عبد الله المطيري's Blog, page 7
April 8, 2015
تربية الأنانية وبناء المجتمع
تربية الأنانية وبناء المجتمععبدالله المطيري المبدأ الأساسي لكل مجتمع هو أن يُبنى على أساس التعاون. أي أن يتوافق أفراده على العيش المشترك وتبادل الأدوار في ما بينهم. نحن هنا أمام حقيقتين أساسيين: الأول أن الفرد لا يستطيع العيش لوحده وثانيا أن المجتمع لا يستمر إلا من خلال قدرة أفراده على التعاون. الحقيقة الأولى تشير إلى أن الفرد يحتاج الآخرين للحصول على أساسيات حياته: أكله وشربه ومسكنه ولغته ومشاعره وتفكيره. أحيانا تضعف عملية المقايضة إحساس الناس بالتعاون. بمعنى أن الفرد الذي يشتري احتياجاته بالمال لا يشعر مباشرة بالطبيعة التعاونية بينه وبين البائع. لكن التبادل المالي ليس كل ما في المعاملة. التبادل المادي نفسه قائم على شكل من أشكال الثقة المتبادلة بمعنى أن المشتري يثق بأن ما يقدمه البائع،وجبة طعام مثلا، صالح للاستعمال وآمن. في المقابل فإن البائع يثق أن المشتري سيقدّر مجهوده ويعطيه ثمن سلعته بدلا من سرقتها. على مستوى آخر يغيب عن تفكيرنا كثيرا دور الآخرين في تفكيرنا وتواصلنا. من المعروف اليوم في علوم اجتماع اللغة أنه لا لغة بدون جماعة ولا تفكير بدون جماعة. وبالتالي فإن الذات نفسها هي في الأخير نتيجة للعلاقة مع الآخرين كما حاولنا الإيضاح هنا في المقالات السابقة. كل هذا يعني أن الأنانية عملية معاكسة لكل ما نعتقد أنه أساس للعيش والتواصل والشعور والوعي. من مهم هنا أن نميز بين الفردية والأنانية. الفردية لا تتعارض مع إدراك الطبيعة التعاونية والتواصلية الضرورية للحياة ولكنها تؤسس لأحد شروطها وهو أن تحتفظ الذات بذاتيتها ولا تذوب في الجماعة. أي أنها تؤكد هذه الفكرة: التعاون يعني وجود أكثر من طرف في العلاقة. الفردية تؤكد عدم التفريط في أحد الأطراف لأن هذا سيلغي فكرة التعاون من أساسها. حين يستولي طرف على آخر ويقوم بإخضاعه فإن ما يتم بينهم ليس تعاونا ولا تواصلا بل ضربا حادا من ضروب العنف. الفردية هنا هي تأكيد على شرط من شروط التعاون وهو استقلال وتمايز الأطراف. في المقابل الأنانية تقوم على تحجيم دور الآخر لمجرد إداة لتحقيق أغراض الذات. موضوعنا هنا هو محاولة في فهم المجتمع المنتج للأنانيين. أو بشكل أدق العلامات والظواهر التي يمكن ملاحظتها في مجتمع تكثر فيه تربية الأنانية. لا بد هنا من التذكير على الأنانية غالبا ما تكون نتيجة لأسلوبين من أساليب التربية تحدثنا عنهما بالتفصيل في المقالات السابقة: تربية القسوة وتربية التساهل أو الدلع. كلتا الصورتين تنتج أفراد غير قادرين على رؤية الآخر خارج أفقهم الخاص. أي أن الآخر يتم رده باستمرار للذات ولا معنى له خارجها. في مجتمع يكثر فيه الأنانيين أو يتم التوافق فيه على أخلاق الأنانية نواجه معضلة حقيقية يمكن التعبير عنها كالتالي: لدينا مجتمع لا يمكن أن يستمر إلا بالتعاون ولدينا مجموعة كبيرة من الأفراد توافقت على أخلاق غير تعاونية. هنا يمكن أن نلاحظ أننا أصبحنا أمام ظاهرة معروفة وهي عنف القانون. أي أن مؤسسات المجتمع القانونية تلجأ لاستخدام العنف للحفاظ على الطبيعة التعاونية في المجتمع وعلى قدرة الناس على حل مشاكلهم بالسلم بدلا من العنف وتخفيف حدة الصراع بينهم. بمعنى أننا نصل إلى حرب بين مؤسسات المجتمع ومجموعة كبيرة من أفراده. هنا لم تعد المؤسسات تعبيرا حقيقيا عن إرادة الناس بقدر ما هي تعبير عن محاولة عنيفة لمجتمع لا يملك أخلاق تعاونية. هنا نعود إلى النقطة الأساسية لهذه المقالات وهي علاقة أخلاق التعاون والنمو الأخلاقي بالعدالة. هنا نواجه صورة مختلفة نسبيا لذات المعضلة السابقة: المجتمع غير العادل يفشل في مساعدة الناس على أنجاز أخلاق التعاون والناس الذين لم يتربوا على أخلاق التعاون "الأنانيين" عاجزين عن تأسيس ودعم مجتمع عادل. هنا نصبح أمام خيارات عنيفة: إما مجتمع محكوم بالعنف أو تفكك عنيف للمجتمع. أمام هذه الحالة المخيفة وضع كثير من المهتمين أملا واسعا في مؤسسات التربية والتعليم. بمعنى أن المدارس يمكن أن تكون الحلقة التي يتحول من خلالها المجتمع غير العادل بالتدريج إلى مجتمع عادل. أي أن المدارس يمكن أن تكون هي المصادر التي يمكن من خلالها تزويد المجتمع بأفراد من نوعية مختلفة. نوعية من البشر تمت جمايتهم من أجواء الصراع وتزويدهم ببيئة مناسبة لنمو أخلاق التعاون. المدرسة هنا يفترض لها أن تدخل عنصر جديد في المجتمع يمكن الرهان على المستقبل معه. إذا كان المجتمع التقليدي يسعى أن يكرر الجيل الجديد تجربة الجيل القديم فإن فكرة المدارس يمكن أن تسعى إلى ضخ تجربة جديدة تساعد على ظهور جيل جديد مختلف بدرجة ملحوظة عن الجيل السابق. طبعا تصور واحد للمدارس وإلا فإنها يمكن أن تعمل لتكريس القديم والاستفادة منه من خلال سيطرة جماعة محددة على التعليم لخدمة مصالحها. الأمل الذي تفتحه مؤسسة التعليم يحتاج إلى حالة من وعي لدى أفراد فاعلين في المجتمع بأن الدفع باتجاه أخلاق التعاون هو المخرج من المأزق الكبير. الأمل كذلك ينبع من أن تربية القسوة والدلع لا تنتج بـ"الضرورة" أنانيين. صحيح أنها "غالبا" تنتج أنانيين لكن الإنسان قادر في كثير من الأحيان على الظهور بنتائج مخالفة للظروف التي ينشأ فيها. الإنسان كذلك ليس حالة واحدة مستقرة بل تطور مستمر ولذا فالأفراد الذين عاشوا كأنانيين في فترات من عمرهم قادرين من ناحية المبدأ على الخروج من الأنانية من خلال توافرهم على خبرات وتجارب تدعم فيهم حسن الأمان والمحبة والشعور بالانتماء للآخرين والقدرة على التواصل معهم. هذا الأمل سيكون موضوع المقالات السابقة المخصصة للتربية والتعليم.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on April 08, 2015 04:17
March 31, 2015
عنف الانغلاق على الذات
عنف الانغلاق على الذاتعبدالله المطيري موضوع هذه المجموعة من المقالات هو العنف والأنانية امتدادا للحديث الأصل عن النمو الأخلاقي وقيمة العدالة. العنف هنا مفهوم بمعناه الواسع بحيث يشمل كل سلوك يقوم به الإنسان وكأن ليس لمن حوله إلا استقبال نتائج أفعاله. العنف هنا إذن كما يؤكد لافيناز جوهر كل فعل غير تعاوني. التعاون هنا يعني أخذ الآخر بعين الاعتبار المساوية لاعتبار الذات حين الفعل. أو بعبارة أخرى كل فعل لا ينطلق من مسئولية الانسان تجاه الآخرين. هذا يعني أن العنف هو نتيجة حتمية لكل سلوك تتراجع فيه الأولوية الأخلاقية لصالح أولويات أخرى علمية أو إقتصادية أو سياسية أو دينية. المقالة السابقة ناقشت عنف الأناني المصارع واليوم موضوعنا عنف الأناني المنغلق على ذاته. الأناني المنغلق على ذاته يعيش داخل هذه الفكرة الأساسية: أنا أحتاج للمساعدة..