العنف كإنغلاق على الذات

العنف كإنغلاق على الذاتعبدالله المطيري     نقاش العنف في هذه المقالات يأتي نتيجة للمقدمة الأساسية وهي أن توفير الأمان للطالبات والطلاب في المدارس شرط ضروري للنمو الأخلاقي لديهم. البيئة غير الآمنة تدفع الناس إلى أخلاق الصراع بدلا من أخلاق التعاون. الأمان هنا يعني أن لا تتحول البيئة التعليمية إلى صراع بين الأقوياء والضعفاء. المدرسة عليها أن تقوم بمعادلة الموازنة لكي يشعر الجميع بالقوة والاستحقاق رغم كل الظروف التي يمرون بها. معادلة المساواة هذه مرتبطة تماما بفهمنا للعنف باعتباره علاقة غير صحيّة بين الذات والآخر. المستوى الأول للعنف والذي عرضناه في المقالة السابقة يفهم مشهد العنف كالتالي: العنف يعني إعاقة الناس عن تحقيق أهدافهم لذا فمشهد العنف يعني أن الطرف الأول الممارس للعنف يقوم بوضع الطرف الثاني في حالة إعاقة عن ممارسة سلوكه الطبيعي بتحقيق ما يريد. أحيانا تتعارض أهداف الناس ومن الطبيعي أن لا يحقق كل منهم كل ما يريد. هنا سنحتاج قانون جماعي يوازن فرص الأفراد. العنف يأتي حين يتولى أحد الأطراف بذاته شرعية القانون حسب مصلحته الفردية. على سبيل المثال، في الصف الدراسي لدينا الطالب أ والطالب ب. الطالبان بطبيعة الحال لديهم أهداف ولكنها قد تتعارض. الطالب أ مثلا يريد كل الاهتمام في الصف ولذا فهو يهدد الطالب الآخر بالقوة الجسدية أو النفسية إذا أراد مشاركته اهتمام المعلمة. المشهد هنا يمكن تحليله على أنه صراع اهتمامات فالطالب الأول يريد أن يمنع الثاني من تحقيق ما يريد بالقوّة. المدرسة هنا يفترض أن تقوم بتوفير معادلة يحقق من خلالها كل الطلاب أعلى ما يمكن من أهدافهم. هنا من المهم أن نتذكر أن هذا يتطلب تنظر المدرسة للجميع بالتساوي لكي يكون النظر لأهداف الطلاب متساويا أيضا. هنا يمكن الحديث عن العنف في التعليم وعنف التعليم. العنف في التعليم يعني أن يحقق أحد الطلاب أهدافه بالقوة على حساب منع الآخر من ذات الحق. عنف التعليم في المقابل هو أن يقوم النظام التعليمي بتحقيق أهداف غير الطلاب على حساب الطلاب. بمعنى أن يتحول تعليم الطلاب لمساحة لتحقيق أهداف غيرهم وقمع أهدافهم. لذا مع عنف التعليم يتحول الطلاب إلى مجرد أدوات تتحقق من خلالها أهداف الآخرين.    هذا الفرق بين العنف في التعليم وعنف التعليم ينقلنا إلى المستوى الثاني من مستويات العنف وهو المستوى المتعلق مباشرة بالمسئولية الأخلاقية. هذا المستوى يدعونا للتساؤل عن دلالة العنف على المسئولية الأخلاقية عن البشر. المسئولية الأخلاقية تعني أن هناك رابط بين البشر يجعلهم يهتمون بشئون غيرهم ويشعرون بأن عليهم مسئولية مساعدة من حولهم. المسئولية الأخلاقية لا تعني فقط أني مسئول عن آثار سلوكي على الآخرين بل أني مسئول عن ما يجري للآخرين ولو لم أشارك فيه مباشرة. هذا الشعور متأسس على رابطة عاطفية تجعل الفرد يشعر بالحزن بسبب كارثة وقعت على بشر لا يعرفهم. هذا الشعور يدفع البعض فقط للمساعدة ولكنه يؤسس للعلاقة المشتركة بين البشر. المستوى الثاني من العنف يعمل ضد هذا الشعور. إنه عنف الأنانية. أي كل سلوك تربوي أو فكري يدفع الإنسان بعيدا عن أخيه الإنسان. تربية الأنانية هنا تأسس للموقف النفسي والذهني الأول المؤسس للعنف وهو أن يفكر الإنسان وكأنه الوحيد على هذه الأرض. أن يفكر الإنسان وكأنه لا يعيش مع آخرين. بالتأكيد أن الأناني يعلم أن حوله آخرين ولكنه لا يدرك أن يعيش معهم وبهم ولهم.    هذا المستوى من العنف متأسس مباشرة على موقف الذات من الآخر. بمعنى موقف الذات من آخرية الآخر. الأنانية متوافقة ومنسجمة مع الدفع بالآخر لمشابهتي. الأناني مستعد لتوسيع دائرة أناه لتشمل من يشبهونه ولكنه يعجز عن رؤية الآخر المختلف عنه كجار وشريك في ذات الوجود. هنا يكون التعليم العنيف هو التعليم المنغلق على ذاته، التعليم الأناني الذي يعمل لصالح الذات المعرّفة لديه. التعليم الأناني من الطبيعي أن يدفع بالعاملين فيه إلى الأنانية. قد يحرص التعليم على تعزيز روح التعاون داخل الجماعة الخاصة التي يعتقد أنها تمثل الأنا ولكنه يفشل في الدفع بتلك الروح لتصل إلى مستوى المبدأ وليس الانحياز الخاص. بمعنى أن لا يكون التعاون مبدأ مع الجميع بل سلوكا خاصا داخل أفراد الجماعة الخاصة. التعليم المنغلق على ذاته يتبنى آلية ممنهجة لتحويل الآخر إلى الذات. بمعنى رفض الاختلافات ودعم التوافقات. التعليم العنيف يسعى إلى تطابق الطالب والمعلم وواضع الخطة التعليمية. التطابق هو الهدف. الطلاب يدخلون المدرسة بقدرات مختلفة ومواقف مختلفة واستعداد هائل للتنوع. التعليم العنيف يرى كل ذلك تهديدا أو في أحسن الأحوال هامشيا. التركيز في المقابل يتحول إلى تعزيز التشابه والدفع باتجاهه على مستوى مضمون المعارف المقدمة للطلاب وعلى مستوى العلاقات التي تنشأ بين أفراد العملية التعليمية.     التعليم الأناني المنغلق على ذاته عنيف بالضرورة لأنه لا يرى في الناس إلا ما يشابه تصوراته. في هذا التعليم تفتح طريق واحدة فقط. هذه الطريق تصبح علامة على انغلاق خيارات الحياة الأخرى. الذات في هذا التعليم تشعر بالاغتراب لأنها ترى كل من يحيط بها يشبهها. رؤية الاختلاف وقبوله والاحتفاء به تعبّر عن ترحيب وضيافة وكرم. في المقابل اشتراط المشابهة والتوافق يعبر عن ضيق أفق وأنانية واعتزال. هذا المستوى من العنف، عنف التعليم المنغلق على ذاته هو ما سأحاول نقاشه بشكل أوسع في المقالات المقبلة. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 12, 2015 18:12
No comments have been added yet.


عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.