عبد العزيز الخضر's Blog, page 11

February 15, 2014

حجب صحف الكترونية.. بذهنية ورقية


مرور عقد ونصف على دخول الانترنت يعني نشوء أكثر من جيل تغذى وعيه اليومي على هذه الشبكة العالمية بعيوبها ومميزاتها




مرور عقد ونصف على دخول الانترنت يعني نشوء أكثر من جيل تغذى وعيه اليومي على هذه الشبكة العالمية بعيوبها ومميزاتها. ومع كل عام تنقلنا تطوراتها إلى مرحلة مثيرة تبدو فيها الانترنت نفسها قبل عشر سنوات خدمة بدائية. لم تكن أهم ميزة للانترنت خاصة في عالمنا العربي في السهولة، ولا السرعة أو التكلفة، وإنما في قدرتها على إلغاء الرقيب المسبق. إذا ظلت الجهات الرقابية تفكر بذهنية عصر الورق، تدور حول وسائل المنع، والحجب، والتهديد، وهو مؤشر على أزمة تصور لطبيعة العالم التقني الجديد. اليوم قبل التفكير بإجراءات إدارية وتراخيص، نحن بحاجة إلى بناء فلسفة وتصور جديد للرقابة تناسب هذه المعطيات المتسارعة وتأثيرها على ذهنية الفرد والمجتمع. هل أنت مع أو ضد الرقابة، مثل هذه الأسئلة التقليدية يجب أن لا تطرح لأنه لم يعد لها معنى عمليا. عندما تتطور رؤيتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية لمفهوم الرقابة والسيطرة مع طبيعة المرحلة ستصبح أفكارنا الإدارية في مكانها، وتبدو جهود الجهات الرسمية أكثر فعالية فيما يخدم المصلحة العامة. مشكلة الفضاء الالكتروني أن كل قرار تقليدي في مواجهته قد يسهم في صنع مشكلات غير منظورة وأكثر تعقيدا، تخلقها طبيعة هذا الفضاء اللامتناهي في خياراته. فإذا أضعفت جانبا بممارسة التهديد و الحجب فإنه يقوى جانب آخر لم يضعه في الحسبان هذا الرقيب القادم من عصر الخطابات والتعاميم. في العصر الذهبي للمنتديات في التأثير على الرأي العام كانت هناك محاولات عديدة للسيطرة عليها بطرق يدركها المتابع في حينها، وحدثت الكثير من المحاولات لكسر تلقائية هذا الفضاء، لكن في تلك السنوات كان هذا الحصار يصب في مصلحة الـ«فيس بوك» تدريجيا، قبل أن يأتي التحول الضخم والمثير كهجرة جماعية إلى تويتر مع بدايات 2011 وحتى الآن. هذا التجمع في ميدان تويتر جزء منه صنعه الرقيب دون أن يشعر، وهذا لا يعني عدم وجود أسباب أخرى. كثافة هذا التجمع التويتري الذي بدا وكأنه زلزال تأثرت به الكثير من المواقع والصحف والقنوات. يوم الاثنين الماضي نشرت جريدة الحياة أن صحفا الكترونية تواجه عقوبة «الحجب»، وأن «الثقافة والإعلام» حصرت 41 منها غير ملتزمة بالضوابط، داعية الصحف الاكترونية لإصدار تراخيص مزاولة النشاط الإعلامي. وأن الوزارة تتأسف باللجوء إلى «الحجب» في حق كثير من الصحف التي تأخرت وتم منحها مهلة. بموجب اللائحة التنظيمية، ولم يستبعد أن تتجاوز العقوبة الحجب إلى فرض غرامة مالية على مالك الصحيفة بحسب النظام. منذ طرح فكرة اللائحة المنظمة للنشر الالكتروني منذ سنوات، يتبادر للذهن عندما تطالع بعض التصريحات نوعية التصور الرسمي لهذا الفضاء. كيف تقدم نداءات وتهديدات لأسماء الكترونية ليست بحاجة لك، وتستطيع الاستغناء عنك باسم وهمي أو حقيقي، طالما لم تظهر على الأرض كمؤسسة أو منشأة؟ ولهذا لا أفهم لماذا هذا الحرص على أشياء لا تزيد القضية إلا تعقيدا ومسؤوليات يقحم فيها الجانب الرسمي، ويغلف هذا الفضاء بصبغة رسمية دون قدرة حقيقية على ضبطه. قبل سنوات توقعت أن فكرة التسجيل مجرد اختيار وتشجيع لهذه الصحف الهاوية. يبدو أن الوزارة لا تفرق بين الفضاء الافتراضي والواقع. المنتج لأي مادة مرئية أو مكتوبة أو مسموعة في هذا الفضاء تحت أي مسمى ليس بحاجة لك

