عبد الله المطيري's Blog, page 4
December 22, 2015
الغيرة على التراث
الغيرة على التراثعبدالله المطيري حتى الآن كان النقاش عن أثر الغيرة على العلاقة مع الآخر. الغيرة عادة ما يتم نقاشها على مستوى العلاقات المباشرة الفردية التي تجمع على سبيل المثال العاشق الغيور مع معشوقته ومع الطرف الثالث مثير الغيرة. لكننا في هذه المقالات نحاول نقل نقاش الغيرة وعلاقتها بالآخر إلى مستوى أوسع في المجال العام. هنا نحن أمام تعبيرات مثل "الغيرة الثقافية"، و"الغيرة على الثقافة". تحدثنا سابقا عن كون الغيرة طاقة سلبية عن الآخر إذا لم يتم مراقبتها بمنطق العدالة فإنها ستتحول إلى طاقة تدمير للذات والآخر في ذات الوقت. لاحظنا كذلك ارتباط الغيرة والعنف على من نغار عليهم في كثير من الحالات. استخدمنا أطروحة إسبينوزا لملاحظة كيف تدفع الغيرة الإنسان باتجاهين متناقضين تجاه من يحب: أولا الشعور بالمحبة تجاه من نغار عليهم، وثانيا الشعور بكره من نغار عليهم لأننا نعتقد أنهم لم يعودوا يعطوننا العلاقة الاستثنائية معهم. مع تصاعد مشاعر الغيرة تتحول طاقة المحبة إلى دافع قوي جدا للعنف تجاه من نغار عليهم. هذا واضح في سير قادة سياسيين وحركات سياسية جمعت درجات عالية من العنف تجاه ذات الناس الذين رفعت الشعارات كثيرا للدفاع عنهم.
اليوم نقاشنا متجه لتحليل وفهم العلاقة التي تنشأ بين الفرد والتاريخ الذي ينتمي له انطلاقا من منظور الغيرة على هذا التراث. لا بد هنا أن نستعيد الآخر كجزء أساسي من علاقة الغيرة. هنا تصبح الصورة عن التاريخ معروضا للآخر. أو كيف نعرض تاريخنا للآخر. في أي اتجاه تدفعنا الغيرة الثقافية تجاه قراءتنا للتاريخ. واحد من الاتجاهات المتوقعة جدا هو أن نتحكم في صورة التراث التي نعرضها للآخر. هذا التحكم يعني أن ننتقي بدقة ما نعرضه وما لا نعرضه، بمعنى أن يكون تعاملنا مع ما نعلم أنه حقائق تاريخية خاضع لحساباتنا مع الآخر. أحد الأصدقاء عاتب بعض الكتاب بأنهم لا يحملون غيرة على ثقافتنا وتاريخنا باعتبار أنهم يخرجون للعلن سلبيات الجماعة التاريخية. باعتبار أننا في صراع مع الآخر فإننا لا يجب أن نخرج من تراثنا ما يمكن أن يعطي الآخر مزيدا من المعلومات التي يمكن أن يستعملها ضدنا. الغيرة هنا خلقت أجواء حربية مع الآخر ونظرة انتقائية للتاريخ. نلاحظ هنا أنه تحت شعور الغيرة على الثقافة والتاريخ نشأت لنا علاقة أبوية مع الذات، مع الجماعة التي يفترض أن ننتمي لها. هذه العلاقة تأخذ هذه الصيغة: يجب أن لا نطلع أفراد جماعتنا على كل تفاصيل تراثنا لأن الآخر قد يستغل هذه المعلومات. العلاقة الأبوية هنا تعني أن هؤلاء الناس الذين يدعي الغيران الدفاع عنهم ومحبتهم تحجب عنهم الحقيقة وتنظر لهم كأتباع يحتاجون إلى قيادة وتوجيه ذاتي. هذا الحجب عنف معرفي هائل لأنه يتناقض مع حق الفرد في الوصول للمعلومات. هنا نواجه تشابها في النظر بين الدكتاتور والمثقف: الدكتاتور يعتقد أنه أب للشعب وأن له الحق في إدارته لمصلحته حتى لو لم يروا هم هذه المصلحة. المثقف الغيران كذلك يتعامل مع القراء على أساس أنهم قصّر يجب أن يحجب عنهم بعض الحقائق التي يعلمها علم اليقين.
قبل سنوات عرفنا في السعودية كيف كان كثير من رجال الدين يحجبون عن الناس معلومات عن خلافات الفقهاء حول عدد من القضايا الجدلية. حجبوا عنهم هذه المعلومات لأنهم لا يثقون في أتباعهم "الغيرة تعمل ضد الثقة"، ولأنهم يخشون من استقلال أتباعهم عنهم لو وصلوا مباشرة لتلك المعلومات "الغيرة طاقة للسيطرة". منطق هذا الفقيه الذي يحجب الخلاف الفقهي عن الناس شبيه بموقف المثقف الذي يحاول حجب المعلومات التاريخية خشية استغلال الآخر لها. العنف هنا يتوجه للذات التي يتم حرمانها من الاطلاع على الواقع بكل تفاصيله وتفضيل العيش في الأوهام. لا بد هنا من التذكير بأن كثيرا من الأطروحات الفكرية الغارقة في الصراع مع الآخر تنظر لأفراد الجماعة على أنهم بطبيعتهم غير أكفاء لقيادة أنفسهم ولا بد من قيادتهم من حرّاس الجماعة.
الغيرة على التاريخ والجماعة بهذا الشكل تتحرك باتجاه معاكس لمحاولات الإصلاح والتغيير. بمعنى أن الغيرة تعيق الخطوة الأولى من الإصلاح وهي عملية التشخيص الدقيق للواقع الذي يعني الكشف لكل أوجه هذا التراث، وتحديدا الوجه البشع، باعتبار أنه لب المشكلة والإعاقة. الغيرة على الثقافة تعيق تشخيصها لأن حجب ما لا يعجبنا يعني أننا لا نواجه الحقيقة ولا الواقع بقدر ما نهرب منها مدفوعين بحمى الصراع مع الآخر. لأن الغيرة تحجب التفكير المتوازن فإن الغيران على التاريخ يعتقد أن حجب المعلومات التي لا تعجبنا سيجعلها تختفي وسيجعلنا أقوى. مثل المريض الذي يعتقد أن إخفاء مرضه سيتكفل بتجاوزه. النتيجة المتوقعة بالتأكيد أن الجانب البشع من التاريخ يقوى وينتشر أكثر حين نبعده عن ضوء النقد والمراجعة، خصوصا في سياقات ثقافية لا تزال تعيش على قدسية الماضي وأنه القائد المفترض لحركة التاريخ. وجه آخر لكارثية منطق الغيرة على الثقافة يظهر حين يمتد هذا المنطق للمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث. هذا المنطق سيحول هذه المؤسسات إلى آلات أيديولوجية لا تخدم المعرفة بقدر ما تخدم أهواء وهلوسات المشغولين بالغيرة على الثقافة من الآخر.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
اليوم نقاشنا متجه لتحليل وفهم العلاقة التي تنشأ بين الفرد والتاريخ الذي ينتمي له انطلاقا من منظور الغيرة على هذا التراث. لا بد هنا أن نستعيد الآخر كجزء أساسي من علاقة الغيرة. هنا تصبح الصورة عن التاريخ معروضا للآخر. أو كيف نعرض تاريخنا للآخر. في أي اتجاه تدفعنا الغيرة الثقافية تجاه قراءتنا للتاريخ. واحد من الاتجاهات المتوقعة جدا هو أن نتحكم في صورة التراث التي نعرضها للآخر. هذا التحكم يعني أن ننتقي بدقة ما نعرضه وما لا نعرضه، بمعنى أن يكون تعاملنا مع ما نعلم أنه حقائق تاريخية خاضع لحساباتنا مع الآخر. أحد الأصدقاء عاتب بعض الكتاب بأنهم لا يحملون غيرة على ثقافتنا وتاريخنا باعتبار أنهم يخرجون للعلن سلبيات الجماعة التاريخية. باعتبار أننا في صراع مع الآخر فإننا لا يجب أن نخرج من تراثنا ما يمكن أن يعطي الآخر مزيدا من المعلومات التي يمكن أن يستعملها ضدنا. الغيرة هنا خلقت أجواء حربية مع الآخر ونظرة انتقائية للتاريخ. نلاحظ هنا أنه تحت شعور الغيرة على الثقافة والتاريخ نشأت لنا علاقة أبوية مع الذات، مع الجماعة التي يفترض أن ننتمي لها. هذه العلاقة تأخذ هذه الصيغة: يجب أن لا نطلع أفراد جماعتنا على كل تفاصيل تراثنا لأن الآخر قد يستغل هذه المعلومات. العلاقة الأبوية هنا تعني أن هؤلاء الناس الذين يدعي الغيران الدفاع عنهم ومحبتهم تحجب عنهم الحقيقة وتنظر لهم كأتباع يحتاجون إلى قيادة وتوجيه ذاتي. هذا الحجب عنف معرفي هائل لأنه يتناقض مع حق الفرد في الوصول للمعلومات. هنا نواجه تشابها في النظر بين الدكتاتور والمثقف: الدكتاتور يعتقد أنه أب للشعب وأن له الحق في إدارته لمصلحته حتى لو لم يروا هم هذه المصلحة. المثقف الغيران كذلك يتعامل مع القراء على أساس أنهم قصّر يجب أن يحجب عنهم بعض الحقائق التي يعلمها علم اليقين.
قبل سنوات عرفنا في السعودية كيف كان كثير من رجال الدين يحجبون عن الناس معلومات عن خلافات الفقهاء حول عدد من القضايا الجدلية. حجبوا عنهم هذه المعلومات لأنهم لا يثقون في أتباعهم "الغيرة تعمل ضد الثقة"، ولأنهم يخشون من استقلال أتباعهم عنهم لو وصلوا مباشرة لتلك المعلومات "الغيرة طاقة للسيطرة". منطق هذا الفقيه الذي يحجب الخلاف الفقهي عن الناس شبيه بموقف المثقف الذي يحاول حجب المعلومات التاريخية خشية استغلال الآخر لها. العنف هنا يتوجه للذات التي يتم حرمانها من الاطلاع على الواقع بكل تفاصيله وتفضيل العيش في الأوهام. لا بد هنا من التذكير بأن كثيرا من الأطروحات الفكرية الغارقة في الصراع مع الآخر تنظر لأفراد الجماعة على أنهم بطبيعتهم غير أكفاء لقيادة أنفسهم ولا بد من قيادتهم من حرّاس الجماعة.
الغيرة على التاريخ والجماعة بهذا الشكل تتحرك باتجاه معاكس لمحاولات الإصلاح والتغيير. بمعنى أن الغيرة تعيق الخطوة الأولى من الإصلاح وهي عملية التشخيص الدقيق للواقع الذي يعني الكشف لكل أوجه هذا التراث، وتحديدا الوجه البشع، باعتبار أنه لب المشكلة والإعاقة. الغيرة على الثقافة تعيق تشخيصها لأن حجب ما لا يعجبنا يعني أننا لا نواجه الحقيقة ولا الواقع بقدر ما نهرب منها مدفوعين بحمى الصراع مع الآخر. لأن الغيرة تحجب التفكير المتوازن فإن الغيران على التاريخ يعتقد أن حجب المعلومات التي لا تعجبنا سيجعلها تختفي وسيجعلنا أقوى. مثل المريض الذي يعتقد أن إخفاء مرضه سيتكفل بتجاوزه. النتيجة المتوقعة بالتأكيد أن الجانب البشع من التاريخ يقوى وينتشر أكثر حين نبعده عن ضوء النقد والمراجعة، خصوصا في سياقات ثقافية لا تزال تعيش على قدسية الماضي وأنه القائد المفترض لحركة التاريخ. وجه آخر لكارثية منطق الغيرة على الثقافة يظهر حين يمتد هذا المنطق للمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث. هذا المنطق سيحول هذه المؤسسات إلى آلات أيديولوجية لا تخدم المعرفة بقدر ما تخدم أهواء وهلوسات المشغولين بالغيرة على الثقافة من الآخر.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on December 22, 2015 16:21
December 16, 2015
الغيرة والعنف على الجماعة
الغيرة والعنف على الجماعةعبدالله المطيرييقول سبينوزا في كتابه الأخلاق: "عندما أتخيل أن محبوبي قد ارتبط مع غيري بعلاقة صداقة مماثلة أو أقوى لما بيننا فإنني سأشعر بالكراهية لمن أحب والحسد للطرف الآخر.. حين تترافق هذه الكراهية لمن أحب مع الحسد للطرف الآخر فإننا أمام الغيرة التي ليست سوى تذبذب العقل النابع من الشعور بالحب والكره في الوقت ذاته في حضرة فكرة الطرف الثالث الذي نشعر تجاهه بالحسد".
