عبد الله المطيري's Blog, page 11

June 18, 2014

أي أخلاق وأي نقد؟

أي أخلاق وأي نقد؟عبدالله المطيري    كان هدف المقال الماضي هو تقديم محاججة على دعوى أن الأخلاق ضرورية لأي عمل نقدي. بمعنى أن الالتزام بمنظومة ما (لم نحدد طبيعتها بعد) ضروري لإقامة العلاقة النقدية مع طرف آخر سواء كان هذا الطرف نص أو فكرة أو شخص. كانت الفكرة الأساسية خلف المحاججة هي تصوّر النقد كعلاقة تربط أطراف مختلفة من ناقد ومنقود وباقي أطراف المجتمع المعرفي. هذه العلاقة يمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة من بينها العلاقة النقدية التي تتطلب أن يرى كل طرف الطرف الآخر ويدرك وجوده لحدود الدرجة التي تسمح بإمكان إقامة علاقة النقد. الأخلاق هي ما يقوم بهذا الدور. أي أنها مجموعة الالتزامات التي تؤسس إمكانية رؤية الناقد لمنقوده بما يكفي لأن ينقده. هذا كان سؤال الإمكان أي سؤال "هل يمكن وجود نقد بلا أخلاق؟". جوابنا سلبي وربما اتفق معنا كثر وربما اعتبروا كل هذا من البديهيات. الآن جاء دور سؤال الوجود أي السؤال المشغول بطبيعة الأخلاق الضرورية لإقامة العلاقة النقدية. المقال قبل الماضي أيضا حمل قلقا مشروعا من شكل من أشكال العلاقة الممكنة بين الأخلاق والنقد. أي العلاقة التي تهيمن فيها منظومة أخلاقية معينة على الفعل النقدي وتحوله إلى مجرد محاكمات أخلاقية. بسبب هذا القلق اقترحت التفريق بين نوعين من أنواع العلاقات بين الأخلاق والنقد. العلاقة الأولى هي العلاقة المضمونية والتي تحدد فيها الأخلاق مضمون النقد. أي العلاقة التي تجعل من الناقد مجرد مطبّق لمرجعياته الأخلاقية على موضوعاته النقدية. العلاقة الثانية هي العلاقة الإجرائية وهي علاقة محدودة هدفها إقامة علاقة عادلة بين أطراف النقد. هذه العلاقة يفترض أولا، أن لا تمتد لتحتوي تحديدا مسبقا لمضمون النقد. هذه العلاقة تسعى ثانيا، لأن يبقى الناقد على أعلى مستوى ممكن من الحرية في عمله النقدي بدون ان تؤدي هذه الحرية إلى إخفاء منقوده أو إلى تحويله إلى شخصية لا تمت لصاحبها بصلة. ثالثا،  هذه العلاقة الإجرائية تسعى إلى عدم استخدام غطاء النقد لتحقيق أغراض غير نقدية كتشويه صورة المنقود أو إثارة العنف تجاهه أو السعي لحجب حقوقه الأساسية وأولها حقه في التعبير. أي أنها هذه العلاقة تسعى لحماية النقد من التحوّل إلى تصفية حسابات أو عنف على هوية القائل لا ما يقول.  رابعا، العلاقة الإجرائية تراهن على دعوى أنها مناسبة للنقاد بغض النظر عن مرجعياتهم الأخلاقية. بمعنى أنها لا تشترط من البداية الاتفاق على منظومة أخلاقية معينة بقدر ما تراهن على مبادئ إجرائية يقبل بها نقاد من خلفيات أخلاقية مختلفة. بمعنى أنها إجراءات تراهن على مناسبتها للمتدين وغير المتدين، للأخلاق المثالية وللإخلاق النفعية، للأخلاق الفردية والأخلاق الجماعية وغيرها من المرجعيات المختلفة.     السمة الأولى تعني أن هذه الالتزامات الأخلاقية لا تحدد للناقد ما يقول ولكنها تحدد له حد أدنى من الاعتبارات التي تجعل ما يقوله نقدا. يمكن توضيح هذه الفكرة بإظهار التشابه بينها وبين الحجاج المنطقي. في كل برهنة عقلية هناك صورة ومضمون أو إجراء ومحتوى. الإجراء هو عملية الانتقال من المقدمة إلى النتيجة إو من السبب إلى النتيجة. أي أنها القواعد التي تضبط عملية التفكير. في المقابل المحتوى هو المضمون الذي يُستخدم داخل هذه الإجراءات. من أشهر الصور أو الإجراءات في المنطق الإجراء الاستنباطي والإجراء الاستقرائي. الاستنباط يعني الانتقال من الكليات للجزئيات بينما يتحرك الاستقراء بالاتجاه المعاكس. هذه الإجراءات لا تحدد مضمون النتيجة التي يمكن أن يصل لها المفكّر ولكنها تحدد له التفكير المنطقي من غيره. الأخلاق الإجرائية تسعى لتحقيق هدف مشابه لهذه المهمة وهذا ما يؤدي إلى السمة الثانية وهي سمة الحرية.    الأخلاق الإجرائية تسعى لتوفير أعلى درجة ممكنة من الحرية للنقاد تحت اشتراط واحد متعلق بحرية المنقود وحرية القارئ. من السمة الأولى علمنا أن هذه الإجراءات لا تسعى لتحديد مضمون النقد ولكنها تسعى للحفاظ على حرية أطراف النقد جميعا مما يعني استمرار العمل النقدي. الإجراء دائما يسعى لأن يكون مفتوحا دائما للاستعمال ولذا فإن عملية "النقد" التي تسعى لإقفال النقد تتعارض مع هذا الهدف. من أعمال إعاقة النقد محاولة طمس المنقود أو تشويه أفكاره أو إخفاء أطروحاته بتقديمها بصورة هزيلة وغير منصفة. بهذا العمل فإن الناقد يسعى لطمس وجود منقوده وبالتالي للقضاء على إمكانية استمرار هذه العلاقة. هذا الاشتراط يؤدي للسمة الثالثة التي تسعى للحفاظ على عدم انزلاق النقد لشيء آخر. الناقد الذي يسعى لطمس منقوده من خلال تشويه أفكاره وعرضها بشكل غير منصف يقوم بمهمة أخرى غير النقد وهي مهمة قطع العلاقة بين القارئ والمنقود. أي السعي لجعل إمكانية التواصل بين القارئ والمنقود أكثر صعوبة وأقل احتمالا. بمعنى أنها مهمة للقضاء على الطرف الآخر في عملية النقد. العلاقات الأخلاقية الإجرائية تسعى في المقابل إلى أن يكون النقد خطوة في استمرار العلاقة النقدية لا نهايتها. هذا أيضا يدفع باتجاه السمة الرابعة وهي أن المنظومة الاخلاقية الإجرائية متأسسة على إدراك التعدد والتنوع داخل المرجعيات الأخلاقية والنقدية. بمعنى أنها ناتجة عن إدراك واقع الاختلاف الاخلاقي بين الفاعلين في الساحة النقدية وكل ما تسعى له هو أن لا يكون هذا الاختلاف سببا للقطيعة بقدر ما هو سبب للتواصل. بمعنى أن هذه الإجراءات تدفع باتجاه أي شكل من أشكال التواصل الذي يكفل للجميع الحضور بدون أن يطغى طرف على طرف أو أن يترتب على وجود طرف إختفاء طرف آخر. السلوك الذي يتعارض مع هذا الاجراء هو السلوك الذي يسعى لإبعاد أحد الأطراف من ساحة التواصل والقضاء على فرصته في المشاركة.      كانت هذه إطلالة سريعة على طبيعة العلاقة الإجرائية بين الأخلاق والنقد لعلها تفتح المجال لحوار أوسع حولها في المقالات القادمة. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2014 04:23

