الجنون كانغلاق
الجنون كانغلاقعبدالله المطيريالجنون انغلاق وعجز عن التواصل مع الآخرين. المنغلق على ذاته يفقد المصدر الأساس للواقع والعالم وهو الحوار مع الآخرين. الانغلاق إعاقة للتجربة الإنسانية القائمة على رسم أفق مشترك مع الآخرين عن الحياةأحيانا يتم تعريف الجنون على أنه مخالفة المنطق ولكننا نجد الكثير من المنطق في كلام "المجانين". خذ على سبيل المثال إنسان حكى لك أنه طار في الفضاء بدون طيارة ثم حكى لك تفاصيل الشخصيات الفضائية التي اتصل بها وتحدث معها في السماء. في الواقع أنه لا يوجد في المنطق ما يمنع هذا كله ويمكن أن نجد أن كل كلامه مترابط منطقيا. لا يوجد في المنطق ما يمنع الإنسان من الطيران بدون طيارة. بمعنى أن قصة هذا الإنسان لا تحتوي على تناقض داخلي ولذا فهي سليمة منطقيا. التحدي الذي تقدمه لنا قصة هذا الإنسان ليس تحديا منطقيا بل هو تحد واقعي. بمعنى أن هذه القصة لا تتوافق مع شروط الواقع الذي نعرفه. الطيران الذاتي يتعارض مع قانون الجاذبية الذي نعرفه. لذا فالجنون هنا هو مخالفة الواقع. لكننا نعلم أن فهمنا للواقع يتطور مع الوقت وأن ما كان ينظر له على أنه ضرب من الجنون في الماضي أصبح اليوم في عداد الممكن بل والمتحقق. الطيران بالآلة مثال على هذا، التواصل الصوتي والضوئي اللاسلكي مثال آخر. إذا كانت التعريفات السابقة للجنون، مخالفة المنطق ومخالفة الواقع، لا تعطينا بدقة تصورا شاملا أو حتى كافيا للجنون فكيف نفهم الجنون؟ هنا سأطرح إجابة مقترحة لعلها تضيء أفق النقاش أكثر. الجنون هو الانغلاق وإليكم حالة يمكن أن تشرح هذا التعريف.
شاهدت مؤخرا فيلما بعنوان "قلوب جائعة" Hungry Hearts من بطولةAlba Rohrwawacher وAdam Driver وإخراج Savario Costanzo الفيلم يحكي قصة فتاة إيطالية مينا تلتقي بشاب أميركي جود في نيويورك وتنشأ بينهما علاقة حب رومانسية ينتج عنها زواج سعيد ومنعش. بعد فترة ليست بالقصيرة حملت مينا وبدأت الأسرة بالاستعداد لاستقبال المولود الجديد. مينا نباتية من النوع المتشدد فهي لا تأكل ولا تشرب منتجات الحيوانات مثل الألبان والأجبان. جود نباتي كذلك ولكن ليس لهذه الدرجة. أثناء الحمل اقتنعت مينا بأن طفلها مميز وبقدرات خاصة متأثرة بأفكار متداولة عما يعرف بـ Indigo Children، بعد ولادة الطفل الجميل واجه الزوجان هذا الامتحان العصيب. الأم لا تثق في الطب الحديث ومهووسة بالنظافة والنقاء لدرجة أنها ترفض زيارة الطفل للطبيب أو تغذيته بمنتجات حيوانات أو حتى الأطعمة المتداولة في الخارج. كانت تخاف عليه من الخروج في الهواء الطلق وتطعمه من الخضار الذي زرعته بنفسها في البيت. بعد عدة شهور من هذا البرنامج الغذائي الصارم قلق الزوج على ابنه لأن نموه يبدو غير طبيعي. بعد معاناة استطاع الأب أخذ الطفل للطبيب الذي أخبره أن الطفل لا ينمو وأن الطفل يحتاج تغذية متنوعة تساعده على النمو. هذا يشمل مشتقات الألبان ومنتجات حيوانية أخرى. المشكلة أن الأم ترفض كل هذا وتصر على نظامها الغذائي السابق. يلجأ الزوج لإطعام الطفل بالسر أطعمة مختلفة لكنه اكتشف أن زوجته تعطي الطفل مشروبا خاصا يمنعه من هضم الأطعمة الحيوانية.