سأحاول استعمال هذا النص لسبينوزا للتفكير في بعض قضايا الغيرة الثقافية، وتحديدا في قضية علاقة من يغار على الجماعة مع أفراد هذه الجماعة. الأفكار الأساسية حتى الآن كالتالي: الغيرة علاقة ثلاثية تجمع الذات بمن تحب مع وجود طرف ثالث يفترض أن يربك العلاقة بين الذات ومن تحب. الآخر هذا جزء أساسي في هذه المعادلة وفي حال زواله فإن الغيرة ستزول. الغيرة الثقافية أو الغيرة على الثقافة لها تجليات كثيرة منها أن يشعر إنسان ما بالغيرة على الجماعة أو على الثقافة التي ينتمي لها من تدخل طرف ثالث. في المقالة السابقة توقفنا عند ملاحظة مهمة ولا أظن أننا فسرناها بالشكل المطلوب، وهي ظاهرة ترافق الغيرة والعنف. أي ترافق الغيرة على من نحب بالعنف تجاه هذا الحبيب. هذا واضح في العلاقات الفردية المباشرة، فالتجربة الإنسانية مليئة بعلاقات الحب التي تحولت إلى مآسٍ بسبب الغيرة. المشهد المتكرر أن تبدأ العلاقة بشكل طبيعي بين الحبيب ومحبوبه حتى يدخل طرف ثالث في المعادلة ليثير معه مشاعر تثير الشك في قلب العاشق بأنه لم يعد يحظى بامتياز خاص لدى محبوبته. هذا الارتباك يدفعه باتجاه تفكير موجه بشكل كبير بهذه المشاعر يجعله يعيش في واقع جديد يبتعد يوما بعد يوم عن الواقع الحقيقي. في هذا الواقع المتخيل تظهر الحبيبة بصورة الخائنة والغدارة، ولكنها تبقى المحبوبة الأكبر. النهاية الدرامية تصل إلى ذروتها في أن يقتل العاشق معشوقته والطرف الثالث لتموت الغيرة معهما، لكن في الغالب فإنه لن يستطيع قتل الطرف الثالث ليقتل محبوبته ويعيش طول عمره مع ذكريات الندم. على المستوى الجماعي لاحظنا كذلك العلاقة الطردية بين من يرفعون شعارات المحبة والفداء لجماعاتهم من القادة السياسيين وبين العنف الذي يوجهه هؤلاء لجماعتهم تحديدا. شخصيات مثل هتلر وستالين وعبدالناصر وصدام حسين والأسد جمعت هاتين الخصلتين: محبة عارمة للجماعات التي انتموا لها وفي الوقت ذاته أعتى أنواع العنف تجاه هذه الجماعات بعينها. تفاوت هذا العنف من قتل عدد كبير من هذه الجماعات أو إدخالهم في حروب متتالية وتحويل حياتهم إلى معتقلات تراقبها أعداد كبيرة من الأجهزة البوليسية. ما سأحاول فهمه هنا مستعينا بالعبارة السابقة لسبينوزا، هو هذا الارتباط بين الحب والعنف تجاه المحبوب تحت آثار الغيرة.
سأحاول هنا رسم صورة تقارب بين علاقة الغيرة بين الأفراد وبين علاقة الغيرة بين الفرد والجماعة. هتلر مثلا أحب الشعب الألماني واعتقد أن مهمته في الحياة الدفاع عن هذا الشعب وحمايته، ولكنه في الوقت ذاته كان يرى أن هذا الشعب مرتبط بعلاقات أو مخدوع بعلاقات طيبة مع الآخرين سواء في القارة الأوروبية أو حتى في الداخل الألماني خارج التعريف العرقي الهتلري للألمان. هذه العلاقة تثير لدى هتلر هذين الشعورين: حب الألمان والغضب من الألمان الذين لم يستيقظوا بعد ولا يزالون يعيشون وهم العلاقة الطيبة مع الآخرين. هؤلاء لا يرون ما يراه هتلر ولا يعلمون مدى التهديد الذي يمثله هذا الآخر على الجماعة الألمانية. هتلر هنا يحب ويكره الألمان في ذات الوقت. يحبهم لأنهم الجماعة التي يشعر بالانتماء لها ويكرههم لأنهم لم يدركوا الخطر المحيط بهم. هتلر هنا يصبح حساسا جدا من علاقة الألمان بغيرهم، لأن هذه العلاقات مع الخارج تهدد علاقته الاستثنائية معهم. هذا التوجس يدفع بهتلر لمراقبة شعبه كما يراقب العاشق الغيور محبوبته.. يحاول أن يحد من تواصلهم مع الآخرين.. يعزلهم.. يسلط عليهم أجهزة المخابرات.. يمنعهم من التعبير.. يلغي الأحزاب المعارضة.. يقفل البلد كما يقفل العاشق المريض بالغيرة البيت على معشوقته.. يراقب هتلر كل نوافذ التعبير كما يراقب العاشق شبابيك البيت التي قد تكون فرصة للتواصل بين معشوقته وحبيبها المتخيّل. الناس ترى في هتلر كلا الجانبين. الصدق ينضح من عباراته والعنف يرافق كل تصرفاته. المحبوبة لا تشك أبدا في أن عاشقها المجنون بالغيرة يحبها.. هي تعلم ذلك يقينا ولكنها تعلم كذلك أن هذا الحب استحال إلى عنف سيقضي عليها إن لم تهرب. محاولات هروبها تعزز أفكار الشك كما تعزز تململات الشعب من ديكتاتورية هتلر أفكاره المرتابة. النتيجة المزيد من المراقبة والعنف والمزيد من الضيق الشعبي حتى تنفجر الأمور.
هذه الصورة لن تكون غريبة عن الواقع التاريخي الذي جمع غالب المستبدين بشعوبهم. هذا التفسير يمكن أن يساعدنا كذلك على تفسير ظاهرة العنف في خطابات التيارات الأممية الدينية والقومية تجاه من يخالفها من الجماعات التي ترفع شعار الدفاع عنها. هذا العنف يواجهه الناس في وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعارات التخوين والتكفير والاتهام بالعمالة والانبطاح للأجنبي. الغيور هنا يظهر بشكل مزرٍ، فهو عاجز عن التصدي لـ"الأجنبي" ويفرغ كل طاقته على "أهله" ليطبق المثال الشعبي "عوني على أمي وأخياتي أما الرجال فلا والله". لا ننسى أن تذكيره بهذا المثل أو الإشادة بـ"الأجنبي" سيزيد من غيرته وعنفه.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
سأحاول استعمال هذا النص لسبينوزا للتفكير في بعض قضايا الغيرة الثقافية، وتحديدا في قضية علاقة من يغار على الجماعة مع أفراد هذه الجماعة. الأفكار الأساسية حتى الآن كالتالي: الغيرة علاقة ثلاثية تجمع الذات بمن تحب مع وجود طرف ثالث يفترض أن يربك العلاقة بين الذات ومن تحب. الآخر هذا جزء أساسي في هذه المعادلة وفي حال زواله فإن الغيرة ستزول. الغيرة الثقافية أو الغيرة على الثقافة لها تجليات كثيرة منها أن يشعر إنسان ما بالغيرة على الجماعة أو على الثقافة التي ينتمي لها من تدخل طرف ثالث. في المقالة السابقة توقفنا عند ملاحظة مهمة ولا أظن أننا فسرناها بالشكل المطلوب، وهي ظاهرة ترافق الغيرة والعنف. أي ترافق الغيرة على من نحب بالعنف تجاه هذا الحبيب. هذا واضح في العلاقات الفردية المباشرة، فالتجربة الإنسانية مليئة بعلاقات الحب التي تحولت إلى مآسٍ بسبب الغيرة. المشهد المتكرر أن تبدأ العلاقة بشكل طبيعي بين الحبيب ومحبوبه حتى يدخل طرف ثالث في المعادلة ليثير معه مشاعر تثير الشك في قلب العاشق بأنه لم يعد يحظى بامتياز خاص لدى محبوبته. هذا الارتباك يدفعه باتجاه تفكير موجه بشكل كبير بهذه المشاعر يجعله يعيش في واقع جديد يبتعد يوما بعد يوم عن الواقع الحقيقي. في هذا الواقع المتخيل تظهر الحبيبة بصورة الخائنة والغدارة، ولكنها تبقى المحبوبة الأكبر. النهاية الدرامية تصل إلى ذروتها في أن يقتل العاشق معشوقته والطرف الثالث لتموت الغيرة معهما، لكن في الغالب فإنه لن يستطيع قتل الطرف الثالث ليقتل محبوبته ويعيش طول عمره مع ذكريات الندم. على المستوى الجماعي لاحظنا كذلك العلاقة الطردية بين من يرفعون شعارات المحبة والفداء لجماعاتهم من القادة السياسيين وبين العنف الذي يوجهه هؤلاء لجماعتهم تحديدا. شخصيات مثل هتلر وستالين وعبدالناصر وصدام حسين والأسد جمعت هاتين الخصلتين: محبة عارمة للجماعات التي انتموا لها وفي الوقت ذاته أعتى أنواع العنف تجاه هذه الجماعات بعينها. تفاوت هذا العنف من قتل عدد كبير من هذه الجماعات أو إدخالهم في حروب متتالية وتحويل حياتهم إلى معتقلات تراقبها أعداد كبيرة من الأجهزة البوليسية. ما سأحاول فهمه هنا مستعينا بالعبارة السابقة لسبينوزا، هو هذا الارتباط بين الحب والعنف تجاه المحبوب تحت آثار الغيرة.
سأحاول هنا رسم صورة تقارب بين علاقة الغيرة بين الأفراد وبين علاقة الغيرة بين الفرد والجماعة. هتلر مثلا أحب الشعب الألماني واعتقد أن مهمته في الحياة الدفاع عن هذا الشعب وحمايته، ولكنه في الوقت ذاته كان يرى أن هذا الشعب مرتبط بعلاقات أو مخدوع بعلاقات طيبة مع الآخرين سواء في القارة الأوروبية أو حتى في الداخل الألماني خارج التعريف العرقي الهتلري للألمان. هذه العلاقة تثير لدى هتلر هذين الشعورين: حب الألمان والغضب من الألمان الذين لم يستيقظوا بعد ولا يزالون يعيشون وهم العلاقة الطيبة مع الآخرين. هؤلاء لا يرون ما يراه هتلر ولا يعلمون مدى التهديد الذي يمثله هذا الآخر على الجماعة الألمانية. هتلر هنا يحب ويكره الألمان في ذات الوقت. يحبهم لأنهم الجماعة التي يشعر بالانتماء لها ويكرههم لأنهم لم يدركوا الخطر المحيط بهم. هتلر هنا يصبح حساسا جدا من علاقة الألمان بغيرهم، لأن هذه العلاقات مع الخارج تهدد علاقته الاستثنائية معهم. هذا التوجس يدفع بهتلر لمراقبة شعبه كما يراقب العاشق الغيور محبوبته.. يحاول أن يحد من تواصلهم مع الآخرين.. يعزلهم.. يسلط عليهم أجهزة المخابرات.. يمنعهم من التعبير.. يلغي الأحزاب المعارضة.. يقفل البلد كما يقفل العاشق المريض بالغيرة البيت على معشوقته.. يراقب هتلر كل نوافذ التعبير كما يراقب العاشق شبابيك البيت التي قد تكون فرصة للتواصل بين معشوقته وحبيبها المتخيّل. الناس ترى في هتلر كلا الجانبين. الصدق ينضح من عباراته والعنف يرافق كل تصرفاته. المحبوبة لا تشك أبدا في أن عاشقها المجنون بالغيرة يحبها.. هي تعلم ذلك يقينا ولكنها تعلم كذلك أن هذا الحب استحال إلى عنف سيقضي عليها إن لم تهرب. محاولات هروبها تعزز أفكار الشك كما تعزز تململات الشعب من ديكتاتورية هتلر أفكاره المرتابة. النتيجة المزيد من المراقبة والعنف والمزيد من الضيق الشعبي حتى تنفجر الأمور.
هذه الصورة لن تكون غريبة عن الواقع التاريخي الذي جمع غالب المستبدين بشعوبهم. هذا التفسير يمكن أن يساعدنا كذلك على تفسير ظاهرة العنف في خطابات التيارات الأممية الدينية والقومية تجاه من يخالفها من الجماعات التي ترفع شعار الدفاع عنها. هذا العنف يواجهه الناس في وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعارات التخوين والتكفير والاتهام بالعمالة والانبطاح للأجنبي. الغيور هنا يظهر بشكل مزرٍ، فهو عاجز عن التصدي لـ"الأجنبي" ويفرغ كل طاقته على "أهله" ليطبق المثال الشعبي "عوني على أمي وأخياتي أما الرجال فلا والله". لا ننسى أن تذكيره بهذا المثل أو الإشادة بـ"الأجنبي" سيزيد من غيرته وعنفه.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on December 16, 2015 05:30
December 9, 2015
الغيرة على الجماعة
الغيرة على الجماعةعبدالله المطيريفي رأيي؛ أن الغيرة في صورتها الأقرب للانتماء أو في صورتها الأقرب للاستحواذ هي طاقة تحتاج لأن يتم توجيهها من خارجها. أي أن يتم حكم الغيرة بالأخلاق، وتحديدا بأخلاق العدالةتعبيرات من نوع "الغيرة على الثقافة"،"الغيرة الثقافية" كانت الدافع وراء هذه المقالات. حتى الآن قمنا بتحليل معنى الغيرة باعتبارها علاقة ثلاثية تجمع الذات بمن تغار منه ومن تغار عليه.
هذه العلاقة مدفوعة برغبة الذات في الحصول على امتياز على من نغار عليه، وإبعاد من نغار منه إلى درجة معينة.
هذا الشعور بالتملك أو بالقلق على فقدان من نحب أساسي في الغيرة، ويمكن أن نستخدمه للتفريق بينها وبين الحسد.
الغيرة هي أن نخاف من الآخر أن يفقدنا ما نملك أو ما نعتقد أننا نملك. اللاعب القديم المشهور الذي يغار من اللاعب الجديد في عالم الشهرة يخشى من خسارة مشجعيه لمصلحة هذا النجم الجديد. في المقابل "الحسد" لا يتعلق بما نملك بل ما لا نملك. الفقير الذي يحسد الغني على ماله لا يقلقه أن يفقد ما يملك فهو أصلا لا يملك ما يخاف على ضياعه.
كذلك قلنا إن "الغيرة" ربما تكون تعبيرا طبيعيا عن الانتماء لمن نحب، ولكنها دائما تهدد بخطر تحول هذا الانتماء إلى رغبة في السيطرة والتحكم، تلغي معها حرية وذاتية من نحبهم ونغار عليهم.
المعيار الذي اقترحناه لإبقاء الغيرة في حدودها الطبيعية، هو أن تبقى دائما في حدود الثقة بمن نحب، وأن الانتماء علاقة يقررها الطرفان ولا قيمة لها بطرف واحد.
اليوم، محاولة لنقل هذا التفكير إلى العلاقات الاجتماعية وعلاقة الفرد بجماعة معينة، مثل الجماعة الوطنية أو الجماعة الدينية أو الجماعة العرقية أو الجماعة الوطنية.. إلخ.
