عبد العزيز الخضر's Blog, page 2

November 7, 2015

حول التناقض في مواقف الإسلاميين


الانتخابات الأخيرة التركية مع تحولات التجربة الإردوغانية، ومواقف الإسلاميين المبتهجة بانتصار حزبه، تعيد إشكالية




الانتخابات الأخيرة التركية مع تحولات التجربة الإردوغانية، ومواقف الإسلاميين المبتهجة بانتصار حزبه، تعيد إشكالية تكرر بمواقع التواصل منذ سنوات، حيث يستنكر خصومهم عليهم هذه المواقف وتناقض القيم لديهم، ففي الوقت الذي يبتهجون ويقفون مع نظام علماني يجيز ممارسة الفاحشة وتعاطي الخمور، وفي الداخل يتشددون مع فروع فقهية وطريقة لبس العباية، ونشرت صورة تغريدة لشخصية تشيد بحجاب زوجة إردوغان، وفي الداخل بتغريدة له أخرى يتعوذ من الانحراف والفضيحة لدى زوجة شخصية محلية كشفت وجهها، وقبل فترة تناقلت مواقع التواصل جزءا من كلمة لمسؤول إسلامي من اتجاه مختلف بمنصب رسمي يشنع على هذه المواقف الإيجابية مع مثل النظام التركي المنحرف في نظره..إلخ.مشكلة هذه الآراء أنها تأتي في سياق مناكفات هزلية متبادلة، فأغلبية من يعرض هذا التناقضات لا يبحث عن إجابة منطقية أو شرعية، وإنما هو منخرط ذهنيا بمعاركه وحساباته التي تقربه لهذه الجهة أو تلك.

لم تظهر هذه الحساسية مع التجربة الماليزية في التسعينات مثلا لاعتبارات مختلفة، بعكس الحالة التركية لوجود إشكالات تاريخية وحزبية مع ضغط تطورات الربيع العربي، واستقطاباته في المنطقة، حيث أثر على الرؤى المعتدلة والموضوعية.

بدايات التجربة الإردوغانية ليست مطمئنة لدى الإسلامي السلفي والحركي في المنطقة لأنها جاءت بضوء أخضر ودعم أمريكي مع مرحلة المحاولات الأمريكية في تسويق إسلام ما بعد سبتمبر، ووظفت حكاية موقع «راند» بصورة مبالغ فيها لتوزيع تهم عشوائية ضد أي رؤية تنويرية حتى لو كانت من التيار الإسلامي نفسه.

هل يوجد تناقض عقلي أو فقهي عندما يؤيد الإسلامي صاحب المواقف المتشددة هنا أي حزب إسلامي أو حتى غير إسلامي يواجه من هو في نظره أشد علمنة وحربا على المحافظة والدين!؟ يمكن للقارئ العودة لبداية سورة الروم وتفسيرها..التي يستحضرها أي متدين لديه فقه شرعي، مع مواقف أخرى في السيرة النبوية.

ولهذا لا يوجد إشكال شرعي بدفع مفسدة أكبر بمفسدة أقل، ولهذا فالسخرية التي تأتي من إسلاميين على إسلاميين بحجة دينية لا معنى لها فقهيا، ومن خلال الرؤية العقلية فليست بحاجة إلى ذكاء زائد.

هل تنتهي القضية عند هذا الحد؟ بالتأكيد لا! فالنخب السلفية والحركية وقياداتهم لديهم رؤى منهجية وحذرة، فهذه المواقف هي مواقف عمومية من الخارج بما فيها التجربة الماليزية..فالمديح الذي يقال هو مديح نفعي محدد لتوظيفها بأن الرؤية الإسلامية قادرة على النجاح، لكن عند التفاصيل تنهار الفكرة الوردية..بمعايير الرؤية السلفية والحركية، فهذه التجارب الإسلامية الناجحة اقتصاديا لا يمكن أن تنجح بدون عقلانية ومرونة عالية جدا..وفقه مختلف تماما عن هذه الرؤية التي يتبنونها في حالات أخرى.

ولهذا لو قدم الإسلامي التنويري تفصيلا لهذه التجارب ليدين بها التشدد الذي يعيق النهضة الشاملة والحضارية بأماكن أخرى، سيتم مواجهته بعاصفة من الردود الشرسة والتهم.

ومع كل هذا تعتبر هذه المواقف السلفية والحركية والمتدينون بصورة عامة والذين يرحبون بهذه التجارب الإسلامية مع تحفظهم على التفاصيل تقدما جيدا مقارنة بأزمنة مضت، فمحليا قبل مرحلة الصحوة كان التشدد الفقهي من الآخر في الرؤية الفقهية التقليدية غير متسامح، وأثر على الوافدين الذين تقمص كثير منهم هذا التشدد.

وبعد مرحلة التأسيس للدولة لم يكن التواصل العلمي مع الخارج منفتحا، حيث تم ترحيل بعض الشخصيات العلمية منذ الخمسينات بسبب آراء فقهية عادية.

ولم يكن هناك سفر لأبرز المرجعيات الفقهية للخارج، وعندما أنشئت رابطة العالم الإسلامي كان الذين يتواصلون مع الآخر أسماء معدودة وليسوا مرجعيات بالفتوى، وتجربة هؤلاء لم تغط بالتصوير كما هو منتشر اليوم.

كانت مسألة الدعوة إلى الله مع وجود معاص في نظر الشيخ المحلي حينها إشكالية فقهية وحدثا فيها خلافات عديدة.

مرحلة خطاب الصحوة بصورة عامة ورث هذا التشدد الفقهي من الآخر وتبناه، وكان موقفه سلبيا مع الذين يخرجون عبر تلفزيون القناة الأولى ببرامج دينية، ويصنفون بدرجة دينية أقل لدى جمهورهم ..وقد كانت حجج الدعاة حينها بأن برامجهم يأتي قبلها منكر وبعدها منكر، هذا المنكر قد لا يدرك أبناء الجيل اليوم ما نوعه، فموسيقى السلام الملكي..إلى أفلام الكرتون وافتح يا سمسم أو مضارب البادية أو مسلسل بدوي أردني..وغيرها كلها منكرات.

أستحضر هذه الأمثلة ليس مبالغة أو سخرية، وإنما لتقريب الصورة الحقيقية للواقع الذهني لوعي دعاة تلك المرحلة.

حدثت تغيرات مستمرة مع حضور الفضائيات الكبير في نهاية التسعينات وتراجع للآراء الفقهية المتشددة وأخذ البعض من الشيخ عبدالعزيز بن باز حينها رأيا يبرر حضورهم في بعض الفضائيات.

عصر النت وتطوراته جعل الكثير من هذه الآراء حول الدعوة في مثل هذه الأماكن شيئا من الماضي، وأصبح هناك قبول لما كان يبدو أنه تناقض في ذهنية المتدين والشيخ القديم مع تغيرات معطيات الواقع.

مع تطورات التصوير ووجوده في كل لحظة أصبح سفر الداعية إلى الخارج ووجوده في بعض المناسبات الخارجية أمام نظر عامة أبناء المجتمع، وسيقارنون بين تشدده هنا وتسامحه هناك تلقائيا، بعضهم يبدو متسقا مع نفسه وخطابه، متسامحا أو متحفظا في الحالتين، ويوجد آخرون لديهم مسافة مضطربة، يبدو التسامح لديهم كبضاعة لدى تاجر شنطة يخرجه حسب الحاجة الشخصية!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 07, 2015 05:14

October 31, 2015

ثقافة المسكن: مسؤولية المجتمع أم الجهات الرسمية؟!


كثيرا ما ينشغل الرأي العام بأي تصريحات عن الإسكان وهمومه الشعبية، وتأخذ عدة أيام، وكان آخرها هاشتاق باسم: «ثقافة المواطنين سبب أزمة الإسكان»




كثيرا ما ينشغل الرأي العام بأي تصريحات عن الإسكان وهمومه الشعبية، وتأخذ عدة أيام، وكان آخرها هاشتاق باسم: «ثقافة المواطنين سبب أزمة الإسكان».

وهو اختزال مشوه لحديث الوزير وللفكرة المطروحة، وبعيدا عن طريقة النقل الصحفي وماذا قيل، فالواقع أن مثل هذه الهاشتاقات تعبر عن احتقان مسبق، من خلال خبرة جمعية سابقة لتصريحات مسؤولين في أكثر من قضية مشهورة لدى الرأي العام.

