عبد العزيز الخضر's Blog, page 5
April 11, 2015
الإساءات الإعلامية والسياسية
كيف نتعامل مع الإساءات الإعلامية التي توجه إلينا من الخارج؟
كيف نتعامل مع الإساءات الإعلامية التي توجه إلينا من الخارج؟
مثل هذا السؤال كانت إجابته في الماضي، تحتاج رؤية في السياسة أكثر من الإعلام خلال عقود طويلة، لكن متغيرات كبرى في طبيعة الإعلام المعاصر، وأدواته ومساحة التأثير، قد تجعل منه اليوم رؤية في الإعلام أكثر منه في السياسة، وهو ما يؤثر على تصوراتنا وتعاملنا مع أي إساءات تأتي بين فترة وأخرى.
لم يعد الإعلام الموجه اليوم بنفس قدراته الضخمة في أزمنة مضت إلى وقت قريب، ولم يعد حجم الإساءة بدرجة التأثير نفسها في الماضي على العلاقات السياسية والشعبية، لقد تراجعت درجة تأثير النخب الإعلامية والثقافية وبعض المنابر مع الاتساع الأفقي لمنصات التوجيه وتفتتها، وهذا بدوره أثر على أسلوب التوجيه والإدارة للإعلام. هذا لا يعني إلغاء دور السياسي واختفاءه، فهو ما زال مؤثرا بعدة طرق، لكن درجة التحكم، وأسلوب التوجيه وأدوات الثواب والعقاب أخذت صورا متنوعة أكثر تعقيدا في إدارتها من الماضي.
كان العامل السياسي هو الموجه الرئيس لبعض حملات الإساءة خاصة إذا جاءت على شكل حملات، وهي مصاحبة للاختلافات السياسية في بعض المراحل، وقد تكررت خلال عدة عقود عدة نماذج منها مرورا بحرب تحرير الكويت وما بعدها. معالجة مثل هذه الإساءات اليوم ومواجهتها يجب أن تكون مختلفة لتغير المعطيات، ولا يمكن الحكم على معالجات الماضي ومدى صوابها بمعطيات الحاضر، كما يفعل بعض الكتاب، فلا معنى للتظاهر بالحكمة ونقد معالجات سياسية قديمة إلا وفق سياقها الزمني.
كثير من النخب العربية ثقافيا وإعلاميا لم تصل إلى مستوى كبير من الحرية والاستقلالية لتصبح معبرة عن نفسها، وليس عن توجه مؤسسات وأنظمة تمولها، ولهذا يبدو نقدها وإساءتها مرتبطا بمواقف الجهات التي تدعمها، لذا يختلف موقفنا وردة فعلنا عندما تأتي هذه الإساءات من صحافة غربية أو كتاب غربيين، وهذا لا يعني أنهم يملكون استقلالية كاملة، لكنهم أفضل حالا من البيئة العربية في التعبير عن نقدهم ومواقفهم الشخصية وتمثيلها.
نبدو اليوم في طور جديد للتعامل مع هذه الإساءات فهي تأتي بأزمنة وظروف مختلفة. من المهم أن نخفف درجة القلق من النقد وتضخيمه عندما يأتي من أي شخص أو جهة، حتى لا يأخذ حجما أكبر من درجة تأثيره الحقيقي. المشكلة الأخرى أن بعض النخب عندما تريد مواجهة هذه الإساءات، تقوم بدور ليس دورها، فهي لا تواجه هذا النقد بذاته، بنقد مقابل أكثر عمقا للدفاع عن بلدها، وإنما تمارس دور المسؤول، فينادي البعض ..أين سفيرنا في هذه الدولة أو تلك، أو أين إعلامنا الرسمي .. ليقوم بحملة مماثلة. مهمة المثقف والإعلامي ليست تقديم هذه النداءات للمسؤولين، فهم أدرى بمهامهم وأعمالهم، وتحكمهم تقاليد رسمية في إدارة الإعلام والخطاب الموجه.
ما حدث في نقل التلفزيون الرسمي اللبناني لمقابلة حسن نصر الله مع الإخبارية السورية التي تضمنت إساءة للسعودية، ثم اعتذار وزير الإعلام اللبناني للسفير السعودي، لكنه تراجع وفسر اعتذاره بأنه اعتذار شخصي! مثل هذا الحدث لا علاقة له بالإعلام، وإنما بالسياسة، فهو يعبر عن مشكلة الداخل اللبناني والقوى السياسية فيه المؤثرة فيه، ويسيء إلى لبنان أكثر مما يسيء للسعودية، فهو يؤكد حالة الخطف والسيطرة لحزب الله في لبنان، حيث أفقدت العاصفة توازنه الدبلوماسي.
الإشكال الآخر الأكثر تعقيدا هو في كيفية التعامل مع الإساءات الفردية التي تأتي بصورة مفاجئة في أزمات معينة، كما حدث من بعض الشخصيات في الإعلام المصري أو غيره. يتصور البعض أن هذا الهجوم أو ذاك سيغير المجال السياسي. مثل هذه الحالات تكررت في مراحل بعيدة، ومن أبرزها هجوم بعض الصحف المصرية في التسعينات حول قضية الطبيب المصري، وقبل أكثر من عامين حول قضية المحامي. هل هذا النوع من الإساءات يغير من المواقف السياسية.. أم إنها تستعمل لأهداف أخرى تؤثر على جوانب تفصيلية للضغط في هذه القضية أو تلك. البعض تأثر تقييمه لهذه الإساءات حسب مصلحته في صراع التيارات أكثر من استحضار مصلحة البلد في هذه اللحظة أو غيرها.
مشكلتنا الأخرى هي في الثناء، بسبب تصورات مجمدة منذ عقود في ذهن بعض الإعلاميين والمثقفين العرب، وليس لدى بعضهم الاستعداد لتغييرها. فيثني علينا بكلام فوقي، ربما يناسب مرحلة السبعينات.. فيبدو أحدهم مندهشا بأننا: «ما شاء الله .. أصبحنا كويسين.. وأصبح عندنا متعلمين وطيارين»!
April 4, 2015
فشل الرأي الآخر في العاصفة
عرض الكاتب المخضرم فهمي هويدي رأيه في مقالين حول العملية العسكرية، وبدا متحاملا في توجيه الصورة للوضع اليمني على طريقته، وليست الإشكالية هي في أن يكون له أو لغيره رأي مختلف، لأن الرأي الآخر عندما يكون معقولا فإنه يستفاد منه، وإنما استعمال الأدوات التبريرية الفاشلة نفسها من خلال مقولات عربية ابتذلت زمنا طويلا، واستعملتها أنظمة وحكومات فاشلة. يبدو واضحا أن العملية العسكرية صدمت قناعات وهمية متعالية لديه في رؤية دولنا، فعندما ذكر أمن الشرق الأوسط واستقراره فهو يرى أنهما «مرهونان بالتوافق بين ثلاث دول إقليمية كبرى تمثل أكبر ثقل سكاني في المنطقة، وهذه الدول هي مصر وتركيا وإيران. وفى أي نظر استراتيجي سليم، فإن الجسور بين هذه الدول الثلاث ينبغي أن تظل مفتوحة وقوية قدر الإمكان» لم يذكر هويدي السعودية هنا، وكأن عدد السكان لديه هو المعيار الوحيد لحجم التأثير والقوة في المنطقة، وبمثل هذا المعيار الوحيد تصبح الهند أقوى تأثيرا من كثير من الدول الغربية أو أمريكا!
عرض الكاتب المخضرم فهمي هويدي رأيه في مقالين حول العملية العسكرية، وبدا متحاملا في توجيه الصورة للوضع اليمني على طريقته، وليست الإشكالية هي في أن يكون له أو لغيره رأي مختلف، لأن الرأي الآخر عندما يكون معقولا فإنه يستفاد منه، وإنما استعمال الأدوات التبريرية الفاشلة نفسها من خلال مقولات عربية ابتذلت زمنا طويلا، واستعملتها أنظمة وحكومات فاشلة. يبدو واضحا أن العملية العسكرية صدمت قناعات وهمية متعالية لديه في رؤية دولنا، فعندما ذكر أمن الشرق الأوسط واستقراره فهو يرى أنهما «مرهونان بالتوافق بين ثلاث دول إقليمية كبرى تمثل أكبر ثقل سكاني في المنطقة، وهذه الدول هي مصر وتركيا وإيران. وفى أي نظر استراتيجي سليم، فإن الجسور بين هذه الدول الثلاث ينبغي أن تظل مفتوحة وقوية قدر الإمكان» لم يذكر هويدي السعودية هنا، وكأن عدد السكان لديه هو المعيار الوحيد لحجم التأثير والقوة في المنطقة، وبمثل هذا المعيار الوحيد تصبح الهند أقوى تأثيرا من كثير من الدول الغربية أو أمريكا!
