عبد الله المطيري's Blog, page 3

March 8, 2016

الضيافة والحقوق

الضيافة والحقوقعبدالله المطيريتقول الباحثة في فلسفة الضيافة Judith Still "الضيافة بالتعريف عبارة عن بناء اجتماعي ينظّم العلاقة بين الداخل والخارج وبهذا المعنى فهو ينظم العلاقة بين المجال العام والمجال الخاص".
بهذا المعنى فإن حضور الضيافة في المجال العام ليس أمرا غريبا أو جديدا، فالضيافة كانت دائما تعمل في الحدود والخطوط الفاصلة لتفتح داخلها أبوابا للتواصل. ذكرنا سابقا أن الضيافة حالة خاصة من الكرم مرتبطة تحديدا بمشاركة المكان. سبق أن ذكرت أن التغييرات الكبيرة في الحياة المعاصرة جعلت المجال العام المجال الذي يقصده الناس لقضاء حاجاتهم. العصر المؤسساتي الذي نعيشه جعل لقاء صاحب الحاجة وصاحب القدرة على تلبية هذه الحاجة غالبا في سياق مؤسسات عامة. السؤال الذي توقفنا عنده هو إذا كان المجال العام مبني أساسا، بسبب طبيعته السياسية، على فكرة التعاقد الاجتماعي وما ينتج عنها من حقوق، فما هي الحاجة للضيافة؟ بمعنى أن صاحب الحاجة إذا ذهب إلى المؤسسة العمومية فهو يبحث عن حقه ويتوقع من الموظف الذي يحصل على راتبه من المال العام أن يقوم بعمله الذي حدده القانون ولا يبحث عن عطاء وكرم خاص. بهذا المعنى تبدو الصورة وكأننا لسنا بحاجة للضيافة في حال توافر وتطبيق نظام يحفظ للناس حقوقهم ويحدد بعدالة طبيعة العلاقات بين الأفراد في المؤسسات.
الآن سأحاول الاعتراض على الصورة السابقة والمحاجّة بأن الضيافة ضرورية في المجال العام للسببين التاليين: أولا الضيافة هي أساس العلاقة الحقوقية، وثانيا أننا فعلا نحتاج ما وراء الحقوق في المجال العام. وسأحاول توضيح النقطتين السابقتين.
الضيافة لها مكان مؤسس في المجال العام لأنها تمثل الأساس الأخلاقي للتعاقد الاجتماعي. التعاقد الاجتماعي وما ينتج عنه من السلم الاجتماعي والقوانين ومنظومات الحقوق قائمة على الثقة بين المتعاقدين. نلاحظ هنا أننا أمام خيارين: التعاقد أو الغلبة، الرضى أو الجبر. التعاقد قائم على التراضي والثقة بين الأطراف. هذه الثقة لا يمكن أن تتحقق بدون أخلاق الضيافة، أي بدون بعد الوجود من أجل الآخر. الضيافة هنا هي المقابل للاحتراب ومحاولة القضاء على الآخر. الضيافة بهذا تعتبر بناء اجتماعيا للحفاظ على الآخر وتعزيز وجوده. الأخلاق هنا هي العلاقة بين الأفراد، بينما السياسة هي العلاقة بين الأفراد والمؤسسات أو العلاقة بين الأفراد في المؤسسات. الأخلاق بهذا المعنى أولية على السياسة لأنها هي العلاقة الضرورية لتشكيل البناء السياسي والحقوقي.
التصور الآخر للمجال الحقوقي يطرح الصورة التالية: المجال العام بما فيه من منظومات سياسية حقوقية قائم على فكرة الصراع والغلبة ولا تستقر الأمور إلا بإحداث توازن قوى يضمن عدم غلبة طرف على الآخر. هذه الصورة تصف جزءا من الواقع بالتأكيد، لكنها تصف الجانب الذي قامت المؤسسات أصلا لمقاومته والتخفيف من سيطرته على المجتمع. نعلم تماما أن المجتمعات تحمل في داخلها أسباب تفككها من عنصريات وتطرف وطمع وأنانية، ولذا تعمل المؤسسات على تخفيف ضغط هذه العوامل وتعزيز قيم التعاون والمشاركة والثقة في التعاقد الاجتماعي. الضيافة هنا تؤسس الجانب الذي يجمع الناس ويعزز تواصلهم. كما يقول لافيناز "الصداقة والضيافة هما جوهر اللغة". اللغة مثلها مثل كل أسس العلاقات الاجتماعية قائمة على هذا الإدراك العميق بوجود الآخر وبالمسؤولية تجاه هذا الآخر. بهذا المعنى الضيافة هي الموقف الأساسي الذي يجعل الحقوق ممكنة في المجتمع.
النقطة الثانية وراء أهمية الضيافة في المجال العام أننا فعلا نحتاج إلى ما وراء التحديدات القانونية في المجال العام. كل من تواصل مع حاجات الناس في المجال العام يعلم أن النظام مهما كانت دقته لا يمكن أن يشمل كل المواقف والظروف التي يمر بها البشر. لهذا السبب تتطور القوانين مع الوقت في عملية لن تنتهي إلا مع نهاية البشر. الضيافة هي الروح أو النافذة التي تسمح بهذا التطوير المستمر. الفكرة هنا ناتجة عن تصور مضياف للإنسان يرفض قولبته. القانون بطبيعته يقوم على تعريف أطراف العلاقة ولكننا نعلم أن الإنسان يتجاوز كل التعريفات. الضيافة هنا تدخل بعدا إنسانيا في التعامل بين الناس في المؤسسات العامة. هذا الفرق يمكن ملاحظته بالتفريق بين تعامل الفرد مع الإنسان ومع الآلة. مثلا آلة الصراف مريحة وسريعة ما دام الذي يتعامل معها يمتلك المواصفات التي تعرفها الآلة: بطاقة صراف ورقم سري ومال في الحساب. الضيافة تتدخل إذا حصل عطب في هذه المواصفات. الآلة لن تتعامل مع الإنسان خارج تعريفاتها. الآلة تحتاج إلى تطوير مستمر لن ينتهي تدفعه روح مضيافة للاستجابة لحاجات الآخرين. مراجعو الإدارات الحكومية يعرفون أثر التعامل الطيب من الموظفين حتى لو لم يتم إنجاز الحاجة الأساسية. نخرج أحيانا بذاكرة جميلة، بترحيبة أو ابتسامة أو مشهد حنون من الموظف قد يساوي عندنا الشيء الكثير. في أحيان كثيرة نطالب الموظف بأن "يستمع لنا". الاستماع ضيافة. المستمع يفتح لنا باب ذاته لنوصل إليه ما نريد. الاستماع إعلان للتخلي عن السيطرة على ما يدخل في أذنه. هو يفعل كما يفعل المضياف حين يفتح بابه معلنا أنه لم يعد يملك حق منع أحد من الدخول.
بهذا المعنى يكون للضيافة مكانا مؤسسا للمجال العام، بما فيه من منظومات حقوقية وتعاقدية وروح دافعة لهذا المجال للترحيب بكل تنوعات الناس واختلاف حاجاتهم.
 http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 08, 2016 16:17