الغيرة على الجماعة يمكن التعبير عنها بمجموعة من المشاعر والسلوكيات التي تتوزع على أفق طويل يمكن تحديد الموقفين التاليين كنقاط تحدد أطرافه:
من الجهة الأولى، تعني الغيرة التعبير عن الانتماء إلى هذه الجماعة والاعتقاد بأن لها الأولوية في مجهود وطاقة الفرد. كأن يعتقد الفرد أن عليه واجبا لبذل طاقته وقدراته لمصلحة أهل المنطقة التي ينتمي إليها. في الطرف الآخر: تكون الغيرة ليست فقط تصديا للدفاع عن الجماعة ضد أعداء الخارج، بل حتى تصديا لأفراد الجماعة الذين لا يتوافقون مع غيرة الذات.
الطرف الأول انتماء والطرف الثاني استحواذ. الذي تضيفه الغيرة على الانتماء والاستحواذ هو القلق من الآخر. هذا القلق في رأيي هو أس إشكالية الغيرة اجتماعيا.
للتوضيح، يمكن أن نتخيل شخصين يعيشان في كندا، قرر كل منهما الانتقال للعيش مع جماعة أخرى:
الأول، قرر العودة للعيش مع أهل بلده الأصليين، البلد الذي هاجر منه قبل 40 سنة. الآخر، وهو طبيب قرر العيش مع جماعة في إفريقيا يعاني أهلها آثارا صحية سيئة لمجاعة طال أمدها.
الأول يتحرك بمنطق الغيرة على هذه الجماعة، والثاني بمنطق الرحمة أو المحبة.
الأول في رأيي سيربك علاقة أهل بلده بالآخر في أحسن الأحوال. بمعنى أن حركته وانتماءه مدفوعة برغبة التفوق على الآخر ومنافسته.
في المقابل، الطبيب يمكن أن يعمل ويقدم كل ما يستطيع دون هذا التمحور التنافسي مع الآخر. الآخر هنا ربما يظهر على أنه معين وشريك. في الطرف الأقصى نجد أن الغيرة تعطي الاستحواذ طاقة هائلة إضافية.
ليس من المستغرب هنا أن نجد الأيديولوجيات الأممية وما ينتج عنها من أنظمة سياسية، هي الأقسى ليس على الآخر بل على الجماعة التي ترفع شعارات الدفاع عنها.
بل إنه يمكن الحديث عن علاقة طردية بين شعارات الدفاع عن الجماعة والغيرة عليها وبين قمع هذه الجماعة.
في الاتحاد السوفيتي مثلا، نجد أن ما تعرض له العمال والفلاحون من قمع توافق مع شعارات الدفاع عن طبقة العمال والفلاحين.
الستالينية مثال على هذه الحقبة، إذ ترافق حب ستالين للشعب وغيرته عليهم، وهو ما آمن به كثير منهم، وقمعه لهم وحكمهم بالحديد والنار. الأيديولوجيات العروبية في الشرق الأوسط نموذج آخر للطاقة المروعة التي تبثها الغيرة على الجماعة في عمل المستبد.
"العرب" قبل غيرهم كانوا أكبر ضحايا الحكم الناصري والبعثي والقذافي.. إلخ.
لن نستغرب كذلك أن المسلمين في سورية والعراق يهربون من حكم أكثر الجماعات في العالم رفعا لشعارات الغيرة على الإسلام والمسلمين "داعش".
الطاقة التي تضخها الغيرة هنا لديها قدرة هائلة على دفع الذات باتجاه الاستحواذ على الجماعة. حين يصرخ الزعيم "أنا الشعب والشعب أنا" فإنه يعبر بدقة عن الغياب الكامل للشعب في تفكيره.
الصوت الشعبي المخالف هو بالضرورة صوت خيانة وغدر. لذا في رأيي أن الغيرة في صورتها الأقرب للانتماء أو في صورتها الأقرب للاستحواذ، هي طاقة تحتاج إلى أن يتم توجيهها من خارجها.
أي أن يتم حكم الغيرة بالأخلاق، وتحديدا بأخلاق العدالة. الغيرة شعور يشبه شعور الطمع والحب والحسد والشفقة. هذه المشاعر الذاتية متعلقة بالآخر وقد تؤذيه.
عبارة "ومن الحب ما قتل" تحكي تجربة إنسانية عميقة مع المشاعر المنفلتة من معايير الأخلاق. منطق العدالة حركة باتجاه إعادة التوازن في العلاقات الإنسانية.
في قضية الغيرة؛ العدالة حركة في اتجاه إنصاف من نغار عليه ومن نغار منه. حركة في اتجاه احترام حرية أفراد الجماعة التي نغار عليها، وحقهم في الاختلاف مع تصوراتنا وغيرتنا، وحركة في اتجاه إنصاف الآخر الذي نخشى من سيطرته على من نحب.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
هذه العلاقة مدفوعة برغبة الذات في الحصول على امتياز على من نغار عليه، وإبعاد من نغار منه إلى درجة معينة.
هذا الشعور بالتملك أو بالقلق على فقدان من نحب أساسي في الغيرة، ويمكن أن نستخدمه للتفريق بينها وبين الحسد.
الغيرة هي أن نخاف من الآخر أن يفقدنا ما نملك أو ما نعتقد أننا نملك. اللاعب القديم المشهور الذي يغار من اللاعب الجديد في عالم الشهرة يخشى من خسارة مشجعيه لمصلحة هذا النجم الجديد. في المقابل "الحسد" لا يتعلق بما نملك بل ما لا نملك. الفقير الذي يحسد الغني على ماله لا يقلقه أن يفقد ما يملك فهو أصلا لا يملك ما يخاف على ضياعه.
كذلك قلنا إن "الغيرة" ربما تكون تعبيرا طبيعيا عن الانتماء لمن نحب، ولكنها دائما تهدد بخطر تحول هذا الانتماء إلى رغبة في السيطرة والتحكم، تلغي معها حرية وذاتية من نحبهم ونغار عليهم.
المعيار الذي اقترحناه لإبقاء الغيرة في حدودها الطبيعية، هو أن تبقى دائما في حدود الثقة بمن نحب، وأن الانتماء علاقة يقررها الطرفان ولا قيمة لها بطرف واحد.
اليوم، محاولة لنقل هذا التفكير إلى العلاقات الاجتماعية وعلاقة الفرد بجماعة معينة، مثل الجماعة الوطنية أو الجماعة الدينية أو الجماعة العرقية أو الجماعة الوطنية.. إلخ.
الغيرة على الجماعة يمكن التعبير عنها بمجموعة من المشاعر والسلوكيات التي تتوزع على أفق طويل يمكن تحديد الموقفين التاليين كنقاط تحدد أطرافه:
من الجهة الأولى، تعني الغيرة التعبير عن الانتماء إلى هذه الجماعة والاعتقاد بأن لها الأولوية في مجهود وطاقة الفرد. كأن يعتقد الفرد أن عليه واجبا لبذل طاقته وقدراته لمصلحة أهل المنطقة التي ينتمي إليها. في الطرف الآخر: تكون الغيرة ليست فقط تصديا للدفاع عن الجماعة ضد أعداء الخارج، بل حتى تصديا لأفراد الجماعة الذين لا يتوافقون مع غيرة الذات.
الطرف الأول انتماء والطرف الثاني استحواذ. الذي تضيفه الغيرة على الانتماء والاستحواذ هو القلق من الآخر. هذا القلق في رأيي هو أس إشكالية الغيرة اجتماعيا.
للتوضيح، يمكن أن نتخيل شخصين يعيشان في كندا، قرر كل منهما الانتقال للعيش مع جماعة أخرى:
الأول، قرر العودة للعيش مع أهل بلده الأصليين، البلد الذي هاجر منه قبل 40 سنة. الآخر، وهو طبيب قرر العيش مع جماعة في إفريقيا يعاني أهلها آثارا صحية سيئة لمجاعة طال أمدها.
الأول يتحرك بمنطق الغيرة على هذه الجماعة، والثاني بمنطق الرحمة أو المحبة.
الأول في رأيي سيربك علاقة أهل بلده بالآخر في أحسن الأحوال. بمعنى أن حركته وانتماءه مدفوعة برغبة التفوق على الآخر ومنافسته.
في المقابل، الطبيب يمكن أن يعمل ويقدم كل ما يستطيع دون هذا التمحور التنافسي مع الآخر. الآخر هنا ربما يظهر على أنه معين وشريك. في الطرف الأقصى نجد أن الغيرة تعطي الاستحواذ طاقة هائلة إضافية.
ليس من المستغرب هنا أن نجد الأيديولوجيات الأممية وما ينتج عنها من أنظمة سياسية، هي الأقسى ليس على الآخر بل على الجماعة التي ترفع شعارات الدفاع عنها.
بل إنه يمكن الحديث عن علاقة طردية بين شعارات الدفاع عن الجماعة والغيرة عليها وبين قمع هذه الجماعة.
في الاتحاد السوفيتي مثلا، نجد أن ما تعرض له العمال والفلاحون من قمع توافق مع شعارات الدفاع عن طبقة العمال والفلاحين.
الستالينية مثال على هذه الحقبة، إذ ترافق حب ستالين للشعب وغيرته عليهم، وهو ما آمن به كثير منهم، وقمعه لهم وحكمهم بالحديد والنار. الأيديولوجيات العروبية في الشرق الأوسط نموذج آخر للطاقة المروعة التي تبثها الغيرة على الجماعة في عمل المستبد.
"العرب" قبل غيرهم كانوا أكبر ضحايا الحكم الناصري والبعثي والقذافي.. إلخ.
لن نستغرب كذلك أن المسلمين في سورية والعراق يهربون من حكم أكثر الجماعات في العالم رفعا لشعارات الغيرة على الإسلام والمسلمين "داعش".
الطاقة التي تضخها الغيرة هنا لديها قدرة هائلة على دفع الذات باتجاه الاستحواذ على الجماعة. حين يصرخ الزعيم "أنا الشعب والشعب أنا" فإنه يعبر بدقة عن الغياب الكامل للشعب في تفكيره.
الصوت الشعبي المخالف هو بالضرورة صوت خيانة وغدر. لذا في رأيي أن الغيرة في صورتها الأقرب للانتماء أو في صورتها الأقرب للاستحواذ، هي طاقة تحتاج إلى أن يتم توجيهها من خارجها.
أي أن يتم حكم الغيرة بالأخلاق، وتحديدا بأخلاق العدالة. الغيرة شعور يشبه شعور الطمع والحب والحسد والشفقة. هذه المشاعر الذاتية متعلقة بالآخر وقد تؤذيه.
عبارة "ومن الحب ما قتل" تحكي تجربة إنسانية عميقة مع المشاعر المنفلتة من معايير الأخلاق. منطق العدالة حركة باتجاه إعادة التوازن في العلاقات الإنسانية.
في قضية الغيرة؛ العدالة حركة في اتجاه إنصاف من نغار عليه ومن نغار منه. حركة في اتجاه احترام حرية أفراد الجماعة التي نغار عليها، وحقهم في الاختلاف مع تصوراتنا وغيرتنا، وحركة في اتجاه إنصاف الآخر الذي نخشى من سيطرته على من نحب.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on December 09, 2015 04:49
December 1, 2015
الغيرة والثقافة
الغيرة والثقافةعبدالله المطيري
لفت انتباهي في الفترة الأخيرة أثناء نقاشات متعددة مع عدد من الأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعية استخدام مفهوم "الغيرة" في نقاش القضايا الثقافية. هذا الاستخدام أخذ أكثر من صيغة، منها "الغيرة على الثقافة"، و"الغيرة الثقافية". هذه الاستخدامات تجمع مفاهيم ليست دارجة على الأقل في التعبيرات المعلنة، فالغيرة غالبا ما تحيل إلى نوع محدد من المشاعر الإنسانية المرتبطة بعلاقته مع من يحب وإشكالات تلك العلاقة. نقل هذا الاستعمال من العلاقة الفردية كغيرة الأزواج إلى علاقة ثقافية أوسع؛ ملفت للانتباه، ويحتاج للفحص والبحث لمعرفة العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين الإنسان وثقافته والآخر نتيجة للانطلاق من مشاعر أو مفاهيم كالغيرة الثقافية أو الغيرة على الثقافة.
جميعنا نعلم أن الغيرة على المستوى الفردي شعور مخاتل قد يكون تعبيرا عن الحب وقد يتطور ليصبح نارا تحرق الحب والمحبوب. الغيرة شعور مخاتل لأنه قد يتملك الفرد ويسيطر عليه ويطمس تفكيره ويحوله إلى مجرد أداة تقودها الخيالات والأوهام. المحب الذي سيطرت عليه الغيرة يعجز عن رؤية الواقع ورؤية محبوبته، لذا فالغيرة قد تكون تدميرا لمن نحب رغم أنها انطلقت من مشاعر محبة طاغية. هذا البحث إذن هو محاولة لتتبع أثر مشاعر الغيرة علينا عندما ننقلها للمجال العمومي والذي نعبر عنه أحيانا بالمجال الثقافي.
