عبد العزيز الخضر's Blog, page 8

September 13, 2014

في تصنيف المواقف من الهيئة


يواجه جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مقارنة بأجهزة أخرى مشابهة له في المهمة، مشكلة ذات تعقيد خاص، فالجزء المثير للمشكلات في عمله مرتبط بمساحة الحريات الفردية في التعبد والسلوك الشخصي




يواجه جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مقارنة بأجهزة أخرى مشابهة له في المهمة، مشكلة ذات تعقيد خاص، فالجزء المثير للمشكلات في عمله مرتبط بمساحة الحريات الفردية في التعبد والسلوك الشخصي.

هذه المساحة حرجة جدا، تختلط فيها الأعراف والقيم، ويصعب ضبطها فهي تتحول بمرور الزمن..مع تغير الوعي الفردي والاجتماعي لدى الرجل والمرأة، لتحديد ما هو مقبول وما هو غير ذلك.

ارتفاع وعي الفرد هو أكبر تحد يواجه أي سلطة، لأن مساحة الحرية الفردية تزداد، والمساس بها يعدّ من المساس بكرامته، وإهانته، وتدخلا في شأنه الخاص.

وهذا ما يجب أن يدركه كثير من النخب المسؤولة، بما فيها النخب الدينية، وتستعد لمراحل زمنية جديدة، في كيفية التعامل معها، وحتى الفئة المشغولة بالدفاع عن جهاز الحسبة لمواجهة المؤامرات في رأيهم.

فالواقع أن أكبر (مؤامرة) هي تحدي الوعي الاجتماعي الذي يتغير ويتحرك باتجاهات تفرض عليك أن تتطور، وتغير من أسلوبك في صراع البقاء.

البقاء ليس فقط بدعم الرسمي، فالأهم هو البقاء من خلال صورة إيجابية في أذهان المجتمع.

لم يعد من المقبول أن نستمر في اختزال الموضوع فقط، وكأنه صراع بين رؤيتين، فهناك العديد من الرؤى التي يمكن أن تخلق فرصا أفضل للوعي حول هذه القضية المتكررة في صحفنا ومواقع التواصل، وتساعد المسؤول على التطوير والتصحيح.

هناك عدة مستويات في الموقف من هذا الجهاز تبلورت في السنوات الأخيرة يمكن هنا وضع ملامح عامة عنها.

أولا: موقف الاعتراض التقليدي العفوي، وقد وجد في كل مرحلة، وهي فئة لا تحمل رؤية أيديولوجية ولا مواقف مسبقة من التدين أو الخلافات، وإنما تتضايق بشريا من وجود رقيب عليها يأمر وينهى.

ثانيا: هناك المواقف التي تنطلق من رؤى فكرية متنوعة، فمنها المتأثر بوعي حديث حول مفاهيم الحريات من خلال رؤى فلسفية غربية، ويكون اعتراضه هنا جذريا على فكرة وجود هذا الجهاز ولا يؤمن بقيمة أي إصلاحات، هذا الموقف الرافض تختلف فيه درجات الوعي بين وعي يمتلك تصورا شاملا حول مفاهيم الفضيلة والرقابة وتدخل الدولة في حياة الأفراد، وتطبيقاتها في مجتمعات متقدمة، ومن ليس مؤهلا لهذا الوعي ..وإنما رفض تقليدي بحجة الانفتاح والتحضر.

ثالثا: بدأت تظهر في السنوات الأخيرة مواقف نقدية تنويرية تنطلق من رؤية فقهية إسلامية في مفهوم الاحتساب، وهل هذا التطبيق يحقق الهدف الشرعي للمجتمع المسلم، وتقوم على رؤية شمولية لمفهوم الاحتساب وأنه يجب ألا يختزل في جهاز وحيد، فهناك كثير من الأجهزة في الدولة تقوم بالمهمة نفسها، ولم تأخذ صبغة شرعية، وهو طرح فيه تفاصيل كثيرة.

هذه المواقف النقدية تختلف في درجتها بين الثورية في رفضها لوجوده وبين التي تؤمن بالإصلاح والتطوير.

رابعا: المواقف الداعمة وهي أيضا مختلفة.

فهناك الموقف المؤيد باستمرار ويدافع عن أي خطأ، ويبذل جهدا كبيرا في مواجهة أي نقد، ويريد المحافظة على الوضع القائم، فهو لا يتوقع نوايا حسنة في التطوير، ويرى أن أي محاولة للتغيير هي محاولة للالتفاف على الجهاز وتهميشه، ويطالب بالدعم لتقويته بمزيد من الصلاحيات والإمكانات.

هذه الرؤية لها حضور متزايد مع كثرة الحديث عن الجهاز إعلاميا.

ولهذا تشعر بأن من واجبها الاحتساب لمواجهة هذه الهجمات والدفاع عن الجهاز ضد أي طرح، وهو أغلب ما ينشر من ردود وفتاوى وكلمات من دعاة، ومواد تتداول في الانترنت ومواقع التواصل.

خامسا: هناك الرؤية الداعمة والمتصالحة مع الجهاز بوضعه الحالي، مع تفهمه للنقد أحيانا..ويشترك مع هذه الرؤية قطاع واسع جدا من الشخصيات الرسمية، والدينية، والناس العاديين في المجتمع، ويرون أن وجوده مهم، ويشعرون بالبركة بوجوده، وأنه يحمي المجتمع، وأنه من أسباب الاستقرار، ومن النعم التي نعيشها، بناء على بعض النصوص من الكتاب والسنة حول فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميتها.

هذا النوع يتقبل النقد ويناقشه بدون رؤى صراعية مشحونة، وليس لديه رؤية معينة للإصلاح والتطوير..وترك الأمور تسير كما هي.

سادسا: هناك الرؤية العملية، وتنظر للأمور بدون حسابات سياسية وقتية، وتكتيكات أيديولوجية، وجمود تاريخي عند صورة الحسبة التقليدية في القرية..وأن العصر يفرض أن يكون عمل الجهاز وفق مفاهيم وأنظمة حديثة، وتقنن وتحدد الكثير من الصلاحيات بدقة، وأن يكون لأعضاء الجهاز زي خاص، وكوادره تتخرج في فرع خاص بهم من إحدى الكليات الأمنية، وبهذه الطريقة تتراكم الخبرات في الجهاز، وتتطور، ولا يصبح مجرد وظيفة مدنية عابرة..يتوظف بها البعض كتجربة موقتة، ثم ينتقل إلى وظيفة أخرى.

وهناك العديد من الرؤى الأخرى التي تشكل مزيجا من هذا وغيره، واستحضاره يساعدنا على التفكير الواقعي بمرحلتنا التاريخية، وطريقة استجابتنا مع المتغيرات.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 13, 2014 10:45

September 6, 2014

متى يصبح "المثقف الشيعي" مسؤولا عن طبقة الأوزون؟!


في رده على مقالة خالد الدخيل عن “المثقف الشيعي وإيران”، اختار محمد الصادق في الأسبوع الماضي هذا العنوان: “المثقف الشيعي




في رده على مقالة خالد الدخيل عن “المثقف الشيعي وإيران”، اختار محمد الصادق في الأسبوع الماضي هذا العنوان: “المثقف الشيعي..والموقف من طبقة الأوزون” وقد بدأها بنقد حاد وساخر عن حالة المثقفين السعوديين، وأن “الشيء الوحيد الذي يجيدونه في هذه اللعبة إلى جانب التصفيق الحار، هو الشروع في المزايدات الأخلاقية، والتربص بالآخرين، وترقب مواقفهم السياسية”.

إذا كانت بعض هذه المظاهر موجودة فعلا عند شريحة، فمن المؤكد أنها ليست موجودة عند آخرين، وليست مناسبة بأن تكون مقدمة لمناقشة مقالة الدخيل، التي تبدو هادئة وعقلانية في تناول القضية.

