عبد العزيز الخضر's Blog, page 10
April 26, 2014
عضو الشورى: فضل عدم ذكر اسمه!
تحولات كبرى مر بها مجتمعنا بين دورة مجلس الشورى الأولى ودورته السادسة الحالية، فقد خلقت تطورات الإعلام وعيا اجتماعيا مختلفا عن بدايات التسعينات الماضية. ومع نشوء أجيال جديدة تأثرت كثيرا الرؤية لطبيعة المجلس ودوره التنموي.
تحولات كبرى مر بها مجتمعنا بين دورة مجلس الشورى الأولى ودورته السادسة الحالية، فقد خلقت تطورات الإعلام وعيا اجتماعيا مختلفا عن بدايات التسعينات الماضية. ومع نشوء أجيال جديدة تأثرت كثيرا الرؤية لطبيعة المجلس ودوره التنموي. لم يعد نقد مجلس الشورى ودوره مثيرا في الصحافة وغيرها، فقد أصبح إحدى الجهات الأساسية التي يوجه لها اللوم، وتحميله مسؤوليات أشياء ليس له علاقة بها. وتزايدت هذه الانطباعات السلبية مع الإعلام الجديد، فقد أصبح المجلس أبرز الجهات للفضفضة الشعبية. لا يفرق هذا النقد العشوائي بين تقصير المجلس وأعضائه في أداء مهمتهم داخل الحدود المتاحة في النظام، وبين الموقف من المجلس نفسه ومدى الحاجة لنقلة جديدة لدوره، وطريقة اختيار أعضائه، فتحميل الأعضاء مسوؤليات تطويرية ليست من صلاحياتهم يبدو نقدا خارج الموضوع.
تبدو إشكالية التعامل مع الإعلام ظاهرة عند أغلب المؤسسات الحكومية والوزارات، وما يبدو مفهوما عند بعض الجهات المشغولة بمشكلاتها ومشاريعها والصعوبات التي تواجهها على أرض الواقع، ليس مفهوما عند جهة يبدو فيها التواصل مع المجتمع عبر عدة وسائل، أهمها الإعلام من الأوليات لأداء أفضل، ولفهم هموم المواطن ومشكلاته والتخفيف من حدة الانطباعات السلبية الشعبية، والتمهيد لأي تطور مستقبلي للمجلس. الإشارة لإشكالية التواصل هنا لا تعني عدم وجوده، لأن أي مؤسسة حكومية لديها مستوى معين من التواصل مع المجتمع من خلال إدارات العلاقات العامة وغيرها. القضية هي حول كفاءة هذا التواصل وفعاليته. هناك شعور يتزايد من داخل المجلس بهذه الأهمية، ويبدو أن بعض القضايا التي أثيرت في الإعلام الجديد في السنوات الأخيرة تشكل ضغطا بأهمية تفعيل هذا الجانب بطرق غير تقليدية.
تعرض القناة الأولى منذ سنوات عديدة نهاية كل أسبوع ملخصا لجلسات النقاش، لم تنجح هذه التجربة في تحقيق التفاعل معه، لأسباب عديدة، أحدها طبيعة الموضوعات المطروحة المتخصصة، ومنها ضعف ثقة المشاهد بالمواد المسجلة، وشعوره بأن الأهم بالنسبة إليه قد يكون محذوفا. وما زال هناك تردد حول قضية النقل المباشر.
يظهر عدد من أعضاء الشورى في الإعلام، ويشاركون في القضايا العامة والسجالات التي تطرح، تبدو الإشكالية عادة في ظهور هذا العضو أو ذاك في السجال حول قضايا متصلة بالمجلس وعمله والنقد الذي يوجه له، فيأتي أحيانا الظهور مرتبكا..حيث يتخفى العضو بعبارة «فضل عدم ذكر اسمه». لماذا يخفي عضو الشورى اسمه الحقيقي؟ وقد لاحظت هذا منذ سنوات عديدة عندما يكون التصريح للإعلام الأجنبي والباحثين الأجانب، فمن النادر أن يذكر في هذه الحالة العضو اسمه، وهو ما يفقد النقل مصداقيته ويضعفه، ويخلق انطباعا بأن هناك تقييدا لحرية التعبير أدى إلى هذا الإخفاء. قد يبرر خوف العضو من ردة الفعل العامة حول بعض القضايا الساخنة لكنها نادرة جدا، في الواقع هناك عدد من القضايا لا علاقة لها بهذه الصراعات الأيديولوجية، ومع ذلك يخفي العضو اسمه، فهل هناك عدم وضوح للأعضاء في طبيعة مشاركتهم وحدودها والحرية المتاحة لهم للتصريح والحديث الإعلامي، أم هو مجرد تحفظ احتياطي للتخلي عن المسؤولية فيما لو حدثت ردة فعل إعلامية أو رسمية؟ ما هو شعور المواطن عندما يجد هذا العضو المجهول يتحدث عن عمله بدون اسمه الحقيقي؟ لماذا لا يتحمل مسوؤلية طرحه وتصريحاته؟ وكيف ستتم مناقشة عضو مجهول في هذه القضية أو تلك؟ المشكلة أن هذا الأسلوب قد يساعد الصحف، ومنها الصحف الالكترونية في فبركة أخبار وتصريحات غير حقيقية. مؤخرا لفت نظري حساب جديد في تويتر متميز (shuwra_gm@) باسم مجلس الشورى، ليس رسميا. قدم تغريدات حديثة جيدة ومعلومات مفيدة خلال هذا الشهر. وقد أشار للمشكلة الإعلامية، ومنها عدم وجود صحفيين برلمانيين، وأن هناك خطة إعلامية متكاملة من داخل المجلس سيعلن عنها قريبا، وأشار في إحدى التغريدات لهذه المشكلة «أحيانا تنشر بعض الصحف تصريحا منسوبا لمصدر مطلع أو مصدر مسؤول رفيع المستوى بالشورى، ولكن لا تشير لاسمه، وفي الغالب هذه فبركة صحفية»، المشكلة أن هذا الحساب نفسه فضل عدم ذكر اسمه، فلم تتبنه شخصية معروفة، وقد كتب في البايو «هذا ليس الحساب الرسمي للمجلس ولا يمثل رأي المجلس، بل هو محاولة اجتهادية لنقل نبض المجلس، يسجله بعض أعضاء المجلس كرؤية شخصية».
April 19, 2014
كيف نرى العالم العربي اليوم؟
العالم العربي اليوم ليس هو ما تعرضه قناة الجزيرة أو قناة العربية، وليس هو ما تقدمه القنوات العربية الرسمية بتحفظها وتقليديتها، وليس هو كل ما يعبر عنه في الإعلام الجديد
العالم العربي اليوم ليس هو ما تعرضه قناة الجزيرة أو قناة العربية، وليس هو ما تقدمه القنوات العربية الرسمية بتحفظها وتقليديتها، وليس هو كل ما يعبر عنه في الإعلام الجديد.. هو أكبر من كل هذا. مع حالات فقدان السيطرة السياسية على متغيرات الواقع المتزايدة، بدأنا نفقد القدرة على ما هو أهم، وهو تصورنا لهذا الواقع الجديد وفهمه، ولهذا ترتكب كثير من الأخطاء وما زالت، وما تتوقع أنه موقف صائب، وقرار حكيم الآن.. قد يظهر لك حجم خطئه في مرحلة تالية. مشكلة هذه التحولات أننا لم نعد أمام مفاجأة واحدة وانتهت، وإنما سلسلة من المفاجآت المفتوحة زمنيا لسنوات لا يمكن التنبؤ بأفقها، وهذا يجعلنا بحاجة لتفكير سياسي مختلف، ورؤية تتجاوز الأدوات القديمة. يتغير العالم العربي ويودع أزمنة مضت.. ولم تتغير كتابة النخب العربية عنه، بالإصرار على اجترار الآراء. تأخر عالمنا العربي بالخروج من أزمنة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم غرق في أجواء الحرب الباردة.. ولم يستطع الخروج منها.. إلا على انهيارات ظهرت متأخرة، لكنها كانت بادية في تكدس الأزمات وتراكمها.