June 10, 2014

النقد والضرورة الأخلاقية

النقد والضرورة الأخلاقيةعبدالله المطيري     انتهت المقالة السابقة إلى دعوى أن الأخلاق ضرورية، ضرورة إمكان، للنقد. أو بعبارة أخرى أنه لا يمكن أن يكون هناك نقد بدون منظومة أخلاقية ما تضبط العلاقة بين الناقد والمنقود والقارئ. بهدف هذه المقالة هو الاعتراض على هذه المقولة "يمكن ممارسة العمل النقدي بدون أي التزام أخلاقي".  البرهنة على دعوى الاشتراط الضروري للأخلاق لكل عمل نقدي تتم كالتالي: أولا: النقد علاقة بين الناقد والمنقود، بين الناقد والمعرفة، بين الناقد والقارئ. الناقد كذلك يؤسس أو يدفع باتجاه علاقة بين المنقود والقارئ. ثانيا: النقد ينطوي بالضرورة على حكم. هذا الحكم قد يكون حكم قيمة وقد يكون حكم وصف. ثالثا: بما أن الناقد يتولى مهمة الحكم فهو مطالب بالحكم بالعدل. رابعا: الأخلاق هي المنظومة التي تحدد العدل من الظلم. إذن الأخلاق ضرورية ضرورة إمكان للنقد.     المقدمة الأولى بسيطة ومباشرة. النقد علاقة بين شبكة من أطراف المجتمع المعرفي. يبدو الناقد والمنقود على أنهم الأطراف الأساسية في العلاقة من الوهلة الأولى ولكن القارئ والمجتمع المعرفي بكاملة أطراف أساسية في هذه العلاقة كذلك. كل علاقة بين بشر هي موضوع للأخلاق. بمعنى أن كل علاقة بين إنسان وإنسان فهي بالضرورة محكومة بمعايير معينة تضبط علاقة الأطراف لتصبح علاقة "عادلة" أو "خيّرة". العلاقة "الظالمة" أو "الشريرة" هي تهديد لذات العلاقة وبالتالي فإن الأخلاق هي وعد باستمرار العلاقات. بدون التزام أخلاقي فإن العلاقات تتدهور وتنتهي بسرعة أو تتحول إلى علاقات قاهر ومقهور أي علاقة يندثر أحد أطرافها لحساب الآخر وبالتالي تبقى علاقة شكلية لا أكثر. بالنسبة للمجتمعات المعرفية فإن العلاقة النقدية لها درجة أكثر أهمية في تأسيس تلك المجتمعات. المجتمع المعرفي متأسس أصلا على علاقات فكرية والنقد هو السياق الذي تتحرك فيه تلك العلاقات.    المقدمة الثانية أيضا تبدو بسيطة فالنقد في الأخير حكم. المتوقع من الناقد أن يطلق قولا ما في ما ينقد. هذا القول إما أن يكون قولا وصفيا أو قولا قيميا. في كلا الحالتين هناك حكم والحكم يتطلب التزام بالعدالة. الاعتراض الأقوى على ربط الحكم النقدي بالأخلاق هو أن معايير العدالة النقدية تحددها المناهج المعرفية أو منطق المعرفة ولا داعي لإدخال القيم الأخلاقية في العملية. بمعنى أن المطلوب من الناقد هو الالتزام بالمنهج المعرفي المقبول في الأوساط المعرفية لنضمن التزامه بالعدالة النقدية. يمكن الرد على هذه الحجة من طريقين الأول: أن المناهج العلمية مؤسسة أصلا على قيم أخلاقية تضمن العدالة والإنصاف داخل العمل الوسط المعرفي. كثير من المعايير المعرفية وضعت لكبح اندفاع المشتغل في المعرفة خلف انفعالاته العاطفية ومطالبته بقدر معقول من الموضوعية التي تضمن قدرا معقولا من الإنصاف والاحترام. منع الكذب والخداع والسرقة وهي محظورات أخلاقية يقبع خلف المعايير المنهجية في البحث. الطريق الثانية في الرد على هذا الاعتراض هي أن (وجود) المنهج المعرفي لوحده لا يكفي ما نحتاجه هو (الالتزام) بهذا المنهج وهذا موضوع الاخلاق. قد يلتزم الباحث بالمنهج العلمي داخل الجامعة خوفا من الرقابة الأكاديمية ولكنه حين يخرج للفضاء العام خصوصا داخل ساحات الصراع الأيديولوجي والسياسي فإن ما يبقى معه لتحقيق العدالة النقدية هو التزامه الأخلاقي. هذه الإشكالية قديمة جدا نجدها مثلا في صراع سقراط مع السوفسطائيين الذين شغلهم حب المال والشهرة للتلاعب بالجدل والمناظرة. ما كان يقلق سقراط هو ذلك الخبير بعلوم الجدل والمناظرة المتحرر من أي التزام أخلاقي. هذا الشخص لديه الاستعداد مثلا لتعليم السياسيين الجدد حيل خداع الجماهير والتأثير عليهم بالخطب الرنانة بحثا عن مصالحه الخاصة. وجود المنهج المعرفي ذاته لا يكفي في أجواء تدفع باتجاه الصراع اللاأخلاقي باستمرار ولذا فإن النقد بدون أخلاق يتحول إلى مجرد حرب كلامية ونفسية وصراع أيديولوجي لا علاقة للمعرفة بها. المنهج المعرفي شيء والالتزام بهذا المنهج خصوصا في أجواء الصراع شيء آخر لا يمكن تحقيقه إلا بالتزام أخلاقي.      المقدمة الثالثة تربط بين مهمة الحكم والعدل. الحكم عبئ يتحمله الإنسان وهذا الحكم قد يكون عدلا وإنصافا وقد يكون انتقاما وتصفية للحسابات. ما يجعل الحكم المعرفي نقدا هو التزامه بمعايير توازي عبئ ومسئولية إطلاق القول على فكرة ما. يعلم الناس مدى خطورة قاضي أو حاكم فاسد على المصالح العامة والخاصة. الناقد المتحرر من أي التزام أخلاقي هو مثل القاضي الفاسد. أحكامه في الأخير مدفوعة بأطماعه الشخصية أو لانحيازاته وتعصباته الذاتية. القاضي يملك قوّة القانون والناقد خصوصا في أجواء التوتر وفضاءات الاستبداد يملك تأثيرا قد يؤدي بالفتك بمنقوده خدمة لسلطة ما أو لهيجان جماهيري عارم.     المقدمة الرابعة فيها دعوى تأسيس القوانين المعرفية والقوانين التنظيمية والجنائية على معايير الأخلاق. العدالة على اختلاف الناس في مضمونها هي غاية تلك القوانين. العدالة هنا هي القيمة الاخلاقية الاجتماعية أي أنها القيمة الأخلاقية الأهم على مستوى الجماعة. عادة هذا المفهوم للعدالة هو المرجع الذي تتم غربلة القوانين بناء عليه. مثلا في الدساتير التي تنطلق من قيم المساواة والحرية تكون هذه القيم هي المعايير أو المبادئ التي تحاكم بناء عليها القوانين التفصيلية. الناقد باعتبار أنه تولى مهمة إطلاق الحكم فإنه أيضا قد أعلن التزامه بمجموعة من القيم يراهن على قبول الآخرين بها لكي يكون لهذا الحكم قيمة واعتبار.      المقدمات الأربع السابقة تجعل من الأخلاق شرطا ضروريا لأي عمل نقدي. قد نختلف في دور ومضمون تلك الأخلاق ولكن وجودها أساسي لممارسة النقد وإقامة التواصل المعرفي عليه. إذا صحت المجادلة أعلاه فإن النقاش يفترض أن ينتقل لطبيعة تلك الأخلاق وطبيعة العلاقة التي يفترض أن تجمعها بالعمل النقدي (العلاقة المضمونية والعلاقة الإجرائية على سبيل المثال). http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2014 18:22