استعمل القضية الفلسطينية في غير مكانها لإقحامها في حدث آخر بعيد عنها جغرافيا «إن العدو الاستراتيجي الأول للأمة العربية والتهديد الحقيقي لأمنها له مصدر واحد هو إسرائيل ومن يوالونها. وما دون ذلك يظل خلافات لا عداوات» ويشعرك هذا النوع من الخطاب الاستغبائي المكرر، أنهم بهذا المنطق سيؤثرون في رؤية الحدث على حقيقته، وكأنه قبل ساعات من توجيه الضربة لميليشيا الحوثيين.. كانت القضية الفلسطينية على وشك التحرر، وأن إسرائيل مطوقة بجيوش من دول الطوق، بمساعدة إيران لتحرير القدس، فجاءت هذه العملية فأفسدت تحرير القدس.
ويشاركه في ذلك أيضا كاتب مخضرم آخر هو طلال سلمان حيث يتساءل في آخر سطر من مقالته 1 أبريل 2015 «ترى، هل على خريطة الطيارين الذين يقصفون حيثما شاؤوا أية إشارة إلى فلسطين؟!» وفي مقال 30 /3 في جريدة السفير يكتب «لا يهم التنبيه إلى أن الحرب السعودية الجديدة قد طمست قضية فلسطين وأسقطت مخاطر الاحتلال الإسرائيلي على الأمن القومي العربي ..» ثم يقدم شهادة تزكية وثناء للحوثيين بأنهم «قدموا أنفسهم منذ زمن كطرف سياسي له مشروعه وبرنامجه الوطني الذي لا شبهة فيه للطائفية أو العنصرية أو التسامي» يشاركهم الرؤية والارتباك عبدالباري عطوان في الفضائيات.. لكن برؤية تهديدية يخوف فيها من إيران.
عدم وجود أمريكا في الحدث كقائدة، وشعور هؤلاء أنه قرار سعودي خليجي.. أربك اللغة التحليلية عند البعض، فلم يصدقوا أنه يمكن أن تكون عندنا روح المبادرة والحسم، وكيف أصبح الرأي العام العربي.. بأكثريته مؤيدا وشاعرا بخطر النوايا الإيرانية.
من أقوى المظاهر التي تلمسها في قرار عاصفة الحزم هو اتجاه الرأي العام الذي بدأ متوافقا بصورة نادرة عند مختلف الفئات والتيارات لتفهم هذه المعالجة العسكرية وضرورتها لحماية دولة شقيقة من الانهيار عبر توغل إيراني قوي منذ سقوط صنعاء، وحماية أمن منطقتنا. هذا التوافق بالموقف المبدئي ليس بالضرورة أن يكون هناك تطابق في وصف المشهد الكلي، وأهداف هذا النوع من المعالجة، ورؤية تطوراتها، لهذا تظهر درجات من الوصف والتحليل لدى البعض أكثر عمقا وشعورا بالمسؤولية من البعض الآخر، وكان حضور الشعور الوطني العام على مختلف المستويات من أقوى مظاهر الحدث، بعيدا عن الكاميرا والتصاريح الرسمية.
وبالرغم من أن عاصفة الحزم تبدو واضحة أسبابها وأهدافها الواقعية، كمبادرة لإنقاذ الدولة اليمنية من الانزلاق في الفوضى بعد الفشل لعدة أشهر وسنوات من التوصل إلى تسويات واقعية من مختلف القوى، إلا أن البعض أخذ يتحدث بحماسة زائدة، ويضع أهدافا وتصورات لا علاقة لها بالحدث وفاقدة للنضج السياسي، فبعض الشخصيات الدينية تقدم كلاما يعزز المشاعر الطائفية في اتجاهات لا تخدم الحدث نفسه ولا مستقبل منطقتنا.. بقدر ما يخدم الرؤية الإيرانية التي تغذي حضورها بمثل هذه النوع من الخطابات.
جاء رأي بعض الشخصيات المعارضة السعودية في الخارج صادما للكثيرين، ليس في كونه مختلفا أو معترضا على أي شيء، وإنما نوعية الخطاب والتحليلات التي قدمت، واللغة المتوترة بدون رؤية سياسية وطنية أو قومية أو إسلامية أو حتى منفعية .. حيث كانت الآراء لعدة أيام تعبر عن حالة نفسية غريبة.. في فقدان الاتزان بالموقف، وعدم القدرة على صناعة رأي آخر محترم.
March 28, 2015
"على ذمتي ما بيوصلوا للخمسين"!
“طبيعي يصير فيه احترام لإيران، لأنها جاءت وساعدت في سوريا.. ما فيه جيش.. الإيرانيين عدد محدود جدا، ما بعرف 20، 25، 40 .. على ذمتي ما بيوصلوا الخمسين ... “.. هذه إحدى المعلومات الثمينة التي قدمها حسن نصر الله ليلة البارحة، وميزتها أنها رقمية تعبر عن درجة المصداقية في الخطاب ! لشخصية احترقت ورقتها منذ زمن بعيد.
“طبيعي يصير فيه احترام لإيران، لأنها جاءت وساعدت في سوريا.. ما فيه جيش.. الإيرانيين عدد محدود جدا، ما بعرف 20، 25، 40 .. على ذمتي ما بيوصلوا الخمسين ... “.. هذه إحدى المعلومات الثمينة التي قدمها حسن نصر الله ليلة البارحة، وميزتها أنها رقمية تعبر عن درجة المصداقية في الخطاب ! لشخصية احترقت ورقتها منذ زمن بعيد.
هناك عينة من المغالطات السائدة في المشهد العربي، فالأفكار التي يطرحها في تقييم المشهد العربي والسياسة الخليجية والسعودية خلال العقود الماضية، تعبر عن بقايا الرؤية القومية واليسارية المتجمدة، من بعض نخب منطقة الشام ولهذا اعتبر الكلمة كاتب مثل “أسعد أبو خليل” في تغريدة مباشرة بعد الخطاب “بأنه لم يتحدث أي زعيم عربي منذ الراحل جمال عبدالناصر.. بهذه الصراحة والصدق الضروري، من أقوى خطبه على الإطلاق”. في خطابه عن المشهد العربي وإيران واليمن. توجد بعض الأفكار والقضايا التي تطرح عادة وفيها مغالطات تاريخية منذ السبعينات حول أحداث المنطقة العربية، فيتوهمها بعض النخب لتحميل دول الخليج مسؤولية الفشل العربي.
إحدى المغالطات تبدو في مسألة ضم جمهورية اليمن لمجلس التعاون، وادعى أنه رفض لأنها دولة درجة ثانية، وكأن الخليجي يحتقر اليمن، ولا يرى أنه مؤهل لهذا المجلس، ولغة قومية تحاول أن تحمل فشل اليمن ومشكلاتها لدول الخليج والسعودية. هذه الفكرة للأسف تأثر بها حتى بعض الخليجيين. المغالطة تكمن في أن مجلس التعاون منذ البداية قام على تشابه أنظمة سياسية، وليس جمهوريات.. ولو أن القضية فيها احتقار خليجي واعتبار اليمن درجة ثانية، فإن العراق كان في الثمانينات أكثر تقدما وحضورا وأهمية سياسيا واقتصاديا وجغرافيا، ولهذا؛ السؤال عن اليمن جغرافيا وسياسيا.. فيه مغالطة وتجاهل لحقائق كثيرة، فالأولى السؤال عن العراق. ومع ذلك حاولت ولا تزال تحاول دول الخليج.. ضمه تدريجيا، ودعمه اقتصاديا خلال العقود الماضية.