كيف نفكر سياسيا بالعالم العربي.. انتصرت الواقعية السياسية عند أكثر من مرحلة على شعارات النضال والتقدمية وفقدت بريقها.. لكن بعد أكثر من عقدين أصبحت هذه الواقعية ذاتها في مأزق، وبحاجة إلى تقييم جديد، فهي تناسب حالات مستقرة جدا بمعناها الإيجابي، أو حتى حالات جامدة. الواقعية تبدو اليوم في مأزق لأن الواقع نفسه كما يقول عبدالله العروي «في تحول دائم. وهنا يكمن سر مأساة (الواقعيين) في كل زمان ومكان».
كان أحد مقومات المناعة لأكثر من نصف قرن عند دول الخليج هو التمييز الشعبي والرسمي بين ظروفهم وطبيعة مجتمعاتهم وعزلها عن كوارث تحولات العسكر منذ الخمسينات العربية، ونقلت دول عربية إلى ذيل تخلف شديد، وقد كانت مهيأة أكثر للتقدم من نمور آسيوية الآن. ولهذا مع التداخل الإعلامي الذي فرضته المتغيرات تأثرت قدرة هذا العزل، ليس بسبب هذه التطورات في الاتصال فقط، وإنما أيضا في عدم القدرة على خلق تصورات سياسية تناسب المرحلة وتحتفظ بتراكم التجربة الخاصة.
ينشغل السياسي باستمرار بمواقف وخصومات تفرضها متغيرات لحظية، واجتهادات مرحلية من أجل الاستقرار، وتدعمه أيضا نخب إعلامية وفكرية تفرضها طبيعة الصراع ويبدو مفهوما في حالات كثيرة والمهم أن يحقق فعلا هذه القيمة النبيلة وهي الاستقرار.. لكن في هذا الواقع المربك ربما نكون أشد حاجة للتنوع ورؤية زاويا أخرى، والإفراط في تصوير الرؤية الأخرى في تقدير مصلحة الوطن بأنها مشاغبة أو استعراضية نضالية، سيعطل تعمق تصورنا للواقع، وتحقيق ما ننشده.
كثير من المقولات القديمة عن واقعنا تبدو بحاجة للتحديث، فالعالم العربي الذي في ذهننا لم يعد موجودا، وما هو موجود لم يعد صالحا للتعميم بمقولات شمولية، والشعوب حتى وإن كنت ما زلت تؤمن بتخلفها، أو ترى أن هناك مصلحة من التأكيد عليها فهي حتما ليست هي نفسها قبل عقود قليلة. تبدو مشكلة المتغيرات اليوم أنها لم يعد يمكن اختزالها بمقولات جاهزة، فمع بقاء كثير من علل العالم العربي فعلا وتظهرها الأزمات، فإن جهازنا المفاهيمي غير قادر على تطوير واكتشاف ما الجديد فعلا واستباقه، وكيف ولماذا حدث هذا، وكيف نتعامل معه؟
في الماضي كانت القوى المؤثرة واضحة ومحددة وقادرة على الحسم، والآن يبدو ذلك.. لكنها ليست بتلك الكفاءة، بما فيها قوة عظمى كالولايات المتحدة، يكتب روبرت كابلان عن تأثير واشنطن وبأن «المفهوم الذي يروّج له عدد كبير من المعلّقين، بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤول بطريقة ما عن هذه الفوضى التي تنتشر أمام ناظرَيه، فلا يمكن أخذه على محمل الجد، لأنه ينطلق من الافتراض بأن لواشنطن تأثيراً أكبر بكثير من ذاك الذي تمارسه فعلياً على الأرض في مجتمعات إسلامية متباينة ومعقّدة وذات كثافة سكّانية عالية. فمثلما انهارت الكتلة الشرقية بسبب الضغوط الداخلية على وجه الخصوص، وليس بسبب القرارات التي اتّخذها الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريجان، تطوّرت الأحداث في العالم العربي بدفع داخلي إلى حد كبير، وليس بقرار اتّخذه أوباما».
April 12, 2014
9 مساء.. وتشوهات اليوم السعودي
تراكمت منذ الثمانينات عوامل مختلفة جعلت اليوم السعودي مشوها وممطوطا بلا ضوابط يمتد إلى ما يقارب 18 ساعة، يختلط فيه العملي بالاجتماعي
تراكمت منذ الثمانينات عوامل مختلفة جعلت اليوم السعودي مشوها وممطوطا بلا ضوابط يمتد إلى ما يقارب 18 ساعة، يختلط فيه العملي بالاجتماعي. أصبح في اليوم يوم آخر زائد ملتصق به بصورة لا علاقة لها بعادات الماضي والأجداد، ولا عصر الصناعة والحداثة والاقتصاد المنتج. يومنا مشوه لا يعرف ذروة نشاطه العملي والاجتماعي ولا خموله.. نشأت عليه أجيال لأكثر من ثلاثة عقود، كأحد أمراض النفط وإداراتنا المحافظة التي اشتبكت في حياتنا دون أن نشعر بما هو طبيعي وما هو غير ذلك. لا تدل هذه الساعات الممتدة من بدايات النهار إلى بعد منتصف الليل على مجتمع منتج، يعمل بالليل والنهار ويسابق العصر. ومع هذا اليوم المشوه الذي تتداخل بداياته ونهاياته بصورة فوضوية.. تبدو النصائح بأخطار السهر وحث الأسر والشباب على تجنب ذلك كلاما عبثيا ومنفصلا عن الواقع.
أصبح هذا التشوه الزمني الذي نشأت عليه أجيال بحاجة لحشد المبررات لإقناع نخب وشخصيات جادة لا ترى الخطأ وضرورة مواجهته. وأخذ بعضهم يتوهم أن السبب لهذا الانزياح الليلي واختراع يوم آخر في مجتمعاتنا ويفضله الناس لقضاء الحاجات والترفيه الاجتماعي، هي قضية عدم وجود جو أوروبي! وليس انزياحا تدريجيا لا علاقة له بالطقس فرضته أخطاء متراكمه نحب تأجيلها ولا نواجهها مباشرة. من الخطأ أن نواجه المشكلة بمبررات هامشية تؤثر على رؤيتنا لعمق الأزمة الحضارية بالإشارة لموضوع ترشيد الكهرباء أو مجرد توظيف شريحة معينة.. أو الحديث عن جوانب تشتت الوعي بحقيقة التحدي الذي نواجهه. القضية ليست مشكلة فئة أو جهة أو وزارة أو مسؤول نحمله القضية، هي مشكلة مجتمع كامل ومسؤولية كل مواطن ليتفهمها.. ولن يكون ذلك إذا جئت تفهمها بعقلية الصراع بين تيارات، أو توهم أنك مع جهة حامية لمكتسبات تاريخية قيمية أو نفعية وآخر ضدها.
