راشيل كوري.. أميركية سقت بدمها تراب فلسطين
أن تضحي وتستشهد في سبيل دينك وأرضك وكرامتك وأسرتك فعل بطولي موجب لكل فخر، لكن أن تقطع آلاف الأميال من وطنك لتدافع عن أشخاص لا يجمعك بهم سوى رابط الإنسانية وإيمانك السامي بعدالة قضيتهم ثم تدفع حياتك ثمناً لموقفك البطولي هذا فأنت إنسان من طراز نادر، معرفتك مكسب كبير وفقدانك خسارة فادحة. راشيل كوري القادمة من أمريكا هي واحدة من هؤلاء البشر المدهشين، فلم يمنعها موقف بلدها المنحاز ضد قضية فلسطين من اتخاذ موقف شجاع أمام أعين العالم، فما قصة راشيل؟
راشيل (راحيل) كوري ولدت في مدينة أولمبيا بولاية واشنطن في 10 أبريل 1979، وكانت فتاة لديها إيمان عميق بالأخوة الإنسانية وبالعدالة المفقودة في العالم منذ صغرها، إذ وقفت في مؤتمر لتلقي خطاباً رائعاً عن حقوق الإنسان في العالم الثالث وهي بعد طفلة دون العاشرة، وبالتالي ليست كما يصور بعض الصهاينة في الإعلام الغربي بأن تعلقها بفلسطين وقضيتها ليس سوى شطحة من شطحات الشباب ضمن سلسلة من الاتهامات الباطلة والمعيبة لتشويه صورتها لأنها فضحت ممارسات العدو الصهيوني.
التحقت راشيل بحركة التضامن العالمية (ISM) ففي بلدها، ولم تكن قد تجاوزت الثالثة والعشرين حين سافرت لغزة لتتظاهر ضد هدم وتجريف بيوت الفلسطينيين الرافضين للإخلاء فوق رؤوسهم، وفي يوم 16 مارس ،2003 وبينما بلادها تمارس العدوان على العراق، وقفت مع أصدقائها أمام جرافة كبيرة من شركة كاتبلير الشهيرة في محاولة يائسة لمنع تدمير منزل عائلة فلسطينية، كانت الفتاة تدرك ولا شك خطورة الموقف لكن لم يكن أمامها خيار آخر، ففي مقابلة معها قبل أيام من اغتيالها قالت بأنها لا تعول كثيراً على أن تصغي الحكومة الإسرائيلية لأصوات ناشطي السلام، وأن حكومة أمريكية بقيادة جورج بوش الابن الذي يعتبر المجرم شارون “رجل سلام” لا يرجى منها إنصاف، وهكذا قررت الأمريكية الشجاعة أن تواجه جرافة بصدر عار من أي سلاح إلا سلاح الإيمان بعدالة القضية التي تدافع عنها، لعلها كانت تعرف بأن اسرائيل لا يردعها شيء ولن يغني عنها جوازها الأزرق ولا أسطول بلادها الضخم المتواجد في المنطقة، لكنها ربما أرادت أن يكون موتها أقوى رسالة للعالم الذي لن يمر عليه مرور الكرم حادثة قتل عمد في وضح النهار لشابة غريبة دهساً بالجرافة مثلما مرت وتمر الأخبار عن مقتل الفلسطينيين بشكل يومي، وهكذا واجهت موتها بثبات وفاضت روحها على ثرى فلسطين.
وكان للشقراء الجميلة اليافعة ما أرادت، فسلط الإعلام الضوء على قضيتها ولا يزال رغم مرور ما يقارب العشر سنوات على الجريمة النكراء، وبات وجهها الملائكي رمزاً للنضال والصمود والتحدي، وباتت هي أشبه بقديسة في الألفية الجديدة، لكن ذلك طبعاً عند المتعاطفين مع قضية فلسطين أو المنصفين على الأقل، أما إسرائيل وأنصارها في الإعلام الدولي -ومنه الأمريكي – الذي للمرة الأولى يبرر قتل مواطنته على يد دولة أجنبية، فلا زالوا يصورون الراحلة على أنها فتاة حمقاء وطائشة وتستحق ما جرى لها! ولم تتحرك حكومة بوش وقتها ولم تفعل شيئاً للضحية وأسرتها، فوحدها إسرائيل تستطيع أن تقتل امرأة أمريكية بيضاء على هذا النحو وتنجو بفعلتها، وهناك شارع اليوم في غزة باسم هذه المناضلة الرائعة، وكم أتمنى أن نرى شوارعاً باسمها في كل عاصمة عربية، فلا ينبغي أن ننسى أسماء الشرفاء الذين وقفوا معنا.