متى يصبح بحاجة للوزارة؟ عندما يهبط إلى أرض الواقع، ويرغب في التحول إلى مؤسسة. هنا يصبح بحاجة لترخيصك، ليبدو ككيان رسمي معترف به. حينها سوف يبحث عنك ويطالبك بأنظمة ليخضع لها كأي نشاط آخر، وهو ما حدث لبعضها. كيف تهدد من لا يحتاجك وليس لك عليه سلطة، ولديه خيارات أخرى سهلة؟ فبدلا من أن يكون صاحب الصحيفة أو الموقع باسم معروف كمحمد صالح، يتحول إلى شخص مجهول باسم صالح محمد، وبنطاق غير سعودي، وهنا يستطيع تجاوز حتى نظام جرائم المعلوماتية.طالما صاحب الوسيلة الالكترونية يظهر باسم معروف، فهو سيراقب نفسه تلقائيا دون ترخيص وملف  علاقي، لأنه يعرف أنه مسؤول عن ما يقدمه، وسيتعرض لملاحقة قانونية عندما ينشر خبرا أو يغرد في تويتر أو يكتب حتى على أحد جدران الشوارع. تزامن خبر الحجب المثير لـ41 صحيفة مع وجودنا المتأخر كالعادة في سلم الترتيب في الصحافة العالمية، والذي فاجأ به مذيع سكاي نيوز العربية الصحفي السعودي الذي كان يبذل جهدا في اختراع تبريرات لوجودنا السنوي في المنطقة السوداء في خارطة «مراسلون بلا حدود»!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 15, 2014 17:00

February 8, 2014

انشقاق التطرف.. وتشقق الاعتدال


لا يوجد ما هو مثير أو جديد عندما ينقسم التطرف إلى اثنين أو أكثر




لا يوجد ما هو مثير أو جديد عندما ينقسم التطرف إلى اثنين أو أكثر



هي سمة صاحبت كثيرا من الحركات الجهادية المتأثرة بالتيارات التكفيرية المعاصرة، بعضها تفرضها تكتيكات مرحلية، وبعضها فرضتها رؤى سياسية عامة، وبعضها نتيجة مواقف فقهية وتكفيرية معينة

نواجه في هذه الأيام تمزق داعش التي ظهرت متأخرة في المشهد السوري بصورة مثيرة ومحيرة



وأداء إعلامي بالغ السوء

قدمت داعش خلال شهور معدودة ما لم يستطع نظام الأسد تشويه خصومه به خلال أربع عقود

هل لا بد من حدوث انشقاق علني بين تطرف وآخر أشد تطرفا حتى تظهر الأصوات متأخرة بإدانة الأكثر تطرفا فقط؟!هل يرجى من أيمن الظواهري وجماعة البغدادي وأمثالهم أي إنجاز مفيد للشعوب، كيف يكسب الظواهري ثناءات في سياق الحديث عن التمزق الداعشي مع تاريخه المعروف، وكأنه لا يكفي ما قدمه هؤلاء من حماقات خلال عدة عقود من التخريب المستمر قبل المرحلة الأفغانية ومرورا بها وبعدها؟ تاريخ طويل من الأفعال والأقوال والممارسات المتطرفة كلفت العالم الإسلامي الكثير جريا خلف أوهام مفلسة خدمت الغرب والأنظمة أكثر من الشعوب الإسلامية

ألم يكن الظواهري وجماعته من المشبوهين في تصفية عبدالله عزام في الثمانينات؟ لماذا لم يتوقف عند انشقاقات تلك المرحلة وخلافتها؟ كالعادة ضخم الخطاب الحركي المهتم بهذه القضايا التهم للموساد والمخابرات الأمريكية؛ لأنها غير مكلفة وأكثر فائدة من توجيه التهم ومسألة تصرفات التطرف والتكفير والتخوين الداخلي

تناسى كثيرون أفعال وممارسات جماعة الظواهري، وتم التغطية على حقيقة ما هو موجود من تطرف وخلافات في تلك المرحلة

قبل أكثر من عام كتبت مقالا في صحيفة الشرق، عن الوضع في جمهورية مالي، وبيان اتحاد علماء إفريقيا الذي جاء فريدا ولافتا في صياغته، وأعاد ضبط التصور للأزمة بعيداً عن الشعارات والكلمات الإنشائية والخطابية

أعجبت كثيرا بهذا البيان الذي قطع الطريق على الأصوات الغوغائية، جاء في سبع صفحات، مع روح الإحساس بالمسؤولية والإتقان في الصياغة

من النادر أن تخرج مثل هذه البيانات في أزمات كثيرة سابقة، حيث يغلب عليها طابع الموقف المباشر من خلال إدانة أو تحريم أو جواز أو حث على الدعم

هذه المرة قرأنا بياناً متكاملاً في رؤيته للتطورات والجهود التي بذلت، وجاء بأسلوب يختلف عن السائد مما أربك كثيراً من الأصوات الحماسية ونجح في إغلاق فم كثير من المزايدين في الخارج قبل الداخل، لجعل مالي مسرحا لأوهام أصحاب الجهاد العالمي

مشكلة هذه التنظيمات خاصة جماعة الظواهري ومن معه ليست جديدة، فلا يدخلون في قضية إلا أفسدوها، ولا يعملون إلا من أجل مصالح أحزابهم وحركاتهم، ولا يبالون بمصالح الشعوب

فهم يعرفون أن وجودهم وظهورهم واستعراضهم بالبيانات المتلفزة بهذه الأساليب ليس من مصلحة الثورة السورية إقليميا وعالميا، ومع ذلك يمارسون «العباطة» الإعلامية والسياسية

