عبد الله المطيري's Blog, page 9
November 4, 2014
الأطفال والعدالة الاجتماعية
الأطفال والعدالة الاجتماعيةعبدالله المطيري يعتبر كثير من فلاسفة العدالة والأخلاق المعاصرين، جون رولز على سبيل المثال، الظروف التي يولد فيها الطفل سواء كانت ظروفا في محيطه الخارجي أو في تركيبته الذاتية "اعتباطية أخلاقيا". أي أنهم يرون أنه لا يحق إطلاق أي حكم قيمة على سلوك أو حالة ناتجة عن تلك الظروف. لكي نقول أن الطفل الذي يولد في ظروف (فقر، يتم، ضعف جسدي) يعيش حياة عادلة يفترض أن لا تحكم تلك الظروف فرصه في الحياة. تلك الظروف خارجة عن إرادته وليس من العدل أن تكون هي من يقرر فرصه في الحياة. بمعنى أن هذا الطفل يفترض أن يعيش ظروف مقاربة قدر الإمكان للطفل الذي يولد في هذه الظروف (غنى، أسرة، قوّة جسدية). لكي نقول أن الأطفال يعيشون وسط ظروف عادلة فإن العوامل التي لا علاقة لهم في وجودها يفترض أن لا تؤثر في فرصهم في العيش كما يريدون. هذه خلاصة الرؤية السابقة. لكي تتضح الرؤية السابقة أكثر يفترض أن نقارنها برؤى مختلفة. من ضمن تلك الرؤى القول بأن الظروف التي يولد فيها الطفل ناتجة عن إرادة عليا عادلة وبالتالي من الطبيعي ومن العدل أن يعيش وفقا لها. لا يعني ذلك وفقا لهذه الرؤية أن لا تتم مساعدة هذا الطفل ولكن هذا يأتي من باب الرحمة والمساعدة وليس من باب العدالة. الفرق بين منظور العطف ومنظور العدالة أن منظور العطف اختياري وسيكون من الصعب تحويله إلى قانون إلزامي. رؤية أخرى ترى أنه رغم أن هذه الظروف اعتباطية أخلاقيا إلا أن إصلاحها يبقى من مهمة المجتمع لا الدولة. بمعنى أن يبقى عاملا اختياريا من قبل أفراد المجتمع وليس اجباريا يتحقق من خلال القانون العام. الفارق بين وجهات النظر السابقة جوهري: النظرة الأولى ترى أنه من الواجب الصرف على ظروف تكافؤ الفرص من المال العام (ضرائب –ثروات طبيعية..الخ) بينما ترى وجهتا النظر الأخيرتين أن هذا ليس واجبا عاما ولكنه خيارا فرديا وأن المجتمع يبقى عادلا حتى لو لم يقم بهذه المسئولية. بغض النظر عن الخلاف السابق إلا أن القضية تبقى جوهرية لتعلقها بشكل أولي بموضوعنا الأساس هنا وهو حقوق الأطفال. الحقوق هنا ينظر لها من منظور قانوني واجتماعي. في المقالات السابقة كان التركيز أكبر على العلاقات الأسرية التي ينشأ فيها الأطفال لكننا نعلم أن تلك العلاقات هي جزء من شبكة علاقات أوسع تؤثر فيها وبشكل كبير الظروف العامة التي يجد الطفل فيها نفسه. الحقيقة التي يمكن أن نتفق عليها بشكل أسهل أن الطفل لم يختر ظروف حياته. بمعنى أن الطفل يولد في أسرة ومجتمع ومعادلة اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية لم يكن له فيها أي قرار. الحقيقة الأخرى أن هذه الظروف تؤثر وبشكل كبير على حياته. السياق والخبرة التي يعيشها الإنسان هي في الأخير المصدر الجوهري الذي تتشكل منه معانيه للحياة ورؤيته لذاته وللآخرين. لا يعني هذا بالتأكيد أن هذه العوامل هي من يحسم كل الخيارات ولكنها بالتأكيد عامل مؤثر وجوهري. على المستوى الفردي هناك تقريبا شعور عام بأن الإنسان لا يحاسب على ما ليس له ذنب به. بمعنى أن المسئولية مرتبطة بكون الشخص قد أقدم على الفعل باختياره. لذلك هناك تفريق في وعي غالب الناس كما في المنطق القانوني على أن المسئولية المترتبة على القتل الخطأ والقتل العمد متفاوتة رغم أن النتيجة واحدة. القتل العمد يترتب عليه لوم أخلاقي وعقوبة قانونية أكبر لأن شرط الاختيار والإرادة متحقق على خلاف القتل الخطأ. هذا المنطق واضح في جناية إنسان على آخر ولكنه أقل وضوحا في حالة جناية الظروف العامة على الأطفال. ربما أن من أسباب عدم وضوح الصورة هنا هو أنه في أمثلة كثيرة لا يوجد مسئول حقيقي عن الظروف التي يجد الأطفال أنفسهم فيها. على سبيل المثال الطفل الذي يولد معاق قد تكون إعاقته ناتجة عن سبب ليس لوالديه علاقة به كأسباب الخلل البيولوجي. رغم أن أخوة هذا الطفل ولدوا في ظروف صحية جيدة من نفس الأم والأب تعرض هذا الطفل لظرف استثنائي من الصعب تحديد مسئول واضح عنه. هذه الحالة، أي حالة صعوبة تحديد مسئولية واضحة عن الظروف السيئة التي يعيشها الأطفال، ينقل النقاش في القضية من سؤال العقوبة إلى سؤال التعويض. بمعنى أن وإن اتفقنا على صعوبة معاقبة أفراد أو مؤسسات معينة عن الظروف السلبية التي يعانيها منها الأطفال إلا أن هذا لا يعني صعوبة التفكير في إجراءات تعويضية تقلل قدر الإمكان من أثر تلك الظروف على مستقبل الأطفال. سعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على حقوق الأطفال من خلال الظروف التي يولدون فيها وليس لهم فيها أي خيار. الظروف هنا تشمل حالتهم الصحية، الظروف الاقتصادية، الظروف الاجتماعية، طبيعة الأفراد الذين يتولون تربيتهم في سنينهم الأولى، طبيعة التربية والتعليم التي يحصلون عليها. كل هذه العوامل تؤثر بشكل كبير في تحديد مصيرهم وبالتالي فهي تستحق الاهتمام من منظور العدالة. بمعنى أن العدالة تستوجب أن لا يدفع الطفل ثمن ظروف لم يكن له فيها أي قرار. هذا المنطق له آثار كبيرة متعلقة بالأفعال التعويضية التي يمكن أن يقوم بها المجتمع عبر أفراده وعبر مؤسساته العامة لخفض الآثار السلبية المترتبة على الظروف التي يولد فيها الأطفال لنحصل على صورة أقرب لظروف عادلة ينطلق فيها الأطفال لتحقيق الأهداف التي يختارونها لحياتهم. تلك الأفعال ستكون موضوعات المقالات المقبلة.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on November 04, 2014 15:04
October 28, 2014
زواج الصغيرات وحقوق الطفل
زواج الصغيرات وحقوق الطفلعبدالله المطيري من أكثر القضايا جدلا حول حقوق الأطفال في الساحة المحلية قضية زواج الصغيرات. سأستخدم هذه القضية هنا لمحاولة اختبار وفهم تفكيرنا ومواقفنا حيال حقوق الطفل. ليكون مثالنا طفلة عمرها سبع سنوات يتقدم لها رجل عمره 70 سنة يريد الزواج منها. لنفكر الآن في عدد من المواقف المحتلمة تجاه هذا الأمر. لنبدأ من المواقف المبدئية: لدينا الموقف الرافض من ناحية المبدأ ولدينا الموقف الموافق من ناحية المبدأ. الموقف الرافض من ناحية المبدأ يتخذ هذا الموقف: لا يحق للطفلة الزواج في هذا السن تحت أي ظرف. الموقف الموافق من ناحية المبدأ يقول لا يوجد مانع من ناحية المبدأ يمنع زواج هذه الطفلة. من المهم التذكير أن صاحب الموقف الموافق مبدئيا قد يرفض هذا الزواج ولكن لظروف أخرى غير ظرف الطفولة. من المهم أن نشرح ماذا تعني تلك المواقف قبل الحديث عن مبرراتها: الموقف الرافض من ناحية المبدأ يدعم موقف الطفلة الرافضة للزواج ولكنه أيضا يقف في وجه الطفلة ويحجر عليها لو وافقت على الزواج. بمعنى أن الرفض المبدئي لزواج الطفلة يترتب عليه دعوى أن هذه الإنسانة حتى ولو اختارت لا تملك الحق في اتخاذ هذا القرار. في المقابل الموقف الموافق من ناحية المبدأ قد يوافق على إجبار الطفلة على الزواج حتى لو كانت رافضة تحت دعاوى مختلفة منها أن ولي أمر الطفلة أعلم بمصلحتها. بمعنى أن الإقرار بعدم استحقاق الطفلة لهذا القرار لا يحسم الموقف من هذا الزواج. رأينا هنا موقفين متناقضين من زواج الطفلة ينطلقون من ذات المبدأ وهو أن