March 1, 2016

هل انحسرت الضيافة في المجال العام؟

هل انحسرت الضيافة في المجال العام؟عبدالله المطيري

السؤال المحفز لهذه المقالة في صيغته الكاملة هو التالي: هل أصبحت الضيافة نتيجة للتغيّرات الحديثة محصورة في المجال العام؟ أعلم أن السؤال مركب وربما غير واضح في صيغته الحالية، لذا فخطتي هنا أن أقوم بمحاولة شرحه على أمل الانتقال بعد ذلك لمحاولة الإجابة. السؤال يفترض حدوث تغيير في شكل الضيافة على الأقل نتيجة تغييرات كبيرة في حياة الناس. التغييرات التي أحيل عليها تتمثل في توفر الكثير من الخدمات، التي كان الناس يبحثون عنها في بيوت الآخرين، في القطاع التجاري: في السوق. بمعنى أنه بالنسبة لكثير من الناس لم تعد هناك حاجة للبحث عن مضيف في المدن التي يغترب لها أو يزورها. الأمان والطعام والسكن أصبح من السهل توفيرها في الفنادق والمطاعم المنتشرة في كل المدن. الأمان أصبحت تتولاه جهات حكومية منتشرة بشكل معقول في غالب مدن العالم. قلنا سابقا إن الضيافة هي استجابة من الذات لحاجة الآخر.
اليوم حاجة الآخر اختلفت. لا يعني هذا أن الآخر لم يعد لديه حاجات. بالعكس هذه الحاجات لا تزال موجودة لكنها انتقلت إلى مجال آخر وقد يعني هذا أن الضيافة ستنتقل معها كذلك. مع تعقيد المجتمعات المعاصرة وتطور مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أصبح غالب الناس يتطلّعون لهذه المؤسسات لحل مشكلاتهم ومساعدتهم. الناس التي تعاني المجاعات أو الفقر مثلا تبحث عن حل في المؤسسات العامة. لا يعني هذا بأي شكل من الأشكال أن العلاقة بين الأفراد قد انقطعت. أبدا ولكن هذه العلاقة أصبحت تتم داخل المؤسسات العمومية بدلا من الفضاءات الخاصة. مع كل صباح يتوجه الناس إلى المؤسسات العامة لقضاء حوائجهم. الطالبة تتوجه إلى المدرسة للحصول على التعليم. المريض يتوجه إلى المستشفى للحصول على علاج. الآخر يتوجه إلى الشرطة أو القضاء للحصول على الإنصاف. إنسانة أخرى تتوجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية أو الجمعية الخيرية الخاصة للحصول على مساعدة مالية. في المقابل أخريات وآخرون يستيقظون كل صباح لمساعدة المحتاجين: المعلمة تسعى إلى مساعدة طالباتها، والطبيب لمساعدة مرضاه، والشرطي لمساعدة المواطنين، وموظف الجمعية الخيرية يستقبل طلبات المحتاجين للمساعدة. في هذا المشهد لا تزال الحاجات موجودة ولا يزال اللقاء بين الأفراد هو طريق تلبية هذه الحاجات. الذي اختلف أن "مكان الضيافة" قد انتقل إلى المجال العمومي بدلا من المجال الخاص في بيوت الناس. ولكن: هل يعني هذا أن البيوت الخاصة لم تعد مكانا للضيافة؟ كيف ومناسبات الضيافة في بيوت الناس واستراحاتهم ما زالت منتشرة؟
لا بد هنا من توضيح قضيتين: الأولى أن الصورة التي تم رسمها في بداية المقالة تصف التحول "الكبير" وليس التحوّل "الكلي"، بمعنى أن المسألة نسبية ولذا فالبيوت لا تزال بالتأكيد وجهة لأصحاب الحاجات، ولكن النسبة انخفضت مقارنة بالماضي.
القضية الثانية أن المناسبات التي تقام هذه الأيام في البيوت يمكن التفريق بينها وبين الضيافة بمعناها الأساسي. الضيافة بمعنى استقبال الغريب وعابر السبيل ومن لا نعرف انحسرت كثيرا. غالب المناسبات اليوم يدخل ضمن التواصل والترفيه الاجتماعي. بمعنى أنها مناسبات لقاء بين أشخاص يعرفون بعضهم بعضا ويلتقون للاستئناس والتواصل أكثر من كونها تلبية لحاجات ماسّة يمر بها الآخر. إذا كانت هذا التوصيف دقيق فإنه يعزز من توجّه الضيافة أكثر إلى المجال العام، بمعنى أن المساحة الأكبر لضيافتي كفرد موجودة في عملي في المجال العام، أكثر منها في بيتي ومجالي الخاص. في المجال العام أواجه فعلا من لا أعرف ومن يحتاج إلى مساعدة حقيقية. هناك نواجه واقع الباب المفتوح والآخر الذي لا يحتاج حتى إلى دعوتنا. الآخر الذي قدم بحثا عن حقه تدفعه ثقة هي الأساس المعنوي للضيافة.
انتقال الضيافة إلى المجال العام يحمل معه قضايا كبيرة تتعلق بالتغيير الذي ينال الضيافة ذاتها بعد هذا الانتقال. من أهم هذه القضايا أن المجال العام مجال حقوقي. أي أن الفرد منا حين يتعامل مع الآخرين في وظيفته العامة فهو يتعامل مع أصحاب حقوق حسب منظومة قانونية محددة. التعامل القانوني يدخلنا في سياق الضيافة المشروطة حسب تعبير دريدا. أي أن العلاقة بين الطرفين قد تم تحديدها مسبقا من قبل القانون ولم يبق عليهم سوى التطبيق. المضياف يعلم أن الضيافة لها قانونها وأنها ليست اعتباطية ولكنه أيضا يعلم أن هذا القانون قانون داخلي ذاتي، لا قانون مفروض من الخارج. هذه قضية تحتاج مناقشة مطولة وسأكتفي هنا فقط بالإشارة إليها. القضية الأخرى تتعلق بمدى الحاجة أصلا للضيافة في مجال يفترض أنه منظّم حقوقيا وقانونيا. بمعنى آخر أنه يمكن أن يقال إننا لا نحتاج إلى الضيافة في المجال العام. المطلوب من الموظّف هو أن يقوم بعمله الذي يحدده النظام. هذه قضية مهمة جدا وتحتاج إلى نقاش مطول في مقالات لاحقة. الفكرة الأساسية في هذا المقال هي أن التغييرات المعاصرة في الحياة المدنية للناس وتطور وانتشار المؤسسات العامة جعلت من المجال العام الأفق الأكبر للاستجابة لحاجات الناس. الضيافة هنا تتحرك مع حاجات الناس وبالتالي تتواجد في المجال العام كذلك. هذا يعني أننا نحتاج إلى نقل التفكير في الضيافة إلى المجال العام استجابة لهذا التحول. 
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 01, 2016 15:45

February 23, 2016

إجرائية الضيافة

إجرائية الضيافةعبدالله المطيريتحدثنا عن حساسية الضيافة لخيارات الضيف، بمعنى أنه بما أن الضيف هو هدف الضيافة فإن ما يريده الضيف لا ما يريده المضيف يفترض أن يحكم مضمون الضيافة. الضيافة إعطاء أولوية للآخر على الذات ولذا نتوقع أن تترجم هذه الأولوية في ممارسة هذه الضيافة، فالمضيف الذي يصرّ على شكل معيّن من الضيافة بغض النظر عن انعكاسها على الضيف يثير أسئلة جوهرية عن معنى وهدف ضيافته.
المهايطي، كما يعرف الناس، هو شخص يستخدم ضيوفه لأغراضه الخاصة، للتسويق لذاته أمام الآخرين. الهياط هنا يعني انقلابا في الأولويات مقارنة بالضيافة: في الضيافة الأولوية للآخر، للضيف وفي الهياط الأولوية للذات، للمضيف. الصورة السابقة تبدو معقولة لدرجة عالية: الضيافة يجب أن تكون حساسة لخيارات الضيف وما يريده تحديدا. إذا كان ضيفك لا يحب التجمّعات الكبيرة فمن حقه أن تتم ضيافته في أجواء مختصرة. لكن هل المشهد السابق يصف تماما مشهد الضيافة؟ بمعنى هل الضيافة على أرض الواقع تتم بهذا الشكل: أن يعرف المضيف ما يريده ضيفه؟ أو لدرجة أعمق هل يعرف المضيف ضيفه؟ نحن هنا ننتقل إلى مستوى آخر من الضيافة، حيث لا يعرف المضيف ضيفه أو حين يكون الضيف آخرا تامّا. هذه الضيافة بلا دعوة خاصة هي من تجمع الأغراب فعلا. إنها الضيافة بلا شروط. صاحب الضيافة يقدم دعوة عامة للجميع، دعوة لمن لا يعرفهم أن يدخلوا داره ويشاركوه الإقامة فيها. المضيف هنا ليس لديه "معلومات" عما يريد الضيف وما لا يريد فهو لا يعرف ما يميّز هذا الضيف عن غيره. الضيف مرحّب به، بغض النظر عن هويته الشخصية. يبدو أنه ليس أمام المضيف إلا اللجوء إلى افتراضات عمومية عن ضيوفه. بمعنى آخر أنه سيلجأ لإجراء عمومي يستضيف من خلاله الضيوف، بغض النظر عن هوياتهم الشخصية. هنا سيلجأ لما هو متوقع من حاجات: الحاجة للترحيب والاستقبال، الحاجة لمكان، الحاجة لأمان، الحاجة للطعام والشراب. بمعنى آخر يلجأ المضيف لما يعتقد أنه مناسب لكل إنسان يمكن أن يقبل ضيافته. المعايير الإجرائية تلجأ غالبا للمشتركات العمومية وتحيّد جانبا المواصفات الخاصة. على سبيل المثال القوانين الإجرائية في الدول الديموقراطية تتعامل مع المواطن بوصفه مواطنا بغض النظر عن خصوصياته الدينية والعرقية والثقافية، بمعنى أنها تتعامل بالمشترك وتحيّد جانبا الخصوصيات.
حالتنا مع الضيافة هنا حالة ثالثة بين حالة الضيف الذي يعرف ما يريد ضيفه وينفّذ له ما يريد وبين آخر مشغول بتحقيق ما تريده ذاته قبل ما يريده الضيف. نحن هنا أمام ضيافة لا يعرف فيها المضيف ضيفه. الضيف هنا يتم الترحيب به بغض النظر عن هويته الخاصة. لذا الضيافة انفتاح مذهل وتسليم لسلطة الذات. الضيافة هنا مغامرة لأن هذا الانفتاح الكامل يتضمّن في داخله فتح الباب أمام القادمين بنوايا سيئة. أهل الضيافة يعلمون جيدا أن هناك من يستغّل الضيافة لأغراض سيئة ولكن هذا لا يعيقهم عن الضيافة، باعتبار أن هذا الاستغلال ليس إلا ضريبة لقيمة أهم بكثير وهي قيمة الترحيب بالضيف، بغض النظر عن هويته الخاصة. هذا الموقف الثالث يجعل المضيف يجتهد في تصوراته لما يمكن أن يلبي قيم الضيافة عنده. هنا سيلجأ بالتأكيد لتجربته الخاصة ولما تراكم في سياقه الثقافي من تصورات عن احتياجات الضيوف. هذا ربما يفسّر لنا ارتباط تقاليد الضيافة رغم إجرائيتها بالتفاصيل الثقافية للبيئة التي تتم فيها الضيافة. الضيافة هنا انعكاس للبيئة التي تتم فيها. الصورة حتى الآن كالتالي: المضيف يبحث عن أعلى مستوى من الترحيب بضيفه لكنه لا يعرف هذا الضيف بشكل خاص. الضيف بالنسبة له هو من يقبل على بيته ويقبل دعوة الباب المفتوح أو من تدفعه الثقة بأن يطرق الباب ويطالب بفتحه. باعتبار أنه لا يعرف تفاصيل خيارات ضيفه فليس أمامه إلا أن يجتهد في إقامة عادات مصممة للضيف أيا كان. أي عادات تلبي حاجات الضيف بغض النظر عن خصوصياته. هنا تتم العودة لبيئة المضيف الخاصة لينتقي منها تحديدا ما يتوافق مع معايير الضيافة لديه. لذا نلاحظ أن عادات البشر في الضيافة تعكس تفاصيل حياتهم الحقيقية وكأنها عرض جمالي لأفضل ما يملكون وما يعرفون. هنا نبدأ في التصور الجمالي للضيافة وكيف تعكس ليس فقط قيما أخلاقية تجاه الآخر تضاد بشكل عميق أخلاق الأنانية والانتقام والطمع والصراع، بل تعكس قيما جمالية لانتقاء الناس لأجمل ما يملكون ليستقبلوا به ضيوفهم. جمالية الضيافة موضوع كبير يحتاج لمناقشة طويلة، لكن المهم هنا هو محاولة فهم إجرائية الضيافة وتحويلها لمجموعة من العادات والتقاليد.
إجراءات الضيافة ضرورة لاستمرارها باعتبار أنها تعبير لتراكم التجارب والخبرات لكنها كذلك مصممة خصوصا لاستقبال جميع الضيوف بغض النظر عن هوياتهم الخاصة. داخل هذه الإجراءات بالتأكيد استجابات سريعة لخصوصيات الضيوف. مثلا الضيف المريض تتم معاملته بشكل خاص واستثنائي. لكن القيمة الأساسية خلف إجرائية الضيافة أنها نتيجة مباشرة للانفتاح الكامل على الآخر. المضيف هنا يقول لضيفه: مرحبا بك أيا كنت، لأنني لا أعرفك شخصيا فقد أعددت لك مما أعرف ما أعتقد أنه سيناسبك. كل هذا يقدم بلغة اعتذارية، فالمضيف دائما يشعر بالتقصير والطموح لضيافة أفضل.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 23, 2016 16:12