فقد بدأ متوترا في مناقشة قضية ذات حساسية، وتعقيد ثقافي من نوع خاص، لا يناسبها التشويش بمثل هذه العناوين الخطابية! استعمال “طبقة الأوزون” شاع عند المثقف العربي منذ أكثر من عقدين ونصف، عندما كانت تتداول كثيرا في نشرات الأخبار كمشكلة بيئية عالمية، واستعملت للتهرب من تهم أو عدم الرغبة في الحوار حول موضوع، وقد لجأ لمثل هذه المبالغة التقليدية حتى وعاظ المساجد للدفاع عن تياراتهم في وجه التهم ضدهم.

لا أريد مناقشة الكثير من التفاصيل حول القضية التي تستحق الجدل والحوار في كتابات طويلة أخرى، وإنما أثار هذا الرد ضرورة وضع إطار عقلاني وموضوعي لكثير من حالات النقد المتبادل بين النخب من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية.

متى يصبح السؤال السياسي والثقافي مشروعا ضد هذا المثقف أو ذاك؟ ومتى يعتبر هذا النوع من الأسئلة عن رأي فلان وفلان منهجيا؟ ومتى يصبح مجرد “استحلاب مواقف” ومزايدات أخلاقية وانتقائية وتصيد...إلخ!؟ التساؤل عن موقف أو رأي هذا المثقف العربي أو ذاك، أو تلك الفئة من تيارات متنوعة يكون مشروعا، وجزءا من تحرير المسائل الفكرية، والمبادئ الأخلاقية لهذا التيار أو ذاك المثقف..إذا كان حول قضايا خاصة بهم ويشتغلون بها، عبر الرأي الصحفي أو الموقف السياسي، والشعارات التي يرفعونها، أو من خلال أي نشاط يمارسونه.

فيسأل الحقوقي أو المعارض وفقا لاهتمامه وتقييم ممارسته وإنتاجه من خلال المهمة التي تشكل مشروعه، ويسأل المشتغل بالنقد الديني وقضايا التشدد عن تقصيره أو تجاهله لنقد هذا التيار أو ذاك المذهب، والمشتغل بالنضال السياسي يحاكم أخلاقيا وقيميا بما يعرف عنه، ويسأل وفقا للشعارات التي يرفعها، والمثقف الرسمي والحكومي أيضا يسأل عندما يخل بالإطار الذي يشتغل فيه ويعلن فيه عن نفسه.

وعندما يكون المثقف علمانيا أو ليبراليا أو إسلاميا فإنه يسأل عندما يتناقض في طرحه مع قيمه التي يتبناها.

وفي هذه الحالة عندما يكون المثقف مشتغلا بالكتابة السياسية الصحفية، ومعلقا على الأحداث في منطقتنا العربية وينتقد الأنظمة التي تسببت في العديد من الصراعات والحروب في المنطقة، وقضايا الإرهاب..فإن سكوته عن إيران المنغمسة في المنطقة بتدخلاتها، وتجاهله لها، أو محاولة اللف والدوران، يصبح مثار سؤال “أوزوني” منطقي! كما يسأل أيضا فيما لو تجاهل دور دول الخليج أو مصر وغيرها.

فالسؤال في هذه الحالة حول خطاب هذا المثقف مشروع، وإذا لم يوجد هو مبررا معقولا، فإن المتابع سيستنتج مبرراته على طريقته، ويجب ألا يغضب المثقف من هذا، وألا يظن أن مجرد الإنكار كافٍ بدون الوقوف على أدلة تساعده على عقلنة خطابه وتحليلاته السياسية.

عندما تفاعل بعض المثقفين العرب مع الربيع العربي، واحتفلوا بسقوط بعض الأنظمة، ثم تغير موقفهم فجأة عندما جاء الدور على نظام بشار الأسد الأكثر ديكتاتورية ودموية في قتل الشعب السوري، تغير موقفهم وأصبح تناول الموضوع يتم بطرق ملتوية، وبدا الحديث عن المؤامرة وإسرائيل.

في هذه الحالة أصبح التساؤل عن تغير موقفهم مشروعا! وقبل عقود كان بعض المثقفين العرب يمارسون ازدواجية مكشوفة في كثير من مواقفهم حول القضايا والأنظمة العربية، ففي الوقت الذي يدينون فيه الديكتاتوريات العربية، يصمت بعضهم عن نظام صدام وتنكيله بالشعب العراقي، ونظام الأسد..والأمثلة هنا أكثر من أن تحصر.

يبدو لي أن جزء الفكرة التي تناولها الدخيل في مقالته تستحق نقاشا أكثر جدية، ولا تستقبل بمثل هذه العناوين.

المثقف الخليجي والسعودي بالذات بمختلف توجهاته بحاجة لشفافية أكثر حول بعض قضاياه.

أدرك أن بعض الموضوعات ذات إشكاليات مركبة ويصعب اختزالها بتقريرات متعجلة، ونتائج جاهزة في مقالات عابرة.

لكن من المهم ألا نتورط بأساليب استغباء تبعدنا عن المنهجية.

ليس من العيب أن نعترف بأن بعض الأفكار والقضايا لها تعقيدات من نوع خاص، تجعل المثقف محاصرا بين خيارات مربكة، تؤثر على خطابه الفكري والسياسي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 06, 2014 10:41

August 30, 2014

"المسلمون غير سعداء".. ولوم الغرب


نشر المغرد أسامة الجامع في تويتر في الشهر الماضي، ترجمة عربية لنص في صفحة واحدة بعنوان «المسلمون غير سعداء» يقول إنه نشر كتعليق في قناة CNN، والواقع أنه نص قديم منذ سنوات عديدة، تناقلته حسابات أجنبية كثيرة ومدونات بإعجاب. هو موجه لنوع من الذهنية الغربية التي تنظر باستعلاء واحتقار لعالمنا. استقبلت هذه التغريدة بعد ترجمتها بعدد كبير من الرتويت بالآلاف، مع انتقالها إلى حسابات كثيرة، ومواقع التواصل الأخرى. هذا التعليق يتميز بأنه اختزل بسخرية صورة محزنة لحالتنا العربية والإسلامية مع الإشارة لأغلب الدول، ولمن يوجهون اللوم؟




نشر المغرد أسامة الجامع في تويتر في الشهر الماضي، ترجمة عربية لنص في صفحة واحدة بعنوان «المسلمون غير سعداء» يقول إنه نشر كتعليق في قناة CNN، والواقع أنه نص قديم منذ سنوات عديدة، تناقلته حسابات أجنبية كثيرة ومدونات بإعجاب. هو موجه لنوع من الذهنية الغربية التي تنظر باستعلاء واحتقار لعالمنا. استقبلت هذه التغريدة بعد ترجمتها بعدد كبير من الرتويت بالآلاف، مع انتقالها إلى حسابات كثيرة، ومواقع التواصل الأخرى. هذا التعليق يتميز بأنه اختزل بسخرية صورة محزنة لحالتنا العربية والإسلامية مع الإشارة لأغلب الدول، ولمن يوجهون اللوم؟



تحت العنوان كتب بعدة أسطر مكررة أسماء دول عديدة «هم غير سعداء في غزة، في مصر، ليبيا، المغرب إيران العراق اليمن... إلخ». ثم يسأل في سطر جديد «إذا، أين ما هم سعداء فيه؟» ثم يشير لكثير من الدول: «هم سعداء في أستراليا، كندا، إنجلترا، فرنسا، أمريكا... إلخ» بعد هذا التقرير الطويل والمبسط يقول «في الحقيقة هم سعداء في كل دولة ليست مسلمة، لكنهم ليسوا سعداء في الدول المسلمة!» بعدها يسأل «لكن من ترى يلومون؟ «ثم يجيب في كل سطر وكأنها قصيدة نثر..» ليس الإسلام، ليس قياداتهم، ليس أنفسهم.. هم يلومون الدول التي هم فيها سعداء، ثم يريدون تغييرها لتكون مثل الدول التي هم ليسوا سعداء فيها!» بالرغم من أن جزءا من الصورة حقيقي، وليس مبالغة فالأحوال في عالمنا ليست سعيدة، ولهذا أعجب بها القارئ العربي بعد ترجمتها مع أنها تحوي مغالطات واحتقارا له، وكان الاعتراض في بعض التعليقات حول مفردة سعداء وغير سعداء من الناحية الروحانية، وهذا لا علاقة له بفكرة النص، وإنما هو وصف للأوضاع السيئة هنا والجيدة هناك.



