عبد الله المطيري's Blog, page 10
August 26, 2014
عن ماذا نبحث في التواصل؟
عن ماذا نبحث في التواصل؟عبدالله المطيري من أجمل ما في هذه المقالات عن التواصل أنها تتحرك من خلال تواصلي مع آخرين. بمعنى أن كل قضايا هذه المقالات ظهرت ضمن حوارات مع أصدقاء. قضايا هذا المقال هي ثمرة حوار مستمر مع الصديق مساعد الحربي. أبو عبدالعزيز يعمل محاضرا في جامعة المجمعة وهو الآن مبتعث لدراسة الدكتوراه في التربية في الولايات المتحدة الأمركية. في البداية أعاد مساعد الحوار لنقطة جوهرية تتعلق بطبيعة الفرق بين الحضور الالكتروني والحضور المكاني المباشر. مع دخول الانترنت للساحة العامة بدأت ظاهرة لا يمكن لأحد تجاهلها وهي استخدام كثير من الأشخاص لأسماء وهمية يعبرون عن أنفسهم من خلالها. الملاحظة المباشرة أن هؤلاء الناس بدئوا يعبرون بصدق عن أنفسهم لأنهم تخلصوا من الخوف من الرقابة وبالتالي أصبحوا أكثر قدرة على قول ما يعتقدونه فعلا. نتج عن هذا ما عبر عنه اللأستاذ عبدالله الذياب في حوار مع الصديقة في تويتر عميدة الديموقراطيين. يقول عبدالله "نخفي إسمنا لتظهر حقيقتنا ونظهر بإسمنا لنخفي حقيقتنا" . إشارة إلى الشروط القاهرة التي تجبر الناس على قول ما لا يعتقدونه بالضرورة حين يتكلمون للعموم. مساعد يريد أن يقلب المعادلة ويعيد التفكير في المقولة السابقة. بالنسبة لمساعد نفاقنا وكذبنا وخوفنا الذي يظهر عند تعبيرنا بالاسم الحقيقي هو حقيقتنا. أي أننا في الحقيقة كائنات خائفة ومنافقة. في المقابل الصراحة التي تظهر مع الاسماء المستعارة ليست إلا صورة مزيفة تخالف الواقع. هنا مساعد يعيد ربط حقيقة الوجود بالمسئولية المرتبطة بذلك الوجود. بمعنى أن الوجود الحقيقي وبالتالي التعبير الحقيقي هو المرتبط بمعادلة الانسان الواقعية وبالمسئوليات التي تترتب على سلوكه. التعبير الحقيقي هنا هو الذي يرتبط فيه القول بالفعل وليس القول المفصول عن الأفعال الناتجة عنه من خلال تعويم شخصية القائل. على مستوى التواصل الخاص بين الناس يبدو أن هذا الربط بين القول وصاحبه ضروري لتأسيس علاقة تواصل حقيقية. من الصعب إقامة علاقة صداقة أو محبة بين معرّفات مستعارة. اللقاء عبر تلك المعرفات قد يكون هو نقطة التعرّف الأولى ولكن العلاقة لن تصبح مكتملة إلا حين تنقلها الأسماء الحقيقية إلى شروطها الواقعية. أي إلى الشروط الحياتية المباشرة التي يعيشها أطراف العلاقة. الاسم "الحقيقي" هنا يأخذ قيمته من تحقيق هذا الربط. أي أنه الاسم الذي نستدل من خلاله على شبكة العلاقات والظروف التي يعيشها الفرد. حركة الفرد ضمن هذه الشبكة لا خارجها هو ما يعبّر أكثر عن حقيقة هذا الفرد. إذا أردنا الجمع بين مقولة عبدالله الذياب ومقولة أبي عبدالعزيز فيمكننا القول أن التعبير والسلوك الذي نقوم به بأسمائنا الصريحة هو ما يعبر عن واقعنا بينما تدل تعابيرنا وسلوكياتنا التي نعلنا بأسمائنا المستعارة عن أحلامنا ورغباتنا أكثر مما تعبّر عن واقعنا. هذا الحديث عن التواصل وأيضا خلال الحوار مع صديقي مساعد أعادني للسؤال الأول والجوهري وهو عن ماذا نبحث في التواصل؟ أو ما هي مواصفات العلاقة التي يمكن أن نصفها حقيقة بعلاقة التواصل؟ شخصيا حين أفكر في التواصل أفكر في ذلك النوع من الوجود مع الآخرين الذي ينقلني معهم إلى مستوى علاقة الحوار. يمكننا الحديث عن أفقين وجوديين للعيش مع الآخرين. الأفق الأول هو المستوى الاستعمالي والثاني هو الأفق الحواري. الأفق الاستعمالي هو ألا يظهر أمامك الآخر إلا كوسيلة تصل من خلالها إلى غاية تريدها. مثال صارخ على ذلك تلك العلاقة التي تجمعك بسائق الأجرة والتي تنتهي بنهاية المشوار. أمثلة أقل وضوحا على العلاقات الاستعمالية قد تحدث تحت مسميات زمالة العمل، صداقة، وأحيانا علاقات الزوجية. في الأفق الاستعمالي لهذه العلاقات ينظر الأطراف لبعضهم على أنهم منفذي لأدوار محددة تعرّف مضمون علاقاتهم. الصداقة الاستعمالية مثلا هي تلك العلاقة التي يبحث فيها أحدنا عن طرف يستعمله كصديق. أي طرف آخر يستعمله كأذن تسمع له وعقل يفكر معه في قضاياه الخاصة لكنه ليس مستعدا أن يقوم بذات الدور لصديقه. أي أن يكون هو الموضوع الرئيس الوحيد لتلك الصداقة. الزوجية التي لا تتجاوز القيام بواجبات وحقوق الزوج والزوجة هي أيضا علاقة استعمال. أي أن لا يرى الزوج في زوجته إلا ما يندرج تحت تعريف الزوجة أما باقي وجودها الانساني خارج هذا التعريف فهو خارج اهتمامه. في المقابل العلاقة التواصلية أو علاقة الحوار هي تلك العلاقة التي تبدأ وتعيش من خلال انفتاح الانسان على الانسان. من خلال لحظات اللقاء التي تجمع إنسانين على الأقل ليرى كل منهما الآخر لا على أنه آخر يريد استعماله بل على أنه شريك يريد العيش معه. الآخر في العلاقة الحوارية لا يمكن حصره في تعريف محدد بل هو حالة من الشراكة التي تتجدد وتتحقق مع كل لحظات اللقاء. تتأسس هذه العلاقة على ثقة متبادلة وأمان من الاستعمال وإطلاق الأحكام. ذلك الذي يحاورني ليس مستعدا أن يضعني في قالب مع نهاية الحديث. هو لا يتحدث معي ليشخّصني بل ليعرفني أكثر. ذلك الذي أحاوره أعلم أنه دائما أكبر وأوسع مما أعرفه عنه هذه اللحظة. هذه العلاقة هي في جوهرها علاقة حب ولكنه حب لا يسعى للتملّك والاستحواذ. هذا الحب يحدث نتيجة لحظة التفاتة صادقة من إنسان لإنسان ورؤية تفتح أفق جديد من العلاقات كفيل بتحقيق تحوّل نوعي في وجود كل منهما. تحوّل يشبه الفرق بين حالة العاشق قبل الحب وبعده. هذه الالتفاته وهذه الرؤية كانت علامة فارقة في حواري مع مساعد ولعلي أكمل لكم الحديث عنها الاسبوع المقبلة.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 26, 2014 17:26
August 20, 2014
هل المكان الالكتروني أرحب للتواصل؟
هل المكان الالكتروني أرحب للتواصل؟عبدالله المطيري هذه المقالات مشغولة بسؤال التواصل الحديث وتحديدا التواصل عبر الوسائل الالكترونية الحديثة. بدأ التفكير في هذه القضية من هذه المشكلة: هناك وفرة في الاتصال ولكن هناك ندرة في التواصل. بعبارة أخرى العلاقة بين توفّر وسائل الاتصال الحديثة وبين حدوث الاتصال الفعلي بين الناس تبدو عكسية أو على أقل الاحتمالات غير متوازية. هذه الإشكالية أحالتنا إلى فرضية عدم توفر المعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع مثل هذا السيل الجارف من الاتصالات