February 16, 2016

حساسية الضيافة لخيارات الضيف

حساسية الضيافة لخيارات الضيفعبدالله المطيريهذا المقال امتداد للحوار المحفّز مع الصديق عبدالله العقيل. الإشكالية التي أثارها الحوار متعلّقة بالعنصرية وتعبيراتها التي وصلت ربما للضيافة. بدأنا النقاش بهذا المثال: لو كان لديك "سائق" عمل معك لسنين طويلة ثم غادر لبلده مغادرة نهائية. هذا "السائق" يعود بعد سنوات للعمرة أو للحج ويتصل بك مبديا رغبته في زيارة منزلك والسلام على الأسرة وتجديد الذكريات الجميلة. السؤال هنا عن طبيعة الضيافة التي ستقدمها لهذا الإنسان مقارنة بغيره. هل ستقيم له مناسبة صغيرة جدا محصورة في أفراد الأسرة أم ستقيم له مناسبة أكبر كما تقيم لباقي ضيوفك وتدعو الجيران والأقارب لهذه المناسبة؟ مهما كان الجواب على الأسئلة السابقة فإننا لا يمكن الحكم على الخيار إلا بتحليل عوامل عديدة من أهمها هذا العامل: أن يكون الضيف وراحته وما يناسبه هو الهدف الرئيسي من شكل الضيافة التي قدمت له. لتوضيح هذا المعنى لا بد من التفكير في الاحتمالات التالية: الاحتمال الأول أن تقيم لهذا الضيف مناسبة كبيرة بحسن نية ولكنه يجد أجواء الضيافة غريبة ولا يشعر فيها براحة أو انتماء بسبب كثرة الناس الذين لا يعرفهم. الاحتمال الثاني أن تقيم له ضيافة صغيرة حميمية ويشعر فيها بارتياح عميق وفرصة لقضاء وقت مع الناس الذين قضى معهم سنين طويلة من عمره. الاحتمال الثالث أن تقيم له احتفالا كبيرا ويشعر فيه بالسعادة لأنه يريد التعرّف على أكبر عدد من الناس في المجتمع وهو بطبيعته اجتماعي. المشهد الرابع أن تقيم له حفلا صغيرا لأنك تشعر بنوع من الخجل أن تستضيف سائقا، ولذا لا تحب أن يعلم الآخرون عن هذا الأمر. احتمال آخر أن تقيم حفلا كبيرا لهذا الشخص والهدف الأساسي خلف ما تفعل هو أن تُظهر نفسك أمام الآخرين بمظهر المضياف الكريم بغض النظر عن مشاعر ضيفك. المشاهد السابقة توضّح أن ذات الضيافة قد تعبّر عن المحبة أو عن العنصرية، وأن العامل الذي يحدث الفرق هو مدى قرب المضيف من مشاعر ورغبات الضيف. المضيف الحقيقي يراعي رغبات ضيفه بغض النظر عن شكل الضيافة والمعنى الجميل يصل. يلاحظ الناس أن أهل الضيافة الحقيقية لا يبالغون في ضيافتهم. الوصف الدقيق لضيافتهم أنها من المعتدل الدائم. أي أنها ضيافة معتدلة ولكنها مستمرة. الباب والقلب مفتوحان دائما للضيف في إطار معتدل وهادئ. في المقابل العلامة اللازمة للهياط أنه نشاط مبالغ فيه ومتقطّع. المهايطي يحرص على إشاعة خبر مناسبة وحيدة مبالغ فيها ثم يقفل قلبه وبابه لمدة طويلة بعد ذلك.
نتذكر دائما أن الآخر هو هدف الضيافة ومتى ما غاب هذا الآخر وحلّت الذات مكانه غابت الضيافة. المهايطي مشغول بذاته، لا يفكر إلا فيها والآخر بالنسبة له ليس إلا وسيلة يحقق من خلالها رغبات ذاته. "الضيف" في مشهد الهياط مجرد أداة لتحقيق أغراض أخرى. الضيف هنا يتم استعماله لترويج صورة معينة عن ذات المضيف. لذا مشهد الهياط مزيّف والناس يعلمون أنه مزيف ورغم الطاقة الهائلة التي ينفخها أهل الهياط في المشهد إلا أنه يستعصي على دخول قلوب الناس وضمائرهم. المهايطي يحتوي طاقة أنانية مفرطة تطرد الآخرين. في المقابل الضيافة الحقيقية تعمل من أجل الآخر، من أجل مشاركته مكان وطعام وأمان الذات. حين يقول المضيف الحقيقي لضيفه المحل محلّك أو البيت بيتك فهو مدفوع بطاقة الترحيب والانفتاح على الآخر. لذا الضيافة نقيضة الأنانية، نقيضة الانتقام والعنف.
هذا المعنى للضيافة يجعلنا نسائل تحوّل الضيافة إلى عملية إجرائية، إلى مجموعة من الإجراءات المتبعة بغض النظر عن الضيف. نعلم أن الضيافة كسلوك اجتماعي تتمثل في عدد من العادات والتقاليد التي تمثّل الخبرة الإنسانية مع الضيافة على مدى قرون من الممارسة. هذه العادات قد تتحول إلى إجراء روتيني تتم ممارسته بغض النظر عن طبيعة الضيف. هنا نحن أمام احتمال كبير للابتعاد عن المعنى الأساسي للضيافة وهي أنها حسّاسة لرغبة الضيف وظروفه. اليوم يمكننا ملاحظة هذه الإشكالية في المشهد التالي: تزور عمّك أو خالك أو أحد أقاربك الكبار في السن. يقيمون لك ضيافتهم المعتادة والتي تتضمن دعوة عدد آخر من كبار السن. الضيف الشاب يشعر بالغربة. اليوم الثاني ابن المضيف الأول يدعو قريبه لعزيمة مختصرة محصورة على عدد من الأصدقاء يستمتع فيها الضيف. أي المشهدين يعبّر أكثر عن الضيافة؟ أيضا هناك عوامل كثيرة في المشهد تحتاج إلى تحليل. في المشهد الأول العم أو الخال يعتقد أن إعلان قدوم ضيفه ودعوة الآخرين لضيافته نوع من الاحترام والتقدير. يعتقد أن الضيافة مشهد عمومي يعبّر عن ملتقى شعبي يتعارف فيه الناس. ربما فارق العمر له أثر مهم هنا. الضيافة فعلا تأثرت مفاهيمها مع تغيّر الظروف العامة التي يمر بها الناس وهذا أمر طبيعي لأن الضيافة في الأخير استجابة طبيعية لحاجات الآخرين. المشهد الثاني في المقابل حصر الضيافة في مشهد صغير مغلق ممتع لأفراده لكنه قد يثير التساؤل حول تحوّل الضيافة من طقس اجتماعي إلى لقاءات فردية خاصة. كل هذه عوامل مؤثرة ولا أعتقد أنه يمكن تفهّم مضيافية مشهد ما بدون تحليل كل هذه التفاصيل. الضيافة هنا عصية على قولبتها في قواعد صورية محددة مسبقا. لكن في المقابل هل كون الضيف "آخر" لا نعرفه يجعل من الضيافة بالضرورة إجرائية مصممة حسب الظروف العامة؟ هذا سؤال جوهري سأناقشه لاحقا. لكن السؤال الذي وصل له نقاشي مع الصديق أبو سُلاف كان التالي: هل المشاهد التي نتحدث عنها من زيارات الأصدقاء والأقارب تعتبر فعلا من الضيافة. قلنا سابقا إن الضيافة هي استجابة "حاجة" الآخر للمكان والرفقة والأمان. هل ينطبق هذا المعنى على المشاهد التي نحللها هنا بين الأقارب والجيران حيث لا حاجة حقيقية؟ هل التغييرات الكبيرة التي نشاهدها من توفر السكن المؤقت في الفنادق والشقق المفروشة والطعام في المطاعم أدى إلى انتقال الضيافة إلى فضاءات ومعاني أخرى؟ هل أصبحت الضيافة حصرا على المجال العام في وقت أصبحت الاحتياجات الأخرى التي طالما وفرها البيت متوفرة بمبالغ معقولة؟ سأحاول مناقشة هذه الأسئلة مع صديقي العقيل وسأوافيكم بثمرات النقاش لاحقا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 16, 2016 17:24