هذه الطفلة لا تملك الكلمة الأخيرة والحاسمة في مثل هذا القرار. الآن لنفكر في المبررات الداعمة لتلك المواقف. الموقف الرافض من ناحية المبدأ قد ينطلق من عدة مبررات منها: الطفلة قاصرة ولا تملك حق القرار في مثل هذه القضية. مبرر آخر: هذا العقد (عقد الزواج) غير عادل ولا يمكن أن يكون عادلا إلا إذا كانت الفتاة في ظروف حقيقية تسمح لها باتخاذ قرار حاسم وهذا مالا يمكن أن يتوفر لطفلة عمرها سبع سنوات. مبرر ثالث قد يذهب للقول بأن زواج الطفلة في هذا العمر ليس في صالحها. هذا القول قد يعتمد على مقولات طبية أو نفسية أو اجتماعية ضد هذا الزواج. أصحاب هذا الموقف قد يخففون من دعواهم في مصادرة امتلاك هذه الطفلة حق قرار مصيرها بأنه قرار مؤقت. بمعنى أنه لا يصادر حق هذه الإنسانة بالكامل بل يصادره الآن فقط لظروف محددة ثم يعود لها استحقاقها الكامل. هذا القرار، يجادل أصحاب هذا الموقف، شبيه بمنع الشخص من قيادة السيارة حتى يحصل على رخصة القيادة. منعه هنا من القيادة مؤقت وليس نهائي. هذه مبررات مختلفة لموقف واحد وهو منع زواج هذه الطفلة. هذا الموقف يعني عدم استحقاق أي إنسان بما فيهم الطفلة نفسها لإبرام عقد الزوجية. الطرف الموافق من ناحية المبدأ يمكن أن يبرر موقفه من عدة جهات منها: أهل الطفلة أعلم بمصلحتها وإذا تمت موافقتهم فإنه لا يحق لأحد الاعتراض عليهم. مبرر آخر وهو أن الطفلة هي صاحبة القرار ولا يوجد مبرر مقبول يبرر سلب هذا الحق منها. هناك أيضا مبرر لا أخلاقي بمعنى أنه غير مشغول بعدالة القضية بقدر ما يدعها لقرار الثقافة والمجتمع الذي تمت فيه القضية. بمعنى أن يقول إذا كان زواج الطفلة مقبول في مجتمع معين فلا إعتراض عليه بغض النظر عن عدالة هذا العقد. بمعنى أن هذه التبريرات تحيل إما إلى الطفلة نفسها أو إلى أسرتها أو إلى المجتمع. المبرر الأقوى محليا على الأقل هو المبرر الديني بمعنى القول أن زواج الطفلة مقبول لأن الدين قبله. هذه المواقف والمبررات يفترض أن تحفز التفكير في قضية حقوق الأطفال بشكل معمّق. كثير من الرافضين لزواج الطفلات وأنا منهم يشعرون بعدم عدالة هذا العقد. استغلال الطفولة لأغراض مالية أو اجتماعية أمر واضح خلف هذه العقود. بمعنى أن هذا الزواج يصبح علامة على الظلم الاجتماعي والقمع والاستغلال. لكن هذا الموقف يفترض أن يدفعنا باتجاه تحرير الموقف الدقيق من حقوق الأطفال وما هي المبررات التي يمكن أن تبرر لنا سلب إنسان معين من حق قرار مصيره. هل العمر بحد ذاته هو العامل الحاسم ؟أم الخبرة والتجربة في الحياة؟ تحرير الموقف هنا يفترض أن يساعدنا على تكوين صورة أوضح تجاه قضايا أخرى كالتعليم والقرارات الصحية والقرارات التجارية. في الاتجاه المقابل هذا النقاش يسعى لدعوة الموافقين على مثل هذا الزواج للتفكير في هذه القضية من منظور حقوقي والتفكير في المعادلة التي يفترض أن توازن حق الطفل مع حق الوالدين مع الحقوق الاجتماعية. بعبارة أخرى هذا الاستعراض للمواقف في هذه القضية يسعى لربط التفكير في قضية واحدة بالآثار التي تترتب على باقي القضايا في ذات الإطار. القانون المتناقض يعيق الحركة لأنه يمسح بحركتين في اتجاهين متناقضين. القوانين المتناقضة بشأن حقوق الأطفال تعني جعل هذه الحقوق عرضة لتقلبات المزاج ومفاوضات القوى داخل المجتمع. هذه حالة متوترة وخطيرة على نمو وسعادة الأطفال. المهم هنا هو ربط القرارات التي نتبناها بآثارها على الواقع. هذه الحسبة جوهرية للتفكير الأخلاقي والتشريعي. أخطر تفكير على الحقوق هو أن نتخذ المواقف بغض النظر عن أثر تلك المواقف على الواقع مما يجعل التشريق مفارقا لكونه في خدمة الإنسان ليتحول لخدمة أغراض أخرى. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 28, 2014 17:13
October 21, 2014
الطفولة: هل هي مرحلة انتقالية؟
الطفولة: هل هي مرحلة انتقالية؟عبدالله المطيري من القضايا الجوهرية في موضوح حقوق الأطفال هي كيفية النظر للطفولة كمرحلة من مراحل العمر. فهمنا للطفولة يؤثر بشكل مباشر على نظرنا للأطفال وحقوقهم. الطفولة تفهم بأشكال مختلفة منها النظرة المقارنة والنظرة الجوهرية الذاتية. النظرة الأولى تفهم الطفولة من خلال مقارنتها بمراحل أخرى من العمر. النظرة الثانية تفهم الطفولة كما هي دون ربطها بمراحل سابقة أو لاحقة. النظرة الأولى يعبّر عنها الناس كثيرا بمطالبتهم الأطفال الذكور أن يكونوا رجالا ومطالبتهم الأطفال الإناث أن يكونوا نساءا. "كن رجلا" و"كوني امرأة" عبارات سمعها أغلب أطفال العالم. في هذه المقالة سأحاول التفكير في التصورات المتعلقة بحقوق الأطفال والتي يمكن أن تنتج من التصورات السابقة. النظرة المقارنة للطفولة غالبا ما تراها مرحلة انتقالية لمرحلة الرشد المقبلة. بمعنى أن تكون مرحلة الطفولة هي مرحلة إعداد وتجهيز للمرحلة الأهم القادمة. هذا التحويل للطفولة إلى مرحلة انتقالية يحمل معه النظر ليها بعين مختلفة. مراحل الإعداد والتجهيز غالبا ما يتم التجاوز فيها عن كثير من القضايا المهمة من أجل الأهداف المستقبلية. في العسكرية مثلا دورات الإعداد ينظر لها أنها مرحلة من المتوقع فيها أن يمرّ المتدرب بضغوطات وتجاوزات لحقوقه يتم التساهل معها باعتبار أنها تتم في مرحلة انتقالية. كذلك البلدان التي تمر في مراحل انتقالية تحدث فيها أمور يتم تمريرها تحت هذا العنوان ولا يمكن ان تمرّ بسهولة في ظروف أخرى مختلفة. الطفولة في هذا المنظور وسيلة لغاية أخرى. بمعنى أن الطفولة هي وسيلة يمر من خلالها الإنسان إلى الغاية الأهم وهي سن البلوغ والرشد. الطفولة تأخذ قيمتها هنا من خلال تحقيقها لهذا الهدف. إذا انطلقنا من هذا المنظور فإن الرؤية لحقوق الأطفال ستسعى لتحقيق هذا الهدف أيضا. بمعنى أن الأطفال سيستحقون ما يجعلهم رجالا ونساءا في المستقبل وسينظر لما يخالف ذلك أو مالا يدعم ذلك الهدف بمنظور أقل. كذلك هذا المنظور يعطي "خبراء الرشد" البالغين طبعا حق تقرير حقوق الأطفال بناء على أن الطفولة في جوهرها مرحلة باتجاه الرشد. هذه النظرة تعاني من مشاكل كثيرة. أول هذه المشاكل هي تحويل حياة الأطفال إلى وسيلة يتم من خلالها تحقيق غاية أخرى. هذا السلوك له تأثير نفسي وتربوي مفسد للنمو ولكنه أيضا له تأثير حقوقي جوهري وهو معاملة الأطفال كوسائل لحياة مستقبلية لا نعلم تحديدا كيف ستكون. الطفل هنا يفقد حق تقرير مصيره بنفسه. التبريرات لنزع هذا الحق هنا تعتمد أساسا على قصور تجربة وخبرة الطفل في الحياة مما يجعله غير قادر على تقرير القضايا الجوهرية في حياته. النظرة المقارنة تزيد على هذا المبرر المعقول أن الطفولة ليست إلا طريق للرشد وبالتالي يفترض أن نعاملها بهذا المنظور. هنا عملية مزدوجة: الطفل يفقد حق تقرير حياته وطفولته يتم توجيهها لتحقيق أهداف مستقبلية. في المقابل ترى النظرية الجوهرية أن الطفولة بحد ذاتها مرحلة أساسية من عمر الطفل وتأخذ قيمتها الأساسية من ذاتها. الطفل في هذا العمر يفترض أن يعيش من يتلائم مع مرحلته العمرية ولا يحق لنا التفريط في ذلك لصالح أهداف مستقبلية. الرشد أو البلوغ مرحلة ستأتي في وقتها وليس من المطلوب دفع الأطفال بقوة لا تتجاوب مع طبيعتهم نموّهم الذهني والنفسي باتجاه مرحلة