June 3, 2014

النقد من منظور أخلاقي

النقد من منظور أخلاقيعبدالله المطيري     هذه المقالات مشغولة بعلاقة الفعل النقدي بالأخلاق. بمعنى أنها تطرح أسئلة من نوع: هل يمكن أن نمارس العمل النقدي بأي شكل من أشكاله خارج الأخلاق أم أن منظومة أخلاقية أو قيم أخلاقية ما ضرورية لكل عمل نقدي؟(سؤال الإمكان)  بعد ذلك ننتقل لـ (سؤال الوجود) أي السؤال المشغول بطبيعة المنظومة الأخلاقية التي يمكن من داخلها ممارسة النقد بدون أن تكون عائقا للنقد ذاته. هذه الأسئلة الأولية يفترض أن تفتح المجال للحوار مع وجهات نظر قلقة ومرتابة من "الرقابة" الأخلاقية على الفعل النقدي. إحدى الصور للعلاقة بين الأخلاق والنقد والتي تواجه رفض حاد هي أن تكون منظومة أخلاقية ما حَكَما على الفعل النقدي. بمعنى أن تحدد تلك المنظومة معايير الخير والجميل والحق ويبقى دور الفعل النقدي هو تطبيق تلك المعايير على الأعمال المنقودة والحكم عليها من خلال تلك المنظومة. على سبيل المثال قد يربط الناقد عمله النقدي بتوجهاته الدينية مثلا وتصبح تلك التوجهات هي المعيار الذي يحكم على العمل الفكري أو الجمالي من خلاله. القلق الناتج عن العلاقة السابقة بين الأخلاق والعمل النقدي منطقي جدا ولكنه يدعونا لهذا السؤال: هل يعني رفض (تلك) العلاقة رفض (كل) علاقة بين الأخلاق والنقد؟ أيضا، النموذج السابقة يدعونا للتفريق الضروري بين نوعين من العلاقات التي تربط الأخلاق والنقد. العلاقة الأولى يمكن تسميتها بالعلاقة (المضمونية) والثانية يمكن تسميتها بالعلاقة (الإجرائية). العلاقة المضمونية تحدد فيها القيم الأخلاقية مضمون النقد. بمعنى أن تلك القيم هي من يحرّك اتجاه الفعل النقدي فالفكرة أ خاطئة لأنها تتعارض من القيم الأخلاقية لدى الناقد والعمل الفلاني جميل لأنه يتوافق مع ذات القيم وهكذا. العلاقة الثانية، العلاقة الإجرائية، يتوقف تأثير القيم الأخلاقية فيها عند تحديد العلاقة بين الناقد والمنقود والقارئ ولا تمتدّ لتحديد مضمون النقد. بمعنى أنها قيم أخلاقية محدودة توفر الشرط الضروري لإقامة علاقة (عادلة) بين الناقد والمنقود والعمل النقدي والقارئ.      العلاقة المضمونية تتميز بكونها علاقة شمولية بمعنى تحيط بالعمل النقدي وتستغرقه. في الأخير فإن مضمون العمل النقدي أي العلاقة بين الناقد والعمل المنقود محسومة سلفا بفعل القيم الأخلاقية التي يتبناها الشخص. هذا يعني أن العمل النقدي داخل هذه العلاقة هو بالضرورة: عمل تطبيقي وينتج أحكام قيمة. العمل النقدي هنا عمل تطبيقي لأن المعايير التي تحرّك النقد محددة سلفا ومهمة الناقد هو أن يحدد مدى انطباق الحكم على موضوعه. بمعنى أن المقدمة الكبرى في المحاججة النقدية جاهزة سلفا ويبقى عمل الناقد في تحديد المقدمة الصغرى لينتج الحكم بعد ذلك. بمعنى أن الفعل النقدي المنطلق من العلاقة النقدية المضمونية يتحرك في شيء قريب من هذه الصورة: المقدمة الكبرى (حكم جمالي) : الجميل هو ما توفرت فيه الخصائص التالية: أ، ب، ج. المقدمة الصغرى: العمل الفلاني لم تتوفر فيه الخصائص أ، ب، ج. إذن (النتيجة) العمل الفلاني غير جميل. عمل الناقد هنا هو محصور في إنجاز المقدمة الصغرى وهي بطبيعتها مقدمة وجودية إمبيريقية لا تحتاج إلا لمهارات تطبيقية. المقدمة الأولى والتي تحتاج لإمكانات إبداعية تبقى خارج صلاحيات الناقد في هذه العلاقة. ولذا لا نستغرب حين تعتبر هذه العلاقة قاتلة للإبداع باعتبار أنها تحصر عمل الناقد في الدور التطبيقي التقني. هذه العلاقة أيضا محصورة في إطلاق أحكام القيمة فهي الغاية والهدف. أحكام الوصف لا تشبع مثل هذا النوع من أنواع العلاقات. لذا نحن هنا دائما في علاقة حادة: مع أوضد.     في المقابل العلاقة الإجرائية لا تتعلق بمضمون النقد وبالتالي فهي لا تحدد لا المقدمة الكبرى ولا الصغرى في العمل النقدي. مهمة العلاقة هذه أن تنشئ العلاقة النقدية بين الناقد والعمل المنقود. العلاقة بين الناقد وموضوع نقده قد تأخذ أشكالا متعددة منها العلاقة النقدية. قد تكون العلاقة علاقة إعجاب ومحبة، قد تكون العلاقة علاقة خصومة وقطيعة. العلاقة الإجرائية تسعى لتحقيق اشتراطات معينة ضرورية يمكن أن تنشأ داخلها العلاقة النقدية. يمكن أن نعتبر النص التالي نموذج لما أعنيه بالعلاقة الأجرائية بين الأخلاق والنقد: يقول الفيلسوف الأمريكي جون رولز عن تدريسه لطلاب الفلسفة" أحد الأمور التي حرصت عليها هو أن أعرض أفكار الكتّاب الذين ندرسهم في أقوى صورها. في هذا أنا مؤمن بمقولة ستيوارت مل (لا يعتبر المذهب الفكري مَنقودا إلا إذا نُقد في أفضل صوره)، لا أحاول (يكمل رولز) أن أعرض ما كان يجب أن يقولون بل ما قالوا فعلا داعما ذلك بأكثر التأويلات معقولية لنصوصهم. النص يجب أن يكون مدروسا بعناية ويجب أن يتم احترامه. إذا غادرت النص فيجب أن أعلن عن هذه المغادرة مباشرة. بهذه الطريقة تبدو نظرة الكاتب أقوى وأكثر إقناعا وبالتالي أكثر استحقاقا للدراسة. عدد من المبادئ تقودني في كل هذا. على سبيل المثال لدي فرضية أن الكتاب الذين أدرسهم أكثر ذكاء مني. إذا لم يكونوا كذلك فلماذا أضيع وقتي في دراستهم. إذا وجدت خللا في مجادلاتهم افترضت أنهم قد لاحظوا ذلك أيضا وقاموا بمعالجته في مكان آخر. لذا تلحّ عليّ مهمة البحث في كتاباتهم أكثر...". هذه المعايير التي حددها رولز لنفسه مهمتها تأسيس ما يراه العلاقة العادلة والنافعة مع العمل المنقود ولا يوجد فيها ما يحدد مسبقا الموقف من الأعمال التي يتناولها بالدراسة والنقد.  هذا التفريق بين العلاقة المضمونية والعلاقة الإجرائية بين الأخلاق والنقد مهمة جدا للتفكير في الأسئلة التي أفتتحت بها هذا المقال. في المقال التالي سأعود للسؤال الوجودي لأحاول أن أجادل أن النقد لا يمكن أن يتحقق خارج كل التزام أخلاقي وأن عزل النقد عن الأخلاق يعني القضاء على إمكان النقد.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 03, 2014 16:58

May 27, 2014

بين قانون الطبيعة وقانون الأخلاق

بين قانون الطبيعة وقانون الأخلاقعبدالله المطيري       يُروى عن الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت قوله المنقوش على قبره "شيئان يملآن العقل بالتقدير والإجلال: السماء المرصّعة بالنجوم فوق رأسي والقانون الأخلاقي في داخلي". في هذه المقولة يضع كانت يده على القانونين الأساسيين في حياة الإنسان. قانون الطبيعة والذي تنتظم في داخله كواكب الكون وقانون الأخلاق الذي تنتظم في داخله حياة الناس. في المقالة السابقة أشرت إلى الفروق الجوهرية بين قانون الطبيعة وقانون الثقافة (قانون الأخلاق جزء من قانون الثقافة). في هذا المقال أعود للحديث عن أهمية القانونيين في حياة الإنسان وكيف أن هذه الحياة ترتبك وتضطرب وقد تزول في حال توقف أحد القانونين عن العمل. سأبدأ هذا الحديث بقصة المنطقي النمساوي/الأمريكي الشهير كرت قردل (1906- 1978). والذي وصفه الفيزيائي الشهير سيفن هوكنج بأنه "أعظم المنطقيين الرياضيين على مرّ العصور وأكثرهم جنونا".   لقردل إنجازات مهمة في عدة مسارات منطقية أحدها، وربما أشهرها، مبرهنة اللا إكتمال والتي تنص على أن أي محاولة لوضع مبادئ نهائية ومكتملة لعلم الحساب لا يمكن أن تنجح. بمعنى أن علم الحساب لا يمكن أن يوضع في دائرة مغلقة من المبادئ الأولى وبالتالي يمكن حل كل سؤال متعلق بالحساب من خلال تلك المبادئ. دائما ستبقى هناك جمل رياضية قد نعلم تجريبيا أنها صحيحة ولكن المبادئ التي نملكها لا تبرهن على صحتها. هذه المبرهنة ستعني الكثير للرياضيين الذين اشتغلوا لسنين طويلة لتحقيق حلم رياضيات مبرهنة بالكامل. اشتغل على هذا الحلم فريجه وراسل ووايتهد ضمن آخرين. لاحقا هاجر قردل للولايات المتحدة والتقى فيها بالفيزيائي الشهير آينشتاين ليقدم أطروحات مهمة جدا في الفيزياء النسبية ومفهوم الزمن داخلها. على طول عمره كان قردل أيضا يعاني من مشاكل ذهنية تؤدي به إلى نوع من الوسواس القهري والإيمان بأن هناك من يطارده ويريد تسميمه والقضاء عليه. كانت تلك الموجات المرضية تذهب وتعود في فترات معينة من حياته ولكنها اشتدت في آخر عمره لدرجة أنه توقف عن الأكل إلا من يد زوجته التي أصبحت الوحيدة التي يثق فيها. لكن هذه الزوجة تدخل المستشفى ويبقى هو وحيدا بين عالم لا يثق به وجسد خاضع لقانون الطبيعة. سيتوقف قردل عن الطعام ليموت بسبب سوء التغذية حسب تقرير مستشفى جامعة برنستون. ما حدث في نهاية حياة قردل أن قانون الطبيعة وقانون الأخلاق وقعت في تناقض واختلاف أدى إلى نهاية حياته. قانون الطبيعة يقول أن الجسد يحتاج الأكل ليستمر في الحياة. قانون الأخلاق يقول أن الإنسان يحتاج للثقة في الآخرين لتوفير حاجاته الضرورية ليعيش. في حالة قردل كان القانون الأخلاقي لا يعمل بالتوافق مع قانون الطبيعة وكانت النتيجة نهاية حياته. قانون الأخلاق هنا يعني القانون الذي ينظّم العلاقات بين الناس. الثقة شرط أساسي لتلك العلاقات. تخيّل حياتك لو توقفت عن الثقة بالآخرين. الطعام الذي نأكله يأتي من مواقع لا نعرفها ومن عمليات إنتاج لم نشرف عليها ولا تتوفر لدينا القدرة ولا الوسائل الدقيقة لفحص كل ما نأكل للتأكد من سلامته قبل أن نأكله. حين نذهب للمطعم فإننا نراهن بقدر كبير على معيار ثقة يجعل من العاملين في المطعم ملتزمين بعدم إيذاء زبائنهم. هذا المعادلة، هذه الثقة، أو هذه المغامرة، جوهرية في حياة الإنسان. حياتنا العاطفية تقوم على مبدأ الثقة والتصديق ولولاها لتعطّلت تلك الحياة. الزوج والزوج حين يفقدون الثقة في حياتهم الزوجية تتعطل حياتهم العاطفية. كذلك ما يجعل العلاقة مع الأم والأب علاقة عميقة جدا هو مقدار الثقة الكبير في تلك العلاقة. في الأخير لقد قضينا جزء أساسي من أعمارنا بلا حول ولا قوة كأطفال صغار بين يد أم أو أب أو مربية أو مربي لم يكن أمامنا إلا الثقة بهم. الثقة هنا هي ما يجعل الإنسان قادرا على العيش داخل قانون الطبيعة الذي يفرض عليه كثير من الضروريات التي يصعب عليه تحقيقها منفردا أو داخل علاقات غير تعاونية. التعاون هنا هو النتيجة العملية لمبدأ الثقة الأخلاقي. الأخلاق عند كانت، الذي اقتبسنا مقولته في البداية، تنهار تماما لو قرر الجميع الكذب واعتبروه هو السلوك الجيد. في تلك الحالة سينهار مبدأ الثقة بين الناس القائم أساسا على افتراض صدق الآخرين وبالتالي ينهار التعاون بين الناس وتنهار الأخلاق. حالة قردل هي نموذج لهذا الانهيار فقد تعطل المعنى الأساسي (الثقة) الذي كان يمكن أن يوفر له حالة من التعاون مع الآخرين توفر له شروط استمرار حياته. لذا فأن الفكرة التي قتلت قردل لم تكن فكرة بسيطة أو هامشية، فقد كانت باختصار عن موقعه بين الناس وشعوره بالأمان داخلهم. هذه الفكرة لا تقل أهمية بأي شكل من الأشكال عن أفكارنا عن الكون والمنطق والرياضيات..      الانهيارات الاخلاقية في حياة البشر لها ذات الآثار المدمرة للإنهيارات الطبيعية. خسائر الحروب والصراعات البشرية لا تقل دمارا على خسائر البراكين والزلازل والفيضانات. الواقع يقول لنا أن أننا نستطيع العمل ضمن قانون الطبيعة لتخفيف أخطار الطبيعة. البنايات المقاومة للزلازل مثلا تحقق حماية أكبر من تلك التي لم تصمم لمقاومة الزلازل. كذلك الواقع يقول لنا أن العمل داخل قانون الأخلاق يساعد على تخفيف أخطار الإنسان على الإنسان. الحروب مثلا هي مؤشر على فقدان البشر للثقة في ما بينهم وانقطاع لأي وسيلة تواصل سلمية. حياة البشر محكومة بقانون الطبيعة وقانون الأخلاق. المعضلة، أنه بالرغم من أن الإنسان هو ذاته منبع قانون الأخلاق على خلاف قانون الطبيعة إلا أن عمله ضمن هذا القانون هو الأقل فاعلية وتقدما. لعل هذا يكون موضوعا لحديث لاحق قريبا. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 27, 2014 14:43

