عبد الله المطيري's Blog, page 6

August 12, 2015

في منطق الاعتذار

في منطق الاعتذارعبدالله المطيري     الصيغة المتبعة غالبا في الاعتذار هي كالتالي: "أعتذر إن كنت قمت بما يؤذيك" أو "أنا آسف إذا كنت قمت بما أزعجك". ما سأحاول أن أقوم به هنا هو تحليل هذه الصياغات للتعرف على ما تقوله بدقه وهل تعبر فعلا عن إعتذار أم لا. في البداية لابد من القول أن الجمل السابقة هي جمل شرطية. جمل شرطية لأنها تقوم أساسا على ربط الاعتذار بما بعد كلمة إذا. أي ربط الاعتذار بوقوع الأذى. أي أن المتحدث هنا يقول "إذا كنت آذيتك فأنا آسف". هذه الصيغة لا يوجد فيها اعتراف بوقوع الأذى وبالتالي فهي ليست إعتذارا. بمعنى أن المتحدث هنا يطلق عبارة عامة أنه آسف إذا وقع منه خطأ ولكنه لا يقول أنه وقع منه خطأ حتى الآن. في المنطق العبارة الشرطية عبارة نظرية وليست عبارة عن الواقع. بمعنى أن العبارة الشرطية هي عبارة صورية لا يكون لها دلالة على الواقع إلا إذا تم ربطها بعبارة إمبيريقية. هذا يعني أن العبارة السابقة يجب أن تضاف لها العبارة التالية لكي تكون فعلا عبارة اعتذار: أنا آسف إذا كنت أخطأت بحقك وأنا فعلا قد أخطأت في حقك..إذن أنا آسف. أو بعبارة مختصرة: أنا آسف لأنني أخطأت في حقك. لا معنى للاعتذار بدون الاعتراف بالخطأ أو على الأقل للقلوب الكبيرة المستعدة للاعتذار حتى ولو لم تخطئ فإن الجملة الشرطية السابقة تفسد المعنى. عبارة "أنا آسف" لوحدها عبارة متجاوزة لكل شروط الاعتذار من أساسها. إذن عبارة "أنا آسف لانني أخطأت في حقك" و"أنا آسف" عبارات اعتذار بينما عبارة "أنا آسف إذا كنت أخطأت في حقك" ليست تعبيرا عن الاعتذار. العبارة الأخيرة في أحسن أحوالها هي إعلان عن التزام أخلاقي نظري. أي إعلان عن كوني مستعد للاعتذار إذا وقع مني الخطأ. هذه دعوى نظرية مجردة تحتاج لربطها بالواقع لكي تصبح اعتذارا لشخص بعينه عن حدث بعينه.     السؤال هنا هل الشخص "المُعتذر له" يريد التزاما أخلاقا نظريا أو أنه يريد التزاما عمليا موجها لشخصه المحدد نتيجة لواقع أو وقائع محددة؟ يبدو لي أن الاتزام النظري لوحده لا يكفي لأن الأخلاق بطبيعتها عملية مرتبطه بشكل مباشر بالسلوك. الاتزام النظري بلا قيمة حقيقية إذا لم تتم ترجمته إلى التزام واقعي. في عين المعتذر له المسألة أشد قسوة: هي أو هو يعلم أن تم الخطأ عليه وكل ما يحصل عليه هو إعلان نظري لا يُلزم صاحبه بشيء. بمعنى أن المعتذر نظريا يمكن أن يقول التالي بدون أن يقع في تناقض: أنا آسف إذا كنت أخطأت بحقك. لكنني لم أخطئ في حقه ولذا فأنا لست بآسف. الصيغة النظرية تعطي هذا المعتذر فرصة للتراجع أو الخروج من أي التزام مرتبط بالاعتذار النظرية. باختصار الصيغة الشرطية ليست صيغة اعتذارية باعتبار أنها لا تتناقض مع رفض وقوع الخطأ وبالتالي رفض الاعتذار. الصيغة الشرطية للاعتذار لا تقدم للمعتذر لها أي التزام خاص يجعل من الاعتذار ذو قيمة ومعنى. الاعتذار بطبيعته شخصي يحمل موقف فرد أو جماعة تجاه فرد أو جماعة. الاعتذار خطاب مباشر مرتبط لذا فهو يحتاج إلى عبارة وجودية وليست عبارة نظرية. في المنطق، حتى الحديث، يمكن تقسيم العبارات إلى عبارة كلية وعبارة وجودية. العبارة الكلية تأخذ هذه الصيغة: كل البشر يموتون. العبارة الوجودية تأخذ الصيغة التالية: فلان مات. العبارة الوجودية تتحدث عن شخص معين وبالتالي فهي تصف الواقع مباشرة عكس العبارة الكلية النظرية التي لا تتعلق بشخص بعينه وتحتاج لمقدمة إضافية لكي تدل على شخص بعينه. "كل البشر يموتون" ونضيف "فلان من البشر" إذن فلان يموت. العبارة الاعتذارية بالصيغة الشرطية تحتاج هذا الرابط بين الصورة والواقع. هذا الربط معقد جدا وتتداخل فيه كثير من العوامل النفسية والاجتماعية ومنطق القوى. بمعنى آخر أن هناك حسبه معقدة بين الالتزام الأخلاقي النظري بالاعتذار وبين تحويل هذا الالتزام إلى التزام شخصي. هذه الحسبة تعيدنا إلى معضلة الفصل بين الفكر والواقع وبين القول والعمل.      التعبير عن الاعتذار بالصيغة الشرطية بدلا من الصيغة العملية الشخصية ليس مجرد إسائة في التعبير بل يمكن أن يكون تعبيرا دقيقا عن موقف فكري ونفسي محدد. الاعتذار ليس سلوكا سهلا في كل الأحوال وهناك قوى انفعالية تعمل بشدة ضد فكرة الاعتذار وتجمل مسئولية الأخطاء الفردية. هذه الصيغة الشرطية تلبي حالة ضبابية تومئ بالاعتذار ولكنها لا تقوم به وتفتح لصاحب العبارة طريق مفتوحا للتراجع والخروج من أي الاتزام في أي لحظة. هذا التحليل يحتاج إضافة ومزيد توضيح لنتعرف أكثر على لماذا يبدو الاعتذار صعبا ومؤلما للكثير من الناس وما هي القوى التي تعمل ضده وما هي المقولات الفكرية والسلوكيات الاجتماعية وقواعد التربية التي تجعل من الإنسان غير قادر على الاعتراف والاعتذار وتحمل مسئولية سلوكه تجاه الآخرين. لعل هذا يكون محور حديثنا المقبل. 
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 12, 2015 05:14

