عبد العزيز الخضر's Blog, page 9

July 5, 2014

إعلان الخلافة: حدود الجد والهزل


قضى إعلان الخلافة الإسلامية مع أول يوم رمضاني على الحدود بين الجد والهزل، فقد جاءت جميع محاولات التنكيت على المشهد سامجة، فالمسرح الداعشي مشبع بكوميديته وجابها من الآخر! قطع الطريق على السخرية، ومساحات الخيال، فها هو التنظيم يستعمل كل صور ومفردات المسلسلات




قضى إعلان الخلافة الإسلامية مع أول يوم رمضاني على الحدود بين الجد والهزل، فقد جاءت جميع محاولات التنكيت على المشهد سامجة، فالمسرح الداعشي مشبع بكوميديته وجابها من الآخر! قطع الطريق على السخرية، ومساحات الخيال، فها هو التنظيم يستعمل كل صور ومفردات المسلسلات التاريخية، وخطف جزءا كبيرا من مهارات «التميلح» التويتري المعتادة بالتعليقات الظريفة، والجمل الساخرة عند كل خبر عن الجهاديين والإسلاميين.

توضح صورة داعشية نشرت عن تركتر «شيول» يزيح التراب مع تعليق يشير إلى أن الشويل يقوده الشيخ أبو محمد العدناني وهو يهدم حدود سايكس- بيكو، وكأن الحدود مجرد كثبان رملية أو سياج حديدي تزال بإعلان من طرف واحد! إذا كانت الحالة الداعشية أثرت على السخرية الإعلامية، فإنها أربكت الطرح الجاد في التحليل السياسي، ورؤية التنظيمات المسلحة والاتجاهات الإسلامية، فهل تستحق هذه الأعمال العبثية تناولا محترما، وهي تبدو خارج المعقول، وهل هناك معنى للقلق السياسي مع مثل هذا التنظيم بهذا التفكير الحقيقي أو المصطنع لمهمة خاصة.

بعد مرور أكثر من عام لفهم تفاصيل الحالة الداعشية وتطوراتها يبدو المتابع للخطابات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة والتنظيمات المسلحة منذ أكثر من ثلث قرن، أمام صورة غامضة لطبيعة هذا التنظيم، فهو مع حضوره المركز في الانترنت وخاصة مواقع التواصل، فإنه لا يزال بمئات وآلاف المعرفات شبحيا، وهو ما يفقد قيمته ويقلل من جاذبيته ومصداقيته مقارنة بمراحل جهادية سابقة أيام حركة طالبان والقاعدة قبل وبعد 2001. ولذلك كنا في ذلك الوقت نكتب عن أفكار سياسية وتراثية قابلة للنقاش والجدل، وعرض لمفاهيم السياسة والحروب والأخلاق، وتحقيق لبعض الآراء الفقهية والشبهات التي أربكت جمهورا واسعا بما فيه نخب دينية ومثقفة، تبدو بين سطورهم مع حالات الإعجاب بهذا النوع الجهادي أمام قوى الاستكبار والغرب من خلال لغة إنشائية نضالية في حينها.

تبدو الآن الانتهاكات الداعشية لا علاقة لها بأي إشكال أخلاقي أو فقهي مقبول. لهذا فمجرد الدخول مع مواقفها وطرحها بالرد عليها بتأصيلات فقهية جزء من خدمتها لإضفاء معقولية على ما تقوم به في المناطق التي تسيطر عليها. فهذا التنظيم يفتقد التأييد الشعبي بصورة عامة بما فيهم إسلاميو العالم العربي والإسلامي بكل حركاته ودعاته ومشاهيره من كل الاتجاهات المعتدلة والمتشددة إلى تنظيم القاعدة بمفاهيمه الخاصة، ولهذا تجدهم يشتمون بمعرفاتهم الخاصة الكثير من مشاهير الإسلاميين من علماء ودعاة وحركيين وجهاديين، ويهاجمون مختلف التيارات الإسلامية.

هذا التنظيم بممارساته ومواقفه جعل حتى أحد منظري السلفية الجهادية منذ ربع قرن أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي) ينتقدهم بقوة، وينتقد إعلانهم للخلافة فبدأ في مواجهتهم وكأنه أحد علماء السلاطين ويقول موجها حديثه لهم «لا تظنوا أنكم بأصواتكم العالية ستسكتون صوت الحق، أو أنكم بتهديدكم وزعيقكم وقلة أدبكم وعدوانكم ستخرسون شهاداتنا بالحق لا وألف لا، فسنبقى حرسا مخلصين لهذا الدين، وحماة ساهرين على حراسة هذه الملة نذب عنها تحريف المحرفين وانتحال المبطلين وتشويه الغلاة والمتعنتين وغيرهم من المشوهين».

لا يمتلك تنظيم داعش أي جاذبية ومصداقية مقارنة بالقاعدة في عصرها الذهبي. تأتي محاولة إعلان الخلافة كاستباق لأي انهيار متوقع مع أي قصف دولي بالطائرات والصواريخ ينهي استعراضات التنظيم بالشوارع سريعا، ومع أن التنظيم لا يمتلك أي جاذبية تشبه جاذبية القاعدة، لكنه يراهن على جاذبية موقتة أخرى عبر الصور ومقاطع الفيديو، لمداعبة خيال جمهور آخر من البسطاء ومحبي المغامرة والتغيير في العالم، قبل أي قصف عسكري قادم بعد أن ينتهي دورها السياسي المفترض في هذه المرحلة.

في الماضي عرضت القاعدة فيديوهات لرموزها وهم بالجبال والكهوف يعرضون بياناتهم وصور تدريباتهم، وقد كانت تغري هذه المشاهد من لديهم شعور سينمائي بالمغامرة والنضال. تنظيم داعش اليوم يحاول الجذب بإغراء مختلف وفاخر جدا مقارنة بتلك الصور البدائية للقاعدة، وكأنه دولة حقيقية، بما يملكه الآن من طوابير سيارات جديدة وفاخرة، ومدرعات عسكرية حديثة تجوب الشوارع وشعارات بالطرق والعمائر، لكن مع كل هذه الاستعراضات الدعائية منذ أكثر من عام حتى إلقائه الورقة الأخيرة بإعلانه الخلافة، فإنه لا يبدو له أي جاذبية حقيقية واسعة حتى على مستوى المشاعر والتعاطف الشعبي عربيا وإسلاميا، وقد اهتم العالم العربي الأسبوع الماضي بمباراة منتخبي الجزائر وألمانيا في مونديال كأس العالم أكثر من حكاية إعلان الخلافة!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 05, 2014 16:00

June 28, 2014

عامل الزمن في دعشنة السياسة


مع استمرار الثورة السورية بدون أفق للحل، والحديث عن عراق ما بعد 9/ 6/ 2014، لم يعد للقوى المؤثرة في المنطقة حاليا قدرة على الحسم، وإعادة الأوضاع إلى حالتها السابقة. وإذا كانت إطالة زمن الصراع تبدو هدفا في بعض المراحل لبعض القوى الإقليمية والدولية من أجل الاستنزاف وإنهاك كل طرف،




مع استمرار الثورة السورية بدون أفق للحل، والحديث عن عراق ما بعد 9/ 6/ 2014، لم يعد للقوى المؤثرة في المنطقة حاليا قدرة على الحسم، وإعادة الأوضاع إلى حالتها السابقة. وإذا كانت إطالة زمن الصراع تبدو هدفا في بعض المراحل لبعض القوى الإقليمية والدولية من أجل الاستنزاف وإنهاك كل طرف، حيث كان مفيدا لتحقيق بعض أهداف القوى المؤثرة في المنطقة من أجل مساومات وضغط لفرض تنازلات لم تكن ممكنة، ولهذا جاء نمو تنظيم داعش المتأخر في بدايات العام الماضي بهذه السرعة والتمدد كإحدى أدوات الصراع، ومن الصعب تصور تضخمه بدون مؤثر آخر من خارجه لصالح أكثر من طرف.