المغالطة الثانية تتعلق بالسياسات الخليجية في المنطقة العربية بصورة عامة، حول بعض الأحداث التاريخية، فتكرار حكاية دعم صدام حسين، لا معنى لها دون أن تستحضر مباشرة الخميني وثورته، ولهذا ما هي الغرابة في هذا الدعم. في كثير من الأحداث التاريخية يمكن أن نختلف حول التفاصيل وأسلوب إدارة الحدث.. لكن المغالطة في المبدأ ذاته، قفز على السياق التاريخي للحدث. وعندما ذكر الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982م ادعى أنه لم تأت إلا إيران وسوريا! وكأن دول الخليج لم تقدم جهودا ضخمة في تلك الأزمة، والمثير أنه يذكر سوريا وكأنها قررت ذلك بمفردها ودون تنسيق عربي.
عندما تحدث عن الإرهابيين في العراق والتفجيرات.. تناسى حسن نصر الله الدور السوري البعثي الذي يعرفه العراقيون جيدا، ونخبه السياسية.. وكيف أن دمشق كانت تنظر إلى سقوط بغداد 2003م، ونجاحها ديمقراطيا.. إلى أن جاء الدور عليها، ولذلك كانت في مقدمة من دعم عدم الاستقرار في العراق وإفشال الديمقراطية.
أما مقارنة ما يحدث في اليمن وكأنه الربيع التونسي وغيره.. فهي مغالطة مكشوفة. فالواقع أن الميليشيا الحوثية خارج نسق التغيير السلمي الرائع الذي سطره الشعب اليمني، وما فعله علي صالح والحوثيون لا علاقة له بهذا.
عاصفة الحزم هي ليست حربا من أجل الحرب، وليس لها أهداف توسعية أو سيطرة ولا حتى التخلص من أي طرف أو تيار من الشعب اليمني بمن فيهم الحوثيون، وإنما إنقاذ الدولة اليمنية من الفوضى، والتدخل الأجنبي الإيراني الذي جرب لأكثر من ثلاث عقود في لبنان.. وأصبح لبنان بوجود ميليشيا حزب الله، من أبرز الأمثلة البائسة لتعطيل الدولة العربية.
ما يميز عاصفة الحزم أنها سيناريو ورؤية سعودية خليجية، وليست غربية أو أمريكية، استطاعت فيها إخراج عملية عسكرية وبناء تحالف وتفاهم دولي واسع بصورة متقنة، أعادت للسياسة السعودية الخارجية وهجها.. وهذا هو سر الصدمة النفسية الكبرى، وحالة الهذيان التي شعر بها المعسكر الإيراني والمتحالفون معه!
alkhedr.a@makkahnp.com
March 27, 2015
اليمن.. العلاج بالصدمة
كانت الساعة الـ12 من ليلة الخميس.. لحظة تحول حاسم للإجابة على كل الأسئلة السياسية التي ظلت معلقة منذ سقوط صنعاء في سبتمبر الماضي. خلال عدة شهور اختبرت النوايا الإيرانية والحوثية على الأرض، فلم تعد مجرد ظنون، ومبالغات إعلامية.. حيث واصلت أطماعها السياسية بتدخلها العلني في اليمن، واستكمال خطوات الانقلاب الحوثي، مستغلة حالة ضعف الحكومة المركزية اليمنية بصورة عامة. مضى نهار الأربعاء.. على وقع حالة من الابتهاج في الإعلام الإيراني، وتوابعه من قنوات وأصوات في مواقع التواصل، لإقرار الأمر والواقع والاستسلام له، فيتحول الحوار والتفاوض المطلوب منذ فترة طويلة إلى مجرد إقرار بشرعية الانقلاب الحوثي، فأعادت الضربة الجوية المفاجئة.. توجيه الأمر الواقع إلى مسارات أخرى.
كانت الساعة الـ12 من ليلة الخميس.. لحظة تحول حاسم للإجابة على كل الأسئلة السياسية التي ظلت معلقة منذ سقوط صنعاء في سبتمبر الماضي. خلال عدة شهور اختبرت النوايا الإيرانية والحوثية على الأرض، فلم تعد مجرد ظنون، ومبالغات إعلامية.. حيث واصلت أطماعها السياسية بتدخلها العلني في اليمن، واستكمال خطوات الانقلاب الحوثي، مستغلة حالة ضعف الحكومة المركزية اليمنية بصورة عامة. مضى نهار الأربعاء.. على وقع حالة من الابتهاج في الإعلام الإيراني، وتوابعه من قنوات وأصوات في مواقع التواصل، لإقرار الأمر والواقع والاستسلام له، فيتحول الحوار والتفاوض المطلوب منذ فترة طويلة إلى مجرد إقرار بشرعية الانقلاب الحوثي، فأعادت الضربة الجوية المفاجئة.. توجيه الأمر الواقع إلى مسارات أخرى.
المفاجأة والصدمة بحد ذاتها.. حققت مكاسب هائلة فورية على مستوى استراتيجي ونفسي وإعلامي، وأعادت ترتيب الأوراق، والرؤية للحالة اليمنية بصورة جذرية. جميع تراكمات الماضي وسوء التقدير الذي حدث.. أدى إلى تمدد إيراني لا يريد أن يتوقف، فكانت هذه الضربة ضرورة فرضتها معطيات الواقع اليمني المتدهور. لا أحد يقول أو يدعي أن هذه الضربة أو ضربات مستقبلية هي الحل السحري، وأنها ستعيد كل الأمور إلى حالتها.. وأنها كافية، لكنها خلال ساعات معدودة قلبت المشهد، وأربكت الرؤية الإيرانية ولغتها المتغطرسة خلال الأشهر الماضية.
لم يكن نجاح الضربة الأولى في تعداد الأهداف الميدانية التي استهدفتها، وإنما قدرتها على تحقيق تفهم دولي واسع، وتحالف كبير، مما جعل التصريحات الإيرانية التي تلت ساعات الضربة تتحدث عن القوانين الدولية، فتقول المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية، إن “إيران تعتبر أن خطوة من هذا النوع خطيرة، وغير محسوبة، وتخالف القوانين والأعراف الدولية، وطالبت باحترام سيادة واستقلال الدول”، كان ظهور هذه اللغة بحد ذاتها أحد منجزات الضربة الفورية.
وإذا كان الحديث عن الأعراف الدولية فمجلس الأمن والجامعة العربية يعترفان بهادي كـ”رئيس شرعي” لليمن، والتدخل يأتي استجابة، لدعوة لرسالة وجهها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى قادة دول مجلس التعاون عن الوضع المتردي في اليمن، وكشف فيها رفض ميليشيا الحوثي لكافة سبل الحوار، وتحضيرهم لعملية عسكرية لاجتياح محافظات الجنوب.
اللغة الإعلامية المتحوثة من بعض النخب في الأشهر الماضية والتي تلمح بأنه يمكن إعطاء الحوثي فرصة من أجل حوارات وتفاوضات لمصلحة اليمن. فقد أخذوا الفرصة كافية.. واستنفد خطاب الحكمة السياسي قيمته، حيث أكدت ممارساتهم على الأرض، أن لغة القوة هي التي يفهمونها. لا يمكن الوصول إلى حوار سياسي ناجح، بدون إظهار مخالب عسكرية، واستعمالها بقدر الحاجة. الأداء السياسي الإيراني المتغطرس مؤخرا تزايد بصورة مستفزة لعدة أسباب.. في مقدمتها وهم كبير جدا أن دول الخليج لن تفعل شيئا سوى الكلام السياسي حول الحكمة والحوار، وكان اقترابها من الاتفاق الأمريكي زاد من تهورها على الأرض. الوهم الآخر أنها توقعت بأنه لا يمكن أن تتدخل مباشرة بنفسها وإنما عن طريق قوى أخرى داخلية، كل هذه الأوهام تبخرت فجأة، وظهر عبدالملك الحوثي.. على قناة الميادين بخطاب مرتبك، وتهديدي بالشتم.. يؤكد مفعول الضربة الجوية.
لا معنى لمن ينظر للحديث عن الخطوة التالية، فالشعب اليمني.. هو المسؤول عن بلده، وهي ضربة جاءت تلبية لرئيس شرعي. ومن يحاول إيهام الآخرين والتخويف بأن إيران ممكن أن تتهور وتجر المنقطة إلى مستنقع آخر من الحروب.. فالواقع يحدثنا بأنها تهورت في السنوات الماضية بما فيه الكفاية، وهذه الضربة وغيرها ستجعلها تعيد الحسابات في أكثر من منطقة.