June 10, 2015

الخير العنيف

الخير العنيف عبدالله المطيري      في المقالات السابقة تحدثنا عن العنف في التواصل تحديدا في مثال حوار سقراط مع مينو. يمكن تسمية ذلك العنف بالعنف الخيّر أو العنف الجيد من وجهة نظر من يقوم به. بمعنى أن هذا العنف يّنظر له على أنه ضروري للمعرفة وبالتالي فهو جيد ومقبول. داخل الفلسفة المثالية السقراطية وضمن مذهب التعريف والجوهر، الحوار الثنائي يجب أن يلتقي في مشترك ثالث. داخل هذه الفكرة لا معنى مهم للمختلف والجديد والمغاير والمفاجئ. الصورة السقراطية أن هناك وهم يجب تجليته بالحقيقة. الحقيقة هذه مشترك ثالث متعالي لا معنى فيه للانجاز الفردي الخاص. الوصول إلى المثال الافلاطونية مثلا يفترض أن لا يختلف من فرد إلى فرد. هناك بحسب الجمهورية، من لا يستطيعون الوصول لتلك المثل بسبب طبيعتهم غير القابلة للتفلسف ولكن من يستطيعون يفترض أن يتشابهون جدا. المثل هنا مثل الشمس المتعالية التي نراها ولا نرسمها. هناك شمس واحدة لا أكثر. في هذه المشاهد كلها يختفي الآخرية والغيرية ويحضر التماثل ومبدأ التشابه. في حوار مينو يطلب سقراط من مينو أن يدعو أحد غلمانه للحوار ليثبت سقراط أن المعرفة تذكّر وأنها موجودة في أرواحنا قبل أن نولد. يأتي الغلام الذي يؤكد مينو أنه لم يتعلم الهندسة من قبل ويدخل مع سقراط في عملية سؤال وجواب طويلة يحاول فيها سقراط أنه رغم أن الغلام لم يتعلم الهندسة إلا أنه يصل لنتائج مهمة فيها. في هذا الحوار لا حضور شخصي لهذا الغلام. لا نعرف اسمه ولا نعلم عنه سوى أنه لم يتعلم الهندسة من قبل. مهمة الغلام محددة قبل أن يبدأ. أمامه خيارين: جواب صحيح أو خطأ. إجاباته يجب أن لا تعكس ذاتيته بقدر ما تعكس اشتراكه وتشابهه مع الآخرين.    الحوار المتجه للثالث المشترك يحتوي داخله عنفا يقاوم كل الخيارات ما عدى واحد. بمعنى أن الحوار المتجه للوصول إلى مشترك واحد يعمل بشكل أو بآخر على مقاومة الاختلاف. الاختلاف هنا علامة على حضور التنوع والذاتية والغيرية والآخرية. كل هذه أوهام بحسب الحوار المشغول بالمشترك الثالث. لذا فإن سقراط يتوقع من محاوريه الدخول في حالة من ألم التشويش والتشتت والشعور بالفشل. هذا الشعور بحسب الفهم السقراطي طبيعي نتيجة للخروج من الظلمات إلى النور، من الجهل إلى المعرفة. لذا فهو عنف جيد ولا وصول للمعرفة إلا من خلاله. لكن.. ماذا لو كان المشترك الثالث أحد الخيارات وليس أوحدها؟ ماذا لو كانت هي تلك العلاقات التي لا يقطعها الاختلاف؟ ماذا لو كانت المعرفة إبداعا لا تذكّرا؟ في كل هذه الحالات يمكن لنا أن نرى أن العنف الذي رآه سقراط ضروريا ليس كذلك. ربما لن نحتاج إلى هدم كل شيء سابق لكي نتحرك للأمام. ربما لا نحتاج إلى مسح الطاولة بالكامل لكي نرسم عليها صورة جديدة.     كان هذا ما يمكن بتسميته بـ"العنف الخيّر" أو "العنف الجيد" لكن ماذا عن "عنف الخير"؟ عنف الخير يعني عنف تصوراتنا عن الخير. أي التصورات التي نحملها عن الحقيقة والجمال والحق والصواب والفضيلة. ما مدى مسالمة أو عنف هذه التصورات؟ هذا السؤال يحيل مباشرة إلى الآخر باعتبار أن العنف هو فساد علاقة الذات بالآخر. علامة الفساد هنا رد الآخر للذات. أي حضور الآخر فقط من خلال الذات وغيابه حين يخرج عن أفقها. عادة يتكون الحوار السقراطي من قسمين: القسم التفكيكي والقسم البنائي. قسم مسح الطاولة وقسم الجواب الجديد. في محاورة مينو مثلا الجزء الأخير من الحوار مخصص لتعريف سقراط للفضيلة على أنها "هدية من الآلهة"، في الجمهورية مثلا يجيب سقراط على سؤال العدالة من خلال بناء المدينة الفاضلة. المقالات السابقة كانت مشغولة بعنف القسم الأول أما الآن فسنبدأ بالتفكير في عنف القسم الثاني. أي العنف الناتج تلك الإجابات التي نقدمها لنفهم من خلالها ذواتنا والآخرين والعالم من حولنا. لذا فالسؤال هنا يصبح: هل في تصوراتنا للخير والحق والجمال والصواب مساحة للآخر المختلف والغريب والأجنبي والجديد والمفاجئ؟ هل تبني هذه التصورات عالما ذاتيا أحاديا أم أنها تبني عالما مضيافا بباب مفتوح؟ هذه الأسئلة مهمة لأنها تساعدنا على رؤية أصعب ما يمكن رؤيته وهو "شر ما نعتقد أن خير" و "عنف ما نعتقد أنه سلام" و"قبح ما نعتقد أنه جميل". مفاهيمنا للخير والحق والصواب والجمال تقوم بمهة في غاية الخطورة وهي مهمة "التبرير" و"التشريع". هذه المهمة معناها نقل السلوك من فضاء الرفض إلى فضاء القبول. بمعنى أنها نقل العنف، غياب الآخر، إلى فضاء الخير بدلا من فضاء الشر. إذا كانت الأخلاق تقوم على أولوية العلاقة مع الآخر فإن هذه المفاهيم تقلب الأولويات لتكون الأخلاق ذاتها نتيجة لا مقدمة. بمعنى أن تكون العلاقة مع الآخر نتيجة لتصورات مسبقة وهذا ما يجعل الآخر مرئيا فقط في تلك الفضاءات.        أولوية الآخر إذن هي إعلان للضيافة، للترحيب، للبيت المفتوح، لاستقبال الغريب والأجنبي والمختلف. الضيافة الحقيقية تتنافى مع الشروط المسبقة. المضياف لا يحدد خصائص ضيوفه بقدر ما يفتح لهم بابه مهما كانوا في مغامرة لا تخلو الضيافة منها. "عنف الخير" يعني إذن تلك الأبواب التي نغلقها لتفصلنا عن غيرنا. هي تلك الأبواب التي ستحيط بالجمهورية الفاضلة كما سنرى في المقالات القادمة ولكنها أيضا تلك الحواجز والأسوار التي تحيط بالمدن الفاضلة المتخيلة في أذهاننا. لذا فتفكيرنا هنا هو مجرد سؤال: هل بينك وبين الآخر سور عالي وأقفال متعددة أم... باب مفتوح وترحيبة مشتاقة؟  
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2015 15:41

June 2, 2015

العنف كغياب للآخر

العنف كغياب للآخرعبدالله المطيري   في المقالة السابقة كان التفكير في العنف من خلال أحد أشهر الحوارات في التاريخ الفلسفي، حوار سقراط مع مينو. لا بد في البداية أن نذكّر أن الحوار بحد ذاته هو قطيعة مع أشكال العنف الحادة كالعنف الجسدي. بمعنى أن الحوار هو إعلان بأن هناك طريقة أخرى للتواصل وإنجاز الأهداف غير وسيلة القضاء على الآخر فيزيائيا أو إعاقة حضوره بشكل مساوي للذات. الحوار رهان على حضور الذات والآخر معا. الحوار بهذا المعنى قطيعة مع جزء هائل من العنف لكنه ليس بالضرورة قطيعة مع كل العنف. بمعنى آخر الحوار، كما في مثال مينو، قد يحمل في طياته جذورا للعنف. هذه الجذور يمكن النظر لها من خلال موقف الذات من الآخر. على سبيل المثال الحوار التقني بمعنى الحوار محدد الأهداف سلفا لا يتناقض مع تشيئ الآخر. أي لا يتناقض مع تحويل الإنسان الآخر لأداة يتم من خلالها تحقيق هدف الذات. الحوار بين التاجر والزبون هو حوار من هذا النوع. داخل هذا التواصل يحضر الطرفات بصفات وأدوار محددة تخدم الغاية التجارية. الحوار الدعوي الذي تنطلق فيه الذات إلى تحويل الآخر إلى نسخة منها يدخل في ذات السياق. الآخر هنا مجرد ذات محتملة لذا حين تفشل الدعوة يتم إعلان الحرب أو العداوة أو في أحسن الأحوال يتم إعلان القطيعة.      في حوار سقراط مع مينو يمكن ملاحظة ما يمكن تسميته بالعنف الميتافيزيقي. بمعنى العنف الذي تفرضه المقولات الميتافيزيقية على التفكير والتواصل. إحدى القوى الميتافيزيقية التي مارست ضغطا على مينو في الحوار هي ما يمكن تسميته بمذهب التعريف عند سقراط. هذا المذهب ينطلق من أن أول خطوة لفهم الأشياء تتم من خلال تعريفها. أضف إلى ذلك مذهب الجوهر ليكون التعريف هو ما يقبض على جوهر الشيء. الجوهر بطبيعته هنا واحد ومتمايز عن غيره. أمام هذا الجدار الميتافيزيقي كانت تعريفات مينو للفضيلة تتساقط الواحد تلو الآخر ليصل مينو لحالة عميقة من الارتباك والغضب. التصور السقراطي هنا أن مينو قد اكتشف بنفسه قصور ومحدودية أفكاره وأن هذا الشعور طبيعي للوصول إلى مرحلة إدراك الجهل والبدء في البحث الجاد. كل هذا ممكن ولكنه بالتأكيد ليس الطريق الوحيدة للمعرفة. الحجة السقراطية تقول أن هذا العنف "شرط ضروري" للمعرفة وهذا ما يجعل هذا العنف طبيعيا بل وخيرا باعتبار أنه يقود إلى خير أكبر وهو خير المعرفة. لكن هل هذا فعلا هو الطريق الوحيد للمعرفة؟ نعرف اليوم أن مذهب التعريف ومذهب الجوهر ليست الطرق الوحيدة للمعرفة. مثلا المعرفة الاستقرائية بعمومها تقوم على عكس هذا التفكير بحيث تنطلق من الملاحظات الواقعية لبناء أحكام متعلقة بذلك الواقع. فكرة الجوهر أيضا لم تعد متداولة أو حتى مقبولة بشكل كبير في التفكير المعاصر. الأشياء والأفكار هي نقاط التقاء لعوامل متعددة شاركت في تشكيلها وبنائها. إذا الاتفاق والتشابه هو منطق فكرة الجوهر فإن الاختلاف والتنوع هو شكل آخر من أشكال التفكير لم يكن مطروحا أمام مينو.     المقولات الميتافيزيقية المتعالية بهذا المعنى تغطّي الآخر وتخفيه باعتبار أنها تحدد مسبقا الفضاء الذي يمكن له الظهور فيه. نلاحظ هنا أن الأنا هي سيدة الموقف فهي من تضع الشرط الأساسي لحضور الآخر. الآخر هنا يظهر بقدر تشابهه لا بقدر اختلافه. حين تتوافق مع تصوراتي الذهنية المسبقة فإن تواصلنا سيستمر ولكن حين تختلف معها فإن الحوار سيتم توجيهه باتجاه مهمة محددة ينتهي التواصل بانتهائها: مهمة إقناعك لتشابهني. صحيح أن التفكير في كثير من الأحيان قد يستلزم الانطلاق من مقدمات أكبر تربط الأفكار وتنظّم الاستنتاج ولكن الفكرة هنا أن تكون الأولوية للآخر على هذه المقدمات. بمعنى أن تكون العلاقة مع الآخر سابقة بالمعنى المنطقي والتاريخي على هذه المقدمات. الآخر هو شرط هذه الأفكار وليس نتيجة لها وبالتالي فإن حضوره يفترض أن يفتح فضاء الجديد والمختلف والمفاجئ والذي هو بطبيعته تحدي لما هو مستقر وثابت.     علاقة سقراط ومينو ستكون أكثر تواصلا لو كان سقراط أكثر انفتاحا على مينو. رغم أن سقراط هو من كان يجول في الطرقات بحثا عن الحوارات إلا أن حواراته كانت محدودة الأفق باعتبار أنه كان يسعى إلى "إظهار جهل مدعي المعرفة". هذه المهمة نبيلة ولكنها في ذات الوقت تحجب الذات عن الآخر. الآخر هنا هو "مدعي المعرفة". خارج هذه الصفة يختفي الآخر. التواصل هنا محدود بهدف معين ولذا فهو نشاط موجه لأغراض اجتماعية وسياسية. الأغراض الاجتماعية والسياسية جوهرية للحوار ولكن الإشكال يتحقق حين تكون تلك الأغراض الاجتماعية أو السياسية مقدمة لطبيعة العلاقة مع الآخر بدلا من أن تكون نتيجة لها. هنا تتحقق المعضلة الأخلاقية في أولوية معايير الذات كشروط سابقة للعلاقة مع الآخر. المعادلة هذه تعني عملية رد الذات للآخر وهي العملية الجوهرية في العنف. العنف في الأخير علامة فشل على وجود الذات والآخر ولذا فهو عملية إخفاء وتغطية وتغييب للآخر. في المقالات اللاحقة سأتحدث عن نتائج هذا العنف من خلال مواقف سقراط من التعليم ومن الشعر.

