارة، فليست كل المبتعثات لديهن سيارات أو رخص قيادة، وإنما أيضاً استخدام المواصلات العامة من حافلات وقطارات وقطارات الأنفاق وغيرها (كنت أذهب لعملي على ضفة نهر “التيمز” أحياناً على ظهر مركب نهري!) وهذه الحرية ليست خاصة بها بل لمحرمها كذلك. فهو لم يعد مضطراً للعمل كسائق خاص للعائلة طوال الوقت، بل يعلم بأنه يستطيع الاعتماد على زوجته لتدبير بعض أمورها وأمور العائلة.


وحتى دون استخدام المواصلات من أي نوع، تعرف الطالبة السعودية بأنها عندما تعود لن تكون قادرة على استخدام “الموتو-رجل” والمشي حتى نهاية الشارع لابتياع ما تحتاجه من الصيدلية أو البقالة، ليس لأن هناك قانوناً يمنعها، ولا تشريعاً يحكمها، بل لأن العادات تقول بأن القيام بذلك غير آمن ولا لائق. وحتى لو استجمعت شجاعتها وضربت بالتقاليد عرض الحائط لوجدت أن ذلك متعذر فعلياً. فلا يوجد معبر للمشاة وسط مسارات السيارات، وليست لدى معظمنا الشجاعة للقيام بالعبور الفدائي!


وإذا نحينا موضوع المواصلات، على أهميته وارتباطه بكل جزئية من حياة المرأة ابتداء من عملها، مروراً بمواعيد المستشفى، وصولاً للذهاب للسوق أو لزيارة الأهل، سنجد متعاً بسيطة أخرى يزعجها أنها ستحرم منها. هذه المتع المباحة تشمل وجود نوادٍ صحية في كل حي من المدن الصغرى كما الكبرى وبأسعار معقولة، ووجود حدائق تسطيع أن تمارس فيها المشي كرياضة، ومكتبات عامة تستطيع أن تدرس فيها أو تكتب أو تقرأ. وإذا تحدثنا عن  الأطفال فسنجد بأن هناك الكثير من النشاطات التي تحرم الأم من ممارستها مع أطفالها، وإن وجودت فهي بجهود فردية من قبل النخبة في مدينتين أو ثلاث على الأكثر.


14730026-children-watching-a-movie-at-the-3d-cinemaونأتي إلى الترفيه الذي يعاني من غيابه الجميع سواء الرجال أو النساء أو حتى الأطفال، وهو غياب السينما والمسرح وما يدخل في حكمهما. وقبل أن ندخل في جدلية الحلال والحرام، سنقول بأن التلفزيون الرسمي للدولة ومنذ بداياته وهو يعرض الأفلام العربية والأجنبية بعد أن ينتقي منها ما يناسب ثقافتنا، ويقوم بإزالة بعض المشاهد الخارجة، وهو ما تقوم به الكثير من دول الخليج المجاورة، والتي تجد سينماتها تغص بالعائلات السعودية في كل إجازة. كما أن العائلة بنفسها تنتقي ما يناسبها، فحتى في الغرب هناك تصنيفات للأفلام ولمن يسمح له بدخولها بحسب الأعمار، وليس الحديث فقط عن الجنس وإنما أيضاً عن العنف أو المشاهد المرعبة واللغة كذلك. ويمكن أن تكون هناك صالات للعزاب من الشباب، وأخرى للعائلات، فليس مطلوباً منا استيراد الأمور كما هي وإنما نستطيع أن نطوعها كما نشاء لتتوافق مع قيمنا.


يعتقد البعض أننا عندما نتحدث عن المدن الناجحة والجميلة والتي يتمنى المرء لو يعيش فيها فنحن نتحدث فقط عن مدينة نظيفة وآمنة، وطرق معبدة، ومدارس ناجحة، ومستشفيات صالحة، وبلديات فاعلة، وشبكات ماء وكهرباء وصرف صحي متميزة، وإدارة وتدوير نفايات جيدة، وكل هذا بالطبع من الأولويات غير القابلة للنقاش، لكن الترفيه والمتعة للأفراد والأسر أيضاً من الأولويات التي لا يجب أن تغفلها أي مدينة ترغب في أن تكون ليس فقط حاضنة لأهلها وإنما جاذبة للمتميزين لاسيما من الشباب. وفي بلد أغلبيته شابه مثل السعودية، فإن واقع المدن الحالي لا يعكس تطلعات الشباب ولا أحلامهم، مما يجعلهم يرغبون بالهجرة حتى لدول مجاورة لأنهم يشعرون بأن مدننهم باتت طاردة لهم.


لقد حبانا الله بوطن رائع فيه الكثير من كل شيء، وهو قابل لو أخلصنا النيات وأحسنا الإدارة واتبعنا الشرع لا العادات المقيدة لأن يصبح مركز جذب سياحي من الطراز الأول على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي، لكننا في الوقت الراهن علينا التفكير بكيفية جعله جاذباً لسكانه الحاليين ولأولئك العائدين بالآلاف من وراء البحار قبل أن نسوقه في المعارض السياحية لمن هم خارج الحدود.



  المقال في جريدة الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 18, 2012 19:59

مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.