لا يشعر الموظف الحكومي أو موظف القطاع الخاص بدوام واحد نهاري، أو الطالب.. بحجم المشكلة وحقيقتها، وبالعكس هو يرى أن الوضع مريح له فبعد أن يأخذ «بريكه» اليومي بين الأكل والنوم الطويل الذي قد يمتد ليصل أحيانا إلى خمس ساعات فيصحو قريبا من المغرب أو بعده، وبعد أن يستيقظ يريد أن يجد يوما ليليا آخر أمامه، والكل جاهز لاستقبال سعادته، وقضاء حاجاته بين المولات والأسواق والمطاعم، وترفيهه بـ«ويك إند» يومي، قبل أن يعود إلى النوم المتأخر جدا قريبا من الفجر. ثم بعد وقت قصير عليه أن يصحو نهارا لأهم ساعات العمل وطلب العلم وهو لم يأخذ كفاية من النوم، مجهد ومكتئب ويعمل بدون نفس بلا حيوية وإبداع. هذه الدورة الخاطئة لم تأت فجأة وإنما بتدرج زمني جعلته أمرا عاديا، وأخرج فئة أخرى من المواطنين والشاب المبتدئ من سوق العمل والنشاط الاقتصادي الواسع لصالح أصحاب رؤس الأموال الكبيرة القادر على جذب آلاف العمالة لشغل أي زمن يريده أصحاب اليوم الليلي. فلن يستطيع الشاب إدارة حتى مجرد بقالة يملكها لمثل هذا اليوم الممتد من الصباح إلى منتصف الليل، وماذا يبقى لحياته الاجتماعية؟
لهذا يبدو قرار إغلاق المحلات الساعة التاسعة المرتقب قرارا ثوريا في التنمية وإصلاح المجتمع، وستتحقق فيه المصالح الشرعية والدنيوية للقضاء على هذا اليوم الليلي، وتسبب في قتل ساعات العمل الصباحي الأهم في كل المجتمعات. ولو تم تنفيذ هذا القرار بحزم لانقلبت تدريجيا كثير من العادات الاجتماعية السيئة.. وتحسنت بيئة العمل والدراسة والحركة الاقتصادية المركزة في وقت ذروة محدد دون تشتت.
أشارت بعض التقارير الصحفية ومنها في يوم الأربعاء الماضي في جريدة الحياة إلى مشكلة الوقت بين صلاة المغرب والعشاء وأن رجال الأعمال قد يضطرون للإغلاق قبل هذا الوقت، وكانت لجنة من وزارات العمل، والتجارة، والشؤون البلدية، والشؤون الإسلامية، والكهرباء، وهيئة الأمر بالمعروف أوصت بتعديل أوقات العمل في محلات التجزئة وقطاعات البيع في المملكة، من دون إشارة لطريقة معالجة هذا التوقف، ولا شك أن من أهم عوامل ترحيل الأعمال ليلا في حياتنا هو هذا السبب، وقد شرحت تاريخ هذه المشكلة وتحولاتها وقدمت اقتراحا لوزارة الشؤون الإسلامية في مقال قديم 6 نوفمبر 2006 بعنوان «نتوقف لأداء الصلاة» في جريدة الشرق الأوسط، وبالرغم من تفهم مسؤول كبير في الوزارة للفكرة عبر اتصاله مشكورا، لم يحدث أي تعديل لأوقات الإقامة بعد الأذان حتى الآن.
April 5, 2014
خسائر الاحتساب الالكتروني
أصبح الخطاب الديني يواجه منذ سنوات ردود الأفعال الشعبية مباشرة على كل كلمة يقولها، وفتوى يدونها واحتساب يقوم به، وأخذ يخسر كثيرا من سلطته الرمزية مع تمدد الفضاء الالكتروني
أصبح الخطاب الديني يواجه منذ سنوات ردود الأفعال الشعبية مباشرة على كل كلمة يقولها، وفتوى يدونها واحتساب يقوم به، وأخذ يخسر كثيرا من سلطته الرمزية مع تمدد الفضاء الالكتروني. بدأت السلطة الدينية في عالمنا العربي تفقد السيطرة على الوعي العام، والقدرة على توجيهه وفق قوالب وآراء محددة، كما خسرت السلطة السياسية قبلها هذه القدرة على تنميط الوعي والتحكم بكل ما تستقبله الشعوب.
مرت سنوات طويلة على حضور الأدوات الإعلامية التقليدية من مطبوعات ومطويات وكاسيت وبرامج.. كان فيها الواعظ والداعية لا يعلم كيف استقبلت رسالته، وما هي مشاعر العامة وردة فعلهم. كان الكاسيت يمر على المستمع دون قدرة على التعليق على محتواه أو الاعتراض على جملة فيه، وكانت الفتوى والمطوية الورقية تمر على الملايين دون أن ترافقها ردة الفعل الشعبية. منذ عقد ونصف لم تستوعب كثير من النخب الدينية والمشتغلين بالدعوة والاحتساب نوعية المتغير الجديد، وأن المستقبل للرسالة أصبح يملك ما يملكه المرسل من أدوات التأثير، ويستطيع بتعليق واحد التشويش على خطابه، وتقديم رسالة معاكسة لخطابه وقد تتفوق عليه، ولم يتنبه المحتسب للأضرار التي قد يتسبب بها في خلق فجوة بين الإنسان العادي وحقيقة التدين وأصول الإسلام ومفاهيمه.
مشكلة ردود الأفعال الآن أنها لم تعد مجرد تعليقات عابرة لفئة تؤيد بقولها “جزاك الله خيرا” “والله يقويكم..” وأخرى تعارض وتنتقد وتسخر. اليوم، بشيء من التأمل، هو: خطاب آخر مضاد، يأتي عبر التعليقات الساخرة، والآراء المتنوعة.. بدرجة اعتراضها، ففي اللحظة التي يتوهم الواعظ والمحتسب أنه يحافظ على سنة أو يدافع عن رؤية فقهية مختلف عليها.. قد يكون سببا دون أن يشعر بهدم ما هو أهم ويفتن آخرين، ويتجرأ سفهاء على أحكام كبرى في الشريعة، بسبب تصورات غير ناضجة لمفهوم إبراء الذمة وحقيقتها. مع مرحلة الإعلام الجديد تشكلت ظروف مختلفة، وأصبحت ردود الفعل أكثر تلقائية وسرعة وإرباكا، وتحولت الأساليب التقليدية في الإنكار والاحتساب عرضة للسخرية والتندر، ونظرا لتزايد ظهور أسماء تمارس هذا الاحتساب الالكتروني، وهي لا تملك الوعي الضروري لهذه المهمة، لم يعد يستطيع البعض التمييز بين الحسابات الحقيقية.. والحسابات الساخرة من الاحتساب، التي تتقمص دورها، وتحولت كثير من الهاشتقات الاحتسابية حول بعض القضايا والأحداث إلى حفلة سخرية وتندر.
في القرن الماضي كانت الأنظمة الناشئة أول من استفاد من الإعلام التقليدي للسيطرة وإحكام القبضة على الرأي العام، وكان التيار الديني آخر من استفاد من هذه الوسائل، وكان التيار السلفي آخر التيارات الإسلامية الذي تقبلها بعد مقاومة طويلة لأسباب فقهية تبدو اليوم شيئا من الماضي، وكانت مشكلة الصورة والموسيقى فقهيا أحد أسبابها. عندما جاءت مرحلة الانترنت كان التيار الديني من أوائل من بادر باستعمالها، ولم ينشغل كثيرا بحكم استعمالها فقهيا. حقق حضوره توسعا عندما كان شكل الانترنت في البدايات بدائيا.. قريبا من شكل الإعلام التقليدي، ولا يتطلب تغييرا حقيقيا في الخطاب والوعي.. وتوهم كثير من النخب الدينية أن الأمر مجرد تحول من وسيلة إرسال إلى أخرى، فلم تعيد ترتيب أولياتها الفقهية، لبناء خطاب آخر لهذه المرحلة. بعد مرور عقد ونصف ومع نضج كفاءة الانترنت وتنوع خياراتها وتطور أدوات الاتصال مؤخرا، فقد بدأت تظهر كثير من الأخطاء وضعف الوعي الديني بهذه المتغيرات، وأصبحت مواقع التواصل واليوتيوب مصيدة لكل خطاب ومحاضرة وموعظة تفتقد للنضج بطبيعة العصر.. وبعضها ترجم إلى لغات أجنبية للسخرية منها.