قدرتي على مساعدة الآخرين محدودة. المنغلق على ذاته نوافذه مفتوحة على الاستقبال فقط. لا يعني ذلك أن المنغلق على ذاته لديه موقف عدائي تجاه الآخر بالضرورة ولكن الآخر لديه ثانوي وبعيد ومفهوم في سياق احتياجات الذات لا أكثر. في تحليلنا السابق قلنا أن الانغلاق على الذات قد ينتج عن أسباب مختلفة إحداها تربية الدلال والدلع أو بعبارة أخرى التربية التي تحجب الطفل عن نتائج أفعاله. هذا الحجب يعيق تواصل الطفل مع الآخر خارج كون هذا الآخر مجرد موضوع للذات. الآخر ككائن مستقل عن كل حسبة ذاتية بعيد عن الصورة. المغلق على ذاته عنيف من نوع خاص. بطبيعة سلوك المنغلق على ذاته فإن دائرته الاجتماعية محدودة تتكون من أقارب محدودين وأصدقاء محدودين أيضا. العنف هنا متولّد من هذه المعادلة: المنغلق على ذاته لا يبدو في سلوكه إدراك لآخرية الآخرين وهذا يؤديهم. هم يعرفون تماما أنه يجعل ذاته أولا، يكتفون باستمرار أنهم يغيبون عن تفكيره بسرعة، حين يحضرون معه فإنه باستمرار يسحبهم لمجاله الخاص بدون نيّة للعودة لمجالاتهم. من حوله يشعرون بالظلم لأنه لا يدرك ضعفهم كذلك. لكي يحيّدهم عن الصورة فإنه يجعلهم أقوياء لا يحتاجون مساعدة وهو وحده من يحتاجها. إذا علم بأزماتهم فإن أول ما يخطر على باله هو الشعور بالارتياح أنه لم يكن هو من تعرّض لتلك الأزمات. كل هذا يولّد لدى من حوله شعور عميق بأن هذه العلاقة لا يمكن أن تكون صحيّة بهذه الشكل. هذا الانسان يطالب بعطاء لا ينتهي وليس لديه الاستعداد لمبادلة العطاء. في ذات الوقت فإن هذا المنغلق على ذاته على خلاف الأناني المصارع لا يزال يحتفظ بمشهد من الضعف يجعل من حواليه يشعرون تجاهه بالرحمة والعطف وبالتالي لا يستطيعون مغادرته بالكامل. لذا فإن المحيطين بالمنغلق على ذاته عالقين بين حالتين مؤلمتين: الأولى علاقة أنانية تحتاج منهم التضحية المستمرة والثانية مشاعر بالرحمة والعطف تمنعهم من مغادرة هذا الانسان والابتعاد عنه. هذه الجدلية بين الشعور بالظلم والشعور بالواجب تجاه ذات الشخص لا يستطيع تحمّلها إلا من أصبحت علاقتهم مع هذا الانسان متجاوزة لاختياراتهم. بمعنى أنها أصبحت جزءا من قدرهم في الحياة. في النهاية نصل إلى المشهد المتوقّع من الأناني وهو أن لا يبقى حوله إلا أمه ومن هم في مثل قدرتها على العطاء اللاإرادي. هذا النوع من العلاقات أقرب لعلاقات التضحيات أحادية الجانب. العلاقات التي تتأسس على غياب الذات في الآخر وتحولها إلى إحدى فعالياته الخاصة. هذه العلاقة تعيد بالمنغلق على ذاته إلى حالة من الألفة باعتبار أن هذه العلاقة تحديدا هي تلك التي نشأ عليها برعاية من حوله. هذا الطفل الأناني نشأ على أن يظهر الآخرون من حوله في أفقه الذاتي أي مفهومين داخل حساباته الخاصة. عملية "الردّ" هذه، رد الآخر للأنا، هي جوهر العنف في هذه العلاقة لأنها باختصار تقوم بتدمير الآخر وتحويله إلى ملكية خاصة. هنا يمكننا الحديث عن عملية استرقاق من درجة مختلفة. الرق التقليدي يعني أن يمتلك إنسان إنسان آخر. بمعنى أن تكون حياة، وجود، تجربة المملوك لا معنى لها خارج حياة، وجود، تجربة المالك. العلاقة هنا هي علاقة ردّ المملوك للمالك. لذا حين يهرب المملوك فإن عمليه "ردّه" أو "إعدامه" تنطلق مباشرة. لا معنى لحياة المملوك خارج الدائرة التي ترسمها ذات المالك. في المقابل فإن عملية علاقة الأناني المنغلق على ذاته هي عملية استرقاق ولكن من طرف الضعيف هذه المرّة. استرقاق لأنها تتضمن ردّ الآخر للذات. الآخر خارج حسبة المنغلق على ذاته يختفي أو بتعبير آخر يموت. يحكي جون ديوي عن أفلاطون أنه عرّف العبد على أنه من يعيش لينفّذ أهدف غيره. البقاء على في علاقة مع المنغلق على ذاته تعني شيئا مقاربا لذلك. الخروج على هذه العلاقة يعني فتور العلاقة مع المنغلق على ذاته فهو لا يعلم ما يفعل بك سوى أن يجعلك أذنا منصتة. حين تطالبه بالاستماع لك كذلك فإنه تبدو غير مفهوما ومزعجا وتتحول العلاقة إلى علاقة من طرف واحد. المنغلق على ذاته لا يعرف كيف يكون أذنا منصته. الأذن لديها القدرة على الاستقبال والانفتاح على الجديد والمختلف على خلاف اللسان. المنغلق على ذاته لا يجيد الاستماع ويرتاب منه ويشعر بالقلق حين ممارسته. الاستماع انفتاح هائل على الآخر، استقبال له ودعوة له بالحضور والتواصل. باختصار العلاقة مع المنغلق على ذاته مؤذية كأذى هذه التجربة " إنسان يتكلم لك كثيرا ولكنه لا يريد الاستماع لما تقول..يقاطعك بسرعة ليستعيد القيادة.. بعد فترة تشعر بأن هذا الانسان لا يراك إلا كأذن..حين تبدأ بالحديث تختفي من مجال رؤيته..".
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on March 31, 2015 16:14
March 24, 2015
الأنانية والعنف
الأنانية والعنفعبدالله المطيري وصل بنا التحليل السابق إلى أن الأنانية (غياب الآخر عن تفكير الذات) يمكن أن تنتج عن أساليب متضادة في التربية. تربية التساهل أو الدلع وكذلك تربية القسوة. تربية التساهل تحرم الطفل من أن يتعلّم لأنها تحرمه مع التعرّف على نتائج أفعاله وأثرها على الآخرين. الأم أو الأب ها يقطعون دائرة التعليم من خلال حماية الطفل من نتائج أفعاله أو من خلال تحمّل هذه النتائج نيابة عنه. أو على مستوى أعلى القيام بالفعل نيابة عنه وبالتالي الحد من تواصله مع العالم ومع الآخرين. كل هذا يجعل من الآخر بعيدا وغير مفهوم. حضور الآخر هنا حضور بعيد ومشوّش والأهم أنه مفهوم دائما في الدائرة الذاتية. أنا أولا والآخر يحضر في سياق رغبات وحاجات الذات فقط. في المقابل تربية القسوة ترفع احتمالات يأس الطفل من الثقة في الآخرين وتقمّص أخلاق الصراع بدلا من أخلاق التعاون. الطفل الذي يتعرّض للقسوة من أقرب الناس له يفقد النماذج التي يمكن تجمعه بآخر عادل ويمكن الثقة به. لغة الاحتمال هنا مهمة لأن تربية الانسان وتجربته معقدة جدا ومفاجئة لكل تحليل. تربية القسوة قد ينتج عنها قلوب رحيمة وتربية الدلع قد ينتج عنها ذوات تحب العطاء. موضوعنا اليوم هو عن العنف والأنانية. الدعوى الأساسية هنا هو أن الأنانية سلوك عنيف. الأنانية هنا تشمل النوعين التي سبق أن تحدثنا عنها "الأناني المصارع" و"الأناني المنغلق على ذاته". عنف أنانية المصارع يبدو أوضح للتحليل لكن عنف الأناني المنطوي على ذاته يحتاج مزيد من التحليل. قبل هذا كله لا بد من إيضاح ماذا أقصد بالعنف أولا. لهذا الغرض سأقتبس هذا التعريف المهم للفيلسوف إيمانويل لافيناز في كتابه "الحرية الصعبة" يقول لافيناز"العنف لا يوجد فقط في كرة بلياردو تضرب أخرى، أو في عاصفة تدمر الحقول، أو في سيّد يسيء معاملة عبده، أو في دولة شمولية تحط من قيمة شعبها، أو احتلال وإخضاع البشر في الحروب. العنف يوجد كذلك في كل فعل يقوم به الإنسان وكأنه المتصرف الوحيد، وكأنه مهمة بقية البشر في الكون أن تستقبل آثار هذا السلوك، لذا فالعنف هو كل فعل نقوم به بلا تعاون". بهذا المعنى العنف هو كل فعل لا يتم فيه اعتبار وجود الآخرين. غالب سلوك الإنسان له علاقة وأثر على الآخرين. الإنسان لا يعيش في جزيرة معزولة. ولذا فالسلوك الذي ينقوم به بدون أن نعتقد أن الآخر يفترض أن يكون فاعلا فيه وليس فقط