http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 02, 2015 17:37

May 27, 2015

التعليم وعنف الفهم

التعليم وعنف الفهمعبدالله المطيري    من الحوارات المشهورة في الإرث الفلسفي محاورة سقراط مع مينو. في بداية الحوار يسأل مينو سقراط عن تعريف الفضيلة وهل يمكن تدريسها. كعادته لا يجيب سقراط على السؤال ويحيل الطلب من جديد على السائل. يستعرض مينو الإجابات المشهورة في عصره على سؤال الفضيلة ويقوم سقراط بنقض كل جواب مطروح لنصل في إلى مرحلة أن يسلّم مينو لسقراط أنه لم يعد يعرف فعلا ما هي الفضيلة وأنه لا يرى أي جواب واضح أمامه يمكن أن يقنعه. تسمى هذه المرحلة في الحوار السقراطي مرحلة التفكيك أو مرحلة مسح الطاولة من الإجابات القديمة المتداولة استعدادا للبدء في التفكير في الموضوع من جديد. عملية التفكيك هذه عملية مؤلمة ونجد أن مينو يشتكي كثيرا من أسلوب سقراط معه. بحسب مينو فسقراط يعمل كساحر أو كمشعوذ لديه قدرات عجيبة على إقناع الآخرين أنهم على خطأ. كيف ينقض سقراط الآراء المطروحة؟ بمعنى آخر ما هي المرجعية التي يحيل إليها لكي نعلم أن ما يقوم به ضروري ومقنع؟ كيف نعرف أن سقراط على حق؟ داخل آلية الحوار السقراطي المرجعية التي تتم الإحالة عليها لكي ينتقل الحوار من مستوى إلى آخر هي مرجعية موافقة الطرف الآخر في الحوار. بمعنى أن موافقة مينو على أطروحات سقراط تعطي نتيجتين الأولى: حسم القضية والانتقال إلى ما بعدها والثانية أن هذا الحسم لم يعد فعلا سقراطيا بحتا بل هو عمل مشترك يلزم كل أطراف الحوار. ولكن إذا كانت النتائج تتم بموافقة كل الأطراف فلماذا تألّم مينو واتهم سقراط بتشويش تفكيره. التفسير السقراطي هو أن مينو يمر بمرحلة الخروج من الكهف وهي مرحلة مؤلمة بطبيعتها.       أسطورة الكهف عند سقراط تقوم على فكرة تشبيه الناس قبل التعليم بمجموعة من البشر مقيدين في الكهف ولا يستطيعون النظر إلا باتجاه واحد الاتجاه الداخلي للكهف. هؤلاء الناس لا يعرفون أنهم في كهف فقد ولدوا في هذا المكان ولا توجد لديهم القدرة على الحركة لكي يكتشفوا طبيعة المكان. خلف هؤلاء الناس تتحرك مجموعة من التماثيل التي ينعكس ظلالها على الجدار الداخلي للكهف. لا يعلم الناس أن ما يشاهدونه هو مجرد ظلال وليس حقيقة الأشياء. لاحقا يتحرر أحد أهل الكهف ليبدأ مرحة شاقة من الخروج من الكهف مقاوما الآلام التي يسببها نور الشمس على عينيه المعتادة على الظلام. بعد أن يكتشف حقيقة الأشياء يعود هذا المتنوّر لمساعدة أهله العالقين في الظلام ولكنهم يرفضون مساعدته ويحاولون قتله. هذه الحكاية يفترض أن تبرر الألم والعنف الناتج عن التعليم. مينو يتألم ويشتكي لأنه يمر بمرحلة الخروج من الظلام إلى النور وهي مرحلة مؤلمة بطبيعتها. هذه هي الأطروحة السقراطية/الأفلاطونية ولكن هل هي فعلا التفسير الوحيد لألم مينو؟     في الأخير الحوارات السقراطية وصلت لنا عن طريق أفلاطون نفسه وبالتالي يمكن لنا أن نشكك في دقة التدوين وعرض وجهات النظر المخالفة لسقراط لكن على كل حال يمكننا الانطلاق من النصوص المتوافرة حاليا لتسجيل بعض الملاحظات: آليات النقض لدى سقراط تعتمد على افتراضات ميتافيزيقة محددة منها على سبيل المثال فرضية وجود جوهر للأشياء. بحسب سقراط هناك جوهر واحد يجمع كل الفضائل وما لم عثر عليه فإننا لا نستطيع أن ندعي أننا نعرف الفضيلة. بالتأكيد هذا إلزام أو اشتراط عالي جدا ومن المتوقع بالتالي أن تفشل أغلب الإجابات المطروحة في الوفاء به. الفرضية الثانية أن الجواب يجب أن يكون كاملا لكي يتم قبوله بمعنى أن الجواب الجزئي حتى ولو كان عال الاحتمال مرفوض من البداية. هذه المحاججة يمكن تسميتها بالمحاججة المثالية وهي من أسهل الوسائل لإسقاط كل الأطروحات. المشكلة الأكبر والتي تتكرر كثيرا في الحوارات السقراطية أن سقراط حين يتحول من المرحلة التفكيكية إلى المرحلة البنائية ويقوم بتقديم جوابه على السؤال المطروح لا يلتزم بذات المعايير التي يطلب من الآخرين الالتزام بها. على سبيل المثال في حواره مع مينو يقدم سقراط هذه المحاججة الغريبة: إذا كان من الممكن تعلّم الفضيلة فلا بد أن يكون هناك معلمين لها ولكنه لا يوجد معلمين لها إذن فالفضيلة لا يمكن تعلّمها وهي هدية من الآلهة. لو كان مينو قد طرح هذا الجواب في البداية لربما اعترض عليه سقراط بسهولة باعتبار أنه يقوم على فرضيات ضعيفة. مثلا الفرضية الإمبيريقية أنه لا يوجد معلمين للفضيلة لا يمكن إثباتها إلا من خلال تعريف الفضيلة أولا. أيضا عدم وجود معلمين للفضيلة هي أطروحة شخصية تحتاج برهنة خاصة. يبدو أن سقراط يكتفي بنفي تعليم الفضيلة حين يفشل الحكيم في جعل أبنائه فاضلين وهذه أطروحة ضعيفة باعتبار فشل المعلم مع أحد طلابه لا يعني عدم كونه معلما.    إذا كانت الصورة الأخيرة دقيقة هل يبدو ألم مينو مبررا؟ هل هناك مبرر يجعلنا نعتقد أن التعليم بطبيعته مؤلما؟ وأن الناس جهلة في أصلهم ويعيشون في الظلام ولا بد من إخراجهم للنور! نلاحظ هنا أن كل هذه المبررات تجعل من العنف أمرا مقبولا ولذا فلا بد من فحص هذه المبررات للتأكد بشكل واضح ودقيق من كونها فعلا تحيلنا إلى ضرورة تجعل من العنف أمر لا خيار لنا أمامه. في التعليم هناك الكثر من العنف المحمي بمبررات قوية. في السابق كان الاعتقاد السائد أن العنف الجسدي العقابي ضروري للتعليم ولكننا نعلم اليوم أن هذا غير صحيح وأن العنف الجسدي عقبة في طريق التعليم. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 27, 2015 04:40