لماذا تتكرر الأخطاء في طريقة تقييم مناطق الصراعات والحركات الجهادية التي تظهر معها، فتبدو متأخرة وغير حاسمة في مواجهة أي تلاعب بالمفاهيم الدينية، لتمنع تسرب أي رؤى تكفيرية متطرفة، أو تضخم خيالات سياسية

تستلم العقلية التقليدية لأفكار ومقولات قديمة تعيق الآخرين من المصارحة في تحديد الخطأ فورا، منها أنك لست من أهل الثغور، وأنهم أعلم بالظروف الميدانية منك

وكأن ظروف الجهاد في تلك القرون الهجرية هي ظروف عصرنا نفسها بوسائل اتصاله وسرعتها

كان وصول المعلومات والأخبار بحاجة إلى أشهر طويلة



قد تتغير فيها موازين المعارك

في هذا العصر قد تصل للبعيد عن الثغور وأكثر شمولية، ويرى الصورة بموضوعية أكبر



إذا كان مطلعا ومتابعا بدقة

كان العالم قبل عقدين محصورا بوكالات أنباء دولية، وقنوات وصحف موجهة تحتكر الخبر والمعلومة

لقد انتهى ذلك الزمن، وأصبحت هذه الوسائل الإعلامية الكبرى نفسها تلاحق مقاطع اليوتيوب والتغريدات والبيانات من الانترنت وتصنع كثيرا من أخبارها وتقاريرها منها

عندما يقدم أي تنظيم وحركة مقاطع وبيانات بصورة مستمرة مليئة بالكوارث السياسية والمفاهيم الدينية المغلوطة، لماذا لا تدان هذه السلوكيات مباشرة؟ التزكية هي التي بحاجة لتأن لمعرفة من خلف هذا التيار أو هذه الشخصية لأنها تحتاج زمنا أطول لاختبارها وتقييمها ربما لسنوات، أما إدانة السلوكيات الخاطئة والبيانات والمفاهيم التكفيرية والقتل باسم الدين



فهذه تدان فورا وبقوة

لدي تجربة في نقد التشدد وأوهام الجهاديين، واستقبال ردود الفعل منذ سنوات طويلة

في ذلك الوقت واجهت صعوبات لتوضيح خطورة الميوعة في تحديد الموقف من السلوكيات العنفية والآراء المتطرفة، ومحاولة اللف والدوران في تلميع شخصيات كانت جزءا من مشكلات عالمنا العربي، وليست جزءا من الحل، وقد ثبت ضررها المدمر لعدة أجيال

في العديد من المقالات حاولت مناقشة بعض الآراء المتحايلة في حسم موقفها من 11 سبتمبر منذ الأيام الأولى في لحظة كانت حتى صحافتنا، وكثير من كتاب الرأي في حالة ارتباك لأن البوصلة الرسمية ليست واضحة تماما مع مفاجأة حدث ضخم ومختلف

واصل بعض الكتاب هواية المثقف العربي في الحديث عن غطرسة أمريكا للهروب من تحديد رؤيته القيمية للأشياء بعيدا عن الحسابات

ولهذا فالموقف من العنف أخذ عدة مراحل، ويمكن تحديد كل مرحلة وأسباب تحولها

كان المأزق في ذلك الوقت عندما تتحاور حتى مع أسماء معتدلة عجزت عن القطيعة مع الممارسة الخاطئة في لحظتها بدون تردد، هذه القطيعة لا تتطلب أن تكون فاشيا في مصادرة آراء الآخرين، والتلاعب بأقوالهم وتحميلها ما لا تحتمل وخطفها من سياقها، لأن الأخطاء المنهجية في تحديد الرؤى والأفكار المشوشة بين التراث وروح العصر، وضغط التخلف كافية بحد ذاتها لصناعة مفاهيم هلامية تنشد الاعتدال لكنها تصبح جسرا للتطرف

لقد وجدت في تلك المرحلة كثيرا من الآراء والمقالات والحوارات واللقاءات الفضائية التي تسجل كنماذج من تشقق الكلام بالاعتدال الهلامي، وناقشت بعضها في حينها

قبل أسابيع كان د

عبدالله النفيسي ضيفا على برنامج لقاء الجمعة الناجح مع الإعلامي عبدالله المديفر، ومع كثرة اللقاءات مع النفيسي والذي لم يعد الآن بذلك الحماس للحديث عن تنظيم القاعدة، تمنيت أن يستحضر اللقاء شيئا من كلام النفيسي مع أحمد منصور على قناة الجزيرة بعد أكثر من 13 عاما عن تلك الأجواء الساخنة بعد 11 سبتمبر

كان الحوار سيكون أكثر فائدة لو استعرض وراجع معه لغته التهويلية عن غزوة منهاتن، والتفخيمية لشخصية قائد التنظيم، وحديثه المسرحي عن الاستراتيجيات والمستقبل



كمثقف كان لكلامه بريق مؤثر في مخيلة جمهور المنتديات والجهاديين!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 08, 2014 09:25