لا يعرفونها بعد. بحسب هذه النظرة فإن حقوق الأطفال يفترض أن تستجيب أولا لاحتياجاتهم كأطفال وليس لاحتياجاتهم كرجال المستقبل. الفرق هنا مهم وهو أن الاحتياجات ينظر لها حسب متطلبات حياة الطفل داخل هذه المرحلة العمرية بدون أن تكون هنا تضحية بهذه المتطلبات من أجل فترة عمرية مستقبلية. أصحاب النظرة الثانية يطالبون بعدم القلق على سن الرشد. الطفل الذي عاش طفولته كطفل قادر على عيش بلوغه كبالغ. في المقابل يشكك هؤلاء في قدرة الطفل الذي عاش طفولته كرجل أن يعيش رجولته كرجل أيضا. هناك عامل مفقود في تجربة هذا الإنسان يجعل من تمتعه بحياة متوازنة أقل احتمالا. حقوقيا، الطفل له الحق في ما يكفل له توفير ضروريات طفولته. بمعنى أنه وإن كان الطفل لا يعطى حق الكلمة النهائية في تقرير قضاياه الأساسية إلا أن من يتولى هذا الأمر محكوم بأن يبني قراراته بناء على ما تتطلبه الطفولة كمرحلة عمرية. اللعب مثال يمكن أن يساعدنا على أن نفهم الفرق بين الأطروحتين بشكل أكبر. بحسب النظرة الأولى فإن اللعب يمكن التضحية به من أجل تحقيق أهداف مرحلة الرشد. بمعنى أنه إذا كان اللعب يتعارض مع تعريف "الرجل" أو "المرأة" فإنه يتراجع في سلّم الأولويات وقد يخرج منها بالكامل. في المقابل فإن هذا المبرر غير مقبول لدى وجهة النظر التي ترى أن الطفولة مرحلة تأخذ قيمتها من ذاتها قبل أي شيء آخر. اللعب هنا يكون استحقاق أساسي وضروري ولا يمكن التضحية به. الأطفال من حقهم اللعب حتى لو كان هذا اللعب لا يتوافق مع الشخصية المستقبلية التي يترقبها البعض. من المهم هنا ايضا ملاحظة أن اللعب هنا حق وليس مجرد ترفيه يتم منحه للأطفال في وقت الفراغ. النقاش السابق مهم لفهم وتحليل كيف يتم النظر للطفولة وكيف يؤثر ذلك على حقوق الأطفال. في أحيان كثيرة تطغى نظرتنا المستقبلية لما يجب أن يكون عليه الأطفال وننسى ما هم عليه الآن. ينتج عن هذا عسف عنيف وقاسي لنمو الطفل الطبيعي الذي يتدرج حسب عمره الزمني وتراكم خبراته. الطفل/الرجل يعيش تجربة منفصله عن حياته المباشرة. الرجولة هنا هي تجارب لآخرين تم حقنها في تجاربهم بطريقة تفسد التطور الطبيعي لتجاربهم الخاصة في الحياة. نردد أحيانا مقولة "من تعجّل شيئا قبل أوانه عقوب بحرمانه"..ربما تفيدنا هنا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 21, 2014 16:57
October 14, 2014
حقوق الأطفال وواجبات الوالدين
حقوق الأطفال وواجبات الوالدينعبدالله المطيري حين كنت أعمل معلما في المرحلة الثانوية كان نقاش موضوع علاقة الطلاب مع والديهم من أكثر الموضوعات حساسية. من جهة كان كثير من الطلاب يعيش صعوبات ومشاكل ناتجة عن تلك العلاقة ولكنهم في ذات الوقت لا يفكرون في الموضوع أو يجدون صعوبة في التفكير فيه من منظور حقوقي. أعني بذلك أن الصورة التالية تبدو غريبة عليهم: للأبناء والبنات حقوق على والديهم لا يجوز للوالدين التفريط فيها. بلغة أخرى هناك حدود وخطوط حمراء تسمى حقوق الأولاد لا يحق للوالدين التعدي عليها. غرابة هذه اللغة ناتجة برأيي من مصدرين: الأول أن الثقافة المحلية تؤكد باستمرار على حقوق الوالدين ولكنها لا تعطي اهتماما مقاربا لحقوق الأطفال. بمعنى أن ما يتم الاهتمام به في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام يتوجه لحقوق الوالدين ولا نكاد نسمع ما يقارب من ذلك عن حقوق الأطفال. المصدر الثاني برأيي يرجع إلى إيمان عميق ودفين بأن الوالدين أعلم بحقوق أولادهم وأن الأولاد ليسوا إلا جزئا وامتدادا لوالديهم. على سبيل المثال حينما كنت أتحدث مع طلابي عن الضرب وأحاول أن أفتح النقاش حول سؤال هل يحق للوالدين ضرب أولادهم وماهي الحدود الحقوقية التي تفصل الأولاد والوالدين أو تحدد علاقتهم كان كثير من الطلاب يستغرب هذه الأسئلة. طبعا يحق للوالدين ضرب أولادهم فالأولاد ملك لوالديهم: كانت هذه الإجابة الأقوى والأكثر حضورا. كنت هنا أضطر لضرب أمثلة متطرفة لفتح النقاش من جديد. كنت أسأل هل يحق للأب أن يغتصب ابنته؟ يجيب الطلاب بـ"لا" قويّة وهو ما يعيدنا لفتح السؤال من جديد عن ما يحق وما لا يحق للوالدين فعله مه أطفالهم. ردود فعل الطلاب لم تكن غريبة بل هي أكثر تعبيرا تاريخيا عن الرؤى التي كنت أحملها. في الواقع أن مفهوم حقوق الأطفال وإن كان مفهوما منتشرا بقوة في العصر الحديث إلا أنه مفهوم جديد تاريخيا. على مدار قرون طويلة كانت حقوق الأطفال متروكة لوالديهم بشكل أساسي. بمعنى أنها مسألة متروكة للمجال الخاص داخل الأسرة ولا تشغل كثيرا مؤسسات الشأن العام الاجتماعية والسياسية. هناك أطروحتين أساسيتين خلف تلك الحالة. الأولى أطروحة أن الأطفال ملك لوالديهم والأطروحة الثانية أن الوالدين أعلم بمصالح أولادهم من أي أحد آخر. الأطروحة الأولى: أن الأطفال ملك لوالديهم يتم التشريع لها كثيرا من منظورين أساسيين: منظور طبيعي ومنظور ديني. المنظور الطبيعي يقوم على فكرة أن الأطفال هم امتداد بيولوجي لوالديهم. في الأخير الطفل قد تشكل في بطن أمه بعد ممارسة جنسية شارك فيها الأب وهو بهذا جزء أساسي من جسدهما. هذا الإمتداد الطبيعي يجعل للأب والأم استحقاق الاشراف الكامل على هذا الطفل. الدعوى هنا معقولة ولكن لها نتائج مشكلة مثل هذه النتيجة: للوالدين استحقاق طبيعي بتربية أطفالهم وهذا الاستحقاق لا تستطيع أي جهة شخصية أو اعتبارية الحد منه أو تجاوزه. نلاحظ هنا أن مضمون هذه التربية متروك للوالدين. التأصيل الثاني لأطروحة أن الأطفال ملك لوالديهم تأصيل ديني. إسلاميا يتم الاستشهاد كثيرا بحديث "أنت ومالك لأبيك" كأساس لهذا المعنى. هذه الملكية تنتج ما هو متعارف عليه في الفقه الاسلامي أن الوالد لا يقتل بولده الواردة في حديث "لا يقتل والد بولده". الأطروحة الثانية أي أن الوالدين أعلم من غيرهم بمصالح أطفالهم هي أطروحة نفعية. بمعنى أنها تقول أن من الخير والنفع للأطفال أن نعطي والديهم استحقاق تربيتهم بالكامل لأنه لا يوجد من هو أحب لهم وأكثر حرصا على مصالحهم. نجد لهذه الأطروحة صدى في حديث الناس حين نرى سلوكا عنيفا مستنكرا لأب ضد ابنه ثم يأتي التبرير: هو أعرف بمصلحة ابنه. تاريخيا نعرف أن هذه الدعوى ليست دائما صحيحة. نعرف كثيرا أن الأهالي قد ربّوا أولادهم على أفكار ضارة وضد مصالحم بشكل واضح. كذلك نعرف أيضا قديما وحديثا أن الوالدين لأسباب نفسية أو جسدية قد يعجزون عن تحديد النافع من الضار لأولادهم بل وقد يصبح مجرد وجود الأطفال معهم خطرا واضحا ومباشرا. غالب الدعاوى السابقة لا تخلوا من حقيقة. الأولاد هم فعلا امتداد بشكل وبآخر لوالديهم والعلاقة التي تجمع الطرفين هي من أهم العلاقات وأكثرها تأثيرا في حياة الإنسان. العلاقة العاطفية بين الوالدين وأولادهم لا شبيه لها وتعتبر الدافع الرئيس لعدد هائل من أعمال الرعاية والعطف والحب التي يقوم بها البشر في كل لحظة تجاه صغارهم. لكن ما يود هذا المقال استثارته هو عن أثر تلك الدعاوى على حياة وحقوق الأطفال. الأطفال وإن كانوا امتدادا لأهاليهم إلا أنهم يستقلون بذواتهم وتصبح لهم حياتهم الخاصة المستقلة. الطفل لم يختار والديه وبالتالي فإنه من الصعب جعل علاقته معهم جبرية. إذا لم تكن العلاقة لخير الطرفين فإنه من الصعب الدفاع عنها. الحديث عن طرفين في العلاقة بدلا من الحديث عن طرف واحد له امتداد هو لب الحديث عن حقوق الأطفال. بمعنى أن الأطفال ينظر لهم هنا على أنهم كائنات مستقلة لها استحقاقاتها الخاصة. العلاقة الأسرية بالتأكيد هي أولى وأفضل إطار للعلاقات التي يفترض أن تتحقق داخلها حقوق الأطفال ولكن هناك حدود على تلك العلاقات بحيث لا تؤدي إلى إلحاق أضرار بحياة الطفل يبقى عائقا في طريق حياته طول العمر. بقدر ما للأسرة استحقاق في تولي مسئولية العناية بأطفالها بقدر ما عليها مسئولية وواجبات أخلاقية وحقوقية في أن تكون هذه العناية تصب في صالح الطفل وتهيء لها فرص الحياة الكريمة. لعل هذه الجدلية بين الحق والواجب أن تكون موضوع حديثنا المقبل. كثيرا مؤسسات الشأن العام الاجتماعية والسياسية. هم. وما عن حقوق الأطافل. ال