في البداية نحتاج إلى تحليل مشاعر الغيرة للتعرف أكثر على دور الذات والآخر فيها. في البداية الغيرة علاقة ثلاثية على الأقل وليست ثنائية. بمعنى أنه لا بد من توافر الذات ومن نغار عليه ومن نغار منه. هذه أطراف أساسية لكل علاقة غيرة. نحن ومن نحب وطرف ثالث يربك علاقتنا بمن نحب. في الغالب يذهب المحبوب ضحية لشعور الذات بالغيرة من الطرف الثالث. كذلك من المهم الإشارة إلى أن الطرف الثالث في علاقة الغيرة يمكن استبداله بآخر. بمعنى أن الغيرة ليست مرتبطة بطرف ثالث محدد بين المحبوب وحبيبته ولكنها مفتوحة على احتمالات لا نهائية لأطراف جديدة تثير الغيرة بين الحبيب ومحبوبه. في الغيرة هناك آخران. الآخر المحبوب والآخر الذي يسبب الغيرة. يبدو أن الغيرة تتحرك في اتجاه طمس آخرية المحبوب وتحويله إلى جزء من الذات، باعتبار أن الغيرة حالة متطرفة من حب التملّك والسيطرة. كذلك آخرية الطرف الثالث ترتبك مع الغيرة. الآخر هنا لا ينظر له إلا على أنه راغب في السيطرة والاستحواذ، حتى لو أكد المحبوب مرارا وتكرارا على أن هذا غير صحيح. الغيرة هنا هي محاولة لقطع العلاقة بين المحبوب والآخر، رغما عن رأي المحبوب والآخر في طبيعة العلاقة بينهما.
لكن أليس كل الكلام السابق ليس إلا عرضا للحالات المتطرفة من الغيرة؟ ماذا عن الغيرة الطبيعية المرافقة للحب؟ في الأخير من لا يغار لا يحب. يبدو أن الغيرة المقصود بها هنا شيء يمكن التعبير عنه برغبة الذات أن يعطيها المحبوب صفة استثنائية عن الآخر. أي تعبير أن ما بين العاشق والمعشوق علاقة خاصة لا يتمتع بها أحد غير الذات. هذا الشعور يبدو طبيعيا ما دام مربوطا بقرار المحبوب. بمعنى أن غيرة المحبة الطبيعية مربوطة بشكل أساسي بالثقة بالمحبوب. هذه الثقة يمكن التعبير عنها بعدم قطع علاقة المحبوب بالآخر بقدر ما هي الثقة بقدرة على المحبوب بالتواصل مع الآخر بحرية والثقة بأن المحبوب لا يزال يعطي الذات مكانة خاصة بإرادته المستقلة. الغيرة هنا شعور متجذر عند الإنسان بحب التملك والاستحواذ يبقى طبيعيا إذا تمت السيطرة عليه بمعاني أخلاقية كالثقة واحترام الخيارات الفردية. في حال أفلتت رغبات التملك والاستحواذ من المعاني الأخلاقية العادلة فإن الغيرة تتحول إلى تدمير للعلاقة بين الحبيب والمحبوب والطرف الثالث. الغيرة هنا معنى يتمتع به المحبوب ما دام لا يلغي ذاته، لكن في كثير من الأحيان تفلت الأمور من يد العاشق تحت فرط محبته الأنانية ليقضي على حرية وخيارات من يحب.
هل كل هذه الاحتمالات تنتقل معنا حين نفكر في الغيرة في المجال العام. أي حين ننتقل للتفكير في علاقة الفرد بالجماعة أو الثقافة التي ينتمي لها؟
من الضروري الحديث عن طبيعة تفكير الإنسان حين يشعر بالغيرة. مشاعر الغيرة تعطي طاقة مهمة للتفكير في القضية التي أثارتها "الغيرة"، باعتبار أنها تجعل هذه القضية موضوع التفكير والاهتمام ولكنها في ذات الوقت تمدها بطاقة غير متوازنة ومدفوعة برغبات ذاتية تطغى على حضور الأطراف الباقية في العلاقة. الغيرة مقرونة غالبا بالاشتباه بالآخر والتوجس منه وبعدم قدرة المحبوب على مقاومة ذلك الآخر. لذا فتفكير الغيران تغلب عليه روح الإنقاذ والحماية ورد العدوان والدفاع عن الممتلكات. الغيرة غالبا ما تعطي هذه النتيجة التي تدعو للتأمل: القضاء على المحبوب باسم الحب. في الحالات الحادة من الغيرة يتم إيذاء المحبوب باسم محبته وباسم الحفاظ عليه. هل سيكون هذا شبيها لمشهد قمع الشعب وحريته باسم حمايته من استحواذ الآخر عليه وغيرة عليه؟ سنجيب عن هذا التساؤل لاحقا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
لفت انتباهي في الفترة الأخيرة أثناء نقاشات متعددة مع عدد من الأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعية استخدام مفهوم "الغيرة" في نقاش القضايا الثقافية. هذا الاستخدام أخذ أكثر من صيغة، منها "الغيرة على الثقافة"، و"الغيرة الثقافية". هذه الاستخدامات تجمع مفاهيم ليست دارجة على الأقل في التعبيرات المعلنة، فالغيرة غالبا ما تحيل إلى نوع محدد من المشاعر الإنسانية المرتبطة بعلاقته مع من يحب وإشكالات تلك العلاقة. نقل هذا الاستعمال من العلاقة الفردية كغيرة الأزواج إلى علاقة ثقافية أوسع؛ ملفت للانتباه، ويحتاج للفحص والبحث لمعرفة العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين الإنسان وثقافته والآخر نتيجة للانطلاق من مشاعر أو مفاهيم كالغيرة الثقافية أو الغيرة على الثقافة.
جميعنا نعلم أن الغيرة على المستوى الفردي شعور مخاتل قد يكون تعبيرا عن الحب وقد يتطور ليصبح نارا تحرق الحب والمحبوب. الغيرة شعور مخاتل لأنه قد يتملك الفرد ويسيطر عليه ويطمس تفكيره ويحوله إلى مجرد أداة تقودها الخيالات والأوهام. المحب الذي سيطرت عليه الغيرة يعجز عن رؤية الواقع ورؤية محبوبته، لذا فالغيرة قد تكون تدميرا لمن نحب رغم أنها انطلقت من مشاعر محبة طاغية. هذا البحث إذن هو محاولة لتتبع أثر مشاعر الغيرة علينا عندما ننقلها للمجال العمومي والذي نعبر عنه أحيانا بالمجال الثقافي.
في البداية نحتاج إلى تحليل مشاعر الغيرة للتعرف أكثر على دور الذات والآخر فيها. في البداية الغيرة علاقة ثلاثية على الأقل وليست ثنائية. بمعنى أنه لا بد من توافر الذات ومن نغار عليه ومن نغار منه. هذه أطراف أساسية لكل علاقة غيرة. نحن ومن نحب وطرف ثالث يربك علاقتنا بمن نحب. في الغالب يذهب المحبوب ضحية لشعور الذات بالغيرة من الطرف الثالث. كذلك من المهم الإشارة إلى أن الطرف الثالث في علاقة الغيرة يمكن استبداله بآخر. بمعنى أن الغيرة ليست مرتبطة بطرف ثالث محدد بين المحبوب وحبيبته ولكنها مفتوحة على احتمالات لا نهائية لأطراف جديدة تثير الغيرة بين الحبيب ومحبوبه. في الغيرة هناك آخران. الآخر المحبوب والآخر الذي يسبب الغيرة. يبدو أن الغيرة تتحرك في اتجاه طمس آخرية المحبوب وتحويله إلى جزء من الذات، باعتبار أن الغيرة حالة متطرفة من حب التملّك والسيطرة. كذلك آخرية الطرف الثالث ترتبك مع الغيرة. الآخر هنا لا ينظر له إلا على أنه راغب في السيطرة والاستحواذ، حتى لو أكد المحبوب مرارا وتكرارا على أن هذا غير صحيح. الغيرة هنا هي محاولة لقطع العلاقة بين المحبوب والآخر، رغما عن رأي المحبوب والآخر في طبيعة العلاقة بينهما.
لكن أليس كل الكلام السابق ليس إلا عرضا للحالات المتطرفة من الغيرة؟ ماذا عن الغيرة الطبيعية المرافقة للحب؟ في الأخير من لا يغار لا يحب. يبدو أن الغيرة المقصود بها هنا شيء يمكن التعبير عنه برغبة الذات أن يعطيها المحبوب صفة استثنائية عن الآخر. أي تعبير أن ما بين العاشق والمعشوق علاقة خاصة لا يتمتع بها أحد غير الذات. هذا الشعور يبدو طبيعيا ما دام مربوطا بقرار المحبوب. بمعنى أن غيرة المحبة الطبيعية مربوطة بشكل أساسي بالثقة بالمحبوب. هذه الثقة يمكن التعبير عنها بعدم قطع علاقة المحبوب بالآخر بقدر ما هي الثقة بقدرة على المحبوب بالتواصل مع الآخر بحرية والثقة بأن المحبوب لا يزال يعطي الذات مكانة خاصة بإرادته المستقلة. الغيرة هنا شعور متجذر عند الإنسان بحب التملك والاستحواذ يبقى طبيعيا إذا تمت السيطرة عليه بمعاني أخلاقية كالثقة واحترام الخيارات الفردية. في حال أفلتت رغبات التملك والاستحواذ من المعاني الأخلاقية العادلة فإن الغيرة تتحول إلى تدمير للعلاقة بين الحبيب والمحبوب والطرف الثالث. الغيرة هنا معنى يتمتع به المحبوب ما دام لا يلغي ذاته، لكن في كثير من الأحيان تفلت الأمور من يد العاشق تحت فرط محبته الأنانية ليقضي على حرية وخيارات من يحب.
هل كل هذه الاحتمالات تنتقل معنا حين نفكر في الغيرة في المجال العام. أي حين ننتقل للتفكير في علاقة الفرد بالجماعة أو الثقافة التي ينتمي لها؟
من الضروري الحديث عن طبيعة تفكير الإنسان حين يشعر بالغيرة. مشاعر الغيرة تعطي طاقة مهمة للتفكير في القضية التي أثارتها "الغيرة"، باعتبار أنها تجعل هذه القضية موضوع التفكير والاهتمام ولكنها في ذات الوقت تمدها بطاقة غير متوازنة ومدفوعة برغبات ذاتية تطغى على حضور الأطراف الباقية في العلاقة. الغيرة مقرونة غالبا بالاشتباه بالآخر والتوجس منه وبعدم قدرة المحبوب على مقاومة ذلك الآخر. لذا فتفكير الغيران تغلب عليه روح الإنقاذ والحماية ورد العدوان والدفاع عن الممتلكات. الغيرة غالبا ما تعطي هذه النتيجة التي تدعو للتأمل: القضاء على المحبوب باسم الحب. في الحالات الحادة من الغيرة يتم إيذاء المحبوب باسم محبته وباسم الحفاظ عليه. هل سيكون هذا شبيها لمشهد قمع الشعب وحريته باسم حمايته من استحواذ الآخر عليه وغيرة عليه؟ سنجيب عن هذا التساؤل لاحقا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on December 01, 2015 16:23
November 24, 2015
الجنون كانغلاق
الجنون كانغلاقعبدالله المطيريالجنون انغلاق وعجز عن التواصل مع الآخرين. المنغلق على ذاته يفقد المصدر الأساس للواقع والعالم وهو الحوار مع الآخرين. الانغلاق إعاقة للتجربة الإنسانية القائمة على رسم أفق مشترك مع الآخرين عن الحياةأحيانا يتم تعريف الجنون على أنه مخالفة المنطق ولكننا نجد الكثير من المنطق في كلام "المجانين". خذ على سبيل المثال إنسان حكى لك أنه طار في الفضاء بدون طيارة ثم حكى لك تفاصيل الشخصيات الفضائية التي اتصل بها وتحدث معها في السماء. في الواقع أنه لا يوجد في المنطق ما يمنع هذا كله ويمكن أن نجد أن كل كلامه مترابط منطقيا. لا يوجد في المنطق ما يمنع الإنسان من الطيران بدون طيارة. بمعنى أن قصة هذا الإنسان لا تحتوي على تناقض داخلي ولذا فهي سليمة منطقيا. التحدي الذي تقدمه لنا قصة هذا الإنسان ليس تحديا منطقيا بل هو تحد واقعي. بمعنى أن هذه القصة لا تتوافق مع شروط الواقع الذي نعرفه. الطيران الذاتي يتعارض مع قانون الجاذبية الذي نعرفه. لذا فالجنون هنا هو مخالفة الواقع. لكننا نعلم أن فهمنا للواقع يتطور مع الوقت وأن ما كان ينظر له على أنه ضرب من الجنون في الماضي أصبح اليوم في عداد الممكن بل والمتحقق. الطيران بالآلة مثال على هذا، التواصل الصوتي والضوئي اللاسلكي مثال آخر. إذا كانت التعريفات السابقة للجنون، مخالفة المنطق ومخالفة الواقع، لا تعطينا بدقة تصورا شاملا أو حتى كافيا للجنون فكيف نفهم الجنون؟ هنا سأطرح إجابة مقترحة لعلها تضيء أفق النقاش أكثر. الجنون هو الانغلاق وإليكم حالة يمكن أن تشرح هذا التعريف.
شاهدت مؤخرا فيلما بعنوان "قلوب جائعة" Hungry Hearts من بطولةAlba Rohrwawacher وAdam Driver وإخراج Savario Costanzo الفيلم يحكي قصة فتاة إيطالية مينا تلتقي بشاب أميركي جود في نيويورك وتنشأ بينهما علاقة حب رومانسية ينتج عنها زواج سعيد ومنعش. بعد فترة ليست بالقصيرة حملت مينا وبدأت الأسرة بالاستعداد لاستقبال المولود الجديد. مينا نباتية من النوع المتشدد فهي لا تأكل ولا تشرب منتجات الحيوانات مثل الألبان والأجبان. جود نباتي كذلك ولكن ليس لهذه الدرجة. أثناء الحمل اقتنعت مينا بأن طفلها مميز وبقدرات خاصة متأثرة بأفكار متداولة عما يعرف بـ Indigo Children، بعد ولادة الطفل الجميل واجه الزوجان هذا الامتحان العصيب. الأم لا تثق في الطب الحديث ومهووسة بالنظافة والنقاء لدرجة أنها ترفض زيارة الطفل للطبيب أو تغذيته بمنتجات حيوانات أو حتى الأطعمة المتداولة في الخارج. كانت تخاف عليه من الخروج في الهواء الطلق وتطعمه من الخضار الذي زرعته بنفسها في البيت. بعد عدة شهور من هذا البرنامج الغذائي الصارم قلق الزوج على ابنه لأن نموه يبدو غير طبيعي. بعد معاناة استطاع الأب أخذ الطفل للطبيب الذي أخبره أن الطفل لا ينمو وأن الطفل يحتاج تغذية متنوعة تساعده على النمو. هذا يشمل مشتقات الألبان ومنتجات حيوانية أخرى. المشكلة أن الأم ترفض كل هذا وتصر على نظامها الغذائي السابق. يلجأ الزوج لإطعام الطفل بالسر أطعمة مختلفة لكنه اكتشف أن زوجته تعطي الطفل مشروبا خاصا يمنعه من هضم الأطعمة الحيوانية.