الحديث هنا ليس عن الخطاب الإسلامي الذي يهتم بالدعوة والتوعية بأصول الإسلام والحث على الصلاة والعبادات والمواعظ الإيمانية وتجنب المنكرات.. فهذه الأعمال لا تستقبل بالسخرية وليست هي المقصودة، وإنما المشكلة تظهر في الخطاب الاحتسابي حول القضايا الاجتماعية والسياسية والحريات الشخصية وقضايا المرأة، فهذا الخطاب يفتقد للحس بالبعد الاجتماعي والتاريخي، ولا تجد له أثرا في صياغة الفتوى والرؤية الفقهية. وقد أصبح الضرر في حالات عديدة من بعض الممارسات الاحتسابية الالكترونية على الإسلام أكبر من المصلحة، ويغالط من يريد أن يختصر المشكلة بوجود فئة شريرة في هذه القناة أو هذا الموقع.. وأسماء معدودة حول كاتب هنا ومسؤول هناك. المتغيرات في حقيقتها تحولات تاريخية كبرى في بنية الوعي والمجتمع تفرض على الجميع بناء خطاب آخر لعصر لم يعد فيه فرق بين المستقبل والمرسل وبين هنا وهناك.
March 29, 2014
مواقف أمريكا: الإدانة والتحليل السياسي
لا يزال الحديث العربي عن مواقف أمريكا يتداخل فيه الهجاء والإدانة بالتحليل السياسي
لا يزال الحديث العربي عن مواقف أمريكا يتداخل فيه الهجاء والإدانة بالتحليل السياسي. تفرض شيطنة أمريكا على الجميع التبرؤ من دعمها، والادعاء بأنها تقف مع الخصم، ومع التحولات الحالية في المنطقة العربية أصبح كل طرف إسلامي أو غير إسلامي يدعي أن أمريكا دعمت الآخر في الصراعات الداخلية عبر الحوارات والسجالات الإعلامية. لا أحد يريد الاعتراف بما هو معلن من المواقف السياسية الأمريكية.. وإنما ينقلك إلى وجود مواقف في الخفاء، ليخترع كل طرف الاستنتاجات التي يحكمها مزاج المرحلة بلا أدلة حقيقية.
وإذا وجد أن المواقف المعلنة، والتصريحات الرسمية تناقض تماما ما يقوله، فإنه يبدأ باستعمال تعبيرات هلامية بالحديث عن الغطاء السياسي، والدعم غير المباشر، والتوجه غير المعلن، وإذا بدأ الموقف في حالات معينة جيدا وواقفا مع حق الشعوب قال لك هي مجرد تمثيلية. من أسباب محاولة التظاهر العربي بخصومة أمريكا لتياراتهم أو أنظمتهم أمام الشارع، وأن أمريكا دائما ضدهم، حتى وإن ثبت أنها دعمتهم في أكثر من حدث سياسي، هو الاعتقاد بأن هذا الادعاء ما زال مربحا في العالم العربي مع أن هذا الجيل ليس هو جيل الخمسينات، لكن هذه اللغة هي امتداد متوارث منذ تلك المرحلة في الخطاب القومي والإسلامي بلا تحسن يذكر.
كثير من الأنظمة العربية منذ أكثر من نصف قرن تاجرت بدعوى خصومة أمريكا لها، مع أن الواقع أثبت في حالات كثيرة أنها ليست كذلك، وأن التفاصيل كشفت عن حالات دعم، وربما يتذكر كثيرون الصدمة التي أحدثها كتاب لعبة الأمم لكوبلاند في زمنه. التيار الإسلامي من أكثر التيارات شكوى من عداوة أمريكا له، ووقوفها ضده حتى وإن جاء بمسار ديمقراطي، هذه الدعوى تأكدت له بعد الحالة الجزائرية في التسعينات والموقف الأمريكي والفرنسي في دعم الانقلابيين. مقابل ذلك جاءت التجربة التركية منذ أكثر من عشر سنوات بعد عام 2002م . في مرحلة الحرب على الإرهاب، والضغط على دول إسلامية للتغيير السياسي جاءت تجربة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الذي تجاوز فيه أخطاء من قبله، وحقق نجاحات اقتصادية مثيرة خلال عقد. كانت تجربة حزب العدالة والتنمية يمكن أن تنتهي سريعا، كما انتهت تجربة حزب الرفاه مع أربكان القصيرة في عام 1997 مع ضغوط الجيش وإجباره على الاستقالة. لقد كان الموقف الأمريكي في العقد الماضي مهما لمنع الجيش التركي من التحرك ضده وإجهاض التجربة، واستقبل أردوغان في البيت الأبيض. المفارقة التي ربما نسيها البعض الآن .. أن الرؤية المحافظة الإسلامية في العالم العربي حينها ترى أن هذا الدعم يأتي في سياق مؤامرة أمريكية لتسويق الإسلام المستنير، مع تهويلات ضخمة ضد الإسلام العصراني أو الأمريكاني!
ليست المشكلة في التعبير عن الرأي حوال مواقف أمريكا وسياستها وإدانة ذلك، لكن الأزمة تبدو عندما تصبح هذه الممارسة لغة التحليلات السياسية في الكتابات والبرامج. يبدو النقد السياسي هجاء عندما لا توجد معايير محددة ومستقرة، وعندما تتداخل الانطباعات والآراء بالمعلومات، فيتحول هذا الخطاب إلى عملية استغباء جماعي مزمن تفرضه يوميا نخب إعلامية وسياسية في عالمنا العربي. فأمريكا تصبح في الوقت نفسه هي التي صنعت الربيع العربي وهي وراء الفوضى في المنطقة، ولتأكيد ذلك يستطيع اختراع الأدلة من أي سطر في كتاب أومقالة أو مقطع في برنامج منذ سنوات طويلة، وفي الوقت نفسه وبالذهنية ذاتها تصبح أمريكا هي الخصم للربيع وهي التي تتآمر عليه لإفساده.
هذه الخيالات تنمو لعدم وعيها بطبيعة السياسة التي لا توجد فيها سياسات ومواقف ثابتة مطلقا، فهي تتغير وفقا لتبدل الأحوال مع تطور الأحداث نفسها، ولهذا ظهرت العديد من المواقف التي تبدو متناقضة .. تقدم أو تراجع حسب التطورات على الأرض. كثير من اللوم والنقد للسياسة الأمريكية يأتي بسبب الخلط العربي في رؤية قدراتها، فمرة تبدو لديهم كأنها قادرة على كل شيء، بمنع هذا الحدث أو ذاك، وأنها المحرك الأول للأحداث.. ومرة تصبح في نظرهم نمرا من ورق، وأنها هزمت وتمرغ جنودها بالتراب هنا وهناك، وفقا للحاجة اللحظية أثناء تطريز المقالات أو الصراخ في البرامج.
March 22, 2014
تقارير "أبدى مغردون..."!