مستقبلا له فهو سلوك عنيف. على سبيل المثال انتظار الناس أمام آلة الصراف الآلي لإجراء عملياتهم المالية. أساس العنف هو ذلك الشعور الأناني داخلنا بأنه لا مانع لدينا من ألغاء الطابور والقفز للأمام لو حانت لنا الفرصة. هذا يعني أن الآخرين لا وجود لهم في تفكيرنا إلا كعقبة أمام تحقيق أهدافنا الخاصة. هذا هو المعنى الذي سأستخدمه للعنف في تحليلي اللاحق للعلاقة بين الأنانية والعنف. سيكون التحليل من خلال النموذجين السابقين: الأناني المصارع والأناني المنغلق على ذاته. النموذج الأول هو موضوع بقية هذا المقال. الأناني المصارع يعتقد أن ذاته تأتي أولا في كل الحسابات. "ذاتي أولا" تعني "الآخر لاحقا". في تفكير الأناني المصارع تغيب هذه الإمكانية "أنا مع الآخر". الأناني المصارع يعيش بعقلية "العالم غابة" و"إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب". هنا تختلط علينا هذه الصور بين تقرير حال العالم وبين الرغبة في استمرار تلك الحالة. المصارع يتصالح مع طبعه الصراعي لدرجة أن دعوات التعاون بدل الصراع تعتبر تهديدا له. الأناني المصارع يرتبط مستوى عنفه بمستوى علاقاته مع الآخرين و بمعدل القوة والصلاحية لديه. لكن جوهر العنف في تفكير وسلوك الأناني المصارع هو صعوبة جعل الأولوية للآخر أو جعل أولوية الآخر على مستوى أولوية الذات. هذا لا يتناقض مع قيام الأناني المصارع بسلوكيات الرحمة والعطف من فترة إلى أخرى. الأناني المصارع قادر على القيام بذلك ولكن فقط مع أولئك الذين لا ينافسونه أو لا يمثلون تهديدا لمرتبة الذات العليا. الرحمة والعطف هنا تكون في خدمة الذات وتعزيز رضىاها عن نفسها. الرحمة والعطف قد تتحقق من عدة منطلقات منها: الرحمة والعطف التي تظهر قوّة القوي وكرمه وضعف الضعيف وحاجته. المنطلق الآخر أن تتحقق الرحمة بين أطراف متساوية. أرحمك لا لأني أقوى منك ولكن لأني ضعيف مثلك وأنتظر رحمتك. المنطلق الثالث أن أرحمك لأنك حقيقة من ترحمني هنا..ضعفك أقوى من قوتي ومسئوليتي تجاهك سابقة لكل اختياراتي. الأناني المصارع قادر على الحالة الأولى فقط لأنها الوحيدة التي لا تهدد تراتبيته التي تضع من ذاته أولا وقبل أي شيء آخر. الحالة الأولى لا تناقض حالة الصراع في جوهرها لأنها لا تتعارض مع صورة القوي والضعيف، الغالب والمغلوب. الصورة الأولى تقدم فرصة لاستعراض القوّة والانتصار. عنف الأناني المصارع يظهر في عجزه عن الحوار مع من حوله. هذا يعني أن من حول هذا الأناني يشعر باستمرار أن علاقته مع الأناني المصارع تحطّ من قيمته. الأناني المصارع يدعوك لهذه الخيارات: علاقة شكلية صورية بعيدة، علاقة تعلن فيها خضوعك، أو علاقة صراع بينك وبينه. كل هذه العلاقات غير أخلاقية. لذا ليس من الغريب أن ينتهي الأناني المصارع إلى حياة بلا أصدقاء، حياة لا يحيط به فيها إلا منتفع منه أو قلوب جريحة غلبت الرحمة فيها كل الآلام. ليس غريبا أن ينتهي الأناني المصارع بقلب واحد جريح يحيط به. قلب أمه فهي الوحيدة القادرة على أن تقول "ولكنه ابني". http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on March 24, 2015 17:42
March 10, 2015
القسوة و ضمير الأنانية
القسوة و ضمير الأنانيةعبدالله المطيري قضية هذا الجزء من المقالات من سلسلة النمو الأخلاقي متعلقة بأثر تربية الدلع والقسوة على أخلاق الأطفال وكيف تدفع بهم باتجاه الأنانية. الأنانية هنا تعني غياب الآخر عن تفكير الأنا أو حضوره حضورا استعماليا فقط. في المقابل في التفكير الأخلاقي تلتقي الأنا مع الآخر لكي يحضر الآخر كذات وتحضر الذات كآخر. تربية الدلع كانت موضوع مقالة الاسبوع الماضي. الفكرة الأساسية كانت كالتالي: تربية الأنانية تحجب الأنا عن الآخر من خلال حجب الطفل عن التعلّم من آثار تصرفاته. الدلع هنا يعني أنه بدلا من ترتد على الطفل نتائج تصرفاته مع الآخرين ليتعلم منها يقوم الأهل بقطع هذه الدائرة ويبقى الطفل بعيد عن فهم الآثار التي أنتجها سلوكه على الآخرين. مع الوقت يصبح هذا الجزء غائب عن تفكيره وهذا يعني أنه سيتحرّك في حياته منطلقا من حسابات فردية لا يحضر فيها الآخر كطرف أساسي وهذه هي الأنانية. الأنانية هنا انغلاق على الذات. الآخر هنا ليس غريبا ولا مختلفا بل مفهوما في حسبة ذاتية أي موضوعا لاستعمال الذات لا أكثر. بالنسبة للقسوة فهي تعمل كذلك على إفساد العلاقة مع الآخر من جهة أخرى. أعني بالقسوة هنا أن يتم تحميل الطفل نتائج مفرطة لسلوكه أو تحميله عواقب سلوك لم يرتكبه. المشهد كالتالي: أب يعتدي بالضرب المبرح على ابنه لأنه كسر لعبة أخته. أو أم تقاطع ابنتها لفترة طويلة بسبب أنها خالفتها في قضية معينة. الآخر الذي تفسد هذه التربية العلاقة معه يبدو في شخصيتين. الأولى شخصية الأب والأم والأخت. القسوة تفسد العلاقة مع الأب لأن سلوكه غير مبرر وفيه عنف يحيل الذات إلى مجرد موضوع للألم. أثناء الضرب تتضخم الفجوة بين الأب والابن ليملئها الألم والشعور بالإهانة. قد لا يستطيع الطفل هنا مواجهة ذاته والاعتراف بأنه يكره أبوه على الأقل في تلك اللحظة ولكنها هذا العنف سيولد في داخله ارتياب وربما حقد دفين على الجميع. كذلك سيورث الطفل ارتياب هائل في الناس جميعا. إذا كان الأب بهذه القسوة فغيره بالتأكيد أولى بها. الفتاة التي هجرتها أمها هناك احتمال كبير أن شعر بمشاعر مقاربة لمشاعر الإبن. الأم هنا تتحول إلى كائن يعاقب بقسوة وبدون مبرر. الأم هنا تمارس عدوان مؤلم على الذات. الأم والأب هما الآخر الذي يعوّل عليه الطفل أكثر من غيره. حين يفشل هذا الآخر في إقامة العدل في الذات فإن الاحتمال أكبر مع بقية الآخرين. الشخصية الثانية للآخر في أمثلتنا هنا هي شخصية الأخت التي تمت معاقبة الابن بسبب كسر لعبتها. الأخت هنا تظهر في عين أخيها كسبب لما وقع عليه من عنف وألم. الأخت هنا شريكة في الجريمة في عين الأخ. هنا تمتد عملية إفساد العلاقة مع الآخر لتصل للأخت التي يفترض أن سلوك الأب جاء لحمايتها. هذه الأخت تحولت من ضحية إلى جلاد في عين أخيها بسرعة هائلة وهو أيضا ما يؤدي إلى إرباك إمكان استقرار الآخر ولو نسبيا وهو الأمر الضروري لبناء علاقة تعاقدية أخلاقية. الصورة السابقة حرصت على إيضاح كيف تؤدي القسوة في التربية إلى إفساد العلاقة مع الآخر من خلال ضرب الثقة فيه وزرع حالة من الرغبة بالانتقام في نفس الطفل. الآن يفترض أن ينتقل إلى الحديث إلى فهم كيف تؤدي هذه الحالة إلى الأنانية. أو بعبارة أخرى كيف تدفع هذه التربية الطفل إلى الانغلاق على ذاته. برأيي أن هذه الحركة يمكن أن تتوجه في طريقين الأول هو شعور عميق لدى الطفل بالمظلومية مما يجعل بقية حياته محاولة لعلاج جراحه. الفكرة هنا كالتالي: الأولوية لنفسي وعلاجها. هنا تصبح الحياة عملية طويلة من تعويض الذات. الآخر هنا يحضر لهذه المهمة تحديدا. ارتباط الفرد هنا بالآخرين يقوم على مبدأ البحث عن تعويض. العلاقة هنا تصبح علاقة أخذ لا عطاء. علاقة