February 9, 2016

الضيافة في المجال العام والواقع

الضيافة في المجال العام والواقععبدالله المطيريفي حديث محفّز للتفكير مع الصديق الكاتب في الوطن عبدالله العقيل حول المقال السابق، تم التطرق إلى القضيتين التاليتين:
أولا: هل مطالبة الناس بأخلاق الضيافة في المجال العام "مثلا بالتعامل مع المراجعين وكأنهم ضيوف" مطالبة واقعية؟
بعنى أنه لو أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي يمر بها الموظف وضغط العمل وسلوك المراجعين وضعف التقدير من جهة العمل، فإن مطالبته بأخلاق الضيافة تبدو مطالبة غير واقعية.
القضية الثانية، متعلقة بمدى انحراف ممارساتنا للضيافة عن هدفها الأساسي، وتحولها إلى مجرد سلوكيات مصلحية، وتعكس حتى انحيازاتنا العنصرية والطبقية. بدلا من أن تكون الضيافة للمحتاج وعابر السبيل والغريب، أصبحت اليوم توجّه إلى أصحاب المناصب والثروات.
شخصيا، أعتقد أن هذه النقاط تحمل تحديات حقيقية لفهمنا وممارستنا لأخلاق الضيافة، وللتوقعات والآمال التي يمكن أن نعلقها بها لمواجهة الأسئلة الأخلاقية التي تواجهنا.
الضيافة في الأخير، تمثل لنا أملا كبيرا باعتبار أنها، خلافا للعنصرية والتعصب والطائفية، تعطي الآخر والغريب والضعيف أولوية أخلاقية، وتربط الذات بالالتزامات عميقا، تتعارض تماما مع غرائز الانتقام والعنف والتوحش.
سأحاول الآن مناقشة النقطتين السابقتين لنرى كيف تبدو الضيافة بعدها.
الموظف الذي نتوقع منه أن يتعامل مع من حوله بأخلاق الضيافة، قد يمر بظروف حقيقية، تُحد جدا من احتمال ضيافته.
في الأخير، الضيافة تعكس انتماء يشعر به الفرد للمكان الذي يعمل فيه.
في الأصل، يمارس الفرد الضيافة في بيته الذي يملكه، وفي أرضه التي ينتمي إليها.
هناك علاقة ضرورية بالمكان يجب أن تتحقق ليمارس الإنسان الضيافة. قلنا سابقا إن الملكية الخاصة ليست شرطا لممارسة الضيافة، وأن الانتماء إلى المكان، بما فيه المكان العام، يكفي كأساس ينطلق منه الإنسان لمارسة الضيافة.
لذا، فإن سؤالنا هنا متوجه إلى مدى انتماء العاملين في المجال العام "موظفون عموميون" لأعمالهم وللأماكن التي يعملون فيها.
سيكون من الصعب جدا أن نتوقع من الموظف الذي يشعر بالاغتراب والتهميش في مجال عمله أن يمارس الضيافة، ويعطي الآخرين الشراكة في المكان الذي لا ينتمي إليه أساسا.
لذا، فإن التفكير في الضيافة يتضمن كذلك مراجعة لتصميم المجال العام، ولطبيعة العلاقات التي يعكسها ذلك المجال.
بالتأكيد أن الظروف الصعبة التي تواجه الموظف العمومي ستحد من قدرته على القيام بواجباته الأخلاقية، لذا فإنه من الضروري مراجعة مضيافية المجال العام للعاملين فيه بشكل أساسي.
لكن لا بد من التذكير أن الضيافة بطبيعتها مصممة كسلوك اجتماعي للظروف الصعبة، وأن الكرماء وأهل الضيافة لا يجدونها سهلة ومرتبطة بالأحوال الجيدة.
الضيافة في الأخير قيمة أخلاقية مثل الرحمة والأمانة والمساعدة، تعبّر عن تعامل الإنسان مع العالم حوله، من منظور أعمق من منظور تبادل المصالح أو المنافع.
الموظف العمومي يجب أن يأخذ كل حقوقه، وأن يشارك في إنشاء أجواء العمل المحيطة به، لكن حتى في ظروفه غير المثالية يمكننا المراهنة على حس الضيافة في داخله للترحيب بمن قدم إلى مقر عمله باحثا عن مساعدة وقضاء حاجة.
يحق لنا المراهنة على ضيافته، كما يحق لنا المراهنة على أمانته وعدالته ونزاهته في عمله. كذلك لا بد من الإشارة إلى أن علاقة الضيافة بين الموظف العمومي والمراجعين لها القدرة على إعطاء هذا الموظف معنى عميقا بقيمة عمله، وإحساسه بفعل الخير يخفف من شراسة الظروف التي يعمل داخلها.
هذا ليس حديثا مثاليا، بل يعكس تجربة مر بها كثير من الناس مع الشعور العميق بالرضا والسعادة مع كل يد نمدها لمساعدة الآخرين.
القضية الثانية متعلقة بمرض الضيافة وانحرافها عن معانيها وإصابتها بالعيوب التي جاءت أصلا لمحاربتها.
بمعنى، أن الضيافة اليوم أصبحت تعبيرا عن التفاخر والهياط والتعبير عن الانحيازات العنصرية والطبقية في حياتنا. بالتأكيد أن السلوك الاجتماعي لا يمكن عزله عن المؤثرات المحيطة به، والتي يمكن أن توجهه إلى اتجاهات مختلفة ومتناقضة.
الضيافة جزء من هذا الشرط، ولكن لدي رهان عميق على قدرة الناس الدقيقة على تحديد الضيافة الحقيقية من الضيافة المزيفة. بمعنى، أننا لو تصورنا أن فلانا من الناس استضاف في بيته أحد أصحاب المناصب أو الثروة، وقدم له أفخم الأطعمة والمشروبات والعطور، فإن الناس بحسهم المباشر لن يعتبروا هذا السلوك ضيافة أو كرما، سيعتبرونه لقاء عمل أو مصالح أو استعراض علاقات. الناس لن يمنحوا قيمة الضيافة إلا لمن استضاف غريبا أو محتاجا أو إنسانا لا يُرجى من ورائه منفعة.
حس الناس العالي في التمييز بين الضيافة وغيرها يجعلنا نتفاءل بأن المعنى الحقيقي للضيافة أن القيم الأخلاقية خلفها ما تزال حاضرة في ضمائر الناس.
في الإرث الثقافي المحلي كَمٌّ هائل من القصص والأشعار التي تقيم التمييز الواضح بين الضيافة الحقيقية والضيافة المزيفة.
فقر المضيف يعطيه قيمة استثنائية وآخرية الضيف تعطيه منزلة لا تضاهى.
بمعنى، أنه كل ما كانت ظروف المضيف المالية والصحية أضعف، زاد التقدير لضيافته، وكلما كان الضيف غريبا زادت قيمة ضيافته. هذه المعاني واضحة في تفكير الناس اليوم، وسط كل هذه المشاهد من المباهاة والزيف الاجتماعي.
النقاط السابقة التي أثارها الصديق العقيل حقيقية، وتعبّر عن الواقع الذي نفكر في الضيافة داخله.
الضيافة هنا تبدو قادرة على تقديم علاقة بديلة بين الذات والآخر رغم كل هذه الصعوبات. الضيافة علاقة قريبة من الإنسان وتمسّ عمق وجوده مع الآخرين وللآخرين، وبالتالي فهي قادرة على الحضور الحقيقي وسط مشاهد التزييف ووسط الظروف الصعبة. الضيافة في الأخير استجابة لتراجيديا الضعف والحاجة الإنسانية، لذا، فالأمل فيها يرتفع مع ارتفاع حدة هذه التراجيديا. 
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 09, 2016 15:46