قد تبدو تحركات مثل هذه التنظيمات المسلحة مستقلة بعض الشيء، فمن يتوهم أن القول بالاختراق يلزم أن يكون عبر إدارة كاملة للتنظيم من داخله، وتمويل مباشر من دول فهو لا يعرف طبيعة العمل الاستخباراتي الدولي وأساليبه، واحترازه من التورط بالتعامل مباشرة مع أي تنظيم. لأن هناك العديد من الحيل التي تحقق له هدفه دون أن يتورط بتعاون مباشر معها. إن مجرد إتاحة الفرصة لهذه التنظيمات بالحركة، وترك بعض مساحات الحرية لها، وخدمتها بأساليب دعائية متنوعة يكفي لتحقيق المطلوب. التآمر لا يعني بالضرورة الجلوس على طاولة واحدة والتنسيق، فمجرد إطلاق سجناء محددين، وإعطائهم الفرصة للتحرك، أو توفير معرفات ومقاطع دعائية لها من معرفات وهمية بالآلاف يحقق الكثير من الأهداف بسهولة.

يبدو عامل الزمن مؤثرا في مسار المعارك في أي صراع، ولهذا كان لمختلف القوى الإقليمية والدولية في الثورة السورية مصلحة من إطالة أمد الصراع في البدايات، لإضعاف مختلف أطراف الصراع قبل طرح أي حلول، لكن ما حدث الآن هو أن الحل المتوهم بدأ يبتعد شيئا فشيئا، لخدمة تنظيمات مسلحة أنشئت كأدوات في الصراع لتصنع واقعا آخر له ضريبته على المنطقة.

لم يعد توقع أي مسار للأحداث خلال المرحلة المقبلة ممكنا. الشيء الذي يبدو مؤكدا اليوم هو أن عامل الزمن أخذ يطول جدا لصالح هذه التنظيمات المسلحة. خطورة مثل تنظيم داعش وغيره على دول الجوار مباشرة يبدو مبالغا فيه مهما كانت قوتها، الخطورة الحقيقية تكمن في أنها تورط أجيالا شبابية جديدة في مسارات سياسية خاطئة مع حالات اليأس بأفق سياسي عربي معتدل. كل يوم يمر هو في الواقع لصالح تسويق الدعشنة السياسية في عالمنا العربي، وهو استنزاف للأجيال تشارك فيه بعض الأنظمة. إن إطالة أمد الصراع تبدو في خدمة هذا الاتجاه، مع توفر أدوات الاتصال اللا محدودة كقوة تسويق لوعي غير عقلاني يختلط فيه المصدر الحقيقي بالمصطنع، فعندما تنشر خريطة تُتداول عبر الإنترنت يُزعم أن داعش قامت بنشرها، وهي تظهر مساحات واسعة من أفريقيا وآسيا برايات سوداء، لتمثل الطموح الداعشي، وما تشكله مثل هذه الصورة المجهولة من إغراء قد يداعب أوهام بسطاء صغار.

إن الحضور المكثف لهذه التنظيمات بالإعلام بكل أدواته، وأخبارها على مدار الساعة، هو أكبر مؤثر على بعض الناشئة لتوريطهم ببعض الأوهام، وهو أكثر تأثيرا من كلام واعظ أو داعية ديني هنا أو هناك، أو بضعة أسطر مقتطفة من كتاب أو فتوى. الخطورة الحقيقية في الزخم الذي يوفره الإنترنت اليوم، كأكبر مؤثر تختلط فيه الحقائق بالمعلومات المصطنعة بيد استخبارات دول وأنظمة.

أشار الكاتب مأمون الحاج قبل أيام في جريدة السفير إلى أنه «بالبحث عن كلمة «داعش» على «يوتيوب»، يصل عدد النتائج إلى نحو ثلاثة ملايين فيديو. وبالبحث عن عبارة ISIS ـ المعادل الإنكليزي المتداول لـ «دولة الإسلام في العراق والشام» ـ يصل عدد النتائج إلى نحو المليون وربع المليون. في المقابل، يفضي البحث عن الاسم الكامل للتنظيم على الموقع نفسه، سواء بالعربيّة أو الإنكليزيّة، إلى نتائج لا تزيد عن ثمانين ألف شريط».

ويرى أنه يمكن تفسير هذا التباين الكبير «بأنّ تنظيم «داعش» ومناصروه، يرفضون الإشارة إليه وفقا للاختصار. ما يعني أنّ تلك المقاطع التي تحمل تسمية عبارة «دولة الإسلام في العراق والشام»، ينشرها على الأغلب جهاز «داعش» الإعلامي، إضافة إلى مناصريه». إن تسويق هذا الوعي يتم بيد من يفترض أنهم خصوم لهذا الفكر أكثر من مؤيديه. هذه المفارقة جزء منها عفوي بسبب عامل الزمن، وجزء منها مقصود ومتعمد ممن يرغبون استمرار دعشنة أجواء السياسية العربية بلا نهاية!   

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 28, 2014 16:00

June 21, 2014

غموض التحول العراقي


التحول الكبير الذي حدث في المشهد العراقي أربك الرؤى السياسية والإعلامية في كيفية التعامل معه، حيث تم تصوير الحدث بأكثر من طريقة قبل أن تستقر على رؤيته وفقا لمصلحة كل جهة في تحديد طريقة عرضه،




التحول الكبير الذي حدث في المشهد العراقي أربك الرؤى السياسية والإعلامية في كيفية التعامل معه، حيث تم تصوير الحدث بأكثر من طريقة قبل أن تستقر على رؤيته وفقا لمصلحة كل جهة في تحديد طريقة عرضه، فالمبالغة في (دعشنة) الحدث العراقي بدت مضرة جدا، فهي تعزز الدعاية لـ»أسطرة» داعش وقوتها على حساب السنة والعشائر السنية، وبالرغم من مرور عدة أيام على الأحداث فقد ظل الحديث عن الفضيحة الكبرى والتاريخية حول كيفية سقوط الموصل، وهروب جيش ضخم بمعداته وأجهزته يفوق الخمسين ألف من بضعة آلاف مسلح غامضا، فكل ما قيل حتى الآن هو تصريحات عامة عن خيانات، ومجرد تحليلات وتخمينات إعلامية، وليست معلومات محددة. جهز كل طرف مؤامرته الخاصة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه نوري المالكي في تصريحاته عن حدوث مؤامرة وخيانة ليفسر بها انهيار فرقة كاملة من الجيش، كان آخرون يتحدثون عن مؤامرة من المالكي نفسه لمصالحه السياسية وفرض تدخل أمريكي جديد تحت مسمى مواجهة الإرهاب. وأن انهياره كان مفتعلا لتوفير الدعم الأمريكي له. المشهد الآن يعزز التعاون الأمريكي الإيراني بصورة أكبر بالرغم من أن إيران جزء من المشكلة، لكن أمريكا تبدو مضطرة له في هذه المرحلة.

الحالة العراقية تأخذ الآن بعدا جديدا وأكثر تعقيدا من المرحلة السابقة بدخول عوامل إقليمية ودولية ومحلية مع وجود تنظيمات مسلحة متعددة. في الوقت الذي يتحدث فيه المالكي عن مؤامرات ودعم لهذه التنظيمات.. يأتي السؤال عن من أتاح في 29 يوليو من العام الماضي الفرار لحوالي 500 معتقل من سجن أبو غريب والتاجي، معظمهم من القاعدة، وقد أشار وزير العدل العراقي بأنه كان مدبرا من مسؤولين عراقيين للتأثير على الوضع في سوريا لمنع حدوث ضربة لنظام بشار في حينها.