شبيهة بعلاقة المريض مع طبيب متخيّل. الطبيب هنا يفترض أن لا يمرض وإذا مرض تم استبعاده والبحث عن طبيب آخر. الإنسان في هذه الحالة يبدو محجوبا عن رؤية ألم الآخرين. لذا فهو يضعهم في قوالب الأقوياء المستعدين للعطاء والمستغنين عن المساعدة. في الاتجاه المقابل يمكن أن يرتدي هذا الإنسان المقسو عليه رداء الحرب ويبدأ حياة من المعارك مع الآخرين لا يوجد فيها إلا منتصر أو مهزوم. الثقة مع الآخرين تم تدميرها مع ضربات الأب وصمت الأم. النتيجة أن لا يظهر الآخر في عين هذا الانسان إلا كموضوع للانتصار وكساحة لظهور أخلاق الصراع. المنافسة هي اللحظة التي تسقط فيها روح الأخلاق عند هذه الإنسان. مع غير المنافسين هناك مساحة لاستعراض مشاهد القوّة بإظهار ملامح من العطف والرحمة والشفقة. ولكن مع حالات التنافس وهي من أقوى اختبارات الأخلاق تسقط الأخلاق وتظهر استراتجيات الحرب والقتال. القسوة تزرع الخوف في داخل الانسان. الخوف هنا يدفع الانسان في اتجاهات مختلفة: أحدها البحث عن الأمان والعجز عن إعطائه. الثاني هو مدافعة الخوف بإشعال الحرب. الحرب تعني ولو وهميا استمرار الوعي بحالة الصراع. في كلتا الحالتين يتجه الإنسان إلى دائرة أنانية مغلقة تحجب الآخر عن أن يظهر كشريك يمكن الثقة بالوجود معه. الصورة تبقى أحادية يبدو فيها الآخرون كموضوعات للاستثمار. حين يتلبّس الأناني دور الضعيف فهو يعيش كمستقبل لعطاء الآخر دون أي استعداد لمبادلة العطاء. أما حين يتلبّس دور القوي فهو يعمل كوحش مفترس لديه القدرة إظهار شيء من الرحمة ولكن فقط حين يشبع ونادرا ما يفعل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on March 10, 2015 16:12
March 3, 2015
الأنانية بين الدلع والقسوة
الأنانية بين الدلع والقسوةعبدالله المطيري إحدى الأفكار الرئيسة في المقالات السابقة عن النمو الأخلاقي وعلاقته بالعدالة أن هذا النمو في جوهره سلوك اجتماعي. بمعنى أن هذا النمو هو عبارة عن خبرة اجتماعية تتشكل حسب طبيعة العلاقات الاجتماعية التي يعيش فيها ومنها الأفراد. الأنانية بدت لنا من خلال النقاش على أنها إحدى علامة المرض الاجتماعي المتمثّل في هشاشة مفاهيم العدالة. الأنانية باختصار تضرب لب العلاقات التعاونية الاجتماعية التي هي أساس مفاهيم العدالة. الأنانية ليست فقط حبا للذات وانشغالا مغلقا بها بقدر ما هي استعمال أحادي الجانب للآخرين. الأناني يعي تماما الأذى الذي يحدثه الفعل الأناني لذا فهو يرفض أن يقع عليه. اليوم سأحاول التفكير في ضوء ما سبق في هذا السؤال: كيف يصبح الإنسان أنانيا؟ مباشرة يصبح سؤالنا كالتالي: ماهي العلاقات الاجتماعية التي تدفع بالانسان في اتجاه الأنانية؟ بهذا نحن نخرج من البحث السيكيولوجي إلى البحث الاجتماعي. دعوى هذا المقال أن هناك نمطين من التربية متعارضة في الظاهر ولكنها تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي السلوك الأناني. النمط الأول هو تربية "الدلع" والثاني تربية "القسوة". اخترت هذه التعابير لأنها أقرب للاستعمال المتداول بين الناس. الأطروحة الأساسية والمباشرة هنا أن تربية الدلع وكذلك تربية القسوة تؤسس علاقة غير تعاونية بين الفرد والآخرين. العلاقات غير التعاونية هي علاقات صراع أناني الغلبة فيه تخضع لمعايير القوى والتأثير الاجتماعية. سنرى هنا أن "الضعف" قد يعمل كقوّة في معادلة اجتماعية معينة. مقالة هذا الأسبوع مخصصة للنمط الأول. تربية الدلع تعني يقوم المربي بتولّي كثير من المهام التي يمكن/يفترص أن يتولاها الفرد بنفسه. الأم الحنون لدرجة مبالغ فيها تتولى كثير من المهام اليومية، غسيل الملابس الخاصة مثلا، بدلا عن ابنها المراهق لأنه في نظرها لا يزال صغيرا وغير جاهز لهذه المهمة بعد. بدلا من لومه على أخطاءه يعتقد الأب أن ابنه أو بنته أنه لا يزال مبكرا على تحميلهم هذه المسئولية. هنا الأب والأم يعملون على قطع العلاقة بين سلوك الطفل ونتائج هذا السلوك وهذا يعني قطع عمليّة التعلّم وتراكم الخبرات. المعادلة المباشرة للتعلّم تتم من خلال ربط الفعل بثماره وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تعديل السلوك وتطويره. سنتعرّف لاحقا على أثر هذه التربية على رؤية الطفل للآخر والذي هو محور السلوك الأناني وقضية العدالة. الآن لنفكر قليلا في الأسباب التي تدفع المربين باتجاه هذه التربية. يمكن أن نلاحظ هنا أن تربية الدلع تربية لا يقوم بها إلا محب فهي ليست إهمال ولكنها علاقة حب محدودة النظر. أسباب كثيرة قد تؤدي إلى هذا النمط من التربية منها أن يعتقد الأهل أنهم قد عانوا من التربية القاسية وأنهم لا يريدون أطفالهم أن يمرّوا بذات المعاناة. لذا يحاول الأهل تجنيب أطفالهم بشكل مبالغ كل ما يزعجهم أو يتحدى رغباتهم. سبب آخر هو أن يعتقد الأهل أن هذا الطفل ضعيف وغير قادر على تحمّل صعوبات الحياة وبالتالي يحيطونه بحماية مفرطة. "ضعيّف" أو "حساس" غالبا ما يكون القالب الذي يتم هذا الطفل في داخله. ضعف الطفل هنا يتحول بفعل تربية الأهل إلى قوّة تحميه من تحمل تبعات أفعاله أو على الأقل أن يعامل بعدالة مع الآخرين. هذا يعني أن تعطى له الأولوية مقارة بأقرانه. الطفل يدرك هذه الآلية ويستمر في استثمارها ربما طول عمره من خلال استغلال من يحبونه والضغط عليهم بإبراز نقاط ضعفه وغالبا ما يكون أعمى عن نقاط ضعفهم في معادلة أخذ بلا عطاء. سبب آخر للأنانية يكمن في كون الأهل لأسباب طبقية واجتماعية معينة يعتقدون أن طفلهم يستحق أن تتحقق كل أمانيه وأن لا ترفض رغباته. أو على الأقل أن لا يتم ازعاجه بسبب من هم أقل منه قيمة وشأن. العنصرية والطبقية والتطرف الديني عوامل أساسية خلف مثل هذه الرؤى. قلنا أن مثل هذه التربية تقطع دائرة التعلّم التي تفترض ارتباط السلوك بأثره وتأثير هذا الأثر في السلوك الجديد. هذا يمكن ملاحظته في السلوك الاجتماعي للطفل/المراهق المدلّع. يلاحظ الناس أن هذا الطفل يفقد كثير من المهارات الاجتماعية التي تجعله يتعامل مع الناس بشكل جيد. مع الوقت يستطيع المراهق تملّك مستوى معين من المهارات الاجتماعية ولكن الذي يصعب عليه برأيي هو استعادة حضور الآخر في تفكيره. تربية الدلع باعتبارها تحجب سلوك الطفل عن آثاره فهي تحجب هذا الطفل عن رؤية الآخر على حقيقته. الابن الذي يضرب أخته أو يستولي على ألعابها ثم تتوفر له الحماية من والديه بحيث لا يتحمل آثار سلوكه لا يرى أخته. لا يراها لأنه لم يعرف ألمها. الرابط التربوي الطبيعي بين ألمها وبينه يفترض أن يتحقق من خلال ألمه. هذا يتحقق من خلال العقاب الذي يمر به الطفل المعتدي. الغرض التربوي للعقاب هنا هو أن يمرّ الابن بتجربة شبيهة لتجربة أخته تساعده على فهم ألمها وبالتالي تجنب إحداثه في المستقبل. تربية الدلع تحرم الابن من هذه المعرفة فبدلا من تحمّل آثار سلوكه (بطريقة تناسب عمره) يتحرك الأهل لحمايته وخلق الأعذار له. هذه الحماية وهذه الروح الاعتذارية تحجب الابن عن التواصل مع أخته. تمنعه من أن تصل رسالتها/ألمها إليه. البنت هنا يتم تصنيفها في مستوى أدنى من استحقاق الاهتمام وبالتالي تغيب كطرف أساسي في سلوك الابن. هنا تولد الأنانية. غياب الآخر عن التفكير أو تحويله إلى درجة أدنى من درجة الذات هو مضمون العلاقة الأنانية. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on March 03, 2015 15:39