February 2, 2016

الضيافة في المجال العام

الضيافة في المجال العامعبدالله المطيريهل يمكن نقل أخلاق الضيافة للمجال العام؟ هذا هو السؤال المركزي في هذه المقالة. ذكرنا سابقا أن أخلاق الضيافة تحدث تعديلا جذريا في العلاقة بين الذات والآخر. الضيافة لا تجعل الذات فقط مسؤولة تجاه الآخر، بل تجعلها كذلك مسؤولة عنه. الضيافة تعمل عكس كل منطلقات الأنانية للذات والجماعة وما ينتج عنها من تعصب وتطرف وعدوانية أو عزلة وانغلاق. الضيافة تجعل للآخر أولوية ودور تأسيسي للذات لا يمكن معه استبعاد الآخر من منطق وجود الذات. الضيافة بهذه المعنى حركة باتجاه مضاد لأفكار التفرقة بين البشر. الضيافة هي دعوة للآخر لمشاركة الذات مأواها ومستقرها. الدعوة هذه استثنائية لأنها مفتوحة بالكامل على آخرية الآخر. المضياف الحقيقي لا يفرز ضيوفه ولا يحدد هوياتهم مسبقا. لكن في المقابل الضيافة تم التعارف عليها بأنها مرتبطة بالحيّز الخاص للفرد. مرتبطة بالمكان الذي يملكه أو يملك منفعته. ماذا عن المكان العام؟ هل يستطيع الفرد أن يكون مضيافا خارج منزله أو مزرعته أو مكتبه الخاص؟ هذا السؤال مهم باعتبار أن التغييرات الكبيرة في تصميم المدن وانتشار الخدمات التجارية من سكن ومطاعم حدت كثيرا من ممارسة الضيافة في صورتها التقليدية. بمعنى انخفاض معدلات لجوء الناس لبيوت الآخرين الخاصة بحثا عن مساعدة. في المقابل نرى تصاعدا كبيرا في لجوء الناس للمجال العام بحثا عن الضيافة. الناس تضع اليوم أملا أكبرا في المؤسسات العمومية لمقاومة العنف والاغتراب والعوز في المجتمع. لذا فالسؤال هو: هل يمكن أن يكون الفرد مضيافا في مكان لا يملكه؟ في مكان عام؟ هذه الأسئلة يفترض أن تحيلنا إلى السؤال الأعمق عن علاقة الضيافة بالمكان. نعلم أن الضيافة تمتاز عن باقي أعمال التعاون والخير بارتباطها تحديدا بتوفير مكان لمن لا مكان له. حين تساعد محتاجا عند إشارة المرور ببعض المال فهذه يمكن تسميتها صدقة ورحمة ولكنها لا تعتبر ضيافة. الضيافة تتطلب مشاركة للآخر في مكان الذات. أو أن تصبح الذات مكانا للآخر.
النقاش السابق أشار إلى أن العلاقة بين الضيافة والمكان ضرورية ولكنه لم يحدد (نوع) هذه العلاقة. هل علاقة الضيافة بالمكان علاقة (امتلاك)؟ بمعنى هل ملكية المكان أو منفعته شرط ضروري لممارسة الضيافة في هذا المكان؟ إذا كان الوضع بهذا الشكل فإن فرص الضيافة في المجال العام محدودة باعتبار تعذّر الملكية الفردية للمجال العام. لكن ماذا لو كانت العلاقة الضرورية للضيافة بين الفرد والمكان هي علاقة (انتماء)؟ الانتماء لا يتطلب بالضرورة الملكية وهو ممكن في مكان المجال العام. باعتبار أن الضيافة خبرة وتجربة اجتماعية قبل أي شيء آخر، فبإمكاننا العودة لممارسات الضيافة للنظر في إمكان تحققها مع الانتماء بدلا من الامتلاك. من المشاهد التي خطرت في بالي هذا المشهد: جماعة من البشر يخرجون للبر للنزهة. ينزلون في مكان للبقاء فيه لعدة أيام. بمجرد مرور غيرهم على هذا المكان فإنهم يمارسون الدعوة للضيافة للمارة الجدد. هم يعلمون أنهم لا يملكون المكان ولكن أسبقيتهم له جعلت لهم مستوى من الانتماء يبرر لهم الدعوة له. في سياق آخر يمكننا تصور شخص في قاعة انتظار مزدحمة في مطار أو مستشفى. مع قدوم منظر جديد يقوم بعض الكرماء بخلق مساحة خالية جديدة لاستضافته. صالة الانتظار صالة عامة لا يمتلكها أحد بشكل فردي ومع ذلك كانت الأسبقية الزمنية وما أسسته من انتماء ومعرفة مبررا كافيا للشعور باستحقاق ممارسة الضيافة على هذا المكان.
الأمثلة السابقة وغيرها يفترض أن تؤسس لإمكان ممارسة الضيافة في المجال العام متى ما توافر الانتماء لهذا المكان. هذه النتيجة لها امتدادان: الأول أن سؤال الضيافة في المجال العام يحيلنا إلى طبيعة علاقة الناس بهذا المكان ولذا فهو سؤال جذري. ثانيا: أن الضيافة بذاتها هي تأسيس لعلاقة انتماء للمكان. الضيافة تعني ولادة علاقة جديدة بين المكان وأفراد آخرين. حتى الآن وصلنا إلى النتائج التالية: الضيافة في المكان العام ممكنة، نحتاج فحص علاقتنا بالمكان العام لنعلم فرص الضيافة فيها، الضيافة في المجال العام تعني توليد مزيد من علاقات الانتماء بين المجال العام وأفراد جدد. أخطط في مقالات لاحقة لأن أنقل هذا النقاش العام لحالة خاصة من حالات المجال العام. حالة التعليم والمدارس للتفكير في مدى إمكان ممارسة أخلاق الضيافة بين البشر في تلك الأماكن. الضيافة في التعليم تعني فرصة لعلاقة مختلفة مع الآخر في هذا التعليم. الآخر هنا يشمل الطالب المنتمي لسياق ثقافي مختلف عن الغالبية، يشمل الفكرة الجديدة والمفاجئة التي قد تخالف السائد، يشمل من لا نعرفهم ولكننا نعلم وجودهم، يشمل الجوانب الغريبة في طبائعنا، يشمل تنوعنا واختلافنا في المجمل بكل ما فيه من قوة وضعف. الضيافة في التعليم تعطينا أملا في احتواء كل هذا والاحتفاء به. سأحاول لاحقا تقديم تفصيلات دقيقة في معنى التعليم المضياف، المعلم المضياف، والطالب المضياف.
 http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 02, 2016 17:38