القول بأن المالكي هو المشكلة يبدو متفقا عليه من الجميع، وله خصوم حتى من الشيعة. يتحمل المالكي فشل تجربة الديمقراطية العراقية بعد أكثر من ثماني سنوات، لكن مشكلة العراق اليوم تبدو أكثر تعقيدا من اختزالها بين المالكي وداعش. فهل المشكلة في نظام المحاصصة الذي كرس الطائفية وأعاق انتعاش العراق من جديد. كثيرون انتقدوا منذ سنوات دولة المحاصصة وحذروا منها في البدايات، واتضح من التجربة أن هذا النظام في دولة غنية بالثروات يزيد من مساحة الفساد بصورة أكبر، ولهذا تضخم عدد الوزارات في العراق من أجل استعمالها في إرضاء عدة أطراف، لكن هذا النظام حتى نوري المالكي نفسه أصبح ينتقده!



بريمر في مذكراته عن المرحلة الانتقالية التي أدار فيها العراق لمدة 14 شهرا، أشار إلى كثير من الجوانب والقصص الشخصية لأسماء مؤثرة في المشهد العراقي حاليا يشرح فيها كيفية نشوء الدستور وهذا النظام الحالي، ومسؤولية كثير من الأطراف، وقصة لقائه بكثير من الشخصيات بما فيهم زعماء العشائر. وشرح ما يتعلق بقضية حل جيش صدام واجتثاث البعث، وخطته لاستبعاد 20 ألف بعثي بما يساوي 1% من أعضاء حزب البعث. ويرى أن «صدام كان يمتلك جيشا أكبر من الجيش الأمريكي في الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان الولايات المتحدة عشرة أضعاف سكان العراق، وكان في الجيش العراقي 11 ألف جنرالا مقابل 300 فقط في الجيش الأمريكي» وأشار إلى أن «المشكلة المزمنة في العراق: لا زعماء سنة يعتد بهم الناشطون السنة تم استيعابهم في البعث أو الأمن أو تم اغتيالهم..»

جزء من الغموض المربك اليوم في التحول العراقي، هو كيفية تحديد القوى المؤثرة في التغير الذي حدث، وما هو حجم البعث من جيش صدام المسرح في عدده الضخم في قوة داعش اليوم، والتي تبدو خليطا مركبا بين البعث والقاعدة. قبل أكثر من عشر سنوات نشرت مقالا بعنوان «العراق الجديد: فشل في التخيل» فقد كانت المشكلة عربيا في كيفية تخيل صورة عراق ما بعد صدام، وكان حينها القلق العربي من نشوء ديمقراطية على ظهر دبابة هو المسيطر، والفشل مطلوب، والآن يبدو الخوف مختلفا.. إنه الخوف من انهيار الدولة العراقية وانقسامها إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها، وتتكسب فيها تنظيمات مجهولة.   

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 21, 2014 16:00

June 14, 2014

صحافة الرأي في "نقائض الكاشيرة"


تعتمد الصحف السعودية كثيرا على صفحات الرأي للوصول إلى القارئ، فقد أصبح التميز في الأخبار الخاصة صعبا في عوالم مفتوحة، وندرة الصحفي الذين يقدم موادا صحفية مؤثرة وعميقة. كيف ترى الصحف السعودية نفسها، وكيف يرى كتاب الرأي أنفسهم بعد كل مرحلة سجالية حول قضية معينة؟ يساعد على هذه الرؤية وجود دراسات متخصصة ومهنية حول أكثر من موضوع تناولته الصحف بين مرحلة وأخرى، تفحص هذا الأداء وتضعه أمام القارئ. تبدو الدراسة التي قدمها الكاتب والباحث سعد المحارب في كتابه “نقائض الكاشيرة: مراجعة سجال صحفي في السعودية” مرجعا رصينا، ربما لا يظهر مباشرة من الغلاف والقضية التي تبدو قريبة من الذاكرة، فهذا النوع من الأعمال تزداد قيمته بمرور الزمن.




تعتمد الصحف السعودية كثيرا على صفحات الرأي للوصول إلى القارئ، فقد أصبح التميز في الأخبار الخاصة صعبا في عوالم مفتوحة، وندرة الصحفي الذين يقدم موادا صحفية مؤثرة وعميقة. كيف ترى الصحف السعودية نفسها، وكيف يرى كتاب الرأي أنفسهم بعد كل مرحلة سجالية حول قضية معينة؟ يساعد على هذه الرؤية وجود دراسات متخصصة ومهنية حول أكثر من موضوع تناولته الصحف بين مرحلة وأخرى، تفحص هذا الأداء وتضعه أمام القارئ. تبدو الدراسة التي قدمها الكاتب والباحث سعد المحارب في كتابه “نقائض الكاشيرة: مراجعة سجال صحفي في السعودية” مرجعا رصينا، ربما لا يظهر مباشرة من الغلاف والقضية التي تبدو قريبة من الذاكرة، فهذا النوع من الأعمال تزداد قيمته بمرور الزمن.

ومع أن الكتاب يتناول قضية عمل المرأة السعودية كمحاسبة في الأسواق فإن الأرقام التي قدمها الباحث والإحصائيات عن هذه المقالات تبدو مهمة لكشف العديد من المظاهر في أداء صحفنا، وكتابنا بصورة عامة في تناول القضايا الاجتماعية، والظروف التي تؤثر على كل صحيفة لتجعلها أكثر اهتماما بهذا الموضوع أو تجاهلا له. وقد اختار الباحث هذه القضية لعدة عوامل أشار لها في البداية أبرزها “أن تكون قضية تحتمل فيها الصحافة السعودية نشر الآراء والمواقف المتعارضة”.

تميزت الدراسة في جانب حيوي وهو الأرقام التي قدمها الباحث بطريقة أكاديمية. المادة الرئيسية للكتاب هي عرض مقاطع مطولة من هذه المقالات قد لا تحتاج معها الرجوع إلى المقالات الأصلية. ميزة الخلاصات الرقمية أن أهميتها تجاوزت موضوع الكاشيرة والخلاف حولها إلى جوانب مختلفة حول صحفنا.. ففي مرحلة الذروة السجالية التي رصدها المؤلف وجد أنه نشر بمعدل يقارب الأربع مقالات يوميا (3.93) خلال 29 يوما، ونشر 75 مقالا في الأيام التسعة الأولى من هذه الفترة التي اختارها. وهو مؤشر إلى حالة إغراق يقع فيه بعض كتاب الصحف أحيانا ويتكرر في قضايا أخرى. والأرقام التي تستحق التأمل والوقوف عندها كثيرة، وكنت أتمنى أن الباحث وضعها في جدول واحد ليطلع عليها القارئ ويضعها مباشرة أمام أرقام متنوعة قد تضيع بين السطور.

هناك أرقام عن بعض الصحف تعبر عن موقفها، وهي تبدو غارقة في طرح كتابها حول القضية، وهناك صحف أقل، وهناك شبه مقاطعة عند صحيفة للموضوع حيث لم ينشر فيها سوى مقال واحد، ويمكن تفسير ذلك بسبب خاص بها. وبالرغم من أن الباحث مثقف وصحفي فإن أكاديميته هنا غلبت في هذا الكتاب، ولهذا يبدو منهجيا في تحليلاته ومتحفظا.. إلا أنه نجح في الخروج منها أحيانا عبر تحليل ووصف يحضر فيهما المثقف الصحفي. هناك سياقات سياسية داخلية حول القضية منذ بدايتها المبكرة التي أشار لها 2006 إلى الفترة الأخيرة، ويبدو مهما استحضارها، فقد تساعد القارئ البعيد عنها زمنيا فيما بعد لفهم بعض الظواهر التي فرضت الكثير من المواقف واختلافها بين مرحلة وأخرى وصحيفة وأخرى. ويبدو لي في هذه الدراسة الثمينة غياب الرؤية المحافظة جدا والمعارضة بقوة لهذا العمل، والتي لا تتحمل صحفنا نشرها، وتنشر عادة في مواقع وصحف الكترونية خاصة بهم، واستحضارها يوسع الرؤية للقضية.