March 21, 2015
العنف المسلح.. وغايات متحولة
الهجوم على متحف باردو العريق في تونس قبل أيام، ومقتل وإصابة عدد كبير من السياح الأجانب، يثير العديد من الأسئلة للتفكير بالإرهاب وأهدافه، والمتغيرات التي حدثت بين مرحلة وأخرى، ورحلة الغموض الفكري والتكتيكي التي تتراكم بمرور الزمن.. لجماعات وشخصيات تتوالد بلا نهاية وأفق ملموس، وكيف نفرق بين أنواع العمليات من حيث الأهداف التي تخدمها أو تخدم جهات أخرى في لحظة زمنية معينة.
الهجوم على متحف باردو العريق في تونس قبل أيام، ومقتل وإصابة عدد كبير من السياح الأجانب، يثير العديد من الأسئلة للتفكير بالإرهاب وأهدافه، والمتغيرات التي حدثت بين مرحلة وأخرى، ورحلة الغموض الفكري والتكتيكي التي تتراكم بمرور الزمن.. لجماعات وشخصيات تتوالد بلا نهاية وأفق ملموس، وكيف نفرق بين أنواع العمليات من حيث الأهداف التي تخدمها أو تخدم جهات أخرى في لحظة زمنية معينة.
مع كل حدث إرهابي في العالم.. أول ما يتبادر لذهن المراقب هو الرسالة المباشرة التي يريد إيصالها من خلف هذه العملية أو تلك، فكثير من حوادث الإرهاب تبدو متخيلة وفق صراعات وأطر معينة في الذاكرة الجمعية التي تعيش داخل أجواء الصراع وقريبة منه، حيث تصبح هذه العمليات أدوات ضغط لأحد الأطراف مهما كانت بشاعتها وعدم أخلاقيتها. هذا الإطار يجعل هذه البشاعات العنفية مفهومة دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا.. قبل الحاجة لمعرفة الفاعل قانونيا.
كثير من العمليات الإرهابية في العالم لا يعرف من هو الفاعل.. بالأدلة والوثائق، لكن الإطار الفكري أو السياسي للحدث يبدو مفهوما. الإرهاب يبدو أكثر غموضا وبشاعة عندما يتحول إلى مسار عدمي. ضعف الأمن أو عدم وجود سلطة مركزية قوية لا يبرر بعض أنواع الأعمال الإرهابية، ففي هذه الأجواء يبدو مفهوما أن تكون مناسبة لأعمال جنائية كالسرقات والسطو المسلح أكثر من غيرها.
أهداف العمل المسلح للتيار الجهادي أخذت عدة أطوار منذ السبعينات والثمانينات إلى هذه المرحلة. تغير أهداف العمليات المسلحة حدث بسبب التحولات الفكرية والمتغيرات السياسية من مرحلة وأخرى.. حيث تتشكل في كل مرحلة تبريرات فقهية وسياسية جديدة. في مرحلة السبعينات كانت فكرة الانقلابات وتصور إمكانية نجاحها تسيطر على عقلية هذه التنظيمات وقياداتها.. كتأثر متأخر بموجة انقلابات العسكر العربية ما بين الخمسينات ونهاية الستينيات، وانتهت هذه المرحلة باغتيال السادات. عنف نهاية الثمانينات غلب عليه الفكر الاحتسابي وإنكار المنكر.. بحرق محلات وتكسيرها وتعطيل مسارح. وتزامنت مع هذه المرحلة الحالة الأفغانية وتشجيع الرحلة إليها عربيا. وتشكلت معه مرحلة جديدة ستؤثر على الرؤية الجهادية لربع قرن.
كان وجود أنظمة عربية بسلطة مركزية قوية، وجماعات ضدها تكفرها، وضع إطارا عاما لشكل وصورة العنف المسلح وأهدافه، وطريقة تعامل الأنظمة العربية معه، حتى بدون معرفة تفاصيل كل عملية ومن وراءها فعلا. في التسعينات جاءت فكرة استهداف السياح كأهداف سهلة.. في مصر للضغط على الاقتصاد المصري، مع مفصل دقيق وحساس، فالسياحة بطبيعتها لا تناسبها الإجراءات الأمنية المكثفة.. لصعوبة تقييد حركة أفواج سياحية تريد الترفيه والاطلاع على البلد. حيث بدأت هذه المرحلة في عام 1990 بحادث أتوبيس سياحي في شارع الهرم.. وتعددت بعدها العمليات.. حتى جاءت العملية الأكثر بشاعة في الأقصر الشهيرة 1997، وما تلاها من تطورات وسجالات داخل بعض هذه التنظيمات وتراجعات. في هذه الفترة كانت تنضج فكرة الجهاد العالمي مع بروز عصر طالبان وابن لادن والظواهري، فجاءت عملية كينيا وتنزانيا عام 1998، وكان عدد القتلى في نيروبي مفجعا يفوق الـ200. بسبب هذا الحدث يشير جهادي سابق مع القاعدة (أيمن دين) قبل أيام في حوار مع قناة البي.بي.سي العربية إلى كيف أنه تحول ضد التنظيم وأصبح عميلا استخباراتيا لبريطانيا، بسبب هذا الحادث الضخم.. بعد أن رأى أنه عبثي ويستهدف مدنيين، ولا يتفق مع رؤيته القديمة لأهداف الجهاد. ومع ذلك استمرت القاعدة بهذا المسار وأبهرت أعدادا كبيرة من العامة والنخب العربية في لحظة ما بعد سبتمبر، قبل أن تنتهي إلى ما هي عليه الآن، من تخبط بالأفكار والرؤى.. وفقدان لبريقها.. وبدت الكفة تميل إلى الحالة الداعشية، بكل مفارقاتها وغموضها الحالي.
في كثير من مراحل العنف والصراعات المسلحة غابت القيم الأخلاقية لكن الأهداف بدت مفهومة ويمكن تخيل أسبابها بدون معرفة الفاعل. في السنوات الأخيرة.. لم تعد القيم الأخلاقية هي المفقودة فقط، وإنما فقد معها الهدف والمعنى، فتحول الإرهاب ببشاعاته عند هذه التنظيمات وكأنه غاية بذاته وليس مجرد وسيلة.
March 14, 2015
ناصر المنقور: سيرة ليست ذاتية
تمكن الباحث وكاتب السير محمد السيف أن يعيد بعمق لواجهة المشهد المحلي شخصية وطنية إدارية رائدة، من خلال سيرة حافلة بالإنجازات والنجاحات منذ خطوات التنمية الأولى لهذا البلد. إذا كانت السيرة الناجحة والتي ما زال صداها مستمرا عن حياة عبدالله الطريقي ارتبطت أهميتها بسيرة النفط المحرك الأول للتنمية، فإن شخصية المنقور ارتبطت بمجال حيوي آخر، وهو بناء الإنسان السعودي الحديث، وتأسيس التعليم العام والعالي في مجتمعنا في مواجهة تحدي البدايات.
تمكن الباحث وكاتب السير محمد السيف أن يعيد بعمق لواجهة المشهد المحلي شخصية وطنية إدارية رائدة، من خلال سيرة حافلة بالإنجازات والنجاحات منذ خطوات التنمية الأولى لهذا البلد. إذا كانت السيرة الناجحة والتي ما زال صداها مستمرا عن حياة عبدالله الطريقي ارتبطت أهميتها بسيرة النفط المحرك الأول للتنمية، فإن شخصية المنقور ارتبطت بمجال حيوي آخر، وهو بناء الإنسان السعودي الحديث، وتأسيس التعليم العام والعالي في مجتمعنا في مواجهة تحدي البدايات.
في هذا الكتاب لا تقرأ مجرد سيرة شخصية وإنما تستحضر معها سياقا زمنيا لأحداث وشخصيات، وتطورات اللحظات الأولى.. ليقف بلدنا على قدميه في مساره الحضاري المعاصر. هذا النوع من العمل التاريخي المتقن يحتاج جهودا وخبرات مثقف خاص، لانتشال سيرة حياة مثل هذه الشخصية، وإنقاذها من النسيان في وعي عدة أجيال لم تعرف عنه شيئا.. استطاع هذا الجهد البحثي بمهنية صحفية إغلاق الكثير من الأسئلة التاريخية والثقوب في ذاكرتنا الوطنية.