February 24, 2015
بين حب الذات والأنانية
بين حب الذات والأنانيةعبدالله المطيري في نقاشنا المستمر حول النمو الأخلاقي ودلالته على حال العدالة في المجتمع كان من الضروري التفريق بين حب الذات وبين الأنانية. هذا التفريق يمكن تصوّره على أكثر من مستوى هي لب هذا المقال. لكن من المهم أن نتحدث في البداية عن أهمية هذا التفريق. أولا: حب الذات سلوك طبيعي والعدالة يفترض أن لا تكون سلوكا مضادا للطبيعة. ليست الدعوى هنا أن الطبيعة خيّره بطبعها ولا أن الإنسان خيّر بطبعه كما يخبرنا جان جاك روسو. دعوانا هنا أكثر تواضعا: الطبيعة تسمح بالعدالة. بمعنى أنه يمكن العمل ضمن الشروط الطبيعية لتحقيق العدالة. ثانيا: هذا التفريق يجعل من العدالة أقل مثالية. بمعنى أنه يجعل من السلوك العادل أمرا لا يتطلب شخصية مثالية. العدالة لا تتناقض مع حب الذات. هذه هي القضية الأهم. العدالة لا تطلب من الإنسان التضحية بنفسه بقدر ما تطلب منه الوعي بمعادلة معينة تكفل له وللآخرين أعلى مستوى من محبة الذات. هذا بالنسبة لأهمية التفريق بين حب الذات والأنانية والآن لنبدأ في فهم مضمون هذا التفريق. في المقالات السابقة أشرنا إلى هذا الملاحظة: الأنانية لا تصف سلوك الإنسان في استغلال الفرد للآخرين من أجل مصالحه الخاصة بقدر ما تصف ذلك بالإضافة إلى رفض الأناني أن يفعل به الآخرون ما يفعله بهم. العلاقة المصلحية جزء من الحياة. علاقة الانسان بسائق التاكسي، بمحاسب السوق..الخ علاقات مصلحية. هذه العلاقة علاقة محدودة وضيقة لكنها في حد ذاتها ليست مشكلة. هي مشكلة في حالتين: الأولى حين تتحقق في العلاقات الأساسية في الحياة مثل علاقات الأسرة والصداقة والتعليم. ثانيا: إذا كانت غير تبادلية. بمعنى حين يطلب الفرد من الناس خدمته ولكنه ليس لديه الاستعداد لخدمتهم. هذه الصفة الثانية تقبض بشكل كبير على مضمون العلاقة الأنانية. الأناني ليس فردا منعزلا ولكنه فرد اجتماعي بعلاقات غير اجتماعية. للبحث أكثر في الطبيعة النفسية للأنانية يمكن الاستعانة بتقسيم جان جاك روسو لحب الذات الفردي amour de soi و حب الذات الاجتماعي amour proper. النوع الأول هو استجابة للطبيعة البيولوجية للإنسان في أن يعتني بنفسه أولا. هذه العناية الفردية هي شرط قدرة الإنسان على العناية بالآخرين. الطريق للآخرين يمر بالذات أولا. في الطائرة ينصح الملاحون الركاب بأن يبدئوا بوضع أقنعة الأكسجين لأنفسهم قبل صغارهم أو من حولهم. هذه النصيحة هي استجابة للطبيعة البيولوجية للإنسان باعتباره كائن يحتاج أن يعتني بنفسه قبل العناية بالآخرين. لذا لا يبدو الطفل كائنا اجتماعيا في أطروحة روسو. الطفل مشغول بذاته وهذا جزء أساسي من نموه الكامل. لكن الطفل سيتحول إلى كائن اجتماعي كامل. إيميل (الطفل المتخيل في فلسفة روسو التربوية) سيعود للمدينة ويعيش مع الآخرين بعد أن قضى طفولته بعيدا عن المدينة مع مربيه ومعلمه. مع العودة للمدينة ومع الدخول في حمى المنافسة الاجتماعية يدخل الفرد في مرحلة حب الذات الاجتماعية أو الآمور بروبر كما يسميها روسو. هذه المرحلة من حب الذات تتجاوز حاجة الانسان الطبيعية للعناية بنفسه إلى حاجة اجتماعية ليست بالضرورة متسقة مع الطبيعة. في المدينة المؤسسة بشكل خاطئ تتولد حاجات اجتماعية مشكلة كحب الفخر والشهرة والثناء. بحسب روسو فإن هذه المرحلة تبدأ من الحاجة الجنسية والتي ينشأ عنها تنافس بين الرجال على النساء الأجمل والأكثر إثارة. هذه المنافسة تخلق مع الوقت قيما ثقافية واجتماعية تؤسس قيمة الفرد على الصراع مع الآخرين. أو تجعل من إشباع رغبات الذات الاجتماعية للفرد مرتبطا بحرمان الطرف الآخر من ذات الرغبة. في هذه الحالة تنشأ برأيي الأنانية. باعتبار أنها أولا: نابعة أساسا من حاجة اجتماعية متعلقة بالصيت الاجتماعي لا بالبقاء البيولوجي. ثانيا أنها بالضرورة مرتبطة بإلحاق أذى بالطرف الآخر الشريك في العلاقة. الأنانية في الأخير ليست نتيجة تعاقد بل نتيجة صراع لذا سيجعل روسو العقد الاجتماعي العادل طريقا لتجاوزها. الأنانية بهذا الفهم سلوك اجتماعي مرتبط بشكل كبير بطبيعة العلاقات الاجتماعية التي ينشأ داخلها الأفراد. هذا الفهم يفتح النقاش على مساحة أوسع تتجاوز التفسيرات التي تحيل على الطبيعة الفردية معزولة عن الطبيعة الاجتماعية. تفسيرات من نوع "هذا الفرد أناني بطبعه" تغفل الشرط الاجتماعي للنمو الأخلاقي وهو شرط جوهري وأساسي كما أنها تقفل الأمل في التغيير بالإحالة إلى طبيعة ثابتة لا يمك تغييرها وهذا لا يصف الواقع. النمو الأخلاقي والتحوّل من حال الأنانية إلى حالة العدالة أمر تحقق تاريخيا وفي مجتمعات مختلفة ارتفعت فيها معدلات التعاون والمشاركة الاجتماعية. أطروحة روسو السابقة مهمة لأنها تشير حال الصراع الاجتماعي أو المنافسة التي يخلقها المجتمع بين الأفراد كسبب للفساد الأخلاقي. الانتقال من الأنا الفردية إلى الأنا الاجتماعية عملية معقدة ومركبة وتحتاج مزيد من التحليل والفحص. الاحتمالات المتطرفة هنا هو أن تتم التضحية بالفرد من أجل المجتمع كما في الأطروحات الشمولية للتربية والاجتماع أو تربية الفرد بدون الوعي بضرورة طبيعته الاجتماعية كما في الأطروحات الأنانية للتربية. المثير للتأمل أن هذه التطرفات في التربية والاجتماع يمكن أن تؤدي إلى الأنانية في آخر الطريق. سحق الذات يجعلها ترتد بشكل عنيف كما أن عزل الذات عن وجودها الاجتماعي يجعلها تحوم في فضاء لا تعرف طرق النجاة فيه. هذه القضية ستكون موضوع حديثنا القادم. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on February 24, 2015 15:42
February 18, 2015
الأنانية الجماعية