رؤية وزير الإسكان كقادم من مجال التطوير العقاري ليست جديدة هنا، فمن حوارات قديمة ومشاركات تبدو الرؤية لديه متسقة هنا، والواقع أن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد بدأ طرحها في الصحف منذ عقدين في التسعينات مع استمرار تراجع النفط حينها، عبر الملاحق الصحفية المختصة بالعقار، وفي كل ندوة ولقاء عقاري يكرر مثل هذا القول بطرق متعددة.

من الناحية المبدئية يجب أن يكون هناك تغيير جذري حول الكثير من المفاهيم حول واقع الإسكان ورؤيته المستقبلية.

المشكلة تبدو في مغالطة تاريخية واجتماعية لا ينتبه لها كثير من المنظرين والكتاب عن العقار والمسؤولين لتحميل المجتمع ثقافة لم يصنعها هو بالأصل، وإنما مصدرها الجهات الحكومية المسؤولة، وهي جهة الممانعة، وليس هدف التوضيح في هذا المقال مماحكة نظرية في توجيه اللوم على من!؟ وإنما توضيح طبيعة الخطأ الإداري والبيروقراطي من أصوله، والذي لا يزال يكرر بعدة طرق، وأن الجهات الحكومية في الأصل هي التي أسست لهذا النموذج، وهي التي كانت وما زالت عندها الممانعة من تغيير ثقافة المسكن وليس المجتمع!في المرحلة الأولى من التغيير الذي حدث بعد طفرة النفط الأولى والانتقال من البيوت الشعبية والطينية، كان في واجهة التغيير العام هو الصندوق العقاري وشروطه المعروفة مع نماذج الأمانات، وقد كان حي الملز بشهرته أحد ملامح هذا التحول المبكر، وما بين السبعينات إلى نهاية الثمانينات خلال عقدين فقط كاد أن يختفي البيت الشعبي والطيني من أغلب المدن السعودية، وهو إنجاز ضخم ما زلنا نشعر بالحنين لنموذج مثل هذه النجاحات بعد كثرة التراجعات والتعثر..في أكثر من مجال، مع تزايد المشكلات الإدارية والتعقيدات البيروقراطية، وضعف ثقافة الإدارة الحكومية بوجه عام.

مع بداية التسعينات وظهور مشكلات اقتصادية بدأت تبرز مشكلة جيل آخر لتأمين السكن، وعدم القدرة عليه، فظهرت مشكلة النموذج المعماري نفسه في العديد من الأخطاء سواء بتصميم الأحياء وتوزيعها والمرافق وملاحظات كثيرة يصعب حصرها وأحتاج العودة لها في مقالات أخرى.

بدأت إعادة النظر في مساحة الفلل حيث اجتاحت المدن ظاهرة فلل الدبلكس لاستغلال بعض المساحات المهدرة، وتقبل ما هو أصغر من المواطنين أنفسهم ومن تجار العقار الذين بدأ البعض منهم بتوفير فلل صغيرة بمساحة تصل إلى 200 مترمربع، وجذبت فئات عديدة، مع كثرة العوائق النظامية وتعطيلها لمثل هذه الأفكار في البدايات، وعندما تنبه المواطن العادي لضرورة استغلال المساحات المهدرة في السطوح والارتدادات في الفلل خاصة للمساحات الصغيرة، أول من يعوق ذلك هي الجهات المسؤولة بتعقيدات لا نهاية لها واستمرت مقاومتها للطلب، فالسطح تأخر استغلاله ولا يستفاد من مساحته رغما عن صاحب الفيلا، ويضطر المواطن للتحايل بعد انتهاء البناء بأن يبدأ بالهدم والبناء لملاحق والاستفادة من الارتدادات الخلفية وغيرها.

لم يعد السكن بالأدوار المفصولة والشقق عيبا اجتماعيا، لكن من الذي عطل بناء العمائر متعددة الأدوار في أحياء وشوارع مدننا ..هل هو المجتمع أم الجهات المسؤولة!؟ لدرجة أن البعض كان يرى هذا المنع بحس مؤامراتي من أجل التوسع الأفقي للمدن وخدمة هوامير الأراضي، تأخر القرار كثيرا بالسماح ببناء أربعة أدوار، وما زال هناك الكثير من العوائق والملاحظات على هذه المسألة.

عندما أنجزت وزارة الإسكان والأشغال العامة بصورتها القديمة في الثمانينات مشاريع إسكان متعددة في أكثر من مدينة نموذج الفيلا من دور واحد أو الشقق في العمائر متعددة الأدوار، تركت لسنوات معطلة وتأخر توزيعها للمواطنين بصورة مثيرة لتساؤل المواطن حينها، ولم تفتح إلا بعد الغزو العراقي للكويت ففتحت للحاجة لها..ثم توزيعها ليس مجانيا وإنما كبديل للقرض العقاري وتنافس عليها الكثير من المواطنين.

نحن الآن في مرحلة جديدة ووعي مختلف، ويطول المقام هنا لسرد الملاحظات الهندسية والإدارية حول ثقافة المسكن السعودي، وللأسف كل محاولات التطوير للاستفادة من المساحات المهدرة هو عائق نظامي، ومما يؤسف له أكثر أن الجهات المسؤولة لم تتدخل إيجابيا عندما عبث البعض بنماذج الفلل لمصلحة الانغلاق على الذات وحجة الخوف الأمني فتحولت إلى ما يشبه صناديق مغلقة..لا هي نموذج عمارة أو فيلا! ولو قارنت الفلل في المرحلة الأولى من التنمية لوجدتها أكثر انفتاحا وأفضل مساحات للحي حيث الأسوار قصيرة جدا ولا توجد الشبابيك الحديدية التي حولت البيوت وكأنها سجون وشوهت الأحياء مع أسوار مرتفعة..أفقد المعنى الحقيقي والمظهر الجمالي لمفهوم الفيلا وتشكيل الحي بصورة عامة..كنا نحتاج تدخل الجهات المسؤولة هنا، حيث اضطر الجميع فيما بعد بتقليد بعضهم البعض، ولا يعرف الكثير من المواطنين الآن سبب كآبة المشي في مثل هذه الأحياء..وأين مصدر التشوهات المعمارية!؟

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 31, 2015 07:07

October 24, 2015

هل انتهى عصر تويتر؟!


أعلنت شركة «تويتر» في هذا الشهر عن مخطط لتسريح عدد كبير من موظفيها. لم يهتم بهذا الخبر إلا فئات معينة، والمستثمر في سوق تداول أسهم هذه الشركة. مستقبل تويتر كغيرها من الشركات التي تستثمر في مثل هذه المجالات ليس آمنا بدرجة كافية، ومعرض لتحديات كبيرة، فهي مهددة مع أي تغيير وظهور منافسة جديدة، والنجاح الذي تحقق لها بطفرة قلبت موازين الإعلام التقليدي، وما زال قائما ليس من السهل المحافظة عليه.




أعلنت شركة «تويتر» في هذا الشهر عن مخطط لتسريح عدد كبير من موظفيها. لم يهتم بهذا الخبر إلا فئات معينة، والمستثمر في سوق تداول أسهم هذه الشركة. مستقبل تويتر كغيرها من الشركات التي تستثمر في مثل هذه المجالات ليس آمنا بدرجة كافية، ومعرض لتحديات كبيرة، فهي مهددة مع أي تغيير وظهور منافسة جديدة، والنجاح الذي تحقق لها بطفرة قلبت موازين الإعلام التقليدي، وما زال قائما ليس من السهل المحافظة عليه.

وبعيدا عن مسألة الاستثمار ونجاحها السريع، فإن ما يهم منطقتنا في إدارة الرأي العام في المجتمع هو الدور التاريخي لـ»توتير» والذي أربك عدة مؤسسات عربية، وخلق واقعا جديدا، وأكد أن حكايتنا مع الانترنت ما زالت تنتظر.. ما هو غير متوقع في كل مرحلة، ففي اللحظة التي توهمنا بالسيطرة وتوجيه مرحلة المنتديات الانترنيتية واستيعابها، وجد الواقع العربي أنه أمام قصة أخرى أكثر تعقيدا. في حالتنا السعودية لـ»تويتر» قصة مكثفة في زمن قصير، هذا التطبيق الذي بدأ نائما قبل عام 2010، كيف أعاد ترتيب المشهد الالكتروني، وأثر على قائمة طويلة من وسائل الاتصال.