February 1, 2014

دور "قياس" في إفساد التعليم


هذا الموضوع ليس دفاعا عن الطلاب والطالبات، وما هية الصعوبات التي يواجهونها في التعليم العام، وليس نقاشا لمحتوى وأسلوب اختبارات قياس القدرات أو التحصيلي، وهل هي طريقة عادلة تعبر عن معيار مناسب لمهارات الطالب؟ وغيرها، مثل هذه الجوانب التي تطرح منذ سنوات عديدة مع بداية هذه التجربة لا تصور حقيقة المشكلة




هذا الموضوع ليس دفاعا عن الطلاب والطالبات، وما هية الصعوبات التي يواجهونها في التعليم العام، وليس نقاشا لمحتوى وأسلوب اختبارات قياس القدرات أو التحصيلي، وهل هي طريقة عادلة تعبر عن معيار مناسب لمهارات الطالب؟ وغيرها، مثل هذه الجوانب التي تطرح منذ سنوات عديدة مع بداية هذه التجربة لا تصور حقيقة المشكلة

هذه الجوانب التفصيلية تشوش على معرفتنا بالأثر الذي يفرزه قياس في إفساد ما تبقى من العملية التربوية والتعليمية

هذا ليس حكما انطباعيا متعجلا، وإنما من خلال متابعة سنوات عديدة لهذه التجربة

هل «قياس» هو فعلا الحل المناسب لمشكلات التعليم في بلادنا؟ وهو الذي أخذ مع التوسع الكبير في العقود الثلاثة الأخيرة يفقد جودته، هذه الجودة المتراجعة ليست بحاجة لشهادة مراكز عالمية، طالما الأسر نفسها تشعر بضعف مستوى تعليم أبنائها على الرغم من أنها تزود بنجاحات سنوية لأبنائها بمعدلات امتياز، وجيد جدا، والتي أصبحت شكلية بمرور الوقت، أما الرسوب فقد تم القضاء عليه بقرارات قديمة، وجاءت أجيال لا تعرف معنى الرسوب في الدراسة وإعادة السنة الدراسية

فكيف تعرف قيمة النجاح والتفوق؟ ولد «قياس» عند مرحلة تاريخية في مسيرة التعليم مع تراجع مستوى الجودة، وكثرة المدارس الأهلية بروح تجارية بحتة، تزامنت مع تضخم مخرجات التعليم العام، وضيق المقاعد الجامعية

بدأت الفكرة كطريقة للبحث عن شيء من العدالة في القبول

منذ البداية تعاملت الصحافة مع قياس من خلال هذه الرؤية، ولا زال البعض متأثرا بها

تطورت فكرة ومهمة «قياس» إلى دور وهمي وبدا كأنه الحل السحري لمشكلات تعليمنا الذي يتراجع مستواه، ومع عجز جميع المحاولات لإنقاذه ظهر «قياس» وكأنه حبل نجاة، وهو في الواقع حبل مشنقة لتعليمنا الذي تتضخم مشكلاته بمرور الوقت

ليس حلا اللجوء إلى مثل هذه الحلول الرقمية السهلة بمجرد اختبارات مؤجلة كثيرا عن زمن التعلم يواجه بها الطالب في آخر عمره التعليمي العام

ما هو الإنجاز عندما يكتشف الطالب متأخرا أنه غير مؤهل، وتنقصه المهارات الكثيرة في آخر مراحل التعليم العام، كيف يتدارك هو وأسرته الموقف؟ كثير من السجالات والصراعات التي طرحت عن التعليم في السنوات الأخيرة كانت حول جوانب أيديولوجية محددة، وصراع تيارات بعيدا عن المشكلات الحقيقية لرفع مستوى الجودة

تبدو مخرجات التعليم العام الآن في أسوأ حالاتها، والمقررات ما زالت تتضخم بطباعات فاخرة، ولكل مقرر أكثر من كتاب، ومع هذه السمنة المفرطة في المناهج، فإن الطفل يكتشف مبكرا أنه لا أحد يرسب، وأنه سينجح مثل أقرانه سواء بذل جهدا أم لم يبذل

يخبرني زميل بأنه استمع لطفلين من أقاربه في المرحلة المتوسطة يقول أحدهما للآخر: أتحداك ترسب! عندما تراكمت بعض الأخطاء في التعليم وأصبح اتخاذ القرار صعبا في جوانب عديدة مع تراجع مستوى المدرسة والمعلم، تصور البعض أن «قياس» الرقمي والتركيز عليه سيكون الحل، لهذا تطورت الفكرة الآن إلى مسار جديد، وهو وضع اختبارات للمرحلة الابتدائية والمتوسطة، لتدارك الخطأ قبل المرحلة الثانوية

مشكلة «قياس» ليست في إخلاص القائمين عليه ولا حماسهم، ولا تطويراتهم المستمرة

مشكلته أنه بمرور الوقت بدأ يؤثر في دور المدرسة، ودور المعلم وقيمته ومسؤوليته، فكرة «قياس» في جوهرها تعطيل لزمن التعلم المفترض لكل مهارة وتراكمها، إنه يعطل اكتشاف الخطأ في الوقت المناسب، ليبقى مؤجلا إلى آخر سنة من كل مرحلة، يقضي على كل قيمة للتعلم اليومي، وقيمة المعلم نفسه واحترامه لأنه أصبح غير موثوق به وبمدرسته، وتفقد المعرفة التفصيلية لكل مقرر قيمتها لصالح اختبارات عامة وشمولية متأخرة