هناك العديد من القضايا والأحداث والأفكار التي تستحق التأمل وإعادة النظر بين سطور هذه السيرة.. فقد تناول فصل «التعليم في نجد» عددا من القضايا المهمة والشخصيات التي مرت على البلاد، والصعوبات الإدارية والثقافية حينها، وضعف الإمكانيات.. التي كانت بحاجة لشخصية قيادية مثل المنقور، فقد واجه الكثير من العوائق بوعي وحزم إداري، كتأخر إدخال مواد الحساب والهندسة وتقويم البلدان مقارنة بالحجاز. وطرحت صحفيا إشكالية استقدام المعلمين من أقطار عربية وتأثيرهم الفكري، وعرض الكتاب نماذج من بعض الكتابات حولها في ذلك الوقت. وكانت تفاصيل حضور طه حسين عام 1955م لدورة انعقدت في جدة وخطابه الذي ألقاه في هذه المناسبة، أحد الجوانب اللافتة. وأشار طه حسين في هذا الخطاب إلى مقولة فرنسية بأن «لكل مثقف وطنين»، وفيها يشيرون لقوة انتشار ثقافتهم. ولهذا قال: «لكن الذي أريد أن أقوله الآن هو الحق كل الحق، لا نصيب للسرف فيه من قريب أو بعيد، فلكل مسلم وطنان... وطنه الذي نشأ فيه وهذا الوطن المقدس»، واستعرض قصته مع أحمد عبدالغفور عطار، وإنشاده بيتين لجرير بنبرة غاضبة.
وبالرغم أن المنقور كان مسؤولا في التعليم إلا أنه كان ينتقد ذلك ويكتب عنه، وقد استغرب الشيخ ابن مانع ذلك في حينها فيقول له «كيف تنتقد بضاعتك». ومن الإشارات اللافتة في تعليم الطلاب فكرة توحيد الزي المدرسي لهم. وهي فكرة أتمنى أن تعود إلى النقاش مرة أخرى في هذا الوقت.
من أهم جوانب سيرة هذه الشخصية كانت في «رحاب الجامعة: مؤسسا ومديرا» ونوعية التحديات التي واجهها. وقد جعلت البعض ضد فكرة إنشائها ومنهم «ساطع الحصري» أبوخلدون والذي زار البلاد لاستشارته في هذا الموضوع، ورأى فيه تأجيل إنشائها، وقد قيل إنه كتب في تقريره لا يمكن افتتاحها في هذه البلاد ولو بعد خمسين عاما.
في هذه القضية يتوقف الباحث السيف عند أحد جوانب تميز هذه الشخصيات الوطنية ودورها الريادي، وهو أن المنقور كان أحد رافعي رأي المعارضة ضد افتتاح الجامعة، ومع ذلك تولى ملف إنشائها بكل أمانة وحكمة. «يستشف من هذا ما كان عليه المسؤول السعودي حينذاك... فهو يبدي لحكومته وجهة نظره بكل شفافية ومصداقية... وفي الوقت نفسه يتفانى في خدمة وطنه إذا ما كلف بإدارة مشروع».
وقد صححت هذه السيرة أحد الأخطاء التاريخية الشائعة بين المثقفين حول توليه رئاسة مجلس الوزراء في بعض الجلسات، ونشرته أيضا جريدة اليوم، ووقع في هذا الخطأ الكاتب عبدالرحمن الراشد.
كان للراحل حضور في حكاية نظام العمل والعمال وما أثير حوله من مشكلات، وأشار إلى خطاب أحمد زكي يماني الذي رفعه مبنيا على رأي أرامكو «بأن نظام العمل شيوعي» ومن الجوانب الطريفة حول قصة المجلس الأعلى للتخطيط.. اعتراض أحمد عطار عليه، لأن «التخطيط كلمة تعد من الشعارات الماركسية».
من أبرز محطات هذه السيرة في العمل الدبلوماسي كانت في عقد الثمانينات كسفير في العاصمة البريطانية، وهي حقبة تاريخية مليئة بالأحداث وحضور للصحافة العربية مع نهايات معارك الحرب الباردة. «نجد الفتاة وحكايتها» كانت من أبرز العناوين التي طرحها الكتاب وربما تثير نقاشا لاحقا، وقدم فيها المؤلف تساؤلات مهمة وآراء تستحق التأمل، ولخصها «بأنها رواية شفاهية ملفقة، وإشاعة مغرضة، هدفها كان النيل من توجه الطريقي والمنقور وفيصل الحجيلان العروبي، وتوجه المعمر اليساري، والإساءة الأخلاقية والفكرية إلى تاريخهم بإظهارهم بأنهم مجرد مناطقيين متعصبين، وتحريض النخبة الحجازية البيروقراطية عليهم».
March 7, 2015
لماذا فشل تطوير التعليم!؟
لا يحتاج الكلام عن أهمية تطوير التعليم سوى أن نردد ما يقال في أي مؤتمر أو بحث أو مواد منشورة في الإعلام. لا يوجد من هو ضد فكرة تطوير التعليم كمبدأ.. لكن وجهات النظر في تحديد نوعية التطوير الأفضل من أكثر القضايا تعقيدا عند خبراء تطوير التعليم في العالم، وليست كما يتوهم البعض بأنها مجرد خلاف بين محافظ وبين منفتح. الوجه الآخر من المشكلة أن نقد تعليمنا وتخلفه مهارة أصبح يجيدها حتى الطالب الكسول منذ مرحلته الابتدائية، فيدعي أنه لم يتح له ما يتاح للطالب الياباني أو الأوروبي، لتبرز مواهبه.. فتنمو هذه المهارة النقدية عند الكسالى، والمجتمع وتجد أثرها في المقالات والتعليقات كفكرة واحدة تتحدث عن التلقين والحفظ، وأنه لم يتح لهؤلاء العباقرة الفهم!
لا يحتاج الكلام عن أهمية تطوير التعليم سوى أن نردد ما يقال في أي مؤتمر أو بحث أو مواد منشورة في الإعلام. لا يوجد من هو ضد فكرة تطوير التعليم كمبدأ.. لكن وجهات النظر في تحديد نوعية التطوير الأفضل من أكثر القضايا تعقيدا عند خبراء تطوير التعليم في العالم، وليست كما يتوهم البعض بأنها مجرد خلاف بين محافظ وبين منفتح. الوجه الآخر من المشكلة أن نقد تعليمنا وتخلفه مهارة أصبح يجيدها حتى الطالب الكسول منذ مرحلته الابتدائية، فيدعي أنه لم يتح له ما يتاح للطالب الياباني أو الأوروبي، لتبرز مواهبه.. فتنمو هذه المهارة النقدية عند الكسالى، والمجتمع وتجد أثرها في المقالات والتعليقات كفكرة واحدة تتحدث عن التلقين والحفظ، وأنه لم يتح لهؤلاء العباقرة الفهم!
من متابعة مشكلة تطوير التعليم في السعودية في أكثر من مرحلة، من الخطأ الحديث عن التطوير وكأنه تجربة جديدة. يجب أن نعيد النظر أولا في تجارب التطوير الماضية الفاشلة، ومن المسؤول، ولماذا فشل في تطبيقها!؟ حتى لا يتكرر الفشل، فهل الخطأ في تطبيقها أم في فكرتها أم عدم تصورها للبيئة التعليمية أم في الوزارة التي طبقت خططا وأفكارا بدون أن تقوم بمناقشة أفكارها علانية وعرضها على أهل الخبرة وأخذ رأيهم. مشكلة إخفاق أي تجربة جديدة في التعليم أنها لا تظهر إلا بعد أكثر من عقد، وهنا خطورة وحساسية فكرة التطوير. وبعدها قد نجد أنفسنا أمام كارثة عميقة. فأقوى مراحل تراجع التعليم في مجتمعنا كانت في العقدين اللذين كثر الحديث فيهما عن أهمية تطوير التعليم. وقد بدأت فعلا محاولات التغيير.. وما زالت مستمرة، وللأسف منذ التسعينات لم تكن الكثير من هذه المحاولات التجديدية موفقة. والآن نواجه تراجعات كثيرة في التعليم العام، والعالي..أما التعليم التقني فقصة فشل كبرى لم يلتفت إليها حتى الآن.