هل بدأ ينفض السامر عن «تويتر» وهل أخذت قمته التأثيرية على الرأي العام بالهبوط!؟ هل ما زال مثل هذا السؤال مبكرا بالرغم من ظهور بعض المتغيرات الجديدة؟ من يتابع «تويتر» عربيا، بالتأكيد لا يمكن مقارنته بالزخم الهائل الذي اندفع فجأة ما بين 2011 حتى 2013. فمنذ 2014 وحتى الآن أخذ حضوره نمطا مختلفا في شدته عن تلك الفترة الذهبية، لقد استفاد «تويتر» من الربيع العربي.. كما أن أحداث الربيع ذاتها تأثرت بقوة فيه، وساهم في نشاطه البركاني حينها، ولهذا قصة مليئة بالتفاصيل اليومية، واللحظات التاريخية التي صنعت هذا التأثير المتبادل حينها.

تاريخيا كثير من وسائل الإعلام العالمية استفادت من أحداث كبرى وحروب ومشكلات دولية وإقليمية في استقطاب أرقام ضخمة من المتابعين، مثل قناة «سي. إن. إن» مع معركة تحرير الكويت، وعندما ظهرت قناة «الجزيرة» في المنتصف الثاني من التسعينات كقناة إخبارية كانت هناك سخرية مكتومة، وأحيانا معلنة من بعض الإعلاميين العرب، وحكم عليها بأنها مشروع فاشل، بحجة أن المشاهد العربي لا يريد إلا ما هو ترفيهي، ولا يمكن أن ينجح هذا النوع من الإعلام.. وثرثرة طويلة حينها تعتبر أن فكرة قناة مختصة بالأخبار مجرد مغامرة! ومع أن القناة ظهر نجاحها منذ البداية إلا أن زخم 11 سبتمبر 2001 جعل للقناة حضورا عربيا وعالميا لافتا، وساعدها بأن تصبح جزءا أساسيا من حراك تلك المرحلة. وعندما ظهرت قناة «العربية» فإن الغزو الأمريكي للعراق سرع في حضورها في المشهد العربي، وأيضا مع تطورات سوق الأسهم السعودية ما بين 2005 و2006.

في الواقع ما زال «تويتر» هو الأكثر تأثيرا في مجتمعنا، وأهم سبب في تراجع زخمه الذي يحدث الآن، هو بسبب هدوء التطورات العربية السياسية وأخذها مسارا بطيئا في التغيير، حيث تحولت الأحداث إلى خبر يومي عادي. وكأي شيء في الواقع لا يمكن أن يستمر بريقه إلى ما لا نهاية. ومحليا تأثرت الكثير من أصوات هوامير تويتر الذين كان سقفهم النقدي مرتفعا.. بظهور العديد من ملامح المحاسبة لها، وأخذ التراجع ما يقارب عامين مع تفاصيل كثيرة.

ومع كل هذا فقد استمر نشاط «توتير» وأهميته للمتابع السعودي الذي يريد أن يعرف ما ذا يحدث وما هو الجديد؟ فأول ما يتم متابعته عند الأغلبية هو توتير عند أي خبر أو تطور جديد، لمعرفة أصدائه وأهميته، فيحكم من خلاله على الحدث، ومع كل مناسبة سياسية أو رياضية أو صراعات لحظية بسبب خبر هنا أو فضيحة هناك، ينشط توتير لعدة ساعات وقد يستمر أياما.

شهد عام 2015 حضورا لا فتا لتطبيق «سناب شات» وقد سحب جزءا من التأثير والمتابعة، لكنه كغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي لا يملك الكثير من مميزات وفعالية تطبيق «تويتر» وفي الواقع أنه مهما ضعف زخمه فإنه ما زال الأكثر جاذبية، ولا يبدو في الأفق أنه سينتهي إلا بوجود تطبيق أكثر فعالية منه، وتخدمه الظروف التاريخية كما خدمت توتير. واقعيا لقد أصبح الجميع في «تويتر» بما فيه المؤسسات الإعلامية التقليدية التي تشكو منه، والصحف والقنوات والسياسيون والتجار والمثقفون والوعاظ والرياضيون وكل الشرائح للوصول إلى الجمهور. وعندما نقارن «توتير» ببقية تطبيقات التواصل ووسائل الإعلام الأخرى. فإنه يبدو كالشارع الرئيس.. الذي تفتح على جنباته جميع المحلات لتسويق بضاعتها، فكل الذين لديهم وجود في تطبيقات أخرى، يسوقون أنفسهم عبر «تويتر» كاليوتيوب، والصحف والقنوات وغيرها، وأصبح الجميع يعرض بضاعته فيه من أخبار ومقالات شخصية وتعليقات وصور وفيديو.. وهذا سر فعالية هذا التطبيق، وصموده حتى إشعار آخر.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 24, 2015 06:41

October 17, 2015

القصص المهملة.. في حكاية التطرف


جاء قرار اغتيال السادات في مثل هذا الشهر بالصدفة عندما اعتذر أحد النقباء عن المشاركة في العرض العسكري بسبب حالة ولادة لزوجته، فتم تكليف النقيب خالد الإسلامبولي بالعمل مكانه، في يوم 29 سبتمبر 1981 أي قبل الاغتيال بثمانية أيام، ولم يكن الإسلامبولي منتميا لإحدى الجماعتين الإسلامية أو الجهاد بشكل قاطع، كما يشير لذلك الصحفي محمد أبوزيد في بحث له عن الجماعة الإسلامية.




جاء قرار اغتيال السادات في مثل هذا الشهر بالصدفة عندما اعتذر أحد النقباء عن المشاركة في العرض العسكري بسبب حالة ولادة لزوجته، فتم تكليف النقيب خالد الإسلامبولي بالعمل مكانه، في يوم 29 سبتمبر 1981 أي قبل الاغتيال بثمانية أيام، ولم يكن الإسلامبولي منتميا لإحدى الجماعتين الإسلامية أو الجهاد بشكل قاطع، كما يشير لذلك الصحفي محمد أبوزيد في بحث له عن الجماعة الإسلامية.

كان شقيق خالد الإسلامبولي محمد اعتقل في حملة 5 سبتمبر. وفي تسجيل فيديو قديم منذ الثمانينات يشير محمد أخو خالد إلى تأثير سجنه عليه «لماذا يأخذونني إلى السجن..» وحينها كان في المرحلة الجامعية، عندما علم خالد باختياره توجه إلى محمد عبدالسلام فرج وعبود الزمر ليعرض عليهما إمكانية أن يقوم باغتيال السادات بالعرض العسكري. فبداية الحدث هنا لم تكن نتيجة خطة مبكرة بقدر ما هو ردة فعل شخصية له تبرع بها هو مع أجواء تلك اللحظة التاريخية، وما حدث له داخل أسرته فجاء الانتقام منه بعد شهر واحد.

تعدد المؤثرات في أي ظاهرة لا يناقض خصوصية التجارب الفردية المتنوعة والمؤثرات الخاصة التي دفعت بهذا السلوك أو ذاك. من عوامل ضياع الرؤية المحلية في تصور تحولات العنف وتطوراتها بين مرحلة وأخرى، هو إهمال التمييز بين المؤثرات وتأمل حقيقة التجارب الفردية التي جعلت شرائح متنوعة تلتحق بخط العنف، ولهذا فبيئة الثمانينات تختلف عن التسعينات وهي تختلف عن بداية الألفية، كما لا تتشابه مع العوامل الحالية التي ستتأثر بطريقة معالجتنا للتطرف والإرهاب.

مرور عدة أجيال من هذه النماذج لم يطور هذه الرؤية.. فأصبحت الأعداد الكثيرة في كل مرحلة وكأنها تجربة واحدة مختزلة بعدة أنماط يتم الصراع حولها بين مدافع عنها ومهاجم لها، وتحولت قراءة المؤثرات إلى حالة انتقائية لتوجيه التهم إلى تيار أو فكر أو شخصيات محددة. ولا يريد البعض هذه التفاصيل لأنه تفسد علينا اختزال مثل هذه الظواهر وتوظيفها في سجالات مرحلية.