التعلم الصحيح هو أن يكتشف ضعف الطالب أو المعلم خلال أشهر الفصل الدراسي نفسه، حيث تقيم نتائج كل فصل خلال المرحلة نفسها، لنميز بين مستوى كل طالب، وندرك الفرق بين جهد كل معلم

إن ميزة التقييم لكل فصل دراسي بمعايير صارمة، وليس كما يحدث الآن، أنها تشعر الطالب وأسرته بالمسؤولية فورا، ويواجه المعلم نفسه بسوء نتائجه

إن التقييم المتأخر الذي يقوم به «قياس» ساعد على الإهمال وتراكم المشكلات التعليمية وعدم مواجهة الطالب والمعلم بتقصيرهما في الوقت المناسب، ولهذا حتى البدء بوضع اختبارات قياس في نهاية المرحلة الابتدائية والمتوسطة ليس حلا للمشكلة

ما يحدث في التعليم الآن مجرد تأجيل وإزاحة للمشكلات من معلم إلى آخر بمساعدة قياس

إن المعلومة والمهارة التي يفشل الإنسان في إدراكها خلال سنوات طويلة يستحيل أن يعالجها في أشهر قبل اختبارات قياس

الإنسان الناضج بطبيعته يؤجل المسؤوليات إذا كانت بعيدة زمنيا عنه، فكيف بطلاب هم في مرحلة طفولة أو مراهقة، يهددون ببعبع قياس الغامض الذي سيأتيهم بعد سنوات طويلة، ولا يدرك الطالب في هذا العمر كيفية الاستعداد له

في المرحلة الثانوية تبرز أهم ملامح إفساد تربية ووعي الطالب بواسطة مدرسته ومعلميها الذين جعلهم هذا النظام في وضع لا يحسدون عليه، فيضطرون لمساعدة طلابهم، لأن امتحان المرحلة الثانوية أصبح يحسب له قيمة متواضعة جدا من النسبة الكلية، ولم يتم إلغاؤه تماما من التقييم في دخول الجامعة، وإنما جعل له فتات من النسبة يعادل نحو 30%

عمليا ماذا يحدث الآن ومنذ سنوات؟ تضطر المدارس - طالما سحب منها نحو 70% أو أكثر- لمساعدة طلابها، وتتساهل في اختباراتهم، وتقييمها لهم، فيأخذ الطالب نسبة عالية جدا في شهادته الثانوية لتدعمه، وهي لا تعبر عن مستواه

هنا علينا أن نتصور حجم الضرر من هذه الطريقة على وعي الطالب، واحترامه لجدية التعليم ومدرسته ومعلمه، والمواد التي يدرسها

اضطرت المدارس واقعيا لهذه الفزعة مع طلابها لأن كل مدرسة تقول إن المدارس الأخرى تفعل ذلك، وإذا لم تساعدهم فإن الطلاب سيشعرون بالظلم لأن زملاء لهم في مدرسة أخرى تمت مساعدتهم

مع هذا الضرر المشاهد، مهما حاول البعض إنكاره، يبدو أن العودة للنظام القديم هي الأفضل، وأقل ضررا (مع تطويره)، وأن تكون الاختبارات النهائية موحدة من قبل الوزارة في كل مقرر

ما يحدث الآن في تعليمنا، هو أننا عندما فشلنا في التقييم العادل والقوي لكل فصل دراسي بداية من الصف الابتدائي الأول، انتقلنا للتقييم بالجملة، في مرحلة لا ينفع فيها اكتشاف الخلل عند الطالب، مشكلة التعليم الآن هي تحول دور «قياس» من وسيلة لتقييم جودة مخرجاته إلى وسيلة تعطيل وإفساد لزمن التعلم

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 01, 2014 08:58

January 25, 2014

الفكر الجهادي.. والمزاج الشعبي


نبتعد مسافة زمنية كافية عن البدايات المعاصرة لظهور التحولات الإسلامية المتشددة الحديثة قبل حوالي نصف قرن، والمصاحبة لمشكلات الاستعمار، وبدايات الدولة العربية الحديثة، التي صنعت المناخ لنشأة الحركات الإسلامية




نبتعد مسافة زمنية كافية عن البدايات المعاصرة لظهور التحولات الإسلامية المتشددة الحديثة قبل حوالي نصف قرن، والمصاحبة لمشكلات الاستعمار، وبدايات الدولة العربية الحديثة، التي صنعت المناخ لنشأة الحركات الإسلامية

هذه المسافة، وتنوع كل محطة ينضج الرؤية لطبيعة الأزمة الدينية والسياسية، فنعتدل في تقييم المشهد مع بروز كل أزمة من نوع سياسي مختلف لتضعنا أمام تحد آخر

