لا للواي فاي! – القافلة الأسبوعية

على باب أحد أحدث مقاهي العاصمة الأمريكية تقابلك لوحة عليها إشارة ممنوع فوق العلامة التي تشير لتوفر خدمة شبكة الاتصال اللاسلكية (Wi-Fi)، وقد كُتب تحتها:



(لا للواي فاي: هذا المكان مخصص للحديث والقراءة وشرب القهوة. من فضلك دع جهازك المحمول في حقيبتك وخذ فترة استراحة. حيي جيرانك وتحدث معهم. رسائل البريد الالكترونية تستطيع الانتظار)



نتحدث هنا عن مقهى قد يعتبره البعض يعيش خارج العصر، لكن حين قمت بتصوير تلك اللوحة ومشاركتها على موقع تويتر فإن هذه الصورة قد انتشرت في وقت قياسي، فهل كان هذا دليلاً يا ترى على موافقة كل هؤلاء المغردين/ المستخدمين العرب للفكرة أم أنهم تبادلوها استغراباً منها؟


وفي العدد الأخير من مجلة (الاتلنتك) الأمريكية اقتراحٌ بأن تكون هناك أماكن عامة مخصصة للتواصل الحقيقي للبشر بعيداً عن جنون التكنولوجيا مطالباً بأماكن خالية من الواي فاي غرار الأماكن الخالية من التدخين! فبحسب رأي المحرر لا يوجد ما هو أسوأ من رؤية أربعة أصدقاء خرجوا لقضاء وقت ممتع سوية وإذا بكل واحد منهم يعيش في عالمه الخاص عبر هاتفه المحمول.


فإذا كان الغرب قد بات يشكو من أضرار الاكتساح الجبار للتقنية ويقرع صفارات الإنذار، وهو الذي لم يُعرف عن ثقافته تلك الروابط الاجتماعية والأسرية القوية على النحو الموجود في ثقافات الشرق، فهل الوضع لدينا أفضل حالاً؟ أم أننا في المركب نفسه ولكن لم نعي بعد درجة التأثير؟


إذا نظرنا حولنا فنسجد يميل لصالح الخيار الثاني، فالهاتف المحمول في أيدي الجميع. ولم تعد هناك قدسية لوقت الأسرة اليومي على المائدة، أو للاجتماع الأسبوعي في بيت كبير العائلة، أو حتى للأماكن الدينية كالمساجد، بل قد تجد شخصاً يطوف بالكعبة الشريفة وعينه على شاشة جواله! ونسمع الكثير عن قصص التوتر بين الوالدين والأبناء، أو بين الزوجين، أو بين الأساتذة وطلبتهم، بسبب إصابتهم بحالة متقدمة من الإدمان الرقمي.



ومع أن ثورة الاتصالات قد سهلت الكثير من أمورنا وقربت البعيد، وهناك فوائد جمة متحققة من سهولة وسرعة التواصل من خلالها في أي زمان ومكان، لكنها أيضاً تساهم في تضييع وقتنا وتشتيت تركيزنا وفي تحولينا لكائنات مدمنة ومنطوية وفاقدة لمهارات التواصل الاجتماعي، وهو أمر سنشاهده أكثر في الأجيال الجديدة.


لنعترف بأننا لا نستطيع إلغاء وجود هذه الأجهزة الذكية من حياتنا ولا نبتغي ذلك أصلاً،  فالهدف ليس إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، لأن ذلك مستحيل ، ولكننا نستطيع حتماً ترشيد استخدامها، بحيث ندرك بأن للعبادة وقتٌ، وكذلك للعائلة، وللعمل أو للدراسة، وللأصدقاء، وللقراءة، وللاستمتاع بالحياة على أرض الواقع وليس من خلال عوالم افتراضية.


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 22, 2012 14:43
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.