الشعب يريد الأمراض الوراثية!

newborn-baby-boy-sleeping


في كثير من القضايا المطروحة ومشكلاتها تخلص النتائج إلى أن مردها هو الجهل وقلة الوعي لدى شرائح واسعة من الناس على اختلاف مستوياتهم، وبالتالي تشمل الحلول المطروحة عادة توصية بزيادة جرعات الوعي والعمل على نشر الثقافة الصحيحة، والدعوة لأن يتحمل كل من الإعلام والنظام التعليمي دورهما بهذا الخصوص. وينسب التقصير إن حصل لهذه القطاعات الحكومية والأهلية المختلفة، وتطالب ببذل المزيد من الجهد، وهذا واجبها على أية حال، لكن ماذا لو نظرنا إلى الطرف الآخر من المعادلة، أي إلى المتلقي، هل يعي هو أيضاً دوره؟ هل يدرك أن كل التنظيمات الإدارية والتشريعات القانونية في العالم لا تستطيع أن تحميه من نفسه؟ وأنه حتى أفضل الحملات التوعوية لن تفلح مع شخص يصم أذنيه عن سماع الحقيقة؟



نشرت صحيفة الوطن في عددها 4850 خبراً بعنوان: (عرسان يتحدون “الفحص” ويكملون الزواج رغم عدم التوافق) وكان مما جاء فيه: “كشف مدير مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية بجدة، استشاري الأطفال وحديثي الولادة الدكتور كمال عبدالله أبو ‏ركبة أن مركز فحص الزواج الصحي بالمستشفى استقبل خلال العام ‏الماضي ما يزيد على 35 ألف فحص زواج للسعوديين والمقيمين، مشيرا إلى أنه يتم استقبال 150 حالة يوميا وأن نسبة كبيرة من حالات عدم التوافق تصر على إكمال الزواج، وأشار إلى أن العمل في مركز فحص الزواج بالمستشفى، الذي انطلق في عام 1424 بدأ بفحص ‏أمراض الدم الوراثية كفقر الدم المنجلي وفقر دم البحر الأبيض المتوسط، وتلا هذا البرنامج الوطني للزواج الصحي تطبيق إلزامية فحص الأمراض المعدية ‏للمقبلين على الزواج في عام 1429‏(..) مبينا أن الدولة بدأت منذ بداية عام 1429 في إلزام المقبلين على ‏الزواج بالخضوع لفحص طبي، يتضمن تقريرا يفيد خلوهم من مرض الإيدز ‏والكبد الوبائي بفئتيه (ب) و(ج) ليتمكنوا من إتمام عقد الزواج لدى مأذون ‏معتمد”.



ومن الأمراض التي أصر أصحابها على إتمام الزواج والتي تم اكتشافها من خلال برنامج الفحص بالمركز لعام 1433 أمراض الدم الوراثية مثل الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، والأمراض المعدية مثل الكبد الوبائي بنوعيه “ب” و”ج”. فعلى الرغم من اطلاع هؤلاء الأشخاص على النتائج، وبالرغم من النصائح الطبية التي قدمت لهم من قبل أطباء المركز؛ فإن هناك من يصر على إتمام هذه العقود الزوجية التي تحمل في أرحامها نذر المرض والألم. فماذا يعني أن تصر 24 حالة من حالات الأنيميا المنجلية على إتمام الزواج مقابل 9 حالات فقط أوقفت المشروع؟ وكذلك الحال بالنسبة لمرض الكبد الوبائي “ب” حيث أتمت 167 حالة غير متوافقة الزواج مقابل امتناع 19 حالة فقط؟ وشقيقه الكبد الوبائي “ج” لم يقف حجر عثرة أمام 72 حالة مقابل انسحاب 9 حالات؟



الأرقام السابقة بحاجة إلى وقفة جادة، فهي تكشف عن نوع من التوكل هو أقرب ما يكون إلى التواكل، حيث لا يأخذ المرء بالأسباب التي سخرها الخالق له، ثم ينتظر أن تأتيه أفضل النتائج. صحيح أن الموت والحياة بيد الله تعالى، وكذلك الصحة والمرض، ولكن هذا لا يعني إهمال الأسباب التي تحفظ هذه الحياة الغالية، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج. والقرآن الكريم يأمر الإنسان ألا يلقي بنفسه إلى التهلكة، والنظافة هي عنوان الصحة، ولذلك شدد الإسلام عليها وعلى الطهارة، وهي مرحلة أعلى من النظافة، كما أمر المصابين بالأمراض المعدية باعتزال الجماعة فترة مرضهم. واليوم يُسَّخر العلم لصحة الإنسان، فإذا كان هذا العلم يبين لنا عبر التحاليل المخبرية أن فلاناً مصاب بمرض معدٍ، أو أن الاقتران بفلانة سينتج عنه تعزيز إصابة الذرية بأمراض مزمنة، فلماذا لا يدخل هذا في باب الوقاية الملزمة شرعاً؟



أتساءل أيضاً عما إذا كانت هذه الزيجات تتم لاعتبارات أخرى كالأعراف القبلية والعائلية وربما حتى المادية، بحيث تأخذ صحة العروسين وذريتهما المرتقبة المرتبة الثانية أو الثالثة في الأهمية، وهو مما يؤسف له في عصر العلم هذا، بل ومن قبل أتباع الدين الإسلامي الذي جاء لحفظ ضرورات الحياة الخمس.



ومنعاً للبس، نحن لا نتحدث هنا عن الحكم بالعزوبية الأبدية للمرضى بشتى أنواعهم أو للمعاقين ومن يدخل في حكمهم، فأن يختار الرجل أو المرأة – دون جبر أو ضغوط – الارتباط بمريض أو معاق هو أمرٌ خاص جداً، ويرجع لأولويات واعتبارات كل شخص، فيما لو كنا نتحدث عن الأمراض غير المعدية، أو تلك التي لا تؤثر على سير الحياة الزوجية الطبيعية، ولا يوجد ما يثبت احتمالية انتقالها للأجيال القادمة، وهناك الكثير من الزيجات الناجحة في مجتمعنا من هذا النوع. ومما يستحق التعليق عليه أيضاً، هو كيف يكون قرار المضي قدماً في الزواج بيد العرسان في حين أن الفحص الطبي إلزامي؟ فما فائدة إلزامية الفحص دون إلزامية التقيد بنتائجه؟ هل هي ورقة تقدم للمأذون لرفع العتب؟



صحة الإنسان لا تؤثر عليه فقط، وبالتالي ليس حراً في التضحية بها، ناهيك عن تضحيته بصحة من يأتي بهم للحياة، فأن يصبح لدينا جيل تنتشر فيه الأمراض المختلفة، والتي كان بالإمكان – بأمر الله – تجنبها، هو جريمة في حق هذا الجيل وفي حق الوطن أيضاً، الذي بدلا من أن يصرف جل ميزانيته لتعليمهم وتطويرهم ليرتقوا به للمعالي سيجد نفسه يصرف لتطبيبهم وهم في ريعان الشباب وإلى أجل غير مسمى، فيكونون هم عالة عليه، وهو عالة على غيره إذ يصبح مجبراً لاستقدام من يسد فراغهم في سوق العمل.



ويبقى السؤال: هل نحتاج بعضاً من الحزم والقوة لنحمي مستقبل الوطن من مصير كهذا لمن لا تجدي التوعية معهم نفعاً؟



المقال في جريدة الوطن


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 22, 2013 14:42
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.