May 20, 2014

الحرية بين قانون الطبيعة وقانون الثقافة

الحرية بين قانون الطبيعة وقانون الثقافةعبدالله المطيري
   تطرقت المقالات الأربع السابقة للجدل الفلسفي حول حرية الإرادة في مواجهة مقولة الحتمية. بمعنى أنه هل هناك مجال لما يمكن تسميته بحرية الإرادة في عالم حتمي؟ تطرقنا لأنواع مختلفة من المواقف تجاه هذا السؤال تمتد من الرافضين لإمكانية التوفيق بين عالم حتمي وحرية الإرادة وينقسمون لقسمين: الأول يقبل مقولة الحتمية ويرفض حرية الإرادة (الحتميون) والثاني يرفض مقولة الحتمية ويقبل مقولة الحرية (التحرريون) والقسم الثالث يرى إمكان لجمع مقولتي الحتمية وحرية الإرادة في عالم واحد (التوفيقيون). في هذا المقال أحب أن أنقل النقاش إلى جانب آخر من ذات القضية قد يساعدنا في فهم معنى إشكال حرية الإرادة فعلا. هذا الجانب الآخر لا ينطلق من نقاش قانون الطبيعة بل من نقاش قانون الثقافة. ما أعنيه هنا بقانون الثقافة هو مجموع قوانين الاجتماع والتربية والسياسة التي نعيش داخلها. أي القوانين التي تنظّم إدارة حياة الأفراد والجماعات من جوانبها المتعددة. الدعوى التي أريد دعمها في هذا المقال. أولا، أن هذه القوانين، على خلاف قوانين الطبيعة، لا يمكن أن تكون حتمية وبالتالي فهي لا تهدد حرية الإرادة بالمعنى الميتافيزيقي (أي لا تهدد إمكان وجود حرية الإرادة). ثانيا، أن هذه القوانين هي ما تشغل الناس في غالب الأحوال عند التفكير في حرية الإرادة وهذا قد يفسّر أن كثير من الناس يعتبرون حرية الإرادة بديهية من الصعب تكذيبها. في البداية سأبرز عدد من الفروق الجوهرية بين قوانين الطبيعة وقوانين الثقافة.    أولا، قوانين الطبيعة لا يمكن أن تفشل بينما قوانين الثقافة قابلة للفشل. غليان الماء عند درجة حرارة مئة مئوية عملية بسيطة وتنجح دائما. عدم نجاحها يعني أن هناك معجزة أو أمر خارج للطبيعة. أي حالة استثنائية غالبا نسمع عنها ولا نراها. في المقابل قوانين الثقافة يعلم الجميع أنها قابلة للفشل وبنسب عالية أحيانا. على سبيل المثال المعلمة تعلم أنه لا توجد أي ضمانة أن الأهداف التي تسعى لتحقيقها في العملية التربوية ستتحقق مع الطالبات. القوانين السياسية قد تكون مجرد حبر على ورق ولا نصيب لها من أرض الواقع. القوانين الاقتصادية قد تؤدي لنتائج عكسية لما تدعي أنها تريد القيام به. البشر يعون هذا الفرق جيدا. لم توجد أي مظاهرة شعبية في يوم من الأيام ضد قانون الجاذبية. كل محاولات البشر لتحدي هذا القانون تمت بالعمل داخل قوانين الجاذبية نفسها. في المقابل نشهد باستمرار علميات جادة لتغيير قوانين الثقافة بكافة أنواعها. كثير من أهل التربية يطالب بتغييرات جذرية في قوانين التعليم المطبقة على أرض الواقع.    الفرق الجوهري الثاني هو أن قوانين الطبيعة لا تختلف آثارها بحسب الأفراد الذين تقع عليهم بينما تتفاوت بشكل هائل آثار قوانين الثقافة بطبيعة الأفراد. على سبيل المثال إصابة الفرد بمرض السكري لا تخضع لأي اعتبارات اجتماعية أو ثقافية. القوانين الطبيعية في أستراليا هي ذات القوانين في البرازيل. بمعنى أن قوانين الطبيعة لا تفرّق بين الأفراد ثقافيا. ما يجعل فلان يصاب بالسكري والآخر لا يصاب به هو أمر محكوم بقانون الطبيعة نفسه وليس بعوامل خارجة عنه. في المقابل نعلم أن قوانين الثقافة تتفاوت آثارها بحسب الأفراد الذين تقع عليهم. المعلمة تعلم أن الآثار التي ستنتج عن تعليمها للطالبات ستتأثر بأحوالهم الذهنية والنفسية وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية..الخ من العوامل الخارجة عن قانون التربية.      قوانين الثقافة بطبعتها تحكم علاقة بين طرفين على قدر متساوي من القوة إبتداءا. بمعنى أنها علاقة بين بشر. قد يكون هذا الفرد أقوى من الآخر لكن هذا التفاوت ليس حتميا. بالإمكان دائما ولو من ناحية المبدأ تعديل ميزان القوّة. في المقابل قوانين الطبيعة بين طرفين متفاوتين بالقوة. الإنسان من جهة والقوانين الطبيعية الكونية من جهة أخرى. التحدي الذي يواجه الإنسان أمام القوانين التي تحكم حركة الأرض والشمس والكواكب أو حتى تلك التي تحكم عمل دماغه وجهازه العصبي أكبر بشكل نوعي عن أي قانون اجتماعي أو ثقافي.      يمكن الاعتراض على الدعوى السابقة، أي الفرق بين قوانين الطبيعة وقوانين الثقافة وأهميته للجدل حول حرية الإرادة بالتالي: في نهاية الأمر يمكن رد قوانين الثقافة لقوانين الطبيعة. أي أن قوانين الثقافة محكومة بقوانين الطبيعة وبالتالي فهذا التفريق لا يحل المشكلة لأننا سنعود في النهاية إلى مواجهة قوانين الطبيعة. هذا الاعتراض له وجاهة كبيرة لكن يمكن مواجهته بالحقيقة التالية: رغم أن البشر تعيش تحت قوانين طبيعية واحدة إلا أن أن قوانينها الثقافية تتفاوت. تحت ذات قوانين الطبيعة لدينا قوانين تربوية وسياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة. هذه المساحة التي فتحت المجال لهذا الاختلاف والتنوع هي المساحة الآمنة التي تجعل من كثير من الناس لا يشعر بالقلق على إمكانية حرية الإرادة عنده. في نهاية الأمر غالب الناس لا يشترطون خرق قوانين الطبيعة  ليكونوا أحرار. بمعنى الفرد لا يشترط أن يطير بدون قوة دفع أقوى من الجاذبية أو أن يتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء ليكون حرا. ما يفهمه الكثير بحرية الإرادة هو الحرية داخل قوانين الثقافة التي يرى الفرد منا بعينه وتجربته المباشرة أنها احتمالية وخاضعة للظروف التي يمكن تغييرها. داخل العلاقات التي يتكون أطرافها من بشر يكمن القلق الحقيقي على الحرية. العلاقة مع الأب، مع الصديق، مع المعلم، مع البنك، مع النظام السياسي، مع الإرث الثقافي والديني،  هي برأيي ما يقلق غالب الناس على حرية الإرادة التي يعلمون أنهم يملكونها وإن لم يستطيعوا ممارستها دائما.        نقل الجدل من قوانين الطبيعة إلى قوانين الثقافة وإن لم يحل السؤال الميتافيزيقي إلا أنه يفتح نافذة قد تكون فعلا هي النافذة التي نترقب الحرية منها أكثر من غيرها. 
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 20, 2014 14:49