في هذه الفترة نعيش مرحلة تصحيح لأخطاء كبيرة تبين أثرها السلبي على مستوى التحصيل بعد أكثر من عقد ونصف، عندما جاءت فكرة إلغاء الامتحانات النهائية، لصالح التقييم المستمر لسنوات طويلة، وسوقت بأنها طريقة متقدمة في تقييم المستوى التحصيلي للطالب، البدعة الأخرى التي أصبحت من معالم مرحلة العقدين الماضيين.. هي اختفاء حالات الرسوب، وأصبحت الوزارة تفاخر بمعدلات النجاح العالية، وأصبح معدلات أكثر الطلاب بين الممتاز والجيد جدا في أغلب المراحل منذ المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، ولم تعد هذه المعدلات تدل على أي شيء أو على تفوق يتميز بين طالب وآخر.. بقدر ما تدل على فشل التعليم.
كانت أحد مظاهر التغيير في تطوير التعليم منذ التسعينات هي كثرة المواد والكتب فوصلت المواد في بعض المراحل لأرقام كبيرة، وكانت سببا للتشتت الذهني واضطرار المعلمين لعدم الاهتمام بجزء كبير منها، فأصبحت هناك قائمة للمواد التي وجودها كعدمها.. وأصبح الطلاب لديهم حاسة وخبرة للتفريق بين مواد تمشية الحال والمواد المهمة. وزيادة المواد جاءت مع تطور الطباعة وتجارتها.. فكرة تعدد الكتب فأصبح لأغلب المقررات كتابان أو ثلاثة.. حتى وصلت العدوى للمقررات النظرية.. فأصبحت مشتتة للفهم، وكثيرا ما يتعرض أحدهما للإهمال والتركيز على واحد منهما.
في التسعينات جاءت مشروعات الحاسب الآلي وأخذت من أولياء الأمور رسوم حينها، ولم يظهر لها أثر، وبدأت مشكلة أن الحاسب نفسه يتطور بأسرع من تطور الاهتمام بهذا الجانب، وبعد أن أصبحت التقنية جزءا من واقع العصر لكل طبقات المجتمع، لم يعد هناك حاجة للافتخار بأي وجود لها. إلا من يريد أن يفتخر بوجود السبورة والطباشير في السابق.
هناك تطورات في العالم حدثت ليس لك فخر فيها، خاصة في قضية الوسائل التقنية والبرمجيات، وأصبحت متاحة بدون ميزانيات باهظة، ولم يعد الحاسب الآلي بكل استعمالاته بالعملية التعليمية والإدارات الحكومية.. في كافة المستويات مصدر فخر. وقبل أيام أقيم في مدينة الرياض المؤتمر الدولي الرابع للتعلم الالكتروني والتعلم عن بعد، والتحول نحو التعليم الالكتروني أصبح خيارا استراتيجيا في مختلف المؤسسات التعليمية في الكثير من دول العالم، وأصبح تطور المحتوى الرقمي التعليمي جزءا من تطورات العصر. جميع هذه الجهود المهمة ليست هي التطوير المفترض لمواكبة العصر.. في جودة التعليم والتحصيل، فهذه الأدوات هي مجرد امتدادات لتطور اللوح الخشبي والسبورة والطباشير وعصر الورق.. لكنها ليست هي التعليم ذاته الذي يخلق الإبداع ويزيد الإنتاجية.
February 28, 2015
المواطنة بين خطابين
قدم برنامج الميدان بإدارة الدكتور أحمد العرفج مع مطرقته الخشبية على الطاولة، وأدوات قياس الزمن للمناظرة بين ضيفيه، حلقة مثيرة للغاية، بين الدكتور توفيق السيف والدكتور عبدالرحمن العبدالكريم، لم تكن الإثارة حول قضية سنة وشيعة كما يتوقع من موضوع الحلقة، التي جعلت أفواه بعض المشاهدين مفتوحة من الدهشة، وإنما تصادم خطابين، في ساحتنا من النادر أن يلتقيا بهذه المكاشفة للأفكار والتصورات وطريقة الخطاب. أهمية الحلقة ليست في الاختلاف والتناقض في الرؤية كما يحدث عادة، وإنما خلو الحلقة من خطاب المجاملات وتكسيرها له، ففي اللحظة التي بدأ فيها توفيق السيف عبر خلال خطاب عصري منمق وفق قوالب عامة كجزء من لغة المثقف الحديث بطرحه عن المواطنة، لم يتوقع بالرغم من خبرته الطويلة في حوارات مع مختلف الخطابات التقليدية أن يواجه بخطاب كهذا بدون تنميق، ومحسنات تجميلية للفكرة، وإنما قدمها كما هي دينية بدون تغليف عصري اعتاد المثقف أن تكون في خطابه العام.
قدم برنامج الميدان بإدارة الدكتور أحمد العرفج مع مطرقته الخشبية على الطاولة، وأدوات قياس الزمن للمناظرة بين ضيفيه، حلقة مثيرة للغاية، بين الدكتور توفيق السيف والدكتور عبدالرحمن العبدالكريم، لم تكن الإثارة حول قضية سنة وشيعة كما يتوقع من موضوع الحلقة، التي جعلت أفواه بعض المشاهدين مفتوحة من الدهشة، وإنما تصادم خطابين، في ساحتنا من النادر أن يلتقيا بهذه المكاشفة للأفكار والتصورات وطريقة الخطاب. أهمية الحلقة ليست في الاختلاف والتناقض في الرؤية كما يحدث عادة، وإنما خلو الحلقة من خطاب المجاملات وتكسيرها له، ففي اللحظة التي بدأ فيها توفيق السيف عبر خلال خطاب عصري منمق وفق قوالب عامة كجزء من لغة المثقف الحديث بطرحه عن المواطنة، لم يتوقع بالرغم من خبرته الطويلة في حوارات مع مختلف الخطابات التقليدية أن يواجه بخطاب كهذا بدون تنميق، ومحسنات تجميلية للفكرة، وإنما قدمها كما هي دينية بدون تغليف عصري اعتاد المثقف أن تكون في خطابه العام.
بدأ السيف مصدوما من الخطاب الذي أمامه، ومع أنه نجح في المحافظة على هدوئه.. إلا أنه قال مرة هذا «خطاب الشيخ أبوبكر البغدادي» ومرة قال «إنه مضحك»! ذهب جزء كبير من الحلقة ومخيلة السيف لم تتمكن من تركيب ذهنية الضيف الذي أمامه وفق الأنماط التقليدية السائدة. أحد مشكلات الوعي الثقافي أنه لا يستحضر إلا نسخا محدودة للخطابات الأخرى، ولا يعرف أنه هناك نسخ عديدة، بحاجة إلى مهارات من نوع خاص لوضعها أمام أزمة العصر. فبالرغم من عدم حداثة خطاب العبدالكريم هنا إلا أنه ليس ناتجا عن ذهنية درويشية بريئة، وإنما تعرف ما تقول.. ولا تريد أن تنجر إلى لغة الضيف الآخر وفق المفاهيم العصرية، والخطابات الصحفية السائدة، والمنمقة التي لا تنتبه بدقة للتناقضات في تصور الإشكاليات المنقولة بين خطابات مختلفة المنهج. وإنما تمسك بلغته الدينية بطريقة صلبة، متلبسا دور الواعظ والداعية الذي يوجه ضيفه للصواب ويقدم له النصيحة الدينية، بين وقت وآخر.
منذ الدقائق الأولى انتهى الموضوع المطروح، وأصبح المشاهد أمام طريقتين في التفكير. يتميز السيف بذكاء في الحوارات الفضائية، لكنه هذه المرة لم يستطع اكتشاف نوعية الخطاب الذي أمامه، ولم يكن مهيأ له، فبالرغم من خبرته الطويلة في الملتقيات الرسمية والندوات والمؤتمرات الوطنية، وبالتأكيد واجه الكثير من الخطابات التقليدية. فمشكلة الضيف الذي أمامه لا يمكن اتهامه بعدم الوطنية، وعدم ولائه السياسي للدولة، بالعكس فقد بدأ في بعض اللحظات واعظا للسيف لتعديل خطابه السياسي، وأنه يجب ألا يكون محتقنا، وألا يخاطب الدولة بلغة خشنة، فيقول «يجب على الدولة» وإنما يفضل أن تقول «يستحسن..» أو «ينبغي».