الأب هنا أمام هذا المشهد: طفله لا يتغذى بما يكفي ولا ينمو بشكل طبيعي وإذا استمر بهذا الشكل فإن الطفل سيموت أو سيبقى معاقا. الأم من جهتها مؤمنة بأنها على حق وأن الطفل سيكون على ما يرام إذا ما استمرت بتغذيته حسب معتقداتها. الحوار بين الطرفين انقطع. باختصار الأم كانت رافضة أن تتقبل أي صوت غير الصوت المستقر في رأسها. هي تعتقد أن ما تعتقده هي كاف تماما للتصرف بشكل كامل في إنسان آخر وهو طفلها. الطفل رضيع ولا يقاوم ما يفعل به مما يجعل المشهد أكثر صعوبة. كل حياة هذا الطفل متعلقة بالأفكار الثابتة في رأس أمه. الأم كانت عاجزة عن تصور هذه الفكرة: "ربما أكون على خطأ". هذه الفكرة تحديدا هي من يفتح مشروعية التواصل بين الناس. الانفتاح على الآخرين للتعاون معهم على حل إشكالات الحياة. الأم في الفيلم بدت لي مجنونة لأنها انغلقت على نفسها فأصبحت أخطر الكائنات على أحب الناس في حياتها، طفلها. الزوج كان يطالبها باستشارة أحد، بالخروج من هذه الدائرة المغلقة. كانت مينا تطالبه باستمرار بأن يثق بها وأن يسلّم لها كامل شأن الطفل. جود هنا لا يملك هذا الحق فهو لا يملك أن يسلم حياة طفله حتى لأمه التي ترفض أن تنفتح على ما يقوله الآخرون عن حياة طفلها. هي تطالبه بأن يثق بها وقد قطعت هي الثقة بالعالم كله.
التعريف الذي أقترحه للجنون هنا هو أن الجنون انغلاق وعجز عن التواصل مع الآخرين. المنغلق على ذاته يفقد المصدر الأساس للواقع والعالم وهو الحوار مع الآخرين. الانغلاق هو إعاقة للتجربة الإنسانية القائمة على رسم أفق مشترك مع الآخرين عن الحياة. هذا هو جوهر اللغة والفن واللعب والعلم. المنغلق على ذاته والذي يعيش بالضرورة مع الآخرين يتجاهل الحقيقة الأكبر؛ وهو أنه دائما مع الآخرين. قصة مينا وجود وطفلهما تكشف كيف يجعل الانغلاق الأسرة مستحيلة. كيف يجعل استمرار الوجود الإنساني ذاته مستحيلا بدون الانفتاح والتواصل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
شاهدت مؤخرا فيلما بعنوان "قلوب جائعة" Hungry Hearts من بطولةAlba Rohrwawacher وAdam Driver وإخراج Savario Costanzo الفيلم يحكي قصة فتاة إيطالية مينا تلتقي بشاب أميركي جود في نيويورك وتنشأ بينهما علاقة حب رومانسية ينتج عنها زواج سعيد ومنعش. بعد فترة ليست بالقصيرة حملت مينا وبدأت الأسرة بالاستعداد لاستقبال المولود الجديد. مينا نباتية من النوع المتشدد فهي لا تأكل ولا تشرب منتجات الحيوانات مثل الألبان والأجبان. جود نباتي كذلك ولكن ليس لهذه الدرجة. أثناء الحمل اقتنعت مينا بأن طفلها مميز وبقدرات خاصة متأثرة بأفكار متداولة عما يعرف بـ Indigo Children، بعد ولادة الطفل الجميل واجه الزوجان هذا الامتحان العصيب. الأم لا تثق في الطب الحديث ومهووسة بالنظافة والنقاء لدرجة أنها ترفض زيارة الطفل للطبيب أو تغذيته بمنتجات حيوانات أو حتى الأطعمة المتداولة في الخارج. كانت تخاف عليه من الخروج في الهواء الطلق وتطعمه من الخضار الذي زرعته بنفسها في البيت. بعد عدة شهور من هذا البرنامج الغذائي الصارم قلق الزوج على ابنه لأن نموه يبدو غير طبيعي. بعد معاناة استطاع الأب أخذ الطفل للطبيب الذي أخبره أن الطفل لا ينمو وأن الطفل يحتاج تغذية متنوعة تساعده على النمو. هذا يشمل مشتقات الألبان ومنتجات حيوانية أخرى. المشكلة أن الأم ترفض كل هذا وتصر على نظامها الغذائي السابق. يلجأ الزوج لإطعام الطفل بالسر أطعمة مختلفة لكنه اكتشف أن زوجته تعطي الطفل مشروبا خاصا يمنعه من هضم الأطعمة الحيوانية.
الأب هنا أمام هذا المشهد: طفله لا يتغذى بما يكفي ولا ينمو بشكل طبيعي وإذا استمر بهذا الشكل فإن الطفل سيموت أو سيبقى معاقا. الأم من جهتها مؤمنة بأنها على حق وأن الطفل سيكون على ما يرام إذا ما استمرت بتغذيته حسب معتقداتها. الحوار بين الطرفين انقطع. باختصار الأم كانت رافضة أن تتقبل أي صوت غير الصوت المستقر في رأسها. هي تعتقد أن ما تعتقده هي كاف تماما للتصرف بشكل كامل في إنسان آخر وهو طفلها. الطفل رضيع ولا يقاوم ما يفعل به مما يجعل المشهد أكثر صعوبة. كل حياة هذا الطفل متعلقة بالأفكار الثابتة في رأس أمه. الأم كانت عاجزة عن تصور هذه الفكرة: "ربما أكون على خطأ". هذه الفكرة تحديدا هي من يفتح مشروعية التواصل بين الناس. الانفتاح على الآخرين للتعاون معهم على حل إشكالات الحياة. الأم في الفيلم بدت لي مجنونة لأنها انغلقت على نفسها فأصبحت أخطر الكائنات على أحب الناس في حياتها، طفلها. الزوج كان يطالبها باستشارة أحد، بالخروج من هذه الدائرة المغلقة. كانت مينا تطالبه باستمرار بأن يثق بها وأن يسلّم لها كامل شأن الطفل. جود هنا لا يملك هذا الحق فهو لا يملك أن يسلم حياة طفله حتى لأمه التي ترفض أن تنفتح على ما يقوله الآخرون عن حياة طفلها. هي تطالبه بأن يثق بها وقد قطعت هي الثقة بالعالم كله.
التعريف الذي أقترحه للجنون هنا هو أن الجنون انغلاق وعجز عن التواصل مع الآخرين. المنغلق على ذاته يفقد المصدر الأساس للواقع والعالم وهو الحوار مع الآخرين. الانغلاق هو إعاقة للتجربة الإنسانية القائمة على رسم أفق مشترك مع الآخرين عن الحياة. هذا هو جوهر اللغة والفن واللعب والعلم. المنغلق على ذاته والذي يعيش بالضرورة مع الآخرين يتجاهل الحقيقة الأكبر؛ وهو أنه دائما مع الآخرين. قصة مينا وجود وطفلهما تكشف كيف يجعل الانغلاق الأسرة مستحيلة. كيف يجعل استمرار الوجود الإنساني ذاته مستحيلا بدون الانفتاح والتواصل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on November 24, 2015 16:20
November 17, 2015
الضيافة وقضايا اللاجئين
الضيافة وقضايا اللاجئينعبدالله المطيرييشهد العالم اليوم واحدة من أكبر موجات اللجوء في التاريخ بسبب الأحداث الدامية في الشرق الأوسط. اللاجئون اضطربت علاقتهم بأماكنهم إلى درجة أنهم قرروا مغادرتها والبحث عن أرض جديدة. اللجوء في الأخير هجرة اضطرارية وإلا فإن الهجرة سلوك بشري منذ عرف الإنسان أن الحركة والتنقل في الأرض حل لكثير من المشكلات. اليوم الدول محاطة بحدود مغلقة في الغالب ولا يتم المرور عبرها إلا بإذن وموافقة. السؤال الذي سأحاول التفكير فيه هو: ما هو الالتزام الأخلاقي تجاه اللاجئين وماهي نتائجه العملية؟ بمعنى: ما هو الواجب الأخلاقي على الأفراد والجماعات التي يطرق بابها آخرون في حاجة ماسة للمساعدة؟ متى نقول إن الواجب الأخلاقي قد تم الالتزام به في قضايا اللاجئين؟ بالتأكيد هذه الأسئلة كبيرة جدا والآراء حولها متعددة، لذا سأركز النقاش حول أحد آفاق التفكير في هذه القضية، وهو أفق الضيافة كقيمة أخلاقية جمعت البشر منذ الأزمان القديمة وكيف يمكن تأسيس معان ذات آثار عملية مباشرة اليوم.
الضيافة جزء من السلوك البشري العام. بحسب علماء الأنثروبولوجيا والتاريخ فإنه من النادر أن تخلو جماعة بشرية من عادات الضيافة. (دريدا) يقول إن الضيافة ليست فقط علامة ثقافية بل شرط لتشكل الثقافة ذاتها. الضيافة أوّلية بهذا المعنى لأنها برأيي تأتي استجابة لشرط إنساني، وهو أن الإنسان يحتاج لأخيه الإنسان. الضيافة هنا استجابة لشكل خاص من الحاجة. الحاجة التي تلبيها الضيافة لها علاقة جوهرية بالمكان. الضيافة في عمقها إعطاء مكان لمن لا مكان له. توفير بيت وسكن ومأوى لمن فقد كل ذلك. الناس تسافر وتغترب وتهاجر وتلجأ لظروف مختلفة. هذا الشرط الإنساني ولّد عادة الباب المفتوح والأرض المشتركة والترحيبة التي تحتضن القادم الجديد أيا كان. لكن الظروف اليوم تغيرت تحديدا بسبب الحدود السياسية التي لا تزال تفصل كثيرا بين كثير من الأفراد والجماعات اليوم على كوكبهم الأم.
في القرن الثامن عشر كتب (إيمانويل كانت) باحثا عن شروط السلام العالمي. أي عن الشروط التي لو توفرت لضعفت احتمالات دخول البشر في حروب إضافية. أحد هذه الشروط كان شرط حق الضيافة العالمية. هذا الحق يعني ألا يتعرض الغريب إلى معاملة عدوانية أيا كان وفي أي مكان في العالم. (كانت) دقيق في تحديد دلالة هذا الحق. نلاحظ هنا أن إعطاء إنسان ما حق ستترتب عليه معان أخلاقية وسياسية مهمة. لذا يفرّق (كانت) بين حق الزيارة وحق السكن. حق الضيافة محصور في حق الفرد في ألا تغلق أبواب المدن والدول في وجهه لأنه بحسب (كانت) شريك لجميع البشرية في سطح الأرض. من حقه أن نوفر له حق التواصل مع الآخرين وتقديم نفسه لهم. حق السكن والاستضافة في المقابل متروك للأفراد. (كانت) هنا يتحرك ضمن حالة من الأمل في أن الباب العمومي المفتوح للغريب سيكفل استضافته من قبل أحدهم. المهم عنده ألا يتم حجب الناس عن بعضهم من خلال حدود الدول. بالنسبة للاجئين هذا الطرح يعطيهم حق القدوم والرعاية العمومية ويحميهم من المعاملة العدوانية، ولكنه لا يكفل لهم حق المواطنة في الأرض الجديدة ولا يمنعها في ذات الوقت. إجراءات المواطنة مستقلة عن حق الضيافة. يبدو ذلك منسجما مع كون ضيافة شخص ما بطبيعتها علاقة محدودة زمنيا وإن كانت الضيافة كقيمة عامة باقية ما بقي البشر. هذا يعني أن الدول لا يحق لها أن ترد اللاجئ من حيث أتى. عليها أن تفتح له الباب مع توفير الشروط الأساسية للأمان والحياة.
لكن كما نعلم أن الواقع يقدم صورا مختلفة. أحيانا الدول المستقبلة للاجئين غير قادرة على تقديم حق الضيافة للقادمين الجدد، وبعض الدول لا تريد تقديم هذا الحق لأسباب سياسية أو أمنية. ما يحدث في كثير من الأحيان هو وضع اللاجئين في مناطق معزولة ومنعهم من الحركة خارجها. هذا الوضع يوفر للاجئين في أحسن الأحيان الشروط الأساسية للبقاء على قيد الحياة، ولكنه يحجب عنهم الهدف الأساسي من الضيافة، وهو فتح باب التواصل بين اللاجئ وأهل البلد. في أحيان أخرى تكون المخيمات مجرد مرحلة مؤقتة وفي أحيان كثيرة يكون الخيار الوحيد غيرها هو العودة من حيث قدمت.