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 14, 2014 14:37
October 7, 2014
في حقوق الأطفال
في حقوق الأطفالعبدالله المطيري الأطفال حالة خاصة في المجتمع. فهم من جهة ينتمون لفئة المعتمدين اعتمادا كليا على الآخرين. الأطفال الرضّع مثلا يموتون إذا لم يجدوا عناية من آخرين. مع تقدم العمر والخبرة يبدأ الطفل بالاستقلال ولكن الانسان من أبطأ الكائنات الحية تحقيقا لهذا الاستقلال. يبقى الأطفال لسنين طويلة معتمدين بشكل رئيسي على آخرين للقيام بشئون حياتهم الأساسية. من جهة أخرى الأطفال كائنات في طريقها للاستقلال ففي نهاية المطاف الطفل الصحيح صحيا غالبا ما يستقل بذاته ويبدأ بالاعتماد على نفسه في شئون حياته ويصبح قادرا على اتخاذ قراراته وتحمل مسئولية تلك القرارات. إذن الأطفال من جهة عالة على غيرهم وعاجزين عن القيام بشئونهم الخاصة ومن جهة الأخرى هم في الطريق للاستقلال والمسئولية. هذا ما يجعل من الأطفال حالة مختلفة عن العاجزين لأسباب صحية باعتبار وإن كان الرضيع عمليا عاجز تماما عن القيا صحية. الخاصة ومن جهة الأخرى هم في الطريق للاستقلال والمسئولية. اد على نفسه في م بشئونه الخاصة كالمعاق ذهنيا إلا أن الطفل يحمل إمكان تجاوز هذه الحالة. هذه الإمكانية تعني اختلاف ضروري في طريقة التعامل مع الأطفال. الأطفال في الأخير حالة ثالثة تقع بين القادرين على تدبير شئونهم الخاصة وبالتالي تحمل مسئولية ذواتهم وبين الفئة العاجزة لأسباب قاهرة عن القيام بتلك المهمة. هذا التفريق له معنى أساسي عند النظر لحقوق الأطفال. من جهة المستقلين بذواتهم تكون حقوقهم لهم بالأصالة بمعنى أنهم يتولون القيام بشئون حقوقهم بأنفسهم. الإنسان البالغ مثلا له الحق في السفر من مدينة إلى مدينة أخرى في الأحوال الطبيعية. قرار السفر هنا يتخذه الإنسان بنفسه والقانون يتعامل معه على أنه استحقاق لا مبرر للاعتراض عليه من ناحية المبدأ. في المقابل البشر العاجزون لأسباب قاهرة يستحقوق حقوقهم بالنيابة. بمعنى أن حقوقهم تتم من خلال إشراف رعاة ووكلاء عليهم. الإنسان المعاق ذهنيا لدرجة حادة جدا مثلا لا يملك حق السفر السابق ويبقى الاستحقاق في يد المسئول عنه. هذه الحالة تجعل من التعامل مع موضوع حقوق الأطفال حالة لها طبيعتها الخاصة. باختصار يصبح السؤال هو: كيف تتعامل مع حقوق الأطفال آخذا بعين الاعتبار هاتين الحقيقتين: أنهم غير قادرين على تحمل مسئولياتهم وأنهم في طريقهم لتحمل مسئولياتهم. في التربية هذه العملية تستوجب معاملة دقيقة تنطلق من الاكتفاء بالحدود الدنيا من السيطرة والتحكّم وفتح المجال للقدرة التي تنمو يوما بعد يوم لتجعل الاستقلال ممكنا وواقعا. حديثنا اليوم عن الحقوق وليس عن التربية ولذا سأستعرض نظريتين لتأسيس معنى الحقوق وأثرها على فهم حقوق الأطفال. النظرية الأولى هي نظرية الإرادة والاختيار والثانية هي نظرية الرعاية والمنفعة. هذه النظريات تحاول أن تجيب على هذا السؤال: ماذا يعني أن يمتلك إنسانا ما حقا؟ نظرية الإرادة والاختيار تنظر للحق على أنه ممارسة محمية للإرادة والاختيار. الحق هنا يجعل من صاحبه كائن ذو سيادة على مجموعة من الاستحقاقات. بهذا المعنى أن تكون صاحب حق يعني أن تمتلك القوة بأن تحمّل إنسانا آخرا أو مؤسسة ما أو تعفيهم من واجب معين. بمعنى أنه لو كان للإنسان حق التعليم فهذا يعني بناء على هذه النظرية أنه له الحق أن يمارس الاختيار بأن يجعل المدرسة أمام واجب تدريسه من عدمه. في المقابل نظرية الرعاية تنظر لامتلاك الحق على أنه يعني أن يمتلك الفرد فائدة ومنفعة معينة تجعل لديه القدرة على أن يجعل من تحقيق تلك الفائدة واجبا تقع مسئولية تحقيقة على جهة أخرى. مثال التعليم السابق سيكون كالتالي: معنى أن يمتلك الفرد حق للتعليم يعني أن لديه استحقاق منفعة التعليم مما يجعل من الجهة المسئولة عن تقديم التعليم أمام واجب تحقيقها. الفرق الناتج عن هذين التصورين له أثر على حقوق الأطفال. بحسب النظرية الأولى وباعتبار أن الأطفال خصوصا في أيامهم الأولى لا يملكون القدرة على اتخاذ قرارات أو ممارسة إرادة حرة فإنهم خارج دائرة الحقوق على الأقل من الدرجة الأولى. طبعا دعاة هذه النظرية لا يقولون بأن الأطفال ليس لهم حقوق ولكنها تقول أن حقوقهم تصبح امتدادا لحقوق والديهم وليست حقوقا مستقلة. في المقابل النظرية الثانية، نظرية النفع، ترى أن الأطفال مستحقين بشكل مباشر لحقوقهم باعتبار أننا نعلم أن لهم منافع أساسية تفرض على جهاة أخرى واجب تحقيقها. من مميزات نظرية الإرادة أنها فعلا تشير إلى العلاقة القوية بين الحقوق والإرادة والاختيار ففي الأخير الأفراد هم من يدفعون بحقوقهم لكي تتحول إلى واجبات على آخرين لكنها في ذات الوقت تفشل في تفسير أن هناك حقوق لا يمكن التنازل عنها. على سبيل المثال حق الحرية لا يملك الفرد التنازل عنه. لا يملك أحد الحق في تحويل ذاته إلى عبد لإنسان آخر بمعنى أنه لو فعل ذلك فإن فعله لا يعني أن واجبا ما قد وقع على عاتق جهة أخرى لتنفيذه. نظرية النفع أيضا تتميز بأنها تثبّت الحقوق بغض النظر عن قدرة أصحابها على اتخاذ القرارات حيالها مما يجعلنا مع حقوق تشمل الجميع ولكنها في ذات الوقت تواجه صعوبات في تفسير أننا أحيانا نعتقد أن لنا نفع في أمر معين بدون أن يكون لنا استحقاق له. مثال للزوج نفع كبير في أن تحصل زوجته على استحقاقاتها المالية من جهة عملها ولكن هذا لا يعني أن له الحق شخصيا في تلك الاستحقاقات. في المقالات القادمة سأحاول التفكير في حقوق الأطفال بناء على تلك النظريات وأثر ذلك على معنى ودلالات حقوق الأطفال وعلاقة ذلك بالمؤسسات والأفراد الآخرين.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 07, 2014 17:29
September 30, 2014
الهندسة الاجتماعية وبرنامج "وينك"