غلطة فادحة هنا
غلطة فادحة هنا.. تعني هاشتاقا ناجحا هناك.. بعدها تبدأ محاولات الاستدراك بالنفي، ولا صحة لذلك، والأمر تحت الدراسة.. من هذا المسؤول أو تلك الشخصية المعبرة عن تيار أو جهة ما. في حالات عدة يبدو الخطأ ليس في صحة الخبر أو زلات اللسان البشرية، وإنما في طريقة التفكير. تحولت الهاشتقات في تويتر إلى قصة موازية لأي حدث، وأحيانا تبدو حدثا بذاته، وأصبحت تغطى عبر تقارير صحفية في مناسبات مختلفة. بعيدا عن الملاحظات الجانبية حول المهنية أو الموضوعية.. فإن بعض التقارير يستوقفك فيها حجم المغالطات.. وكأن الصحفي يظن أن الهاشتاق تقرير ميداني يصعب التأكد من محتواه إلا بجهد وتتبع ميداني، وليس مجرد زر وكلمة لنعرف ماذا أبدى هؤلاء المغردون.. وهل التقرير معبر عن روح التفاعل وفقا لمعايير هذا الفضاء!؟ وإذا تجاوزنا تقارير تعبئة الفراغات، وتمشية الحال التي يطلبها العمل الصحفي، فالمشكلة أن بعضها يعبر إما عن سذاجة في فهم فضاء تويتر أو محاولة تذاكي ومغالطة لتصوير الواقع بغير حقيقته على طريقة «وقد أبدى مغردون في هذا الهاشتاق استياءهم حول هذه القضية..»، «مغردون يتعاطفون...»، «مغردون يطالبون...» إلخ.
تبدو الرداءة المهنية في أسوأ مظاهرها عندما يكون التقرير المعد والهاشتاق من مصدر واحد لمغردين تربطه علاقة بهم، لإنعاش هاشتاقهم في عمليات تنفس صناعي والدعاية له. تستطيع بعشرة مُعرِّفات أن تغرد بموضوع معين فيه نكاية أو مدح لجهة أو شخص، وأن تحصل على بضع مغردين عابري سبيل، ثم تكتب عنه تقرير بأسلوب «أبدى مغردون...» مع أنه ليس كل ما «أبدى مغردون...» معتبرا وفق معايير هذا الفضاء، وليس كل هاشتاق له قيمة. في تويتر عدد لا يمكن حصره من الهاشتقات الميتة جدا، ومجرد وجود عنوان محدد لهاشتاق، لا يسمح لنا بأن نقدم انطباعات عامة ونبني نتائج ونعطي أحكاما عن وعي المجتمع أو رؤية تيار أو جهات معينة، بدون استحضار معطيات ضرورية لخلق رؤية واقعية ومتزنة.
وحتى ذلك الكاتب أو المثقف الذي من المفترض أن يكون واعيا بهذه التفاصيل، إلا أنه من أجل معارك جانبية شخصية.. يقدم نفسه كبريء وكأنه «ما يدري»، فيبدي استياءه من أوضاعنا والجهل؛ لأنه وجد هاشتاقا ميتا لشخص أحمق، أو مُعَرِّف يتحامق..! الهاشتاق ليس بحاجة إلى ترخيص ورقم..حتى يتظاهر بصدمة متكلفة من وجوده، أو يظهر تعجبا استعباطيا وكأنه أمر لا يصدق! ومع ذلك تجده يشارك في تسويق هاشتاقات مضرة بالوعي.. وهو يتباكى على الوعي العام. في حالات كثيرة يكون عنوان الهاشتاق مختلفا عن مضمونه ومحتواها مناقضا لما يريده من وضعه في البداية، وأذكر أن هاشتاقا متطرفا وضع ليتعاطف مع عملية تفجير استهدفت مستشفى العرضي في اليمن، وتعامل معه مثقف بهذا الأسلوب المباشر من عنوانه.. لكن عندما تعود لمطالعة المحتوى ستجد أن الرأي السائد من المغردين هو إدانة قوية للحدث.
إن وضع عنوان لافت للهاشتاق ومتطرف أو مثير أحيانا هو وسيلة من وسائل شهرته يضطر لها المغرد، ويبدو عنوان الهاشتاق أحيانا كتغريدة بذاته، فيعبر عن فكرته بجملة. لكل هاشتاق عمر خاص فهناك الناجح على مستوى العام كله وحقق شهرة كبيرة، وهناك الناجح على مدى زمني أقل في الشهر أو الأسبوع، وأحيانا ينجح الهاشتاق خلال ساعات معدودة ويحقق متابعة كبيرة، ثم تأتي محاولات أخرى لتشتيته وتغيير اتجاهه عبر الإغراق لكن بعد أن يكون حقق هدفه.. وانصرف عنه المتابعون.
عندما يفرض محتوى هاشتاق نفسه بقوة، ويصبح قضية رأي عام، يطرح بعض أصحاب الرؤى التقليدية بأنه من جهات أجنبية أو مشبوهة، وكأن إنشاء الهاشتاق صفقة معقدة، في هذا الفضاء لا يهم عادة من وضع الهاشتاق فهو ليس منتدى الكتروني يتحكم فيه من وضعه، الغالبية لا تهتم بمن وضع هذا الهاشتاق أو ذاك، فمن وضع هاشتاق «متصدر لا تكلمني» هو مشجع هلالي.
كثير من المعلومات والأرقام التويترية ليس لها معنى ومضللة، بدون خبرة ووعي بالمحتوى وقدرة تحليلية على تفسير ظواهر كثيرة. الزمن التويتري مكثف وقصير جدا، لكنه يتكرر ويعيد نفسه باستمرار، قوته في عشوائيته في غرس رسائله في توجيه الرأي العام، وباهت ومكشوف عندما يكون موجها في بعض حالاته.
March 15, 2014
العودة لدور المثقف
بدأت تعود لمعارض الكتب ودور النشر حيويتها في التنوع الثقافي بعد أن ابتلع الهم السياسي اليومي كل الأنشطة الذهنية، وسيطرت تفاصيله على كل الحوارات منذ بدايات الربيع العربي، ومع أنها ما زالت حاضرة لكن بقدر أكبر من العقلانية والواقعية، بعد أن كشفت الأحداث عيوبا عميقة في الأداء الثقافي والفكري العربي
بدأت تعود لمعارض الكتب ودور النشر حيويتها في التنوع الثقافي بعد أن ابتلع الهم السياسي اليومي كل الأنشطة الذهنية، وسيطرت تفاصيله على كل الحوارات منذ بدايات الربيع العربي، ومع أنها ما زالت حاضرة لكن بقدر أكبر من العقلانية والواقعية، بعد أن كشفت الأحداث عيوبا عميقة في الأداء الثقافي والفكري العربي.
ما زالت الأجواء العربية في طور التشكل ولم تهدأ بعد، لكن مرور الزمن يخفف عادة من أي صدمة مهما كان حجمها، ولهذا بدأت حالة من التكيف مع الفوضى والغموض الطويل، وأخذ الوعي العام يتخلص من قوة الصدمة ويستعيد وعيه شيئا فشيئا.
مع تزايد تأثير الإعلام الجديد الذي أحدث انقلابا في معادلات التأثير، وكثفت كل وسائل الإعلام من صحافة وفضائيات ومواقع انترنتية في تايم لاين واحد يصممه الفرد بالطريقة التي يريدها، تواصل الحديث عن نهاية المثقف.
ومنذ أكثر من عقد ونصف أخذت هذه الفكرة تكرر بتعبيرات مختلفة تتحدث عن سقوط النخب، وعشق لبريق هذه التعبيرات الرنانة.
وهي تعميمات غير دقيقة، وتفهم بصورة خاطئة، فتأثير الإعلام الجديد الأكبر هو على النخب الرسمية أو النخب التي ظهرت بواسطة تشكلات المؤسسات القديمة في إدارة المجتمع العربي.
وخلط الكثيرون بين ظاهرة الاتساع الأفقي للنخب وتأثيره على طغيان النجم والرمز، وبين الحكم على تأثير المثقف.
وبالقدر الذي تأثر فيه فعلا المثقف المؤسسي، وفقده لمساحات هائلة من التأثير القديم، والانفراد في برمجة المجتمع عندما كان لا يسمع إلا صوته ولا تقرأ إلا سطوره مهما كانت قدراته متواضعة جدا.
اليوم أصبح يواجه عاصفة من التغيير يبحث فيها عن خطابه المفقود.
