مشاريع متعثرة: جذور الإرهاب (1995 - 2014 م)
عندما يقال: يجب علينا أن نواجه جذور الإرهاب، فتذكر كم مرة تكرر الحديث عن ذلك، وأنه ليس طرحا جديدا، وقد تحول في المقالات والحوارات مع مرور الوقت إلى عبارات
عندما يقال: يجب علينا أن نواجه جذور الإرهاب، فتذكر كم مرة تكرر الحديث عن ذلك، وأنه ليس طرحا جديدا، وقد تحول في المقالات والحوارات مع مرور الوقت إلى عبارات ونصائح مستهلكة فقدت معناها. فمنذ تفجيرات العليا 1995 إلى 2014.. هل نحن أمام مشروع متعثر عمليا!؟ وجدت محاولات عملية لمواجهة جذور الإرهاب. ما هي النتائج، وكيف نقيم أداءنا خلال العقدين الماضيين. إذا كان هناك فشل فلماذا، وما هو بالتحديد؟ وإذا كان هناك نجاح فما هو؟ إذا استمر المثقف والكاتب بمرور السنوات بالدوران حول هذه النصيحة والكلام العام عنها، دون أن يسهم هو بأخذ جانب من الخلل الذي يراه ويتعمق فيه، فلن نتقدم أي خطوة سوى مجرد ممارسة الشحن والشحن مضاد بلا نهاية. هل هناك صعوبات عملية في تحديد الجذور والمعالجة.. هل هذه الصعوبات دينية أم اجتماعية أم سياسية.
في البدايات كان يعتبر الكلام بأنه يجب علينا مواجهة جذور الإرهاب، طرحا جريئا ومتقدما في المقالات أو المداخلات في ندوات عديدة، وكأنه لامس الخطوط الحمراء. بعد عقدين تبدلت وتشكلت العديد من الخطوط الحمراء، وفقا لمنافع فردية وحسابات مختلفة، وتعرضت المعالجات الفكرية لتحوير وتوجيه وتجميل وتشويه في العديد من المعارك، وفقدنا الاتجاه الحقيقي لأصل مشكلاتنا في معالجة أخطائنا الفكرية والعملية. انتظار الجهات الرسمية ليس مجديا في كثير من المعالجات، فالبيروقراطية والتناقضات الإدارية واختلاف الوعي بين جهة وأخرى، وارتباك الأوليات حتى وإن كان هناك حسن نية، ورغبات مشتركة ومعلنة لمواجهة الخلل في مؤسسات عديدة. إذا كان المثقف والداعية والعالم الشرعي ليس مسؤولا عن الجانب الإداري في هذه المؤسسات، وإصدار القرارات التنظيمية، فهو مسؤول عن مدى مساهمته فيما يتعلق بالمعالجات الفكرية والدينية والتربوية.
نقد الإرهاب وتحديد جذوره لن يكون بمجرد ملاحقة العناوين الجذابة والمثيرة للقراء، والموضات الفكرية بدون جهود بحثية محترمة، فكم من المرات نقدت المناهج، وكتب عن المنهج الخفي، ومشكلات التعليم، وكم من المرات أشير إلى أزمات عديدة في بنية المجتمع والخطاب الديني والدعوي والفقهي، لكن الكثير منها مجرد عموميات تقول لنا: يجب أن نفعل.. ويجب ويجب، وعرض قصة مثيرة هنا وحادثة هناك، دون أن تتعمق بالفكرة التي طرحتها وتواجه هي بنفسها الصعوبات العلمية والعملية، وتقدم حلولا ومعالجات واضحة لتساعد المسؤول في رؤية الواقع وتصحيحه.
في مواجهة الإشكالات الفقهية والتاريخية عرضت الكثير من العناوين، ولأنها تطرح أحيانا بصورة كيدية، وبعضها بحثا عن الإثارة ضد هذا الاتجاه أو ذاك أو ذاك.. فقد بدت وكأنها معارك إلهاء للتيارات عن المشكلات الحقيقية، وبسبب هذه الإثارة فقدنا هدف البحث عن العلل الحقيقية للتشدد، وأصبح كل اتجاه يحمل الآخر المسؤولية عبر تراشق لفظي، وانشغل بعضهم في محاربة العصرانية والليبرالية بحجة أنهم يحققون متطلبات أسيادهم الغربيين، وأنهم رانديون، فتركت جذور الإرهاب للبحث عن جذور العصرانية والعقلانية وتشويهها، فأصبحت أي مسألة فكرية ودينية وأمنية تطرح عنصر إثارة بذاتها.. فقدت فيها الروح العلمية والمسؤولية التاريخية والوطنية.
كثير من الطرح الآن يعيد دراسات كلاسيكية حول الإسلاميين وحركاتهم في العالم العربي لما قبل 1995، وهي متاحة في العديد من المراجع دون وعي بالمستجدات والمتغيرات التي أحدثت فروقات كبرى عن مراحل قديمة قبل أربعة عقود. بعد عقدين وجدت تحولات وتغيرات حتى داخل بعض المفترض أنهم يسهمون في تقديم نقد فكري للتشدد، فرأيهم وطرحهم تقلب حسب الاتجاهات والمنافع المرحلية كل بضع سنوات، وبعضهم قدم شهادات لدارسين غربيين، وتحول عنها الآن! وبدأ يعاد تصميم الإجابات لمواجهة الإرهاب حسب تقلبات الطقس السياسي. في حالتنا المحلية أصبحنا أمام قضايا مركبة ومتغيرة باستمرار حتى في داخل بنية الخطاب الديني، ومعالجات مجزأة كل اتجاه ينتقي ما يناسبه ويكسب فيه ليجعله هو المشكلة، ويعيد ويكرر فيه التهم. لهذا حدث تشتت كبير وتعثر للأفكار والمبادرات التي يفترض أنها تسهم في الحل، وعندما جاءت متغيرات 2011 وحضر الإعلام الجديد بقوة استعمل هذا الموضوع مرة أخرى بقدر من عدم المسؤولية، من أجل معارك آنية في اتهامات ومغالطات كثيرة، لنجد أنفسنا أمام تعثر.. أهم مشروع إنساني لإنقاذ أجيال جديدة من التورط في التشدد ومسارات العنف.
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