بالرغم من توفر مئات الأسماء على مدار أكثر من عقدين، لم يتمكن الإعلام من كشف الجوانب الفردية المتنوعة لكل حالة وسبب انخراطها بهذا المسار، واللحظة التي دفعته لذلك، خاصة الشخصيات القيادية، وقد أشير إلى بعض الدراسات التي لها علاقة بمعلومات عن الموقوفين إلا أن هناك شحا حول الأسئلة المهمة، فقد تجد معلومات عامة عنها كالحالة التعليمية، والحالة الاقتصادية، لكن هناك العديد من الجوانب التفصيلية التي لم تنجح التحقيقات الصحفية ولا الدراسات في كشفها للرأي العام.

ولهذا لا تجد هناك أي تطور لدينا لوصف الظاهرة إلا مجرد التحذيرات العامة من خطاب التشدد وتكراره، دون تفاصيل حياتية حول التجارب الشخصية التي صنعت لحظة التحول بسلوك هذا الاتجاه، وحتى الذين تابوا من الفكر الجهادي سواء عن طريق المناصحة أو غيرها لم يتم الوعي بتفاصيل حياتهم. الكثير من هؤلاء لن يستطيعوا كشف تجربتهم الشخصية بعمق دون أن يتوفر الصحفي الذكي في تحقيقاته، والباحث الذي يعرف ماذا يريد، ولديه وعي ثقافي لمجمل الظاهرة الإرهابية وإشكالياتها السياسية والدينية والاجتماعية.

مع تحولات المجتمع مع الصحوة ثم تراجعها، لاحظت بأن كثيرا ممن سرد تجربته عبر وسائل متعددة منذ أكثر من عقد وحتى الآن، اختفت لديهم خصوصية التجربة الذاتية، فتحولت جميع القصص البكائية والهجائية ضد تلك المرحلة إلى نسخ متشابهة.

واقعيا هناك تجربة شخصية لكل فرد في المجتمع، مع موجة الصحوة ومتغيرات تلك المرحلة. هذه التجربة تبدو فيها خصوصية كل إنسان، وفقا لطبيعة حياته، ومستواه المعيشي، والمدينة التي عاش فيها، والحي الذي سكن فيه، والمدارس التي درس فيها، وتطوراته التعليمية، والثقافية، ونوعية أسرته من حيث الوعي والتعليم، ونوعية الزملاء والأصدقاء، وسلوكيات الشخص نفسه في مرحلة المراهقة.. عقلانيته حماقاته.. سرعة تأثره بالآخرين، استقلالية شخصيته.. مئات التفاصيل الشخصية المهملة في سرد هذه الحكايات.

الحكاية الأخرى، التي تختلف عن التجارب الشخصية.. هي حكاية المجتمع نفسه مع هذه الموجة بصورة عامة، وهي حكاية يمكن تقييمها بصورة محددة، وفقا لنوع الخطاب الذي قدم، في الوعظ والتعليم والفتوى.. ونوعية السياسة الإعلامية، ومتغيرات السياسية والاقتصاد وتحولات التقنية.. وسياق كل لحظة تاريخية، وهذه يمكن التعامل معها بمنهجية محددة، وألا يتم خلطها مع خصوصية كل تجربة.

سرد كل تجربة ذاتية يبدو مفيدا للوعي العام، وشهادة للحاضر والمستقبل، عندما تستحضر هذه الجوانب التي قد تبدو هامشية للبعض. غير المفيد أن تصبح كل التجارب سردا مكررا تختلط مع ما هو مشترك بين أفراد المجتمع، وللأسف هذا ما حدث ولا يزال يظهر في مثل هذه الكتابات حتى في عدد من الأعمال الروائية.. خلال عقد حيث فشلت في تعميق رؤيتنا في استقبال المجتمع للموجة الدينية.

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 17, 2015 07:14

October 10, 2015

إعلامنا بين التطرف وأجواء المنطقة


التطرف المعاصر مر بمراحل متنوعة عربيا، لكن حضوره في المشهد السعودي بشكله الجهادي المرتبط بجماعات عابرة للحدود، يعتبر متأخرا في سياق الحالة العربية.. ومع ذلك فقد تجاوز العقدين، بسماته المعروفة وشعاراته والظروف السياسية التي ولد بها. في الحالة الداعشية هناك سمات جديدة ومفاجئة وغرائبية تبدو عبثية، ولا منطقية في أهدافها، وتوقيتها.. بعضها متصل بتطورات التطرف والعنف وله سوابق تاريخية، وبعضها يعبر عن متغيرات نوعية فرضتها الحالة الاتصالية المشاعة بلا حدود.




التطرف المعاصر مر بمراحل متنوعة عربيا، لكن حضوره في المشهد السعودي بشكله الجهادي المرتبط بجماعات عابرة للحدود، يعتبر متأخرا في سياق الحالة العربية.. ومع ذلك فقد تجاوز العقدين، بسماته المعروفة وشعاراته والظروف السياسية التي ولد بها. في الحالة الداعشية هناك سمات جديدة ومفاجئة وغرائبية تبدو عبثية، ولا منطقية في أهدافها، وتوقيتها.. بعضها متصل بتطورات التطرف والعنف وله سوابق تاريخية، وبعضها يعبر عن متغيرات نوعية فرضتها الحالة الاتصالية المشاعة بلا حدود.

أثارت حادثة عيد الأضحى قلقا اجتماعيا للشاب الذي ادعى أنه تابع لتنظيم داعش وفيها قتل ابن عمه. الطريقة التي تم بها تصوير الجريمة، وطبيعة الشاب التي يعبر ظهوره وحديثه عن التقاء السذاجة بكل مكوناتها بعنف بشع مصحوب بأوهام جهادية. مثل هذه الأحداث مثيرة للقلق وقبلها في عيد رمضان الماضي، مع حوادث أخرى متنوعة. وما زال القلق مستمرا، فقبل أيام في حادثة سرقة بنك ادعى الجاني أنه من داعش، وحادثة الابن ذي الـ16 عاما الذي رفع السكين على والده مدعيا أنه داعشي ليخيف والده حول مشكلات عائلية.

ناقش أحد برامجنا الفضائية ذات الشعبية حدث الشاب الذي قتل ابن عمه، كموضوع بالغ الحساسية، والمربك لأي خبير في مثل هذه القضايا. استعديت لمتابعة اللقاء لأهمية الموضوع وغرابته النوعية، فمثل هذه القضايا بحاجة إلى حوارات جادة ومحترمة، تناقش الظواهر بقدر من الوعي والمسؤولية، وتتعامل مع كل حادث بخصوصيته، وتبتعد عن الكليشيهات المكررة، وتطرح أسئلة واعية، تعبر عن متغيرات اللحظة وتحدياتها، لكن للأسف ما حدث شيء آخر، لقد انشغل المختص النفسي والداعية الديني الآخر في اللقاء، بكيل التهم واجترار موضوعات مستهلكة، والتركيز على أشخاص محددين، من بين مئات الأسماء من منتجي الخطاب الديني، وتكرار عرض هذا الاسم أو ذاك بلا داع.. وتحميلهم كل شيء، وبماذا غرد، وماذا قال بالسناب... تعبر عن ملاحقات مشخصنة جدا، ولم يوجه من يدير الحوار الحديث إلى مضمونه المفترض حول حدث بالغ الحساسية، ولم يستفد من اللقاء مع والد الضحية.

من المعيب أن يتم تحويل مثل هذه البرامج إلى حالة إعلامية عكاشية تسطح بها هذه القضايا الحرجة، والتي ينتظر منها أولياء الأمور توعية جادة حول مواجهة جنوح أبنائهم للتطرف، وبدلا من ذلك يتم اجترار معارك عمرها أكثر من عقدين، وتوجيه القضايا بطريقة متكلفة.

لست هنا أريد أن أدافع عن أي شخصية، فالكثير مما أكتبه منذ التسعينات هو في نقد الخطاب الديني.. بقدر أنه يجب احترام عقل المشاهد وعدم استغبائه في مثل هذه الحوارات المشخصنة في رؤية قضايا الإرهاب وما فيها من تداخل معقد.. والتي لن تحل باختراع «ابن سبأ» انتقائي في لحظة معينة لنحمله كل مسؤولية التطرف، نمارس فيه دور البطولات الشخصية.

ترافق هذه المخاطر أجواء إقليمية تزداد خطورتها، وتعاني من توتر طائفي غير مسبوق، وموجهات حربية ساخنة في أكثر من اتجاه. هناك صعوبة لرسم استراتيجية تعامل واحدة مع هذه المتغيرات بين شهر وآخر. عدم القدرة على التنبؤ بمآلات الأمور أربك سياسات دول في ردود أفعالها وتعاملها مع هذه التحديات، والتي لا يمكن مقارنتها بما حدث في الماضي.