May 13, 2014

أحرار في عالم حتمي

أحرار في عالم حتميعبدالله المطيري    هذا المقال يهدف لاستعراض الموقف الثالث من المواقف التي تعرّضت لمشكلة حرية الإرادة والحتمية وهو الموقف التوفيقي أي الموقف الذي يقول بأن حرية الإرادة يمكن أن تتحقق في عالم حتمي. قبل هذا يبدو أنه من المفيد أن نستعرض مجددا مشكلة حرية الإرادة في صيغة من الصياغات المشهورة لها:أولا: بعض الأفراد في بعض المواقف كان لديهم القدرة على التصرف بشكل مختلف عن ما تصرفوا به فعلا. ثانيا: التصرفات أحداث. ثالثا: كل حدث له سبب. رابعا: إذا كان الحدث مُسبب فلا بد أن يكون السبب حتمي. خامسا: إذا كان السبب حتمي فإن الفرد لم يكن لديه القدرة على أن يقوم بخلاف ما قام به. المشكلة في الصياغة السابقة في التناقض بين المقدمة الأولى والنتيجة في فقرة خامسا. المقدمة الرابعة هي عامل جوهري في المشكلة وهي ما تعرف بمقولة الحتمية. الحتمية يمكن صياغتها كالتالي: حقائق الماضي بالإضافة لقوانين الطبيعة تقرر كل حقيقة في المستقبل. أصحاب المذهب التوفيقي الذين هم موضوع حديثنا اليوم يعترضون على المحاججة السابقة ويجادلون أن الحرية ممكنة داخل عالم حتمي. هنا بعض من أطروحاتهم الرئيسة.      الأطروحة الكلاسيكية للتوفيقية والتي يمكن أن نجدها عند هوبز وهيوم اشتراطاتها بسيطة جدا. لكي يكون الفعل حرا فإنه يجب أن يكون متوافقا مع رغبة الشخص. بمعنى أنه لا يشترط لكي أكون حرا أن أكون قادرا على تغيير قوانين الكون أو الخروج عليها بل أن أتحرك داخلها. الفرد هنا قدرة داخل قانون الطبيعة. ما يجب علينا التأكد منه هو أن لا تكون هناك قيود قاهرة تمنع الفرد من القيام بما يريد. الاعتراض الذي يمكن أن يوجه هنا هو هل هذه الصورة تحتمل قدرة الفرد على فعل البديل مما يعني أن يكون فعلا حر في اتخاذ قراره. يرد التوفيقي هنا بالتأكيد باعتبار أن الحتمية تربط ما يحدث في المستقبل بما يحدث في الماضي. بمعنى أن أي تغيير في الماضي يعني تغييرا في المستقبل. هنا نجد أن الشخص الذي اختار مثلا أن يشتري السيارة السوداء بدلا من السيارة الحمراء يمكن أن نتصوّره في مشهد آخر يتخذ فيه قرار في الماضي يجعل من الحدث المستقبلي هو اختيار السيارة الحمراء بدلا من البيضاء.     هذه الصورة الكلاسيكية تم تحديها بشكل أكبر من قبل أطراف متنوعة. علميا تطورات علوم الدماغ تشير إلى احتمال كبير أن يكون الدماغ يعمل وفقا لقانون معقد ولكنه حتمي يجعل من قرارات الفرد مفهومة دون اللجوء لأطروحة حرية الإرادة. كذلك تم تحدي الصورة الكلاسيكية من قبل محاججة فرانكفورت الشهيرة التي تشير إلى عدم ارتباط المسئولية الأخلاقية مع القدرة على فعل البديل. إذا كنا لا نحتاج حرية الإرادة لنحصل على المسئولية الأخلاقية فمشروع التوفيقيين يفقد جزء كبير من معناه. بمعنى أننا، بحسب فرانكفورت، يمكن أن نتخيل شخصا لا يملك القدرة على اتخاذ البديل ومع ذلك نعتبره مسئول أخلاقيا. المشهد هنا أن "جونز" يقوم بجريمة يريد القيام بها رغم أن في دماغه جهاز سيجبره على فعل ما فعل لو غيّر رأيه. لكن جونز لم يغير رأيه وبالتالي فهو فعل ما يريد بدون أي تدخّل وهو بهذا مسئول أخلاقيا. قد نعود لمحاججة فرانكفورت لاحقا لكن المهم هنا هو ردود التوفيقيين على هذه التحديات.    من أشهر الردود على هذه التحديات أطروحات دان دينيت والذي يتحدى فيها المفهوم المتداول للمستقبل داخل مفهوم الحتمية. يرفض دينيت الحديث عن المستقبل الحتمي بشكل كامل لأن المستقبل سيحدث في كل الأحوال بغض النظر عن صحة الحتمية من عدمها. لهذا فالحديث يجب أن يتوجه لأحداث محددة بعينها. بحسب دينيت نحن أمام تجربة واضحة نعرفها جميعا وهي أننا كثير من الكائنات الحية لديها القدرة على تجنّب آثار بعض الأحداث الطبيعية. يمكننا أن نأخذ مثلا المطر كظاهرة طبيعية محكومة بقانون الطبيعة ولكن نتائجها تتفاوت بحسب موقف الانسان منها. الانسان الذي يبني بيتا متماسكا وقويا يستطيع أن يتجنب آثار المطر الشديدة وحافظ على حياته سليمة. في المقابل الفرد الذي لا يقوم بذلك سيتعرض بالتأكيد لنتائج مختلفة نتيجة لذات الظاهرة الطبيعة. هذا المشهد بحسب دينيت يوضح ان الحديث عن علاقة الحتمية بالمستقبل على أنها علاقة تؤدي إلى نتيجة بعينها لا يمكن تجنبها يبدو مضللا جدا. ما نشاهده عن قدرة الانسان على تجنّب كثير من النتائج الطبيعية تثبت أن كائنات كثيرة ومنها الانسان لديها القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة ومهمة داخل عالم حتمي. ما يفرق دانيت عن التحرريين هنا هو أن سلوك الفرد حينما يتجنّب الآثار المتوقعة لأحداث معينها لا يعني الخروج على قانون الطبيعة بل يعني أن قانون الطبيعة لا يعني مستقبلا محددا سلفا بل يعني مستقبلا تحدده الأحداث والقوى التي تعمل الآن وهنا.     كعادة المواقف التوفيقية فإنها الأقرب لكثير من الناس باعتبار أنها لا تطلب منهم اتخاذ مواقف حادة في اتجاه دون الآخر ولكنها في حالات كثيرة تكون محاولة لتجنّب الأسئلة الأشد خطورة. هذه ليست بالضرورة حالة التوفيقية هنا ولكن لا بد من أخذ هذا في الحسبان عند التفكير بها خصوصا تجاه قضية كحرية الإرادة تتأثر مواقفنا فيها ليس فقط بالمحاججات الفلسفية ولكن وربما بقدر أكبر بعوامل عاطفية ونفسية وبتصورنا الكبير للعالم ولأنفسنا ولما نريد أن نفعل في المستقبل. على كل حال التقدم المعاصر في علم الجينات وعلوم الدماغ ينبئ بمستقبل قريب يحمل معه تصورات أوضح وأكثر دقة عن طبيعة عمل دماغ الانسان وكيف تتم القرارات والمواقف. هذه التصورات قد تجعل فهمنا لحرية الإرادة أكثر وضوحا ودقة أيضا. أو على الأقل هذا ما أتمنى. 
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 13, 2014 18:19

