الأنانية والعدالة

الأنانية والعدالةعبدالله المطيري   وصل بنا الحديث في المقالة السابقة إلى أن السلوك الأناني يتعارض مع المبادئ الضرورية للسلوك العادل. ببساطة السلوك العادل يأخذ دائما بعين الاعتبار حق الطرف الآخر في العلاقة. الطرف الآخر هنا هو الانسان الذي يؤثر عليه سلوكنا ويرتبط به. في المقابل الأنانية تعني تغييب هذا الطرف من الحسبة والانطلاق من حسبة ذاتية بحتة. الأنانية كذلك تتضمن رفضا لتبادل الأدوار. بمعنى أن الأناني يرفض أن يكون هو الطرف المُستغلّ في العلاقة. الأناني يهرب من العلاقة التي يرى أنها ليست في صالحه. الأناني هنا لا يدخل في علاقات عادلة مع الآخرين ويدفعم إما إلى مقاطعة التعامل معه أو إلى التصرف كأنانيين وتكون أدوار المُستغِل والمستغَل خاضعة لميزان القوّة. إذن الأناية تحيلنا إلى علاقات القوّة بدلا من علاقات العدالة. علاقات القوّة تتحد فيها العلاقة بحسب ميزان القوى لصالح القوي ضد الضعيف. علاقات العدالة، في المقابل، توازن بين الضعيف والقوي وتحقق الإنصاف بينهما.    بالتأكيد أن السلوك الأناني موجود في كل المجتمعات لكن نسبة وجوده لها دلالة كبيرة على مستوى العدالة. في المجتمع الذي ترتفع فيه مستويات العدالة لا يحتاج الإنسان استخدام القوّة للحصول على حقوقه. القوّة هنا بمعناها الواسع. في المقابل في المجتمعات اللي تنخفض فيها العدالة يضطر الناس للقوّة للحصول على حقوقهم. هذا يعني أن الضعيف لا يحصل على حقه وهذا ما نسميه الظلم. البعض سيرد على هذه الأطروحة أن الأمر ليس متعلق بالأخلاق ولا بقناعات الناس ولكن بوجود قانون يتم تطبيقه. هذا الاعتراض يحيل إلى نقطه مهمة وهي دور النظام العام في البناء الأخلاقي ولكنه لا يجيب على حالات كثيرة في دول متعددة تملتك قوانين عادلة وواقع يخالف ذلك تماما. بمعنى أن القانون كحبر على ورق لا أثر له في الواقع بدون أن يتحوّل على قوّة. القوة هذه تعني أن الأفكار في القانون تحولت إلى قناعات في سلوك الأفراد على الأرض. القانون الجائر يتحول إلى طاقة جائرة على الأرض بفعل المنتفعين به و غير الواعين بجوره. القانون الأكثر عدالة يعكس طاقة عادلة لها وعي جماعي بقيمة ومعنى العدالة للجميع. وهذا يعيدنا لدور الوعي الأخلاقي الفردي والجماعي في تحقق معايير العدالة على أرض الواقع. الأنانية هي إحدى علامة أزمة العدالة ويبقى السؤال هنا مالذي يجعل الناس أنانيين؟ قبل محاولة التفكير في هذا السؤال سيكون من المفيد الاستمرار في محاولة فهم الظاهرة الأنانية ودلالاتها الأخلاقية.      من الواضح جدا أن الأنانية تفسد الثقة بين الناس. الأناني يدفعك دائما للاحتياط عند التعامل معه. بمعنى أن الأناني يضطرك لأن تراقب باستمرار عدالة العلاقة التي تجمعك معه. هذا سلوك مرهق وارتيابي ويتناقض مع مشاعر الحب والحميمية. لنتخيل حياة إنسان لا يثق في أحد. ستتحول حياته لجحيم وستتوقف بسرعة لأن عملية التوثّق من كل علاقة يدخل فيها الفرد مرهقة وغير طبيعية. يُحكى عن المنطقي الشهير كرت قردل أنه فقد الثقة في الجميع ما عدى زوجته. كانت لديه قناعات أن هناك من يسعى لتسميمه والتخلص منه. في آخر عمره دخلت زوجته للمستشفى وبقي هو لا يأكل من يد أحد إلا ما يصنعه هو. عجز قردل عن إطعام نفسه بنفسه ومات بسبب سوء التغذية وذكر تقرير المستشفى أنه لم يكن يزن إلا بضع كيلوجرامات. الطفل الأناني يجد صعوبة في اللعب مع الأطفال الآخرين لأن اللعب قائم على فكرة الأخذ والعطاء. على ذات المنوال يجد البالغ الأناني صعوبة في اللعب والعمل مع الآخرين. هذا ينتج عنه بالطبع مشاكل اجتماعية ومشاكل في العمل. مشاكل في التواصل بشكل عام. هذا التوتر العام يجعل الفرد الأناني محاط باستمرار بحالة من التوتر والصراع. هذه الحالة تستهلك جهد الإنسان ولذا فإن الأناني إما أن يكون ذو طاقة صراعية هائلة أو انعزالي. النوع الأول تتحول حياته إلى معركة لا تعرف الهدوء وإلى عاصفة هوجاء. غالبا ما تترافق مع هذه الشخصية تصورات متطرفة للحياة على أنها صراع أبدي وأن الحياة فيها للقوي. تعليق العمل بالأخلاق هنا ضروري للأناني لأنه يريحه من الجهد الداخلي المصاحب لشعوره الخاطف بإيذائه للآخرين. العدل في هذا المنظور مجرد خدعة لا أكثر. الحياة غابة والصراع هو الخيار الوحيد. غالبا ما تترافق هذه المقولات مع الشعور بالقوة وتتراجع مع الشعور بالضعف. النوع الثاني من الأنانيين هو الانعزالي وهو من لا يملك الاستعداد الذهني أو البدني للصراع الطويل. هذا الفرد يكتفي بعلاقات أنانية محدودة. غالبا ما يكون رهان هذا الفرد على أفراد تربطه بهم علاقات وثيقة تجعلهم يغفرون له أنانيته ولو لأجل مسمى. العلاقة مع الأم وأفراد الأسرة نماذج على هذه العلاقات. الحل الثالث أمام الأناني وهو الدخول في علاقات تعاونية مع الناس خارج الطاولة على الأقل مؤقتا.       سيكون المقال القادم محاولة إضافية لفهم أسباب السلوك الأناني وآثاره لكن من المهم التذكير هنا أن المحاولة الحالية لوصف ظاهرة الأنانية ليس المقصود منها شيطنة الإنسان الأناني أو تحويله إلى ثقب أسود يحتوى كل الخطايا. على العكس الهدف هنا هو فهم السلوك الأنانية على منظور النمو الأخلاقي الذي هو في لبه اجتماعي. بمعنى أن الأنانية سلوك اجتماعي لا يمكن تفسيره من خلال مواصفات الأفراد فقط بل كذلك من خلال طبيعة العلاقات الاجتماعية والتربوية التي خاضوا تجربتهم الحياتية داخلها.     دام القوّة للحصول على حقوقه.  انيين وتكون أدوار المُستغِل والمستغَل                https://www.youtube.com/watch?v=jxHyh... 
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 10, 2015 16:45
No comments have been added yet.


عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.