January 26, 2016

لماذا الضيافة؟

لماذا الضيافة؟عبدالله المطيري لا شك أننا سكان الشرق الأوسط نمر بأوقات عصيبة هذه السنوات. من يعيش في العراق وسورية واليمن وليبيا يعلم ذلك بالتأكيد أكثر مني. ولكن حتى من يعيش في السعودية وباقي دول الخليج أو تركيا أو مصر أو حتى أوروبا يحس بالخطر والقلق مما تمر به المنطقة هذه الأيام. الأزمة الحالية ليست أزمة طبيعية بمعنى الكوارث من زلازل وبراكين ومجاعات والتي رغم ألمها عادة ما تجمع الناس وتحيي في قلوبهم مشاعر الرحمة. ما يجري حاليا هو فشل للبشر في إدارة شؤون خلافاتهم. بمعنى أن مؤسساتهم وثقافاتهم العامة تعاني مرضا عضالا أدى بهم إلى الاحتراب وقتل بعضهم البعض بدلا من التعاون والعيش المشترك.
الأمراض من هذا النوع معقدة بطبيعتها وعلاجاتها كذلك، لكنها ليست جديدة في التاريخ البشري. الحروب الطائفية والعرقية مثل الأمراض الجسدية رافقت البشرية منذ بداياتها الأولى. بما أن هذه الأمراض قديمة قدم الإنسان فإن محاولات العلاج لا بد أن تكون قديمة قدم الإنسان كذلك. البشر الذين يعرفون الطائفية والعنصرية والانتقام والحقد والعداوة والطمع يعرفون كذلك التسامح والعدالة والعفو والرحمة والتعاون. المجموعة الأخيرة هي المستشفى الذي طال ما لجأ إليه الناس للتعافي من أمراضهم. اليوم أريد الحديث عن واحدة من الأدوية التي طالما استعملها البشر للانتصار على أمراضهم البشرية وأمراضهم الطبيعية. هذا الدواء الموصوف قديما وحديثا هو دواء الضيافة.
الضيافة بطبيعتها تنتمي لجماعة الأدوية لأنها تمتلك الفارق الجوهري في العلاقة مع الآخر. لو تأملنا مجموعة الأمراض لوجدناها جميعا تشترك في هذا المنطق، منطق "أولوية الذات" أو "الانغلاق على الذات" أو ما نسميه عادة بالأنانية. الأنانية هنا فردية وجماعية في ذات الوقت تشمل الفرد الأناني والجماعة، الطائفة، التي يعرّف نفسه بها ويربط وجوده بوجودها. في المقابل فإن مجموعة الأدوية تشترك جميعا في هذا المنطق "أولوية الآخر" أو "الانفتاح على الآخر" أو ما نسميه عادة بالتعاون والمساعدة.
الضيافة بطبيعتها انشغال واهتمام بالآخر، لكنها في ذات الوقت تقدم لنا اهتماما من نوع خاص وانفتاحا على الآخرية من نوع خاص كذلك. نلاحظ هنا أنني لا أتحدث عن الضيافة في الأطروحات الفلسفية أو في المدن الفاضلة، ولكنني أتحدث عنها كما مارسها أهل الضيافة في العالم كله طوال التاريخ البشري. الضيافة بهذا المعنى ممارسة اجتماعية واقعية أحاول هنا مجرد وصفها أو الاقتراب من معانيها لا أكثر.
الضيافة اهتمام بالآخر باعتبارها علاقة يؤسسها الآخر. بمعنى أن هوية المضيف ليست هوية ذاتية، بل هوية آخرية يؤسسها الضيف. لا مضيف بلا ضيف. المضيف الحقيقي يعلم أن الفضل للضيف عليه. بمعنى أن الضيافة في عين المضيف قد بدأت من الضيف لا من المضيف. ولكن الباب المفتوح في عرفنا هو الإشارة الأولى، هو الإعلان الكبير وهو الترحيبة الصادقة. هذا في عرف المراقب أو العين الثالثة، لكن في عين المضياف الكريم فإن الضيافة بدأت من إقبال الضيف على بيته، من ثقته في هذا البيت لكي يكون وجهته بحثا عن علاج الوحدة والعزلة والخوف والجوع. الاهتمام بالآخر هنا في الضيافة متجاوز للمساعدة عابرة السبيل إلى تأسيس لكيان المضيف وقيمته الاجتماعية. يتفاخر المضيف الكريم هنا بثقة الآخرين به. ثقتهم بأن ضيافته غير مشروطة وغير خاضعة لحساباته الخاصة.
الضيافة غير المشروطة تحيلنا على امتياز الضيافة بقبول آخرية غير مشروطة. بمعنى أن المضيفة لا تحدد مسبقا هوية ضيفها. الضيف هو من يقبل دعوة الضيافة لا أكثر. الباب المفتوح هنا إعلان عن تخلي المضيف عن سلطة تقرير من يدخل ومن لا يدخل. الضيافة هنا استسلام وبراءة من السلطة. المضيفة كذلك ليست فقط معنية باستقبال الآخر كآخر، بل كذلك هي معنية بحماية هذه الغيرية وهذه الآخرية. مهمة الضيافة تتضمن منع توجيه هذا الطلب للضيف "كن مثلنا". المضيف لا يسأل عن اسم ضيفه ليس لأنه غير معني به أو مشغول بتفاصيله بل بالعكس. المضيف مشغول بكل تفاصيل ضيفه لدرجة الهوس، ولكنه يرفض طلب اسمه إعلانا للطهارة من أي ضيافة مشروطة تحددها هوية الضيف.
الضيافة هنا علاج لأمراض العنصرية والحروب الطائفية لأنها باختصار إعلان للانتماء للإنسان بغض النظر عن طائفته وعرقه. ما يعني المضيفة هو أن هناك "أحدا" بالباب. لا يهم كثيرا من هو ذلك الأحد. أكثر من ذلك أن الضيافة تحديدا موجهة للغريب وعابر السبيل والمحتاج. الضيافة بهذا هي احتفاء بالآخرية، لذا فهي مقاومة لأفكار المماثلة والمطابقة المؤسسة للعنف. نلاحظ أن الطائفي يقول: لا أريد أن يوجد معي إلا من يشبهني ومن يخالفني يجب أن يخضع لي أو يموت. الضيافة حماية في فضاءات التهديد وتعدد في سياقات الاصطفاف وعلاقة وسط دعايات القطيعة. التحدي الذي يواجهنا برأيي هو التفكير بمنطق أخلاق الضيافة خارج الحدود التي تعارفنا عليها على أنها حدود الضيافة. أحد أشكال هذا التحدي هو التفكير في الضيافة في المجال العام خارج ما تعارفنا عليه على أنه المكان والبيت الخاص.
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 26, 2016 17:04

January 19, 2016

بين التناقض وتعدد المرجعيات

بين التناقض وتعدد المرجعياتعبدالله المطيري
المنافق عادة ما يتم تعريفه بأنه الشخص الذي يُظهر ما لا يُبطن. بمعنى أنه الإنسان الذي يتحرك بناء على حسبة واعية تعني أن يفعل ما يعتقد هو أنه خطأ، لحماية نفسه أو تحقيق مكاسب اجتماعية الأطروحة الأساسية هنا، أن الإنسان ذا المرجعيات المتعددة لديه فرصة أكبر للتسامح عن إنسان البعد الواحد، الأقرب إلى العنف والانغلاق.
بمعنى أن الإنسان الذي يتورّع عن التصرف بناء على منطلقاته الدينية أو الفكرية الخاصة والدقيقة احتراما لاعتبارات أخرى مثل حق الضيف وحق كبير السن وحق الطفل وحق الجار..الخ. لديه فرصة أكبر لتقبل الاختلاف والتنوع في علاقاته الاجتماعية في المقابل، فإن أحادي البعد، ولنأخذ المتطرف الديني مثالا عليه، يتحرك تحت هذا المبدأ: الاعتبارات الأخرى كحق الجار والضيف وكبير السن تحت قدمي في سبيل تطبيق أفكاره المتطرفة.
لذا، فهو قادر، كما شاهدنا مع الإرهابيين، على قتل ليس فقط الأبرياء بل حتى أقرب الناس إليه من والدين وإخوة.
المتطرف هنا يرى من ثقب واحد ضيق، بينما المتسامح لديه نوافذ متعددة تتسلل منها وجوه متعددة للحياة.
السؤال الأساسي اليوم هو: هل تعدد المرجعيات الفكرية والأخلاقية للإنسان يجعله متناقضا أو حتى منافقا؟ بمعنى آخر: ما الفرق بين الإنسان متعدد المرجعيات وبين من نعدّهم منافقين يعيشون بأكثر من وجه في المجتمع؟
المنافق عادة ما يتم تعريفه بأنه الشخص الذي يُظهر ما لا يُبطن. بمعنى أنه الإنسان الذي يتحرك بناء على حسبة واعية تعني أن يفعل ما يعتقد هو أنه خطأ، لحماية نفسه أو تحقيق مكاسب اجتماعية.
العامل الجوهري في رأيي هنا هو، وعي المنافق ذاته بأن ما يفعله غير صحيح ولكنه يفعله لأجل حسابات أخرى أهم ولو مؤقتا.
الكذب هنا شرط ضروري خلف النفاق. في المقابل، فإن صاحبنا متعدد المرجعيات يتحرك أيضا بناء على حسابات اجتماعية تحددها العلاقات التي تربطه مع الآخرين، ولكن الفارق المهم أنه لا يشعر داخليا بأنه يرتكب عملا خاطئا.
بمعنى أنه لا يخفي ما يبطن. متعدد المرجعيات صادق وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يخطئ. هذا في رأيي فارق كبير باعتبار أن حسابات متعدد المرجعيات حسابات معلنة ومعروفة، مما يتوافق مع قدرته على خلق أجواء الثقة بينه وبين الآخرين.
هنا نصل إلى تفريق دقيق بين متعدد المرجعية فعلا، وأحادي المرجعية الذي يظهر موقتا في لباس متعدد المرجعية. المشهد التالي يفترض أن يساعدنا على تصور الحالتين:
المشهد الأول، رجل يرى جاره يدخّن عند باب بيته، وبعد تبادل التحايا يبدأ معه نقاشا محفوفا بابتسامة عن تحريم التدخين في الدين. لكن الجار يبدو مهتما بالموضوع ويدخل مع صاحبنا في نقاش يختلف فيه حول تحريم التدخين. صاحبنا الآن يواجه موقفا يتعارض فيه إيمانه العميق بتحريم التدخين وحق جاره المخالف له في هذا المعتقد. صاحبنا يفقد ابتسامته، ويبدأ في لغة تعليمية وتوجيهية متعالية لجاره، يحذره فيها من الأفكار المنحرفة، تنتهي بتهديده مما يفسد معه علاقة الجيرة، لتبدأ قصة من الخصومة بين الطرفين.
في المشهد الثاني: تبقى الابتسامة مستمرة، ويصل الحوار إلى أن الاختلاف حول الموضوع لا يفسد للود قضية، وأن علاقة الجيرة أقوى من هذا الخلاف. الابتسامة في المشهد كانت مجرد إستراتيجية أو غطاء سطحي لأحادية هذا الإنسان وعجزه عن حفظ الود مع الآخرين، إذا اختلف معهم.
لذا، فإن متعدد المرجعيات مؤمن في داخله بهذا التنوع، لذا فهو يصمد أمام التحديات التي يثيرها الاختلاف المستمر بين الناس.
إذن، الفرق بين متعدد المرجعيات والمنافق هو القناعة الداخلية عند متعدد المرجعيات أن ما يفعله هو الصحيح وليس فقط إستراتيجية يتجاوزها بعد حين.
الآن نناقش الفرق بين متعدد المرجعيات والمتناقض.
على خلاف المنافق، فإن المتناقض ليس كذابا يظهر مالا يبطن. المتناقض صادق ولكنه متأرجح المواقف يقوم بالعمل ونقيضه. متعدد المرجعيات يتخذ مواقف مختلفة وأحيانا متعارضة حسب المواقف والعلاقات التي تجمعه مع الآخرين، وكذلك الشخص المتناقض.
الشخص المتناقض أحيانا لا يشعر بتناقضه باعتبار أن حساباته تتغير بشكل سريع تبعا للأحداث المتتابعة. في أحيان أخرى يشعر المتناقض بهذا التناقض لكنه يعدّه تغييرا متوافقا مع تحولات الواقع، ولكن الملاحظين من الخارج لا يجدون رابطا ولو دقيقا بين هذه التحولات.
في المقابل، فإن متعدد المرجعيات مدرك للتنوع والاختلاف، وأحيانا التضارب في سلوكه، ويديره حسب عملية معقدة ومركبة من تحديد الأولويات.
الفارق الجوهري هنا، هو أن متعدد الهويات يسعى إلى إعطاء كل مرجعياته حقها من الوجود.
بمعنى آخر، فإنه يتحرك بشكل أفقي يحاول أن يجمع فيه مرجعياته المتعددة. أحيانا يفشل في تحديد الأولويات ولكنه لا يسعى إلى التحول إلى منظومة رأسية تراتبية. هذا الأفق الذي يستضيف مواقف وحسابات متعدد المرجعيات أفق مفتوح ومتسامح بطبيعته. أفق لا يقلقه التعدد والاختلاف.
كانت هذه إطلاله على بعض الإشكالات التي يثيرها التشابه الظاهري بين متعدد المرجعيات والمنافق والمتناقض.
متعدد المرجعيات يعكس حقيقة أن التعامل مع الآخرين يفترض أن ينفتح على التجربة والخبرة الإنسانية أي أنه تجربة تعلّم يجب ألا تحسم من البداية بمقولات متعالية، ولكن تنطلق كتجربة حياة تتوافق مع الطبيعة المتعددة والمتنوعة والمختلفة للوجود الإنساني، لا لتقضي عليه بل لتستمتع به وتثريه.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 19, 2016 16:16