ولهذا أمام إعلامنا أكثر من تحد مع تطورات المنطقة.. ومنها المحافظة على المزاج الشعبي العام من الاستقطابات العبثية التي قد تكلف كثيرا، ولا يمكن التحكم بنتائجها، مهما كانت مغرية لإعلاميين للبروز الشخصي، أو البحث عن معارك وبطولات على حساب المجتمع والوطن. الإحساس بالمسؤولية لن يظهر بمثل بعض البرامج التي تحول برنامجها إلى مهاترات موجهة باستضافة مثل هذه الشخصيات بلا فائدة حقيقية في مواجهة الظواهر السلبية.

أكثر ما يخيف الأسرة السعودية اليوم هو التحولات المفاجئة لمراهقين وصغار السن، وهو تحول مختلف عن كل تحولات التي كانت تحدث في مرحلة الصحوة التقليدية، فالتحول في الماضي كان يبدو واضحا على ملامح ابنهم وسلوكه اليومي في حالة تدين شديدة، تطول أحيانا قبل أن تتطور إلى حالة تطرف. التحولات المفاجئة الحالية أكثر إرباكا للأسر! فاللحظة الداعشية اللامتوقعة تظهر فجأة بلا مقدمات واضحة، فلا حضور لعلاقات مشاهدة في حياة الابن اليومية. هذه الأحداث المربكة.. لا تحتمل اجتهادات إعلامية فردية مكلفة مشحونة بمواقف مشخصنة على حساب هموم الوطن وأبنائه.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 10, 2015 06:49

October 3, 2015

أسئلة التدخل الروسي الثاني


يأتي إعلان وزارة الدفاع الروسية عن نشر الجيش الروسي أكثر من خمسين طائرة ومروحية وقوات مشاة تابعة للبحرية ومظليين ووحدات من القوات الخاصة، وشن طيرانه ضربات جوية، كأحد التحولات التاريخية للمجتمع الدولي




يأتي إعلان وزارة الدفاع الروسية عن نشر الجيش الروسي أكثر من خمسين طائرة ومروحية وقوات مشاة تابعة للبحرية ومظليين ووحدات من القوات الخاصة، وشن طيرانه ضربات جوية، كأحد التحولات التاريخية للمجتمع الدولي.

هذا التدخل يزيح كل الرؤى والتحليلات التي قيلت على مدى سنوات وخاصة في الأشهر الأخيرة، بخطوة لم يتوقعها أكثر المتشائمين بهذه الصورة، وهو يتجاوز المسألة السورية وتعقيداتها وشرعية النظام السوري، إلى ماهية النظام الدولي نفسه ودوره، من خلال انفراد دول كبرى بتسخير إمكانياتها والقوة التي تملكها ضد مصالح شعوب بهذه العلانية الصادمة للرؤية المعتدلة في المنطقة.

كانت بداية التسعينات بعد حرب تحرير الكويت وخطاب بوش الأب عن النظام العالمي الجديد أبرز المراحل الوردية للمجتمع الدولي، حينها كان العالم يودع الحرب الباردة، وتزامن معها الحديث عن السلام في المنطقة، ومعها جاء الحديث عن «نهاية التاريخ».

بعد عقدين ماذا بقي من المجتمع الدولي ودوره في حل الأزمات، لقد أصبحت كل دولة تستعمل قوتها بالطريقة التي تخدم مصالحها دون قرارات دولية مجمع عليها، وأصبحت التفاهمات الجانبية هي التي تسير الأحداث، فما قامت به إيران مع حزب الله من تدخلات مباشرة في سوريا منذ بداية الأحداث من قتل في الشعب السوري، ودعم روسي عبر مجلس الأمن قبل أن تتدخل مباشرة لإنقاذ النظام، وكثرة القرارات الخاصة بالدول الكبرى المنفردة يجعل الثقة بمجتمع دولي الآن في حالة تحول في مصداقيته، وهذا سيخدم زعامات ورؤى متطرفة في العالم.

لقد كان الخطاب السياسي العربي المعتدل يراهن كثيرا على المجتمع الدولي ويعتمد على مشروعيته في كثير من الأزمات، وبالمقابل كان الخطاب الثوري والإسلامي يشتم هذا المجتمع الدولي وأخلاقياته وعدم عدالته، بعد كثير من هذه المتغيرات بدأ الخطاب الحكومي والرسمي العربي مؤخرا يشعر بالقلق أكثر..ويفقد هو الثقة بالمجتمع الدولي الذي يبدو أنه لن يتدخل إلا وفق مصالح ضيقة خاصة بدول محددة، ولا تتحرك بيروقراطية الأمم المتحدة المصابة بالشلل إلا بفعل هذه القوى، هذه الثقة المفقودة أكثر ما يزعج الأنظمة التقليدية، ويشعرها بأنه يجب أن تتخلى عن تقليديتها للحفاظ على مصالحها.

التحرك الروسي استفاد من استراتيجية أوباما المتحفظة والمترددة منذ بدايات الأزمة، وقوف العالم عاجزا خلال ثلاثة أعوام عن إيجاد حل سياسي للحفاظ على ما تبقى من بنية الدولة، هو الذي سمح للإرهاب بالتمدد بدعم من نظام بشار، ومع ذلك حاول بوتين تصوير تدخله بأنه في إطار الحرب على الإرهاب، لكن الضربات يوم الأول، كشفت النوايا الحقيقية، بدعم نظام هو المسؤول الأول عما حدث من إرهاب، وفي الوقت الذي يعلن فيه الجيش الروسي أنه يقصف مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» ترى الولايات المتحدة وفرنسا و»الجيش السوري الحر» أن الصورة مختلفة، فبعض المواقع المستهدفة ليس فيها أصلا وجود لـ»داعش»، وأن الهدف الحقيقي هو ضرب معارضي الرئيس السوري بشار الأسد.

أهم ما يميز هذا التدخل المباشر أنه إعلان صريح موجه للغرب بفشله في التعامل مع الأزمة وهذا قد يعيد الحياة للسياسة الغربية للتعامل بجدية أكبر مع الوضع في المنطقة، فتردد أوروبا وأمريكا في التعامل مع الأزمة السورية منذ البداية ووضع رؤية عملية على الأرض وحسم الموقف من نظام بشار، ساهم في هذا التعقيد الذي وصلت إليه.

يبعث هذا التدخل الروسي بعضلات عسكرية شيئا من الحنين لدى بعض الذهنيات العربية ضد الأمركة والعولمة وهجائيتها السائدة بالحلم بعودة القطب المفقود، ولهذا تجد في تحليلاتهم الرغبوية شيء من المبالغة في التبشير بعودة روسيا بنكهتها السوفيتية، مع كم هائل من المغالطات التاريخية..ترافقها رؤى أخرى تقليدية تستحضر قصة الجهاد الأفغاني في عملية اجترار تاريخي لا معنى له، فقصة الجهاد في أفغانستان وكل نجاحاتها مرتبطة بأمريكا ومن معها من أنظمة إسلامية باكستان والدول العربية، ومحاولة صناعة بطولات بدون استحضار هذا العامل هو مغالطة تاريخية مكشوفة، وحتى نجاحات الزرقاوي وجماعته في قضية ما بعد غزو العراق في صناعة حظيرة إرهابية في العراق وتطوراتها هو نجاح مرتبط بدعم أنظمة مجاورة وموقف دول معينة سمح لحركات العنف بالتواجد، خوفا من نجاح تصدير ديموقراطية بوش على الدبابة الأمريكية!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 03, 2015 06:03

September 26, 2015

اللامتوقع في إدارة الحشود!


كل شخص يستطيع أن يمثل دور «الحكيم بعد الحادث»، لكن في مسألة الحج وإدارة جموع البشرية المتدفقة في كل زاوية في أرض المشاعر والحرم فالقضية سنوية، وكل حدث مهما انخفضت مسؤولية الجهات التي كانت في الميدان حينها، وإدارة الحركة وأصبح يتعلق باللامتوقع وغير المتحكم فيه في الخطة الكلية لإدارة المشاعر، فلا بد أن يضيف خبرة تراكمية للتقليل من المخاطر في المستقبل




كل شخص يستطيع أن يمثل دور «الحكيم بعد الحادث»، لكن في مسألة الحج وإدارة جموع البشرية المتدفقة في كل زاوية في أرض المشاعر والحرم فالقضية سنوية، وكل حدث مهما انخفضت مسؤولية الجهات التي كانت في الميدان حينها، وإدارة الحركة وأصبح يتعلق باللامتوقع وغير المتحكم فيه في الخطة الكلية لإدارة المشاعر، فلا بد أن يضيف خبرة تراكمية للتقليل من المخاطر في المستقبل.