في المشاهد الأخيرة للاجئين في أوروبا ظهرت نماذج جميلة جدا لا تزال تعزز الأمل بأن المشاعر الإنسانية لا تزال تعمل. رأينا كثيرل من الأسر في أوروبا تعد منازلها للقادمين الجدد وترحب بهم بشكل واضح. رأينا استنكارا بشريا للمعاملات السيئة التي تعرض لها لاجئون مثل الصحفية التي حاولت إعاقة لاجئ يبحث عن فرصة للعيش الكريم. اليوم وبعد الجريمة التي تعرض لها الناس في باريس ظهرت أصوات قوية تنادي بألا يؤثر ذلك على استقبال اللاجئين الهاربين من الإرهاب ولا يزال يطاردهم. هذه المشاعر والأفعال والأفكار هي الأمل بأن تدفع الأمور بالاتجاه الأفضل، أو على الأقل أن تخفف من آثار الشر المتصاعد بقوة. هنا الضيافة تعود لتصبح الملجأ أمام حالة إنسانية مؤلمة ولا يمكن تجاهلها.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
الضيافة جزء من السلوك البشري العام. بحسب علماء الأنثروبولوجيا والتاريخ فإنه من النادر أن تخلو جماعة بشرية من عادات الضيافة. (دريدا) يقول إن الضيافة ليست فقط علامة ثقافية بل شرط لتشكل الثقافة ذاتها. الضيافة أوّلية بهذا المعنى لأنها برأيي تأتي استجابة لشرط إنساني، وهو أن الإنسان يحتاج لأخيه الإنسان. الضيافة هنا استجابة لشكل خاص من الحاجة. الحاجة التي تلبيها الضيافة لها علاقة جوهرية بالمكان. الضيافة في عمقها إعطاء مكان لمن لا مكان له. توفير بيت وسكن ومأوى لمن فقد كل ذلك. الناس تسافر وتغترب وتهاجر وتلجأ لظروف مختلفة. هذا الشرط الإنساني ولّد عادة الباب المفتوح والأرض المشتركة والترحيبة التي تحتضن القادم الجديد أيا كان. لكن الظروف اليوم تغيرت تحديدا بسبب الحدود السياسية التي لا تزال تفصل كثيرا بين كثير من الأفراد والجماعات اليوم على كوكبهم الأم.
في القرن الثامن عشر كتب (إيمانويل كانت) باحثا عن شروط السلام العالمي. أي عن الشروط التي لو توفرت لضعفت احتمالات دخول البشر في حروب إضافية. أحد هذه الشروط كان شرط حق الضيافة العالمية. هذا الحق يعني ألا يتعرض الغريب إلى معاملة عدوانية أيا كان وفي أي مكان في العالم. (كانت) دقيق في تحديد دلالة هذا الحق. نلاحظ هنا أن إعطاء إنسان ما حق ستترتب عليه معان أخلاقية وسياسية مهمة. لذا يفرّق (كانت) بين حق الزيارة وحق السكن. حق الضيافة محصور في حق الفرد في ألا تغلق أبواب المدن والدول في وجهه لأنه بحسب (كانت) شريك لجميع البشرية في سطح الأرض. من حقه أن نوفر له حق التواصل مع الآخرين وتقديم نفسه لهم. حق السكن والاستضافة في المقابل متروك للأفراد. (كانت) هنا يتحرك ضمن حالة من الأمل في أن الباب العمومي المفتوح للغريب سيكفل استضافته من قبل أحدهم. المهم عنده ألا يتم حجب الناس عن بعضهم من خلال حدود الدول. بالنسبة للاجئين هذا الطرح يعطيهم حق القدوم والرعاية العمومية ويحميهم من المعاملة العدوانية، ولكنه لا يكفل لهم حق المواطنة في الأرض الجديدة ولا يمنعها في ذات الوقت. إجراءات المواطنة مستقلة عن حق الضيافة. يبدو ذلك منسجما مع كون ضيافة شخص ما بطبيعتها علاقة محدودة زمنيا وإن كانت الضيافة كقيمة عامة باقية ما بقي البشر. هذا يعني أن الدول لا يحق لها أن ترد اللاجئ من حيث أتى. عليها أن تفتح له الباب مع توفير الشروط الأساسية للأمان والحياة.
لكن كما نعلم أن الواقع يقدم صورا مختلفة. أحيانا الدول المستقبلة للاجئين غير قادرة على تقديم حق الضيافة للقادمين الجدد، وبعض الدول لا تريد تقديم هذا الحق لأسباب سياسية أو أمنية. ما يحدث في كثير من الأحيان هو وضع اللاجئين في مناطق معزولة ومنعهم من الحركة خارجها. هذا الوضع يوفر للاجئين في أحسن الأحيان الشروط الأساسية للبقاء على قيد الحياة، ولكنه يحجب عنهم الهدف الأساسي من الضيافة، وهو فتح باب التواصل بين اللاجئ وأهل البلد. في أحيان أخرى تكون المخيمات مجرد مرحلة مؤقتة وفي أحيان كثيرة يكون الخيار الوحيد غيرها هو العودة من حيث قدمت.
في المشاهد الأخيرة للاجئين في أوروبا ظهرت نماذج جميلة جدا لا تزال تعزز الأمل بأن المشاعر الإنسانية لا تزال تعمل. رأينا كثيرل من الأسر في أوروبا تعد منازلها للقادمين الجدد وترحب بهم بشكل واضح. رأينا استنكارا بشريا للمعاملات السيئة التي تعرض لها لاجئون مثل الصحفية التي حاولت إعاقة لاجئ يبحث عن فرصة للعيش الكريم. اليوم وبعد الجريمة التي تعرض لها الناس في باريس ظهرت أصوات قوية تنادي بألا يؤثر ذلك على استقبال اللاجئين الهاربين من الإرهاب ولا يزال يطاردهم. هذه المشاعر والأفعال والأفكار هي الأمل بأن تدفع الأمور بالاتجاه الأفضل، أو على الأقل أن تخفف من آثار الشر المتصاعد بقوة. هنا الضيافة تعود لتصبح الملجأ أمام حالة إنسانية مؤلمة ولا يمكن تجاهلها.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on November 17, 2015 17:16
November 10, 2015
العدالة وخيار الجماعة
العدالة وخيار الجماعةعبدالله المطيريهذا المقال ثمرة لحوار طويل مع الصديق الباحث في قضايا العدالة فاضل العمري. الحوار كان امتدادا لنقاش المقالتين السابقتين عن منطق العدالة ومنطق الجماعة. الفكرة الأساسية في المقالتين السابقتين أن موقف الإنسان من الأحداث المحيطة به يأخذ في كثير من الأحيان إحدى هاتين الصورتين: أن يتخذ الإنسان موقفه بناء على ما تمليه عليه حسبته الأخلاقية للعدل والظلم، بمعنى أن يأخذ جميع أطراف الصراع في الحسبان ويقف مع من يراه على حق. الصورة الثانية أن يتخذ الفرد موقفه بناء على حسبة أنانية يراعي فيها فقط مصلحته الذاتية أو مصلحة الجماعة التي ينتمي لها. الأخلاق تعني أخذ الآخر بعين الاعتبار بينما تنقض الأنانية المبدأ الأخلاقي باعتبارها انشغال بالذات واستعمال للآخر. الحوار كان بحثا عن حالات يمكن أن تكسر هذا التصنيف أو تربكه على الأقل. بمعنى حالات يكون فيها من المقبول التوجه مع خيار الجماعة حتى ولو كان مخالفا لما نراه حقا وعدلا. في البداية جربنا مثال الديموقراطية كحالة يمكن من خلالها الفهم بشكل أوسع لقيمة خيارات الجماعة. في الأخير الديموقراطية قائمة على احترام خيارات الأغلبية إذا لم تؤد إلى كسر مبدأ المساواة بين الناس. الديموقراطية تعني أن نقوم بطاعة الأنظمة التي اختارتها الأغلبية حتى ولو لم نكن مقتنعين بها. على سبيل المثال قد تؤيد الأغلبية رفع الضرائب على الطبقة المتوسطة بينما قد يرى أحدنا أن هذا عمل مخالف للعدالة والحق باعتبار أن الطبقة الوسطى تدفع فعلا ضرائب عالية بينما يتمتع الأثرياء بخصومات كبيرة على ضرائبهم. قرار الغالبية يتحول لقانون وبالتالي يجب على الجميع الالتزام به. عدم الالتزام به يعني أن القانون لم يعد له احترام مما سيؤدي لتفكك العقد الاجتماعي من أساسه. هنا لدينا مثال على إنسان من المفترض أن يسير مع رأي الجماعة رغم أنه يعتقد أن هذا الرأي يخالف ما يراه حقا وعدلا.
هذا المثال مهم جدا ومفيد لتوسعة آفاق النقاش. من أهم القضايا التي يفتحها الفرق بين الموقف الأخلاقي الذي يتبناه الفرد وبين السلوك العملي الذي سينتج عنه. عموما نحن نعلم أن الواقع يفرض حكمه في كثير من الأحيان ولكننا نطلب من الناس فعل ما يستطيعون للوفاء بالتزاماتهم الأخلاقية، بمعنى أننا سنعذر من حاول قدر إمكانه تحقيق العدل ولو فشل في تحقيق ذلك. هذا تفريق مهم. لكن سؤال الديموقراطية يطرح إشكالا أعمق وهو أن القضية ليست فقط خضوعا للواقع بل إن الحفاظ على تماسك الجماعة مطلوب حتى لو ارتكبت هذه الجماعة ما نراه مخالفا للحق. برأيي أن الديموقراطية تحمل في داخلها بذور الحل لإشكاليتنا. الديموقراطية وإن طالبت الفرد باحترام خيارات الغالبية بالشروط المذكورة أعلاه إلا أنها تعطيه الحق في الاعتراض والتعبير عن هذا الاعتراض والعمل على تغيير هذا القانون وفق القانون العام. هذا يعني أن صاحبنا المعترض على رفع الضرائب يكفل له القانون الديموقراطي أن يعبّر علنا وفي العموم عن اعتراضه على هذا القرار. يكفل له النظام أن يعمل بشكل علني لعقد نشاطات مختلفة لنشر اعتراضه على هذا القانون، كما يكفل له النظام العمل على تعديل أو تغيير هذا القانون بالطرق القانونية. وفي حالات أكثر حدة فقد كفلت الديموقراطية لهذا الفرد حق العصيان المدني للاعتراض على القوانين غير العادلة. هذه الحالات يبدو أنها تلبي الشرط الأخلاقي وهو أن يعمل الإنسان لتحقيق ما يراه عدلا وإن اضطر للخضوع لقوانين لا تلبي ما يراه حقا وعدلا.
الفيلسوف إيمانويل كان لديه تقسيم مهم للتفكير في هذه القضية. بحسب (كانت) فإن الفرد يلعب أكثر من دور في المجال العام. الفرد باعتباره موظفا عاما عليه طاعة القانون العام حتى ولو اختلف مع ما يراه عدلا، ولكن هذا الدور لا يستغرق كل وجوده فهو خارج عمله كموظف عمومي مواطن له الحق في العمل على الاعتراض على القوانين التي لا يراها موافقة لما يراه حقا. هذا التقسيم يسعى إلى تحقيق هدفين: الأول الحفاظ على قدر معقول من الاستقرار والتماسك للمجتمع يتحقق من خلال احترام القانون ورأي الغالبية. لو أراد كل موظف تنفيذ ما يراه هو حقا فإننا سندخل في حالة اعتباطية يحكمها توجه الأفراد الشخصي وليس القانون العام. الهدف الثاني هو توفير قدر أساسي من التغيير والتجديد يدفع باتجاهه من لديهم اعتراضات على الوضع القائم أو أفكار لتطويره وتجديده.
بهذا المعنى يمكننا القول إن الخضوع لقرار الغالبية خوفا من تفكك الجماعة لا يتعارض بحد ذاته مع منطق العدالة بشرط أن يتوفر للفرد حق التعبير العمومي عما يراه حقا وعدلا، وأن يتوفر له الحق في العمل المعلن وبشكل جماعي لو أراد أن يقوم بتغيير رأي الجماعة وتعديل القانون أو إلغائه لو تطلب الأمر. لذا فمنطق العدالة لا يتعارض بالضرورة مع الانتماء للجماعة ولكنه يتناقض مع التبعية العمياء لأي جماعة، وهو ما يتعارض مع المبدأ الأخلاقي الأول والأساسي، وهو أن ندفع قدر المستطاع باتجاه العدل والحق والخير.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on November 10, 2015 17:29
November 3, 2015
بين الجماعة والعدالة ٢
بين الجماعة والعدالةعبدالله المطيريالأسبوع الماضي سنحت لي الفرصة للمشاركة في نشاط طلابي في جامعة فلوريدا ستيت للتضامن السلمي مع الفلسطينيين ضد اعتداءات الحكومة الإسرائيلية. كان النشاط يرتكز بشكل أساسي على مقاطعة المنتجات التي تنتجها شركات قائمة في المستوطنات. هذا النشاط سلوك طبيعي في غالب الجامعات الأميركية مع اختلاف القضايا والتوجهات، لكن ما لفت انتباهي هو أن المشرف على النشاط هو عضو في جمعية طلاب من أجل العدالة في فلسطين SJP Aaron Ellis، وهو شاب يهودي مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية. هذا الشاب مثال على الفكرة الأساسية "بين منطق العدالة ومنطق الجماعة". باختصار هذا الشاب كانت أمامه قضية أحد أطرافها يشاركه الديانة وربما الروابط العرقية والثقافية، ولكن انحيازه كان لمنطق العدالة، واختار التضامن مع الطرف المظلوم. نلاحظ أن هذا المنطق "الانحياز للعدالة" هو الموقف الذي نبحث عنه عند الطرف الآخر في الصراعات التي نعيشها، لكنه يصعب علينا تقبله إذا كان من الطرف الذي ننتمي له. بمعنى أن السعودي الذي يفكر في قضايا المنطقة وموقف إيران منها يبحث عن الإيراني أو الإيرانية القادرين على النظر للأمور بمنظار العدالة وليس فقط من منظور الانحياز للجماعة على كل حال. الإيراني سيبحث عن السعودي الذي يفكر بذات العقلية كذلك. المشكلة تكمن حين يتبنى فرد من أفراد الجماعة موقفا يخالفها من منظوره للعدالة؛ فإن المواقف غالبا لا تحترم له هذا الخيار وتحاول حرف موقفه من كونه اجتهادا ضمن تصوراته للعدالة إلى خيانة وغدر وطعن للجماعة من الخلف. نعلم بالتأكيد أن هذه الحجج تمثل أسلوبا متعارفا عليه للتصفيات الداخلية. السيناريو المعتاد أن يخلق الدكتاتور حربا مع أطراف خارجية ويستغلها لتصفية الخصوم في الداخل باسم العمالة للعدو.