ما تكشفه الحلقة ليس مجرد الدهشة، وإنما أهمية التنبه إلى إشكاليات فكرية عديدة، في المجال الديني والثقافي، ففي اللحظة التي يحاول السيف جر الخطاب إلى مفاهيم مدنية وقوانين العصر، كان الخطاب الذي أمامه يعتبرها لغة علمانية. وهي مسافة موجودة فعلا.. إذا تخلينا عن التنميق بالمفاهيم، ومواجهة الحقائق كما هي. الحل ليس بأن ندغدغ عواطف كل طرف. وإنما مواجهة من يتبنى خطابا مدنيا علمانيا بالواقع الديني للمجتمع للتفكير فيه وليس القفز عليه، ومواجهة من يتبنى خطابا دينيا بمشكلات الواقع الذي يتمدن أو يتعلمن رغما عن الجميع كجزء من تحولات العصر.
واقع كل مرحلة يفرض علينا خطابا عمليا نحاول فيه الموازنة بين عدة معطيات، باسم التوفيق بين مفاهيم الحاضر والماضي، وهذا ما يحدث على عدة مستويات، فمن الناحية الإجرائية تبدو الأنظمة والقوانين لا تفرق بين مواطن وآخر وفقا لمذهبه وفكره، وحتى اللغة الإعلامية في المناسبات تحافظ على خطاب عام وفق التقاليد السياسية الرسمية، وحتى المواطن العادي ليس مشغولا بتعريفات المواطنة ومفاهيمها، وإنما مشغول باحتياجاته المعيشية المباشرة.
ومع ذلك قد يتوهم البعض أن هذه القضايا الفكرية تهم النخب فقط، وأنها مجرد ترف. والواقع غير ذلك، أهمية هذه القضايا استراتيجية على المدى البعيد لمصلحة الوطن، كيف نصنع خطابا للمستقبل، يناسب الأجيال الحالية والقادمة، ويندمج في الخطاب الإعلامي والتعليمي والديني. فعمق التدين كما يراهن عليه الضيف العبدالكريم .. ليس بالضرورة يقود إلى مواطنة صالحة، فقد يتحول إلى منشق سياسي بسبب تشدده الديني. فجزء من تشوهات الوعي التي أحدثت تطرفا كان باسم الدين، وناتج من إهمالات قديمة في ضرورة بناء خطاب وطني متسق مع كل مرحلة. إنجاز مثل هذه اللغة التوفيقية لا يحدث إلا في داخل مختبرات ومعامل فكرية تنتجها النخب.. عبر سجالاتهم وإنتاجهم الثقافي.
February 21, 2015
تفكك تفسيرات الإرهاب
داعش لا تمثل الإسلام. داعش صناعة استخباراتية غربية. داعش سلفية جهادية. داعش إخوانية. داعش من بقايا البعث. داعش عصابة من المجرمين وقطاع طرق. داعش أحد خطط صناع الفوضى الخلاقة. داعش ذراع إمبريالية في المنطقة. داعش صهيونية ومخترقة بعملاء إسرائيل، «داعش.. عبدة شيطان العصر»: عنوان مقال لميس أندوني في العربي الجديد. المفكر يوسف زيدان يقول «أنا شايف إنهم عيال صيع .. التاريخ يقول كذا». هذه نماذج من مئات التعبيرات العربية التي تعلق على الظاهرة وتحاول فهمها. الصحافة والكتابات الأجنبية لخبراء متابعة الظاهرة العنفية في العالم العربي والإسلامي لم يقدموا شيئا يستحق في وصف الحالة من داخلها، ما عدا تحديد الفروقات بينها وبين مرحلة طالبان والقاعدة قبل أكثر من عقد، والإشارة إلى متغيرات حدثت في تقنية الاتصال. ليس المطلوب هنا الحجر على الآراء والانطباعات، وإنما استحضار حالة التفكك في تفسير الظاهرة التي وصلنا إليها، وشح المعلومات. حتى المعلومة التي تتعلق بالأرض والمساحات المسيطر عليها، ليست واضحة. فبعد معركة (كوباني) هناك تضارب كبير بين التقديرات. الجانب الأمريكي تحدث عن خسائر بحوالي 1% من الأراضي، والعراقي تحدث عن 40% للأرض التي كان يسيطر عليها.
داعش لا تمثل الإسلام. داعش صناعة استخباراتية غربية. داعش سلفية جهادية. داعش إخوانية. داعش من بقايا البعث. داعش عصابة من المجرمين وقطاع طرق. داعش أحد خطط صناع الفوضى الخلاقة. داعش ذراع إمبريالية في المنطقة. داعش صهيونية ومخترقة بعملاء إسرائيل، «داعش.. عبدة شيطان العصر»: عنوان مقال لميس أندوني في العربي الجديد. المفكر يوسف زيدان يقول «أنا شايف إنهم عيال صيع .. التاريخ يقول كذا». هذه نماذج من مئات التعبيرات العربية التي تعلق على الظاهرة وتحاول فهمها. الصحافة والكتابات الأجنبية لخبراء متابعة الظاهرة العنفية في العالم العربي والإسلامي لم يقدموا شيئا يستحق في وصف الحالة من داخلها، ما عدا تحديد الفروقات بينها وبين مرحلة طالبان والقاعدة قبل أكثر من عقد، والإشارة إلى متغيرات حدثت في تقنية الاتصال. ليس المطلوب هنا الحجر على الآراء والانطباعات، وإنما استحضار حالة التفكك في تفسير الظاهرة التي وصلنا إليها، وشح المعلومات. حتى المعلومة التي تتعلق بالأرض والمساحات المسيطر عليها، ليست واضحة. فبعد معركة (كوباني) هناك تضارب كبير بين التقديرات. الجانب الأمريكي تحدث عن خسائر بحوالي 1% من الأراضي، والعراقي تحدث عن 40% للأرض التي كان يسيطر عليها.
إذا كان جزء من هذا التشتت في التعامل ناتجا من سيلان الواقع العراقي والسوري.. مع مناطق أخرى، سائبة بإعلام غير مسؤول، فإن هناك جزءا آخر ضخما سببه التوصيفات الانتقائية المصلحية، حيث يختار المثقف والصحفي العربي المسار الذي ينتفع به، ويجعله جزءا من صناع العك وبيع الكلام.
هناك أسباب كثيرة يمكن فهمها في صناعة المغالطات حول الظاهرة الإرهابية، وتشكل جماعات العنف، فهناك من هو مشتغل كشرطي إدانة وتلفيق وانتقاء غير منهجي في نقد التراث، يقابله جيش آخر مستمر في عدم الرغبة في مواجهة أخطاء الخطاب الديني، والمفاهيم التاريخية التي صنعته، ففي اللحظة التي تتطور مهارات البلطجية المعرفية في التعامل مع الفكر العربي والديني وتحولاته، وتجاهل للنسخ المعتدلة، يتطور خطاب حركي وحزبي في حالة هروب من المراجعة، والاعتراف علانية بالأخطاء الحركية والفقهية ومحتوى الخطاب، حيث يساعد كل منهم الآخر في التشويش على فهم الأزمة التي تتكرر وتتوالد.
الجهل اللافت في تقدير عدة أمور حول داعش، يجعلنا بحاجة إلى زمن أطول في تصحيح الرؤية. ولهذا يجب التعامل بحذر مع الإعلام العربي والعالمي وتغطيته، حيث يعاني هو من عدم قدرة على اكتشاف حقيقة الكثير من الجوانب، إلا ما تجود به مواقع التواصل والتسجيلات التي تكون معدة بعناية لخدمة أهداف من يقدمها. هذا الحذر لا علاقة له بمحاولة تبرئة ثقافتنا ولا أفكارنا التعليمية ولا خطابنا الديني. وإنما لأجل وضع كل ظاهرة بمعطياتها الواقعية لمعرفة حقيقة الأزمة العربية.
وإذا كانت الحالة الداعشية لأسباب عديدة خاصة بها فرضت مساحة كبيرة من الجهل بالمعلومة من داخلها، فإنه يمكن استحضار العديد من الأسئلة التي تضع إطارا عاما للرؤية، قبل أن نقدم الكلام الانطباعي حولها. أو على الأقل نستحضر محدودية المعلومات عن الشخصيات التي وراء الظاهرة، مقارنة بما كان متاحا لنا قبل وبعد أحداث سبتمبر.