May 20, 2015

العنف وأولوية المعرفة على الأخلاق

العنف وأولوية المعرفة على الأخلاقعبدالله المطيري      ماذا يعني أن يقوم التواصل بين الناس بناء على فهمهم لبعضهم؟ وما معنى أن يفهم أحدهم الآخر؟ في المقالة السابقة تحدثت عن الانغلاق على الذات كأساس للعنف باعتبار أن الذات العاجزة عن رؤية آخرية الآخر لا تعرف إلا تحويله إلى الذات كطريقة للتواصل. هذا يعني أن أتواصل معك إذا اصبحت مثلي أو شابهتني إلى درجة كبيرة. الذات هنا غير قادرة على الخروج عن ذاتها والانكشاف للآخر ولغيريته. هنا، الآخر كغريب وجديد ومفاجئ وغير مفهوم خارج الحسبة الذهنية والنفسية. التواصل المشروط بالفهم قد يحيلنا إلى هذه النتيجة: لن أتواصل معك إلا إذا فهمتك. ما دمت خارج فهمي فأنت خارج وجودي. هذه معادلة خطيرة باعتبار أنها ترد الوجود الإنساني المعقد والمتعدد إلى وجوده المفهوم بقدراته العقلية فقط.        هنا يفترض أن نحلل تصورين مختلفين للتواصل الإنساني. التصور الأول هو التواصل من أجل تحقيق "فهم مشترك" والثاني يفهم التواصل على أنه "العمل المشترك" للوصول إلى معنى. تقسيمة شبيهة من هذه قدمها David Bohm في كتابه On Dialogue. المعنى الأول يعني هو أن يتواصل البشر من أجل الوصول إلى فهم متفق عليه. إذا لم يحصل الاتفاق لم يحصل التواصل. هنا يبرز الاتفاق على أساس أنه غاية النشاط وهدفه الأساس. هذا النوع من التواصل عادة هو ما نفكر فيه حين نفكر في المفاوضات السياسية. المفاوضات ناجحة إذا وصلت إلى صيغة بيان مشترك. معدل الاشتراك هو ما يحدد معدل نجاح المفاوضات.       الانطلاق من غاية الوصول إلى هدف مشترك متوافق مع مبدأ الانغلاق على الذات باعتتبار أن نتيجة التواصل مشروطة بأن تتوافق مع ما أعرفه الآن أو ما يمكن أن يكون قابلا لأن يصبح جزءا من معرفتي. الفهم مبني على الانتظام والتوافق. لتفهم شيء جديد لا بد من ربطه بالقديم. التواصل هنا يتأسس على نجاح ربط الجديد بالقديم. تحقيق هذا الربط يعني انضمام الجديد للقديم أو الآخر للذات. الذات المنغلقة على ذاتها قادرة على التفاوض مع الآخر بحسابات ذاتية. ما يتناقض مع انغلاقها هو التواصل بدون حسابات ذاتية لها الأولوية. في المقابل الشكل الآخر من التواصل يتأسس على "العمل المشترك" للوصول إلى معنى جديد. الأساس في هذا التواصل هو الشراكة أو العلاقة الأخلاقية مع الآخر. ما ينتج عن هذا التواصل مفتوح ومتروك للتجربة التواصلية ذاتها. هذا النموذج قد يبدو غريبا على الذات المنغلقة على ذاتها لأنه يجعل من الآخر غاية للتواصل. الوجود مع الآخر، الطمأنينة أن التواصل معه لا يزال مستمرا هي جوهر هذا الشكل من التواصل. من خلال الصورة الظاهرية على الأقل لهذا التواصل نستطيع القول أنه مفتوح على الجديد والغريب والمفاجئ وغير المفهوم كذلك أو باختصار مفتوح على العلاقة اللامشروطة مع الآخر أو ما سأسميه في مقالات لاحقة: الضيافة.    شكلا التواصل أعلاه يمكن التعبير عنهما كالتالي: التواصل الأول يتأسس على أولوية الفهم. في المقابل التواصل الثاني يتأسس على أولوية الشراكة. أو بعبارة أخرى التواصل الأول يشير إلى أولوية المعرفة فيما يشير التواصل الثاني إلى أولوية الأخلاق. الأخلاق هنا تعني علاقة الذات بالآخر. التواصل الثاني يقوم على أولوية ارتباط الذات بالآخر بغض النظر عن ثمرات هذا النتائج. هذه الثمرات مهمة بالتأكيد ولكن أهميتها تأتي في الدرجة الثانية بعد أهمية قيام العلاقة. في المقابل أولوية المعرفة تعني أن علاقة الذات بالآخر تأخذ قيمتها فقط من كونها وسيلة لإنتاج المعرفة. تلك العلاقات التي لا تنتج تلك المعرفة تختفي من الاهتمام. التواصل الأول مشروط بالشرط المعرفي فيما التواصل الثاني بدون اشتراطات.      إشكال التواصل الأول أنه قد يحجب الذات عن الآخر حين لا تستطيع فهمه. نلاحظ أن كثير من العنف البشري ينتج عن خروج الآخر عن مداراتنا للفهم. في أوربا القرون الوسطى مثلا كانوا يحرقون الساحرات باعتبار أن ما يفعلنه كان خارج دائرة الفهم في ذلك الوقت. التصورات الذهنية أخرجت تلك النساء من مجال التواصل مما جعل العنف بديلا معقولا. اليوم أعمال السحر مرت بتحولين الأول أنها دخلت ضمن دائرة الفهم باعتبارها ألعاب خفة أو خدع لا أكثر. التحول الثاني وهو الأعمق أننا لا نحتاج أن نفهم هذه الظاهرة لنقبل أن تكون جزءا من وجودنا. ما يهمنا أن نتأكد منه أن هذا السلوك لا يؤذي الآخرين أو يمنع تواصلهم. الطفل الغريب في المدرسة بعاداته غير المفهومة أو طرق تفكيره الغريبة مهدد بالعنف في أجواء التواصل التي تشترط الفهم للتواصل. عدم التواصل يعني العزلة والعزلة فيها عنف شديد للذات المتشوقة للتواصل مع الآخر.     لإيضاح أولوية الأخلاق على المعرفة دعونا نتأمل العلاقات السابقة على الفهم. علاقة الطفل مع أمه في مراحلها الأولى نموذج على هذه العلاقات. الأم في الغالب عاجزة عن وضع هذه العلاقة في أفكار أو في تعابير لغوية باعتبار أن كل فكرة عاجزة عن القبض على حقيقة هذه العلاقة. في المقابل الطفل غير قادر أصلا على بلورة علاقته بأمه في سياق ذهني واعي ورغم ذلك فإن كل ما يفعل يشير إلى جوهرية هذه العلاقة مع الآخر لوجوده هو. كذلك في علاقاتنا مع الآخرين هناك احتمال كبير أن يتصرفون بطريقة لا نفهمها أو نتصرف نحن بطريقة لا نفهمها عن أنفسنا ونعجز عن إيصالها مبررة للآخر. هنا نحن أمام خيارات منها: أنا لا أفهمك وبالتالي لن أتواصل معك. أو سأتواصل معك بالرغم من كوني لا أفهمك: يكفي أن أكون بجانبك. في المقالات اللاحقة سأحاول التفكير في علاقة هذه المواقف بإمكان العنف.
 http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 20, 2015 12:40