هذا المقال يكتب قبل ظهور نتائج التحقيقات للحدث الأليم نتيجة تدافع الحجاج في مشعر منى صباح اليوم العاشر عند التاسعة صباحا، ونتج عنه وفاة 717 وإصابة المئات، ومنذ تطورات الخبر في الساعات الأولى والدفاع المدني يزود الإعلام بعدد الضحايا.

كانت بعض الآراء والتحليلات الخارجية شديدة التحامل على كل الجهود السعودية المبذولة كما هو معتاد، وهذه الجهود ليست بحاجة لشهادة هذه الأصوات القليلة والتي لم يسبق لها الإنصاف.

كثرة الانشغال بها والتفاعل معها يزيد من حضورها، ويعطي لها قيمة أكبر من حجمها في الواقع.

مثل هذه الأحداث المؤلمة لا تتحمل أي قراءات مسيسة بأي اتجاه، وهذه المناكفات يجب أن لا تؤثر على قراءتنا النقدية العقلانية للواقع والاستفادة من وجهات النظر المختلفة.

هذا الحدث يختلف في نوعيته عن جميع ما حدث في الماضي، فمع كل حدث كان هناك تجاوب ومواجه للمشكلة بطريقة علاج معينة منذ ربع قرن، فمشكلة الحرائق المتكررة تم تجاوزها، وأماكن الرمي تعرضت لتطويرات كبرى بالجسور المتعددة..حتى الفتوى الدينية حول توقيت الرمي تجاوبت قبل سنوات بعدما شعرت بخطورة الأمر وتكراره، وأيضا مراجعة عدد الحجاج السنوي، ثم جاءت تجربة قطار المشاعر للتخفيف من استعمال السيارات، ومن المؤكد أنها ساعدت في حل بعض الجوانب في الماضي بصورة ملحوظة، لكن هذا لا يمنع من حدوث مشكلات أخرى في إدارة هذه المواقع.

الجديد والمؤلم في المأساة هذه المرة..أنها حدثت في المكان والزمان غير المتوقع خطورته في إدارة الحشود البشرية، لأنه في العادة يكون: حريقا أو فوق جسر أو عبر نفق..ولهذا شعر البعض بالصدمة من عدد الضحايا، وكيف يمكن أن يصبح أحد الشوارع بين الخيام مصيدة أيضا غير متوقعة يصعب الهروب منها في حالة الخطر!من ناحية ميدانية وإعلامية جاء تعليق وكيل وزارة الحج المتحدث الرسمي للوزارة حاتم القاضي بأن» التفويج من الناحية العلمية يقوم على ثلاث ركائز تتمثل في (الحاج نفسه وممثل الحاج ومؤسسة الطوافة)، وخطط التفويج معتمدة من خمس جهات حكومية في كل سنة تعمل على تقويم تنفيذ الخطط»، بالمقابل جاء تصريح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي في مؤتمره الصحفي «بأن هناك سببا للحادث لا بد من الوقوف عليه ولن نتردد في تقصي الأسباب، سواء كانت متعلقة بأداء رجال الأمن أو بأداء مؤسسات الطوافة فيما يتعلق بتفويج الحجاج أو كان لها أي أسباب أخرى، وما يهم هو أن نقف على الحقيقة في تحقيق علمي مبني على أسس يمكن من خلالها أن نضمن تلافي تكرار مثل هذه الحوادث ومعالجة الأسباب، فالحج يتم في كل عام ويهمنا أن لا نتوقف عند مثل هذه الحادثة».

لا شك هناك تعقيدات كثيرة في إدارة الكثافة البشرية، وتبدو مشكلتها الآن أنها لم تعد في مكان واحد، وهذا يفرض ابتكار طرق جديدة للحد من أي نقطة تصادم في أي مكان، ومنها الاستفادة من تقنية الاتصال اليوم في الجوالات عبر تطبيقات خاصة، ووضع صور شاشات تلفزيونية ضخمة توضح للمشاة في كل شارع مقدار الزحمة التي أمامه قبل الدخول فيها، فما ضاعف المأساة أن البعض دخل بالمسار المكتظ دون أن يدرك أن أمامه اختناقات خطرة.

وإذا كان أصعب ما تواجه أي خطة ميدانية هو «عدم الالتزام بالتعليمات» كما صرح به البعض، لكن يبدو أن تحديد مدى عدم الالتزام بالتعليمات بحاجة إلى إعادة نظر قبل التصريح فيه، لأنه جزء من الشهادة على الحادثة، فإلى أي مدى حدث عدم الالتزام ودرجة الخطأ، ودور الخطط الميدانية المعدة أن تستعد لمثل هذه الحالات المتوقعة.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 26, 2015 06:38

September 19, 2015

ديكور .. أثبتت دراسة علمية


كم مرة نستقبل عبارات ما بين السطور في قضايا عديدة من نوع: أثبت دراسة، أو تؤكد الدراسات العلمية .. حول مادة غذائية أو موضوع صحي أو سلوكيات معينة لبعض المظاهر الاجتماعية في حياتنا اليومية. مثل هذه التعبيرات العامة لم تعد سائدة فقط في منشورات دعائية لتسويق بضائع، وإنما حتى بعض الأفكار، حيث يكتفى برنين هذه الجملة وسلطتها على المتلقي دون مناقشة، ولا تجد فيها أي مصادر دقيقة لها سوى ذكر اسم جامعة أو بلد، دراسة أمريكية .. دراسة ألمانية إلخ، حيث لا تاريخ ولا مصدر. كيف نتعامل مع مثل الخطاب الذي يستعمل هذه الديكورات العلمية؟




كم مرة نستقبل عبارات ما بين السطور في قضايا عديدة من نوع: أثبت دراسة، أو تؤكد الدراسات العلمية .. حول مادة غذائية أو موضوع صحي أو سلوكيات معينة لبعض المظاهر الاجتماعية في حياتنا اليومية. مثل هذه التعبيرات العامة لم تعد سائدة فقط في منشورات دعائية لتسويق بضائع، وإنما حتى بعض الأفكار، حيث يكتفى برنين هذه الجملة وسلطتها على المتلقي دون مناقشة، ولا تجد فيها أي مصادر دقيقة لها سوى ذكر اسم جامعة أو بلد، دراسة أمريكية .. دراسة ألمانية إلخ، حيث لا تاريخ ولا مصدر. كيف نتعامل مع مثل الخطاب الذي يستعمل هذه الديكورات العلمية؟

القول بأنه هناك دراسة علمية قد يوحي بمنهجية المتحدث عن هذا الموضوع، لكن المشكلة تبدأ ليس من صحة المصدر الذي قد يكون صحيحا في حالات كثيرة، وإنما مما تتعرض له المعلومة من تشويه ومغالطة، ولعب في السياقات التي تم فيها البحث والتجربة، فيأتي عرضها مبتورا وفقا لمصالح المتحدث التجارية وأيديولوجيته الفكرية، وتغيب ظروف الدراسة التي تعرضت للتدليس من الناقل، لأنه يريد تحويلها إلى أداة إقناع للآخر.

استعملت هذه العبارات في مجتمعنا لتسويق قناعات محددة مع متغيرات العصر، حيث الاستشهاد بالغرب والغربيين في الحالات النفعية من كلامهم، عبر جمل من نوع : «اسمعوا ما يقوله عقلاء الغرب». تطورت هذه الحالة مع تطورات الخطاب الديني والوعظي المعاصر في العقود الأخيرة، وقد حدث إسراف لافت في حالتنا المحلية باستعمال هذه التعبيرات. الخطاب الديني التقليدي قبل مرحلة خطاب الصحوة، كان يكتفي بعرض الحكم الديني والقيمي الذي يراه بالنصوص الشرعية وكلام السلف، ولا يهتم بما يقوله الغرب من دراسات وأبحاث حول المجتمع والإنسان، وقد كان بعضهم يرى الاستشهاد بهم دلالة على ضعف الإيمان برسالتنا وديننا .. في بدايات الصدام بين الخطاب التقليدي والمعاصر.