ما هي المغالطات التي تنطلق منها هذه الذهنية في نقد عالمنا العربي، فهي تقرر أشياء ليست حقيقية عند فحصها، أو تخلط ما هو حقيقي لكن توسعه بصورة فجة. فعندما يسأل «يا ترى من يلومون». زعم أنهم لا يلومون قادتهم! والواقع أن عالمنا مشحون جدا بنقد السلطة، وإن كان بعضه غير علني لأسباب أمنية لكنهم يحملونهم الكثير من المسؤوليات بصورة أحيانا تكون مفرطة، وغير عقلانية. وزعم أنهم لا يلومون أنفسهم، فالواقع غير ذلك فالسخرية من الذات وصلت إلى حد فقدان الثقة، والشعور بالعجز الحضاري والتخلف، ولوم الذات والسخرية منها، ليس نادرا بل شائع شعبيا. ومع ذلك تبدو هنا مشكلة في الخطاب الديني أنه يميل إلى لوم الذات من الناحية الروحانية وليس المنجز الدنيوي.

وأشار إلى أنهم لا يلومون الإسلام، والواقع أن هذه حقيقة، ولها أسباب يطول شرحها، لكنهم كثيرا ما يلومون فهمهم للإسلام وسوء تطبيقهم له. هذه اللفة الطويلة من كاتب النص.. أراد أن يقول بأنهم يلومون الغرب، ويريدون تغييره ليكون مثلهم كخلاصة للسخرية! وهو بهذا يختزل رؤية دينية متشددة موجودة في الغرب وفي عالمنا ليجعل منها رؤية عامة. لا أريد أن أنزلق لنوع من الطرح العربي والإسلامي المتشدد الذي يفرح بهذه النوعية من الكتابات الغربية المحتقرة لنا.

فمع كل هذا تبقى إشكالية مرضية لدينا في لوم الغرب، ولماذا وجدت في عالمنا العربي!؟ وقد انتقدت في كتابات قديمة ومتكررة هذا الاتجاه في تحميل الغرب مسؤولية أخطائنا، والواقع أنه مرض نخبوي أكثر منه شعبي، فأبناء هذه الشعوب يتسابقون للهجرة للغرب ويحلمون بها لو سمح لهم. لا بد أن نفهم الإطار التاريخي الذي وجد فيه هذا الخطاب اللوام للغرب. لن تجد في عالمنا العربي من يلوم اليابان والصين وكندا ودولا عديدة متقدمة، لأنها لم تتورط في مشكلات سياسية مزمنة في عالمنا. فسبب هذا الاتجاه اللوام للغرب هو الخطابات القومية واليسارية التي شكلت جزءا من ذاكرتنا العربية بعد الاستعمار مع استمرار قضية فلسطين بدون حل، وعلانية الدعم الغربي وبالذات الأمريكي في إقامة الكيان الصهيوني، ودعم أنظمة مستبدة بصورة يصعب المغالطة حولها. هذا الجانب من اللوم حقيقي وليس وهميا، لكنه للأسف أخذ ينزاح مرضيا لمجالات ثقافية عديدة أخرى. ثم جاء بعده الخطاب الإسلامي ووسع دائرة اللوم للغرب وربطها بأبعاد دينية مع فقه وعظي غير متزن، وتطورت عقلية اللوم هذه حتى وصلت إلى خطاب الإعلام الرسمي بعد الربيع العربي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 30, 2014 12:49

August 23, 2014

مشاريع متعثرة: جذور الإرهاب (1995 - 2014 م)


عندما يقال: يجب علينا أن نواجه جذور الإرهاب، فتذكر كم مرة تكرر الحديث عن ذلك، وأنه ليس طرحا جديدا، وقد تحول في المقالات والحوارات مع مرور الوقت إلى عبارات




عندما يقال: يجب علينا أن نواجه جذور الإرهاب، فتذكر كم مرة تكرر الحديث عن ذلك، وأنه ليس طرحا جديدا، وقد تحول في المقالات والحوارات مع مرور الوقت إلى عبارات ونصائح مستهلكة فقدت معناها. فمنذ تفجيرات العليا 1995 إلى 2014.. هل نحن أمام مشروع متعثر عمليا!؟ وجدت محاولات عملية لمواجهة جذور الإرهاب. ما هي النتائج، وكيف نقيم أداءنا خلال العقدين الماضيين. إذا كان هناك فشل فلماذا، وما هو بالتحديد؟ وإذا كان هناك نجاح فما هو؟ إذا استمر المثقف والكاتب بمرور السنوات بالدوران حول هذه النصيحة والكلام العام عنها، دون أن يسهم هو بأخذ جانب من الخلل الذي يراه ويتعمق فيه، فلن نتقدم أي خطوة سوى مجرد ممارسة الشحن والشحن مضاد بلا نهاية. هل هناك صعوبات عملية في تحديد الجذور والمعالجة.. هل هذه الصعوبات دينية أم اجتماعية أم سياسية.

في البدايات كان يعتبر الكلام بأنه يجب علينا مواجهة جذور الإرهاب، طرحا جريئا ومتقدما في المقالات أو المداخلات في ندوات عديدة، وكأنه لامس الخطوط الحمراء. بعد عقدين تبدلت وتشكلت العديد من الخطوط الحمراء، وفقا لمنافع فردية وحسابات مختلفة، وتعرضت المعالجات الفكرية لتحوير وتوجيه وتجميل وتشويه في العديد من المعارك، وفقدنا الاتجاه الحقيقي لأصل مشكلاتنا في معالجة أخطائنا الفكرية والعملية. انتظار الجهات الرسمية ليس مجديا في كثير من المعالجات، فالبيروقراطية والتناقضات الإدارية واختلاف الوعي بين جهة وأخرى، وارتباك الأوليات حتى وإن كان هناك حسن نية، ورغبات مشتركة ومعلنة لمواجهة الخلل في مؤسسات عديدة. إذا كان المثقف والداعية والعالم الشرعي ليس مسؤولا عن الجانب الإداري في هذه المؤسسات، وإصدار القرارات التنظيمية، فهو مسؤول عن مدى مساهمته فيما يتعلق بالمعالجات الفكرية والدينية والتربوية.

نقد الإرهاب وتحديد جذوره لن يكون بمجرد ملاحقة العناوين الجذابة والمثيرة للقراء، والموضات الفكرية بدون جهود بحثية محترمة، فكم من المرات نقدت المناهج، وكتب عن المنهج الخفي، ومشكلات التعليم، وكم من المرات أشير إلى أزمات عديدة في بنية المجتمع والخطاب الديني والدعوي والفقهي، لكن الكثير منها مجرد عموميات تقول لنا: يجب أن نفعل.. ويجب ويجب، وعرض قصة مثيرة هنا وحادثة هناك، دون أن تتعمق بالفكرة التي طرحتها وتواجه هي بنفسها الصعوبات العلمية والعملية، وتقدم حلولا ومعالجات واضحة لتساعد المسؤول في رؤية الواقع وتصحيحه.