أما المثقف الذي كان يتعرض للتهميش، وعدم القدرة على وصول رؤيته إلى الجمهور فقد أتاحت له هذه المتغيرات الكثير من الخيارات، وجاذبية شكلية، لأنه غير محسوب على خطابات مؤسسية.
فهذا النوع من المثقفين هو في حالة صعود مع كل تمدد لآليات التواصل الإعلامي، وأخذ مساحات كان المثقف المؤسسي ينفرد بها تاريخيا.
لقد توهم الكثيرون ومع جاذبية تويتر وغيره بأن المثقف صاحب الصنعة الفكرية الثقيلة انتهى تأثيره لصالح المثقف الخفيف والسريع.
والواقع أن المثقف المنتج للأفكار لم ولن ينتهي دوره، فهو تاريخيا لم يكن موجودا في هذه المساحات اللحظية التي خطفها الإعلام الجديد من الإعلام التقليدي، وإنما كان تأثيره في مدى زمني أطول، ولهذا أشرت في برنامج «واجهة الصحافة» على قناة العربية مع بدايات الربيع العربي 2011م إلى أن تأثير المثقف والمحلل سيظل موجودا لكن في المرحلة التالية.
ولم أتفق مع ذلك الحماس في تهميش دوره بسبب هذا الخلط بين المراحل، فالمثقف النشط في مواقع التواصل دوره المؤثر هو لحظي كمشارك في الصراعات والجدل اليومي، مقابل الإعلامي والصحفي المؤسسي.
كل ما قيل عن دور المثقف تاريخيا مرورا بالأزمنة الحديثة بحاجة إلى إعادة تقييم والتفكير بالمساحات الجديدة التي أتيحت له، وكيف نقيس مدى تأثيره، وإلى اين ينتهي.
في الماضي كان يمكن تتبع تطور الأفكار وانتقالها من جيل إلى آخر، لأنها كانت تنتقل ببطء مع الزمن.
إن مجرد التفكير في الفارق بين كلفة وزمن الحصول على المعلومة والأفكار ليس قبل قرون، وإنما قبل سنوات معدودة، مثير للتأمل، ولهذا عليك أن تتصور درجة تأثير المثقف في هذه المرحلة..هذا التأثير يأخذ مستويات عديدة..فهناك المثقف الصانع للأفكار العميقة والخطرة، وهم أقلية عادة، وهناك المثقف الداعية المسوق للأفكار وقد وفرت له منصات الإعلام الجديد ميادين تواصل غير محدودة.
تأثير المثقف يبدأ من اللحظة التي ينتج فيها نصا، ويخلق فيها فكرة، ويرتب فيها رؤية للواقع والتاريخ، لذا تبدو مهمة اختيار المثقف المزيف خاسرة وغير مفيدة للأنظمة التي تعتمد على الولاءات أكثر من القدرات، لأن المثقف المؤسسي يواجه منافسة شرسة جدا، فقدراتهم المتواضعة أدت إلى خسائر هائلة في ساحات الصراع على تكوين الرأي العام منذ أكثر من عقد.
ليس المؤثر الشهرة الحقيقية أو المصطنعة وإنما عوامل أخرى، فالفكرة المؤثرة تعرف طريقها إلى الجمهور وقد تكون بدايتها من شخصيات لا يعرفها إلا فئات محدودة.
المثقف يشتغل في مجال خطر هو الوعي الذي لا تكشفه مخابرات الدول ولا تشعر به الأنظمة إلا بعد أن يتحول إلى فعل مدمر أو معمر في الدول والمجتمعات.
March 8, 2014
الولاية المطلقة والمرأة: منتجات الإدارة بالأحوط
جزء كبير من مشكلات مجتمعنا التي ظهرت مع تحولات التنمية لا علاقة لها ببعض الأوهام حول الثوابت والقيم
جزء كبير من مشكلات مجتمعنا التي ظهرت مع تحولات التنمية لا علاقة لها ببعض الأوهام حول الثوابت والقيم.
العديد من المفاهيم ظهرت من تصورات إدارية تقليدية، وإذا قدر لك التأمل الطويل من داخل عقلية الجهاز الحكومي، ورؤية كيف تصاغ خطاباته وتعميماته، ستكتشف كيف تتوارث التقليدية الحقيقية على أصولها بين أجيال عديدة من المسؤولين.
النص الحكومي في الخطابات بين الموظفين الصغار والكبار، وفي كل القضايا المهمة والتافهة له سمات محددة، بعضها لا بد منه بسبب طبيعة العمل، والآخر يكشف لك نوعية الذكاء الإداري السائد والمتوارث..الذي يبدع في ابتكار (الأحوطيات) التي تحميه كمسؤول، وينزع لأسهل الطرق للسيطرة الإدارية التي تعفيه من الصداع التفصيلي حول قضايا عديدة.
هذه العقلية لا تفكر بنوعية الصعوبات التي تواجه الفرد في المجتمع، بسبب شروطه الأحوطية، بقدر ما تفكر في راحة وحماية الذات من المسؤولية.
الإدارة بالأحوط والبحث عن الأسهل عبر المركزية أحد فنون الإدارة السعودية، ولدت عفويا وبدون وعي أحيانا من ذهنية وعي الحمولة والعشيرة والقبلية في إدارة ذاتها في الماضي، ولهذا تبدو فكرة الكفيل لإدارة الوافد ناتجة من هذا الرؤية الإدارية.
كثيرون يظنون أن الرؤية بالأحوط خاصة بالفقيه التقليدي والواعظ الديني، وليست من صميم وعينا الإداري، فيحولها الواعظ النشط إلى فضيلة يصارع من أجلها!الخلل في تموضع المرأة في مسار التغيير الاجتماعي هو من منتجات هذا الوعي، فعدم التمييز بين ما هو شرعي ومحدد بمسائل معينة فقهيا، وبين التوسع في التقييد بشروط إجرائية (وضعية) حول خدمات وحاجات كثيرة، أسست لها هذه الذهنية الإدارية فبدت كأنها ولاية مطلقة بلا ضوابط.
من المهم أن تؤخذ مشكلاتنا بعقلانية وهدوء فهي لم تخترع في الواقع بسبب مقالات، ولم تصنعها برامج أو مطالبات.
يجب أن يدرك كل من لديه حس بالمسؤولية، أن مجتمعنا اليوم ليس هو مجتمع الأمس، فالمتغير الاقتصادي والتنموي أحدث تغييرا ضخما في هياكل كثيرة داخل المجتمع، ويحتاج فقها واعيا، فقبل تغير وضع المرأة اقتصاديا، فقد تغيرت تركيبة الأسرة، وتلاشت ظاهرة الحمولة الكبيرة داخل سقف منزل واحد.
كثير من مشكلات المرأة اليوم في مجتمعنا لها علاقة بأخطاء البدايات العفوية إداريا، منذ أن كان المجتمع ريفيا إلى أن أصبح مجتمعا أكثر تعقيدا مصابا بكل أمراض الحداثة والعصر والنفط.
عندما ألغت وزارة العمل اشتراط موافقة ولي الأمر، وقد كان نظام العمل القديم ينص على أنه لا يتم توظيف المرأة إلا بأخذ موافقة ولي أمرها، ومع ذلك تمسكت بالنظام القديم بعض الشركات ليس لأنها محافظة على الفضيلة أو وقافة عند حدود النظام القديم، وإنما لأنها تعرف المصلحة الإدارية من هذا الشرط القديم لتحمي مصالحها، فوجود شبه كفيل يساعدها وقت المشكلات التي قد تحدث مستقبلا.
عندما قرأت بعض التعليقات على إلغاء هذا الشرط في حينه، لفت نظري تعليق قارئ معترض أسفل الخبر، يعبر عن طريقة تفكير تربى على هذا الإرث الإداري يقول فيه «يعني الوالد صار طرطور حسبي الله عليكم يا وزارة العمل».