جاءت الثورة السورية كاختبار جديد للمجتمع وللنخبة، وفرصة للفكر الجهادي غير متوقعة للنهوض مرة أخرى لتعويض الانكماش الذي تعرض له، لكنه يأتي في لحظة يبدو فيها المزاج الشعبي أكثر تعقلا، ووعيا وقدرة على تقييم نوعية تعاطفه مع الآخرين

تبدو الثورة الشعبية السورية هي الوحيدة التي اتفق عليها الجميع



من مختلف التيارات والجهات الإعلامية على مدار أكثر من عامين

تعاطف الجميع معها ضد نظام غاشم لا يتورع عن استعمال أي وسيلة لقتل شعبه بما فيها السلاح الكيماوي، فقد بدأت الثورة كغيرها سلمية



قبل أن يفرض النظام السوري عسكرتها، ويضع العالم المتفرج أمام مأزق أخلاقي

ضغطت هذه الثورة على الجميع بمن فيهم السياسي، وأثرت على المزاج الاجتماعي العام، وزاد من ثقل الأزمة حضور البعد الطائفي الذي جمع بين النظام السوري وحزب الله وإيران والنظام العراقي

هذه الظروف والتحديات الصعبة، تبدو كدرس جديد لمن يستسهل ويختزل أحداث الماضي، ويسخر من نوعية المواقف، ولا يدرك أن قدر السياسة وخياراتها بين السيء والأسوأ

كشف الأسبوع الماضي عبر تويتر نوعية التعاطف العام مع سوريا، في تأييد دعم الثورة دون الحث على الذهاب الشخصي للمشاركة العسكرية فيها، وأكد حجم الوعي الشعبي الذي حدث بالرغم من محاولة البعض تقديم صورة غير موضوعية عنه

المفارقة ليست في أراء بعض الدعاة والمشايخ المعروفة



وإنما في ردة الفعل العامة المؤيدة لها، حتى من الإسلاميين الذين تفهموا هذه الرؤية

عند أكثر من محطة جهادية كانت الرموز الدينية التقليدية والحركية تتعرض أحيانا لضغوط شديدة من داخل التيار الإسلامي للتأثير على رأيها، ونقلها للمواقف المتشددة، وقد حدث أن تلعثم كثيرون مع لحظة 11 سبتمبر، وحجب دخانها الرؤية، وقد كتبت عن ذلك في حينها

عندما يتحدث البعض عن ضغط الجماهير في الماضي، فالواقع أنه كان ضغط فئة محددة من الإسلاميين أكثر منه ضغط المجتمع

كان ولا يزال أصعب تحد واجهه الفكر الجهادي هو المجتمع والمزاج الشعبي في أغلب محطاته التي مر بها

هذه التنظيمات تدرك المزاج العام عنها، والذي في يكون مجمله رافضا لهذه الاتجاهات المسلحة، ويتوجس منها

لهذا لم تتحول القاعدة في أي مرحلة لتيار شعبي، يقدم باحث قدير (فواز جرجس) رؤيته عن هذا فيكتب «بعيدا أن تكون القاعدة حركة اجتماعية ذات جذور تاريخية عميقة في المجتمعات المسلمة، تبدو القاعدة والمجاهدون الأمميون عموما، كما لو كانوا أيتاما نشؤوا داخل الجماعات الإسلامية المسلحة، ورأس حربة طموح تقوده طليعة صغيرة يجب أن نتذكرها باستمرار

لم تجذب القاعدة في أحسن أيامها غير عدد محدود من الأنصار المخلصين، ولم تتحول قط إلى تيار شعبي

لقد تميز تاريخها القصير بغياب القاعدة الاجتماعية الكثيفة والدائمة





»، ورغم ذلك يصر حديث الإرهاب التقليدي على تصوير «القاعدة» كقوة كونية فائقة القوة، أحيانا نغرق في تفاصيل حياة أسماء شريحة محدودة انخرطت في هذه الاتجاهات، ونتجاهل المزاج الاجتماعي العام الذي يتطور وعيه، وأصبح قادرا على التمييز بين نوعية المواقف المعتدلة وغيرها

في الشهر الماضي اضطر تنظيم «القاعدة» في حالة نادرة إلى تقديم اعتذاره عن استهدافه لمستشفى العرضي في اليمن، في جريمة بشعة تعبر عن كارثة أخلاقية، ومع أن الاعتذار كان باهتا فإنه في تقديري يعتبر من أبرز وأغرب أحداث 2013 الخاص بهذا التنظيم

يشير (بيتر بيرجن) إلى أنه «من الغريب رؤية زعماء القاعدة يعتذرون بهذه السرعة وبهذه الطريقة المباشرة والعلانية»

هذا الاعتذار لم يكن ليحدث لولا أن مواقع التواصل الاجتماعي عبرت فورا بصوت مباشر عن إدانتها للجريمة، وشعور التنظيم بحجم الخسائر الأخلاقية، والشعور بأن المزاج الاجتماعي، لم يعد يقبل أي تبريرات لمثل هذه الجرائم

هذا المزاج الاجتماعي غير المتقبل لهذا الفكر يزداد وضوحا مع الأيام



ولهذا تمر كلماتهم، وبياناتهم في الفضائيات والانترنت واليوتيوب لرموز وقيادات هذا التنظيم مرورا عابرا