الحديث أعلاه مدخل مناسب لتوضيح بعض المفاهيم الأساسية بين منطق العدالة ومنطق الجماعة. بالنسبة للعنوان تساءل البعض واعترض آخرون على العلاقة بين "الجماعة" و"العدالة". يفترض أن يقابل منطق الفرد منطق الجماعة بدلا من منطق العدالة. هذا صحيح لو كان موضوع النقاش هو مصدر الأفكار والأحكام. بمعنى أن هناك من يقرر بناء على ما تراه الجماعة وآخر يقرر بناء ما يراه كفرد. الاهتمام كان المنطق الذي يحكم الموقف. بمعنى الانحياز الأولي والموقف الأخلاقي من القضايا والصراعات. هل الانحياز للجماعة أم للحق؟ هذا لا علاقة له ضروري بالفردانية والجمعانية. بمعنى أن الفرداني قد يتخذ قرار الانحياز في قضية معينة لجماعته بغض النظر عن معايير العدالة والعكس صحيح. بمعنى أن المقلد لجماعة معينة قد يتبنى معاييرها الأخلاقية التي تعطي الأولوية للانحياز للحق على الانحياز للجماعة. التقسيمة الأساسية للعنوان هي "بين منطق الأنانية ومنطق العدالة". المنطق الأناني الفردي كان موضوع سلسلة سابقة من المقالات، منها مقال "الأنانية والعدالة". من ضمن صور الأنانية هو ما أسميته "الأنانية الجماعية". إذن التقسيم هنا تقسيم مرتبط بالمنطق الأخلاقي للإنسان وليس بمصدر هذا الحكم سواء كان لفرد أو جماعة.
القضية الأخرى متعلقة بكون المعيار الذي أطرحه هنا عاليا جدا وربما غير واقعي. القضايا المحيطة بنا معقدة ومن الصعب على كل منا أن يقرر ما هو الحق وما هو الباطل في القضايا التي نعايشها كل يوم. هذه الصورة صحيحة. القضايا فعلا معقدة وفي كثير من الأحيان المشاهد فيها ضبابية. لكن ما أطرحه هنا لا يتعارض مع كل هذا. في البداية ليس من المطلوب من كل فرد أن يتخذ موقفا من القضايا المحيطة. لكنه لو اتخذ موقفا أو اضطرته الظروف لاتخاذ موقف فهو على الأقل بين خيارين واقعيين: الأول أن يدرس القضية ويتخذ فيها موقفا مع ما يراه حقا وعدلا. من المهم هنا التذكير أن هذا لا يعني أن هذا الفرد على صواب دائما. قد يجتهد ويخطئ، لكن اجتهاده هذا يعني أنه قد لبى الشرط الأخلاقي بالانحياز للحق والعدل لا سواهما. الخيار الثاني أن يحيل حل القضية إلى ما يراه إجراء عادلا. كأن يكون موقفه إحالة القضية إلى محكمة يرضاها أطراف القضية. هذه الإحالة تلبي الشرط الأخلاقي دون أن تتطلب من الفرد بالضرورة اتخاذ قرار ذاتي على من هو على حق ومن هو على باطل. بهذا المعنى فإن منطق العدالة منطق واقعي ومتناسب مع محدودية قدرة الأفراد على حسم القضايا الشائكة. البديل لمنطق العدالة هو منطق الانحيازات الذاتية والجماعية التي تحيل التجارب البشرية إلى سلسلة من صراعات القوى وتقضي على احتمالات التعاون والعمل المشترك والرحمة والضيافة بين البشر.
منطق العدالة هو المنطق الذي نتمنى وجوده عند جيراننا وزملائنا في العمل ورؤسائنا المباشرين وغير المباشرين وجميع الفاعلين الاجتماعيين. لا توجد صورة عامة محبطة مثل قاضٍ ينحاز لجماعته العرقية أو المذهبية أو الثقافية ضد من قدموا إليه بحثا عن العدالة. الذي ننساه كثيرا وبسهولة أننا لا نتحسس من الانحيازات الاجتماعية ضد العدالة إذا كانت توافق رغباتنا وتصف في مصاف جماعاتنا. بمعنى أن نسيان الآخر يسهل كثيرا في حمى الصراعات. لكن لا ننسى أننا نحن الآخر في العين المقابلة، وأن الأمل كل الأمل في عين لا تنغلق على ذاتها وترى الآخر بعين الاعتبار كذلك. هذه القدرة موجودة بيننا عند النظر فقط للقلوب الرحيمة والمضيافة والمتسامحة والمعطاءة التي تحيط بنا.http://84.235.54.86/Articles/Detail.a...
الحديث أعلاه مدخل مناسب لتوضيح بعض المفاهيم الأساسية بين منطق العدالة ومنطق الجماعة. بالنسبة للعنوان تساءل البعض واعترض آخرون على العلاقة بين "الجماعة" و"العدالة". يفترض أن يقابل منطق الفرد منطق الجماعة بدلا من منطق العدالة. هذا صحيح لو كان موضوع النقاش هو مصدر الأفكار والأحكام. بمعنى أن هناك من يقرر بناء على ما تراه الجماعة وآخر يقرر بناء ما يراه كفرد. الاهتمام كان المنطق الذي يحكم الموقف. بمعنى الانحياز الأولي والموقف الأخلاقي من القضايا والصراعات. هل الانحياز للجماعة أم للحق؟ هذا لا علاقة له ضروري بالفردانية والجمعانية. بمعنى أن الفرداني قد يتخذ قرار الانحياز في قضية معينة لجماعته بغض النظر عن معايير العدالة والعكس صحيح. بمعنى أن المقلد لجماعة معينة قد يتبنى معاييرها الأخلاقية التي تعطي الأولوية للانحياز للحق على الانحياز للجماعة. التقسيمة الأساسية للعنوان هي "بين منطق الأنانية ومنطق العدالة". المنطق الأناني الفردي كان موضوع سلسلة سابقة من المقالات، منها مقال "الأنانية والعدالة". من ضمن صور الأنانية هو ما أسميته "الأنانية الجماعية". إذن التقسيم هنا تقسيم مرتبط بالمنطق الأخلاقي للإنسان وليس بمصدر هذا الحكم سواء كان لفرد أو جماعة.
القضية الأخرى متعلقة بكون المعيار الذي أطرحه هنا عاليا جدا وربما غير واقعي. القضايا المحيطة بنا معقدة ومن الصعب على كل منا أن يقرر ما هو الحق وما هو الباطل في القضايا التي نعايشها كل يوم. هذه الصورة صحيحة. القضايا فعلا معقدة وفي كثير من الأحيان المشاهد فيها ضبابية. لكن ما أطرحه هنا لا يتعارض مع كل هذا. في البداية ليس من المطلوب من كل فرد أن يتخذ موقفا من القضايا المحيطة. لكنه لو اتخذ موقفا أو اضطرته الظروف لاتخاذ موقف فهو على الأقل بين خيارين واقعيين: الأول أن يدرس القضية ويتخذ فيها موقفا مع ما يراه حقا وعدلا. من المهم هنا التذكير أن هذا لا يعني أن هذا الفرد على صواب دائما. قد يجتهد ويخطئ، لكن اجتهاده هذا يعني أنه قد لبى الشرط الأخلاقي بالانحياز للحق والعدل لا سواهما. الخيار الثاني أن يحيل حل القضية إلى ما يراه إجراء عادلا. كأن يكون موقفه إحالة القضية إلى محكمة يرضاها أطراف القضية. هذه الإحالة تلبي الشرط الأخلاقي دون أن تتطلب من الفرد بالضرورة اتخاذ قرار ذاتي على من هو على حق ومن هو على باطل. بهذا المعنى فإن منطق العدالة منطق واقعي ومتناسب مع محدودية قدرة الأفراد على حسم القضايا الشائكة. البديل لمنطق العدالة هو منطق الانحيازات الذاتية والجماعية التي تحيل التجارب البشرية إلى سلسلة من صراعات القوى وتقضي على احتمالات التعاون والعمل المشترك والرحمة والضيافة بين البشر.
منطق العدالة هو المنطق الذي نتمنى وجوده عند جيراننا وزملائنا في العمل ورؤسائنا المباشرين وغير المباشرين وجميع الفاعلين الاجتماعيين. لا توجد صورة عامة محبطة مثل قاضٍ ينحاز لجماعته العرقية أو المذهبية أو الثقافية ضد من قدموا إليه بحثا عن العدالة. الذي ننساه كثيرا وبسهولة أننا لا نتحسس من الانحيازات الاجتماعية ضد العدالة إذا كانت توافق رغباتنا وتصف في مصاف جماعاتنا. بمعنى أن نسيان الآخر يسهل كثيرا في حمى الصراعات. لكن لا ننسى أننا نحن الآخر في العين المقابلة، وأن الأمل كل الأمل في عين لا تنغلق على ذاتها وترى الآخر بعين الاعتبار كذلك. هذه القدرة موجودة بيننا عند النظر فقط للقلوب الرحيمة والمضيافة والمتسامحة والمعطاءة التي تحيط بنا.http://84.235.54.86/Articles/Detail.a...
Published on November 03, 2015 18:13
October 28, 2015
بين منطق العدالة ومنطق الجماعة
بين منطق العدالة ومنطق الجماعةعبدالله المطيريسأتحدث عن ملامح شكلين من أشكال التفكير في القضايا الأخلاقية والاجتماعية بشكل عام. هذه الأشكال لها علاقة بتوجيه مسار تفكيرنا في ما نراه حقا أو باطلا وخيرا أو شرا وما يرتبط بهذا التفكير من تفاعل عملي. الشكل الأول أسميه منطق العدالة الذي يحاول فيه الفرد النظر لمشاهد التفاعلات والصراعات البشرية من منظار أخلاقي قائم على مفهوم العدالة، بمعنى أنه يحاول تقسيم المشهد إلى حق وباطل أو عدل وظلم ويتحرك بناء على هذه التقسيمة، بمعنى أنه يتفاعل مع المشهد وينحاز للحق ويقاوم الباطل بناء على معايير أخلاقية. وفي الشكل الثاني الذي أريد مناقشته نجد منطق الجماعة الذي يقرأ مشهد التفاعلات والصراعات بين البشر من منطق نحن وهم. أي من منطق هوية أطراف الصراع وعلاقته معهم. الانطلاق من هذه النقطة سيؤدي إلى نتائج أخلاقية بمعنى نتائج تتعلق بانحيازات الفرد لطرف دون الآخر أو حتى تقرير طبيعة الارتباط بين الفرد والقضايا الدائرة حوله.الشكل الثاني "منطق الجماعة" يقوم على الانطلاق من تحديد العلاقة الاجتماعية بين الفرد وأطراف الصراع. من هم؟ هذا هو السؤال الأولي في هذا التفكير. نتائج الانطلاق من هذا السؤال تتفاوت. على الطرف نجد منطق "أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". هذه الصورة البيولوجية لهذا المنطق. الصورة الأخرى هي صورة نجدها عند العصابات بحيث يجب الوقوف مع أفراد العصابة ضد غيرهم بغض النظر عن الحق والباطل. هذه العصابة قد تتأسس على هدف مادي مباشر كعصابات المافيا أو تتأسس على نفع عقدي وأيديولوجي كعصابات التطرف والإرهاب. في الطرف الآخر من منطق الجماعة نجد أن الوقوف يكون مع عضو الجماعة ولكن ليس بالضرورة ضد القيم الأخلاقية. بمعنى أن هذا التفكير يقبل تخطئة فرد الجماعة، ولكن يبقى الالتزام له هو دون غيره. الإصلاح يكون لابن جماعتي بسبب الخطأ الذي ارتكبه ولكنه هو من يستحق اهتمامي ورعايتي حتى لو كان هو المعتدي. الطرف الآخر المظلوم هنا يجب أن يبحث عن جماعته للعناية به. المنطق السائد خلف هذه الصور من منطق الجماعة أن الانتماء للجماعة يفتتح التفكير في الصراعات المحيطة بالفرد وأحيانا يؤدي إلى تهميش أي معيار أخلاقي أو إلى الحفاظ على معيار أخلاقي ممكن أن يحكم بالخطأ على أفراد الجماعة، ولكنه يبقي الالتزام لهم وحدهم في الرعاية والإصلاح. في كثير من الأحيان يؤسس منطق الجماعة منطقه الأخلاقي الخاص تحت شعار: أخلاقنا هي ما نقرره نحن، ولكن نعدكم أيها الآخرون بالعدالة معكم. المهم هنا أن تؤسس الجماعة منطقها وأخلاقها الخاصة وتحاكم الآخرين بناء عليه.الشكل الآخر من التفكير في قضايا التفاعلات والصراعات هو منطق العدالة، هذا المنطق يجعل التفاعل مع القضايا متأسسا أولا على حسبة المعتدي أو المظلوم، بمعنى أنني كفرد أفكر في القضايا انطلاقا من اعتقاداتي المتعلقة بكون أحد أفراد الصراع على حق والآخر على باطل أو على أن القضية مشكلة أخلاقيا ولا أستطيع الانحياز لطرف ضد الآخر. من المهم التذكير أن هذا المنطق لا يعني بالضرورة أن هذا الفرد لا ينتمي إلى جماعات في حياته، ولكنه يعني أن هذه الانتماءات لا تحدد مواقفه الأخلاقية. بمعنى أن الفرد الذي يفكر من منطق العدالة قد يكون مسلما ولكنه لا يعتقد بأن دين أطراف الصراع هو ما يفترض أن يحدد موقفه من صراعهم. كما أنه لا يعتقد بأن كون القضية تحتوي مسلمين لا يعني أن لها الأولوية على قضية أخرى لا تحتوي مسلمين. معياره سيكون مرتبطا بمفاهيم للعدالة مثل أن القضية التي تستحق الأولوية هي التي تمثل خطرا كبيرا على حياة عدد كبير من البشر. لذا الاهتمام بآثار زلزال في أي منطقة من العالم له الأولوية على الصراعات السياسية الأقل خطرا ولو كان أفرادها من نفس جماعتي. مثال آخر على معيار مرتبط بالعدالة هو أن أهتم أكثر بالقضايا التي أستطيع أن أقدم فيها مساعدة بغض النظر عن أطرافها. مثال على هذا أن أعتني بأقرب القضايا جغرافيا باعتبار أن قدرتي على المساعدة المباشرة ستكون أكثر فعالية مع قرب المكان. هذا المنطق إذن وإن كان لا يتعارض بالضرورة مع انتماءات الأفراد إلا أنه يرفض أمرين أساسيين: الأول أن يكون منطقي للعدالة تابعا لانتمائي للجماعة، والثاني أن تحدد انتماءاتي الجماعية موقفي من الاهتمام والانتماء للصراعات والتفاعلات في العالم من حولي. بهذا المنطق فإن تحديدي لما هو حق وباطل مرتبط بما أراه حقا وعدلا بغض النظر عن هوية أطراف الصراع، كما أن الآثار العملية لهذا القرار كالمساعدة والمشاركة في تخفيف الأضرار ستتحدد بناء على معايير مرتبطة بالعدالة وليست مرتبطة تحديدا بانتماءات دينية أو عرقية أو جنسية أو وطنية.هذه إطلالة مبكرة وبسيطة على قضية المعايير والشروط التي تتحكم وتحدد أحكام الأفراد على التفاعلات والصراعات في العالم المحيط به وما يترتب عليها من مواقف عملية تتعلق بحركة الفرد الاجتماعية ودوره في الأحداث التي تحيط به.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 28, 2015 04:23
