الافتئات.. منعطفات في التشدد

الافتئات.. منعطفات في التشدد


هناك كثير من المفاهيم والقضايا الفقهية التي تمثل منعطفات مربكة حتى لعقول ليست صغيرة على طلب العلم والمعرفة الفقهية، وأخذت شوطا




هناك كثير من المفاهيم والقضايا الفقهية التي تمثل منعطفات مربكة حتى لعقول ليست صغيرة على طلب العلم والمعرفة الفقهية، وأخذت شوطا بعيدا في الدرس والتعلم التقليدي على رموز معروفة في الوسط الإسلامي، ولهذا يحدث أن تفاجأ أنها تنتقل إلى منطقة التشدد في أي لحظة. هذه المسائل بالرغم من كثرة التفاصيل والجدل حولها في الأوساط الفقهية، قد يبدو سهل تقريرها لمن ليس لديهم خلفية تاريخية وفقهية عن سبب عمق الأزمة مثلا في مفهوم الافتئات على الحاكم أو السلطة .. الذي صنع كثيرا من الإنشقاقات والاختلافات قبل ظهور حتى الحركات الإسلامية المعاصرة، وكغيرها من المفاهيم الفقهية المتصلة بالشأن السياسي في التنظير الأولي تبدو كعموميات بسيطة الفهم .. لكن عند التطبيق في حالات معينة، وبدء بعض الخلافات في الصراعات السياسية، تظهر الانتقاءات والمقولات المتناقضة، ودوامة كلامية فيها كثير من اللت والعجن والطمس وعدم الوضوح والمواجهة لعمق الإشكال التراثي في تشكل هذه المفاهيم السياسية ونقلها من عصر إلى عصر.

في الشهر الماضي لفت نظري جدل داخلي بين تشدديين على هامش الاختلافات بين رؤية «القاعدة» و»داعش» وإعلان الخلافة، وهو نموذج يعبر عن شيء من المفارقات التي لا تنتهي داخل هذا الوعي. عبدالمجيد الهتاري شيخ يمني إمام وخطيب جامع سعد بن معاذ بصنعاء، ورئيس مجلس أمناء مركز الدعوة بصنعاء سابقا، وتتلمذ على يد رموز علمية سلفية مشهورة. يعترض هنا على «القاعدة « وموقفها من قيام تنظيم الدولة الإسلامية والخلافة، فيقول لهم «وقد أكرمهم الله أن أقام الدولة والخلافة الإسلامية ليس على يد نظام بينهم وبينه حروب وتضليل وعداوة وإنما أقام النظام الإسلامي على يد فصيل منهم أو على يد رجال تربوا على ثقافتهم ومنهجهم فالمفاجأة وقوفهم ضد هذا التحول والتطور وإذا كان هذا الموقف منهم عجيب فأعجب منه تنظيرهم له واعتذارهم عن الالتحاق بالدولة بأعذار تعود على أصولهم بالنقض . فمن ذلك: الادعاء بافتئات الدولة على الأمة ..

« والمفارقة هنا أنه يستنكر عليهم هذه الحجة بنفس الطريقة التي ينكرها فقيه معتدل بعد أحداث سبتمبر لكن هنا يستعملها للدفاع عن «داعش»!

فيقول «ونسيت أنها هي الأخرى افتأتت على الأمة وأعلنت جهادا خارجيا ومحليا بدون إذن من الأمة وأدخلت العالم الإسلامي في حرب ضروس مع أمريكا لا تزال الأمة ومعها جماعة القاعدة تعاني من آثارها إلى اليوم، ونسيت القاعدة أن طالبان التي أيدوها والتي يدينون لها اليوم بالسمع والطاعة وأنها هي الإمارة الشرعية لم يصل الحكم إليها ولم تأخذه إلا بقوة الحديد والنار ولم تستشر أهل الحل والعقد، وهم يقولون بشرعيتها بل وألغت كل الجهود السابقة التي كانت للفصائل الجهادية ودعتهم إلى السمع والطاعة أو يواجهوا السيف وليس لهم من الأمر شيء ونتيجة لذلك تحامق أولئك القادة وتعاونوا مع أعداء الأمة لإسقاط طالبان حتى تم لهم ذلك قبحهم الله في الدنيا والآخرة عبيد الجاه والمناصب فكيف رأت القاعدة شرعيتها ولم تر شرعية الدولة وهي أصفا وأنقى وأوضح هدفا وعقيدة وتطبيقا للسنة من طالبان بمئات المرات.

ونسوا أنهم افتأتوا على الأمة فنصبوا رجلا مجهولا لا يعرف لدينا إلا اسمه وهو الملا محمد عمر فبايعوا الظواهري وهو بدروه بايعه وتتابعت البيعات من كل قطر من أفغانستان إلى اليمن إلى الحجاز إلى الشام إلى مصر وليس له أي سلطة مباشرة عليهم ولا على الأمة بل نحن في فترة من بعد الحادي عشر من سبتمبر منتظرون على طول العالم الإسلامي وعرضه أي حدث يقع منه يتجاوز البيانات والخطابات فلم يقع شيء ذو بال وكان الأمل كبيرا أن يبادروا إلى مناصرة الدولة فلم يقع ذلك وللأسف» وأخيرا يقول «وخلاصة هذا الاعتذار منكم عن متابعة الدولة أنكم انضممتم إلى الفئات المريضة من الأمة والتي مرضها إما من جهة عدم ارتياحها للنظام الإسلامي الصحيح والذي تمثله الجماعات الجهادية».

عندما يتغير الموقف السياسي تتحول كل الأداة الفقهية ضد الفكرة المقابلة، كيف تقنع الكثيرين بأن الموقف السياسي هو الذي يتحكم بالرأي الفقهي، وليس العكس في كثير من الحالات، وكيف نميز بينهما، وبأن معالجة التشدد مرتبطة بأشياء كثيرة تستحق مناقشتها.    

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 16, 2014 12:50
No comments have been added yet.


عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.