لماذا افترض هذا القارئ الكريم أن والده سيصبح طرطورا عندما يلغى هذا الشرط!؟ مع أن الطرطور الحقيقي هو من لا يستطيع إدارة أسرته وخياراتها..إلا بالاستعانة بقوة الدولة وأنظمتها بمثل هذه الشروط! إذا كانت الأسرة مستقرة بلا مشكلات داخلية مع ولي أمرها..الذي ينشد مصلحتها، وهذا هو الأغلب في المجتمع، فإن وجود مثل هذا الشرط لا يضر ولا ينفع لأنه مجرد ورقة سماح لدراسة أو عمل لا يكون بالسر عادة فهو يتطلب خروجا يوميا، وسيعرف ولي الأمر ذلك دون الحاجة لهذا الخطاب، لكن عندما تكون هناك مشكلات أسرية لنماذج عديدة لا يمكن حصرها، فإن هذا الشرط يجعل من شرط ولي الأمر هنا أكثر تعقيدا، لأنها قد تستغل مثل هذه الأمور كوسائل ضغط في المرحلة التي يكون فيها ولي الأمر في حالة خلافية قد تنتهي بالطلاق..في أي لحظة، فيصبح ولي أمر انتهت شرعيته..لكنه بعد أن يكون فوت فرصة وظيفة محترمة لسيدة بأمس الحاجة لها ولأبنائها.
كثير من الشروط الإدارية تستحق التأمل والمراجعة للحفاظ على قيم المجتمع وتقاليده، فعندما تكون بعض الأنظمة قديمة لا يعني دائما أنها مناسبة دون حوارات ومراجعات نقدية لديها روح المسؤولية الشرعية والتاريخية.
الفضيلة لن يحافظ عليها بمجرد التباكي دون وعي..نتيجة طريقة تفكير تصورت مسارا معينا للخلل الأخلاقي في هذا العصر، ولا يعرف أن هناك مسارات أخرى لهذا الخلل..قد يكون عناده هو أحد أسبابها.
alkhedr.a@makkahnp.com
March 1, 2014
ميول الصحافة السعودية
تنمو الصحافة في كل دولة، وتتشكل شخصيتها، وفقا للظروف التي صنعتها البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
تنمو الصحافة في كل دولة، وتتشكل شخصيتها، وفقا للظروف التي صنعتها البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
الصحافة السعودية كغيرها ذات سمات عامة متقاربة خاصة بها، بسبب الإطار التاريخي الذي نشأت فيه.
في مقابل هذا تبدو مشكلة اللغة التعميمية السائدة قديما لدى الرؤية الشعبية، عندما تضع الصحافة السعودية كلها في سلة واحدة، وتعمم موقف كل جريدة وأسلوبها على جميع الصحف، ويتورط في مثل هذه الرؤية التبسيطية كثير من النخب.
تختلط عند كثير من فئات المجتمع التقليدية الرؤية للصحافة بأنه لا ينشر فيها إلا ما تأذن فيه الحكومة وبين تفاصيل لا علاقة لها بالسماح أو عدمه.
هذه الرؤية لها مبرراتها التاريخية، وفيها جزء من الحقيقة حول قضايا رئيسية، لكنها ليست هكذا حول جوانب تفصيلية أخرى في الثقافة والرياضة والاقتصاد، والقضايا الخدماتية.
منذ زمن حاولت كثيرا في حوارات شخصية شرح هذه الفروقات الموجودة فعليا، مهما كانت الصورة النمطية عنها طاغية، والتي لها مبرراتها.
السبب الرئيس في صعوبة التفريق بين صحيفة وأخرى في مجتمعنا أنها غير مصنفة كما في بعض الدول لأحزاب معارضة وتيارات سياسية معينة، ولهذا سادت هذه اللغة التعميمية منذ عصر الصحافة الورقية.
الأخبار والتغطيات الرسمية تبدو دائما متشابهة، وكانت المانشيتات في الصفحة الأولى متقاربة جدا، وقريبة من روح وكالة الأنباء الرسمية.
لكن هذا التشابه في الملامح الرسمية لا يعني تشابها في كل شيء، فالواقع هناك اختلافات كثيرة بين كل صحيفة وأخرى في استعمال الحرية المتاحة، ومستوى الرقابة لديها، ونوعية الاهتمامات والميول، ودرجة المواقف في بعض الصراعات، ولهذا في مواجهة قضية الحداثة والصحوة كانت هناك درجات مختلفة بين صحيفة وأخرى.
كثير من دعاة الصحوة وجمهورها في الماضي أخذوا مواقف تعميمية من الصحافة منذ البدايات وفي مجملها سلبي، تطورت فيما بعد إلى صحف بعينها تتخذ هدفا في صراعات محددة.
في المجال الرياضي الذي يبدو أكثر وضوحا في هذه المشكلة، استوقفني جزء من برنامج (كورة) مع تركي العجمة على روتانا خليجية، عندما تداخل الإعلامي داود الشريان عبر الهاتف في حديثهم عن اتجاه الصحافة الرياضية، والذي كان فيه اللاعب فهد الهريفي يتحدث بحماس عن طغيان الإعلام الهلالي في الماضي، ووصفه بأنه استعمار، ولأن داود صحفي قدير ومخضرم..توقعت منه أن يصحح مثل هذه الرؤية التعميمية السائدة عن ميول الصحافة، والحديث عن الإعلام الهلالي بصورة مؤامراتية منذ عقود وكأنه يسيطر على جميع الصحف السعودية.
وأخذ يتحدث عن المعاقل الإعلامية، وأنها «لا تسمح لواحد نصرواي يشتغل فيها، يعني كأنها أحزاب مهب صحف هذا الكلام لازم يتغير».
كنت أتمنى ألا يجاري صحفي مخضرم هذه الأوهام، وهي جزء من طبيعة الخطاب النصرواي الذي تشكل منذ السبعينات وله ظروف تاريخية، وقد أحتاج شرح مستقبلا طبيعة هذا الخطاب الذي يجمع بين المظلومية والشراسة والمهارة على فرض الأوهام وكأنها حقائق.
المشكلة هنا في عدم التمييز بين ميول صحافة الوسطى وصحافة الغربية، فإذا كانت الوسطى تميل لصالح فريق الهلال، فإن الغربية ليست كذلك، ولهذا كانت صحف الغربية متميزة بملاحقها ومجلاتها القوية رياضيا في تلك المرحلة، وبالرغم من ميولها لأنديتها إلا أنها تميل أيضا لنادي النصر.
أكثر ما يميز بين صحيفة وأخرى، الفارق بين السقف الرسمي وسقف رئيس التحرير، فالتجربة التاريخية قدمت لنا نماذج عديدة لمساحة التحرك، فجزء كبير من مشكلات الصحافة المحلية ليس لها علاقة بالحريات مع أهميتها، وإنما بمهنية إدارة التحرير، ولهذا نجد أحيانا رفعا للحرية لأسباب وقتية في مجالات معينة، ومع ذلك تفشل العديد من الصحف في الاستفادة من هذه الحرية الموقتة، فتقدم ملفات رديئة..مليئة بالهجاء أكثر منها أعمالا تبقى طويلا في الذاكرة.
القريبون من الوسط الصحفي يعرفون جيدا الفروقات بين سقف كل رئيس تحرير، فما تنشره هذه الصحيفة قد يبدو مستحيلا نشره في الصحيفة الأخرى.
بعض إدارات التحرير طريقة تفكيرهم لا تساعدهم على تقييم المواد، فيبالغون في الحذر، وتشوه بعض الأعمال الصحفية بالحذف والتعديل.
سقف الرقيب هو في حالات كثيرة هلامي، يصعب عمليا تحديده بالمسطرة، لأن طبيعة العمل الصحفي لا تسمح بهذا الجمود.