الهندسة الاجتماعية وبرنامج وينكعبدالله المطيري يقدم الاعلامي المتميز على قناة روتانا خليجية محمد الخميسي برنامجا استثنائيا بعنوان "وينك؟". البرنامج مخصص للقاء الشخصيات العامة (رياضية، فنية، إعلامية..) التي كانت حاضرة في المشاهد العام بقوّة ثم اختفت وغابت عن الأنظار. يبدأ محمد لقاءه دائما بسؤال وينك ليفتح بذلك ذاكرة وعواطف الضيفة أو الضيف على قضية جوهرية تهمني هنا في هذا المقال. القضية هنا داخلة ضمن مفهوم الهندسة الاجتماعية التي تسمح بالتواصل بين الأجيال المختلفة في المجتمع الواحد. غالب ضيوف الخميسي عبّروا عن أمرين أساسيين: أولا رغبتهم في الاستمرار بالعمل في مجالاتهم التي قضوا أعمارهم فيها. ثانيا: أن المجال غير مفتوح لهم للاستمرار. من المهم هنا أن نوضح أن النقطة الأولى "الاستمرار بالعمل في المجال" لا تعني القيام بذات العمل الذي قضوا أعمارهم فيه تحديدا بل بمعمل آخر داخل ذات المجال. بمعنى أن اللاعب المعتزل يريد أن يعمل في الرياضة كمدرب أو مشرف رياضي أو أي عمل داخل الساحة الرياضية. الفنان قد يريد استثمار خبرته الفنية في مجالات كثيرة ليست بالضرورة محصورة في التمثيل. ذات الحديث ينطبق على الموسيقي والإعلامي. الصورة السابقة تشير إلى مشكلة اجتماعية أو إلى مشكلة في الهندسة الاجتماعية وهي أن جيل من المبدعين والمنتجين رغم استمرار رغبته في العطاء والانتاج لا يجد فرصته داخل المجتمع الذي يعيش فيه. نحن هنا أمام مشكلة لأن المجتمع الطبيعي والصحي هو من يوفّر قنوات مستمرة ينقل من خلالها الجيل السابق خبراته في الحياة للجيل اللاحق. إذا انقطعت هذه القنوات فإن المجتمع سيعاني بشكل واضح من ما يمكن تسميته بالانقطاع التاريخي. أي عدم وجود تاريخ مشترك يربط المجالات الرياضية والفنية والإبداعية بحلقة وصل واعية تجعل من التراكم والتطوير والتجديد ممكنا وطبيعيا. هذا الانقطاع له آثاره السلبية على مستوى الأفراد وصحتهم الابداعية وانتماؤهم للجماعة وكذلك على مستوى الجماعة من خلال ضعف الذاكرة المشتركة. لا بد هنا من الإشارة إلى أهمية الشخصيات التي نتحدث عنها هنا وقيمة الخبرات التي تتوافر لديهم: في المجال الرياضي نحن نتحدث عن لاعبين شاركوا في كأس العالم وحصلوا على بطولات أسيوية ومحلية كبيرة جدا. نتحدث عن شخصيات مثل سعيد العويران وأحمد الدوخي وسعود السمّار وصالح السلومي وسالم مروان وفهد المهلل وآخرين. الخبرات الرياضية التي تتوافر عند هؤلاء اللاعبين كبيرة جدا ومن الخسارة الكبرى للمجال الرياضي أن لا يتم نقلها للآخرين. المقارنة بمجتمعات أخرى مفيد هنا. في المجتمع الأمريكي مثلا لاعب بربع تجربة اللاعبين السابقين تجده يعمل بشكل نشط على المستوى المحلي للحي الذي يعيش فيه حتى يصبح عاجز عن العطاء. بمعنى أن هذا اللاعب بعد اعتزاله اللعب يتوجه لخدمة المجتمع والحي الذي يعيش فيه من خلال الاشراف على المركز الرياضي بالحي وتدريب الأجيال الرياضية الجديدة. آخرون يمارسون ذات الدور على مستوى الولاية وهكذا. الشاهد هنا أن خبرة هذا اللاعب لا تضيع وتجد لها طريقا منظّمة للانتقال للاجيال الجديدة. ذات المنطق أعلاه ينطبق على المجال الفني والاعلامي. لدينا ممثلين وموسيقيين وإعلاميين كبار تحدثوا في برنامج وينك مثل غالب كامل، محمد رمضان، سعد خضر، ابتسام لطفي، علي الهويريني، مزعل فرحان وآخرين عبّروا عن تلك الفجوة والانقطاع التي تحجب انتقال خبراتهم وتجاربهم للأجيال القادمة. تخيلوا لو كانت الأحياء والمدن تتوافر على تنظيمات اجتماعية يتواصل من خلالها الجيل القديم بالجيل الجديد. ماذا لو كانت في الأحياء ترتيبات بسيطة ولكنها فاعلة تعطي الإعلاميات والإعلاميين القدماء فرصة لإقامة الدورات والبرامج التدريبية للصغيرات والصغار المغرمين بالأعمال الاعلامية. ماذا لو وجد الشباب والشابات المهتمين بالفن الشعبي فرصة للقاء الفنانين الشعبيين في مجال عام مفتوح ومنظّم للتعاطي مع خبراتهم وتجاربهم. ذات الكلام يمكن أن ينطبق على دورات في التمثيل والتقليد والأعمال المسرحية. فكرة الدورات التدريبية والتنظيمات الاجتماعية على مستوى الأحياء المعروضة أعلاه ليست سوى مثال على فكرة أساسية وهي هندسة اجتماعية (تنظيم للمؤسسات الاجتماعية) يكفل إمكانية نقل الخبرات داخل المجتمع. هناك طرق ووسائل لا منتهية أخرى يمكن أن تتم داخلها ذات العملية. الهدف هنا هو فتح قنوات للتواصل بدلا من الانقطاع الحالي. أغلب المتحدثين في برنامج وينك لمحمد الخميسي عبروا عن مطالباتهم للمسئولين للالتفات لمجالاتهم. هذه المطالبة تشير إلى لب المشكلة وهي أن الهندسة الاجتماعية مركزية ومرتبطة بقرارات فردية لمسئولين محددين. هذه المركزية تجعل المجالات محدودة وضيقة جدا. المراكز الرياضية العامة محدودة جدا وإذا توافرت تجدها في المدن الكبرى وبعدد لا يتوازى مع عدد السكان. الأعمال الفنية وبسبب الحرب على الفنون بقيادة التيارات الدينية المتطرفة لا تجد لها أي مجال عام ومفتوح يمكن أن يتواصل فيه أهل الخبرة وأهل الاهتمام. في هذه الهندسة المعطوبة تبقى المجالات كلها محصورة في جهات معينة حكومية (محدودة ومركزية) وخاصة (مشغولة بالربح الخاص لا بالنفع الاجتماعي). هذه القنوات لا تستطيع أن توفر حق المجتمع الطبيعي بالتواصل. مجتمع من ملايين البشر يحتاج تنظيمات متعددة المستويات ويديرها الناس بأنفسهم وسط ضوابط متعارف عليها. في الختام، برنامج وينك للخميسي يفتح لنا نافذة مهمة للتأمل في مدى صلاحية الهندسة الاجتماعية الموجودة حاليا في المجتمع ومدى قدرتها على تحقيق أحد أهم أهدافها وهو تحقيق التواصل العمومي بين أجيال المجتمع المختلفة. غالب الأصوات التي تحدثت عبرت عن انقطاع هذا التواصل. هذا الانقطاع مؤلم للأجيال ذات الخبرة وضار للأجيال المهتمة المقبلة ويعبر عن خسارة كبيرة للمجتمع بشكل كامل. جزء أساسي من ترابط المجتمع وشعوره بالانتماء هو أن يجد أفراده وسائل طبيعية للتواصل ونقل الخبرات من جيل إلى جيل. ل الناس بأنفسهم وسط ضوابط يه أهل الخبرة وأهل الاهتمام. ندسة اجتماعية (تنظيمhttp://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on September 30, 2014 17:26
September 24, 2014
التواصل كعمل يمكن إنجازه
التواصل كعمل يمكن إنجازهعبدالله المطيري المحرك الأساسي خلف هذا المقال والمقالات السابقة هو هذا السؤال: هل التواصل بين الناس محكوم بقرارات يتخذونها بإرادتهم أم أنه خاضع لطبيعة بيولوجية ليس لهم فيها دور حاسم؟ بمعنى آخر هل علاقاتي مع الناس أمر يمكن تعديله وتطويره أم أنني محكوم بطبيعة شخصية عميقة من غير المجدي محاولة تعديلها. السؤال السابق يحيل إلى قضية كبيرة جدا متعلقة بحرية الإرادة وحتمية الكون لا نريد التطرق لها هنا. الاستراتيجية التي اتبعناها هنا هي أن نبقى لا أدريين حيال السؤال السابق ونعمل على الرهان التالي: طبيعة الثقافة التي نعيش فيها والشروط الاجتماعية التي نتحرك داخلها قد توجه طبيعة تواصلنا بغض النظر عن أصولها البيولوجية وبالتالي فإن التوجه لتلك الثقافة والشروط الاجتماعية له الأولوية لكي نتعرف على طبيعتنا البيولوجية إذا كانت أصلا موجودة. بمعنى آخر لنفترض أن طبيعتك البيولوجية تؤهلك للتواصل الجيد مع الناس ولكنك تعيش في بيئة ثقافية تحجب التواصل. هذه البيئة ستحد كثيرا من قدرتك على التواصل وبالتالي فإنه من الضروري تصحيحها أولا. الاحتمال الثاني أن طبيعتك البيولوجية تعطيك فرصة محدودة من التواصل ولكنك تعيش في بيئة تجعل التواصل أصعب. تحسين هذه البيئة سيرفع من فرصك للتواصل حتى ولو كانت في أصلها محدودة. إذا كان الكلام السابق صحيح فإنه بغض النظر عن طبيعتنا البيولوجية وعلاقتها بقدرتنا على التواصل فإن تحسين شروط التواصل داخل