May 12, 2015

العنف كإنغلاق على الذات

العنف كإنغلاق على الذاتعبدالله المطيري     نقاش العنف في هذه المقالات يأتي نتيجة للمقدمة الأساسية وهي أن توفير الأمان للطالبات والطلاب في المدارس شرط ضروري للنمو الأخلاقي لديهم. البيئة غير الآمنة تدفع الناس إلى أخلاق الصراع بدلا من أخلاق التعاون. الأمان هنا يعني أن لا تتحول البيئة التعليمية إلى صراع بين الأقوياء والضعفاء. المدرسة عليها أن تقوم بمعادلة الموازنة لكي يشعر الجميع بالقوة والاستحقاق رغم كل الظروف التي يمرون بها. معادلة المساواة هذه مرتبطة تماما بفهمنا للعنف باعتباره علاقة غير صحيّة بين الذات والآخر. المستوى الأول للعنف والذي عرضناه في المقالة السابقة يفهم مشهد العنف كالتالي: العنف يعني إعاقة الناس عن تحقيق أهدافهم لذا فمشهد العنف يعني أن الطرف الأول الممارس للعنف يقوم بوضع الطرف الثاني في حالة إعاقة عن ممارسة سلوكه الطبيعي بتحقيق ما يريد. أحيانا تتعارض أهداف الناس ومن الطبيعي أن لا يحقق كل منهم كل ما يريد. هنا سنحتاج قانون جماعي يوازن فرص الأفراد. العنف يأتي حين يتولى أحد الأطراف بذاته شرعية القانون حسب مصلحته الفردية. على سبيل المثال، في الصف الدراسي لدينا الطالب أ والطالب ب. الطالبان بطبيعة الحال لديهم أهداف ولكنها قد تتعارض. الطالب أ مثلا يريد كل الاهتمام في الصف ولذا فهو يهدد الطالب الآخر بالقوة الجسدية أو النفسية إذا أراد مشاركته اهتمام المعلمة. المشهد هنا يمكن تحليله على أنه صراع اهتمامات فالطالب الأول يريد أن يمنع الثاني من تحقيق ما يريد بالقوّة. المدرسة هنا يفترض أن تقوم بتوفير معادلة يحقق من خلالها كل الطلاب أعلى ما يمكن من أهدافهم. هنا من المهم أن نتذكر أن هذا يتطلب تنظر المدرسة للجميع بالتساوي لكي يكون النظر لأهداف الطلاب متساويا أيضا. هنا يمكن الحديث عن العنف في التعليم وعنف التعليم. العنف في التعليم يعني أن يحقق أحد الطلاب أهدافه بالقوة على حساب منع الآخر من ذات الحق. عنف التعليم في المقابل هو أن يقوم النظام التعليمي بتحقيق أهداف غير الطلاب على حساب الطلاب. بمعنى أن يتحول تعليم الطلاب لمساحة لتحقيق أهداف غيرهم وقمع أهدافهم. لذا مع عنف التعليم يتحول الطلاب إلى مجرد أدوات تتحقق من خلالها أهداف الآخرين.    هذا الفرق بين العنف في التعليم وعنف التعليم ينقلنا إلى المستوى الثاني من مستويات العنف وهو المستوى المتعلق مباشرة بالمسئولية الأخلاقية. هذا المستوى يدعونا للتساؤل عن دلالة العنف على المسئولية الأخلاقية عن البشر. المسئولية الأخلاقية تعني أن هناك رابط بين البشر يجعلهم يهتمون بشئون غيرهم ويشعرون بأن عليهم مسئولية مساعدة من حولهم. المسئولية الأخلاقية لا تعني فقط أني مسئول عن آثار سلوكي على الآخرين بل أني مسئول عن ما يجري للآخرين ولو لم أشارك فيه مباشرة. هذا الشعور متأسس على رابطة عاطفية تجعل الفرد يشعر بالحزن بسبب كارثة وقعت على بشر لا يعرفهم. هذا الشعور يدفع البعض فقط للمساعدة ولكنه يؤسس للعلاقة المشتركة بين البشر. المستوى الثاني من العنف يعمل ضد هذا الشعور. إنه عنف الأنانية. أي كل سلوك تربوي أو فكري يدفع الإنسان بعيدا عن أخيه الإنسان. تربية الأنانية هنا تأسس للموقف النفسي والذهني الأول المؤسس للعنف وهو أن يفكر الإنسان وكأنه الوحيد على هذه الأرض. أن يفكر الإنسان وكأنه لا يعيش مع آخرين. بالتأكيد أن الأناني يعلم أن حوله آخرين ولكنه لا يدرك أن يعيش معهم وبهم ولهم.    هذا المستوى من العنف متأسس مباشرة على موقف الذات من الآخر. بمعنى موقف الذات من آخرية الآخر. الأنانية متوافقة ومنسجمة مع الدفع بالآخر لمشابهتي. الأناني مستعد لتوسيع دائرة أناه لتشمل من يشبهونه ولكنه يعجز عن رؤية الآخر المختلف عنه كجار وشريك في ذات الوجود. هنا يكون التعليم العنيف هو التعليم المنغلق على ذاته، التعليم الأناني الذي يعمل لصالح الذات المعرّفة لديه. التعليم الأناني من الطبيعي أن يدفع بالعاملين فيه إلى الأنانية. قد يحرص التعليم على تعزيز روح التعاون داخل الجماعة الخاصة التي يعتقد أنها تمثل الأنا ولكنه يفشل في الدفع بتلك الروح لتصل إلى مستوى المبدأ وليس الانحياز الخاص. بمعنى أن لا يكون التعاون مبدأ مع الجميع بل سلوكا خاصا داخل أفراد الجماعة الخاصة. التعليم المنغلق على ذاته يتبنى آلية ممنهجة لتحويل الآخر إلى الذات. بمعنى رفض الاختلافات ودعم التوافقات. التعليم العنيف يسعى إلى تطابق الطالب والمعلم وواضع الخطة التعليمية. التطابق هو الهدف. الطلاب يدخلون المدرسة بقدرات مختلفة ومواقف مختلفة واستعداد هائل للتنوع. التعليم العنيف يرى كل ذلك تهديدا أو في أحسن الأحوال هامشيا. التركيز في المقابل يتحول إلى تعزيز التشابه والدفع باتجاهه على مستوى مضمون المعارف المقدمة للطلاب وعلى مستوى العلاقات التي تنشأ بين أفراد العملية التعليمية.     التعليم الأناني المنغلق على ذاته عنيف بالضرورة لأنه لا يرى في الناس إلا ما يشابه تصوراته. في هذا التعليم تفتح طريق واحدة فقط. هذه الطريق تصبح علامة على انغلاق خيارات الحياة الأخرى. الذات في هذا التعليم تشعر بالاغتراب لأنها ترى كل من يحيط بها يشبهها. رؤية الاختلاف وقبوله والاحتفاء به تعبّر عن ترحيب وضيافة وكرم. في المقابل اشتراط المشابهة والتوافق يعبر عن ضيق أفق وأنانية واعتزال. هذا المستوى من العنف، عنف التعليم المنغلق على ذاته هو ما سأحاول نقاشه بشكل أوسع في المقالات المقبلة. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 12, 2015 18:12