لا يتابعها إلا المهتمون بهذه القضايا، وتشعر بحالة عدم الإعجاب عندما يتناقل خبر ذهاب فلان للعراق أو سوريا في مجالسنا

هل هذا يعني أنه لا توجد لدينا حالات عديدة معجبة بهذا الفكر بقوة، وتدافع عنه بشراسة ومنخرطة فيه؟، بالتأكيد توجد نماذج عديدة، وسيستمر وجودها كأي مشكلة أخرى، ومن يتصور أنه يمكن الوصول إلى حالة صفرية في علاج مشكلات مثل هذا النوع متصلة بالدين والسياسة والثقافة والتاريخ، ويفترض بأنه يجب ألا يوجد من يتأثر أو يعجب بهذا الفكر، فإن هذه مشكلة منهجية لديه في تفهم الظواهر الاجتماعية، وتمييز درجة خطورتها

من يتصور أن مثل هذه القضايا وحالات التورط بالعنف ستنتهي تماما، هو كمن يتوقع بسذاجة ورومانسية نهاية الأزمات السياسية في العالم، ونهاية الحروب والصراعات في مناطق مختلفة

القول بعدم وجود عمق شعبي لهذه التنظيمات لا يعني عدم الاهتمام بقضايا التطرف، والعنف



ومعالجة مشكلات التعصب في المجتمع، فأي مجتمع حضاري بحاجة لنشر ثقافة التسامح والاعتدال لأنها قيم عليا بذاتها، ومن أهم متطلبات التقدم والتنمية

عدم شعبية هذه التنظيمات المسلحة لا يعني أن مجتمعنا يعيش بلا أمراض من التعصب والتشدد، وهو كغيره ليس محصنا من التأثر بأفكار متطرفة



إذا لم نراجع نوعية خطاباتنا الثقافية والدينية التي ما زالت تعاني من بطء التفاعل مع التحولات المتسارعة في عالم اليوم

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 25, 2014 10:23

January 18, 2014

حدود التآمر في التحليل السياسي

عندما يقال بأن هناك دولا أو أنظمة استثمرت في الإرهاب وتخطط له وتوفر له الغطاء، وتفتح له حدودها وتغلقها حسب الحاجة، كجزء من طبيعة السياسة ومكرها المتوقع، عليك ألا تفهم من هذا أنه لا يوجد إرهابيون، ولا فكر متطرف

عندما يقال بأن هناك دولا أو أنظمة استثمرت في الإرهاب وتخطط له وتوفر له الغطاء، وتفتح له حدودها وتغلقها حسب الحاجة، كجزء من طبيعة السياسة ومكرها المتوقع، عليك ألا تفهم من هذا أنه لا يوجد إرهابيون، ولا فكر متطرف، ولا تكفيريون فعلا. هذه لا علاقة لها بتلك. الإشارة لهذه الحقيقة عن دور دول وأنظمة توظف أي شيء يخدم مصالحها، هو ضرورة يتم تجاهلها في التحليل السياسي في حالات كثيرة، بسبب غياب الأدلة الصريحة، وكلفة الإشارة لها وتبعاتها.

لن نجد أدلة موثقة لأحداث كثيرة في أجواء سياسية معقدة ومتشابكة في أزمات كثيرة، من يكون خلف هذا الاغتيال وهذا التفجير، أو هذه العملية بدقة؟، حتى وإن توفرت بعض الواجهات لبعض الأحداث. لهذا نشهد تداخلات مربكة في مناطق ساخنة في أكثر من صراع سياسي، في أفغانستان، البوسنة، العراق، سوريا، ولبنان. هناك تاجر السلاح المهتم بجمع المال والبحث عن الأسواق المناسبة، ليس معنيا بمن يقتل من، ومن يكون مع من! وهناك المهرب المحترف الذي يوظف خبراته الجغرافية بالمكان وعلاقاته، وهناك المتطوع الصادق في الدفاع عن المظلومين وإنقاذهم، وهناك المتطوع المزيف الذي يشتغل لحساب أنظمة أخرى، وهناك التكفيري، والمتشدد، وهناك الاستخباراتي، الذي يظهر أحيانا بثوب قائد عسكري، أو صحفي ميداني، أو ناشط إغاثي! بعد نهاية كل حدث لا تكشف الأقنعة لأحد بسهولة، حيث يظل الكثير منها دون كشف لعقود طويلة، فتستمر أعمال التنقيب عن الثغرات التي من المفترض أن يقوم بها باحثون جادون، وصحفيون محترفون. هناك المئات من الأحداث في منطقتنا منذ أكثر من نصف قرن بحاجة لفحص مهني آخر، ليس محسوبا على تيارات وأنظمة.