May 6, 2014

المذهب التحرري ومقولة الحتمية

المذهب التحرري ومقولة الحتميةعبدالله المطيري    سأرجئ الحديث عن الحتمية والنظريات الفيزيائية الكلاسيكية والحديثة لمقال لاحق من أجل استكمال التوجهات والمذاهب المتعلّقة بالموقف من حرية الإرادة أولا. قلنا في المقالة الأولى أنه يمكن تصنيف المواقف من حرية الإرادة إلى ثلاثة مذاهب. المذهب الأول ينفي وجود هذه الحرية ويقبل مقولة الحتمية. هذا المذهب كان موضوع المقالة السابقة. المذهب الثاني يرفض مقولة الحتمية الكاملة ويعتقد بوجود حرية إرادة. هذا المذهب هو موضوع هذه المقالة. المذهب الثالث هو مذهب التوفيق بين حرية الإرادة والحتمية باعتبار أن كلاهما صحيح ولا يوجد بينهما تناقض. سيكون هذا المذهب موضوع المقال المقبل.     قبل الدخول في تفاصيل مواقف القائلين بحرية الإرادة لا بد من التمييز بين أطروحتين في هذا المجال. أولا، الأطروحة الميتافيزيقية والتي تتسائل هل حرية الإرادة ممكنة؟ وثانيا الأطروحة الأخلاقية التي تتسائل عن ضرورة حرية الإرادة لإثبات معقولية المسئولية الأخلاقية. الاهتمام الأول فلسفي وعلمي والاهتمام الثاني عام وقانوني واجتماعي باعتبار أنه متعلق مباشرة بالسلوك الفردي والجماعي وعلاقته بالقانون الاخلاقي أو القانون الاجتماعي. رغم كل هذا إلا أن الأطروحات المعروضة في هذا المقال متعلّقة بالسؤال الميتافيزيقي المشغول ببحث إمكان وطبيعة حرية الإرادة.   التحرريون يجمعهم إثبات وجود حرية الإرادة ولكنهم يتفاوتون في تصوراتهم لها وإثبات براهينها. من أقدم هذه التصورات التصور القائل بثنائية الروح والجسد. أي الرأي الذي يعتقد أن في الإنسان مكوٍّن غير خاضع بطبيعته لقوانين الطبيعة. غالبا ما يطلق على هذا المكوّن "الروح" وهي بالتعريف خارجة عن القوانين التي تخضع لها كل المكونات الأخرى في الطبيعة. كثيرون يعلّقون حرية الإرادة بهذا المكون الاستثنائي للانسان. بهذا الشكل يصبح الانسان مكوّن من طبيعتين الأولى مادية خاضعة لقانون الطبيعة والأخرى روحية متجاوزة له. نجد هذه المقولة مثلا في الأديان وفي بعض المذاهب الفلسفية كالأفلاطونية القديمة والفلسفات الغنوصية والصوفية.  يواجه عادة دعاة هذا التوجه صعوبات في تقديم معلومات عن هذه الطبيعة الثانية يمكن أن يحوّل هذه الدعوى إلى دعوى مفهومة بشكل دقيق وتفصيلي. كذلك يواجه هذا الطرح إشكالا واسعا في تقديم صورة واضحة لعلاقة الطبيعة المادية بالروحية داخل الانسان.   في المقابل هناك تصورات تقول بحرية الإرادة بدون أن تفترض أي طبيعة غير مادية في الإنسان. بمعنى أن الانسان كما هو بطبيعته المادية يملك حرية الإرادة. يتوسع بعض مناصري هذا المذهب ليعتبر الحيوانات ممتلكة لحرية الإرادة كذلك. من أحدث الأطروحات في هذا الاتجاه أطروحة الفيلسوفة البريطانية هيلين ستيوارد في كتابها الصادر حديثا "ميتافيزيقا للحرية". تضع ستيوارد رهانها على محاججة بسيطة تظهر لها بوضوح امتلاك كائنات معينة لحرية الإرادة. تلك الكائنات تقوم بحسب ستيوارد بحسم أسئلة وقرارات وشئون لا يحسمها إلا هم. قوانين الطبيعة على سبيل المثال لا تحدد بشكل مطلق طريقة واتجاه سير الكلب مثلا. بالنسبة لقوانين الطبيعة سير الكلب في الاتجاه أ أو سيره في الاتجاه ب كلها خيارات ممكنة داخل قوانين الطبيعة. صاحب القرار في تحديد الاتجاه إذن هو الكلب نفسه بحسب ستيوارد. الكائنات التي يمكن أن نفصل بينها وبين أجسادها هي التي يمكن أن نقول أنها تملك إرادة داخل هذه الصورة. الانسان أحد هذه الكائنات التي تتخذ قرارات وتحسم قضايا عديدة داخل الممكن الفيزيائي. على سبيل المثال حين تصل عطشانا لثلاجة تحتوي عدد كبير من نفس المشروب فإن اختيارك لعلبة معينة دون الأخرى هو قرار حر ولا يمكن الحديث عن قانون فيزيائي أو نفسي تم اتخاذ هذا القرار بناء عليه. في الأخير لا يوجد فرق ذو قيمة علمية بين العلبة التي تم اختيارها والعلبة المجاورة لها. هذه القرارات الأولية والبسيطة تكفي بحسب ستيوارد لإثبات وجود إرادة حرة لدى كثير من الكائنات ومنها الانسان. يمكن إختصار أطروحة ستيوارد في المحاججة التالية: إذا كانت الحتمية الكونية صحيحة فالمستقبل محسوم. وإذا كانت هناك حيوانات تحرّك أجسادها وتحسم قرارات بسيطة فالمستقبل مفتوح. واقعيا توجد هذه الحيوانات. إذن الحتمية الكونية غير صحيحة. يواجه هذا المذهب إشكالات من ضمنها ضبابية الفاصل بين الكائنات التي تملك إرادة حرة وبين تلك التي تفتقدها وكذلك ضبابية الفرق بين القرارات التي نحسم من خلالها كثير من القضايا وتعبّر عن حرية إرادتنا وبين تلك التي تحسم قضايا كثيرة ولكنها لا تعبّر عن إرادتنا الحرة. عملية الهضم مثلا تحسم قضايا كثيرة ولكنها لا تتم بإرادتنا الحرة وكذلك مشي النائم ليلا.      محاججة أخرى أساسية ومهمة لدى مثبتي حرية الإرادة هي دعوى البداهة. هذه المحاجّة بسيطة وتقوم على الاحساس والشعور الواضح لدى كثيرون بامتلاكهم إرادة حرة. لسان حال هذا الاحساس ما يلي "أنا أشعر بوضوح أني أملك حرية إرادة، هذا الشعور بديهي وبدونه لا أستطيع أن أفهم أي شيء حولي. أنا أتخذ قرارات وأملك خيارات أعلم أنها غير محسومة من طرف قوانين أكبر مني". غالب مواقف الناس تنبع من هذا الاحساس المباشر والواضح. مشكلة هذا الموقف أنه غير كافي لتأسيس فهم واضح لحرية الإرادة. من جهة هذا الشعور قد يكون خاطئ والتاريخ يخبرنا كثيرا عن أفكار تبدو بديهية وهي غير صحيحة. ثبات الأرض كان بديهيا في يوم من الأيام لدى كثير من الناس على سبيل المثال.     هناك تصورات أخرى تقوم على دعاوى احتمالية قوانين الطبيعة وتنفي وجود قوانين حتمية. هذه المواقف ربما تكون موضوعا للمقالات القادمة. الجدل الأهم اليوم الذي يواجه القائلين بحرية الإرادة هو جدل العلم وتحديدا الاكتشافات الحديثة في علوم المخ والأعصاب والجينات. مع هذه الاكتشافات أصبح الإنسان أكثر وضوحا أمام الباحثين من أي وقت مضى. على التحرريون تقديم تفسيرات مستمرة تبقي احتمال وجود حرية الإرادة داخل الصورة العلمية المتطورة يوما بعد يوم.   تصوّر لة مثلا في الأديان وفي بعض المذاهب الفلسفية كالأفلاطونية القديمة والفلسفات الغنوصية والصوفية. المتعلّقة بالhttp://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 06, 2014 17:47

April 29, 2014

الحتمية وحرية الإرادة

الحتمية وحرية الإرادةعبدالله المطيري     انتهت المقالة السابقة بالحديث عن تجربة بينجامين ليبيت والتحدي الذي مثلته لدعوى حرية الإرادة. تقول نتائج البحث باختصار أنه إذا كانت القرارات تتم في الدماغ قبل أن يعي بها صاحبها فإنه لا معنى للقول بأن هذه القرارات تمت بناء على تفكير وتأمل وبالتالي اختيار. بهذا المعنى تكون حرية الإرادة أقرب للوهم منها للحقيقة. ولكن إذا كانت القرارات تمت في اللاوعي فهل يعني هذا أن هذه القرارات عشوائية أو تمت خارج أي قانون. لا يوافق أغلب الحتميين على ذلك بل يقولون بوجود قانون يحكم هذه القرارات وإن كان خارج وعي الإنسان. الصورة الحتمية كالتالي: الكون محكوم بقوانين الطبيعة. قوانين الفيزياء والكيمياء تربط الأحداث مع بعضها على شكل سبب ونتيجة. هذه الصورة يمكن أن تعبّر عن ما تعرف بالحتمية السببية وهي المقولة التي تقول أن كل ما يجري في الطبيعة ومن ضمنها الانسان لا بد أن يندرج ضمن سلسلة ممتدة من العلاقات السببية. هذه الصورة لا تنفي بالضرورة أن يكون الانسان نفسه سببا ضمن هذه السلسلة ولكن ما تنفيه هو أن يكون سببا لا يرتبط بأي علاقة سببية سابقة عليه. أي أن هذه الصورة ترفض مشهد الانسان الذي يعمل كسبب لا مسبب له. هناك من يرفع معايير الحرية عاليا لتكون خالية من أي تأثير مسبق. أي أن القرار الحر يفترض أن لا يكون مرتبط بمؤثرات سببية سابقة عليه. بمعنى آخر يطالب دعاة هذه الصورة أن الحرية تعني أن ينشئ الانسان علاقة سببية لم يكن لها مقدمات. هنا نأتي لصورة السبب غير المُسَبّب والتي ترفضها بشدة الحتمية بعمومها والحتمية السببية بشكل خاص.      ذكرنا في المقالة السابقة كذلك أن هناك مذهب فلسفي يرى أن الحتمية تعني استحالة وجود حرية إرادة. هذا المذهب يتكون من فريقين متناقضين الأول يرى أن الحتمية حقيقة وبالتالي فحرية الإرادة وهم. في المقابل يرى الفريق الثاني العكس: أي أن حرية الإرادة واقع حقيقي وبالتالي فإن الحتمية لا بد أن تكون غير صحيحة. هذا المقال معني بالفريق الأول. هناك عدة محاجّات لدعم هذا الموقف أول هذه المحاججات ما يعرف بحجة الأداة. تقول هذه المحاججة أن الأدوات التي نستعملها لا تتصرف بحرية وبالتالي فإنها لا تتحمل أي مسئولية أخلاقية. في المقابل إذا كانت الحتمية صحيحة فإنه لا فرق في الصورة النهائية بين الانسان والأداة وبالتالي فإنه لا معنى للحديث عن حرية إرادة أو مسئولية أخلاقية في هذه الصورة. نلاحظ هنا أن هذه المحاججة تفترض أن وجود الفرد داخل علاقة سببية يعني مباشرة تحوله إلى أداة تتحقق من خلالها القوانين. هذه دعوى حولها تساؤلات كبرى تجادل في أن هذا الاسنتاج غير ضروري باعتبار أننا يمكن أن تصور الانسان داخل علاقة سببية ولكنه في ذلك الوقت لديه القدرة على أن يشارك في تحديد مجرى الامور كقوة سببية ضمن قوى أخرى.      محاججة أخرى تدعم القول باستحالة اجتماع الحتمية وحرية الإرادة وتم استخدامها في المرافعات القضائية هي محاججة "لم أصنع نفسي إذن أنا غير مسئول" تقوم هذه المحاججة عل الدعاوى التالية: المتهم مسئول عن تصرفاته في حالة كان هو من قام بصنع نفسه وباعتبار أن موكلي لم يصنع نفسه إذن هو غير مسئول عن تصرفاته. هذه المحاججة تبدو ساذجة من الوهلة الأولى ولكن لها أبعاد مهمة. على سبيل المثال غالب الناس يخفف من أحكامه الأخلاقية على الآخرين بناء على الظروف التي يمر بها أولئك أي بناء على العوامل التي لا إرادة لهم بها. مثلا حين نعلم أن المتهم بالسرقة قد فقد أمه مبكرا وأن أبيه كان يعذّبه باستمرار أو يعتدي عليه جنسيا وأنه عاش فقيرا واضطر للسرقة فإن أحكامنا الاخلاقية تنخفض جدا لدرجة أن البعض قد يجادل أنه بريء وليس مجرم. الذي نفعله هنا هو أننا نقول أن هذا الانسان لا يتحمل المسئولية الاخلاقية لفعل السرقة بسبب الظروف الخارجة عن إرادته وكأننا نقول أنه لم يكن بيده الحرية في أن يمتنع عن السرقة. لو أخذنا هذا المنطق لنهايته وتذكرنا أن الانسان يولد بتركيبة جينية لم يكن له الخيار فيها كما ولد في بيئة اجتماعية لم يختارها فإن محاججة المحامي تبدو معقولة جدا. رغم كل هذا فإن المحاججة السابقة يمكن الاعتراض عليها من عدة وجوه منها الاعتراض على المقدمة الثانية أي أن المتهم لم يصنع نفسه. الاعتراض يقول أن الانسان لديه القدرة على صنع شخصيته وطبيعة سلوكه. قد تكون هذه النسبة محدودة لكنها موجودة ويمكن اعتبارها أساس لحرية الإرادة وبالتالي للمسئولية الاخلاقية. الانسان على مدار حياته أمام فرص للاختيار وتغيير مجرى الامور. هذه حقيقة تاريخية على الأقل. نحن نعرف في التاريخ أفرادا عاشوا في ظروف صعبة وتدفع باتجاه معين ولكن الافراد اتخذوا قرارات معينة في حياتهم أدت بهم إلى مسارات مغايرة لما كان متوقعا منهم. في المقابل قد يعود الحتمي ليقول أن هؤلاء الذين خرجوا على ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية قد توفرت لهم ظروف جينية ونفسية أعطتهم القدرة على التفاؤل وتجاوز الاحباط والانطلاق للتغيير. آخرون قد يولدون ينقص حاد في هذه الإمكانات وبالتالي نصبح أمام قضايا مختلفة لا نستطيع تطبيق حكمنها على أحدها على الآخر.    هذا الجدل قد يعيدنا أصلا إلى مفهوم قوانين الطبيعة ومعنى أن تكون حتمية خصوصا مع التطورات الأخيرة في المباحث الفيزيائية والتي تعطي صورة احتمالية أكثر من حتمية للعلاقات السببية. مفهوم السببية هنا جوهري لأنه باختصار هو ما يعطينا القدرة على تصور ربط الأحداث ببعضها وبالتالي المساحة التي يمكن للإنسان فيها التأثير على مجرى الأمور. لعل هذا يكون موضوع حديثنا المقبل. 
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 29, 2014 16:19