الأب هنا أمام هذا المشهد: طفله لا يتغذى بما يكفي ولا ينمو بشكل طبيعي وإذا استمر بهذا الشكل فإن الطفل سيموت أو سيبقى معاقا. الأم من جهتها مؤمنة بأنها على حق وأن الطفل سيكون على ما يرام إذا ما استمرت بتغذيته حسب معتقداتها. الحوار بين الطرفين انقطع. باختصار الأم كانت رافضة أن تتقبل أي صوت غير الصوت المستقر في رأسها. هي تعتقد أن ما تعتقده هي كاف تماما للتصرف بشكل كامل في إنسان آخر وهو طفلها. الطفل رضيع ولا يقاوم ما يفعل به مما يجعل المشهد أكثر صعوبة. كل حياة هذا الطفل متعلقة بالأفكار الثابتة في رأس أمه. الأم كانت عاجزة عن تصور هذه الفكرة: "ربما أكون على خطأ". هذه الفكرة تحديدا هي من يفتح مشروعية التواصل بين الناس. الانفتاح على الآخرين للتعاون معهم على حل إشكالات الحياة. الأم في الفيلم بدت لي مجنونة لأنها انغلقت على نفسها فأصبحت أخطر الكائنات على أحب الناس في حياتها، طفلها. الزوج كان يطالبها باستشارة أحد، بالخروج من هذه الدائرة المغلقة. كانت مينا تطالبه باستمرار بأن يثق بها وأن يسلّم لها كامل شأن الطفل. جود هنا لا يملك هذا الحق فهو لا يملك أن يسلم حياة طفله حتى لأمه التي ترفض أن تنفتح على ما يقوله الآخرون عن حياة طفلها. هي تطالبه بأن يثق بها وقد قطعت هي الثقة بالعالم كله.
التعريف الذي أقترحه للجنون هنا هو أن الجنون انغلاق وعجز عن التواصل مع الآخرين. المنغلق على ذاته يفقد المصدر الأساس للواقع والعالم وهو الحوار مع الآخرين. الانغلاق هو إعاقة للتجربة الإنسانية القائمة على رسم أفق مشترك مع الآخرين عن الحياة. هذا هو جوهر اللغة والفن واللعب والعلم. المنغلق على ذاته والذي يعيش بالضرورة مع الآخرين يتجاهل الحقيقة الأكبر؛ وهو أنه دائما مع الآخرين. قصة مينا وجود وطفلهما تكشف كيف يجعل الانغلاق الأسرة مستحيلة. كيف يجعل استمرار الوجود الإنساني ذاته مستحيلا بدون الانفتاح والتواصل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
شاهدت مؤخرا فيلما بعنوان "قلوب جائعة" Hungry Hearts من بطولةAlba Rohrwawacher وAdam Driver وإخراج Savario Costanzo الفيلم يحكي قصة فتاة إيطالية مينا تلتقي بشاب أميركي جود في نيويورك وتنشأ بينهما علاقة حب رومانسية ينتج عنها زواج سعيد ومنعش. بعد فترة ليست بالقصيرة حملت مينا وبدأت الأسرة بالاستعداد لاستقبال المولود الجديد. مينا نباتية من النوع المتشدد فهي لا تأكل ولا تشرب منتجات الحيوانات مثل الألبان والأجبان. جود نباتي كذلك ولكن ليس لهذه الدرجة. أثناء الحمل اقتنعت مينا بأن طفلها مميز وبقدرات خاصة متأثرة بأفكار متداولة عما يعرف بـ Indigo Children، بعد ولادة الطفل الجميل واجه الزوجان هذا الامتحان العصيب. الأم لا تثق في الطب الحديث ومهووسة بالنظافة والنقاء لدرجة أنها ترفض