الإشارة لأهمية التمييز بين الصحف السعودية، ورفع قدراتنا فيه يساعد على نمو وتطور الصحافة والتفريق بين الصحفي الناجح والفاشل، وبين المتحرك والساكن، فهذه التعميمات غير الموضوعية أكثر فائدة للجامدين وفق قوالب معينة.
لكن هذا التمييز لا يصلح استعماله في الدفاع عن رؤية الخارج لصحافتنا المحلية في تغطيتها للأحداث الدولية ومواقفها، فهذه الرؤية الخارجية لها ما يبررها فعلا، فالخارج لا يهمه التفاصيل في المجالات التي أشرنا لها، وإنما المواقف الكبرى في قضايا السياسة والصراعات الدولية.
هذا التعميم صحيح في هذا الحالات، حتى لو لم تكن صحفنا تقوم بدور جريدة أم القرى رسميا.
February 22, 2014
قيادة السيارة أهم من عمل المرأة
أقدر الشعور بالملل عندما تطرح قضية انتهت صلاحيتها الجدلية، وفقد السجال والحوار حولها أي معنى
أقدر الشعور بالملل عندما تطرح قضية انتهت صلاحيتها الجدلية، وفقد السجال والحوار حولها أي معنى
ومع أن القضية تجاوزها الزمن، لكننا لم نتجاوزها في الواقع، حيث ظلت حاجة جوهرية متزايدة، مع تعقيدات الحياة اليومية واتساع المدن، وضغط تكاليف المعيشة لجزء كبير من المجتمع
فشلت كل اختراعات المجتمع في صنع البديل لأحد خيارات التنقل المعطلة داخل المدينة وحتى الحي نفسه!مرور زمن طويل أتلف الكثير من قيمة السجال، فقد حدثت تغيرات مهمة لا علاقة لها بقضايا شعاراتية عن قيمة الانفتاح أو المحافظة، أو مراعاة الرأي العالمي وغيرها من المفاهيم الانطباعية التي لا يمكن القبض عليها بمعيار محدد
بعد أربعة عقود ما الذي تغير حول هذه المسألة؟ عندما طرحت القضية في المرة الأولى بدت وكأنها قضية كمالية، فلم تكن مشكلات تنقل الأسر في السبعينات بين بعض قراباتهم في الأحياء والمدن كما هي الآن
لم تكن المرأة العاملة موجودة بهذا الحجم مع تعليم المرأة المتمدد سنويا، ولهذا كانت مسألة قيادة المرأة جزءا من اللامفكر فيه عند المجتمع في تلك اللحظة التاريخية
وهي اللحظة التي طرحت فيها الفكرة وعارضتها الفتوى الرسمية في أول مرة قبل حضور الصحوة، وعندما أعيد طرحها في الثمانينات كانت الصحوة في لحظة تمدد شعبي زادت من التوتر وحمولة التفسيرات المؤامراتية، ثم جاء حدث التسعينات في أجواء سياسية ودينية مشحونة جدا
ليسود بعدها صمت طويل تخلله بعض الكتابات في الصحف وتلميحات، والمفارقة أن بعضها من كاتبات رأين أننا لسنا بحاجة لها
في مرحلة الانترنت عادت تطرح بين فترة وأخرى في المنتديات، لكن ليس بذاك الحماس لانشغال الرؤية العامة بعديد من المعارك الجديدة، والنقد الديني والسياسي، لأن موجة الانتفاح التقني زادت من عرض المطروح نقديا
مؤخرا أخذ الطرح من نخبة نسائية بعدا خدماتيا مع رؤية ناضجة، بعيدا عن الشعارات النضالية والحروب الكلامية المتبادلة، ودون تسفيه للآراء ووجهات النظر مما أكسب هذا الطرح التقدير والاحترام
حجم الاعتراض أخذ يتضاءل بمرور الوقت، وهو الآن في أدنى حالاته، وحتى التوتر الذي يبدو من أسماء محدودة هو لأسباب أخرى أكثر من هذه المسألة
لم تعد القضية بين تيار محافظ وغير محافظ وفق الرؤية السائدة
جزء من الرؤية التقليدية حافظت على الممانعة، ولضعف المنطق بدأت تلجأ لعبارات مثل «ليست أولوية»، «أشغلتونا عن الأهم»
الممانعة نفسها لم تعد بذلك الحماس القيمي الضخم والمؤامراتي، ولم تعد تفيد أي أحد من أطراف الصراع فالجميع يخسر، لكن أكثر من يخسر من هو بحاجة لمبلغ سنوي يعادل إيجار منزل لتأمين سائق لمجرد تنقلات أسرية قريبة لا تستحق هذه التكاليف
تنقلات لا تتعدى أحيانا دائرة قطرها كيلو مترات محدودة جدا
بهذه التراكمات التاريخية تحولت المسألة إلى ما يشبه العقدة، لكن بعد أربعة عقود حدثت متغيرات كثيرة، بدءا من تحول الأسر الكبيرة إلى أسر صغيرة مع كل حالة زواج للأبناء
لكن أهم متغير إيجابي يخفف كثيرا من السلبيات ولم يكن موجودا قبل ربع قرن، ويعيد الرؤية لمسألة درء المفاسد، وسيؤثر على قرار كل أسرة في اختيار طريقة التنقل، هو حضور التقنية بوجه مختلف مع انتشار الجوال، ليؤمن للأسرة قدرة اتصال في أي لحظة للاطمئنان على الأم والبنت والأخت
لقد جربنا خلال عدة عقود عدم السماح لها، مما جعل بيوت الأغنياء كبيوت متوسطي الحال والفقراء، بوجود غرفة السائق لكل منزل، مع الاستعانة المتزايدة بسائق الليموزين
ماذا سيحدث لو وضع هذا القرار كأحد خيارات التنقل المتاحة لكل أسرة وفق ظروفها
كثيرون من أبناء هذا الجيل ليس لديهم تصور للتطور الاجتماعي لحضور السائق، ولم يعد وجوده الآن يفرق بين أسرة محافظة جدا أو أقل محافظة
أتذكر مع نهايات السبعينات وضعنا في منزلنا بمدينة بريدة غرفة خارجية للسائق الفلبيني، ولندرة المشهد في تلك المرحلة لم يكن يفهم كثيرون هذا المنظر الجديد
وأتذكر وأنا صغير العديد من الأسئلة الطريفة التي كانت تقال لي في الحي أو المدرسة، «وشو الكوري اللي جايبكم»
ظهور الفتاوى المتعلقة بالسائق ومسألة المحرم وانتشارها تأخرت قليلا، بدأت متشددة في الثمانينات، ولم تكن الليموزن بحضورها اليوم
قبول ركوب النساء مع التاكسي هو تغير اجتماعي لافت يستحق قصة أخرى
مع ضغط الواقع تراخى الموقف من السائق بمرور السنين
وظهرت فتاوى تميز بين داخل المدينة وخارجها
للمجتمع طريقته التدرجية والبطيئة في تكييف وضع المرأة في كل شيء، وفيما لو سمح لها باستعمال السيارة، فإن هذا لا يعني من الغد اختفاء السائق، وتضاؤل عدد سيارات الليموزين في الشوارع
سيتناقل محبو الإثارة في إعلام التواصل الاجتماعي صورا لافتة لسيارات فاخرة تقودها فتيات في البدايات مع ندرتها واقعيا
لكن الحقيقة أن كثيرا من النساء الكادحات مع أطفالهن، سيظهرن بسياراتهن المتواضعة في الأحياء الفقيرة بعد أن يوازنّ بين خياراتهن الاقتصادية
السماح مجرد تحويل للقرار من طرف إلى آخر أسري، وهي مسألة فردية وليست عامة كالتعليم وغيره
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