May 5, 2015

التعليم والعنف

التعليم والعنفعبدالله المطيري     هذا الجزء من المقالات مشغول بسؤال التعليم والأخلاق. سؤال مدى قدرة التعليم على تحقق النمو الأخلاقي لأعضاء العملية التعليمية بمن فيهم المعلمات والمعلمين، الطلاب والطالبات، الإداريات والإداريين، العاملين والعاملات في المدارس. بمعنى آخر النمو الأخلاقي للبشر المتواجدين في السياق المدرسي. أحد الشروط الجوهرية للنمو الأخلاقي والذي يمكن تحقيقه داخل المؤسسة التعليمية هو شرط الأمان. الأمان هنا يعني أن تكون المدرسة بيئة تعاون لا بيئة صراع. هذا يعني أن الأضعف وفقا لمعايير القوى في الخارج لا يكون ضعيفا أيضا في المدرسة. الأمان هنا مرتبط بالمستوى الأول للنمو الأخلاقي عند بياجيه ورولز وهو أخلاق السلطة. أي أن يعرف الطالب سلطة عادلة يثق بها. هذه الثقة تتحقق من خلال شعور كل الموجودين في المدرسة، خصوصا أضعفهم، بأن القوانين المطبقة عادلة ومقنعة.       هذا يتطلب بالتأكيد أن تكون المدرسة ومن يعمل بها على وعي بالظروف الحقيقية في خارجها وعلى وعي دقيق بالظروف الخاصة التي يعيش فيها طلابها. من أهم هذه الظروف أن تعرف المدرسة وبدقة عن الحالة الاقتصادية للطلاب وعن آثار تلك الظروف الاقتصادية على الطلاب. في أمريكا على سبيل المثال تقدم المدارس الحكومية وجبات إفطار وغداء مجانية للطلاب من العائلات ذات الدخل المحدود. تغذية الطفل قد تكون من أهم العوامل المؤثرة على سعادته في المدرسة وعلى نشاطه الذهني وسلوكه الاجتماعي. من واجب المدرسة تغذية الطفل الجائع. أحيانا الجوع قد لا يكون فقط نتيجة للعوز المادي ولكن لظروف متعلقة بصعوبة الحصول على شراء إفطار. في المدارس الحكومية في السعودية يشتري الطلاب وجبة الإفطار من "المقصف". غالبا تكون عملية الشراء هذه غير مرتبة وبالتالي يحتاج الطالب إلى مهارات صراعية للحصول على إفطاره. الطلاب الأضعف جسديا أو الطلاب الذين لا يفضلون الصراع والزحام قد يفضّلون الجوع على مصارعة الآخرين من أجل الحصول على إفطار. هذا المشهد الذي قد يراه كثير من المشتغلين في التعليم ثانوي مشهد أساسي واختبار مباشر وصريح على العدالة في المدرسة.    المثال السابق نموذج على كيف تتولى المدرسة توفير بيئة عادلة للطلاب والطالبات كشرط للشعور بالأمان وبالتالي تواجد فرصة للنمو الأخلاقي الذي يصل بالفرد إلى أخلاق التعاون بدلا من أخلاق الصراع. موقف المدرسة من الظلم الخارجي يجب أن يصاحبه موقف من الظلم المتوقع داخليا. سأعبر عن هذا الظلم هنا بالعنف. مفهوم العنف يحتاج إلى تفصيل لكي لا يفهم بالمفهوم الدارج والمتداول. العنف عادة يحيل إلى العدوان الجسدي من طرف شخص على شخص. الضرب في المدارس نموذج على هذا العنف. هذا مستوى مرعب من العنف ولا يزال مستمر ومقبول أو على الأقل متسامح معه في البيئات المدرسية. العنف النفسي مستوى آخر ويعني هنا الاعتداء اللفظي أو المعنوي على الآخر. العبارات القاسية التي يتساهل فيها بعض المعلمين نموذج على هذا العنف. هذه كلها نماذج حادة على العنف ولكن ما أريد الحديث هنا عنه هو الأساس الشعوري و الذهني للعنف. أي العنف كعلاقة بين الذات والآخر.    يعرّف جون ديوي العنف على أنه طاقة مهدرة. بمعنى أنها طاقة مصروفة على إعاقة أهداف الناس بدلا من تحقيقها. يميّز ديوي بين الطاقة والقوة القسرية والعنف. الطاقة مفهوم محايد للقدرة على الفعل. العنف هو الطاقة المهدرة. القوة القسرية هي القوة التنظيمية التي نحتاجها لكي لا تتضارب أهداف الناس فيما بينها. العنف بحسب ديوي هو إعاقة الناس عن تحقيق أهدافهم. بناء على هذا التصور فإن العنف في التعليم هو إعاقة الطلاب عن تحقيق أهدافهم. بمعنى أن يكون هناك من لديه أهداف تتعارض مع أهداف الطلاب ويفرض بالقوة أهدافه على أهدافهم. هذا التصور للعنف مهم جدا لأنه يعيدنا إلى العلاقة المباشرة بين أطراف علاقة العنف. بين الذات والآخر. بناء على تصور ديوي فإن العلاقة غير العنيفة هي العلاقة التي لا تعاق فيها الأهداف إلا للضرورة. الضرورة هنا ضرورة داخلية لا خارجية. بمعنى أنها ضرورة الموازنة بين أهداف أطراف العلاقة إذا كان تحقيق أهداف أحدهم يعني إعاقة أهداف الآخر. بهذا المعنى فإن العنف في التعليم ينشأ من عدم إدراك المدرسة أو العاملين فيها لأهداف كل أطراف العملية التعليمية. الطلاب وهم الحلقة الأضعف هنا يُعاملون غالبا على أنهم مستقبلين للأهداف المحددة سلفا من قبل المدرسة وكأن التعليم ليس متعلقا بحياتهم الخاصة. هذا مستوى عميق من العنف: أن يباشر أ عملية تأسيس جوهرية في حياة ب بدون أن يأخذ بالاعتبار رأي ب في الموضوع. كنت أقول باستمرار لطلابي أن حول كل واحد منهم دائرة خاصة لا يحق لأحد اقتحامها. هذه الدائرة، لو استخدمنا مفردات ديوي، هي دائرة الأهداف الخاصة. أي الدائرة التي تملتك فيها حق القرار بالكامل. طبعا من حق الطالب أن يدعو ويستضيف من يريد في هذه الدائرة ولكن ليس من حق أحد اقتحامها.     ضد العنف هنا هو إدراك حضور الآخر كشريك مساوي في القيمة والأهمية. الطلاب غالبا ما يتم إدراك أرائهم ومشاعرهم في مستويات أقل أهمية باعتبار أنهم "أطفال" ولا يدركون مصالحهم. هذه مقدمة قوية لتبرير العنف باعتبار أنها تضع أهداف الطلاب على درجة أدنى من الأهمية وبالتالي تهيء المناخ لأهداف أخرى أن تسيطر عليها وتعيقها. مبررات العنف ستكون جزء لاحق من هذا النقاش ولكن أريد أن أختم بإعادة صياغة هذا المستوى من العنف: العنف هو إعاقة الأفراد عن تحقيق أهدافهم. إذا لم يكن تحقيق كل الأهداف ممكنا فإن المبرر الوحيد للحد من الأهداف هو الموازنة بالتساوي بين أهداف الجميع. في المقالة القادمة سأتحدث عن مستوى إضافي من مستويات العنف. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 05, 2015 17:58