الأنانية الجماعيةعبدالله المطيري قد يبدو العنوان غريبا من الوهلة الأولى باعتبار أن الأنانية سلوك فردي يخالف في جوهره شروط العمل الجماعي فكيف يكون جماعيا. هذا صحيح ولكن لكي تتضح الصورة لا بد من التذكير أن الأنانية هي صفة لعلاقة تربط الأنا بالآخر. عرفنا في التحليل السابق في المقالات السابقة أن الأنا والآخر أفراد لكن هذه ليست كل الصورة. الذات قد تكون جماعة والآخر قد يكون جماعة أيضا. هذا يعيدنا إلى سياسة تشكيل الهويات ولكن الأمر ليس غريبا على التجربة الحياتية المباشرة. في داخل الأسرة يتصرف الفرد كأنا ويرى باقي أفراد الأسرة كآخرين. خارج الأسرة ينضم بقية أفراد الأسرة إلى مفهوم الأنا ويظهر الجيران هنا على أنهم آخرون. بدلا من العلاقة البسيطة: أنا- أنت، أنا- هو تحل العلاقة الأكثر تركيبا نحن- أنتم، نحن- هم. بمعنى آخر الفرد ينضم لعلاقات جماعية تشكّل له ذات جماعية بناء على علاقة دم، علاقة دينية، علاقة وطنية، علاقة هواية..الخ. علاقة الذات والآخر أصبحت أكثر تركيبا ولكن يمكن لنا قرائتها باعتبارها علامة على حال العدالة في المجتمع وعلى مؤشر النمو الأخلاقي لدى أفراده. على سبيل مثال اليوم في أزمة الصراع الطائفي الديني في الشرق الأوسط نعلم أن قتال مجموعة من الناس لمجموعة أخرى بسبب اختلاف الهوية الطائفية هو علامة على خلل جذري في منظومة العدالة في هذا المجتمع وعلى أعلى مستويات الإشكال الأخلاقي في أي مجتمع. مهمة هذا المقال تكمن في محاولة متابعة السلوك الأناني حين ينتقل للعلاقات الجماعية. الفرد الأناني الذي تحدثنا عنه في المقالات السابقة لا يرى في الطرف المقابل له سوى أداة يحقق من خلالها أغراضه الشخصية. لا يعني هذا بالضرورة أن يكون الأناني لصّا أو معتديا مباشرا ولكن يكفي أنه يدور في رحى ذاته الخاصة ويغيب الآخر عنها. الآن نحاول أن ننتقل للعلاقات الجماعية ونرى طبيعة الأناية الجماعية. بمعنى آخر كيف تنظر الجماعة للجماعة الأخرى. الجماعات تشمل التشكيلات الصغيرة في الأسرة والأصدقاء وتتسع للجماعات الثقافية والدينية والسياسية وصولا إلى الجماعة الانسانية في مقابل جماعة الكائنات الحية الأخرى. في كثير من أفلام الخيال العلمي تحضر هذه الفكرة: لن يتوقف الصراع بين البشر إلا إذا واجهوا خطرا خارجيا كبيرا. غالبا يكون الخطر هذا كائنات فضائية لكن الشاهد أنه في هذه اللحظة تحديدا سيشعر جميع البشر أنهم (أنا) واحدة. سؤالنا هنا إذن عن علاقات الجماعات وعن مدى إمكان تفسير سلوكها من منظور الأنانية. من الأمثال الدارجة والتي يمكن قرائتها على أساس أنها تصورات معيارية للعلاقات الجماعية مثل "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". هذا المثل يشرح صورتين مهمتين: الأولى آلية تركيب الهويات والثانية العلاقة التي يفترض أن تربط الأنا بالآخر. هذا مثل على علاقة الدم وإلا فإن الأمثلة أكثر على علاقات الدين والأيديولوجيا وغيرها. المثل هذا مهم لأنه يصف بشكل كبير ومختصر العلاقة الأنانية. العلاقة الأنانية تتحدد فيها القيم بناء على تعريف من هو الأنا ومن هو الآخر. الجماعة الأنانية كما الفرد الأناني مشغولة بذاتها ولا تحضر الجماعة الأخرى في تفكيرها إلا كموضوع للاستعمال. مهم هنا التركيز على صورتين من المشهد السابق: الصورة الأولى أن الجماعة "التفكير الجماعي" يتصرف بشكل أناني مع الجماعة الأخرى في حال غياب قيم العدالة. الصورة الثانية أن الفرد ذاته يتصرف بشكل أناني مع الفرد المنتمي للجماعة الأخرى. مثلا: الأب الأناني حين يفكّر في علاقة طفله مع الأطفال الآخرين من منظور أناني. بمعنى أن الأطفال الآخرين يتحولون لمجرد موضوعات لطفله. هذا الأب لن يربي طفله على أن الطفل الآخر له ذات الحقوق ولكنه سيربيه على أن الهدف هو تحقيق مصالح طفله بغض النظر عن ما يحصل للطفل الآخر. على مستوى الجماعة، الجماعة الوطنية مثلا، تتصرف بشكل أناني حين لا تنظر لعلاقتها مع الجماعات الأخرى بمنظور العدالة بل بمنظور الاستغلال. العلاقات الدولية اليوم يمكن النظر لها من منظور الأنانية الجماعية. في ظل غياب قانون دولي يخضع له القوي قبل الضعيف فإن العلاقات الدولية لا تزال تتحرك وفق معايير القوة لا معايير العدل. هذا ما ينتج أخلاق الصراع بدلا من أخلاق العدل. من الضروري توسيع مفهوم الأنانية ليشمل السلوك الجماعي كما يشمل السلوك الفردي. الآخر الجماعي أبعد بكثير من الآخر الفردي وبالتالي فإنه من السهولة غيابه عن منظورنا الأخلاقي. التركيبة الجماعية تعطي الفرد شعورا قويا بالانتماء وغالبا ما يتحقق هذا من خلال خلق علاقة عداوة أو اغتراب عن الفرد في الجماعات الأخرى. هذا يجعل من قبول استغلال ذلك الفرد أكبر بكثير وأبعد عن نظر العين الناقدة. في العلاقات مع غير السعوديين خصوصا من جماعة العمّال يحاول المصلحون حفظ حق العامل من خلال تذكير صاحب العمل أن العامل مسلم. ما يقوله الناصح هنا هو أن العامل ينتمي لجماعة "الأنا" ولذا يجب مراعاة حقوقه. هذا الناصح لا يكسر السلوك الأناني بل يتوافق معه. لو قال أن هذا العامل إنسان فهو قد كسر سلوك الأنانية على الأقل داخل الجماعة البشرية. الاختبار الحقيقي للقيم الأخلاقية هو موقفها من الآخر فردا وجماعة لأن الأنا لا تحتاج الأخلاق لكي تدافع عن نفسها. الأنا (الفردية والجماعية) مدفوعه بغريزة النفع الذاتي لتحصل على ما تريده. الآخر في المقابل، خصوصا الأضعف، لا يمكن أن نرى حقوقه إلا بعين أخلاقية عادلة. عين لديها القدرة أن تخرج عن ذاتها وتدرك حقيقة وجود الآخرين حولها وأن وجودها هو جزء أساسي م وجودهم. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on February 18, 2015 05:23
February 10, 2015
الأنانية والعدالة
الأنانية والعدالةعبدالله المطيري وصل بنا الحديث في المقالة السابقة إلى أن السلوك الأناني يتعارض مع المبادئ الضرورية للسلوك العادل. ببساطة السلوك العادل يأخذ دائما بعين الاعتبار حق الطرف الآخر في العلاقة. الطرف الآخر هنا هو الانسان الذي يؤثر عليه سلوكنا ويرتبط به. في المقابل الأنانية تعني تغييب هذا الطرف من الحسبة والانطلاق من حسبة ذاتية بحتة. الأنانية كذلك تتضمن رفضا لتبادل الأدوار. بمعنى أن الأناني يرفض أن يكون هو الطرف المُستغلّ في العلاقة. الأناني يهرب من العلاقة التي يرى أنها ليست في صالحه. الأناني هنا لا يدخل في علاقات عادلة مع الآخرين ويدفعم إما إلى مقاطعة التعامل معه أو إلى التصرف كأنانيين وتكون أدوار المُستغِل والمستغَل خاضعة لميزان القوّة. إذن الأناية تحيلنا إلى علاقات القوّة بدلا من علاقات العدالة. علاقات القوّة تتحد فيها العلاقة بحسب ميزان القوى لصالح القوي ضد الضعيف. علاقات العدالة، في المقابل، توازن بين الضعيف والقوي وتحقق الإنصاف بينهما. بالتأكيد أن السلوك الأناني موجود في كل المجتمعات لكن نسبة وجوده لها دلالة كبيرة على مستوى العدالة. في المجتمع الذي ترتفع فيه مستويات العدالة لا يحتاج الإنسان استخدام القوّة للحصول على حقوقه. القوّة هنا بمعناها الواسع. في المقابل في المجتمعات اللي تنخفض فيها العدالة يضطر الناس للقوّة للحصول على حقوقهم. هذا يعني أن الضعيف لا يحصل على حقه وهذا ما نسميه الظلم. البعض سيرد على هذه الأطروحة أن الأمر ليس متعلق بالأخلاق ولا بقناعات الناس ولكن بوجود قانون يتم تطبيقه. هذا الاعتراض يحيل إلى نقطه مهمة وهي دور النظام العام في البناء الأخلاقي ولكنه لا يجيب على حالات كثيرة في دول متعددة تملتك قوانين عادلة وواقع يخالف ذلك تماما. بمعنى أن القانون كحبر على ورق لا أثر له في الواقع بدون أن يتحوّل على قوّة. القوة هذه تعني أن الأفكار في القانون تحولت إلى قناعات في سلوك الأفراد على الأرض. القانون الجائر يتحول إلى طاقة جائرة على الأرض بفعل المنتفعين به و غير الواعين بجوره. القانون الأكثر عدالة يعكس طاقة عادلة لها وعي جماعي بقيمة ومعنى العدالة للجميع. وهذا يعيدنا لدور الوعي الأخلاقي الفردي والجماعي في تحقق معايير العدالة على أرض الواقع. الأنانية هي إحدى علامة أزمة العدالة ويبقى السؤال هنا مالذي يجعل الناس أنانيين؟ قبل محاولة التفكير في هذا السؤال سيكون من المفيد الاستمرار في محاولة فهم الظاهرة الأنانية ودلالاتها الأخلاقية. من الواضح جدا أن الأنانية تفسد الثقة بين الناس. الأناني يدفعك دائما للاحتياط عند التعامل معه. بمعنى أن الأناني يضطرك لأن تراقب باستمرار عدالة العلاقة التي تجمعك معه. هذا سلوك مرهق وارتيابي ويتناقض مع مشاعر الحب والحميمية. لنتخيل حياة إنسان لا يثق في أحد. ستتحول حياته لجحيم وستتوقف بسرعة لأن عملية التوثّق من كل علاقة يدخل فيها الفرد مرهقة وغير طبيعية. يُحكى عن المنطقي الشهير كرت قردل أنه فقد الثقة في الجميع ما عدى زوجته. كانت لديه قناعات أن هناك من يسعى لتسميمه والتخلص منه. في آخر عمره دخلت زوجته للمستشفى وبقي هو لا يأكل من يد أحد إلا ما يصنعه هو. عجز قردل عن إطعام نفسه بنفسه ومات بسبب سوء التغذية وذكر تقرير المستشفى أنه لم يكن يزن إلا بضع كيلوجرامات. الطفل الأناني يجد صعوبة في اللعب مع الأطفال الآخرين لأن اللعب قائم على فكرة الأخذ والعطاء. على ذات المنوال يجد البالغ الأناني صعوبة في اللعب والعمل مع الآخرين. هذا ينتج عنه بالطبع مشاكل اجتماعية ومشاكل في العمل. مشاكل في التواصل بشكل عام. هذا التوتر العام يجعل الفرد الأناني محاط باستمرار بحالة من التوتر والصراع. هذه الحالة تستهلك جهد الإنسان ولذا فإن الأناني إما أن يكون ذو طاقة صراعية هائلة أو انعزالي. النوع الأول تتحول حياته إلى معركة لا تعرف الهدوء وإلى عاصفة هوجاء. غالبا ما تترافق مع هذه الشخصية تصورات متطرفة للحياة على أنها صراع أبدي وأن الحياة فيها للقوي. تعليق العمل بالأخلاق هنا ضروري للأناني لأنه يريحه من الجهد الداخلي المصاحب لشعوره الخاطف بإيذائه للآخرين. العدل في هذا المنظور مجرد خدعة لا أكثر. الحياة غابة والصراع هو الخيار الوحيد. غالبا ما تترافق هذه المقولات مع الشعور بالقوة وتتراجع مع الشعور بالضعف. النوع الثاني من الأنانيين هو الانعزالي وهو من لا يملك الاستعداد الذهني أو البدني للصراع الطويل. هذا الفرد يكتفي بعلاقات أنانية محدودة. غالبا ما يكون رهان هذا الفرد على أفراد تربطه بهم علاقات وثيقة تجعلهم يغفرون له أنانيته ولو لأجل مسمى. العلاقة مع الأم وأفراد الأسرة نماذج على هذه العلاقات. الحل الثالث أمام الأناني وهو الدخول في علاقات تعاونية مع الناس خارج الطاولة على الأقل مؤقتا. سيكون المقال القادم محاولة إضافية لفهم أسباب السلوك الأناني وآثاره لكن من المهم التذكير هنا أن المحاولة الحالية لوصف ظاهرة الأنانية ليس المقصود منها شيطنة الإنسان الأناني أو تحويله إلى ثقب أسود يحتوى كل الخطايا. على العكس الهدف هنا هو فهم السلوك الأنانية على منظور النمو الأخلاقي الذي هو في لبه اجتماعي. بمعنى أن الأنانية سلوك اجتماعي لا يمكن تفسيره من خلال مواصفات الأفراد فقط بل كذلك من خلال طبيعة العلاقات الاجتماعية والتربوية التي خاضوا تجربتهم الحياتية داخلها. دام القوّة للحصول على حقوقه. انيين وتكون أدوار المُستغِل والمستغَل https://www.youtube.com/watch?v=jxHyh...
Published on February 10, 2015 16:45
February 3, 2015
الأنانية والنمو الأخلاقي
الأنانية والنمو الأخلاقيعبدالله المطيري وصلنا في تحليل موقف صاحبتنا التي لم تقم بعملها الذي وافقت على القيام عليه مع زميلاتها في إنجاز مشروعهم الدراسي أن ذلك ربما كان بسبب أن هذه الإنسانة أنانية. أنانية بمعنى أن قرائتها للمشهد ذاتية بحته. قرائتها كانت كالتالي: لقد حصلت على الدرجات المطلوبة بدون أي مجهود إذن أنا أشعر بالرضى والارتياح. مهمتنا هنا في هذه المقالة أن نحاول أن نفهم أكثر معنى الأنانية ودلالتها الأخلاقية. من المعاني الأساسية في السلوك الأناني أو على الأقل من جهة تفسيره من خلال دوافعه أنه سلوك مدفوع بحب الذات. هذا صحيح ولكنه برأيي غير كافي لتمييز الأنانية عن غيرها. حب الذات دافع لغالب سلوك البشر ولكنه لا يتعارض مع العمل التعاوني وتقديم المساعدة للآخرين. بالتأكيد هناك أطروحات تقوم على أن كل السلوك الإنساني نابع من حب الذات. بمعنى أنه حتى أعمال الخير أو التضحيات الفردية يقوم بها الناس لأن لها مردود مرضي عليهم. غاندي على سبيل المثال يمكن تفسير سلوكه في مقاومة الاستعمار والوقوف ضد الانقسامات الداخلية بين سكان الهند كشكل من أشكال البحث عن الصفاء الداخلي والتصالح مع ضميره الأخلاقي. هذا المردود الفردي فعلا لا يمكن استبعاده بمعنى أنه من الصعب العثور على سلوك يقوم به الفرد لا يلبي لديه أي غاية أو هدف شخصي. بهذا المعنى لحب الذات لا يمكن أن نفسر سلوك صاحبتنا في المثال أعلاه. كل زميلاتها بهذا المعنى لديهم حب للذات ولكن هذا لم يمنعهم من المشاركة الجماعية والتعاون مع الآخرين. حب الذات إذن لا يفسّر لنا الأنانية لأنه موجود في السلوك الأناني وغير الأناني. للتعرّف على ظاهرة الأنانية أكثر لا بد أن نتذكّر أن وصف الأنانية هو وصف غالبا ما يطلق من أطراف خارجية ولا يطلقه الفرد على سلوكه. بمعنى أنها حكم خارجي من طرف خارجي ولكنه مرتبط بالسلوك ومتأثر به. مهم أيضا أن نتذكر أن الحكم بأنانية السلوك من قبل الآخر هو حكم سلبي. بمعنى أن الآخر منزعج من تأثره بسلوك أناني. أعتقد أننا هنا أمام نقطة أساسية لفهم الأنانية كعلاقة. بمعنى أن الأنانية هي شكل من أشكال العلاقات بين الناس نعرف حتى الآن أنها مرضية لطرف ومزعجة لطرف آخر. لذا يمكن القول هنا أن الأنانية هي علاقة ينطلق فيها أحد الأطراف من حسبته الذاتية ويهمل فيها حسبة الطرف الآخر. بمعنى أن الأنانية ليست فقط انشغال بالذات بل انصراف عن الآخر. الانصراف هنا لا يعني اختفاء الآخر من نظر الأناني ولكن حضوره فقط داخل الحسبة الذاتية. نلاحظ هنا أن الآخر ليس غائبا عن وعي الإنسان الأناني، لو كانت الحالة كذلك لما كانت هناك علاقة أصلا ولا أنانية، لكنه غائب كطرف مساو. بمعنى أن الآخر في العلاقة الأنانية حاضر ولكن بدرجة أدنى بكثير من حضور الذات. الآخر في العلاقة الأنانية يحضر للاستعمال الذاتي. الأناني ينظر للآخر على أنه شيء يمكن استعماله لمصلحته الخاصة. هذه الصورة يمكن أن تشرح لنا الشعور السلبي الذي يشعر به الطرف الآخر في علاقته مع الأناني. بمعنى أنه يرى أنه يتم استعماله من طرف آخر. تحويل الإنسان إلى شيء للاستعمال مؤذ للكثير. بمعنى أن غالب الناس يطالبون في علاقتهم بالعدالة أي بالحضور المتكافئ لدرجة إدراك إنسانية الإنسان. من هنا نفهم المبدأ الأخلاقي عند الفيلسوف كانت "عامل الإنسان كغاية لا كوسيلة". لا أظن هذا يكفي لفهم موقف صاحبتنا في