April 22, 2014

في سؤال حرية الإرادة

في سؤال حرية الإرادةعبدالله المطيري   قضية حرية الإرادة من القضايا التي أشغلت الفلاسفة والمفكرين على طول التاريخ البشري ولا تزال حتى اليوم تتصدر المبحث الفلسفي في أماكن كثيرة في العالم. هذه القضية جوهرية من عدة وجوه. أولا هي مهمة لفهم قضية المسئولية الأخلاقية. بمعنى أننا نعتقد أن الناس يتحملون تبعات قراراتهم لأنهم اختاروا القيام بتلك القرارات والأفعال. الشخص الذي نعلم يقينا أنه لم يختر لا نحمله مسئولية أخلاقية. مثلا الإنسان الذي جرفه السيل رغما عنه وأدى ذلك إلى تحطيم ممتلكات شخص آخر لا نعتبره مسئولا أخلاقيا عن فعله لأنه خارج إرادته ولم يكن في إمكانه فعل شيء آخر غير ذلك. كذلك الأطفال الصغار جدا والكبار الذين يعانون من قصور حاد في قدراتهم العقلية لا نحملهم مسئولية أفعالهم لأننا نعلم أنه ليس بأيديهم التحكم في تصرفاتهم. كل فرضيات المسئولية الاخلاقية تفترض القدرة على الاختيار والقدرة على الاختيار تفترض حرية الارادة وبالتالي فإن الجواب بلا على سؤال حرية الإرادة سيسبب إشكالا هائلا في فهمنا للمسئولية الأخلاقية وتبعاتها القانونية والاجتماعية. سبب آخر لأهمية مبحث حرية الإرادة هو السؤال الميتافيزيقي المرتبط بفهمنا للكون والإنسان. هل فعلا هناك حرية إرادة؟ هل حرية الإرادة ممكنة أصلا أم مستحيلة؟ وإذا كانت ممكنة يأتي السؤال الوجودي هل هي فعلا موجودة؟ بماذا يختلف الكون والتفكير تحت مقولتي القول بحرية الإرادة والقول بانعدام حرية الإرادة؟ هذا المبحث أيضا مهم من منظور ديني نجده في الدراسات اللاهوتية في كل الأديان تقريبا ويتعلق بالحساب الإلهي ومسئولية الإنسان عن أفعاله.        بشكل عام  قضية حرية الإرادة يمكن التعبير عنها كالتالي: إذا كان الكون محكوم بقوانين الفيزياء الصارمة والإنسان جزء من هذا الكون، فهل الإنسان محكوم أيضا بقوانين الطبيعة في كل تصرفاته؟ هل يملك الإنسان القدرة على الاختيار والقرار في عالم لا يستطيع تغيير قوانينه؟ هل توجد داخل هذه القوانين مساحة للإنسان بتغيير أو تحديد مجرى الأمور؟ هنا سؤال حرية الإرادة يواجه أطروحة الحتمية أي الأطروحة التي تقول أن الكون، والإنسان جزء منه، محكوم بقوانين صارمة بمعنى أننا لو عرفنا كامل القوانين والمعلومات عن الماضي والحاضر فإننا نستطيع أن نعرف بشكل واضح المستقبل. تجاه مقولة الحتمية هذه يمكن تقسيم التوجهات الفلسفية إلى قسمين أساسيين. القسم الأول يعتقدون أنه لا يمكن الجمع بين الحتمية وحرية الإرادة. بمعنى أنه إذا كانت مقولة الحتمية صحيحة فلا مجال لوجود حرية إرادة. ينقسم القائلون بهذا القول إلى فريقين متناقضين الأول هو فريق الحتميين الذين يقولون أن الحتمية صحيحة وحرية الإرادة وهم. الفريق الثاني هم المتحررون ويقولون بأن حرية الإرادة حقيقة وبالتالي فالحتمية باطلة. الجامع بين هذين الفريقين هو القول بعدم تلاؤم أو استحالة الجمع بين القول بحرية الإرادة والقول بالحتمية. القسم الثاني من المواقف تجاه فرضية الحتمية هو فريق التوفيقيين الذين يقولون بأنه يمكن الجمع بين حقيقة حرية الإرادة وحقيقة الحتمية. بمعنى أننا يمكن أن نمتلك حرية إرادة في عالم حتمي.     سأخصص المقالات القادمة للحديث عن كل فريق لكني سأستثمر الجزء المتبقي من هذه المقالة للحديث عن عدد من المحفّزات التي تجعل من هذا السؤال حيويا هذه الأيام. على سبيل المثال في جامعة ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية هناك مشروع بميزانية أربعة ملايين دولار مخصص لسؤال حرية الإرادة. يشرف على هذا المشروع الفيلسوف الأمريكي إلفريد ميلي وهو أحد أبرز الباحثين في هذا المجال في الوقت الحالي. يهدف هذا المشروع لجمع الفلاسفة بالعلماء مما يعيد كما يحكي ميلي التواصل القديم بين الفلسفة والعلم في الفلسفة اليونانية. من أهم المشاركين في هذا المشروع متخصصين جدد نسبيا في العلم والفلسفة. علميا يحضر علماء الدماغ والأعصاب في المقدمة وفلسفيا المشتغلين بفلسفة العقل. خلف هذا كله فكرة أساسية وهي أن فهم الدماغ الإنساني قد يقدم لنا معلومات جوهرية متعلقة بمشكلة الإرادة. من المقبول علميا أن عمليات التفكير واتخاذ القرارات تتم في الدماغ وقد يؤدي فهم القوانين التي تتحكم بعمليات التفكير والقرارات إلى فهم إلى أي مدى توجد مساحة للاختيار الحر. في ستينات القرن الماضي فاجأ علم الأعصاب بينجامين ليبيت المجتمع المعرفي بتجربة تشير إلى أن القرارات يتم اتخاذها في المخ فبل وعي الانسان بها. التجربة كالتالي: يطلب ليبيت من المشاركين في التجربة اتخاذ قرار بتحريك أياديهم متى ما أرادوا. في ذات الوقت هناك أجهزة مربوطة بهؤلاء المشاركين تقرأ حركات الموجات العصبية في المنطقة المخصصة لحركة اليد في الدماغ. يطلب ليبيت من المشاركين تسجيل الوقت الذي قرروا فيه تحريك أياديهم. بالمقارنة بين الوقت الذي دونه المشاركون وقراءة حركة الموجات العصبية في الدماغ وجد ليبيت أن حركة استثنائية متعلقة بحركة اليد نشأت في الدماغ قبل الوقت الذي دونه الأفراد عن موعد اتخاذهم لقرار تحريك أياديهم. إذا كانت هذه النتائج دقيقة فهذا يعني أن القرارات يتم اتخاذها في اللاوعي وبالتالي فمن الصعب الحديث عن كون هذه القرارات تم اتخاذها بحرية. حرية الإرادة هنا ليس إلا وهما يعطي الانسان شعورا مهما بالمسئولية والفاعلية. طبعا هذه النتائج واجهت نقدا كبيرا واعتراضات هائلة ولكنها مناسبة لفهم طبيعة الجدل الحالي وعلاقة البحوث العلمية في علم الأعصاب والدماغ والأسئلة الفلسفية التي تنشأ نتيجة لها. لن يكون في هذه الأجواء أغرب من تجاهل هذه البحوث بالنسبة للفيلسوف. المنتج العلمي هنا هو مادة الفيلسوف التي تحفزة للتفكير في الواقع والحياة والإنسان. الفيلسوف هنا ناقد ليس فقط للنتائج بل أيضا للمنهجية العلمية ولكنه في كل الأحوال قريب من ومباشر لتلك الدراسات. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 22, 2014 17:17