April 28, 2015

التعليم والنمو الأخلاقي

التعليم والنمو الأخلاقيعبدالله المطيري   الحديث عن التعليم والأخلاق يحتاج إلى توضيح من البداية فالأخلاق هنا قد تفهم على الأقل على معنيين: الأول أن تعني الأخلاق مجموعة من الأوامر والنواهي والمقاييس التي تحدد أسلوب حياة الناس. المعنى الثاني أن تعني الأخلاق العناية بالآخر والتعاون معه. المعنى الثاني هو المقصود بالأخلاق في مقالتي هذه والمقالات التي تليها. وبالتالي فإن موضوع المقالة هو عن علاقة التعليم بنمو الطالبات والطلاب أخلاقيا كأفراد يعيشون مع الآخرين. نفكر في التعليم هنا كنشاط يمكن أن يساعد في إخراج المجتمع من هذه الأزمة: حين تضعف أخلاق التعاون في المجتمع وتنتشر سلوكيات الأنانية والعزلة فإن مؤسسات المجتمع تعمل من خلال فرض الشروط الضرورية لاستمرار الحياة الاجتماعية. بمعنى أن كل ما هو ضروري لأي للحياة الاجتماعية من أمن وأمانة وثقة وحفظ للحقوق المتبادلة يتم فرضة بالقوة بدلا من أن يكون جزءا مقبولا ومتعارفا عليه داخل الجماعة البشرية. فرض هذه القوانين بالقوة يزيد من ضعف أخلاق التعاون لأن أخلاق التعاون تقوم على الاختيار بحرية وقناعة. الفرض هنا يعزز أنانية الأناني ويعيده إلى ذاته بدلا من أن يجمعه بالآخر. التعليم هنا يأتي كتجربة يمكن أن تعمل على فك هذه الأزمة. طبعا هذا أحد الاحتمالات، الاحتمال الأكبر أن يعمل التعليم على إعادة الأزمة الاجتماعية ذاتها.    التعليم، وأقصد به التعليم المدرسي هنا، بيئة مصممة لكي يمكن التحكم فيها. بمعنى أنها وإن كانت بيئة طبيعية ضمن النسيج الاجتماعي إلا أنها وإلى درجة كبيرة بيئة اصطناعية تخضع لشروط وإدارة تختلف عن غيرها من المؤسسات الاجتماعية. أغلب أطفال الحي يجتمعون يوميا في مكان واحد وهذا المكان تتم إدراته بطريقة مقصودة ومحددة. بمعنى آخر فإن أطفال الحي يتوجهون يوميا إلى مكان استثنائي يمكن أن يوفر لهم بية مختلفة ويمكن أن يكون مجرد امتداد للبيت والحارة. المدرسة هنا بالنسبة للطفل عالم آخر، عالم مفتوح خارج حدود الأسرة. المدرسة فرصة للخروج من إدارة الأسرة في البيت إلى تجربة أخرى تدار من قبل آخرين. دعونا نفكر في هاتين الحالتين: الحالة الأولى لدينا طفل يعيش في أسرة يديرها والده العنصري. والده يكره السود ويسميهم بالعبيد ويلصق بهم كل الصفات البشعة التي يمكن أن نتخيلها في البشر. وكنتيجة لذلك فهو يمنعه من اللعب معهم والإختلاط بهم وتكوين صداقات معهم. إلى عمر السابعة هذا الطفل تحت السيطرة الكاملة لإرادة والده وتجربته في الحياة فعلا خالية من اللقاء المباشر والطبيعي مع أي طفل أسود. حين يبلغ هذا الطفل السابعة من العمر ويذهب لمدرسة الحي فإنه هنا يخرج من إدراة والده الكاملة لحياته إلى إدارة مختلفة. هنا نحن أمام فرصة وأمل لا نعلم كيف ستكون. الاحتمال الأول أن تكون المدرسة تدار بعقلية تشبه عقلية الأب وبالتالي فإن الطفل لن يجد فرصة مختلفة للتعرف على الأطفال السود في مدرسته. المدرسة هنا لا تحتاج بالضرورة أن تعزل الأطفال عن بعضهم ولكنها يمكن أن تساعد في استمرار العنصرية من خلال إهمالها وعدم مواجهتها. أي أن لا تتبنى المدرسة مفاهيم المساواة بين البشر وتترك الانحيازات الثقافية خارج المدرسة تستمر داخلها. الاحتمال الثاني أن تقدّم المدرسة بيئة مختلفة وأنموذجا مغايرا من خلال توفيرها بيئة سليمة ومشجعة لهذا الطفل أن يختلط بالأطفال الآخرين رغم كل الاختلافات بينهم.     الحالة الثانية لطفلة تعيش في بيت يؤمن بالمساواة بين الجنسين وبحقوق موازية للفتاة في مجتمعها. هذه الطفلة في عمر السابعة تتوجه لمدرسة الحي لتواجه احتمالات شبيهة بالاحتمالات التي واجهناها في المثال السابق. أولا: احتمال أن تتوجه الطفلة إلى مدرسة تقوم على فكرة التمييز ضد المرأة وترسم لها خط حياة يختلف تماما في الحقوق والمسئوليات عن الذكور. الاحتمال الثاني أن تدعم المدرسة ثقافة المنزل وتعزز في هذه الطفلة شعورها بالمساواة واستحقاقها للمشاركة الاجتماعية الكاملة. هذه الأمثلة يمكن أن توضح لنا الاحتمالات التي يمكن أن يلعبها التعليم في التغييرات الاجتماعية. السؤال هنا هو كيف يتبنى التعليم ثقافة تغيير في المجتمع ومن أين تأتي هذه الفئة التي تدير التعليم وتسعى للتغيير؟ هذا سؤال جوهري ويفتح الاحتمال على علاقة التعليم بالمجتمع. من جهة التعليم المعزول عن المجتمع يفصل التعليم عن الواقع ويخل حالة وهمية وحالة انفصام تضر أكثر مما تنفع. من جهة أخرى التعليم الذي لا يحمل روح التغيير والتطوير يفشل في مهمته الأساسية وهي الاستجابة لطبيعة الحياة البشرية القائمة على التعلّم من التجارب والدفع باتجاه مستقبل أفضل. إذن هنا الموازنة الضرورية تتحقق حين ينبع التعليم من التجربة الاجتماعية المباشرة ولكنه يستجيب مباشرة إلى طبيعة التعليم وهي الاستفادة من الخبرات والتجارب والعمل على مستقبل أفضل للجميع.    في المقالات القادمة سأقدم أطروحات في ملامح التعليم الذي يمكن أن يساعد في مساعدة وتعزيز النمو الأخلاقي عن الطالبات والطلاب. أي التعليم الذي يمكن أن يساعد الطفل على أن يرى الطفل المجاور له ويرتبط به ويعلم أن وجودهما المشترك أساسي في حياة كل منهما. التعليم الذي يساعد كل طفل على أن لا يتصرف وكأنه وحده الموجود في العالم. أن يساعده على إدراك شراكته للآخرين هذا الكون وهذا العالم. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 28, 2015 16:38

April 22, 2015

بين الصراحة والنمو الأخلاقي

بين الصراحة والنمو الأخلاقيعبدالله المطيري   هذا المقال نتيجة لنقاش تويتري تلى المقال السابق. أطروحة المقالة السابقة كانت كالتالي: المجاملة الاجتماعية تقطع على الإنسان فرصة أن يرى نتيجة أقواله وأفعاله. بمعنى أن الفرد لا تصل له بشكل مباشر مشاعر وآراء الآخرين الناتجة عن تواصلهم معه. هذا الانقطاع يحرم الفرد من أن يتعرّف على حقيقة طبيعة سلوكه. الآخر الذي يفترض أن يكون هو المرآة التي ترى فيها الذات نفسها اختفى وتحوّل إلى مرآة مزيفة تعكس صورة مزيفة. الفرد يعرف أن هذه الصورة مزيفة لأن صور مغايرة لها تصل له عبر الآخرين ولكنها هذه المرة تصل بطرق ملتوية تجعل من الممكن تجاهلها ولو ظاهريا بدعوى أنها مدفوعة بنوايا غير طيبة. ضربنا مثال بشخص يخلق الرويات ليثبت للآخرين أنه مهم ومُتابع من جهات عالمية. المستمعون لا يظهرون أمامه إلا الموافقة أو الصمت لكن الأخبار تصله باستمرار أن فلان يتهمه بالكذب من وراء ظهره. صاحبنا بدلا من أن تصل له رسالة صادقة بأن كذبه غير مقبول تأتي رسالة لا يصدقها ويتهم صاحبها بسوء الخلق لأنه ذكر ما يسوءه من وراء ظهره. صاحبنا خسر الفرصة التالية: أن يواجهه من يحترمهم برأيهم في سلوكه مما قد يدفعه لتعديله. هذا المشهد يمثل نموذج على إعاقة المجتمع للنمو الأخلاقي عند الأفراد.    مجموعة من القارءات والقراء أشكلوا الصورة السابقة كالتالي: الصراحة التي تطالب فيها قد تكون أيضا حجابا بين الذات والآخر. الصراحة قد تكون بوابة للإساءة للآخرين. نحن لا نعيش في بيئة مثالية وليس كل الأفراد يبحثون عن مرآة يرون فيها أنفسهم. ربما يفضلون الهرب من هذه الصورة ولو قليلا. هذا اعتراض وجيه وحقيقي. في الأخير الناس تختلف أذواقهم ومزاجاتهم وقد يكون تعبيرهم عن ما يرونه في خيارات الآخرين بابا واسعا لإفساد علاقتهم. هذا الاعتراض يطرح سؤال مهم وهو عن كيف يمكن التواصل المباشر والصادق فرصة لإنشاء واستمرار العلاقة مع الآخر وليست لقطعها أو شويشها؟ برأيي أنه يمكن أن نبدأ النقاش بإجراء تقسيم جوهري بين شئون الفرد العامة وشئونه الخاصة. شئون الناس الخاصة يفترض أن لا تكون موضوعا لتواصلنا معهم إلا إذا طلبوا منّا ذلك. التعبير عن آرائنا في خيارات الناس في شئون حياتهم الخاصة كأسلوب الحياة، الذوق الفني، الاهتمامات..الخ هو ما يفسد علاقتنا معهم. هذا الفضاء هو كذلك برأيي فضاء المجاملات التي لا تعبّر عن الكذب والخداع بقدر ما تعبّر عن احترام أذواق وخيارات الناس في شئونهم الخاصة حتى ولو لم تعجبنا. في المقابل نستطيع أن نقول أن سلوك الإنسان في المجال العام أي سلوكه المعلن بشأن قضايا عامة أو في وسائل عامة أو في عمله كموظف عمومي هو موضوع ومجال التواصل الصريح والصادق. المجاملة في هذا الفضاء تعتبر كذبا وتزييفا.       كذلك يدخل في باب المجال العمومي الخطاب الموجه بين الأفراد. بمعنى أنه حين يوجه إنسان ما خطابا مباشرا لإنسان آخر ويرحب به للتواصل فإن على الطرف الآخر مسئولية الصدق والإخلاص والأمانة. بهذه المعادلة يمكن برأيي أن نوازن بين حق الأفراد علينا بأن نصدقهم القول وبين أن نحفظ لهم فضاءاتهم الخاصة التي لا يطلبون فيها رأيا من أحد. كذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن مراعاة مشاعر الأفراد لا بد من موازنتها مع آثار سلوكهم على الآخرين. بمعنى أن سلوك الأفراد المتعلقة بالآخرين لا يجب أن نحجم عن التعبير عن رأينا فيها لمجرد أن هذا الرأي قد لا يعجب الفاعل. المتأثرون بالفعل لهم قيمة أعلى وبالتالي فلا بد من التعبير عن رأينا في الفعل انطلاقا من حق المتأثرين به علينا. هذا المبدأ النفسي والفكري خلف كل حراك من أجل العدالة وينطلق من مبدأ المساواة بين أطراف العلاقة. كذلك لا بد من الانتباه إلى أن التواصل مع الآخر لا بد أن ينظر له بمنظار أوسع من أن تقرأ بحسب الردود المباشرة والأولى. في أحيان كثيرة التواصل يولد بعد ردود فعل مباشرة تثير الاستياء والغضب. أحيانا نحتاج وقتا أطول لتهدأ مشاعرنا ووتضح لنا الأمور أكثر لندرك أن من صارحنا ولو آلمنا في البداية هو الأقرب لنا والأكثر احتراما لنا. الصراحة تؤسس لمعنى أعمق بين الأفراد وهو الاحترام. الاحترام هنا يتم التعبير عنه بعقد أخلاقي متجاوز للمواقف اللحظية المباشرة إلى ارتباط أعمق لا يرر لنا الكذب على الآخر أو خداعه بعبارات مؤقتة ومغشوشة.     بهذه الموازنة بين وجودنا في الفضاء العام مع الآخرين وبين خصوصيات الآخرين يمكننا الحصول على قدر أكبر من الصراحة والصدق بدون أن نتجاوز على الحقوق الأخلاقية للآخرين. كذلك من المهم الإشارة إلى دور السياق الذي نطلق فيها تعبيراتنا وأثرها على استقبال الآخر لما نقول. هناك حس إنساني يصل غالبا للآخرين يعطيهم الانطباع أن ما يقال لهم ينطلق من شعور طيب أو العكس. مثلا الانسان الذي لا يحسن استقبال أراء الآخرين فيما يفعل ويقول يحدّ من فرصة استقبالهم لما يقول. كذلك إحسان اختيار المفردات في التواصل مع الآخرين جوهري فاللغة لا تنقل فقط مضمون ما نقول بل مضمون ما نشعر به كذلك. أيضا من المهم إبقاء تعابيرنا مرتبطة بالسلوكيات وأن لا تتحول إلى أحكام عمومية على الأشخاص. بمعنى آخر الأشخاص ليسوا موضوعات أحكامنا بل سلوكياتهم.  
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 22, 2015 04:28