لم تسكت عائلتها عن مقتل ابنتهم بهذه الوحشية المفرطة فرفعت قضية على جيش الاحتلال الإسرائيلي مطالبة بإدانته وبتعويضات عن مقتلها. وبعد أخذ ورد على مدار عامين صدر الحكم من القاضي الإسرائيلي قبل أيام قليلة والذي رفض فيه القضية المرفوعة معتبراً بأن قتلها كان حادثة غير متعمدة، وأن راشيل تسببت بمقتلها، والجيش غير مسؤول عنها، وبالتالي لن تدفع الحكومة الاسرائيلية أي تعويضات! وقد علقت والدتها على الحكم بالقول:” إنه حكم محزن ومؤلم للعائلة وهذا يوم حزين لحقوق الإنسان في العالم”.كم أتمنى لو ساعدت المنظمات العربية الحكومية والأهلية عائلة كوري واحتفت سنوياً بذكراها، فاليهود جعلوا في كل مدينة متحفاً عن المحرقة حتى لا ينسى العالم ويظل شاعراً بالذنب للأبد خاصة في أوربا، فلماذا تكون ذاكرتنا قصيرة ونفسنا متقطعاً؟
وسؤال لتجار المسلمين ورجال أعمالهم الذين يتعاملون مع شركة كاتبلير (Caterpillar) الأمريكية للمعدات الثقيلة والجرافات، هل يدركون أن هذه الشركة تدعم وبفعالية جيش الاحتلال الصهيوني؟ وأنها لازالت تشارك في برنامج أمريكي من توابع كامب ديفيد يقوم بتوريد معداتها للجي رغم مناشدات منظمات حقوق الإنسان لها بالتوقف، إذ تعرف يقيناً بأن منتجاتها تستخدم للقتل والإرهاب وتدمير منازل المدنيين؟ هل يستطيعون أن يتخذوا موقفاً إسلامياً وقومياً ووطنياً فيوقفوا التعامل معها احتجاجاً ويبحثوا عن بدائل من دول صديقة أو من شركات لا تبارك إرهاب الدولة؟
أذكر أنه عندما جاء ممثلو كاتبلير لجامعة نوتنجهام في يوم المهنة تعرضوا للشتم ومظاهرات نعادية ومنددة من الطلبة، لأنهم يمثلون شركة تساعد في انتهاك حقوق الانسان، فطلاب الجامعات البريطانية الشباب كان عندهم من الوعي والإيمان بحقوق الإنسان ليطالبوا جامعاتهم وحكومتهم بعدم التعامل مع الشركة، في حين أن من بيننا من سوف ينكر دعوتنا هذه بحجة أنه يجب فصل السياسة عن التجارة، لكن هل الآخرون يفعلون ذلك؟ ألا يقاطع الغرب إيران ويمنع شركاته من إقامة علاقات اقتصادية معها لاختلافهم مع النظام الإيراني ومن أجل الضغط لإلغاء البرنامج النووي؟
راشيل كوري حمامة سلامة هجرت عشها الآمن الوادع في واحدة من أجمل الولايات الأمريكية طبيعة متجهة إلى فلسطين حيث الخراب والاحتلال والموت المجاني ..ووقفت تدافع أعشاش الفلسطينيين الصغيرة..لأنها آمنت بأنه ما استحق أن يولد من عاش لنفسه لكن قوى الغدر اغتالت الحمامة بلا رحمة..ماتت الحمامة لكن سيرتها العطرة لم تمت..ودمائها الزكية ستظل وصمة عار على أيدي قتلتها لا يجدون سبيلاً لغسلها مهما حاولوا.
مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog
- مرام عبد الرحمن مكاوي's profile
- 36 followers

