الإبداع وطابور القهوة!
الإبداع في المجالات المختلفة سواء كان ذلك في المنتجات أو الإدارة أو الأدب أو النظريات العلمية هو وليد العديد من العوامل التي لا يتسع المقال إلا لواحد منها. فالإبداع قد يكون فردياً في ناحية ما وجماعياً في نواح أخرى، لكن الأكيد هو أن الشخص لا ينجح دون مساعدة الآخرين، فمن مجرد تفاعله معهم تتولد لديه طاقات جديدة تذكي شرارة إبداعه. وفي عالم اليوم حيث تتضافر جهود العاملين في .أكثر من مجال للخروج بمنتج غاية في الجودة، فإن الاهتمام بهذا التفاعل وبتسهيل التواصل بين الأفراد يتضاعفان
في كتابه “تخيل” (Imagine) يذكر المؤلف بأنه عندما وضع المهندسون تصاميم المباني الجديدة لاستديوهات بيكسار (Pixar) والتي أخرجت لنا أروع أفلام الكرتون الرقمية مثل سلسلة حكاية لعبة (Toy Story)، كانت عبارة عن ثلاث مبانٍ تفصل الموظفين عن بعضهم بحسب مجالاتهم: فهناك مبنى للمتخصصين في علوم الحاسبات والبرمجة، وآخر للفنانين من رسامين ومصممين، وثالث للإداريين. وكانت تكلفة بناء هذا التصميم منخفضة، فالمباني الصغيرة المتخصصة كانت أرخص في الإنشاء والصيانة، إلا أن رئيس الشركة آنذاك ستيف جوبز قام بشطب هذا التصميم ليفرض آخراً يمثل رؤيته في خلق البيئة الإبداعية، فكيف كان التصميم الجديد؟
بدلاً من المباني الثلاثة الصغيرة صار هناك مبنى واحداً فسيحاً يضم الجميع، وجعل فيه وسطه مساحة زجاجية واسعة بحيث تستخدم كمكان لقاء عام لكل الموظفين. والفلسفة وراء التصميم الثاني هي أن أهم وظيفة في المبنى يجب أن تقع في قلبه، وما هي الوظيفة الأهم بنظره؟ اللقاء والتفاعل والأحاديث الجانبية بين الموظفين بغض النظر عن تخصصاتهم ومراكزهم وخبراتهم. ولم يكتف جوبز بذلك، فقد قرر أن يفعل كل ما بوسعه ليضمن أن يلتقي كل الموظفين ببعضهم بشكل تلقائي، فقام بنقل صناديق البريد الشخصية لهذه المساحة المفتوحة، بعدها نقل غرفة الاجتماعات الرئيسية ثم آلة القهوة ثم الكافتيريا إلى هنا أيضاً، ومع ذلك كان يشعر بأن هناك من الموظفين من لديه فرصة لتجنب المجيء إلى هذه المنطقة، فقام بإضافة الشيء الذي لا يمكن أن يستغني عنه معظم البشر خلال مدة تزيد عن ثماني ساعات يومياً وهي – أجلكم الله- دورات المياه!
كان لدى الإداري الشهير إيمانٌ بأن أفضل الاجتماعات، والتي تنتج عنها أروع الأفكار وأهم الفرص، تأتي من خلال اللقاءات العفوية والأحاديث العرضية بين الموظفين من الخلفيات المتباينة. وبحسب ما يرويه موظفو بكسار فقد نجحت هذه الفكرة نجاحاً باهراً، فالفرص والنقاشات والنشاطات التي نتجت من تعارف بعضهم ببعض أثناء انتظار أدوارهم لمليء كوب القهوة، أو أثناء تفقد البريد، أو وقت غسيل الأيدي، ما كانت لتحصل لو كان كل واحد منهم منطوياً على نفسه في مكتبه حائراً في حل مشكلة فنية أو تقنية أو إدارية.
فعندما يكون هناك المزيج الصحيح من أصحاب المهارات الذين يتفاعلون مع بعضهم بطريقة فعالة فإن المحصلة تكون عملاً إبداعياً فوق ما تصور الآخرون أنه ممكن، ويتفوق قطعاً على ما سيقدر عليه كل شخص بشكل منفرد، مهماً بلغت درجة ذكاءه وتميزه.
دعوة لفتح الأبواب وإزالة الحواجز لخلق بيئة عمل ليست فقط ترعى الإبداع بل تخلقه.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

