كيف نرى العالم العربي اليوم؟
العالم العربي اليوم ليس هو ما تعرضه قناة الجزيرة أو قناة العربية، وليس هو ما تقدمه القنوات العربية الرسمية بتحفظها وتقليديتها، وليس هو كل ما يعبر عنه في الإعلام الجديد
العالم العربي اليوم ليس هو ما تعرضه قناة الجزيرة أو قناة العربية، وليس هو ما تقدمه القنوات العربية الرسمية بتحفظها وتقليديتها، وليس هو كل ما يعبر عنه في الإعلام الجديد.. هو أكبر من كل هذا. مع حالات فقدان السيطرة السياسية على متغيرات الواقع المتزايدة، بدأنا نفقد القدرة على ما هو أهم، وهو تصورنا لهذا الواقع الجديد وفهمه، ولهذا ترتكب كثير من الأخطاء وما زالت، وما تتوقع أنه موقف صائب، وقرار حكيم الآن.. قد يظهر لك حجم خطئه في مرحلة تالية. مشكلة هذه التحولات أننا لم نعد أمام مفاجأة واحدة وانتهت، وإنما سلسلة من المفاجآت المفتوحة زمنيا لسنوات لا يمكن التنبؤ بأفقها، وهذا يجعلنا بحاجة لتفكير سياسي مختلف، ورؤية تتجاوز الأدوات القديمة. يتغير العالم العربي ويودع أزمنة مضت.. ولم تتغير كتابة النخب العربية عنه، بالإصرار على اجترار الآراء. تأخر عالمنا العربي بالخروج من أزمنة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم غرق في أجواء الحرب الباردة.. ولم يستطع الخروج منها.. إلا على انهيارات ظهرت متأخرة، لكنها كانت بادية في تكدس الأزمات وتراكمها.
كيف نفكر سياسيا بالعالم العربي.. انتصرت الواقعية السياسية عند أكثر من مرحلة على شعارات النضال والتقدمية وفقدت بريقها.. لكن بعد أكثر من عقدين أصبحت هذه الواقعية ذاتها في مأزق، وبحاجة إلى تقييم جديد، فهي تناسب حالات مستقرة جدا بمعناها الإيجابي، أو حتى حالات جامدة. الواقعية تبدو اليوم في مأزق لأن الواقع نفسه كما يقول عبدالله العروي «في تحول دائم. وهنا يكمن سر مأساة (الواقعيين) في كل زمان ومكان».
كان أحد مقومات المناعة لأكثر من نصف قرن عند دول الخليج هو التمييز الشعبي والرسمي بين ظروفهم وطبيعة مجتمعاتهم وعزلها عن كوارث تحولات العسكر منذ الخمسينات العربية، ونقلت دول عربية إلى ذيل تخلف شديد، وقد كانت مهيأة أكثر للتقدم من نمور آسيوية الآن. ولهذا مع التداخل الإعلامي الذي فرضته المتغيرات تأثرت قدرة هذا العزل، ليس بسبب هذه التطورات في الاتصال فقط، وإنما أيضا في عدم القدرة على خلق تصورات سياسية تناسب المرحلة وتحتفظ بتراكم التجربة الخاصة.
ينشغل السياسي باستمرار بمواقف وخصومات تفرضها متغيرات لحظية، واجتهادات مرحلية من أجل الاستقرار، وتدعمه أيضا نخب إعلامية وفكرية تفرضها طبيعة الصراع ويبدو مفهوما في حالات كثيرة والمهم أن يحقق فعلا هذه القيمة النبيلة وهي الاستقرار.. لكن في هذا الواقع المربك ربما نكون أشد حاجة للتنوع ورؤية زاويا أخرى، والإفراط في تصوير الرؤية الأخرى في تقدير مصلحة الوطن بأنها مشاغبة أو استعراضية نضالية، سيعطل تعمق تصورنا للواقع، وتحقيق ما ننشده.
كثير من المقولات القديمة عن واقعنا تبدو بحاجة للتحديث، فالعالم العربي الذي في ذهننا لم يعد موجودا، وما هو موجود لم يعد صالحا للتعميم بمقولات شمولية، والشعوب حتى وإن كنت ما زلت تؤمن بتخلفها، أو ترى أن هناك مصلحة من التأكيد عليها فهي حتما ليست هي نفسها قبل عقود قليلة. تبدو مشكلة المتغيرات اليوم أنها لم يعد يمكن اختزالها بمقولات جاهزة، فمع بقاء كثير من علل العالم العربي فعلا وتظهرها الأزمات، فإن جهازنا المفاهيمي غير قادر على تطوير واكتشاف ما الجديد فعلا واستباقه، وكيف ولماذا حدث هذا، وكيف نتعامل معه؟
في الماضي كانت القوى المؤثرة واضحة ومحددة وقادرة على الحسم، والآن يبدو ذلك.. لكنها ليست بتلك الكفاءة، بما فيها قوة عظمى كالولايات المتحدة، يكتب روبرت كابلان عن تأثير واشنطن وبأن «المفهوم الذي يروّج له عدد كبير من المعلّقين، بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤول بطريقة ما عن هذه الفوضى التي تنتشر أمام ناظرَيه، فلا يمكن أخذه على محمل الجد، لأنه ينطلق من الافتراض بأن لواشنطن تأثيراً أكبر بكثير من ذاك الذي تمارسه فعلياً على الأرض في مجتمعات إسلامية متباينة ومعقّدة وذات كثافة سكّانية عالية. فمثلما انهارت الكتلة الشرقية بسبب الضغوط الداخلية على وجه الخصوص، وليس بسبب القرارات التي اتّخذها الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريجان، تطوّرت الأحداث في العالم العربي بدفع داخلي إلى حد كبير، وليس بقرار اتّخذه أوباما».
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