October 20, 2015
الضيافة ومنطق الزمان
الضيافة ومنطق الزمانعبدالله المطيريفتح القلب والباب للضعيف والمحتاج وعابر السبيل هو ما يدخل مباشرة في لب الضيافة، لأنها كما العلاج مخصصة للحاجة الإنسانية، لذا فالضيافة تتحرك تماما في الاتجاه المعاكس لأخلاق الأنانيةالضيافة بطبيعتها علاقة قصيرة العمر. نسمع كثيرا عن أن الضيافة ثلاثة أيام أو ما شابه ذلك. الضيافة كما قلنا مرتبطة بالحاجات والمحتاجين. الضيافة ترحيب بالغريب والضعيف وعابر السبيل. مع الضيافة يبدأ الغريب في التحوّل إلى قريب، نبدأ بالتعرف عليه وفهمه ومع الوقت يصبح جزءا من مشهدنا المعتاد، بهذا المعنى لم يعد يتوافر فيه شرط الغرابة الجوهري للضيافة. حين أعود من أميركا لزيارة أهلي في السعودية يقيم لي أهلي استقبالا كريما وحنونا، ولكنهم لا يعتبرونني ضيفا. حين يعزمون الجيران يكررون هذه العبارة "ما عندنا ضيوف.. عبدالله جاينا من أميركا". اعتباري ضيفا يعني الاعتراف بغرابتي، وهذا وإن كان حقيقيا بفعل السفر والغربة إلا أن حميمية الأسرة ترفض الاعتراف به. يحكى أن دارا مخصصة للضيوف عند مدخل إحدى المدن الأوروبية في القرون الوسطى يخصص فيها للضيف عابر السبيل ثلاثة أيام، كل يوم في قسم خاص من الدار، في القسم الأول المخصص لليوم الأول كتب على الجدار مرحبا بك، في القسم الثاني كتب استمتع بإقامتك، في القسم الثالث المخصص لليوم الثالث كتب استعد للرحيل. الضيافة بهذا المعنى هي عملية تحويل للضعيف إلى قوي والغريب إلى قريب. عملية التحويل هذه نتيجة للضيافة وليست غاية لها. بمعنى أن الضيافة استجابة لظرف إنساني معين وتنتهي بانتهائه. استعد للرحيل هنا تساوي كن مضيافا وافتح الباب لضيف جديد في مكانك. نهاية الضيافة لا تعني بالضرورة نهاية آثارها. بمعنى أن الضيافة تؤسس علاقة قوية جدا بين طرفين ربما لم تكن بينهم أي معرفة في السابق. هذه العلاقة أسست بينهم التزاما أخلاقيا هائلا (تحدثنا عنه في مقالة الأسبوع الماضي)، لكن هذه العلاقة -علاقة الضيافة- تنتهي لتؤسس معها علاقة إنسانية أخرى ربما تكون صداقة وربما مجرد ذكرى خالدة عن إنسان ما في مكان ما أكرمني في يوم من الأيام.
في ذهني الآن صورة تشبه صورة غرفة العمليات التي يخرج منها مولود جديد للدنيا. الضيافة تشبه غرفة العمليات التي كل ما فيها مركز ومكثّف. هناك طرف يحتاج للمساعدة ويحظى في هذه الغرفة بحقوق استثنائية ورعاية فائقة، لكنه يجب أن يخرج من هذا المكان. الأمل أن يخرج من هذا المكان وهو بصحة أفضل أو وهي بصحبة طفلها الجديد. العلاقة داخل غرفة العمليات يجب أن تنتهي في وقت محدود ولكن الأمل أن تنتج أثرا حميدا طويل المدى. الضيافة بمعنى مقارب استجابة لحالة طارئة: غريب بلا سكن، أو ضعيف بلا مأوى، أو معتدى عليه يبحث عن الأمان والرحمة. الضيافة هنا علاقة ولّادة إن تمت بطريقة سليمة، فإن أثرها يجب أن يستمر لوقت طويل. الأثر الأقوى للضيافة أن تخلق ضيافة جديدة، أن يقوم الضيف باستضافة الآخرين متى ما استطاع. الضيافة الحقيقية تولّد الضيافة، ولذا فهي بلا أهداف تتجاوز هذه الاستجابة للتراجيديا البشرية: الضعف والعنف والعداوة والاغتراب.
الكريم المضياف يبقي ضميره وبابه مفتوحا لضيف قد يأتي يوما من الأيام. الضيافة عنده ليست محدودة بزمن ولا تنتهي بنهاية أحد مشاهدها. الضيافة بهذا ليست محدودة بوقت. الكريم المضياف يتمنى ويعمل باستمرار على أن تبقى الضيافة حية بين ورثته بعد أن يموت. المضيافة لا تريد أن تموت الضيافة مع موتها. لكننا قلنا في البداية إن الضيافة علاقة قصيرة زمنيا فكيف نجمع بين كونها قصيرة العمر وخالدة في الوقت ذاته. ربما تساعدنا هذه الصورة على حل الإشكال. الضيافة كضيافة تسعى إلى استمرار ما دام هناك ألم وحاجة إنسانية، ما دام هناك عدوانية وطائفية وتعصب وطمع تحجب البشر عن بعضهم البعض. الضيافة هنا تعالٍ على كل هذا وارتقاء للانفتاح الإنساني المتجاوز لكل الاختلافات والصراعات. الضيافة بهذا المعنى لكل البشر وفي كل الأوقات. لكن الضيافة المخصصة لشخص بعينه ضيافة محدودة الزمن باعتبار أن هناك دائما من هو بحاجة أكبر للضيافة. الضيافة علاقة ذاتية موجهة للفرد مباشرة، ولكنها موجهة تحديدا إلى حاجته وضعفه. مع نهاية حاجة هذا الإنسان تنتهي حاجته للضيافة. من هنا يمكن أن نفهم ارتباط كلمتي الضيافة Hospitality بالمستشفى Hospital بالإنجليزية. الكلمتان تنتميان لجذر واحد لاتيني Hospes يحيل على الغريب والمسافر. الضيافة كما الاستطباب حالة مستمرة مع استمرار الحياة البشرية ولكن بالنسبة للأفراد الأعيان فإن الأمل أن تكون علاقتهم معها موقتة. هناك دائما من هو في الطريق يبحث عن مكان آمن يستضيفه. هناك من يبحث عن قلب وبيت مفتوح في عالم مليء بالقلوب والأبواب المغلقة. الطبيبة الرحومة والممرضة العطوفة تشبه صاحبة البيت التي تكرم ضيوفها وتقوم على رعايتهم. الضيافة والكرم يأخذان قيمتهما من حدة الحالة التي تستجيب لها. دعوة الأغنياء وأصحاب المناصب لمنزلك لن تعتبر كرما أو ضيافة. ستعتبر تواصلا وربما زيارة عمل وربما تبادل مصالح، ولكن فتح القلب والباب للضعيف والمحتاج وعابر السبيل هو ما يدخل مباشرة في لب الضيافة. الضيافة كما العلاج مخصصة للحاجة الإنسانية. المكان المخصص فيها للأقوياء والمتعافين هو مكان المساعدة والعمل على خدمة الآخرين لا العكس. لذا فالضيافة تتحرك تماما في الاتجاه المعاكس لأخلاق الأنانية. الأناني مشغول بذاته والضيافة انشغال بالآخر. الضيافة حدث زماني واستجابة لشرط الزمان. الضيافة ككثير من الأشياء الجميلة تريد مقاومة الزمن وتبحث عن الخلود ولكنها تحدث في الزمن الواقعي وتريد تقسيمه بين الضيوف.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
في ذهني الآن صورة تشبه صورة غرفة العمليات التي يخرج منها مولود جديد للدنيا. الضيافة تشبه غرفة العمليات التي كل ما فيها مركز ومكثّف. هناك طرف يحتاج للمساعدة ويحظى في هذه الغرفة بحقوق استثنائية ورعاية فائقة، لكنه يجب أن يخرج من هذا المكان. الأمل أن يخرج من هذا المكان وهو بصحة أفضل أو وهي بصحبة طفلها الجديد. العلاقة داخل غرفة العمليات يجب أن تنتهي في وقت محدود ولكن الأمل أن تنتج أثرا حميدا طويل المدى. الضيافة بمعنى مقارب استجابة لحالة طارئة: غريب بلا سكن، أو ضعيف بلا مأوى، أو معتدى عليه يبحث عن الأمان والرحمة. الضيافة هنا علاقة ولّادة إن تمت بطريقة سليمة، فإن أثرها يجب أن يستمر لوقت طويل. الأثر الأقوى للضيافة أن تخلق ضيافة جديدة، أن يقوم الضيف باستضافة الآخرين متى ما استطاع. الضيافة الحقيقية تولّد الضيافة، ولذا فهي بلا أهداف تتجاوز هذه الاستجابة للتراجيديا البشرية: الضعف والعنف والعداوة والاغتراب.
الكريم المضياف يبقي ضميره وبابه مفتوحا لضيف قد يأتي يوما من الأيام. الضيافة عنده ليست محدودة بزمن ولا تنتهي بنهاية أحد مشاهدها. الضيافة بهذا ليست محدودة بوقت. الكريم المضياف يتمنى ويعمل باستمرار على أن تبقى الضيافة حية بين ورثته بعد أن يموت. المضيافة لا تريد أن تموت الضيافة مع موتها. لكننا قلنا في البداية إن الضيافة علاقة قصيرة زمنيا فكيف نجمع بين كونها قصيرة العمر وخالدة في الوقت ذاته. ربما تساعدنا هذه الصورة على حل الإشكال. الضيافة كضيافة تسعى إلى استمرار ما دام هناك ألم وحاجة إنسانية، ما دام هناك عدوانية وطائفية وتعصب وطمع تحجب البشر عن بعضهم البعض. الضيافة هنا تعالٍ على كل هذا وارتقاء للانفتاح الإنساني المتجاوز لكل الاختلافات والصراعات. الضيافة بهذا المعنى لكل البشر وفي كل الأوقات. لكن الضيافة المخصصة لشخص بعينه ضيافة محدودة الزمن باعتبار أن هناك دائما من هو بحاجة أكبر للضيافة. الضيافة علاقة ذاتية موجهة للفرد مباشرة، ولكنها موجهة تحديدا إلى حاجته وضعفه. مع نهاية حاجة هذا الإنسان تنتهي حاجته للضيافة. من هنا يمكن أن نفهم ارتباط كلمتي الضيافة Hospitality بالمستشفى Hospital بالإنجليزية. الكلمتان تنتميان لجذر واحد لاتيني Hospes يحيل على الغريب والمسافر. الضيافة كما الاستطباب حالة مستمرة مع استمرار الحياة البشرية ولكن بالنسبة للأفراد الأعيان فإن الأمل أن تكون علاقتهم معها موقتة. هناك دائما من هو في الطريق يبحث عن مكان آمن يستضيفه. هناك من يبحث عن قلب وبيت مفتوح في عالم مليء بالقلوب والأبواب المغلقة. الطبيبة الرحومة والممرضة العطوفة تشبه صاحبة البيت التي تكرم ضيوفها وتقوم على رعايتهم. الضيافة والكرم يأخذان قيمتهما من حدة الحالة التي تستجيب لها. دعوة الأغنياء وأصحاب المناصب لمنزلك لن تعتبر كرما أو ضيافة. ستعتبر تواصلا وربما زيارة عمل وربما تبادل مصالح، ولكن فتح القلب والباب للضعيف والمحتاج وعابر السبيل هو ما يدخل مباشرة في لب الضيافة. الضيافة كما العلاج مخصصة للحاجة الإنسانية. المكان المخصص فيها للأقوياء والمتعافين هو مكان المساعدة والعمل على خدمة الآخرين لا العكس. لذا فالضيافة تتحرك تماما في الاتجاه المعاكس لأخلاق الأنانية. الأناني مشغول بذاته والضيافة انشغال بالآخر. الضيافة حدث زماني واستجابة لشرط الزمان. الضيافة ككثير من الأشياء الجميلة تريد مقاومة الزمن وتبحث عن الخلود ولكنها تحدث في الزمن الواقعي وتريد تقسيمه بين الضيوف.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 20, 2015 16:42
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