وهذا ما أحالنا للتفكير في الفرق بين التواصل التقليدي/الفيزيائي المباشر وبين الاتصال الالكتروني الحديث. المقالة السابقة كانت مخصصة للتفكير في بعض امتيازات الاتصال الفيزيائي المباشر ولبّها أن هذا الاتصال يوفّر قدرا أكبرا من الأمان لأطراف التواصل. الأمان هذا عامل جوهري في أي تواصل بشري حقيقي. هذا الأمان نابع من إمكانين يوفرهما الاتصال المباشر: الإمكان الأول هو إمكان أطراف الاتصال تقديم العون الفيزيائي كما المعنوي. رفيقك في السفر لديه القدرة على تقديم مساعدات مباشرة في سفرك أكبر من صديقك على الهاتف. الإمكان الثاني هو إمكان أطراف العلاقة في إطارها الفيزيائي المباشر التعرف على بعضهم بشكل أكبر من التواصل الالكتروني. في التواصل الالكتروني لدى كل طرف قدرة أكبر على التحكم في المعلومات التي تصل للطرف الآخر مما يجعل الطرف الآخر لا يعلم عن رفيقه إلا ما يريد رفيقه إعلامه به. في الاتصال المباشر لا توجد هذه السيطرة على المعلومات. كانت هذه الصورة المعروضة ولكن تم الاعتراض عليها من قبل عدد من الأصدقاء في تويتر. الأصدقاء طلال العجمي وجعفر الأنصاري أشاروا إلى امتيازات الاتصال الالكتروني ومساحة الحرية التي يعطيها للأفراد. هذا النوع من التواصل، بحسب طلال، يعطي الفرد مساحة أرحب ليختار كيف يقدم نفسه بعيدا عن تأثير راهنية اللحظة وإرباكها. عدد كبير من المشاهير، يواصل طلال، يثبتون مثل هذه الحالة. تجدهم مبدعين في الكتابة بشكل مبهر ولكنهم أقلّ حضورا وقدرة على التعبير في اللقاءات التلفزيونية المباشرة. من جهته جعفر أشار إلى أن الاتصال أكترونيا يساعده أكثر على إيصال أفكاره باعتبار أنه يعطيه فرصه وإمكانية أوسع للتحضير والاستعداد. كذلك أشار جعفر لقدرة الاتصال أكترونيا على كسر الحواجز الثقافية والاقتصادية. الاتصال أصبح أرخص وفي متناول الكثير كما أنه أصبح أسهل مع أشخاص كان من الصعب التواصل معهم مباشرة. أتفق مع الاصدقاء في إقرار هذه المزايا للاتصال الألكتروني على الاتصال المباشر أو حتى للاتصال الكتابي على الشفوي المباشر. في كثير من الأحيان المعادلة الواقعية المباشرة تصبح عائقا للتواصل بدلا من أن تساعد على حدوثه. العلاقات بين الأفراد وظروفها هي ما يحدد طبيعة التواصل المباشر بينهم. معادلة القوة بين الصغير والكبير، الغني والفقير، صاحب السلطة ومسلوب السلطة تؤثر بشكل حاد على طبيعة التواصل بينهم. لذا فإن ابتعاد الاطراف عن بعضهم البعض يجعل من السهل على الأطراف الأضعف وربما حتى الأقوى التعبير عن نفسها بشكل مباشر وصريح وصادق. البعد عن المستبد ومحترفي البطش والعنف الجسدي واللفظي بقدر كافي للأمان من بطشهم يجعل من التواصل معهم أصدق وأقوى. هنا نصل أيضا لنقطة الأمان والتي كانت امتيازا للعلاقة المباشرة. هنا ظهر لنا أن البعد المكاني يوفر في كثير من الأحيان أمانا أكبر ويجعل من التواصل مع من لا نأمن قربهم أكثرا صدقا وفاعلية. من ذات المنظور فإن الميزة الثانية التي احتسبناها للتواصل المكاني يمكن مراجعتها نقديا كالتالي: لماذا نعتبر عدم قدرة الانسان على التحكّم في الظروف التي حوله كما في التواصل المكاني يساعدنا على فهمه أكثر؟ وبالتالي لماذا يجعل تحكّم الفرد في ظهوره إكترونيا يعتبر إخفاء لتلك الحقيقة؟ ظروف الواقع القاهرة وعجز الانسان على التحكم بظروفه كفيلة بإخراج الانسان عن طوره لأنها تسلب منه قدرا كبيرا من حريته. في الأخير مسئولية الانسان عن تصرفاته ودلالتها على شخصيته مرتبطة بحريته وقدرته على التصرف. حرية إرادة الفرد هنا ترتفع مع الاتصال الإلكتروني ويفترض أن تؤدي إلى تقديم صورة أوضح عن شخصيته. في الانترنت عبّر كثيرون عن حقيقتهم عبر الأسامي المستعارة حين امتلكوا قدرا أكبر من الحرية والتخلّص من التبعات التي قد تترتب على ذات السلوك لو ظهر بأسمائهم المعروفة. هذا يعني أن المساحة من التحكّم والسيطرة التي وفرتها لنا الاتصالات الالكترونية يمكن أن تكون مساحة للظهور الأوضح والأصدق والذي هو بالتالي فرصة للتواصل بمعناه العميق الذي نبحث عنه هنا. إذا كانت الصورة السابقة دقيقة فيمكن أن تعيدنا إلى المربع الأول فلم يعد هناك فروق واضحة بين الاتصال الفيزيائي المباشر والاتصال الإلكتروني تؤدي إلى تفسير محدودية التواصل الناتج عن إنفجار الاتصال الإلكتروني. في الأخير فإن أزمة التواصل متوفرة بشكل واضح مع الاتصال المباشر أيضا. الطفرة التي حصلت مع الاتصال المكاني من وسائل سفر متعددة وسريعة وميسّرة لم تحلّ معها مشكلة التواصل بين البشر. هذا التفكير يفترض أن يعيدنا إلى طبيعة العلاقات التي تجمع البشر والتي ربما أخذت صور متشابهة رغم اختلاف الوسائل. هنا تكون أزمة التواصل في وسائل التواصل الحديثة كما هي في وسائل التواصل القديمة علامة على أزمة الانسان مع الإنسان أو هي علامة على عبّر عنه التوحيدي بقوله أن الإنسان قد أشكل عليه الإنسان. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 20, 2014 04:50
August 13, 2014
التواصل والمكان الالكتروني
التواصل والمكان الالكترونيعبدالله المطيري هل نبالغ حين نتوقع من وسائل الاتصال الاجتماعي أن تكون قنوات للتواصل الإنساني؟ بمعنى هل الاتصال عبر هذه الوسائل قادر على أن يعطينا نتائج مقاربة أو مشابهة للتواصل الذي نحصل عليه في التواصل التقليدي؟ أقصد التواصل الفيزيائي المباشر. أي أن تكون مع الشخص في ذات المكان. هذا السؤال يقودنا إلى هذا السؤال: ما هو الفرق بين الاتصال مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعية والاتصال معهم عبر التواجد الفيزيائي المباشر؟ أي ما هو الفرق بين أن تواصلك مع شخص وأنت موجود معه في ذات المكان وبين تواصلك معه عبر الهاتف أو سكايب أو فيسبوك؟ هذا السؤال يشغل المغتربين كثيرا. مؤخرا كنت في حديث مطوّل مع الأصدقاء شايع الوقيان الكاتب بعكاظ وباسم علعالي أستاذ الرياضيات بجامعة فلوريدا ستيت حول هذا السؤال وهنا شيء مما دار في ذلك الحوار. في البداية نعرف أن التواصل الفيزيائي يعني تواجد الأطراف في مكان واحد بينما يشعر أطراف التواصل الالكتروني بالبعد المكاني. جزء كبير من الحوار كان في محاولة فهم معنى وآثار هذا الفرق. أي ما هو الفرق الذي يُحدثه واقع أن الاتصال يحدث بين أطراف تتواجد في أماكن مختلفة؟ نقطة جوهرية برزت في الحوار هي أن الوعي بأن الطرف الآخر معي في ذات المكان أو في مكان قريب له أثر هائل في شعوري بالأمان. بمعنى أن وجود صديقي معي في ذات المكان يعطيني شعورا كبيرا بالأمان والطمأنينة فهو قريب وقادر على المساعدة والوقوف معي في وقت الحاجة. في الاتصال الاكتروني البعيد هناك حاجز هائل بين الأطراف يتمثل في كون كل طرف يدرك أن الطرف الآخر لا يستطيع أن يكون بجانبه بسهولة، لا يستطيع أن يلجأ له إلا لجوءا عاطفيا عن بعد. لنأخذ هذا المثال الذي يمكن أن يوضح لنا الفرق بين الحالتين من خلال هذين المشهدين: الأول صديقتك ستتزوج وأنتي معها في هذه المناسبة بزيارات متعددة ومرافقة في التسوق ولاحقا في حفل الزواج ويدك بيدها. المشهد الثاني صديقتك ستتزوج وأنتي ترافقينها بالاتصالات الهاتفية والاتصال المرئي من مكان إقامتك البعيد وترافقينها في كل تفاصيل الزواج. رغم كل التشابه بين المشهدين إلا أن هناك شعور في المشهد الأول مفقود في المشهد الأول وهو أن صاحبتك تشعر بأمان أكبر فأنت قادرة على فعل أشياء أكثر بمجرد وجود الفيزيائي معها. الصديق باسم كان مشغولا بسؤال ماذا يمكن أن نفعل في وسائل الاتصال لنجعلها تسدّ هذا النقص. فرق آخر مرتبط أيضا بعملية الأمان هو أن التواصل الفيزيائي المباشر يعطي الفرد منّا قدرة على رؤية صاحبه في المشهد من أكثر من جهة وليس محصورا بعين واحدة توفرها له كاميرا الاتصال. هنا مثال على هذه القضية: تجري عدد من الجامعات الأمريكية اتصالات مرئية مع الطلاب المتقدمين لها للدراسة من الخارج للتأكد من إجادتهم للغة الإنجليزية ومهارات أخرى قبل الموافقة على قبولهم وإعطائهم تأشيرات للدراسة. مع الوقت أدركت الجامعات أن هذا الاتصال لا ينقل الصورة الكاملة! المشهد كالتالي: تكون الكاميرا متوجهة للطالب بينما يتواجد حوله عدد من الأشخاص الذين يسمعون المقابلة ويساعدونه في الإجابة. مُجري المقابلة من الطرف الآخر لا يرى كل هذا وبالتالي فهو أمام مشهد مزيّف إلى حد كبير. هذا المثال يشرح محدودية قدرة الطرف الآخر في الاتصال الاكتروني على معرفة الموقف بتفاصيله. في النهاية الطرف الآخر في المكالمة يستقي الجزء الأكبر من معلوماته من خلال الطرف الأول. الاتصال الاكتروني يعطي كل طرف قدرة أكبر على التحكم في المعلومات التي تصل للطرف الآخر. شفويا هو يقول له ما يريد ومرئيا هو يختار زاوية الاتصال التي يريد كما يختار له الصور أو المقاطع التي يريدها فقط. في المقابل الاتصال الفيزيائي المباشر يعطي كل طرف حرية أكبر في الوصول للمعلومات عن الطرف الآخر. جلوسك مع شخص في مقهى يعطيك فرصة للتعرف على ظروف مكان وتواجد هذا الشخص بدون سيطرته على المعلومات. بمعنى أنك تراه بعينك وليس بعينه. هذا الظرف له علاقة جوهرية بقدرة كل شخص على معرفة الشخص الآخر. جزء جوهري من قدرة الفرد على معرفة الآخر أن يرى هذا الآخر في ظروفه الواقعية ويرى تفاعلاته معها. هذا الوضع يتيح لنا أن نرى الإنسان الطرف الآخر في تناقضاته، في تفاعلاته التي لم يتحكّم فيها،نراه حين تخرج الأمور عن سيطرته، نرى الفرق بين ما يقول وما يفعل. هذه الأبعاد يستطيع الفرد أن يتحكّم فيها أكثر أكترونيا. لذا فإن زملاء العمل للشخص الذي تتابعه في