بعد شروع الباحث في جمع المقالات وتحليلها وجد أنها “حالة كاشفة لانعدام الحوار، فقد اكتشفت مع توالي القراءة أن ما يجري في المقالات أشبه بمناظرة انتخابية تستهدف تأكيد موقف المؤيدين وكسب المترددين. إنها محاولة مستمرة لبيع الرأي للجمهور”، “والمبالغة باعتبارها أسلوبا لإقناع الجمهور بتبني موقف الكاتب من القضية، فأولا ينبغي لك أيها القارئ أن تكون مع الأغلبية، أو على الأقل أن تعلم أن الأغلبية لها هذا الرأي”، وهي تعبر عن ما أشار إليه حول “مقال إعلان الموقف”، “وهو مقال يعلن فيه الكاتب موقفه من القضية المطروحة لكنه لا يزود القارئ بأكثر من موقفه، إذ تغيب المعلومات أو تنحصر في القدر المتداول على نطاق إعلامي واسع قبل المقال”. تدخل القضية الاجتماعية الجدلية إلى صحفنا في رأيه “عبر حدث مثير يمر إليها من بوابة الخبر” قبل بدء أي موجهات مقالية.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 14, 2014 16:00

June 7, 2014

طالبان والصفقة


كان مثيرا قبول الولايات المتحدة لصفقة الإفراج عن الجندي الأمريكي مقابل خمسة من قادة حركة طالبان الأسبوع الماضي،




كان مثيرا قبول الولايات المتحدة لصفقة الإفراج عن الجندي الأمريكي مقابل خمسة من قادة حركة طالبان الأسبوع الماضي، فقد أعاد نجاح الصفقة الرؤية لعدة أمور تبدو معلقة حول أفغانستان، ومعتقل جوانتانامو، والحرب على الإرهاب. تمت عملية التبادل بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التفاوضات غير المعلنة، أثارت العملية في الداخل الأمريكي نقاشات كثيرة وجدلا ساخنا، واعتبرها البعض سابقة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية التي رفضت التفاوض مع حركات مشابهة، ويرى بعض الجمهوريين أن التحاور مع طالبان خيانة لذكرى قتلى 11 سبتمبر، وسابقة مقلقة، وقد تعتبر تفاوضا مع إرهابيين.

بالنسبة لحركة طالبان تبدو مكاسب الصفقة أكبر من مجرد إخراج خمسة من قادتها من معتقل جوانتانامو، حيث ستحقق لها هذه العملية حضورا معنويا في الساحة الأفغانية، وبالتأكيد تدرك الولايات المتحدة ماذا سيترتب عليها من تأثير في المشهد الأفغاني، ولهذا أدانت الحكومة الأفغانية الصفقة حيث لم تبلغ عنها إلا بعد إتمامها، ووصفتها بأنها انتهاك للقانون الدولي، وهي تعبر بوضوح عن جدية أمريكا في استمرار محاولاتها السابقة للحوار مع الحركة، وقد أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأمريكي بأنها أجرت محادثات مع طالبان سابقا، إلا أن تلك المحادثات توقفت في 2012م، وأن هذه الصفقة ربما تكون فرصة جديدة يمكن أن تسفر عن اتفاق. طالبان تحاول أن تستبعد الربط بين الصفقة وكأنها بادرة حسن نية لمحادثات سلام مع الحكومة الأفغانية.

لا يزال البعض لا يفرق بين طبيعة حركة طالبان منذ نشأتها التي هي جزء من نسيج المجتمع الأفغاني وبين وحركات العنف الأخرى التي ورطت هذه الحركة المحدودة في وعيها السياسي، وكانت سببا في سقوطها ونهاية تجربتها في السلطة، فالحركة يصعب تبخيرها في الفضاء الأفغاني فهي جزء من الشعب وليست مجرد حركة وافدة.

زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر وصف الصفقة بأنها “نصر عظيم”، لكن ما يفسد هذا الشعور بالنصر لدى أنصار الحركة دون أن يصرحوا بذلك هي أن الظروف الغامضة التي أحاطت بوقوع الجندي بالأسر لا تشير إلى عملية خطف خاصة مخطط لها، فقد قيل بأنه فر من الجيش ووقع بالأسر بعد يومين، وقال عدد من زملاء الجندي إنه أعلن سابقا رغبته في التخلي عن جنسيته الأمريكية في رسالة تركها بخيمته قبل اختفائه، وذلك من أجل بدء حياة جديدة، وإنه ليست المرة الأولى التي يختفي فيها الرقيب الأمريكي من قاعدته، مع شكوك تدور حول محاولته الاتصال بحركة طالبان أكثر من مرة. وقالت مصادر إنه كان يرسل رسائل إلكترونية إلى والديه يتذمر فيها من كونه أمريكيا، وعدم رضاه عن أداء الجيش الأمريكي. ولهذا عندما أعلن وزير الدفاع الأمريكي هيغل خبر الصفقة أمام زملائه الجنود في قاعدتهم شمال كابل كان هناك وجوم، ولم يحدث صياح وفرح.

وبالرغم من هذه الظروف الغامضة حول تصرفات الجندي، واعتراضات الجمهوريين فإن القرار يبدو جريئا ومثيرا يعبر عن شيء آخر يفوق مخيلة ذهنية السياسي العربي وبعض منظريها، والذين تنخفض لديهم قيمة الفرد ليبدو مجرد صفرا في الفضاء السياسي، فمع الكلفة المعنوية لهذه الصفقة سياسيا على أقوى دولة في عالم اليوم إلا أنها تشعر الآخرين من مواطنيها وفي العالم بقيمة الفرد في دولته، وقد علق أوباما على هذا بأن للولايات المتحدة عرفا مقدسا بألا تترك جنودها يقبعون في الأسر.

من الناحية الميدانية توقع البعض بأن هذه الصفقة قد تشجع على عمليات أخرى، فتصبح الكثير من الدول التي لديها معركة مع الإرهاب أهدافا مغرية بعمليات خطف مماثلة، والواقع أن عملية الخطف ليست فكرة مجهولة عند هذه الحركات وغيرها، وليست ابتكارا جديدا، أو خيارا يغفل عنه أي تنظيم.. مع كثرة وجودها في الأفلام السينمائية، فالخطف فكرة حاضرة دائما عند أي جماعة في كل مرحلة، تبدو المشكلة عمليا في مدى نجاحها، ولأن احتمال نجاحها صعب، فإن حركات العنف تلجأ للقتل والتفجير فهو الخيار الأسهل والأسرع في تحقيق هدفه، وعندما ضعفت احتمالات النجاح في التفجيرات بسبب الاحتياطات التي تقوم بها الدول والحكومات.. أصبحت العمليات الانتحارية هي الخيار المفضل لضمان نجاح العمليات النوعية والكبيرة.   