في مواجهة الإشكالات الفقهية والتاريخية عرضت الكثير من العناوين، ولأنها تطرح أحيانا بصورة كيدية، وبعضها بحثا عن الإثارة ضد هذا الاتجاه أو ذاك أو ذاك.. فقد بدت وكأنها معارك إلهاء للتيارات عن المشكلات الحقيقية، وبسبب هذه الإثارة فقدنا هدف البحث عن العلل الحقيقية للتشدد، وأصبح كل اتجاه يحمل الآخر المسؤولية عبر تراشق لفظي، وانشغل بعضهم في محاربة العصرانية والليبرالية بحجة أنهم يحققون متطلبات أسيادهم الغربيين، وأنهم رانديون، فتركت جذور الإرهاب للبحث عن جذور العصرانية والعقلانية وتشويهها، فأصبحت أي مسألة فكرية ودينية وأمنية تطرح عنصر إثارة بذاتها.. فقدت فيها الروح العلمية والمسؤولية التاريخية والوطنية.

كثير من الطرح الآن يعيد دراسات كلاسيكية حول الإسلاميين وحركاتهم في العالم العربي لما قبل 1995، وهي متاحة في العديد من المراجع دون وعي بالمستجدات والمتغيرات التي أحدثت فروقات كبرى عن مراحل قديمة قبل أربعة عقود. بعد عقدين وجدت تحولات وتغيرات حتى داخل بعض المفترض أنهم يسهمون في تقديم نقد فكري للتشدد، فرأيهم وطرحهم تقلب حسب الاتجاهات والمنافع المرحلية كل بضع سنوات، وبعضهم قدم شهادات لدارسين غربيين، وتحول عنها الآن! وبدأ يعاد تصميم الإجابات لمواجهة الإرهاب حسب تقلبات الطقس السياسي. في حالتنا المحلية أصبحنا أمام قضايا مركبة ومتغيرة باستمرار حتى في داخل بنية الخطاب الديني، ومعالجات مجزأة كل اتجاه ينتقي ما يناسبه ويكسب فيه ليجعله هو المشكلة، ويعيد ويكرر فيه التهم. لهذا حدث تشتت كبير وتعثر للأفكار والمبادرات التي يفترض أنها تسهم في الحل، وعندما جاءت متغيرات 2011 وحضر الإعلام الجديد بقوة استعمل هذا الموضوع مرة أخرى بقدر من عدم المسؤولية، من أجل معارك آنية في اتهامات ومغالطات كثيرة، لنجد أنفسنا أمام تعثر.. أهم مشروع إنساني لإنقاذ أجيال جديدة من التورط في التشدد ومسارات العنف.    

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 23, 2014 12:57

August 16, 2014

الافتئات.. منعطفات في التشدد

الافتئات.. منعطفات في التشدد


هناك كثير من المفاهيم والقضايا الفقهية التي تمثل منعطفات مربكة حتى لعقول ليست صغيرة على طلب العلم والمعرفة الفقهية، وأخذت شوطا




هناك كثير من المفاهيم والقضايا الفقهية التي تمثل منعطفات مربكة حتى لعقول ليست صغيرة على طلب العلم والمعرفة الفقهية، وأخذت شوطا بعيدا في الدرس والتعلم التقليدي على رموز معروفة في الوسط الإسلامي، ولهذا يحدث أن تفاجأ أنها تنتقل إلى منطقة التشدد في أي لحظة. هذه المسائل بالرغم من كثرة التفاصيل والجدل حولها في الأوساط الفقهية، قد يبدو سهل تقريرها لمن ليس لديهم خلفية تاريخية وفقهية عن سبب عمق الأزمة مثلا في مفهوم الافتئات على الحاكم أو السلطة .. الذي صنع كثيرا من الإنشقاقات والاختلافات قبل ظهور حتى الحركات الإسلامية المعاصرة، وكغيرها من المفاهيم الفقهية المتصلة بالشأن السياسي في التنظير الأولي تبدو كعموميات بسيطة الفهم .. لكن عند التطبيق في حالات معينة، وبدء بعض الخلافات في الصراعات السياسية، تظهر الانتقاءات والمقولات المتناقضة، ودوامة كلامية فيها كثير من اللت والعجن والطمس وعدم الوضوح والمواجهة لعمق الإشكال التراثي في تشكل هذه المفاهيم السياسية ونقلها من عصر إلى عصر.

في الشهر الماضي لفت نظري جدل داخلي بين تشدديين على هامش الاختلافات بين رؤية «القاعدة» و»داعش» وإعلان الخلافة، وهو نموذج يعبر عن شيء من المفارقات التي لا تنتهي داخل هذا الوعي. عبدالمجيد الهتاري شيخ يمني إمام وخطيب جامع سعد بن معاذ بصنعاء، ورئيس مجلس أمناء مركز الدعوة بصنعاء سابقا، وتتلمذ على يد رموز علمية سلفية مشهورة. يعترض هنا على «القاعدة « وموقفها من قيام تنظيم الدولة الإسلامية والخلافة، فيقول لهم «وقد أكرمهم الله أن أقام الدولة والخلافة الإسلامية ليس على يد نظام بينهم وبينه حروب وتضليل وعداوة وإنما أقام النظام الإسلامي على يد فصيل منهم أو على يد رجال تربوا على ثقافتهم ومنهجهم فالمفاجأة وقوفهم ضد هذا التحول والتطور وإذا كان هذا الموقف منهم عجيب فأعجب منه تنظيرهم له واعتذارهم عن الالتحاق بالدولة بأعذار تعود على أصولهم بالنقض . فمن ذلك: الادعاء بافتئات الدولة على الأمة ..

« والمفارقة هنا أنه يستنكر عليهم هذه الحجة بنفس الطريقة التي ينكرها فقيه معتدل بعد أحداث سبتمبر لكن هنا يستعملها للدفاع عن «داعش»!

فيقول «ونسيت أنها هي الأخرى افتأتت على الأمة وأعلنت جهادا خارجيا ومحليا بدون إذن من الأمة وأدخلت العالم الإسلامي في حرب ضروس مع أمريكا لا تزال الأمة ومعها جماعة القاعدة تعاني من آثارها إلى اليوم، ونسيت القاعدة أن طالبان التي أيدوها والتي يدينون لها اليوم بالسمع والطاعة وأنها هي الإمارة الشرعية لم يصل الحكم إليها ولم تأخذه إلا بقوة الحديد والنار ولم تستشر أهل الحل والعقد، وهم يقولون بشرعيتها بل وألغت كل الجهود السابقة التي كانت للفصائل الجهادية ودعتهم إلى السمع والطاعة أو يواجهوا السيف وليس لهم من الأمر شيء ونتيجة لذلك تحامق أولئك القادة وتعاونوا مع أعداء الأمة لإسقاط طالبان حتى تم لهم ذلك قبحهم الله في الدنيا والآخرة عبيد الجاه والمناصب فكيف رأت القاعدة شرعيتها ولم تر شرعية الدولة وهي أصفا وأنقى وأوضح هدفا وعقيدة وتطبيقا للسنة من طالبان بمئات المرات.

ونسوا أنهم افتأتوا على الأمة فنصبوا رجلا مجهولا لا يعرف لدينا إلا اسمه وهو الملا محمد عمر فبايعوا الظواهري وهو بدروه بايعه وتتابعت البيعات من كل قطر من أفغانستان إلى اليمن إلى الحجاز إلى الشام إلى مصر وليس له أي سلطة مباشرة عليهم ولا على الأمة بل نحن في فترة من بعد الحادي عشر من سبتمبر منتظرون على طول العالم الإسلامي وعرضه أي حدث يقع منه يتجاوز البيانات والخطابات فلم يقع شيء ذو بال وكان الأمل كبيرا أن يبادروا إلى مناصرة الدولة فلم يقع ذلك وللأسف» وأخيرا يقول «وخلاصة هذا الاعتذار منكم عن متابعة الدولة أنكم انضممتم إلى الفئات المريضة من الأمة والتي مرضها إما من جهة عدم ارتياحها للنظام الإسلامي الصحيح والذي تمثله الجماعات الجهادية».