ظروفه الاجتماعية عملية مفيدة للجميع. ذكرنا أن الانفتاح والتسامح تعتبر شروط ضرورية للتواصل. بمعنى آخر أن التربية القائمة على الانفتاح والتسامح تتيح لأفرادها متسعا أكبر من فرص التواصل وبالتالي فرصة أكبر لتعميق وجودهم البشري. هذه النقطة الأخيرة مهمة جدا لأن التواصل هنا ليس مجرد علاقة استعمالية نصل من خلالها لأهدافنا من خلال الآخرين بقدر ما هو شكل من أشكال الوجود (مع) الآخرين. بمعنى أن التواصل هنا هو إدراك للطبيعة العلاقاتية للوجود الانساني. الانسان كائن يوجد من خلال العلاقات مع الآخرين وهذه العلاقات قد تكون محدودة وضيقة وتجعل وجوده ذاته ضيق ومحدود وقد تكون علاقات واسعة وعميقة تملأ وجوده بالمعاني وتكافح شعوره بالغربة والوحدة. من تجاربنا مع وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة ومع الكم الهائل من الناس الذين هم في متناولنا أصبحنا نعرف أن هذا الشرط بحد ذاته لا يكفي. لا يكفي أن تكون بين الناس لتتواصل معهم. التواصل هنا قرار إضافي ومستوى مختلف من الوجود. بمعنى أن التواصل مع الناس يعني قرارا جوهريا بالنظر إليهم بشكل مختلف. أو الانتقال بالعلاقة معهم من أفق إلى أفق آخر. من أفق العيش بينهم إلى العيش معهم. نلاحظ هنا أن العلاقات التي تملأ علينا الوجود هي من نوع العلاقات الثانية "العيش مع". العلاقة مع الأم هي نوع أصيل لما أتحدث عنه هنا. الأم بالنسبة لنا ليست إنسانا نصل من خلاله لما نريد بل هي إنسانة يتجاوز معناها كل ما نريد، كل رغباتنا وكل أهدافنا. هي كائن نريد أن نعيش معه، نراه، نتحدث إليه ويتحدث لنا، وجودنا مع أمهاتنا يجعل وجودنا ذاته مختلفا. الحب والصداقة هي كذلك أمثلة على هذا النوع من الوجود. علاقاتنا مع أطفالنا مثال آخر. نلاحظ هنا أن كل تلك العلاقات يمكن أن يتم تخفيضها إلى العلاقة الاستعمالية ولكنها تفقد بذلك معناها. الصديق الذي يشعر أن صديقه يستعمله ولا يراه إلى في حدود العلاقة النفعية التي تجمعهما يبتعد عنه باستمرار وتفقد الصداقة معناها في الأخير. في حياة غالبنا تجارب محبطة مع الصداقة. في السنين الأولى في المدرسة ومع بداية الرحلة للبحث عن أصدقاء تبدأ تلك التجارب. يؤلما كثيرا ذلك الصديق الذي اكتشفنا أنه لا يصاحبنا إلا لمصلحة ما. نغضب منه ويسقط من عيوننا إلى مساحة في القاع أخلاقيا واجتماعيا. في تلك التجارب الطفولية إدراك عميق لمعنى أن تكون صديقا. إدراك عميق لمعنى أن تكون في علاقة مفتوحة مع إنسان آخر يشاركك فيها بشكل غير مشروط تجارب الحياة وكل المعاني التي تتولد منها. كنا نعرف ونحن صغار مدى احتياجنا لمثل تلك العلاقات. نعرف جيدا كيف تجعل حياتنا أجمل وأسعد وأكثر معنى وقيمة. لا أظن الأمور تختلف حين نكبر. قد نكون أقدر على التحايل على حاجاتنا تلك وعلى تعويضها بالمزيد من الانغماس في الوجود المزيف ولكن في العمق يبقى النداء لتلك العلاقات مستمرا حتى نموت. كثير من الآلام التي تفسد وجودنا وشعورنا بالوحدة وبالغضب والتوتر العميق راجعة برأيي إلى أمرين: فقدان تلك العلاقات الوجودية والانغماس في عمليه إنكار ذلك الفقدان. الاكتئآب والانغلاق على الذات والتعصب هي من أهم العوائق التي تحجب عنّا الآخرين. كانت المقالات السابقة محاولة لتفصيل كيف تعزل تلك المواقف الناس عن بعضهم. الظروف الاجتماعية التي نرتبط من خلالها بالآخرين تحتاج منّا إلى إعادة هندسة. إعادة هندسة هدفها فتح فرص أوسع تتيح لنا اللقاء مع الآخرين. كثير من الثقافات تحجب الأفراد عن بعضهم من خلال وضع الذات والآخرين في قوالب حادة تشكل قيود تحجب الناس عن بعضهم. هذه القوالب لها المستفيدين منها ولها دعاتها ولها أطناب عميقة في التاريخ ولذا فإنه لا يمكن تفكيكها إلا بوعي عميق أولا بطبيعة تركيبها وثانيا بقيمة الوجود الذي تحجبه عنّا. المقالات السابقة المختومة بهذا المقال سعت إلى التفكير في هاتين القضيتين بالتحديد أملا في فتح حوار أوسع حولهما.
http://www.alwatan.com.sa/Default.asp...
http://www.alwatan.com.sa/Default.asp...
Published on September 24, 2014 05:14
September 16, 2014
في التواصل والتسامح
في التواصل والتسامحعبدالله المطيري التفكير في هذه المقالات متوجّه لما يمكن أن نفعله لنرفع مستوى التواصل في علاقاتنا مع الآخرين. هذا يعني أن يرتفع مستوى احتمال حصولنا على أصدقاء وأحبة. ربط التواصل بالصداقة والمحبة ناتج عن التفريق الأساسي الذي انطلقنا منه وهو أن الإنسان يرتبط مع من حولة بنوعين من العلاقات: العلاقة الأولى هي العلاقة الاستعمالية بحيث يكون الآخر سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا وسيلة نصل من خلالها لأهدافنا. العلاقة الثانية هي العلاقة الحوارية والتي يظهر لنا الآخر لا كوسيلة بل كغاية في ذاته. الصداقة والمحبة تنتمي للنوع الثاني ولذا فإن التواصل هو الطريق لها. الصداقة والمحبة بلا حوار علاقة استحواذ وتملّك أو استعمال. يقول مارتن بوبر صاحب التفريق السابق "الحب بلا حوار علاقة شرّيرة". إذا كانت المقدمة السابقة صحيحة فإن التواصل هنا يصبح ضرورة من ضرورات الحياة السعيدة ومن الطبيعي أن تكون هدفا يسعى الإنسان لتحقيقة باعتبار أن الإنسان كائن يسعى لتحقيق سعادته. وصلت المقالات السابقة إلى أن تحقيق التواصل مشروط على الأقل بشرطين أساسيين: الانفتاح والتسامح. تحدثنا في المقالين السابقين عن الانفتاح والآن حان الحديث عن التسامح. التسامح باختصار يعني أن لا يؤدي الاختلاف إلى قطع التواصل. الإنسان غير المتسامح هو من يعني الاختلاف عنده القطيعة وبقدر ارتفاع حساسيته من الاختلاف تتناقص معدلات تواصله مع الآخرين. نلاحظ هنا أن التواصل المقصود هنا ليس مجرد العلاقة الاستعمالية فغير المتسامح لا يمانع من استعمال الآخرين. المقصود هنا هو العلاقة الحوارية. بمعنى أن غير المتسامح يجد صعوبة في الحوار مع الآخرين. الحوار هنا يعني احترام الآخرين رغم اختلافنا معهم. بمعنى أننا نعتقد أن بيننا وبينهم ما هو أعمق وأعم من التوافق الفكري. بيننا علاقة إنسانية متأسسة على وجود كل منا مع الآخر. التسامح هنا يعني أن نقبل أن نعيش في مكان واحد بطرق مختلفة أو أن تعكس طرق حياتنا الاختلاف والتنوع الموجود أصلا في الطبيعة من حولنا وفي تركيباتنا النفسية والذهنية. هذا لا يعني بالضرورة أن التسامح موقف طبيعي أو بديهي بقدر ما يعني أنه وعي وإدراك لشروط الاجتماع من الآخرين. التسامح ليس بديهيا لأننا ورثنا ثقافات غير متسامحة. ثقافات قامت ولا تزال على معادلة القوّة. الأقوى يملك السلطة وفي أحسن الأحوال يعد الأضعف بالعدل. بمعنى أنه يشترط أولا أن يكون هو في مستوى أعلى من الآخرين ثم يمنّ عليهم بعدالة تبقى غالبا في حدود الوعود ولا تترجم إلى واقع. يشير البعض إلى فترات تاريخية اجتمع فيها المختلفون كفترات تسامح. مجرد اجتماع المختلفين لا يكفي. السؤال الحاد والذي يكشف مستوى التساح هو عن المعادلة التي جمعت أولئك المختلفين. هل كانت جماعة منهم تمثل الغالبية تحظى بالمواطنة من الدرجة الأولى وتمت إزاحة الأقليات إلى مواطنة من الدرجة الثانية والثالثة؟ إذا كان الجواب بنعم فإن العلاقة هنا ليست علاقة تواصل بل علاقة استعمال وبالتالي ليست علاقة تسامح. هل يمكن وجود تسامح بدون تواصل؟ نعم. التسامح هنا شرط للتواصل ولكنه لا يضمن تحقيقه. بمعنى أنه شرط ضروري ولكنه ليس كافي. الأوكسجين مثلا شرط للحريق ولكن وجوده الأوكسجين بحد ذاته لا يكفي لحدوث الحريق. التسامح بهذا المعنى يعني التسامح السياسي ولا يصل للتسامح الفكري والنفسي. التسامح السياسي يعني أن أقبل بوجود المختلفين معي في ذات الجماعة السياسية "الشعب" بحقوق متساوية ولكني في ذات الوقت أحتفظ بأحكامي الحادة والقاطعة تجاه أولئك المختلفين. هذا غالبا ما يكون تسامحا باسم الضرورة. بمعنى أن البلد قد تتوافر فيها موازنة متعادلة للقوى تجعل من الأطراف يحجمون عن التفكير في القضاء على بعضهم لأن الكلفة ستكون مدمّرة للجميع. هذه الموازنة تجعل من هؤلاء الأطراف يتوافقون على العيش المشترك بدون الدخول في علاقة تواصل حقيقية. بمعنى أن كل طرف يعتقد أن احترام اختلاف الآخر وسيلة لاستقرار الجماعة السياسية الضرورية. التسامح الفكري والنفسي في المقابل هو الذي يدفع باتجاه التواصل الإنساني لأنه باختصار هو من يجعل من الاختلاف أمر لا يبرر القطيعة. القطيعة بين الناس غالبا ما تتأسس على ربط الاختلاف بمعاني منفّرة. بمعنى أن تتولد مقولات تربوية وثقافية تضع المختلف في قالب لا يمكن تحمّله. مثلا الثقافات غير المتسامحة تجعل من يختلف معها في طريقة عيشها قذر على المستوى المادي وقذر على المستوى الأخلاقي. بمعنى أن المختلف هنا هو حالة ممسوخة عن الفطرة السليمة. كانت هذه الفكرة ولا تزال ضرورية لتجهيز أفراد الثقافة لقتل الآخرين متى ما طلبت الضرورة. الفكرة هنا أن الإنسان يصعب عليه قتل الإنسان ولذا فإن الثقافات غير المتسامحة ترسم صور لا إنسانية للمختلفين. صور أقرب للحيوانات والشياطين. هذه الصورة تجعل من القضاء على المخالف عملية أسهل ويمكن التحفيز لها. في المقابل الثقافات المتسامحة تجعل من الاختلاف علامة على الجذب والتنوع والجمال. المختلف هنا فرصة للجديد والمختلف الجاذب للدهشة والفضول وربما القبول والتبني. المختلف هنا يمتلك استحقاق جمالي فهو لم يعد واقعا فقط بل واقعا جماليا. من المهم هنا التذكير أن التسامح بمعناه السياسي والفكري والنفسي متأسس على الاختلاف بمعنى أنه لا يؤثر على التنوع والتميّز بقدر ما يتأسس عليها. الخطر الذي يمثله التسامح يتوجه للثقافات المتعصّبة التي تشكّل هويات حادة مصطنعة. تلك الهويات لا تقبل بالتسامح لأنه سيقضي عليها لذا فإن وجودها مرتبط بحالة شحن مستمرة ضد المخالفين والدفع بهم باتجاه صورة شيطانية تقطع أي إمكان للتواصل معهم. هذه الهويات الحادة بالضرورة غير متسامحة وبالضرورة غير تواصلية. ربما هنا نصل للسؤال التأملي الذاتي وهو: ماهي مشكلتنا مع من نختلف معم؟ ولماذا يؤدي الاختلاف معهم لمقاطعتهم؟
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on September 16, 2014 17:45
September 9, 2014
الانفتاح والثقافات المغلقة
الانفتاح والثقافات المغلقةعبدالله المطيري انتهى المقال الماضي إلى الحديث عن معوقات الانفتاح. الانفتاح هنا منظور إليه كشرط من شروط الدخول في علاقات تواصلية. كل هذا الحديث مبني على أمل أن التواصل اختيار وإرادة وليس فقط كيمياء لها علاقات بتركيبة نفسية أعمق من قدرتنا على التغيير. لدينا هنا رهان ربما يستحق المغامرة. لنفترض أن التواصل كيمياء ولكن لنفترض كذلك أن لدينا كيمياء تساعدنا على التواصل. الفكرة هنا أنه حتى لو كانت تركيبتنا الذهنية والنفسية قابلة للانفتاح فإن الظروف التي نعيش فيها قد تعيق تلك القابلية. إذن فلنعمل على توفير تلك الظروف والإمكانات ونرى بعد ذلك كيف تتم الأمور. قلنا أن للانفتاح على الآخرين عدوين أساسيين الأول هو الانغلاق على الذات والثاني هو العيش في عداوة مع آخرين لا نعرفهم. الانغلاق للذات قلنا أن له على الأقل سببين. الأول الأنانية والثاني الإكتئآب. اليوم يفترض أن يكون الحديث عن العدو الثاني للانفتاح: العيش في عداوة مع آخرين لا نعرفهم. هذه مشكلة ثقافية واجتماعية تعود برأيي إلى تركيبة الهويات في المجتمع وعلاقة كل هوية بالأخرى. ما أعنيه هنا هو دخول الفرد ضمن جماعات معينة ينتمي لها: سياسية، دينية، عرقية، أيديولوجية، طائفية، مناطقية ويترتب على هذه الانتماءات مواقف خصومة مع آخرين لا يعرفهم الفرد شخصيا. هذه المعادلة صعبة وتقلّص كثيرا من فرص الفرد في التعرف على الآخرين والتواصل معهم. هناك حواجز ثقافية تتحول مع الوقت إلى حواجز نفسية تجعل من الفرد عمليا غير قادر على الانفتاح النفسي الجميل على الآخرين. يمكن ملاحظة المشهد التالي للتعرف على تأثير هذه المواقف: فرد ينتقل من بيئته التي أسست في داخله إنتماءات صلبة لجماعات معينة ومواقفة معادية لجماعات أخرى. هذا الفرد يزور الآن مكان عام في مدينة كبيرة تختلط فيها الجنسيات والأديان والأجناس والأعراق والمذاهب. في المساحة التي تحيط بهذا الفرد عدد كبير من الأشخاص الذين يختلفون معه في أشياء كثيرة. يهمني هنا أن أتصور ولو تقريبيا موقف هذا الفرد الداخي. قد لا يتحدث ولا يتواصل مع اللآخرين ولكن تهمني اللغة التي تتحدث في رأسه وهو في هذا المشهد. ماذا ستكون رؤيته للإنسان الأسود الذي أمامه وهو الذي تربى على احتقار السود؟ ماذا سيقول بينه وبين نفسه وهو يرى يرى ذلك الشخص الذي يحمل شعار دين تربى على عداوته؟ ماذا سيقول في داخله وهو تلك الفتاة تتصرف بسلوك معين تربى هو على أن يصدر أحكامه السلبية بناء عليه؟ الحالة الحادة في هذا المشهد قد تؤدي بالفرد للانضمام لجماعات مسلحة تعمل على القضاء على من يخالفونها. جماعات تحلم بعالم لا يوجد فيه إلا من يشبهها. هذه حالة حادة تستقطب اليوم أعداد متزايدة. لكن هناك حالات أقل حدة من هذا بكثير وقد يكون أفرادها لا يرغبون حقيقة في العيش ضمن عداوات بهذا الشكل ولكنهم قد تربوا وتعمّقت في داخلهم مواقف نفسية جعلت من تقبّل من يختلفون معهم أصعب مع الوقت. نلاحظ في المشهد السابق صفة مهمة وأساسية في هذا الفرد وهو أن تربى على الحكم على الآخرين ولو لم يكن يعرفهم. في داخل رأس كل فرد تربى في بيئة الهويات الحادة آلة حكم لا تتوقف. آلة لتصنيف الناس ووضعهم ضمن قوالب معدّة سلفا. عادة تكون القوالب الجميلة في هذا الرأس محدودة جدا تشبه القالب الذي يعيشه. الأحكام المسبقة هي بالتالي إحدى معوقات التواصل بين البشر. الحكم المسبق هنا يعني فكرة خطيرة وهي أنني لا أحتاج أن أتعرف عيك لأحكم عليك. الحكم الذي أصدره أنا عليك هو عملية ذاتية ليس بالضرورة أن يكون لك دور فيها. يكفي منك أن تكون ولدت في ظروف مختلفة عن الظروف التي ولدت أنا فيها. هذا هو التعريف المعاكس تماما للانفتاح. الانفتاح يعني أن أتعرف عليك من خلالك. أي أن أعطيك الفرصة على أن تقدم نفسك بنفسك. أن أسمعك بلغتك. أن أراك كما ترى نفسك. إذا أعطيتني ذات الحق فإننا قد اتفقنا على أننا كشراكة الطريق الوحيد للتواصل والتعارف. كل انفراد بالحكم يعني خيار للعزلة. عادة ما يتربى الأطفال في بيئات الهويات الحادة على الحكم على الآخرين. بمعنى أن يتحول كل فرد إلى قاضي ولكنه قاضي لا تشغله العدالة بل يشغله فرز الناس وتقسيمهم حسب المعادلة التي تربى