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 07, 2014 16:00

May 31, 2014

التعليم الملتحي منذ عصر الكتاتيب


لماذا تبدو الفئة المتدينة هي الأكثر اتجاها لمهنة التعليم في مجتمعنا؟ السؤال ليس معقدا وليس بحاجة إلى خبراء اجتماع وتاريخ، فقد كان الفرد العادي في المجتمع يعرف ذلك بسهولة،




لماذا تبدو الفئة المتدينة هي الأكثر اتجاها لمهنة التعليم في مجتمعنا؟ السؤال ليس معقدا وليس بحاجة إلى خبراء اجتماع وتاريخ، فقد كان الفرد العادي في المجتمع يعرف ذلك بسهولة، بأدواته التحليلية الفطرية، قبل أن تتحول بعض البدهيات الأولية عن مجتمعنا مع العك التنظيري والتنميطات الصحفية إلى شيء غامض وخفي بحاجة إلى كشوفات. لقد كان الفرد من العوام لا يتخيل المطوع إلا في التعليم مباشرة، ويندهش عندما يراه في مجال آخر، بالرغم من وجودهم في كل مجال لكن الحديث عن النسبة الأعلى. لكن منذ عرف نفسه وهو يشاهد هذه الظاهرة المستمرة. النسبة العالية من المتدينين إلى التعليم، ويشاهدهم في الخطابة والمحاضرات والدعوة. لهذا يبدو غريبا الطرح المندهش من هذه الظاهرة، فالتعليم السعودي أصلا لم يحدث له حالة عصرنة شديدة، أو علمنة بأي مرحلة، ولم تعرف تجربتنا التعليمية ذلك الصراع الذي حدث في دول عديدة في العالم النامي بين نوعين من التعليم، فالسياسة التعليمية ظلت محافظة جدا مقارنة بمجالات أخرى، ولم توجد أصلا محاولات رسمية للتغيير نحو العصرنة والتنوير في محتواه، ومع ذلك في بعض المراحل بالرغم من محافظته وجدت مواقف عارضة من علماء حول إدخال بعض المقررات للتعليم أو الحقائق العلمية، كدوران الأرض عند مرحلة التحول الأولى، وهي تعبر عن سقف وعي مفهوم في ذلك الزمن. قصة تحديث التعليم في المملكة لا يتم تناولها في المراجع التقليدية إلا من خلال أرقام وعرض لتحولات إدارية وأسماء وزراء وليس تحليلا لمحتواه العلمي والثقافي واتجاهه الفكري. كان التعليم في المملكة قبل التأسيس وبدايات التأسيس بيد الشيخ ومطوع القرية والبلدة، والنخب الأولى من المشايخ وتلاميذهم تأسست على أيديهم بدايات التعليم الحديث، ونقل تعليمنا من مرحلة الكتاتيب إلى المدارس الحديثة. في نهاية الستينات والسبعينات بدأ المعلم السعودي يظهر في مستوى الثانوي أو الجامعي مع وجود المعلم العربي المتعاقد. وبدأ هذا المعلم السعودي القادم مع بدايات الطفرة النفطية يحدث له تغير في مظهره الخارجي بملامح جديدة ولباس أنيق مع الموضة مقارنة بمن قبله. تطورات الطفرة النفطية وفرص الثراء أخذت تسحب الكثير منهم إلى خارج التعليم في أعمال إدارية في وزارات أخرى، أو مشاريع خاصة أكثر إغراء.. وحدث عزوف مع كثرة الفرص وبقيت الفئة المحافظة أكثر في هذا المجال. ولأن الدولة في تلك المرحلة لديها طموح في التوسع جدا بالتعليم بمعلمين سعوديين، حدثت قفزة لمميزات المعلم ماليا مقارنة بزميله بالوظائف المدنية في مستوى الراتب والإجازات وغيرها، مما أسهم في المحافظة على البقية. بعد ذلك أصبح المجال التعليمي هو الأكثر جذبا في الوظائف الحكومية منذ ذلك القرار الجريء خلال مرحلة الثمانينات والتسعينات وأفول الكثير من فرص الثراء مع النكسة النفطية. مع ظهور المتدين الجديد في المجتمع وبدايات الصحوة بدأ الطالب الصغير يلحظ ملاحظة جديدة كسرت نمطا اعتاده، وهو أن المعلم الملتحي لمواد نظرية معروفة، لكن بدأ بمرور الزمن يشاهد الملتحي أخذ مكان المتعاقد العربي، كمدرس للفيزياء والرياضيات والكيمياء. الفئة المتدينة الحديثة لا يمكن أن تكون هي نفس عقلية مرحلة المطوع والكتاتيب، فأحدهم له رؤيته المختلفة وأدوات وعيه تغيرت كثيرا، فالمطوع والمتدين القديم بعفويته وبساطته انقرض تماما ولا يمكن إعادة إنتاجه.

مع مميزات المعلم التي رافقت الطفرة لمنعه من هجر مجال التعليم، هناك عامل آخر وأهم أدى إلى تواجد المتدين أكثر في هذا المجال، ويعرفه أي مدرك لأبسط الحقائق الإسلامية والدينية.. شرف التعليم وقيمته الدينية، وفضيلة نشر العلم والدعوة إلى الله، فالنصوص من القرآن والسنة التي تحث على هذا العمل يحفظها الكثيرون، وهي أكثر وأشهر من أن يتم حصرها هنا. تقرأ في المساجد والخطب وتردد في المواعظ، فمهمة الدعوة ليست قضية حركية كما قد يتوهم البعض، فأولا يتغير توجه الشاب نحو المحافظة وتزداد لديه العاطفة الدينية ويبدأ بواجب «بلغوا عني ولو آية»، «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة»، والتعليم أفضل المجالات لهذه المهمة، بالإضافة إلى هذا الدافع الإيماني والرسالي الكبير فإن الوظائف الأخرى قد يواجه فيها المتدين بيئات عملية تؤثر على نقائه الروحاني لهذا يختار المجال الأسهل والأفضل في نظره. داخل كل ظاهرة اجتماعية بارزة عدد من التفاصيل التي لا نهاية لها يمكن أخذ بعضها في مقالات أخرى. التعليم مجال عملي ضخم بضخامة البلد وسكانه، ويصعب اختزاله في مقولات نمطية تعيق حلول التطوير والتغيير الحقيقي فيه.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 31, 2014 16:00

May 24, 2014

الطائفية والانفتاح


يفترض أن تؤدي مظاهر الانفتاح مع ثورة الاتصال إلى حالة من التسامح الطائفي، ولكن ما حدث هو العكس حتى الآن، فقد ساهم في تعميق التوتر، وتتزايد حدته مع زيادة وسائل الانفتاح في السنوات الأخيرة.




يفترض أن تؤدي مظاهر الانفتاح مع ثورة الاتصال إلى حالة من التسامح الطائفي، ولكن ما حدث هو العكس حتى الآن، فقد ساهم في تعميق التوتر، وتتزايد حدته مع زيادة وسائل الانفتاح في السنوات الأخيرة. منذ بدايات الفضائيات المتواضعة ظهرت ملامح الأزمة، بعد سنوات انتقلت حالة الشحن والتشويه إلى مقاطع يوتيوبية قصيرة ومكثفة، وما تبثه من شحن طائفي مستمر، ثم انتقلت هذه المقاطع إلى مرحلة أخرى، حيث يتم تداولها في مجال جماهيري أكبر عبر مواقع التواصل والواتس اب. كان الجزء الأكبر من الإشكال الطائفي سياسيا ودينيا على مستوى النخبة، ووسائل التواصل هذه بدأت تنقله إلى مستوى اجتماعي وشعبي أوسع.