يرى جيل كيبل أن الذي وضع نظام «داعش» الجديد هو سوري اسمه أبومصعب السوري، ونشر على الانترنت سنة 2006 كتابا عنوانه «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» وقام بترجمته سنة 2008 في كتاب ذعر وشهيد. فالقاعدة «تشتغل وفق نموذج هرمي». أما «الدولة الإسلامية»، فإنها عوضت «النموذج الهرمي» الذي يستطيع العدو تدميره بنموذج «الشبكة». ويرى كيبل: أن هذا «الإرهاب غير المهيكل» يبقى قابلا للاختراق من طرف الأجهزة الاستخباراتية. في هذه الحالة مع سهولة الاختراق إلى أي حد نقف في تفسير كل عمل والتفريق بين ما هو استخباراتي أم حقيقي من فعل «العيال الصيع» وفق تعبير زيدان.
الخطورة التي نواجهها الآن، كل شيء يتفكك من حولنا، مصادر التلقي، ونوعية الاستقبال، ودول بوليسية لأكثر من نصف قرن تنهار، وحركات إسلامية في حالة تشظي، ووعينا هو الآخر يصاب بالحيرة في تفسير ما يحدث.
February 14, 2015
فكرة انهيار العقار.. وخدعة الأرقام
أصبح السؤال هل سينهار العقار أم لا.. متأخرا جدا. ولو رصدت هذا إعلاميا ستجد أنه من أكثر الأسئلة التي طرحت في السنوات الأخيرة.. لأنه ارتبط بأمنية شعبية، مع أزمة السكن، ومستوى الدخل الذي تآكل مع التضخم الذي شمل كل شيء. الأمنيات ورغبات المجتمع وحتى التصاريح الرسمية من جهات عديدة لم تفلح في الحد من تصاعده منذ أكثر من عقد. المجال الاقتصادي محكوم بمعاييره ومنطقه الخاص، واستسهال حكاية التنبؤ بالأسعار.. مرض مزمن عند الكثير من المنظرين الاقتصاديين السعوديين في الفضائيات والصحف ومواقع التواصل. بإطلاق تصاريح بأن هذا سينهار وهذا سيرتفع، ولو عرف هؤلاء وغيرهم المستقبل السعري لأي بضاعة أو مجال لأصبحوا بسهولة من أثرياء العالم، والواقع أنه حتى بيوت المال والخبراء يفشلون كثيرا في التنبؤ المستقبلي للأسعار. وتستطيع بسهولة الرجوع لكثير من التصريحات القديمة لبعض الخبراء مثلا عن النفط يوم كان سعره قريبا من العشرين دولارا. وإذا كانت الكثير من السلع وأسواق المال تفشل الكثير من التنبؤات العالمية في تقديرها لكثرة المتغيرات والمؤثرات.. فإن العقار أكثر صعوبة.
أصبح السؤال هل سينهار العقار أم لا.. متأخرا جدا. ولو رصدت هذا إعلاميا ستجد أنه من أكثر الأسئلة التي طرحت في السنوات الأخيرة.. لأنه ارتبط بأمنية شعبية، مع أزمة السكن، ومستوى الدخل الذي تآكل مع التضخم الذي شمل كل شيء. الأمنيات ورغبات المجتمع وحتى التصاريح الرسمية من جهات عديدة لم تفلح في الحد من تصاعده منذ أكثر من عقد. المجال الاقتصادي محكوم بمعاييره ومنطقه الخاص، واستسهال حكاية التنبؤ بالأسعار.. مرض مزمن عند الكثير من المنظرين الاقتصاديين السعوديين في الفضائيات والصحف ومواقع التواصل. بإطلاق تصاريح بأن هذا سينهار وهذا سيرتفع، ولو عرف هؤلاء وغيرهم المستقبل السعري لأي بضاعة أو مجال لأصبحوا بسهولة من أثرياء العالم، والواقع أنه حتى بيوت المال والخبراء يفشلون كثيرا في التنبؤ المستقبلي للأسعار. وتستطيع بسهولة الرجوع لكثير من التصريحات القديمة لبعض الخبراء مثلا عن النفط يوم كان سعره قريبا من العشرين دولارا. وإذا كانت الكثير من السلع وأسواق المال تفشل الكثير من التنبؤات العالمية في تقديرها لكثرة المتغيرات والمؤثرات.. فإن العقار أكثر صعوبة.
إن السؤال الأهم هو لماذا لم ينهار العقار.. حيث استمر لأكثر من عقد في حالة تصاعد، وأصبحت أسعار التسعينيات شيئا من الماضي!؟ بعد أزمة 2008 والكساد فيها تضخم السؤال.. وتكرر بدون أن يراجع أصحاب هذه التصاريح رؤيتهم الاقتصادية، لفهم طبيعة السوق العقارية، ولماذا لم يهتز كما حدث للعقار في دبي. المشكلة أن الذين يكررون مثل هذا الطرح حول هذه القضايا، يقدمون الأرقام المبتورة تاريخيا. فعندما يتحدثون هذه الأيام عن انهيار أو تراجع.. بنسب معينة، لا يقدمون الحقيقة بصورة واضحة، فمسألة الصعود والهبوط لا معنى لها من دون رؤية تاريخية للسعر، وهل المحصلة النهائية هو ارتفاع أم انخفاض. إن أي تراجع للأسعار أو توقف لمعدل الارتفاع لا قيمة له بعد الارتفاعات الكبرى التي أرهقت الطبقة المتوسطة. وعمليا تستطيع من خلال جولة يسيرة لأي مكتب عقاري.. وقارن المليون ريال ماذا كان يوفر لك من سكن ومساحته في نهاية التسعينات والآن.. بعد أن وصلت أسعار السكن ليس فقط لضعفها الأول ولا الثاني.. وإنما للثالث في بعض الأماكن.
عليك أن تدرك أن سعر بعض الصحاري وأكوام التراب حول المدن الكبرى منذ التسعينات ارتفع ليس ضعفا ولا ضعفين ولا ثلاثة.. بل قد وصل إلى 10 وأكثر ولهذا فإن التبشير بانخفاض 50% لا قيمة له فكيف إذا كانت مجرد 20%، وهو مجرد خداع رقمي ولفظي. فالواقع أن المحصلة النهائية ارتفاع ضخم.. مقارنة بمعدل دخل المواطن. ولتوضيح الصورة رقميا كمثال. إذا كان السعر للمتر المربع ارتفع لبر أحد المدن الكبرى يساوي 5 ريالات قبل سنوات قريبة ثم أصبح سعره 50 ريالا. هنا تضاعف السعر عشر مرات. إذا انخفض بعد ذلك السعر إلى 50% مع أي ركود هذه الأيام. سيقول لك هؤلاء ألم نقل لكم إنه سينهار.. لكن واقعيا وحسابيا وصل سعره 25 ريالا بمعنى أنه دبل خمس مرات.. خلال عقد واحد. المغالطة عند هؤلاء أنهم يقدمون نسبة الانخفاض ويحسبها عند لحظة التشبع النهائي للأسعار في هذه المرحلة.
سوق العقار لدينا ليست سوق أسهم قد يهزه بسهولة مجرد ضرب سهم قيادي، أو إشاعة عابرة، أو أي خبر سلبي. إن مجرد حصر مشكلة الأسعار المرتفعة للعقار بحكاية الهوامير وهجائهم في المقالات ورسوم الكاريكاتير والهاشتقات.. هو تبسيط مخل للفكرة متأثرة بقصة الأسهم التي تخلو هي الأخرى من جهل اقتصادي كبير. فالعقار شيء مختلف.. وخاصة في السعودية. ولهذا يفضل على السيولة التي تتآكل قيمتها لو بقيت في الرصيد. ولا تشكل نسبة العقار المرهون في السوق إلا رقما محدودا، ولا توجد فرص استثمارية تغري المواطن المتوسط بأن يبيع عقاره. أهم مؤثر هو الاستقرار الأمني ولهذا في حرب الخليج وغزو الكويت حدث هبوط سعري لافت وبيعت عمائر وفلل بأسعار غريبة واعتبرت فرصا تاريخية لا تتكرر. أما حكاية هبوط أسعار المساهمات وبعض المخططات فهذه ليست معيارا.. فهي تتكرر منذ الستينات قبل نصف قرن.. يقصها لنا الآباء كل عقد تقريبا.. وهي مضاربات وفرص استثمارية لها معاييرها ومخاطرها التي تشبه سوق الأسهم. المهم الآن أن من كان معه مبلغ قريب من المليون.. قبل عشر سنوات وأجل شراء فيلا سكنية قبل عام 2003.. يدرك أن حلم الفيلا مهدد أن يتحول إلى مجرد شقة!
عبد العزيز الخضر's Blog
- عبد العزيز الخضر's profile
- 44 followers