تويتر لديهم قدرة على رؤيته من زوايا لا تستطيع أن تصل أنت إليها. هم يرونه بعيونهم وأنت تراه بعين ركّبها هو. هذه مساحة مهمة تفصل الاتصال الفيزيائي عن الاكتروني على الأقل حسب ما هو متوفر الآن من تقنية. السؤال هو عن تأثير هذه الفروق على التواصل. نعرف أن التواصل الانساني لا تضمنه مجرد مشاركة المكان مع الآخرين ولكن هذه المشاركة عامل وشرط جوهري ومؤثر. الاتصال الاكتروني يوفّر مكان آخر مختلف حاولت هذه المقالة ذكر الفرق بين المكانين من جهة أثر كل منهما في توفير تواصل يحدث الأمان والذي هو أحد دوافع التواصل عند البشر. كذلك قدرة كل مكان على توفير فرصة أكبر لأطراف الاتصال للتعرف على بعضهم البعض. هذا التعرف يحدث بدرجة أعلى حين يصل كل طرف لمعلوماته عن الطرف الآخر بحرية أكبر وبدون إشرافه ومراقبته. كانت هذه المقالة في صالح امتيازات المكان التقليدي على المكان الالكتروني. ربما تشهد المقالة القادمة الحركة في الاتجاه المعاكس.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 13, 2014 05:39
August 5, 2014
المجال الخاص والأكثر عمومية
المجال الخاص والأكثر عموميةعبدالله المطيريانتهت المقالة السابقة إلى عرض صورة متفائلة عن مشكلة شحّ التواصل داخل وفرة الاتصال التي يتمتع بها غالب الناس اليوم. الصورة كالتالي: ثورة الاتصال فاجأتنا، نحن لا نملك بعد المعرفة ولا المهارات المطلوبة للتعامل مع هذا الكم الهائل من الانفتاح على الناس. إذا كانت الحواس تعمل باستراتيجية الفرز والتصنيف ومن ثمّ التأليف والتركيب للألوان والأصوات فإنا حاستنا الاجتماعية الالكترونية لا تزال غير قادرة على التعامل مع المشهد بعد. بمعنى أننا لا نزال في مرحلة الدهشة من هذا السيل الجارف من الاتصال اليومي بالناس ولا نعرف بعد كيف نجعل هذا الاتصال قناة حقيقية للتواصل مع الآخرين. هذه الصورة متفائلة لأنها تحمل داخلها فرصة التعديل والتطوير متى توفرت المعرفة والمهارات. هذه كانت باختصار الصورة المعروضة في المقال السابق لنطرح الآن مشاهد يفترض أن تربكها. الصورة السابقة لا تميّز بوضوح بين الفضاء العام والفضاء الخاص في التواصل. واقعيا الناس تتعامل مع الفضائين بتوقعات وتطلّعات مختلفة. الفضاء العام هو مجموعة المجالات والأنشطة التي يحضر فيها الفرد بصفته ممارسا لدورا اجتماعيا عاما. المعلمة مثلا حين تذهب لعملها فهي تدخل في الفضاء العام. نلاحظ هنا أن طبيعة العمل العمومي أنه ينزع من الانسان حق اختيار الأفراد الذين يتعامل معهم ويفرض عليه انفتاح يتوافق مع عمله. بمعنى أن هذه المعلمة لا تملك حق اختيار من يكون ضمن طالباتها ومن لا يكون. باختصار هي لا تستطيع أن تستبعد أحد طلابها وتقطع هذه العلاقة معه بقرارها الشخصي. طبيعة وجودها في الفضاء العام تفرض عليها انفتاحا على الجميع وفق ترتيبات عمومية لم تقم هي باتخاذها. في المقابل نجد أن هذه المعلمة تستعيد سلطتها على علاقاتها حين تعود إلى فضائها الخاص. بمعنى أنها تملك حينها الحق في اعتبار فلانة من الناس صديقة خاصة كما أنها تملك الحق والقدرة كذلك في استبعاد تلك الإنسانة من مجموعة أصدقائها متى ما رأت أنها لم تعد تتوافر