لاحظت أن البعض يبدون حسرة على زمن قديم، لم يكن فيه هذا التوتر موجودا في الحياة الاجتماعية، ويتداولون قصصا من كبار السن، في أكثر من بيئة، والواقع أن هذه الذكريات الجميلة مشكلتها أنها تعبرعن تسامح لم يزود بوعي، وإنما هو سمة من سمات المراحل الريفية والحياة البسيطة في ذلك الزمن، فالتسامح يكون أقوى عندما ينشأ عن معرفة بالآخر واختلافه. يقول البعض إن سبب عدم التسامح أن كل طرف لم يكن يعرف الثاني بسبب التضليل والتشويه المتبادل، والواقع أن مشكلتنا الآن أنه لم يعد يمكن إخفاء حقيقة الآخر من خطابه، فالمشكلة حاليا ليست حول تشويه الآخر بحيث يمكن تصحيحها، وإنما هي تصريحات مقاطع حقيقية وليست مزيفة أو مؤلفة، تعبر عن الواقع. ليست الصورة قاتمة دائما في هذه الفضاءات، فعندما تثار العديد من المواقف الطائفية الحادة فإنها أيضا تواجه بردود فعل إيجابية لديها حس المسؤولية بعفوية، ودون تنظيم كما تمارسه الاتجاهات المحسوبة على الأنظمة والأحزاب. وهذا بمرور السنوات ربما يخلق وعيا وتسامحا أفضل من تلك الصورة التي يتباكى عليها البعض الآن، ولا تستطيع أن تعبث بها السياسة والأحزاب.

تبدو الطائفية الآن في أسوأ مراحلها التاريخية عربيا، فكل ما أصلحته الثقافة بجهودها المحدودة في أعوام، أفسدته السياسة في مواقف وأيام، لم يعد ممكنا إخفاء كثير من عيوب الوعي السياسي والاجتماعي والديني مع حالة الانفتاح الكبير الذي فرضته تقنية الاتصال منذ بدايات العقد الماضي، وتزييف إعلام الأنظمة. كشفت الحالتان؛ العراقية والسورية، محصلة القرن الماضي سياسيا، وعقودا من التزييف في مواجهة الواقع. لم تنجح الدولة والخطاب العلماني المفترض وجوده خلال نصف قرن مضى فيهما، من تحسين الوعي الجمعي لاستقرار الدول الوطنية بعد رحيل الاستعمار، مع أن حركات التحرر لمواجهة المستعمر كانت بعيدة عن الطائفية، إلا أن الأنظمة التي نشأت بعدها استغلت المشكل الطائفي لتثبيت سلطتها، مع تقديم خطابات وشعارات رنانة عن الوحدة والتعايش ومحاربة الطائفية.

لم ينجح المثقف العلماني العربي في هذه المنطقة بتنوعها الطائفي، خلال تجربة نصف قرن وخطاب ثقافي تقدمي، من معالجة بذور هذه الإشكالية الحضارية التي تجهض بناء الدول، قد يفوق هذا إمكانياته وقدراته مقارنة بالسياسي، لكن المثقف كان يملك أن يقول بعض الحقيقة، ويزود الوعي العام بتفاصيل المشكلة واحتمالية انفجارها في أي لحظة. نشعر الآن بعدم وجود عمق فكري حديث وأصيل بأدواته وصراحته لمواجهة أي انفجار طائفي. تعمد المثقف العربي في تلك المرحلة إلغاءها من خطابه وكأنها ليست موجودة، إلا في حالات التنديد العابر، والتعالي عليها وكأنه منزه من لوثة الطائفية، وهو يظن أنه بذلك يساعد على القضاء عليها. لكن الثورة السورية كشفت المثقف قبل أن تكشف المجتمع والفرد العادي. تبدو الحالة السورية نموذجا لنتيجة تأجيل مواجهة المشكلات، وتصحيح الأخطاء التاريخية منذ سيطرة أقلية على السلطة التي تتصرف طائفيا وتتكلم بعكس ذلك.

لا نعاني من ندرة النصائح والمواعظ التي تحذر من الخطابات الطائفية والشحن الطائفي، ما نحتاجه هو تعميق رؤيتنا للقضية ومتغيراتها، فالحديث عنها يغلب عليه التداخل بين مستويات عدة، وعدم القدرة على التمييز بينها، فهناك اختلاف بين الأماكن والدول في درجتها وطبيعتها، والسلوك السياسي يختلف عن الخطاب الديني، والخطاب الديني يتأثر كثيرا بالمواقف السياسية، وبالتالي يتأثر المجال الاجتماعي الأكثر مرونة. من أهم أسباب عدم التقدم في مواجهة الطائفية أن الاتجاه المعتدل في كل طرف ليس صريحا في طرح الأسئلة الحقيقية، لأنه يظن ذلك حلا للمشكلة وتخفيفا منها، وبالمقابل يبدو الاتجاه المتطرف أكثر صراحة في تداولها، لكنه لا يريد حلها إلا بالقضاء على الآخر.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 24, 2014 16:00

May 17, 2014

بلاغ ضد التعليم .. بين الموسى والتويجري


يكتب د.علي الموسى مقالا عن “وثيقة سياسة التعليم: جاهلية القرن العشرين” في صحيفة الوطن، فيرد عليه د.أحمد التويجري بمقال طويل: “عندما تبلغ الخصومة حد الفجور”




يكتب د.علي الموسى مقالا عن “وثيقة سياسة التعليم: جاهلية القرن العشرين” في صحيفة الوطن، فيرد عليه د.أحمد التويجري بمقال طويل: “عندما تبلغ الخصومة حد الفجور”. جاءت مقالة علي الموسى بطريقة البلاغات، وهي الطريقة السائدة في مقالات الصحف، وعند كتّاب التقارير الصحفية عن التعليم وغيره، وهذه الطريقة لا تتطلب منك الكثير لإثارة أي موضوع، فتتيح لك الجرأة في طرح كل قضية بالانطباعيات دون التعمق بحقيقة هذا البلاغ الصحفي وحدود مسوؤلياتك فيه. يرد أحمد التويجري بطريقة وعقلية المحامي الذي يختار مسبقا القضية التي سيربح بها، ومن خلالها يعرض بذكاء أفكارا ومعلومات في سياق معركة سهلة ضد بلاغ صحفي عابر.

التعامل مع مشكلاتنا التعليمية والتنموية بذهنية البلاغات من طرف وآخر يدافع، هي الطريقة التي شكلت رؤيتنا لكثير من القضايا، حيث تبدو المشكلات الحضارية وكأنها مجرد قضايا كيدية لفئات وجهات، وليست قضايا معقدة بذاتها، ولا يوجد لها حلول سحرية، لأنها ناتجة عن تعقيدات بناء الدول والمجتمعات، وتراكمات تاريخية، وجهود كل مرحلة. شاهدت الحوار على قناة المجد بين الكاتبين حول هذا المقال، والرد، وتوقعت أن يكون قويا، وللأسف كان حوارا باهتا ضاع أغلبه في جوانب هامشية ومجاملات شخصية ومدائح متبادلة، دون نقاش حقيقي للقضية التي طرحت.

علي الموسى جاء بتعبير “الاحتلال التربوي” وهو يطرح أسئلته عن الوثيقة، من مفردات أخرى وجدت في صحافتنا وحواراتنا منذ سنوات طويلة عن اختطاف التعليم، في سؤاله الثاني يقول “لماذا بلغ بنا الخوف من هذه التيارات المؤدلجة إلى الحد الذي أصبحت فيه قراءة هذه (الوثيقة) الفضيحة أو محاولة تفكيكها وتحليلها جريمة وخطاً (أممياً) نارياً أحمر الألوان؟”. لا أدري عن أي خوف يتحدث الموسى، هل التاريخ متوقف لديه؟ فنقد التعليم وأدائه وتوجهاته في صحافتنا لم يتوقف منذ عقود، فالمسألة لا جرأة فيها، وليست بحاجة لاستعراض نضالي، الآن تحول الخوف إلى الذي يدافع عنها، فيسرع مسؤول الوزراة بالتعليق وتبرئة الذات، ولهذا أصبح رد التويجري عند المحافظين هو الجريء في مواجهة التهم، وقال ما لم يستطيعوا قوله.