عندما يتغير الموقف السياسي تتحول كل الأداة الفقهية ضد الفكرة المقابلة، كيف تقنع الكثيرين بأن الموقف السياسي هو الذي يتحكم بالرأي الفقهي، وليس العكس في كثير من الحالات، وكيف نميز بينهما، وبأن معالجة التشدد مرتبطة بأشياء كثيرة تستحق مناقشتها.    

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 16, 2014 12:50

August 9, 2014

الكلفة الأخلاقية..في الصراع السياسي

الكلفة الأخلاقية..في الصراع السياسي


كم مرة تسمع من يقول إن «السياسة لا علاقة لها بالأخلاق» بتعبيرات متقاربة حول هذه الفكرة لتأكيد أنه لا توجد أخلاق في السياسة




كم مرة تسمع من يقول إن «السياسة لا علاقة لها بالأخلاق» بتعبيرات متقاربة حول هذه الفكرة لتأكيد أنه لا توجد أخلاق في السياسة. إذا اقتنعت بهذه المقولة فورا فأنت أغلقت القضية في ذهنك مبكرا، فالبعض يفتقد القدرة على فهم الأفكار المركبة من مستويات متعددة، فالإشكال في حقيقته علاقة معقدة بينهما، وتحتاج وعيا بعدة مفاهيم في السياسة والأخلاق، ولهذا يتسرع كثيرون بنفي الأخلاق من الدول الكبرى، والنظام العالمي والمواثيق الدولية..وكأننا فعلا في غابة دولية من خلال هذا الصراع أو ذاك.

عندما تزداد مساحة الانفصال بين الأخلاق والسياسة كما يحدث في إدارة الدول الفاسدة، والديكتاتوريات الفاشلة يحدث الانهيار الكبير مهما تأخر، ومهما كانت القوة التي تحمي هذا النوع من الأنظمة، لانتهاء هذا الرصيد الأخلاقي..فالمشروعية السياسية تتغذى من البعد الأخلاقي في الممارسة السياسية لأي نظام. مقابل ذلك حدث التقدم واستمر طويلا في دول غربية وشرقية استطاعت أن تصنع مواءمة أكثر معقولية بين المصلحة السياسية والأخلاق، ومن يريد أن يعدد انتهاكات دول متقدمة، فهو يدل على أن البعد الأخلاقي حاضر في سياساتها، وإلا لما بذل جهدا في البحث عن نماذج من أخطائها، ومع تقدم العالم حضاريا أصبحت هناك مفاهيم أخلاقية كونية مشتركة خاصة في مجال حقوق الإنسان.

هناك وعي خاطئ بالواقعية السياسية جعل البعض يتوهم بأنه يمكن إهمال البعد الأخلاقي خاصة في السياسة الخارجية. في الصراعات والحروب ومواجهة الإرهاب تحضر المسألة الأخلاقية بصورة دقيقة ومعقدة بالنسبة للأنظمة والدول في سياستها الداخلية والخارجية. وكلما كانت الدول قوية عسكريا وماليا كانت واجباتها الأخلاقية أكبر في المنظومة الدولية، فتلام في تدخلها أو عدم تدخلها، وتحرص بعض الدول المصدرة للسلاح أن تضع ضوابط في تصديرها وإن كان عمليا يشوبها الكثير من الخلل، وعدم التزام هذه الدول حيث تدعم أنظمة تنتهك حقوق شعوبها لأسباب كثيرة ومتعددة.

ومع حالة الانفتاح الإعلامي غير المسبوقة في نظامنا الكوني، والتي أصبح فيها الفرد يتابع ما يحدث في كل مكان بدون الاعتماد على ممرات إعلامية بيروقراطية احتكرتها وكالات وقنوات إعلامية كبيرة لأزمنة طويلة، أصبحت الدول أمام تحديات أخلاقية جديدة، وأي تجاهل لهذا البعد أو عدم الوعي بأهميته يعرضها لخسائر أخلاقية كبيرة في بعض الصراعات والحروب لسوء إدارة الخطاب الإعلامي خلال الحدث، فيحرص الساسة والزعماء في دول كبرى أن تتضمن خطبهم البعد الأخلاقي في سياستهم الخارجية أثناء الانتخابات أو خلال بعض الأزمات السياسية..لشرح أسباب التدخل أو عدمه.

ومع العدوان على غزة نجد العدو الصهيوني يحاول أن يبرر ممارساته دوليا بكل الحيل، وتوريط الآخرين معه بحجة أنه يحارب الإرهاب كما يحاربه غيره، ولهذا تبدو حاجتنا كبيرة لوضع المواقف الإعلامية بصورة أكثر عقلانية مستحضرة البعد الأخلاقي عند أي صراع.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 09, 2014 10:36

August 2, 2014

خطيب الجمعة..وتعميم الوزارة

خطيب الجمعة..وتعميم الوزارة


تراجع دور خطيب الجمعة متأثرا بمتغيرات كثيرة في هذه المرحلة، فهو كغيره من وسائل الاتصال بالجمهور الأخرى التي تعرضت لإعادة ترتيب مع تطورات العصر الحديث في المجتمع، ومع ذلك ما زال البعض يتحدث عن هذه الدور بلغة تبجيلية عاطفية وتحمل هذا المنبر جميع الأدوار التي كان يقوم بها، ويلوم الخطباء دون استحضار طبيعة هذه التراجعات التاريخية والتحولات الحضارية في المجتمعات الإسلامية. حتى دور المسجد بالصورة التقليدية تعرض لمسار تاريخي من المتغيرات فلم يعد له هذا الدور الذي كان يمثله، فقد كان منطلقا لكثير من الأنشطة والفعاليات العلمية والسياسية والعسكرية. في المدينة الحديثة توزع الكثير من هذه الأدوار بحكم تعقيدات الحضارة وتفاصيلها إلى مرافق متعددة، وليس هناك داع للتباكي على تلك الحالة، فهذه التطورات لصالح المجتمع المسلم، والمسجد سيكون موجودا في الجامعة والمصنع والمستشفى..وغيرها.

دور الخطيب تأثر كما تأثر دور الشاعر في المجتمع الحديث، وقد لا يعجب البعض هذا الكلام. هذا التراجع لا يعني أنه لم يعد له فائدة، وإنما لمواجهة الكثير من الطرح غير الواقعي والعقلاني لتحميل هؤلاء الخطباء أكبر من دورهم، وأيضا فقدان الدور الحقيقي الفقهي المفترض أن يقوم به دون طموحات عالية وتضخيم لمسؤولياته. في مجتمعنا السعودي هناك مسافة واسعة جدا بين دور الخطيب قبل عدة عقود في مجتمع شبه أمي معزول عن العالم، وبين دوره اليوم في مجتمع متعلم ومفتوح على العالم في كل لحظة.




تراجع دور خطيب الجمعة متأثرا بمتغيرات كثيرة في هذه المرحلة، فهو كغيره من وسائل الاتصال بالجمهور الأخرى التي تعرضت لإعادة ترتيب مع تطورات العصر الحديث في المجتمع، ومع ذلك ما زال البعض يتحدث عن هذه الدور بلغة تبجيلية عاطفية وتحمل هذا المنبر جميع الأدوار التي كان يقوم بها، ويلوم الخطباء دون استحضار طبيعة هذه التراجعات التاريخية والتحولات الحضارية في المجتمعات الإسلامية. حتى دور المسجد بالصورة التقليدية تعرض لمسار تاريخي من المتغيرات فلم يعد له هذا الدور الذي كان يمثله، فقد كان منطلقا لكثير من الأنشطة والفعاليات العلمية والسياسية والعسكرية. في المدينة الحديثة توزع الكثير من هذه الأدوار بحكم تعقيدات الحضارة وتفاصيلها إلى مرافق متعددة، وليس هناك داع للتباكي على تلك الحالة، فهذه التطورات لصالح المجتمع المسلم، والمسجد سيكون موجودا في الجامعة والمصنع والمستشفى..وغيرها.