عليها. مشكلة الحكم على من لا نعرف أو حتى مشكلة الانشغال بالحكم من الأساس هي أنها في الواقع آلية لإغلاق للمنافذ التي يمكن أن يصل لنا الآخرين منها ونصل لهم منها. لنتخيل في المقابل أن صاحبنا السابق قد تربى على أن يحترم جميع الناس وأن يعترف لهم بحق العيش كما يشائون ماداموا لم يمنعوا الآخرين من ممارسة ذات الحق. هذا الانسان غير متحمّس لإصدار الأحكام. هو يعلم أنه لا يمكلك تصورات دقيقة عن الآخرين ليحكم عليهم. لذا فهو مستعد لإعطائهم الفرصة للتواصل معه. الحدود التي تحجبه عنهم أقل بكثير من الحالة الأولى. ما أود أن أقوله هنا أن المشهد الثاني سعيد والمشهد الأول شقي. لا أظنه من صالح أحد أن يعيش حياته كما في المشهد الأول. أظنها ستكون حياة محدودة وضيقة ومليئة بالطاقة السلبية والآلام الداخلية. أعتقد أن الطفل الذي يتربى على شيء قريب من المشهد الثاني أن لديه فرصة أكبر للسعادة والانطلاق في الحياة والتعرف على الناس وإسعاد الآخرين وتقليل الشر في العالم. ولكن لنتذكر فصاحبنا في المشهد الأول ليس شريرا بالضرورة ولا يستحق القطيعة. هو، ككثير منا، عاش في ظروف حادّة وربما استطاع في يوم من الأيام الخروج عليها.ربى عليها. وتعمّقت في داخله
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on September 09, 2014 14:24
September 2, 2014
هل التواصل كيمياء أم إرادة؟
هل التواصل كيمياء أم إرادة؟عبدالله المطيري انتهى حديث المقالة السابقة إلى تفريق أساسي بين نوعين من العلاقات التي يوجد من خلالها البشر. العلاقة الأولى هل العلاقة الاستعمالية مع الأشياء والآخرين. بمعنى أنها العلاقة التي يكون جوهرها وهدفها أن نستعمل الطرف الآخر لغرض محددد. العلاقة مع المحاسب في المحل التجاري مثال على ذلك. العلاقة مع هذا الانسان تقوم على إنجاز مهمة محددة هي مهمة الدفع والحصول على الفاتورة. هذه العلاقة محدودة جدا بمعنى أنك لا تعرف حقيقة من هو الانسان الذي أمامك. كل ما تعرفه عنه محدود في عمله كمحاسب. كونه محاسبا ليس إلا جزء بسيط من حياة هذا الإنسان. العلاقة الثانية هي العلاقة التي يظهر فيها الآخر بشكل أوضح وأوسع. أي العلاقة التي تنقل لك أكبر قدر ممكن من الظهور للطرف الآخر. هذه العلاقة قد تتحقق كتطور للعلاقة الاستعمالية. بمعنى أن العلاقة السابقة مع المحاسب قد تتوسع بحيث تتجاوز علاقة الزبون بالمحاسب إلى علاقة إنسان بإنسان. هذه العلاقة أوسع من عملية البيع والشراء فهي علاقة مفتوحة من التعرّف والانفتاح والظهور المستمر لأطراف العلاقة. هذه العلاقة يمكن أن نسميها علاقة الحوار. لنتعرف عليها أكثر ربما علينا فقط التأمل في علاقتنا مع ذلك الانسان الذي نرتاح للجلوس معه والحديث معه. ذلك الانسان الذي لا نشعر بالتحفّظ معه ولا بالقلق من أحكامه علينا وردود فعله على ما نقول. ذلك الانسان الذي نثق فيه ونأمن جانبه ونعلم يقينا طهارة قلبه ومشاعره تجاهنا. سؤالي هنا هو هل النوع الثاني من العلاقات فقط نتيجة ذلك التوافق الذي لا نعرف سببه بالضبط ونعبّر عنه أحيانا بالتواق الكيميائي؟ أقصد هل هذا النوع هو فقط نتيجة لذلك التوافق العجيب الذي يحدث مصادفة مع آخرين نرتاح لهم من الوهلة الأولى أم أنه موقف يمكن أن أعمل على تحقيقه بإرادتي؟ هل يمكن أن أعمل بنفسي على الأقل على تجهيز ذاتي لتكون أكثر استعدادا واستقبالا لمثل تلك العلاقات؟ كان هذا السؤال محوريا في حواري الممتد مع أخي مساعد. شخصيا سيكون محبطا جدا أن تكون الأمور كلها مرتبطة بتوافق ليس للناس دور في تحقيقه. أي أن يكون الأمر مجرد توافق في التركيبة النفسية هو الذي يجمع الناس ويجعلهم قادرين على الصعود بمستوى علاقاتهم إلى المستوى الإنساني. الحل المبهج سيكون أن هذه العلاقات يمكن أن نحققها بذواتنا، أن نبحث عنها ونرعاها إذا حصلنا عليها ونتعاهد نموها. ولكن الأمور لا تتم بالتمني فقط. هنا سأقدم تصورا يمكن أن يجعل الأمنية السابقة واقعية وممكنة. النوع الثاني من العلاقات برأيي لا يتحقق إلا ضمن اشتراطات يمكن أن تتحقق بالتربية. الحوار برأيي لا يتحقق إلا داخل أجواء من المحبة. أي العاطفة الإيجابية تجاه الآخرين، تجاه الناس. الحوار هنا لا أعني به مجرد الحديث المتبادل بين أطراف بقدر ما أعني به شيء قريب من الصداقة. سبق أن تحدثت عن الحوار كضيافة. المضيف الحقيقي لابد أن يحب ضيوفه. إن لم يفعل فإن ضيافته ستكون ميكانيكة تفتقد المشاعر الحقيقية التي تصل للآخرين. حب الآخرين برأيي ينتج عن تركيبة معقدة من الانفتاح والتسامح. الانفتاح له خصمين عنيدين الأول هو الانغلاق على الذات أو الاكتفاء بالذات والثاني هو العيش أدوار العداوة مع آخرين لا نعرفهم. الانغلاق على الذات قد يتحقق بسبب الأنانية أو بحسب الإكتآب. الأنانية هنا تعني عجز الفرد عن رؤية الآخرين خارج علاقاته النفعية. أي أنه لا يجد معنى للعلاقات مع الآخرين إذا لم تكن تصب في مصالحه الخاصة. الأناني قادر على الأخذ وعاجز عن العطاء. الانفتاح في لبّه عطاء أو استعداد للعطاء كما للأخذ. ليس من الغريب إذن أن يبقى الأنانيون بلا أصدقاء. العلاقة مع الأناني تُشعر صاحبها بالاستغلال والخداع والظلم. عجز الأناني عن رؤية الآخرين خارج علاقاته الاستعمالية مشكل تربوي عميق ولكن يمكن الحد منه بالتربية كذلك. بمعنى أنه يمكن أن نربي أنفسنا كما أطفالنا على تجنّب الأنانية. التربية الإيجابية لمثل هذا الهدف يمكن تحقيقها من خلال تحفيز الأطفال على المشاركة والتعاون. أي الدخول مع الآخرين ليس فقط للأخذ بل للعطاء كذلك. هذا يحتاج أن يشعر الطفل بالأمان بمن حوله والثقة بعدالة الموقف. الأنانية قد تكون ردة فعل على عدم عدالة الواقع. بمعنى أن الأناني قد يؤمن بأن العالم مجرد غابة وأن هناك دوران لا ثالث لهما الآكل والمأكول. التربية على المشاركة يمكن أن تساعد الطفل على أن يسعد لسعادة الآخرين وهذه قيمة هائلة وعظيمة. القلوب السعيدة هي تلك التي تبتهج ليس فقط لما يتحقق لها بل لما يتحقق للآخرين كذلك. طفل بهذه القدرة سيكون أسعد كثيرا من الطفل الذي يبتهج بآلام الآخرين ولا يعرف طريقا للبهجة إلا طريقه الصغير جدا. بتربية الأطفال على المشاركة والتعاون فإننا نقوام فيهم نوازع الأنانية ونعطيهم فرصة أكبر للانفتاح والبالتالي الدخول في علاقات إنسانية مع الآخرين. السبب الثاني للانغلاق على الذات هو الإكتآب. الانفتاح على الآخرين مغامرة تحتاج إلى أمل. المكتئب لا يملك هذا الأمل. الانفتاح على الآخرين قد يكون مغامرة فاشلة ومؤذية ولذا فالمكتئب يستبعدها من خياراته. شخصيا أعتقد أن الإكتآب مرض عضوي ويحتاج تدخل طبي لكن تربية الأطفال على حب الحياة والانطلاق وتربيتهم بالأمثلة الحية على أننا نستطيع أن نجعل الحياة أجمل بابتسامة، بعمل فني، بطرفة، بتأمل، برسم مستقبل مشرق يمكن أن تدفعهم بالاتجاه المعاكس للإكتآب أو التشاؤم. كل الحديث السابق عن الأطفال صالح برأيي لنا ككبار. قد يكون أصعب ولكنه ليس مستحيلا. في المقالات القادمة نستكمل الحديث عن الانفتاح والتسامح وعوائقها. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on September 02, 2014 17:05
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