التعامل مع الوثيقة جاء وفق طريقة تعداد الكلمات الواردة في الوثيقة؛ عن الوطن، والمجتمع السعودي، والدولة، والأمة، وهي بحد ذاتها مشكلة، لم يطرح مدى تأثير الوثيقة على التعليم في الواقع، وهل إذا غيرت صياغتها سيتغير التعليم بصورة سحرية؟ تبدو النظرة التاريخية غائبة في نقد التعليم، فكثير من الطرح النقدي في حقيقته ماضوي جدا، ولا يوجد إدراك بالتغيرات التي حدثت وتحدث باستمرار، فقد حدث للتعليم بعد حرب الخليج تغيرات كثيرة، فمنذ بداية التسعينات تم تغيير المناهج الدينية كثيرا، وتم جعلها أقرب للأسلوب السلفي من أطروحات الثقافة الإسلامية المتأثرة بالحركية. بمعنى أن لدينا تجربة أخرى طويلة بحاجة لنظر وتقييم، حيث نشأت أجيال وأجيال بعد الثمانينات على هذه المناهج الجديدة. وبعد منتصف التسعينات ضخت فكرة الوطنية بصورة كبيرة في التعليم، وهي بحاجة لتقييم آخر. فالحديث عن أكثر من أربعة عقود وكأنها على صورة واحدة في تعليمنا خدعة، وفي أحسن الحالات جهل مركب بالواقع.

يقدم أحمد التويجري في آخر رده صك براءة متكاملا للتعليم “إن الغلو والتطرف والإرهاب الذي اتّهِم الفكرُ السائد في المملكة بتفريخه، واتُّهِمت مناهج التعليم بتغذيته، لا علاقة له على الإطلاق لا بالفكر السائد في المملكة ولا بالتعليم السعودي، بل إن فكر المملكة وتعليمها والقيم والأعراف والتقاليد السائدة فيها من أهم وأقوى ما يواجه به ذلك الغلو والتطرف والإرهاب...”، وأصبحت مسؤوليته على دول آخرى، وهي مبالغة أفسدت طرحه حول القضية. فالجزم على الإطلاق ببراءة التعليم ومناهجه، لا يختلف عن التهم العشوائية ضد التعليم في الداخل والخارج. هذا الطرح المنشغل بالتبرئة ضد التهم لا يساعد على التطوير المستمر للتعليم، فهل يمكن معالجة الأخطاء وإصلاح أي خلل لجهود بشرية عندما يصبح المسؤول في التعليم محاصرا بين رؤيتين متطرفتين تلاحقاننا منذ سنوات طويلة؟. لهذا تبدو الكثير من المحاولات والجهود التطويرية مسكونة بهاجس المؤامرات والترقب. أجواء التعليم للناشئة بحاجة إلى أن تكون بعيدة عن هذه التشوهات الفكرية والنفسية التي تفرزها هذه المعارك.    

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 17, 2014 15:02

May 10, 2014

نسخة بوكو حرام


لم يمر وقت طويل لاستيعاب بشاعة فكر جماعة داعش وأخواتها، والتي تبدو خليطا بين بقايا فكر جهادي تائه منذ عقود، وروح عصابات وأجسام استخباراتية، لنفاجأ بمأساة أخرى من حركة “بوكو حرام” وخطفها لأكثر من 200 فتاة نيجيرية من مدرسة. على شاشة “سي إن إن” تغطية يومية متواصلة للحدث وتطوراته منذ الشهر الماضي،




لم يمر وقت طويل لاستيعاب بشاعة فكر جماعة داعش وأخواتها، والتي تبدو خليطا بين بقايا فكر جهادي تائه منذ عقود، وروح عصابات وأجسام استخباراتية، لنفاجأ بمأساة أخرى من حركة “بوكو حرام” وخطفها لأكثر من 200 فتاة نيجيرية من مدرسة. على شاشة “سي إن إن” تغطية يومية متواصلة للحدث وتطوراته منذ الشهر الماضي، مقارنة بتغطية الإعلام العربي، مع عرض متكرر لخطاب زعيم الحركة المسجل وترجمة كلماته بخطوط عريضة على الشاشة، والذي بدأ بصورة غير طبيعية في خطابه مع حركات جسمه وضحكاته.. في مشهد تلفزيوني يغري بتكراره كثيرا، مع مشاهد أخرى لأبي بكر شيكاو.. لا تقل إثارة خاصة مشهد حديثه وبيده مسواك طويل بقطر نصف بوصة يتحرك حول الأسنان.. وهو يتحدث ويضحك! هل سنلوم الإعلام الغربي ودوله في هذا الاهتمام، بحجة أنه يوجد قضايا أخرى في عالمنا لم نجدهم فيها؟! أظن هذه طريقة سجالية سهلة وغير مجدية، فالموضوع والحدث ليس عن أخلاقيات الغرب المعروفة.. وإنما أخلاقيات هؤلاء الخاطفين وثقافتهم، وكيف نتعامل معها علميا وتربويا وسياسيا.. هو تحد لنا قبل أن يكون للغرب. فمع بوكو حرام وغيرها علينا أن نتوقع نسخا لا نهاية لها من الخطف للمفاهيم الدينية والعبث بها بعقلية رجال العصابات، والتداخل بين ثقافات شعوب ومناطق وصراعات سياسية. من يصدق أن هذا الخطف “البوكو حرامي” للصغيرات جاء باسم الاحتساب ضد التعليم الغربي.. فقد جاء بالتسجيل لزعيم الحركة قوله “اختطفت بناتكم من مدرسة تعليمية غربية، وأنتم تشعرون بالقلق. قلت التعليم الغربي يجب أن ينتهي.. التعليم الغربي يجب أن ينتهي.. أيتها الفتيات ذاهبات لتتزوجن، سأبيعهن بالسوق بإذن الله”. كثير من حالات التطرف السلوكي والفكري لهذا النوع من الجماعات، أصبحت خارج القابلية للسجال حول تفاصيلها لتفهمها.. لأنها تبدو خارج المعقول السياسي والأخلاقي قبل الفقهي والديني، فأحيانا يبدو مجرد طرح سؤال: هل هذا يمثل الإسلام أو يجوز أو لا يجوز؟ هو تطبيع مع هذه الأفكار والممارسات وإعطاء هذه الحماقات في أخلاقيات الصراع شيئا من المعقولية.

التطرف يأخذ من ثقافة وعادات المكان الذي يوجد فيه، ومن الواضح أن فكر وسلوكيات الجماعات الجهادية تأثر بانتقاله من مكان إلى آخر، وبالرغم من وجود مشتركات في الخطاب والفكر.. إلا أن المكان الذي تنمو فيه يترك بصمة واضحة عليها. وإذا كانت أفغانستان بسبب طول البقاء فيها قد تركت ملامح كثيرة على فكر هذه الجماعات فإنه في السنوات الأخيرة بدأ يتراجع منذ عام 2001 لصالح أماكن أخرى انتعشت فيها الصراعات.

حركة جماعة بوكو حرام التي تتكون أساسا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية، في البدايات كانت أقرب لنموذج طالبان.. وفي نهايتها تبدو أقرب لنموذج داعش مع وجود فوارق كبيرة في كلتا الحالتين. في بداية نشأتها في الجزء الشمالي من نيجيريا عام 2002 تمتعت بشعبية، واستفادت من حالات الغضب الشعبي ضد الفساد وتهميش المناطق الشمالية من الحكومة الفيدرالية، لكن هذه الشعبية أخذت تفقدها بعد سلوكها المسلح والاغتيالات والتفجيرات، وقد قتل زعيمها محمد يوسف عام 2009. جاء بعده أبو بكر شيكاو الأكثر تشددا، وقد ساعدت السياسات المتعاقبة من الحكومة على تقوية هذه الجماعة التي تستعمل العنف تجاه الحركات السياسية المعارضة لها، وقد كسبت تعاطف بعض الشباب المسلمين هناك بسبب عمليات القتل خارج القانون من السلطات. ويجب أن نستحضر شكل الخارطة العرقية والدينية في نيجيريا لفهم تعقيدات الأزمة، ولهذا تطرح الجماعة نفسها مدافعة عن المسلمين ضد المسيحين، وحتى هذا الخطف تباطأت الحكومة النيجرية في التعامل معه في البدايات وقدمت مغالطات إعلامية.. لأن المخطوفات من أماكن عائلات مسلمة.