لكن فائدة وجاذبية الاستشهاد بمقولات ودراسات غربية تطورت لدى الخطاب الديني الدعوي، ولم تعد تثير الخطاب التقليدي وأصبح هو يستعملها، طالما أنها تخدمه في مواجهة التغيير الذي يحدث في المجتمع. وأصبح استعمالها دلالة على قوة الحجة ضد الخصم، وتحضر هذه الإشارات بكثرة في قضايا اجتماعية ونفسية كثيرة عند الحديث عن ضرر الاختلاط في العمل والتعليم. ومشكلات التحرش بالغرب وغيرها من قضايا المرأة. في بدايات محاربة الخطاب الديني لوجود التلفزيون في المنزل مثلا اعتمد خطابه على تكثيف المقولات حول خطر التلفزيون على الفرد والأسرة والمجتمع، وأخذ ينتقي من الدراسات ما يناسبه، بالرغم من أن نظريات التأثير، حدث لها تطورات ومتغيرات بعضها يناقض ما يريده الواعظ، بعض هذه القضايا أصبحت الآن شيئا من الماضي بعد تطورات هائلة في تقنية الاتصال، فرضت على أصحاب الرؤية المتشددة التكيف مع وجود التلفزيون وغيره.

الوعي الشعبي العام بدأ يلحظ كثرة مثل هذه العبارات وتناقضها أحيانا، فأخذ يسخر منها، حيث يتم تركيب النكات والتعليقات عليها من خلال استعمالها في توجيه سخرية لبعض القضايا. هذا التطور الساخر له وجه إيجابي إلى حد ما، ما لم يتحول إلى رؤية عبثية تسخر من الدراسات والأبحاث دون رؤية نقدية منهجية، فالتشكيك والسخرية بلا أسس تحدد قيمة وأهمية هذه الدراسة أو تلك ضار بالوعي المعرفي العام، فالمشكلة بالأصل ليست بالاستشهاد بهذه الدراسات، وإنما بكيفية إدراك إطار كل دراسة ومرحلتها وظروفها وتاريخها، وهل هناك دراسات أخرى تناقضها .. تفاصيل كثيرة يجب أن تكون حاضرة في الذهن لتقييمها.

بالنسبة للقضايا العلمية والطبية والغذائية، بالرغم من أنها أيضا تتعرض لكثير من التصحيح وتغيير النتائج بسبب تطورات تراكمية صاحبت هذا المجال وتنوع التجارب، فقد يكون التعامل معها أسهل معياريا ومنهجيا للقبول والرفض .. مقارنة بالدراسات والأبحاث التي تخص مجالات التربية والإعلام والاجتماع والسياسة والاقتصاد والمشكلات النفسية وقضايا المرأة والشباب والأطفال وغيرها.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 19, 2015 06:17

September 12, 2015

النهضة ومثقف يقاوم الإحباط


مع الكلفة المتزايدة لتحولات الواقع العربي، والتي ربما تبقى على المدى المنظور في واقع مشابه أو أسوأ من مرحلة الاستقرار العربية الطويلة التي تعفنت فيها بعض الأنظمة دون أن




مع الكلفة المتزايدة لتحولات الواقع العربي، والتي ربما تبقى على المدى المنظور في واقع مشابه أو أسوأ من مرحلة الاستقرار العربية الطويلة التي تعفنت فيها بعض الأنظمة دون أن تشعر، ومع كل محطة تاريخية منذ دخولنا الأزمنة الحديثة قبل أكثر من قرن، ما زالت كثير من الأحلام المتواضعة للتدرج بسلك الحضارة عصية، على الرغم من أن مقوماتها الأولية ليست بحاجة إلى إعادة اختراع!

هذا العجز المتكرر يضغط على وعي المثقف في هذه اللحظة، ويربك رؤيته وخياراته، ومع صعوبة مواجهة هذا الواقع الذي يزداد تعقيدا، وتساقط الكثير من رفاقه في مسار نفعية ضيقة جدا على حساب مصالح مجتمعه. قد لا يشعر المثقف بقيمة احتفاظه بقدراته في تقديم خطاب فكري حقيقي وواقعي لعلل التأخر، وإحساسه بمسؤولية الكلمة، وأن طرحه ليس للمزايدة الشعاراتية أو السلطوية.. وكيف يقدر أن صموده مع آخرين في مقاومة الإحباط يسهم في رعاية الرؤى الحضارية وشروطها بدون تزييف. لست مؤيدا للرؤى المتفائلة غير الواقعية، وإنما من أنصار قيام المثقف بدوره، وأن لا يتنازل عنه تحت أي إحباط وظروف قاهرة، وكل فشل يجب أن يزيد من إصراره.

منذ بدايات الوعي الخاص ظلت أفكار نص لجمال الدين الأفغاني (ت 1897م) عالقة في ذهني، كنت أتعجب كيف قال هذه الأفكار في نهايات القرن التاسع عشر، وهي تنطبق على مجتمعاتنا قبل عقود وما زالت. قالها وهو يبدو محبطا من الواقع، ويصور فيها ملامح الفشل النهضوي المبكر جدا «لقد ظن قوم في زماننا أن أمراض الأمم تعالج بنشر الجرائد وأنها تكفل إنهاضها وتنبيه الأفكار وتقويم الأخلاق لكن أين من يقرأ ومن يكتب فضلا عمن يفهم! ..». «لقد نقل العثمانيون والمصريون عن الغرب المدارس الحديثة والعلوم والصنائع والآداب وكل ما يسمى (تمدنا) لكن هل نجو بها من ورطات ما يلجئهم إليه الأجانب بتصرفاتهم ؟ ... هل نالوا من المنعة ما يدفع غارة الأعداء عنهم؟ ... نعم، ربما وجد بينهم أفراد يتشدقون بألفاظ الحرية والوطنية والجنسية وما شاكلها، ويصيغونها في عبارات متقطعة بتراء لا تعرف غايتها ولا تعلم بدايتها ووسموا أنفسهم: زعماء الحرية، أو بسمة أخرى من السمات ... ومنهم آخرون عمدوا إلى العمل بما وصل إليهم من العلم فقلبوا أوضاع المباني والمساكن وبدلوا هيئات المآكل والملابس والفرش والآنية وسائر الماعون، وتنافسوا في تطبيقها على أجود ما يكون منها في الممالك الأجنبية، وعدوها من مفاخرهم وعرضوها معرض المباهاة، فنسفوا بذلك ثروتهم إلى غير بلادهم ... وأماتوا أرباب الصنائع من قومهم ..»

المسافة العربية بيننا وبين هذا النص للأفغاني ما يقارب من 120 عاما، وما زال معبرا في مضمونه عن كثير من أخطائنا النهضوية، ويمكن إعادة التغريد فيه بالأفكار نفسها، مع تعديلها بمفردات حديثة! تكرر طرح هذه الأفكار على امتداد قرن من الزمان، هذا النص يعزز الإحباط، خاصة أننا نرى التجارب الأخرى من مختلف دول العالم غير الغربي في آسيا وغيرها شقت طريقها بما فيها تركيا نفسها، فتبدو الحالة العربية كشذوذ محير.

ولو أردنا استحضار علل مجتمعاتنا العربية، والعوائق التي تتطور من مرحلة إلى أخرى، وتعيد إنتاج تخلفها تحت رعاية نخب وقيادات فاشلة على امتداد أكثر من قرن، فسنجد الكثير مما يقوي حالة الإحباط.

لكن هل اليأس خيار جيد أو عملي للمثقف ولمجتمعه!؟ يمكن صناعة آلاف النصوص في إشاعة اليأس والتباكي ..والإبداع فيه، والواقع أن المشكلة ليست في هذا الخطاب وسهولته وجاذبيته للبعض، والذي أخذ يتطور وينتشر رواده مع كل نكسة وأزمة عربية. هو أحد خيارات المثقف في التعبير، لكن المشكلة في أن هذا الخطاب المحبط، لا يكتفي بحالة التباكي العاطفي، وإنما يبدأ في تصوير الواقع، وتقييم الأخطاء بطرق مغالطة فيها، وتوجيه الخطأ بصورة انتقائية ونفعية له. المسألة هنا ليست ذما لجلد الذات، فما زلنا بحاجة لهذا الجلد، لأنه أساس جوهري لأي تقدم ونهضة، لكن الذي يحدث أنه تحول إلى استعمالات غير بريئة، لتبرير أخطاء شخصية، أو واقع سيء لمواجهة أي دعوة للتطوير والتغيير.