المثال أعلاه. بمعنى أنه لو كانت تريد استعمال الآخرين لتحقيق نفعها الشخصي لكان هذا لا يتناقض بالضرورة مع موافقتها على استعمال زميلاتها لها لتحقيق أغراضهم الشخصية. هذه العلاقة متداولة ولا تزعج الآخرين. سأستعملك وأنت تستعملني بدون شعور بالمظلومية. مثلا علاقة الزبون بالبائع تدخل في هذا السياق. الزبون ينظر للبائع على أنه وسيلة يحصل من خلالها على غرضه وكذلك البائع. هذه علاقة متبادلة وغير مزعجة. الأنانية إذن تعني استعمال من طرف واحد فقط. الأناني يقول للآخر "ساستعملك ولن أسمح لك باستعمالي". هذه الصيغة الأخيرة ربما تكشف أكثر الأبعاد الإشكالية في سلوك الأناني. الإشكالية الأولى هي علاقة الاستعمال ذاتها. هذه تظهر في من نتوقع أنه يمكن أن يكون صديقا. أي من نتوقع أن علاقتنا معه تتجاوز علاقة الاستعمال. لذا الأناني يسبب خيبة أمل كبيرة عند من يرتبط معهم. في المراهقة، في بحثنا الصادق عن صديق، نشعر بخيبة أمل من اولئك الذين ظننا أنهم أصدقاء وأكتشفنا أنهم مجرد أصحاب مصالح يريدون تحقيقها من خلالنا. البعد الثاني لإشكال هذه العلاقة أن صاحبها واعي بها بدليل أنه يهرب منها إذا وقعت عليه. بهذا المعنى فالأناني يظهر كشرّير ومعتد. يظهر كفاعل واعي ومختار لعمل مؤذ للآخرين. لذا فنحن نغفر أنانية الأطفال بسبب جهلهم وعدم إدراكهم لآثار سلوكهم على الآخرين. لكن حين نتجاوز الطفولة تصبح الأنانية خطيئة أخلاقية كبيرة قرينة للبخل والخبث وباقي الخطايا. هذا الحديث يحفزنا للحديث عن علاقة الأنانية بالعدالة وأثر الأنانية على مبدأ التعاون وهو المبدأ الأساسي في تشكيل أي مجتمع. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on February 03, 2015 16:01
January 27, 2015
الخجل والنمو الأخلاقي
الخجل والنمو الأخلاقيعبدالله المطيري مالذي يجعل إنسانا ما لا يرى أو لا يتأثر بالنتائج السلبية التي يتسبب فيها سلوكه على الآخرين؟ كان هذا السؤال الجوهري لمقالة الاسبوع الماضي. كانت الحالة كالتالي: فتاة اشتركت مع زميلاتها في القيام بمشروع بحثي دراسي. تم توزيع العمل بشكل عادل وبموافقة الجميع. لم تقم صاحبتنا هذه بالمطلوب منها مما جعل زميلاتها أمام خيارين: الأول أن يتعطّل كل العمل ويخسر الجميع فرصة تسليم العمل في موعده والحصول على الدرجات المتعلقة بإنجاز هذا العمل. الثاني: أن تقوم المجموعة بإنجاز عمل هذه الطالبة نيابة عنها وتخفيف الضرر. كنا نحاول ردة الفعل التالية: صاحبتنا لم تشعر بأي تأنيب ضمير بل تحرك في داخلها شعور بالراحة ولذة الانتصار. لنتخيل هذه العبارة المرافقة لابتسامة باهتة: "حصلت على الدرجات بدون أي تعب!". كيف اختفى ألم زميلات صاحبتنا هذه عن تفكيرها لتطلق مثل هذه العبارة؟ استعنّا كذلك في المقالة السابقة بمقولات مباشرة من تجارب الناس تشير إلى أن هناك حس مفقود عند صاحبتنا وأن هذا الحس مهم جدا لدرجة أنها يعبّر عن الحياة. الحي هنا هو من يحمل حس داخلي يدفعه للقيام بمسؤولياته في الحياة ويمنعه من التنحي جانبا والاقتيات على جهد الآخرين. "الحي يحييك والميت يزيدك قهر" تردد كثير من الأمهات وكثير من الآباء كتعبير عن الرضى أو السخط من سلوك أولادهم. اليوم سأتحدث عن جواب مقترح للسؤال أعلاه. الشعور الذي يبدو أن الاشارة متجهة له في وصف الحياة هو شعور الخجل. الانسان الحي هو الانسان الذي يخجل من أفعاله الضارة بالآخرين. الإشارة للخجل هنا هي الاشارة للشعور الذاتي الداخلي الذي يشعر به الإنسان حين يرتكب أمرا لا يرضاه هو لنفسه. بالتأكيد ككل شعور فإن الخجل يمكن أن يكون تعبيرا نافعا أو ضارا للفرد ولمن حوله ولكن الأكيد أن الخجل شعور صادق. صادق بمعنى أنه شعور مباشر بين الانسان ونفسه ولا مجال فيه للكذب والمجاملة. من المهم هنا تحديد طبيعة هذا الشعور وتمييزه عن غيره. في العربية الخجل يشمل الشعور الذي قد يمرّ به الفرد بسبب مروره بتجربة جديدة كدخول العريس على زوجته لأول مرّة كما يشمل شعور الانسان بالعار لقيامه بفعل مخز كالكذب. في هذا المقال أستخدم الخجل بالمعنى الثاني. الخجل كتعبير عن شعور الفرد بالعار من سلوك ما ارتكبه كالسب أو الشتم أو السرقة أو إيذاء الآخرين. الخجل بهذا المعنى له خصيصتين جوهريتين: الأولى أنه شعور ذاتي سلبي. أي أنه نقد ذاتي. ثانيا: أنه مرتبط بالموقف من الآخرين. أي أنه شعور اجتماعي مرتبط بموقف الإنسان من الآخرين وأثر سلوكه على حكمهم عليه. نعرف من علم النفس وعلم نفس التربية أن الخجل يمكن أن يكون طاقة مدمرة لشعور الفرد بقيمته الذاتية. هذا يحصل في سياقين: الأول حين يخجل الفرد من أمر لا يد له فيه كأن يخجل من لونه أو عرقه أو شكله. الثاني: حين يتأسس الخجل على عملية تشكيل اجتماعي بدون إرادة فردية. بمعنى أن يخجل الفرد ليس لأنه يعتقد أن ما فعله خطئا فهو لم يكن له قرار أصلا ولكن لأنه تمت برمجته اجتماعيا على هذا الموقف. يبقى هنا الخجل الذي يبدو أنه الأساس العاطفي للضمير الأخلاقي وهو أن يخجل الإنسان من نفسه بسبب أمر ارتكبه هو بإرادته ويعلم تماما أنه فعل خاطئ. مثال ذلك شعور الفرد بتأنيب الضمير لأنه أوقف سيارته في المكان المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة وهو يعلم أن هذا السلوك مخالف للقيم الأخلاقية التي يؤمن بها. بناء على هذا التصوّر يمكن القول أن صاحبتنا لم تشعر بالخجل من عدم القيام بعملها الذي وافقت عليه ابتداء. بمعنى أنها لم تمرّ بحالة الوعي التي تجعلها تقرأ الموقف ثم تستنتج منه حكم تأملي تحاسب نفسها من خلاله. عادة هذه هي آلية التعلّم عند البشر. يمرون بتجارب ويستنتجون منها نتائج تؤثر على تجاربهم المستقبلية. هذا ما يمكن تسميته بالنمو. النمو الأخلاقي إذن هو عملية مرور الفرد بتجارب مع الآخرين وتأمل هذه التجارب وانعكاسها على علاقاته اللاحقة مع الناس. نلاحظ هنا أن الآخر، الطرف الثاني في العلاقة الاجتماعية، جزء أساسي من عملية النمو الأخلاقي. بمعنى أنه شريك أساسي في عملية فهم الانسان لمعنى سلوكه. الأخلاق بطبيعتها تتعلق بعلاقات الناس وبالتالي لا يمكن فهمها من خلال طرف واحد. لهذا يمكن القول أن إخفاء الآخر يعيق النمو الأخلاقي. الأناني، أي الانسان الذي لا يحسب حساب الآخرين حين يتصرّف، عاجز عن الخجل وبالتالي عاجز عن النمو الأخلاقي. عدم رؤية الإنسان لآثار سلوكه أو عدم الاهتمام به قد ينتج لعطب بيولوجي مرضي ليس هو موضوعنا هنا. موضوعنا هو عن الإعطاب الاجتماعي والفكري لقدرة الإنسان على النمو الأخلاقي. أي قدرته على رؤية الآخرين ومشاعرهم في علاقاته. أي خجل الإنسان من نفسه حين يؤذي الآخرين. جوابنا هنا إذن أن صاحبتنا كانت أنانية في سلوكها مع زميلاتها وهذا ما سينقلنا إلى مستوى آخر من النقاش نحاول من خلاله فهم الأنانية من منظور أخلاقي.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on January 27, 2015 16:43
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