ولا تختلف حماقات هذه الحركات عن حماقة من يريد ربط بعض الممارسات بالإسلام أو غيره بحجة أنهم يعبرون عن ثقافة كانت موجودة وليست مخطوفة من سياقات تاريخية لا علاقة لها بعالم وظروف اليوم. يشير جاكوب زين، متخصص في شؤون جماعة بوكو حرام، لموقع بي بي سي “إلى حوادث مماثلة في أوغندا، حيث تخطف حركة (جيش الرب) المتمردة، التي تريد إنشاء دولة دينية مسيحية، الأطفال وتستخدمهم كجنود وخدم وعبيد للجنس. وتجوب قوات جيش الرب ومعهم الأطفال مناطق الغابات الكثيفة والحدود المليئة بالثغرات. وتمكن بعض هؤلاء من الهرب، بينما أفرج عن آخرين ضمن مبادرات للسلام، وبقي الكثيرون أسرى مدى الحياة”.  

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 10, 2014 16:02

May 3, 2014

حوار مثقفات سعوديات


كان عرض التجارب الشخصية في مجتمعنا وما يزال يواجه بعوائق كثيرة، فقد رحلت عن دنيانا شخصيات مهمة لم تدون تجاربها بالقدر الذي تستحقه حكاياتهم، وفقد المجتمع خبرات للوعي بتشكله الحضاري،




كان عرض التجارب الشخصية في مجتمعنا وما يزال يواجه بعوائق كثيرة، فقد رحلت عن دنيانا شخصيات مهمة لم تدون تجاربها بالقدر الذي تستحقه حكاياتهم، وفقد المجتمع خبرات للوعي بتشكله الحضاري، وطبيعة التحديات التي مرت بهم، وتدوين للانفعالات النفسية والاجتماعية والدينية والسياسية في كل مرحلة. ظهر في السنوات الأخيرة اهتمام بهذا الجانب يختلف مستواه بين ممارسة وأخرى، لها دور إيجابي في سد بعض الخلل، ومنها الحوارات الصحفية والفضائية التي تكشف جانبا من بعض تجارب النخب في المجتمع. وقد حدث تطور في مستوى الحوارات والأفكار المطروحة أحيانا، مقارنة بحوارات صحافة السبعينات والثمانينات التي كانت تطرح أسئلة من نوع ماذا يحب الضيف أن يأكل ورأيه بالقمر والليل! وحتى التحديات التي كانت تطرح على الضيوف هي من النوع الشكلي.. كيف كنتم تعيشون في البيت الطيني مقارنة بالمنازل الفارهة وصعوبات النقل والصحة، وليست حول إشكاليات اجتماعية وسياسية وفكرية. وإذا كانت معرفة تجارب نخب مجتمعنا من الرجال تعاني من إشكاليات وظروف مصلحية تعيق عرض هذه التجارب بشفافية، فإن النخب النسائية في مجتمعنا تبدو أكثر صعوبة.. فالتجارب الذاتية لنخب نسائية كثيرة شبه مجهولة، حول طبيعة التحديات الحياتية والأفكار والظروف التي مرت بهن، وحياتها في المحيط الاجتماعي والنسائي، وحتى التجارب الوظيفية العملية في محيطها الإداري شبه غائبة، فبعد أكثر من أربعة عقود على حضور المرأة في العمل لا توجد حكايات كافية لرائدات في أكثر من مجال، ومع كثرة الحوارات التي تمت مع بعض النخب النسائية إلا أنه يغلب عليها التركيز على جوانب وأفكار هموم اليوم وسجالاته، وليست تدوينا لتجارب ومراحل صنعت مجتمعنا الحالي. قدم علي العلياني عبر برنامجه “يا هلا” سير فضائية مميزة لنخب كثيرة، ومع أن مهنية المذيع الذي أسس في فضائيتنا الاهتمام بالمحليات اليومية منذ سنوات قبل أن يقلده آخرون.. تبدو في هذا المجال أكثر، فإن مساهمته أيضا في حوارات مع نخب ثقافية غنية جدا، وأتاحت تجربته أن يكون أكثر مهنية، مع ما يمتلكه برود إنجليزي وجرأة كامنة، وتعبيرات وجه محايدة. لقد كان حواره مع كل من بدرية البشر وفوزية أبوخالد مؤخرا مميزا في تناول البعد الشخصي في حياة مثقفات سعوديات لهن حضور بارز، وأضاء جوانب مهمة في تجربة كل منهما، ففي حواره مع البشر تناول جوانب غير معتادة من الحياة الاجتماعية والعملية في سيرتها، فقد وصفت للمشاهد شيئا من حياتها الصحفية في أول مكتب نسائي في صحفنا بعيد عن مركز الجريدة، وكيفية إرسال المواد الصحفية، وكتابة التقارير والحوارات الصحفية، والصعوبات الكثيرة، وطريقة النقل للعمل والعودة للمنزل.. ونظرات الأقارب والمجتمع، ورؤية سيارة وسائق الجريدة يقف عند المنزل، وكلام الأقارب، وقصة زيارة مطبعة الجريدة، مشاهد متعددة تصور شيئا من حياة المرأة التي انخرطت في عمل غير مألوف في تلك المرحلة. في لقاء آخر استضاف العلياني فوزية أبو خالد وتجربة شعرية وكتابية وأكاديمية عريضة، مع بروز مبكرا جدا وعميق في المشهد الثقافي. جاء حضورها في الحوار مميزا وشفافا في عرض جوانب مهمة من حياتها.. والاتجاهات الفكرية التي تأثرت وتفاعلت معها، مع محاولة الحفاظ على استقلالية المثقف والكاتب الضرورية التي تفرض عليه عدم الانجراف إلى تيار معين، فكما تقول “بأنه يهمها استقلالها الفكري وكمبدع، وما كنت أبغى أتسلسل بمقولات ومواقف حزبية” وهذا لا يمنع أن تلتقي مع بعض الأفكار التقدمية، ويبدو أن هذه التجربة الثرية هي التي جعلتها أبرز كاتبة سعودية في الشأن السياسي والهموم العربية مبكرا. واختارت رسالة الدكتوراه بأن تكون عن المرأة والخطاب السياسي. عرض الحوار شيئا من تجرتها الكتابية الطويلة في صحافتنا، وإيقافها بعد مقال شهير لها “في الصيف ضيعت البترول”، وكشفت بدون ادعاءات نضالية استعراضية حكاية المنع من السفر والكتابة وتعطيلها عن عملها الأكاديمي لسنوات طويلة وحكاية عودتها، وأشارت بتقدير إلى تجربتها وانخراطها بمنظمة الطلبة العرب وترى أنها “أعادت الاعتبار للطريقة التي ننتمي فيها لأوطاننا”، وتحدثت عن القسم في الجامعة الذي شاركت في مرحلة تأسيسه.. ثم بذل جهدا كبيرا لتنويمه في الثمانيات مع صراعات تلك المرحلة وتحويله إلى شبه مدرسة.. ثم يبذل الآن جهدا كبيرا لإيقاظه. أعجبني جوابها عن مستوى الحرية والجرأة حول تجربة الكتابة مع كل من فهد الحارثي وعبدالله مناع كرؤساء تحرير بأن “اللحظة التاريخية تعمل منا جريئين أو تعمل منا غير جريئين” ويبدو لي أن هذه اللحظات التاريخية لا تتشكل بدون مبادرات ذاتية.







 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 03, 2014 15:10

عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.