دور الخطيب تأثر كما تأثر دور الشاعر في المجتمع الحديث، وقد لا يعجب البعض هذا الكلام. هذا التراجع لا يعني أنه لم يعد له فائدة، وإنما لمواجهة الكثير من الطرح غير الواقعي والعقلاني لتحميل هؤلاء الخطباء أكبر من دورهم، وأيضا فقدان الدور الحقيقي الفقهي المفترض أن يقوم به دون طموحات عالية وتضخيم لمسؤولياته. في مجتمعنا السعودي هناك مسافة واسعة جدا بين دور الخطيب قبل عدة عقود في مجتمع شبه أمي معزول عن العالم، وبين دوره اليوم في مجتمع متعلم ومفتوح على العالم في كل لحظة.

هذا التراجع لدور الخطيب في مجتمعنا لم يحدث فجأة، وإنما أخذ عدة أطوار وحالات إلى تشكل الوضح الحالي، فقبل انتشار التعليم الحديث، كان يقوم دوره على التوعية الدينية ومكملا لدور المطوع التعليمي، هذه الأهمية تراجعت تدريجيا مع انتشار الطبقات المتعلمة، وبدأ يشعر المجتمع ببساطة أصحاب المنابر من كبار السن إلى نهاية السبعينات، بعدها أخذت تظهر طبقة جديدة من المتعلمين حديثا في العلوم الدينية، وصنعت تغييرا في شكل الخطبة وتأثيرها وجماهيرية لبعضهم، وأسست لبدايات الصحوة. ومع مرحلة الصحوة حدثت طفرة استثنائية لعدة ظروف تاريخية خدمتها يصعب تكرارها، وهي ما بين منتصف الثمانينات الميلادية إلى منتصف التسعينات.. وهي المرحلة الذهبية لانتشار الكاسيت فأصبح لدينا نماذج لـ»أحمد القطان» و»كشك» في أكثر من مدينة. في هذه الطفرة الصوتية لمنبر الجمعة جاء الحديث عن الواقع ومتغيراته في لحظة انكماش محلي وجمود لدور الإعلام والصحافة والتلفزيون..ورقيب رسمي، فكان المنبر أكثر المجالات مرونة وضعفا في التحكم لطبيعة المجال وتعددها، مما أتاح سقفا من الحرية مختلفا..وهذا كان أحد عوامل الانجذاب الجماهيري له، لكن رافعة الكاسيت لصوت المنبر بدأت بالتراجع مع نهاية التسعينات بسبب عوامل تقنية وتغيرات كبرى مع توسع مرحلة الفضائيات ثم الإنترنت وتطوراتها المستمرة إلى زمن التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، حيث أصبح لكل مواطن منبره الخاص.. وحتى خطب الزعماء السياسيين أصبحت تواجه أزمة في الغرب، فقبل أن يكمل الزعيم خطبته يجد أن خطابه نسف وجميع مغالطته كشفت للجمهور في اللحظة نفسها!

لهذا فقد منبر المسجد الكثير من جاذبيته الطارئة مع الصحوة، وأصبح المنبر تائها للبحث عن دوره المفترض دون أن يستحضر هذه المتغيرات، وهنا لفت نظري الجهد الذي تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية التي تتابع أداء هؤلاء الخطباء لحوالي 15 ألف جامع. في منتصف الشهر الماضي نشر موضوع بأن 17 خطيبا يتم التحقيق معهم في هذه الأثناء نتيجة لعدم تناولهم للجريمة الإرهابية في محافظة شرورة. ولا أدري ما الفائدة من نشر هذا الخبر لرقم محدود جدا فهذا يسيء لآلاف الخطباء الذين يشعرون بمسؤوليتهم الاجتماعية ويفقد الإنكار قيمته الشرعية والفقهية إذا شعر المصلي أن الخطيب يقول تعميما وزاريا، وإلا فسيحقق معه! ومن المفترض أن يكون اختيار هؤلاء الخطباء ممن تتحقق فيهم اعتبارات ليكون مؤهلا لحمل هذه المسؤولية في محاربة أفكار شاذة، دون أن تسيس هذه القضايا نفسها وتعسكر وتخرج من إطارها الفقهي المعتدل في مواجهة التطرف والعنف، وأن وعي الخطيب لدوره يجب أن يكون ذاتيا ويمكن تقييم أدائه لفترات طويلة ومدى نجاحه في تحقيق الهدف الشرعي لوجود هذا المنبر.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 02, 2014 13:11

July 26, 2014

تلفزيون رمضان.. بدون هجاء

تلفزيون رمضان.. بدون هجاء


أصبح مشاهد اليوم يتعامل مع البرامج أكثر من القنوات بصورة محددة، حيث تتيح التقنية متابعة البرامج الناجحة في أي وقت وأي مكان




أصبح مشاهد اليوم يتعامل مع البرامج أكثر من القنوات بصورة محددة، حيث تتيح التقنية متابعة البرامج الناجحة في أي وقت وأي مكان. ومع توفر مساحات كبيرة للنقد والتعليقات من الجمهور ارتفعت ذائقة المشاهد كثيرا.. فلم يعد يتقبل الكثير مما يقدم من أعمال، وأصبح رأيه في حالات كثيرة مقاربا لرأي النقاد، وقد يتفوق عليهم لأن الناقد تصطدم رؤيته أحيانا بإشكالية العلاقات والمجاملات.

يستهدف أصحاب القنوات الفضائية شهر رمضان لأنه يبدو أفضل فرصة سنوية لهم، إن لم يكن الوحيد.. ولهذا تكثف كل الأعمال السنوية له. في هذا الشهر يمكن معرفة أوقات الذروة وبرنامج المشاهد اليومي ونوعية الجمهور، وهذا لا يتحقق عادة في الأيام الأخرى. فالمشاهد لديه ساعات كثيرة تبدو فيها مشاهدة التلفزيون هي الخيار المتاح له.. في أوقات الإفطار والأكل الليلية.. أو بعض ساعات الخمول النهارية.

يبدو أن الدراما السعودية تعيش مأزقا مزمنا منذ سنوات طويلة، وحتى الإغراق في الكوميديا لم ينقذها، وأصيبت بمرض «طاش» في سنواته الأخيرة. إفلاس في جوانب كثيرة.. بالرغم من ضخامة بعض الأرقام المالية. فقدت الكوميديا السعودية شخصيتها الأولية التي تشكلت مع الرواد. كتب كثير من النقاد آراءهم عن ما يقدم.. منذ سنوات مضت، وأصبحت مفردة «التهريج» وصفا شائعا لها.. بالرغم أنها ليست دقيقة، فالتهريج أعلى مستوى منها، فلم تنجح حتى في التهريج! فقر المحتوى والأفكار والنصوص.. أهم ما يشير إليه النقاد، وبالرغم من معرفة منتجي هذه الأعمال هذه الحقيقة كل عام إلا أنهم يكررونها.. لسيطرة الجشع التجاري. هم لا يريدون أن يدفعوا مبالغ على الأفكار والنصوص.. فلم يبحثوا ولم يطلبوا ممن لديهم قدرة، ولم يستعينوا بمثقفين. فأصبحت الأفكار كلها إعادة إنتاج عشوائي لما تطرحه الانترنت من قضايا.. سنوية. مونديال كأس العالم في البرازيل أنقذ الكثير من الجمهور للاستغناء عن رداءة كثير مما يعرض، وأنقذ بعض المنتجين في توفير الأعذار لفشلهم.