لم يمض على بعضهم بين اهتمامه بقضايا التنمية والنهضة وبين يأسه وتسويقه للإحباط سوى سنوات معدودة، ليبدأ بهجاء الواقع ونهاية دور المثقف. هل انتهى فعلا دور المثقف ولم يعد له جدوى مع هذا الزخم المعلوماتي غير المحدود؟! في برنامج «واجهة الصحافة» عام 2011م، ومع ذروة الحماس بمواقع التواصل .. حاول البعض حينها تهميش دور المثقف، وقد اعترضت على هذه الفكرة في البرنامج، وأشرت فيه بأن الدور التقليدي سيظل مهما ولن ينتهي، لأنه مع الحماس الجماهيري خلط كثيرون بين دور المثقف الجديد الناشط في مواقع التواصل، وهو مثقف اللحظة، والمسوق للأفكار كجزء من الحدث، وبين الدور الحقيقي للمثقف في التحليل وصناعة الأفكار في الظل، وهو الأخطر دائما في تغيير مسار البشرية.   

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 12, 2015 08:27

September 5, 2015

ليس للمأساة السورية.. عدة روايات

ليس للمأساة السورية.. عدة روايات


حضرت صورة الطفل السوري الغريق بكثافة في المشهد الإعلامي دون غيرها، وتدفق عدد لا يمكن حصره من الانطباعات على مستوى إقليمي وعالمي. كان المشهد أكثر تعبيرا من قدرة أي فنان بارع في تخيل المآسي الإنسانية والحروب. ليست هذه الصورة هي الأبشع والأكثر وحشية على مدار سنوات لبطش نظام يسحق شعبه، بمساعدة إيران وحزب الله ومن معه.




حضرت صورة الطفل السوري الغريق بكثافة في المشهد الإعلامي دون غيرها، وتدفق عدد لا يمكن حصره من الانطباعات على مستوى إقليمي وعالمي. كان المشهد أكثر تعبيرا من قدرة أي فنان بارع في تخيل المآسي الإنسانية والحروب. ليست هذه الصورة هي الأبشع والأكثر وحشية على مدار سنوات لبطش نظام يسحق شعبه، بمساعدة إيران وحزب الله ومن معه.

هناك آلاف الصور والمشاهد التي تحكي المأساة منذ البداية، لكن هذه الصورة من الناحية الإعلامية حققت شروطا جوهرية في رمزيتها، وكأنها مشهد من فيلم سينمائي، فوضعية الطفل منكفئا على وجهه في ساحل البحر بحذائه وملابسه المألوفة لدينا، كانت قادرة على إثارة التأمل بأخلاقيات هذا العالم وإنسانيته. هذه الصورة ليست هي الأكثر بشاعة، لكنها الأقدر على تجاوز عوائق النشر وأخلاقيات المهنة الإعلامية.. دون الحاجة لكتابة تحذيرات، لأصحاب القلوب الضعيفة، ويمكن وضعها في كل مكان وعلى أغلفة صحف عالمية.

تتنوع التعليقات حول المأساة السورية لتوجيه اللوم للعجز العربي، ولوم يوجه للضمير العالمي، ومراوغات الغرب وأمريكا في تركه للشعب السوري حتى وهو يتظاهر بالإنسانية باستقبال عدد من اللاجئين، لكن الأكثر غرابة هي محاولات البعض التي تزداد مع مرور زمن المأساة بتعويم الجهات التي يوجه إليها اللوم.. لتصفية حساباته مع اتجاهات يخاصمها، مستفيدا من حالة التبعثر للمشهد السوري، فمرة يوجه اللوم للمعارضة والثورة السورية ذاتها، ومرة لشخصيات دينية أو تيارات معينة ليحملها مسؤولية ما يحدث، وكأن الجريمة بحق الشعب السوري موزعة بالتساوي على عدة أطراف، وليس للنظام الأكثر طغيانا في تاريخ المنطقة المعاصر.

حالات توزيع التهم وتوجيه اللوم، هي مغالطة مكشوفة.. توحي وكأن النظام واحد من عدة جهات يقع عليها اللوم، وليس الوحيد الذي يتحمل كامل المسؤولية ومن معه كحزب الله وإيران في حدوث الكارثة. أخطاء غيرهم مجرد هوامش، مقارنة بفداحة إجرام هذا النظام طوال تاريخه. فمنذ نهاية الستينات وهذا النظام يوغل في طغيانه، ويؤكد أنه غير قابل للإصلاح من داخله. تمكن فؤاد عجمي عبر كتابه اللافت «التمرد السوري» من رصد شيء من فظائع وحيل هذا النظام عبر تاريخه. كانت دمشق مستودع العقيدة الحضرية السنية التقليدية، مع حلب وحمص وحماة كمدن رئيسية. يقول «لم يخطر ببال السنة بأن عسكريا علويا من خلفية فلاحية يحكم المدن الأبية المفعمة بالحياة». اختبأ في البداية حافظ الأسد وراء رجال من السنة كواجهة له، وحصل على فتوى موسى الصدر من لبنان بأن العلويين جزء من الشيعة الاثني عشرية، فالعلوية خارج مقاييس البدع في الرؤية الإسلامية السنية، وهي خطوة لتحسين الصورة من عدة خطوات، وحينها «أكد الفقه السني على طاعة الحاكم وتحاشي الفتنة..».

لكن ما عمله النظام بعد ذلك من وحشية وقمع للشعب السوري ولكل التيارات ومظاهر الحياة الطبيعية، يفوق مخيلتنا البشرية في هذا العصر، حيث أصبحت السجون علامة مميزة للحياة السياسية السورية، حتى إن هناك من سجن على نوعية الحلم الذي يراه في المنام! وقد سجل المعارض الشهير أحمد بيرقدار الذي قضى حوالي 15 عاما في السجن عن رجل يعرف باسم مازن أبوالحلم، حيث أرسل للسجن من أجل حلم رآه، بالرغم من أنه «لم تكن لديه اتجاهات سياسية ولكن الحلم اعتبر دليل إثبات العداء للنظام... كان أكثر الأحلام تكلفة في العالم كما قال أحد السجناء».

بعد تطورات اغتيال الحريري عام 2005 أتيحت للنظام فرصة العودة، قبل عام 2010 بالرغم من كل ما فعله من ألاعيب سياسية إقليمية. والآن بعد مشهد الدمار الكامل لسوريا وشعبها، والقتل اليومي، نجد من يخدم هذا النظام بتشتيت اللوم على جهات أخرى وكأن القضية فيها تعدد آراء! الجميع يعلم أن البداية لم تكن من شيخ ملتح على المنبر، أو من مسلح إرهابي، ولا مثقف علماني.. لقد كانت من مجموعة أطفال من درعا لمجرد أنهم كتبوا بعض الخربشات السياسية تأثرا بالإعلام، وما حدث في تونس ومصر. لقد أخبر مسؤول من داخل النظام «المجموعة الدولية للأزمات» «أن بعض رجال الأمن.. متخلفون 30 عاما عن الزمن، ويعتقدون أن بعض الأساليب التي اتبعت في أعوام 1980 ما زالت مناسبة»

لقد كان ردة فعل النظام بهذه الصورة التي كتبها فؤاد عجمي «اعتقل الأولاد وعندما ذهب شيوخ وأعيان هذه المدينة للاستفسار عنهم عوملوا بازدراء وقيل لهم انسوا أطفالكم. اذهبوا إلى بيوتكم وانجبوا من جديد وإذا كنتم لا تستطيعون فنحن نستطيع أن نرسل إليكم رجالا يستطيعون إنجاب أطفال جدد. وعندما أعيد الأولاد إلى أهلهم تبين أنهم اغتصبوا وعذبوا» بعدها انتفضت درعا ودنست المساجد ويذكر عجمي «أن أشدها تدنيسا وأكثرها إيذاء للمؤمنين كتابة (إلهكم بشار)، (لا إله إلا بشار)». في عام 1980م «في منشور متداول على نطاق واسع، أعلن النظام عن استعداده لقتل مليون سوري لأجل حماية الثورة».. هل أبقى شيئا للحكمة بعد كل هذا التاريخ!

      

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 05, 2015 06:37

عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.