لا تظهر مخابرات الدول والأنظمة بواجهة النشرات الإخبارية في الصراعات، لأنها لا تظهر في العلن عادة لتقول أنا فعلت هذا، بعكس التنظيمات والحركات والأحزاب التي تجد أن من مصلحتها أحيانا أن تعلن أفعالها، لتبدو بمظهر القوة. تأتي البيانات ومقاطع الفيديو والتسجيلات بعد كل حدث كقصة أخرى من الشكوك والتسريبات، وإن كان بعضها يبدو مكشوفا وغير جاذب للإعلام، كظهور «أبو عدس» بعد مقتل الحريري، الذي ربط بالنظام السوري حينها، وانتهت قصته إلى غموض كغيرها. الحركات النضالية والجهادية تجد من مصلحتها أن تتبنى بعض أعمال العنف، ولهذا من الطرائف أنه في الثمانينات أعلن عن تفجير في إسرائيل فتبنته فورا إحدى الفصائل الفلسطينية ثم تبين أنه لم يوجد تفجير أصلا!

حكاية النظام السوري وتحالفه مع إيران وحزب الله وارتباطه ببعض التنظيمات والأحزاب والاغتيالات ودورهم في صراعات المنطقة وتأزيمها ليست مجرد حديث مؤامراتي، ولد نتيجة ردة فعل انطباعية مع الأوضاع المتفجرة بعد الثورة السورية، وإنما هي جزء رئيس من بنية هذا النظام السياسي الذي احترف هذه الممارسات للبقاء في السلطة خلال أربعة عقود.

لن تجد الأدلة باعترافات مباشرة على اغتيالاته ومؤامراته وتفجيراته، التي تنحر بسهولة على طريقة نهاية غازي كنعان وزير داخليته 2005. الدليل الذي يضطر له المحلل السياسي هو الاستقراء على سيرة طويلة من الممارسات التي تؤكدها مؤشرات متراكمة. لنترك لبنان الذي ظل تحت سيطرة هذا النظام مدة طويلة، ومارس لعبته المفضلة بأكثر من طريقة. عدم استقرار العراق بعد 2003، كان لهذا النظام دوره المؤثر. في مقال لـ(كامران قره داغي) في جريدة الحياة (8 سبتمبر 2013) تحت عنوان «هكذا كان الأسد يلعب في العراق» أشار إلى أنه كان يحضر بحكم عمله اجتماعات المجلس السياسي ويعلم أن موضوع الإرهاب القادم من سوريا المدعوم من نظامه كان يثار في كل اجتماع»، وفي 27 يناير 2007 أشار إلى أن جلال طالباني كان يردد دائما أنه لا يرغب في انتقاد السوريين علانية، وسلم الأسد قائمة إضافة إلى مراكز تدريب الإرهابيين حسب قوله. وقد قال العراقيون إنهم يملكون أدلة ملموسة عبارة عن صور وفيديوهات تظهر الإرهابيين -حسب تعبيره- وهم يعبرون الحدود إلى العراق تحت أنظار حرس الحدود.

مثل هذا الطرح لم يكن متاحا قراءته بدون الثورة السورية، والآن بالرغم مما قام به البعث السوري، فإن النظام العراقي يمارس دوره في الأحداث لخدمة بقاء النظام السوري! والآن تتهم داعش بـ»محاولة السيطرة على المناطق (المحررة) وفرض رؤيتها المتشددة للحكم الإسلامي، أكثر من اهتمامها بمحاربة النظام، مما جعل التنظيم موضع اتهاماتٍ بأنه مخترق من قِبل المخابرات السورية والحرس الثوري الإيراني (موقع بي.بي.سي 12 يناير 2014). عندما لا يقدم تنظيم نفسه إلا بمقاطع فيديو بشعة ليبدو كقاطع رؤوس فقط بصورة متكررة، ولغة خشنة باستمرار، هنا تهمة الغباء لا تكفي دون التفكير في حقيقة التنظيم. التحاق أو تأييد أسماء هنا أو هناك من الإسلاميين، والتي من الصعب أن تحسب على النظام السوري أو الإيراني لا يعطي صك براءة لأي تنظيم من الاختراق وسهولته.

ومع كل هذا فالخيال التآمري يجب ألاّ يذهب بعيدا في افتراضات رغبوية، وإنما يحافظ على عقلانية صلبة تحترم العقل وأدوات الرؤية السياسية، وألا يوظف في إلغاء المشكلات الفكرية والثقافية والدينية في مجتمعاتنا. مقابل ذلك ليس من المعقول أن يقفز المثقف العربي في كل مرة إلى التقاط المشاهد والخطابات البشعة والنفخ فيها بصورة متكررة، لا تخلو من الغباء والفجاجة، ويجعلها كأنها هي السائدة.

عندما جاء الربيع العربي، كانت المشكلة المعقدة لدى البعض هي كيفية ابتكار سيناريو مؤامراتي سهل التصديق، ويبدو منطقيا وليس مضحكا، كما قدمته مثلا مبالغات الإعلام السوري والقنوات والصحف المحسوبة عليه في المنطقة عن دور المثقف الفرنسي اليهودي برنارد ليفي كمهندس للربيع وقائد خفي له. أو محاولة البعض النفخ في وائل غنيم ووظيفته المهنية في الانترنت. أو تصوير بعض الدورات واللقاءات بالفنادق وكأنها المحرك لكل الانهيارات والكوارث التي شهدتها المنطقة.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 18, 2014 13:16

عبد العزيز الخضر's Blog

عبد العزيز الخضر
عبد العزيز الخضر isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد العزيز الخضر's blog with rss.