حول البرامج الحوارية كانت المفاجأة الأكثر حضورا لبرنامج «يا هلا رمضان»، كسر فيها الروتين الذي تقدم فيه هذه البرامج، واستطاع أن يلفت الأنظار في توقيت ليلي ناجح، وضيوف من الوزن الثقيل.. لكن نوعية الضيوف أخذت تضعف في مرات عديدة. برنامج في الصميم.. حافظ على وهجه في وقت العصر الرمضاني، بالرغم من الظروف التي مرت في البرنامج العام الماضي، وأصبح يسير باستراتيجية «حبة فوق وحبة تحت».

في البرامج الاجتماعية حافظ برنامج خواطر على حضوره السنوي، واستطاع الشقيري أن يفرض احترامه، لأن الجهد المبذول في محتوى البرنامج بمعلوماته، والأماكن التي يزورها يستحق التقدير. هناك الكثير من النقد الذي يمكن التوقف عنده منذ سنوات.. لكن البرنامج يبدو مناسبا لفئة معينة، وليس للنخب التي تنتقده. من الخطأ تصنيف البرنامج في إطار الوعظ بالمفهوم السائد. وبالرغم من أن البرنامج في سنته العاشرة، إلا أن فكرته التي سار عليها.. تجعله لا يشيخ.. وقابل للتجدد مع تغيرات العصر، بعرض بعض المعلومات من تجارب وأماكن حضارية متعددة.

«في خاطري شيء» لتركي الدخيل، استطاع أن يشكل إضافة مختلفة بالرغم من الدقائق القصيرة جدا، والتي يمكن أن يفوتك نصف البرنامج أثناء تعديل جلستك. إخراج ناجح وشاشة مريحة للمشاهد، ومحتوى معد بعناية يفرض احترامه.. لتناسب زمنا بين الأربع والخمس دقائق.

تعرضت برامج الدعاة والوعاظ في رمضان لتحولات في السنوات الأخيرة.. مع أحداث الربيع العربي، فقد أثرت المتغيرات السياسية على كثير من البرامج والشخصيات التي فقدها المشاهد. عمرو خالد من أبرز الغائبين هذا العام.. وكان آخر ما قدمه العام الماضي قصة الأندلس، بإعداد ومحتوى مميز مع زيارة الأماكن التاريخية نفسها. غياب بعض المشاهير منذ العقد الماضي عن بعض القنوات من المفترض أن يكون فرصة لدعاة آخرين.. وحتى الآن لم تبرز شخصيات جديدة.

التلفزيون السعودي بقنواته المختلفة يعيش محاولات جادة للتغيير وكسب المشاهد، وبالرغم من قسوة النقد العشوائي والانطباعي المستمر عليه.. من كثير من الإعلاميين والجمهور الذي بدأ يستكثر على التلفزيون المحلي أي تحسن بسبب الذاكرة الجماعية، وطول العهد بمرحلة الجمود والتقليدية، وهذا النوع من النقد بحد ذاته بحاجة لرؤية أخرى في مقال آخر.   

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 26, 2014 12:33

July 19, 2014

صناعة الأسلحة.. بدون دولة!


التحول اللافت الذي قدمته المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني.. هو استمرار تقدمها في تطوير سلاحها الخاص، وأثرت برغم ضعفها التدميري على مفهوم القبة الحديدية رمزيا. من الخطأ




التحول اللافت الذي قدمته المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني.. هو استمرار تقدمها في تطوير سلاحها الخاص، وأثرت برغم ضعفها التدميري على مفهوم القبة الحديدية رمزيا. من الخطأ ابتداء التفكير في وضع مقارنة بين عاشر أقوى جيش في العالم بقدرات مقاومة محدودة الإمكانات وتحت حصار إسرائيلي شديد، يفتقد للكثير من مقومات الحياة البشرية الكريمة. المقارنة الواقعية هي بين قدرات هذه المقاومة الآن وبين الثمانينات والتسعينات مرورا بعام 2001م. إذا تجاوزنا ما تم الحصول عليه من أسلحة مهربة.. فالواقع أنه حدث تقدم تصنيعي خاص. صحيح أنها لا تملك قدرات تدميرية لكن التطور في المسافات غير متوقع من بضع كيلو مترات إلى عشرات الكيلو مترات.. وهذا تطور هندسي لافت بالرغم من كل العوائق المادية والمكانية في أرض صغيرة. وقد تملك الكثير من التنظيمات والجماعات إمكانات وبيئات أفضل بكثير من قطاع غزة. هذا التحول يثير سؤالا واقعيا، هل يمكن أن نشهد مستقبلا إمكانية لصناعة أنواع معينة من الأسلحة المؤثرة.. خارج سيطرة الدول والأنظمة الرسمية!؟

نوع الأسلحة المستعملة في الصراعات والحروب كان ولا يزال أحد أهم العوامل المؤثرة في مسار التاريخ السياسي للعالم، فقد مرت على البشرية آلاف السنين وهي لا تملك إلا أدوات متواضعة من السلاح. مع عصر النهضة الأوروبية والثورة الصناعية حدثت نقلة كبرى استطاع معها الغرب السيطرة على العالم واستعمار أجزاء كثيرة منه.. ونهب ثرواته. في الحربين العالميتين الأولى والثانية شهد العالم نقلة كبيرة في نوعية الأسلحة الجديدة والمدمرة.. فيها ألقيت أول قنبلة نووية وشهد العالم مداها التدميري.. وغيرت معادلات القوة في العالم وتشكل المجتمع الدولي المعاصر. في مرحلة الحرب الباردة كان أبرز ملامحها.. التنافس الشديد على إنتاج السلاح، وأطلق عليه سباق التسلح، وكان هذا الموضوع خلال النصف الثاني من القرن الماضي من أهم قضايا الإعلام والصحافة.

مع نهايات الحرب الباردة حدث عزوف إعلامي في ملاحقة مثل هذه القضايا، ولم تعد كقضية تثير الجمهور بعد سقوط المعسكر الشرقي. لكن مسار التطور الصناعي شهد في العقود الثلاثة الأخيرة تطورا هائلا خاصة في مجال الالكترونيات والاتصالات.. مما ساعد على وجود متغيرات كبيرة في نوعية الأسلحة الجديدة.. وانخفاض كلفتها وكفاءتها العالية. ولم تعد الكثير من الأسرار الصناعية غامضة ومحتكرة اليوم. من المؤكد أن إنتاج الأسلحة الثقيلة كالدبابات والطائرات الحربية والغواصات غير ممكن إلا لدول كبرى ذات قاعدة صناعية حقيقية، وإمكانات اقتصادية قوية، وهذا لا تملكه إلا دول محدودة.

لكن هناك نوعا من التسلح قد لا يحتاج إلى هذه الإمكانات الضخمة، وله قدرة تدميرية مؤثرة، مثل الأسلحة الخفيفة كالصواريخ المحمولة المضادة للطائرات والدبابات، والقنابل اليدوية.. وهذا النوع يسهل تهريبه والتجارة فيه، والاستفادة من سقوط بعض الأنظمة. في مرحلة الجهاد الأفغاني يتذكر من عاصر تلك الفترة الدور الكبير لصواريخ ستينغر الأمريكية التي زودتهم بها أمريكا، وشكلت نقطة تحول كبيرة في رفع مستوى الخسائر على الاتحاد السوفيتي وإسقاط عدد كبير من الطائرات الحربية، وخطفت الأضواء مما اضطر معه الراحل عبدالله عزام أن يتحدث عنها، بأنها تشوه سمعة الجهاد وقدرات المجاهدين.

