المذهب التحرري ومقولة الحتمية
المذهب التحرري ومقولة الحتميةعبدالله المطيري سأرجئ الحديث عن الحتمية والنظريات الفيزيائية الكلاسيكية والحديثة لمقال لاحق من أجل استكمال التوجهات والمذاهب المتعلّقة بالموقف من حرية الإرادة أولا. قلنا في المقالة الأولى أنه يمكن تصنيف المواقف من حرية الإرادة إلى ثلاثة مذاهب. المذهب الأول ينفي وجود هذه الحرية ويقبل مقولة الحتمية. هذا المذهب كان موضوع المقالة السابقة. المذهب الثاني يرفض مقولة الحتمية الكاملة ويعتقد بوجود حرية إرادة. هذا المذهب هو موضوع هذه المقالة. المذهب الثالث هو مذهب التوفيق بين حرية الإرادة والحتمية باعتبار أن كلاهما صحيح ولا يوجد بينهما تناقض. سيكون هذا المذهب موضوع المقال المقبل. قبل الدخول في تفاصيل مواقف القائلين بحرية الإرادة لا بد من التمييز بين أطروحتين في هذا المجال. أولا، الأطروحة الميتافيزيقية والتي تتسائل هل حرية الإرادة ممكنة؟ وثانيا الأطروحة الأخلاقية التي تتسائل عن ضرورة حرية الإرادة لإثبات معقولية المسئولية الأخلاقية. الاهتمام الأول فلسفي وعلمي والاهتمام الثاني عام وقانوني واجتماعي باعتبار أنه متعلق مباشرة بالسلوك الفردي والجماعي وعلاقته بالقانون الاخلاقي أو القانون الاجتماعي. رغم كل هذا إلا أن الأطروحات المعروضة في هذا المقال متعلّقة بالسؤال الميتافيزيقي المشغول ببحث إمكان وطبيعة حرية الإرادة. التحرريون يجمعهم إثبات وجود حرية الإرادة ولكنهم يتفاوتون في تصوراتهم لها وإثبات براهينها. من أقدم هذه التصورات التصور القائل بثنائية الروح والجسد. أي الرأي الذي يعتقد أن في الإنسان مكوٍّن غير خاضع بطبيعته لقوانين الطبيعة. غالبا ما يطلق على هذا المكوّن "الروح" وهي بالتعريف خارجة عن القوانين التي تخضع لها كل المكونات الأخرى في الطبيعة. كثيرون يعلّقون حرية الإرادة بهذا المكون الاستثنائي للانسان. بهذا الشكل يصبح الانسان مكوّن من طبيعتين الأولى مادية خاضعة لقانون الطبيعة والأخرى روحية متجاوزة له. نجد هذه المقولة مثلا في الأديان وفي بعض المذاهب الفلسفية كالأفلاطونية القديمة والفلسفات الغنوصية والصوفية. يواجه عادة دعاة هذا التوجه صعوبات في تقديم معلومات عن هذه الطبيعة الثانية يمكن أن يحوّل هذه الدعوى إلى دعوى مفهومة بشكل دقيق وتفصيلي. كذلك يواجه هذا الطرح إشكالا واسعا في تقديم صورة واضحة لعلاقة الطبيعة المادية بالروحية داخل الانسان. في المقابل هناك تصورات تقول بحرية الإرادة بدون أن تفترض أي طبيعة غير مادية في الإنسان. بمعنى أن الانسان كما هو بطبيعته المادية يملك حرية الإرادة. يتوسع بعض مناصري هذا المذهب ليعتبر الحيوانات ممتلكة لحرية الإرادة كذلك. من أحدث الأطروحات في هذا الاتجاه أطروحة الفيلسوفة البريطانية هيلين ستيوارد في كتابها الصادر حديثا "ميتافيزيقا للحرية". تضع ستيوارد رهانها على محاججة بسيطة تظهر لها بوضوح امتلاك كائنات معينة لحرية الإرادة. تلك الكائنات تقوم بحسب ستيوارد بحسم أسئلة وقرارات وشئون لا يحسمها إلا هم. قوانين الطبيعة على سبيل المثال لا تحدد بشكل مطلق طريقة واتجاه سير الكلب مثلا. بالنسبة