January 13, 2016

عنف البعد الواحد

عنف البعد الواحدعبدالله المطيريالمرجعية التي تُحكّم فكرة أحادية تنبع من تصور واحد للخير والحق والجمال، مرجعية عنيفة -بالضرورة- ضد الآخر المختلف، وعنيفة ضد التنوع والاختلاف في الواقع الإنسانيسبق الحديث عن أثر تعدد المرجعيات الفكرية والأخلاقية على مواقف الإنسان من الآخرين. كانت الأطروحة الأساسية أن الإنسان متعدد المرجعيات لديه فرصة أكبر لرؤية الأمور من زوايا مختلفة، وبالتالي لديه قدرة أكبر على تفهم الاختلاف حول القضايا في مجتمعه. على سبيل المثال الإنسان الذي يحتفظ بمرجعية أخلاق الضيافة في ضميره سيجد أن هذه المرجعية ستخفف كثيرا من حدة انحيازاته المذهبية والعرقية. بمعنى أن مرجعية الضيافة لديه ستجعله، في مواقف معينة، يستقبل في بيته ويكرم أشخاصا يختلف معهم جذريا في تصوراته السياسية والمذهبية. الإنسان الذي يحترم قيم الضيافة لن يرد الضيف من الدخول إلى بيته ولن يشترط على هذا الضيف اشتراطات مسبقة ليعطيه حق الضيافة. في المقابل الشخص الذي يعتقد بأن مواقفه المذهبية يجب أن تحكم كل تصرفاته الأخرى يحشر نفسه في خط واحد ضيق لا مجال فيه إلا لمن يشبهه. التفاوض حالة يمكن توضح لنا أكثر أثر أحادية الفكر. في الخلافات بين الأفراد أو بين الجماعات، إحدى طرق التفاوض لحل الاختلافات هي البحث عن طرق أخرى لذهن الطرف الآخر غير الطريق التي وصلت إلى طريق مسدودة. مثلا، إذا كانت الحسبة الاقتصادية لم تنجح مع الطرف الآخر فلا مانع من محاولة الحسبة الأخلاقية أو الحسبة الاجتماعية. إذا كان هذا الطرف يعطي تقديرا متنوعا للقضايا في حساباته فإن هناك دائما فرصة للوصول معه إلى طريق مشتركة. في المقابل فإن الإنسان أحادي المرجعية يحد كثيرا من فرص التفاوض معه، لأنه لا يرى إلا طريقا واحدة لا ثاني لها.
الآن سأحاول نقل علاقة أحادية الفكر بالعنف إلى واحد من المشاهد الفلسفية ثراء وإدهاشا: الحوارات الأفلاطونية، هذه الحوارات عبارة عن مشاهد لنقاشات طويلة يقودها سقراط ويناقش فيها عددا من الشخصيات المهمة في التاريخ اليوناني. هناك جدل واسع حول إمكانية فصل سقراط عن أفلاطون في هذه الحوارات، لكن ما يهمنا هو محاولة تحليل هذه الحوارات، الجمهورية ومينو على وجه الدقة، لفحص علاقة الحوار بالعنف.
بشكل عام يمكن تقسيم البناء الداخلي للحوارات الأفلاطونية لقسمين أساسيين: القسم التفكيكي الذي ينتهي عادة باكتشاف زيف الإجابات الشائعة، والقسم البنائي الذي يطرح فيه سقراط جوابه البديل. الملاحظة المتعلقة بموضوعنا هنا أن في الجزء الأول هناك حضور مؤثر إلى حد كبير للأصوات الأخرى مع أفلاطون. مثلا في الجزء الأول من محاورة مينو كان مينو يشارك في النقاش ويطرح وجهات نظر مختلفة. نجد ذلك في الجمهورية كذلك. في الجزء التفكيكي هنا حركة من اتجاهات مختلفة وإثارة ومشهد متعدد الأبعاد. هناك أصوات مختلفة والحركة غالبا تكون في اتجاه فتح آفاق أوسع للحوار. في هذا الجزء يظهر سقراط كمحرر للفكر ومقاوم للأفكار المسيطرة بقوة على أفكار الناس. في هذا الجزء يمكننا الحديث فعلا عن حوار متنوع وجدل حقيقي وحضور للأصوات المختلفة. بعد وصول الجزء التفكيكي إلى هدفه وهو إثبات خلل الأفكار المطروحة، وظهور الارتباك والتشويش على معتنقيها ينتقل الحوار إلى مرحلة البناء. عادة ما تعتبر هذه المرحلة هي المرحلة الأفلاطونية التي يطرح فيها أفلاطون رؤاه الميتافيزيقية والسياسية الخاصة. هذا الجزء يختلف عن الجزء الأول كثيرا، فحضور الآخرين في الحوار يصبح حضورا شكليا بدون أثر. أغلب المداخلات من الآخرين في هذا الجزء مداخلات موافقة وتعزيز لما يقوله أفلاطون. هنا يتلاشى الاختلاف ومعه يبدأ العنف. العنف هنا يظهر في أكثر من مستوى، أولا: غياب الاختلاف والصوت الآخر، وثانيا: يترافق مع غياب الآخر بناء أطروحات فكرية عنيفة تجاه الاختلاف وتجاه الآخرين. الجمهورية الأفلاطونية مثال واضح على هذا العنف. في هذا الجزء يرسم أفلاطون بناء سياسيا هائلا للمجتمع والدولة يقوم على تقسيم حاد للطبقات وعلى تصورات وثوقية عن الطبيعة البشرية. اختفاء الأصوات الأخرى في الحوار يترافق معه اختفاء لحضور المخالفين في الجمهورية الفاضلة. طرد أفلاطون للشعراء من الجمهورية مشهد معبّر بوضوح هنا. الشعراء بحسب أفلاطون يشوشون على "الحقيقة" ويغرقون الناس في صور عاطفية لا تتجاوز ظلال الأشياء. الشعراء يفسدون تفكير الناس، ولذا لا بد من استبعادهم.
في الجزء الثاني من الحوارات الأفلاطونية يتحول (سقراط/ أفلاطون) لكائن أحادي البعد. المرجعية التي تحكم فكرة أحادية تنبع من تصور واحد للخير والحق والجمال. هذه المرجعية الأحادية بالضرورة عنيفة ضد الآخر المختلف، وعنيفة ضد التنوع والاختلاف في الواقع الإنساني. أفلاطون يدرك حجم التغيير المطلوب والتضحيات الكبيرة التي لا بد من دفعها لتحقيق مشروعه المثالي. المرجعيات الأحادية تعمل بقوة لتبرير العنف الضروري لتحقيقها. هذا التبرير يأخذ طرقا مختلفة من أهمها أن العنف "ضروري" أي أنه الطريق الوحيدة لحل إشكالات الواقع. في المقابل يعرف متعددو الأبعاد أن الطرق بالضرورة متعددة، وأن العنف ليس بالضرورة الحل الوحيد والنهائي.
الأمثلة الاجتماعية التي عرضناها عن تسامح متعددي المرجعيات والأمثلة الفلسفية من الحوارات الأفلاطونية تحيلنا إلى أسئلة الاختلاف والعنف. أحد هذه الأسئلة المهمة هو: كيف يمكن للفرد الجمع بين مرجعيات متعددة في الوقت ذاته؟ ألا يعني هذا الازدواجية والتناقض؟ ألا يحتاج الإنسان العاقل إلى نظام متسق يجعل لسلوكه وخياراته معاني واضحة غير متناقضة؟ ما الفرق بين المنافق والكذاب والإنسان متعدد المرجعيات؟
 http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 13, 2016 04:55