في السنوات الأخيرة تبدو الطائرات بدون طيار ذات كفاءة عالية في تحقيق أهدافها بكلفة أقل، ومحافظة على الكوادر البشرية. وهذا النوع من الأسلحة جاء مع تطورات تقنية كبيرة في العقود الأخيرة، وأصبح متاحا إنتاجها بكلفة أقل، وتستعمل في كثير من المجالات العلمية والمدنية. هذا النوع قد يكون متاحا على مستوى تنظيمات وحركات مسلحة أقل من الدول والأنظمة الرسمية، مع تطور تقنية الاتصالات وتوفر الكثير من القطع الالكترونية.. ولم تعد هناك أسرار في كثير من جوانبها. وقد ينقل مستوى الصراعات والتمرد على الأنظمة إلى مستوى أعلى، وكما كانت الدولة المعاصرة احتكرت تقنيات الإعلام خلال أكثر من قرن ونصف للسيطرة على الشعوب.. إلى أن تطورت تقنية الإعلام فأصبح للتنظيمات والأفراد تأثير ينافس إمبراطوريات إعلامية كبرى على الرأي العام.

قبل أشهر أعلنت جبهة النصرة عن إطلاق مؤسسة التصنيع الحربي «بأس»، التابعة لها وقالت الجبهة إنها أسست «بأس» لتكون «أول نواة لتصنيع وتطوير سلاح فعَّال يُصنع بنسبة 100% على أيدي إخوانكم المجاهدين وبصورة فنية مدروسة» ودعت الكوادر الفنية في أي مجال للانضمام لها والتواصل معهم في أي ملاحظة أو فكرة بسيطة تكون سببًا لتعديل أو تحديث أو حتى تصنيع سلاح.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 19, 2014 16:00

July 12, 2014

في لعبة اللوم السياسي!


طريقة توجيه اللوم هي أحد مفاتيح رؤية التفكير العربي في الأزمات والصراعات السياسية، فعند كل حدث أو كارثة تبدأ هذه الممارسة الذهنية بالحضور في الخطاب الإعلامي




طريقة توجيه اللوم هي أحد مفاتيح رؤية التفكير العربي في الأزمات والصراعات السياسية، فعند كل حدث أو كارثة تبدأ هذه الممارسة الذهنية بالحضور في الخطاب الإعلامي والتحليلات السياسية والمواعظ الدينية وحتى القصائد الشعرية. يتأثر هذا الوعي مع أي تغيير في معطيات الواقع بأسلوب توجيه اللوم للمتسبب بأزماتنا الوطنية والقومية. خلال عدة عقود تنمطت الكثير من الجمل اللفظية، وأصبحت جزءا من أدبيات كل اتجاه. مرور أكثر من نصف قرن على فشل الكثير من الدول العربية وأنظمتها، كان سببا في ظهور تصدعات منطقية في توجيه اللوم السياسي بعد أن استهلك خطابيا، ولم يعد تكرارها مناسبا كتعويذة مخدرة للشعوب، وأصبح كل شيء مكشوفا.

أخذ توجيه اللوم يبحث عن صيغ أكثر عقلانية.. بعضها نقد حقيقي، وبعضها تشكل وفقا لمصالح آنية لتبرير واقع معين. توجيه اللوم هو أسلوب نفسي وتكتيكي للتخلص من المسؤولية تمارسه أنظمة ودول عظمى أو حتى تنظيمات وعصابات، ولقد حافظت الأنظمة العربية على طريقة لوم معينة تفسر بها فشلها السياسي داخليا وخارجيا لعدة عقود، حتى فاجأها الربيع العربي واهتزت الكثير من هذه التعبيرات النمطية.. وهي الآن تعيد ترميمها من جديد.

في مجال الصراع العربي الإسرائيلي وقضية فلسطين، ترسخت تعبيرات عربية سائدة إعلاميا في توجيه اللوم للعدو الصهيوني أو للغرب وأمريكا، وتستعمل بدرجات مختلفة ما بين الخطاب الثوري القومي أو الإسلامي.. إلى خطاب الأنظمة الرسمية، وأصبح التنديد والإدانة العربيان مصدرا لسخرية الشعوب من أنظمتها. منذ مؤتمر مدريد وشعارات السلام - التي تبين وهمها لاحقا - دخل خطاب الصراع العربي الإسرائيلي لغة جديدة بحثا عن صيغ عقلانية وتبريرات للهزيمة، تحت شعار لقد جربنا العنتريات والحروب فلنجرب السلام والتنمية. أخذ اللوم يتجه للذات أكثر، ويخفف من حدته للآخر الغرب وإسرائيل خلال التسعينات الماضية، بدرجات مختلفة، واستمتع كثيرون بنقد الذات حتى أعلن عن وفاة العرب.. مع إظهار لقوة إسرائيل. كانت في البدايات تأتي على استحياء وبصيغ مهذبة، وعقلانية كتحليل سياسي قبل أن تتطور إلى خطابات مشوهة.. لأصل القضية مع العدو الصهيوني من أجل مصالح سياسية موقتة.

مرور الزمن أفقد فكرة السلام بريقها العقلاني تدريجيا، واتضحت للعرب معطيات جديدة، وتأكد الجميع بأن إسرائيل لا تريد السلام أو أي حل مهما كان حجم التنازل، وأنها تريد الاستفادة من عدم توازن القوى إلى أقصى زمن ممكن، وأنها فعلا لا تريد التفاهم لا مع الصقور ولا الحمائم في الجانب الفلسطيني، وحصار ياسر عرفات وقتله للتخلص منه.. هو إعلان نهاية حقيقي لفكرة السلام ذاتها بحلمها المدريدي أو الأوسلوي.

عندما حضرت لغة نقد ولوم الذات لتقويم الفعل الفلسطيني والعربي في بداية التسعينات وبعض محطات السلام الفاشلة، لم يكن يفهم منها تحميل الضحية المسؤولية وتبرئة للقاتل. كانت تأتي في إطار التحليلات السياسية المتزنة، فكان مقبولا توجيه اللوم والنقد لتجربة النضال الفلسطيني بتياراته وأحزابه وجماعاته، حيث تراكمت الكثير من الكتابات والآراء النقدية في الإعلام والمؤتمرات والكتب خلال أكثر من عقدين، فلغة الشعارات والعنتريات العربية القديمة انتهت موجتها فعليا منذ نهايات الحرب الباردة، وهذا لا يمنع من وجود عينات منها.

عندما تأتي هذه اللغة النقدية في لحظات التدمير والقتل بآلة العدو الصهيوني، فإنه يصعب تبريرها وتلطيفها، وستفهم بأنها تأييد للعدوان وفي أحسن حالاته تبرير وكأنه ردة فعل.. لا يختلف عن لغة مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، فكيف إذا كانت ساخرة! وعندما تصبح هذه اللغة محسوبة ولو بطريقة غير مباشرة على جهات أو مؤسسات اعتبارية فإن الكلفة الأخلاقية والسياسية عاليا جدا.. لا يمحوها الزمن، ولا يجب أن يكون التبرير عن عجزنا وصعوبة الحلول السياسية العملية أن يتحول الخطاب الإعلامي إلى لوم الضحية.

مع هذه التشوهات المؤسفة التي حدثت في خطاب القضية الفلسطينية، فإن اللافت مؤخرا وجود أصوات وأقلام شبابية ليست تقليدية في مواقع التواصل، قادرة على أن تواجه الكثير من الحجج السياسية من مخلفات مرحلة كوبنهاجن، واستطاعوا بالعديد من الآراء الحيوية تفنيد العديد من المغالطات، والتي بحاجة لعرض نماذج منها لاحقا. هذا الطرح ليس محسوبا على الخطاب الإسلامي، وقد كان لهم دور فعال في مواجهة لعبة اللوم السياسي. إسرائيل لم تدع الفلسطيني بحاله.. تضيق عليه رزقه، وتقتله، وتكتم أنفاسه، ولا يريد هؤلاء من الضحية أن (ترفس) ويستنكرون صراخها بحجة ضبط النفس! 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 12, 2014 16:00

عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.