April 14, 2015

المجاملة والنمو الأخلاقي

المجاملة والنمو الأخلاقيعبدالله المطيري   كنت في نهاية المقال السابق قررت التفكير في الدور الذي يمكن أن يقوم به التعليم العمومي لإحداث تغيير في المجتمع. بمعنى أن يكون التعليم طريقا للخروج من هذه المعضلة: المجتمع لا يستمر إلا بالتعاون ولكن الأفراد لا يملكون أخلاق التعاون. النتيجة ستكون أن تمارس المؤسسات العنف لتحقيق الحد البسيط من شروط التعاون ولكن هذا لا يكفي بل يعني استمرار المشكلة. التعليم هنا يمكن أن يكون البيئة التي يمكن إدارتها بشكل معين بحيث نعمل على أن لا تتكرر أخلاق الجيل القديم مع الجيل الجديد. طبعا لن يكون الفرق هائلا ويفترض أن لا يكون ولكن الأمل في تغيّر تدريجي للأفضل. لكن بدلا من هذا الحديث سأتحدث عن اتصال حدث بيني وبين أحد الأصدقاء ذكر لي فيه حادثة مهمة ومتعلقة بنقاشنا هنا. يقول لي صاحبي أن له قريب  يكذب كثيرا بطرق مبالغ فيها لدرجة هائلة منها أنه يدعي أنه مطارد من جهات دولية بسبب عبقريته. يقول صاحبي أن صاحبه لا يعاني من تخيلات أو تهيؤات لأسباب صحية بل يكذب بوعي لتحقيق أهداف اجتماعية. يقول صاحبي أنه لم يواجه قريبه يوما بالحقيقة. كل ما يفعل هو أن يستمع له بدون تفاعل. يقول: كثيرون مثلي لا يواجهونه بحقيقته احتراما للقرابة وعدم الرغبة في توتير العلاقة معه. ما يقوله صاحبي أمر ليس بالجديد عليّ. أعلم أن في مجتمعنا ترتفع معدلات المجاملات لدرجة أن الناس لا تواجه بعضها بما تعتقد. بمجرد أن يغادر هذا الشخص المكان يطلق الناس أرائهم وبأشكال في غاية الحدّة والقسوة. ما أريد أن أناقشه هنا هو أثر هذا السلوك الاجتماعي على النمو الأخلاقي للأفراد. بمعنى كيف تنمو أخلاق التعاون عن الأفراد في مجتمع لا يواجه الأفراد فيه بعضهم بعضا بصراحة؟      قلنا في مقالات سابقة أن تربية التعاون قائمة على حضور الآخر في تفكير الذات. بمعنى أن الذات المفكرة راسمة الخطط والأهداف تفكر في حضرة الآخر كشريك له مقام مثيل لمقام الذات. هذه العملية تتحقق من خلال التعرّف على الآخر أو إجراء رابطة جوهرية معه. هذا معناه التواصل. التواصل يعني أن تعود لنا أفعالنا وأقوالنا من منظور الآخر. الأخ الذي يستولي على لعبة أخته لن يعرف معنى سلوكه حتى يصل له صوتها. المعنى هنا ليس صراخها الرافض بل أن يتحول هذا الألم عندها إلى أثر يربك عالم الأخ ويحدث تغييرا فيه. أي أن يتحول ألم الآخر إلى إخلال باستقرار الذات يجعل الأخ يعرف بشكل أعمق أثر فعله. مع الأطفال قد يحتاج هذا لتدخل خارجي. تربية الدلع والقسوة تقطع هذا التواصل. الدلع يحمي الطفل المدلل من المعاناة من نتائج سلوكه والقسوة تفرد في إيذاء الفرد لدرجة قطع علاقته مع الآخر ومع مفهوم العدالة. السؤال هنا هل يمكن فهم قصة صاحبنا من هذا المنظور؟ هل يقوم المجتمع المجامل بشيء مشابه لما تقوم به تربية الدلال؟    قريب صاحبنا يكذب وينسج القصص الخيالية عن أهميته وبطولاته ولكنه لا يواجه من يقول له أن ما يقوله خال من الأدلة ولا يوجد مبرر لتصديقه. بهذا الشكل فإن هذا الشخص محروم من أن يرى صورته الكذّابة في أعين الآخرين. الآخرون يساهمون في عزله ووحجبه عن آثار أفعاله. لو واجهوه وأخبروه أن ما يقوم به يعكس سلبيا على صورته عنده فلربما أدى به ذلك إلى مراجعة سلوكه وإعادة النظر فيه. طبعا المجتمع المجامل ليس مجتمعا لطيفا. هذا المجتمع يعبّر عن نفسه بأشكال مختلفة غير مباشرة. أنا متأكذ أن قريب صاحبي ناسج الرويات والبطولات قد وصل له كلام سلبي قيل في حقه من قبل آخرين. هذا الكلام فيه ردود فعل على سلوكياته. المشكل أن هذا الكلام وصل في سياق "كلام في الظهر" أو "غيبة أو نميمة". هذا السياق يوفر للفرد داعم نفسي قوي أن لا يأخذ ما قيل فيه على محمل الجد وأن يتجاوزه على اعتبار أنه مجرد حسد أو غيره أو ما شابهها. هنا يحصل الفرد على ردة فعل وصوره لذاته في عيو الآخرين ولكنها تصل في قالب مشوّه يجعل من السهل عليه إنكارها وتجاهلها أو على الأقل عدم الاعتراف بها في وعيه رغم أثرها النفسي عليه.       هنا نشاهد حالة من انقطاع التواصل المباشر بين أفراد المجتمع وأثر ذلك على نمو الأفراد أخلاقيا. في بيئة لا يصارح الناس بعضهم بعضا بآرائهم ومشاعرهم يفقد الأفراد فرصة التعرف على الآخر وتكوين علاقة تواصلية معه مما يؤدي إلى انقطاع الطريق أمامهم للتعرف على أنفسهم ورؤيتها في أعين الآخرين. عيون الآخرين هنا تبدو مراوغة ومحتالة وترسل رسائلها من الخلف. العين هنا لا تتواصل مع العين ولكنها ترسل رسائلها من بعيد ومن طرق غير مباشرة. ماذا لو جلس صاحبنا مع قريبه جلسة مصارحة وذكر له أنه لا يصدق الحكايات التي يرويها، ماذا لو قال كل هذا بلغة محب وبروح صادقة؟ نعم قد يغضب قريبه قد يتهمه بالغيرة أو ما شابهها ولكن هناك برأيي أمل كبير في أن يدرك هذا الشخص ولو بعد حين أن قريبه قد صدقه القول وأن الكذب لن يبني له الصورة التي يريد أن يبنيها لنفسه. ربما تكون هذه المصارحة هي ما سيكسر حاجز الاغتراب بين هذا الانسان ومن حوله. الكذب في الأخير علامة على الاغتراب، علامة على العيش وحيدا في عالم متوهم. هذا كله ربما فتح أفقا جديدا لإعادة العلاقة مع الآخرين بالتعاون هذه المرّة لا بالكذب والاحتيال. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 14, 2015 16:29

عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.