لقوانين الطبيعة سير الكلب في الاتجاه أ أو سيره في الاتجاه ب كلها خيارات ممكنة داخل قوانين الطبيعة. صاحب القرار في تحديد الاتجاه إذن هو الكلب نفسه بحسب ستيوارد. الكائنات التي يمكن أن نفصل بينها وبين أجسادها هي التي يمكن أن نقول أنها تملك إرادة داخل هذه الصورة. الانسان أحد هذه الكائنات التي تتخذ قرارات وتحسم قضايا عديدة داخل الممكن الفيزيائي. على سبيل المثال حين تصل عطشانا لثلاجة تحتوي عدد كبير من نفس المشروب فإن اختيارك لعلبة معينة دون الأخرى هو قرار حر ولا يمكن الحديث عن قانون فيزيائي أو نفسي تم اتخاذ هذا القرار بناء عليه. في الأخير لا يوجد فرق ذو قيمة علمية بين العلبة التي تم اختيارها والعلبة المجاورة لها. هذه القرارات الأولية والبسيطة تكفي بحسب ستيوارد لإثبات وجود إرادة حرة لدى كثير من الكائنات ومنها الانسان. يمكن إختصار أطروحة ستيوارد في المحاججة التالية: إذا كانت الحتمية الكونية صحيحة فالمستقبل محسوم. وإذا كانت هناك حيوانات تحرّك أجسادها وتحسم قرارات بسيطة فالمستقبل مفتوح. واقعيا توجد هذه الحيوانات. إذن الحتمية الكونية غير صحيحة. يواجه هذا المذهب إشكالات من ضمنها ضبابية الفاصل بين الكائنات التي تملك إرادة حرة وبين تلك التي تفتقدها وكذلك ضبابية الفرق بين القرارات التي نحسم من خلالها كثير من القضايا وتعبّر عن حرية إرادتنا وبين تلك التي تحسم قضايا كثيرة ولكنها لا تعبّر عن إرادتنا الحرة. عملية الهضم مثلا تحسم قضايا كثيرة ولكنها لا تتم بإرادتنا الحرة وكذلك مشي النائم ليلا. محاججة أخرى أساسية ومهمة لدى مثبتي حرية الإرادة هي دعوى البداهة. هذه المحاجّة بسيطة وتقوم على الاحساس والشعور الواضح لدى كثيرون بامتلاكهم إرادة حرة. لسان حال هذا الاحساس ما يلي "أنا أشعر بوضوح أني أملك حرية إرادة، هذا الشعور بديهي وبدونه لا أستطيع أن أفهم أي شيء حولي. أنا أتخذ قرارات وأملك خيارات أعلم أنها غير محسومة من طرف قوانين أكبر مني". غالب مواقف الناس تنبع من هذا الاحساس المباشر والواضح. مشكلة هذا الموقف أنه غير كافي لتأسيس فهم واضح لحرية الإرادة. من جهة هذا الشعور قد يكون خاطئ والتاريخ يخبرنا كثيرا عن أفكار تبدو بديهية وهي غير صحيحة. ثبات الأرض كان بديهيا في يوم من الأيام لدى كثير من الناس على سبيل المثال. هناك تصورات أخرى تقوم على دعاوى احتمالية قوانين الطبيعة وتنفي وجود قوانين حتمية. هذه المواقف ربما تكون موضوعا للمقالات القادمة. الجدل الأهم اليوم الذي يواجه القائلين بحرية الإرادة هو جدل العلم وتحديدا الاكتشافات الحديثة في علوم المخ والأعصاب والجينات. مع هذه الاكتشافات أصبح الإنسان أكثر وضوحا أمام الباحثين من أي وقت مضى. على التحرريون تقديم تفسيرات مستمرة تبقي احتمال وجود حرية الإرادة داخل الصورة العلمية المتطورة يوما بعد يوم. تصوّر لة مثلا في الأديان وفي بعض المذاهب الفلسفية كالأفلاطونية القديمة والفلسفات الغنوصية والصوفية. المتعلّقة بالhttp://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on May 06, 2014 17:47
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