April 15, 2014

مؤتمر شيكاجو وأزمة تاريخ الفلسفة

مؤتمر شيكاجو وأزمة تاريخ الفلسفةعبدالله المطيري     من تقاليد المؤتمرات العلمية أن يلقي فيها عدد من المدعوين محاضرة عامة تتسم غالبا بالتركيز على قضايا كبيرة في مجال اهتمام رواد المؤتمر. إحدى تلك المحاضرات المحاضرة الرئاسية أو المحاضرة التي يلقيها رئيس المنظمة المنتخب من قبل أعضائها. يتوقع في مثل هذه المحاضرة أن يكون الحديث عن قضايا كبيرة تتعلق بالمجال البحثي المشترك لدى أعضاء المنظمة ومستقبله وأكبر العوائق التي تواجهه. في مؤتمر الجمعية الفلسفية الأمريكية الذي عقد مؤخرا في شيكاجو ألقى الكلمة الرئاسية رئيس الجمعية ستيفن نادلر. نادلر هو أستاذ الفلسفة في جامعة ويسكانسون-ماديسون ومتخصص في فلسفة القرن السابع عشر خصوصا فلسفة ديكارت وسبينوزا. اختار نادلر أن يتحدث عن تاريخ الفلسفة وقيمته الفلسفية. أو بالتحديد أراد أن يجيب على سؤال لماذا ندرّس تاريخ الفلسفة لطلاب الفلسفة في الجامعات.    في إطار هذا العنوان الكبير ناقش نادلر أزمة الهوية عند مؤرخي الفلسفة أو عند الفلاسفة المهتمين بالفلسفة القديمة. أزمة الهوية يمكن وضعها كالتالي: هل المشتغل على الفلسفات القديمة فيلسوف أم لا؟ هل هو مؤرخ أم فيلسوف؟ يبدو أن نادلر هنا يحمل قضية يعاني منها أساتذة تاريخ الفلسفة في أقسام الفلسفة في الجامعات مع زملائهم المشتغلين بقضايا معاصرة. أزمة الهوية هذه تنعكس أيضا على برامج تدريس الفلسفة في الجامعات. إذا لم يكن المشتغل على الفلسفة فيلسوفا فهل الفلسفة القديمة فلسفة أم تاريخ للفلسفة؟ هل من الضروري تدريس تاريخ الفلسفة للفلسفة؟ وبأي معنى يمكن تبرير القبول أو الرفض؟    يبدأ نادلر بالتفريق بين مؤرخ الأفكار ومؤرخ الفلسفة. مؤرخ الأفكار مشغول بتوثيق الأفكار وتحقيقها ومقارنة الروايات المتعلقة بها وربما بترجيح روايات على أخرى. بمعنى آخر مؤرخ الأفكار مشغول بوضع الأفكار في إطارها التاريخي الذي نشأت فيه قدر الإمكان. في المقابل فإن مؤرخ الفلسفة مشغول بمضامين الأفكار الفلسفية القديمة. بمعنى أن مؤرخ الفلسفة هو من يعيد الجدل والأفكار القديمة إلى التأمل الفلسفي من جديد. مؤرخ الفلسفة يتعامل مع أفكار سبينوزا مثلا لا على أنها علامة على حقبة تاريخية معينة بل على أنها جواب مطروح الآن وهنا على أسئلة لا تزال تشغل الباحثين الآن وهنا. بهذا المعنى يكون تاريخ الفلسفة فلسفة بالمعنى الدقيق. الفرق بين المشتغل على المنجز العلمي الحديث من الفلاسفة والمشتغل بالمنجز الفلسفي القديم هو فرق في موضوع البحث وليس في منهجيته وأدواته.      على هذه الخلفية يكون تدريس الفلسفة القديمة لطالبات الفلسفة أمرا منطقيا لأننا باختصار أمام أطروحات لا تزال تناقش قضايا جوهرية وأساسية. أيضا نحن أمام نماذج عالية المستوى من التفكير الفلسفي من المهم لدارسي الفلسفة أن يتواصلوا معا ويتعرّفوا عليها. بعد ذلك ينتقل نادلر لحديث تفصيلي عن مقترحات طريقة تدريس الفلسفة الحديثة لطالبات وطلاب الفلسفة في ظل أزمة الهوية هذه وضيق المساحة الزمنية المخصصة لهذه الموضوعات. كيف يمكنك كأستاذ أن تساعد طلابك على التواصل مع جون لوك وسبينوزا وديكارت وهيوم وكانت في فصل دراسي واحد أو على الأكثر اثنين. هل تلجأ للعرض المسحي على حساب التواصل المعمّق مع كل فيلسوف على حدة؟ أم التعمق مع واحد أو اثنين واهمال البقية؟ كل التضحيات في هذه الخيارات كبيرة وتعبّر عن أزمة الاهتمام بالفلسفة القديمة في الدراسات الفلسفية المعاصرة.     هذا الجدل يعيدني على تجربة شخصية في الفصل الدراسي الماضي حين درست مادة خاصة عن أفلاطون وأرسطو تحت عنوان تاريخ الفلسفة. ما حصل على طول الفصل الدراسي أننا درسنا نصوص أفلاطون وأرسطو كما لو كانا فيلسوفان معاصران. بمعنى أن الدرس لم يكن معنيا أبدا بوضع تلك المقولات في إطارها التاريخي التي نشأت فيه. موضوع الاهتمام كان أراء أفلاطون وأرسطو في الميتافيزيقا والابستيمولوجيا. كنا نقوم بفصل تلك المقولات عن سياقها التاريخي ونحللها كمقولات مستقلة معروضة اليوم وهنا. من النقودات الكبيرة على الفلسفة التحليلية هو أنها غير تاريخية. أي أنها لا تعير الاهتمام الضروري للدور وأثر السياق التاريخي في تشكيل الطروحات الفلسفية. سيرد الفيلسوف التحليلي هنا أن هذه المهمة هي مهمة مؤرخ الأفكار وليست مهمة الفيلسوف المشتغل بالفلسفة القديمة. ما يهم الفيلسوف، بحسب الفلسفة التحليلية، هو المنطق العقلي الذي من خلاله وصل أفلاطون وأرسطو لأطروحاتهم. بالتأكيد أن كلا منهما كان متأثرا بعوامل تاريخية واجتماعية ونفسية لكن ما يهم الفيلسوف هو كيف أحال أفلاطون وأرسطو تلك المؤثرات إلى منطق عقلاني مكّنه من الوصول إلى ما وصل إليه. الفيلسوف التحليلي هنا ربما أكثر تواضعا باعتبار أنه لا يزعم تقديم تصورا كاملا عن "أفلاطون" و"أرسطو" بقدر ما يزعم تقديم تصورا داخليا للمنطق الذي تتحرك داخله أطروحات أفلاطون وأرسطو الفلسفية. هذه أطروحة محدودة أيضا باعتبار أنها تهمل بشكل واضح النمو التاريخي للمفاهيم والمصطلحات. لدى كل فيلسوف قاموس خاص من الضروري فهمه لفهم أطروحات هذا الفيلسوف. المفاهيم داخل ذلك القاموس تنتمي لتاريخ محدد وشجرة من الجذور والفروع من الصعب فهمها دون فهم التاريخ الذي مرّت به. خذ على سبيل المثال مفهوم السياسة عند أرسطو والذي برأيي لا يمكن فهم ماذا يعني به تحديدا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار السياق السياسي اليوناني ونظرتهم للفضاء العام والفضاء الخاص. هذه الأطروحة يمكن تمديدها لتشمل الأطروحات الميتافيزيقة والإبستمولوجية معا والمرتبطة بالضرورة بتصور البشر للكون والمعرفة في ذلك الوقت.     لا تزال إشكالية الفلسفة وتاريخها إذن إشكالية معاصرة تتراوح أطرافها من الاغراق في التاريخ على حساب التفلسف مما يفقد الأفكار معاصرتها أو الاغراق في التفلسف على حساب السياقات التاريخية التي ولّدت في نهاية الأمر تلك الأفكار الفلسفية. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 15, 2014 16:09

عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.