January 6, 2016

التطرف وإنسان البعد الواحد

التطرف وإنسان البعد الواحدالإنسان متعدد المرجعيات الفكرية والأخلاقية لديه فرصة أكبر للتسامح وقبول التنوع، بينما إنسان البعد الواحد لديه فرصة أكبر للتطرف والانحياز للخيارات العنيفة في الحياةعبدالله المطيريالأطروحة الأساسية في هذا المقال هي التالي: الإنسان متعدد المرجعيات الفكرية والأخلاقية لديه فرصة أكبر من أحادي المرجعية بأن يكون أكثر تسامحا وقبولا للتنوع في الحياة. الإنسان أحادي المرجعية أو ما سأعبر عنه هنا بإنسان البعد الواحد لديه في المقابل فرصة أكبر للتطرف والانحياز للخيارات الحادة والعنيفة في الحياة. هذه الأطروحة مبنية على ملاحظات مباشرة من الساحة المحلية السعودية. الملاحظات تشير إلى التالي: الأفراد الذين يعلنون انتماءهم لعدد من المرجعيات المختلفة في ذات الوقت رغم تعارضها أحيانا تمتاز سلوكياتهم بعدم التطرف. المقارنة ستكون أوضح في المقارنة بين الشخصيتين التاليتين: (س) ينتمي لأسرة محافظة وتربى على مجموعة من القيم والالتزامات. المنظومة الأولى هي المنظومة الدينية، لكنها تصاحبت مع منظومات أخرى لم تؤسس على أنها دينية وإن لم تكن تعارض الدين بالضرورة. بمعنى أنه تربى على قيم الكرم والضيافة ورعاية الجار واحترامه بدون تأسيس ديني. هذه التربية نلاحظها مع كثير من الأجيال السابقة التي تؤكد على قيم اجتماعية مهمة بدون أن تؤسسها أو تؤكد على تأسيسها دينيا. (س) بهذا لديه مرجعيات متنوعة: مرجعية دينية، مرجعية عادات وتقاليد.. الخ. في المقابل (ص) تربى في أسرة محافظة أيضا لكن محافظتها مختلفة. والده كان حريصا على تربيته تربية دينية كاملة، وكان حريصا جدا على تأسيس أي مرجعية أخرى على أساس ديني، بمعنى أنه كان مشغولا بفحص كل العادات والتقاليد وإخضاعها لتوجهه الديني. لذا الجار لديه له حقوق، ولكنها حقوق مرتبطة بحسبة دينية محددة وخاضعة لها. النتيجة المحتلمة هنا (وهذه حالات عاشرتها بشكل مباشر) هي اختلاف في سلوك (س) و(ص) رغم أن كليهما متدين. (س) رغم تدينه لا يزال يحفظ لجيرانه "العصاة"-حسب منظوره الديني- حقهم كجيران بغض النظر عن الحسبة الدينية. (س) ملتزم لأقاربه "العصاة" بحق القرابة. (س) يجد ما يردع سلوكه المدفوع بحسبته الدينية المتشددة، ويجعله قادرا على التعايش مع الآخرين لدرجة تكفل استمرار الود والتواصل مع الناس. في المقابل (ص) لديه حسبة أخرى. (ص) يتحرك حسب معيار واحد، وهو حسبته الدينية المتشددة، فجاره "العاصي" لا بد أن يعامل معاملة العصاة لا معاملة الجيران، وقريبه "العاصي" لا بد أن يعامل معاملة العصاة لا معاملة الأقارب. لذا (ص) حاد وعلاقاته متوترة مع من حوله.
أحد الأمثلة التي عاشرتها كانت عن شخصين التزما دينيا وهما في مقتبل الثلاثينات. الأول سلك تدينا سمحا لدرجة كبيرة باعتبار أن حساباته كانت متعددة. مثلا في المسجد كان يراعي كبر سن بعض الجيران، ولذا فلا يقوم بتوجيههم للالتزام بالتفاصيل الفقهية الدقيقة في طريقة الصلاة والتي ألزم نفسه بها. كان يحترم جيرانه لدرجة أنه يتحرج جدا من رفع التقارير للهيئة عن "المنكرات" التي يعرفها في بيوتهم. كان مؤدبا جدا لدرجة أنه يخجل من الهيمنة على المجالس التي يحضرها باسم الدعوة والنصح. في المقابل كان الشخص الثاني يتتبع بيوت الجيران في الفجر ويضرب الأجراس لفترة طويلة ليوقظهم للصلاة دون أي اعتبار للأذى الناتج عن سلوكه. كان لا يتورع في إظهار كبار السن في المسجد على أنهم جهلة ولا يعرفون الدين. كان لا يتورع كذلك في رفع التقارير للهيئة للإبلاغ عن جيرانه الذين لا يحضرون الجماعة في المسجد. حسبته دائما أن كل الاعتبارات الأخرى ليست لها قيمة أمام ما تمليه عليه تصوراته الدينية الخاصة.
الملاحظات السابقة ناتجة عن تجربة شخصية لا عن إحصاءات جماعية، لكن الأمل أن يرى القارئ فيها ما يتوافق مع تجاربه الشخصية. بقي هنا أن نقول شيئا بسيطا يمكن أن يكون مقدمة أو مدخلا لتفسير المشاهد السابقة. (س) لديه فرصة لرؤية الأمور بمنظار أوسع وأشمل. عقله وضميره أشبه بالحوار بين أطراف متعددة تعطي حساباته شمولية أوسع. في المقابل فإن عقل وضمير (ص) أشبه بالحديث المنفرد والصوت الواحد، لذا فهو لا يرى إلا بعدا واحدا من الأمور. الحوار بطبيعته شراكة، لذا فإن (س) لديه القدرة على التواصل مع الآخرين. الاندفاعات المتطرفة في تفكيره تجد من يهدئ منها ويروّضها ويختلف معها. المرجعيات المتعددة في تفكيره تجعله في حضرة مجموعة من الأصدقاء الذين يعرضون عليه الأمور من أطرافها المتعددة. (ص) في المقابل يسمع لصوت واحد لا ثاني له، ولذا فهو بالضرورة يرى من عين واحدة. بالتعبيرات الفلسفية (س) يفكر بطريقة جدلية تقوم على حقيقة الاختلاف والتنوع. في المقابل فإن (ص) يفكر بطريقة متوائمة قائمة على إلغاء الاختلاف والتنوع. (س) يواجه في حياته حالات من التوقف والتردد والتراجعات والقلق من آثار سلوكه، فيما يبدو (ص) مباشرا منطلقا في طريقه أحادي الاتجاه بكل قوة وحماس. توقفات وترددات ومراجعات (س) تجعله أقرب للسلم والعدالة والرحمة، فيما تدفع طاقة (ص) الهائلة به وبالآخرين باتجاه أطراف بعيدة تصل في أحيان متعددة إلى العنف وضرب أسس علاقاته مع الآخرين.
 http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 06, 2016 04:51

عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.