عامل الزمن في دعشنة السياسة
مع استمرار الثورة السورية بدون أفق للحل، والحديث عن عراق ما بعد 9/ 6/ 2014، لم يعد للقوى المؤثرة في المنطقة حاليا قدرة على الحسم، وإعادة الأوضاع إلى حالتها السابقة. وإذا كانت إطالة زمن الصراع تبدو هدفا في بعض المراحل لبعض القوى الإقليمية والدولية من أجل الاستنزاف وإنهاك كل طرف،
مع استمرار الثورة السورية بدون أفق للحل، والحديث عن عراق ما بعد 9/ 6/ 2014، لم يعد للقوى المؤثرة في المنطقة حاليا قدرة على الحسم، وإعادة الأوضاع إلى حالتها السابقة. وإذا كانت إطالة زمن الصراع تبدو هدفا في بعض المراحل لبعض القوى الإقليمية والدولية من أجل الاستنزاف وإنهاك كل طرف، حيث كان مفيدا لتحقيق بعض أهداف القوى المؤثرة في المنطقة من أجل مساومات وضغط لفرض تنازلات لم تكن ممكنة، ولهذا جاء نمو تنظيم داعش المتأخر في بدايات العام الماضي بهذه السرعة والتمدد كإحدى أدوات الصراع، ومن الصعب تصور تضخمه بدون مؤثر آخر من خارجه لصالح أكثر من طرف.
قد تبدو تحركات مثل هذه التنظيمات المسلحة مستقلة بعض الشيء، فمن يتوهم أن القول بالاختراق يلزم أن يكون عبر إدارة كاملة للتنظيم من داخله، وتمويل مباشر من دول فهو لا يعرف طبيعة العمل الاستخباراتي الدولي وأساليبه، واحترازه من التورط بالتعامل مباشرة مع أي تنظيم. لأن هناك العديد من الحيل التي تحقق له هدفه دون أن يتورط بتعاون مباشر معها. إن مجرد إتاحة الفرصة لهذه التنظيمات بالحركة، وترك بعض مساحات الحرية لها، وخدمتها بأساليب دعائية متنوعة يكفي لتحقيق المطلوب. التآمر لا يعني بالضرورة الجلوس على طاولة واحدة والتنسيق، فمجرد إطلاق سجناء محددين، وإعطائهم الفرصة للتحرك، أو توفير معرفات ومقاطع دعائية لها من معرفات وهمية بالآلاف يحقق الكثير من الأهداف بسهولة.
يبدو عامل الزمن مؤثرا في مسار المعارك في أي صراع، ولهذا كان لمختلف القوى الإقليمية والدولية في الثورة السورية مصلحة من إطالة أمد الصراع في البدايات، لإضعاف مختلف أطراف الصراع قبل طرح أي حلول، لكن ما حدث الآن هو أن الحل المتوهم بدأ يبتعد شيئا فشيئا، لخدمة تنظيمات مسلحة أنشئت كأدوات في الصراع لتصنع واقعا آخر له ضريبته على المنطقة.
لم يعد توقع أي مسار للأحداث خلال المرحلة المقبلة ممكنا. الشيء الذي يبدو مؤكدا اليوم هو أن عامل الزمن أخذ يطول جدا لصالح هذه التنظيمات المسلحة. خطورة مثل تنظيم داعش وغيره على دول الجوار مباشرة يبدو مبالغا فيه مهما كانت قوتها، الخطورة الحقيقية تكمن في أنها تورط أجيالا شبابية جديدة في مسارات سياسية خاطئة مع حالات اليأس بأفق سياسي عربي معتدل. كل يوم يمر هو في الواقع لصالح تسويق الدعشنة السياسية في عالمنا العربي، وهو استنزاف للأجيال تشارك فيه بعض الأنظمة. إن إطالة أمد الصراع تبدو في خدمة هذا الاتجاه، مع توفر أدوات الاتصال اللا محدودة كقوة تسويق لوعي غير عقلاني يختلط فيه المصدر الحقيقي بالمصطنع، فعندما تنشر خريطة تُتداول عبر الإنترنت يُزعم أن داعش قامت بنشرها، وهي تظهر مساحات واسعة من أفريقيا وآسيا برايات سوداء، لتمثل الطموح الداعشي، وما تشكله مثل هذه الصورة المجهولة من إغراء قد يداعب أوهام بسطاء صغار.
إن الحضور المكثف لهذه التنظيمات بالإعلام بكل أدواته، وأخبارها على مدار الساعة، هو أكبر مؤثر على بعض الناشئة لتوريطهم ببعض الأوهام، وهو أكثر تأثيرا من كلام واعظ أو داعية ديني هنا أو هناك، أو بضعة أسطر مقتطفة من كتاب أو فتوى. الخطورة الحقيقية في الزخم الذي يوفره الإنترنت اليوم، كأكبر مؤثر تختلط فيه الحقائق بالمعلومات المصطنعة بيد استخبارات دول وأنظمة.
أشار الكاتب مأمون الحاج قبل أيام في جريدة السفير إلى أنه «بالبحث عن كلمة «داعش» على «يوتيوب»، يصل عدد النتائج إلى نحو ثلاثة ملايين فيديو. وبالبحث عن عبارة ISIS ـ المعادل الإنكليزي المتداول لـ «دولة الإسلام في العراق والشام» ـ يصل عدد النتائج إلى نحو المليون وربع المليون. في المقابل، يفضي البحث عن الاسم الكامل للتنظيم على الموقع نفسه، سواء بالعربيّة أو الإنكليزيّة، إلى نتائج لا تزيد عن ثمانين ألف شريط».
ويرى أنه يمكن تفسير هذا التباين الكبير «بأنّ تنظيم «داعش» ومناصروه، يرفضون الإشارة إليه وفقا للاختصار. ما يعني أنّ تلك المقاطع التي تحمل تسمية عبارة «دولة الإسلام في العراق والشام»، ينشرها على الأغلب جهاز «داعش» الإعلامي، إضافة إلى مناصريه». إن تسويق هذا الوعي يتم بيد من يفترض أنهم خصوم لهذا الفكر أكثر من مؤيديه. هذه المفارقة جزء منها عفوي بسبب عامل الزمن، وجزء منها مقصود ومتعمد ممن يرغبون استمرار دعشنة أجواء السياسية العربية بلا نهاية!
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