زيارة الطفل للطبيب أو تغذيته بمنتجات حيوانات أو حتى الأطعمة المتداولة في الخارج. كانت تخاف عليه من الخروج في الهواء الطلق وتطعمه من الخضار الذي زرعته بنفسها في البيت. بعد عدة شهور من هذا البرنامج الغذائي الصارم قلق الزوج على ابنه لأن نموه يبدو غير طبيعي. بعد معاناة استطاع الأب أخذ الطفل للطبيب الذي أخبره أن الطفل لا ينمو وأن الطفل يحتاج تغذية متنوعة تساعده على النمو. هذا يشمل مشتقات الألبان ومنتجات حيوانية أخرى. المشكلة أن الأم ترفض كل هذا وتصر على نظامها الغذائي السابق. يلجأ الزوج لإطعام الطفل بالسر أطعمة مختلفة لكنه اكتشف أن زوجته تعطي الطفل مشروبا خاصا يمنعه من هضم الأطعمة الحيوانية.
الأب هنا أمام هذا المشهد: طفله لا يتغذى بما يكفي ولا ينمو بشكل طبيعي وإذا استمر بهذا الشكل فإن الطفل سيموت أو سيبقى معاقا. الأم من جهتها مؤمنة بأنها على حق وأن الطفل سيكون على ما يرام إذا ما استمرت بتغذيته حسب معتقداتها. الحوار بين الطرفين انقطع. باختصار الأم كانت رافضة أن تتقبل أي صوت غير الصوت المستقر في رأسها. هي تعتقد أن ما تعتقده هي كاف تماما للتصرف بشكل كامل في إنسان آخر وهو طفلها. الطفل رضيع ولا يقاوم ما يفعل به مما يجعل المشهد أكثر صعوبة. كل حياة هذا الطفل متعلقة بالأفكار الثابتة في رأس أمه. الأم كانت عاجزة عن تصور هذه الفكرة: "ربما أكون على خطأ". هذه الفكرة تحديدا هي من يفتح مشروعية التواصل بين الناس. الانفتاح على الآخرين للتعاون معهم على حل إشكالات الحياة. الأم في الفيلم بدت لي مجنونة لأنها انغلقت على نفسها فأصبحت أخطر الكائنات على أحب الناس في حياتها، طفلها. الزوج كان يطالبها باستشارة أحد، بالخروج من هذه الدائرة المغلقة. كانت مينا تطالبه باستمرار بأن يثق بها وأن يسلّم لها كامل شأن الطفل. جود هنا لا يملك هذا الحق فهو لا يملك أن يسلم حياة طفله حتى لأمه التي ترفض أن تنفتح على ما يقوله الآخرون عن حياة طفلها. هي تطالبه بأن يثق بها وقد قطعت هي الثقة بالعالم كله.
التعريف الذي أقترحه للجنون هنا هو أن الجنون انغلاق وعجز عن التواصل مع الآخرين. المنغلق على ذاته يفقد المصدر الأساس للواقع والعالم وهو الحوار مع الآخرين. الانغلاق هو إعاقة للتجربة الإنسانية القائمة على رسم أفق مشترك مع الآخرين عن الحياة. هذا هو جوهر اللغة والفن واللعب والعلم. المنغلق على ذاته والذي يعيش بالضرورة مع الآخرين يتجاهل الحقيقة الأكبر؛ وهو أنه دائما مع الآخرين. قصة مينا وجود وطفلهما تكشف كيف يجعل الانغلاق الأسرة مستحيلة. كيف يجعل استمرار الوجود الإنساني ذاته مستحيلا بدون الانفتاح والتواصل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on November 24, 2015 16:20
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

