أمنيات للوطن.. في القادم من أيامه

احتفلت المملكة هذا الأسبوع بمرور 82 عاماً هجرية على توحيدها وقيام دولتها الواعدة على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1351 (1932)، فاستحالت الدويلات الصغي المتناثرة في صحراء جزيرة العرب إلى كيان موحد له مكانته وتأثيره الإقليمي والدولي دينياً وسياسياً واقتصادياً، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تحقق الكثير، ويكفي أن نذكر إنشاء البنى التحتية وقيام دولة بمفهومها الحديث، وخلال هذا الأسبوع كتب الكثيرون وسيكتبون عن مشروعات الوطن الرائدة وإنجازاته البارزة في مجالات التعليم والصحة والنفط والأمن وغيرها. فلقد عاش الأولون هنا حياة صعبة بالفعل، لم نعرف منها نحن الجيل الذي ولد بعد الطفرة شيئاً يذكر، ولأن الماضي قد رحل بإيجابياته وسلبياته، والحاضر لن يلبث إلا أن يلحق به، فليكن الحديث إذاً عن المستقبل.. فأي وطن نبتغي وأي سعودية نريد؟



إن 80 سنة من عمر الأوطان كفيلة بأن تشب عن الطوق، وبالتالي يُنتظر من الوطن اليوم ما لم يكن منتظراً منه وقت الإنشاء، أو قبل خمسين سنة، فإذا كنا في الماضي مهتمين بإرساء أسس البنية التحتية من ماء وكهرباء وشق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وتشييد الجامعات فإنه ينتظر اليوم أن نكون قد تجاوزنا هذه البديهيات وانتقلنا للمراحل التالية، ولا شك أن الكثير قد تحقق في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه لم نصل إلى النسبة التي ترضينا كمواطنين لا ننتظر من وطننا إلا الأفضل، وهذه النسبة المرضية لن تقل عن 100%. فحين تصل الكهرباء والمياه المحلاة إلى كل منزل في أصغر قرية سعودية، وحين تعبد كافة شوارع هذه القرية تماماً كما هي الحال في المدن، وحين تعلن بلديات المدن نفسها بأنها باتت مدناً خالية من جدري الأسفلت، وحين لا يبقى طالب واحد – مواطناً كان أم مقيماً – في عمر المدرسة خارج أسوارها، وحين لا تحتل مدرسة واحدة مبنى مستأجراً، وحين لا يعود إنسان إلى بيته متألماً مريضاً لأنه لم يجد سريراً في مستشفى حكومي يؤويه، عندها نستطيع القول بأننا تجاوزنا بالفعل المرحلة الأولى بكل رضا.


وإذا كان الحديث السابق قد تطرق إلى الجانب الملموس من مشوار النهضة، فإن هناك جوانب أخرى حل أوانها، ومنها تلك التنظيمات التي تمس شرائح واسعة من المجتمع وهنا تبرز العلاقة بين الجنسين، بحيث لا تتيح التنظيمات والتشريعات الإدارية عمداً أو سهواً طغيان أحدهما على الآخر أو استغلاله، ولن أتحدث عن المساواة هنا، فللرجل دوره ومسؤولياته شرعياً وقانونياً وللمرأة كذلك، إلا أن هذا لا يعني أنهما يتشاركان في الكثير من الجوانب الحياتية وفي الحقوق المستحقة، بما فيها فرص العمل والمشاركة في بناء المجتمع، وأن تكون الكفاءة وليس الجنس معياراً لتولي المناصب والقيام بالمهمات. فلا أظن عاقلاً سيطالب بأن تتولى أي امرأة – لمجرد كونها امرأة – منصباً هاماً كسفيرة أو وزيرة أو مستشارة، لكن في حال توفرت امرأة لديها القدرة والتمييز، فلم لا؟


وما ينطبق على الرجال والنساء، ينطبق على الأقلية والأغلبية، فلا ينبغي أن يُهمش مواطن أو يُستبعد من ترشيح لوظيفة أو منصب فقط بسبب مذهبه أو منطقته من قبل موظف متعصب، في حين يتم تقديم من يقله جودة وكفاءة، فذلك ليس فقط ينافي جوهر العدالة الشرعية والوطنية، ولكنه لا يخدم مصلحة العمل، ولا يخدم الوطن على المدى البعيد، فلا ينتج من كل ذلك إلا الإحساس بالغبن والكراهية.


وفي ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة، وفي ظل عالم متغير القوى تتصارع فيه الأمم على الموارد وعلى النفوذ، وتتطلع الدول القوية إلى الخرائط بشهوة وهي تمني النفس بإعادة رسمها، فإنه قد آن الأوان لبناء أجهزة مناعية مضادة تشكل درعاً أقوى من أي سلاح نووي لحماية الوطن، وذلك من خلال مشاركة شعبية أوسع من قبل المواطنين، الذين يتطلعون لأن يصبحوا عوناً للقيادة الرشيدة في الارتقاء بالوطن، فيكونوا لها عيوناً تنقل ما يحتاج إلى إصلاح وتنمية وتطوير، راجين بأنه إذا تحقق ذلك فإنهم يجنبون الوطن وكل من فيه شرور الزلازل والبراكين والنار التي تشتعل من حولهم في الهشيم.


وفي عصر النهضة والعلم والتقنيات المتسارعة فقد آن الأوان للخروج من نادي الدول النامية، أو الفوز بشرف المحاولة على الأقل، تماماً كما فعلت دولٌ لم تكن لديهم لا مواردنا ولا استقرارنا مثل كوريا واليابان وماليزيا وما نشاهده اليوم في البرازيل. فقد حان الوقت إذاً لنتوقف عن الرضا بكوننا دولاً تصدر المواد الخام وتستورد كل شيء آخر ما عدا الهواء! وأن لا يكون منتهى الأمل في القضاء على البطالة هو توفير أي وظيفة للمواطن بمجرد إحلاله مكان مقيم، وإنما خلق وظائف جديدة باستمرار عبر اقتصاد منتعش وفعال. وبات ضرورة وليس ترفاً أن تعود جامعاتنا لتصبح جامعات يُطلب العلم الحديث فيها وتجرى من خلالها الأبحاث التي لا تقف عند حدود أسوارها، وإنما تخرج لتتحول لمنتجات تنفع الناس، أو نتائج دراسات تفيد في سن القوانين والتشريعات، وأن يكون معيار تعيين الأساتذة هي الكفاءة وليست عوامل الوراثة والعلاقات العامة.


من السهل جداً أن تكتب موضوعاً إنشائياً تتحدث فيه عن كون كل شيء على ما يرام وليس بالإمكان أفضل مما كان، لكن الأمانة تقتضي أن تكتب بمصداقية عما يحتاج للتطوير والتحسين وعن تطلعاتك لوطنك الغالي، تماماً مثل أب رحيم أو أم حنون وهما يلفتان نظر أبنائهما إلى ما يعتقدان بأنه سيجعل منهم أشخاصاً أفضل. فلا المديح الزائد ينفع ولا التجريح المقذع يجدي، ولا المقارنات السامجة وغير العادلة مع الجيران تحقق هدفاً، هذا لمن يحبون وطنهم ويرغبون في مشاهدته محلقاً. وإنما ينبغي الاعتراف بما تحقق للوطن من إنجازات وكذلك الاعتراف بما وقع فيه من الأخطاء، ومن ثم المضي قدماً في مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير وكل شخص حسب مركزه واستطاعته، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.


وكل عام وأنت مزدهرٌ يا وطني.


المقالة في جريدة الوطن


 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 25, 2012 17:25
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.