على مقوّمات الصداقة التي تبحث هي عنها. مقومات الصداقة هذه خاضعة بشكل كبير لإرادتها الخاصة. بناء على هذا التفريق فإن توقعاتنا من المجالين مختلفة. ما أتوقعه من الناس في المجال العام أقلّ بكثير من ما أتوقعه في المجال الخاص. ما تتوقعه هذه المعلمة من زميلاتها في العمل هو الحد الأدنى من التعاون والاحترام بينما تتوقع من صديقاتها الخاصّات أكثر من ذلك بكثير. تتوقع منهم مشاركتها أفراحها وأحزانها وظروفها الصعبة ولحظاتها الفاخرة. إذا كان سارتر يقول "الآخرون هم الجحيم" فإن هذا ربما يعود لفقداننا الحرية في الفضاء العام في اختيار الناس الذين نتواصل معهم. في مجالنا الخاص نحاول تقليص "آخرية" الآخرين بمعنى تقريبهم أكثر من ذواتنا ليصبحون "منّا وفينا". بناء على هذه الصورة، يستمر الاعتراض، فإن ما يحصل حاليا مع ثورة الاتصالات هو شيء مشابه لما يحدث في الاتصالات التي تحملها العلاقات التقليدية بشرط أن لا نخلط بين الفضاء العام والخاص. الارتباك يحدث حين نتوقع من الناس في الفضاء العام ما نتوقعه من الناس في الفضاء الخاص. إذن الصورة كالتالي: الناس في جهاز اتصالك الخاص، معك في الواتزآب، في فيسبوك، في تويتر..الخ ينتمون ابتداء للفضاء العام وكأنهم زملاء الدراسة وزملاء العمل، طالباتك، معلماتك..الخ. في أحسن الأحوال أنت تختار من هؤلاء من تضمّه إلى فضائك الخاص ويصبح صديقا خاصا تتوقع منه التواصل فعلا. فرصة التواصل في الفضاء العام ضعيفة لأن الناس لا تراك إلا في دورك الاجتماعي المحدود، في وظيفتك ولا تراك في صورتك الكليّة. بالنسبة لطالباتك فإنت معلمة تخرج وتأتي بعدها معلمة أخرى. الطالبة التي تراك في صورتك الكلية خارج دورك كمعلمة، أي كإنسانة هي التي يمكن أن تكون صديقتك وهذه حالة نادرة ولا نتوقعها كثيرا. ينتهي الاعتراض بهذه العبارة: لم يحدث تغيير في طبيعة العلاقات ما حصل هو فقط أننا نخلط بين الفضاء العام والخاص وترتبك توقعاتنا ونشعر بفقدان التواصل. الصورة السابقة معقولة إلى حد كبير ولا تعترض بشكل حاد مع التفسير المقترح في المقالة الأولى. بمعنى أنها تؤيد فكرة أن المشكلة تكمن في عدم قدرتنا على تمييز وفرز العلاقات (عامة/خاصة) مما يجعل من تركيبها والعيش فيها لاحقا أمرا ممكنا. لكن الصورة السابقة علامة على مشكلة أعمق وأكثر إرباكا وهي أنها تشير إلى تغيير يكاد يكون جوهري في فكرة الفضاء العام والخاص من أساسها. بمعنى أن هذه الصورة تقول أن الاتصالات التي أجريها عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال جهازي الخاص الذي أملك حق التصرف فيه بالكامل تنتمي للفضاء العام وليس للخاص! الاتصالات التي أقوم بها وأنا في سرير نومي وفي أكثر الأماكن خصوصية في حياتي هي سلوك عمومي! النشاطات التي تحمل أدق خصوصياتي أصبحت مجالا عاما! هذه الصورة مربكة أيضا. إما أن تكون مفاهيم المجال العام والخاص قد تغيّرت مع ثورة الاتصالات الحديثة أو أنا أمام مجال جديد لم يعد عاما ولا خاصا. المشهد المربك يمكن التعبير عنه كالتالي: الجهاز الأكثر خصوصية في حياتي، الذي يحمل صوري الخاصة ومعلوماتي الخاصة والذي أملك حق التحكم فيه بالكامل (أو هكذا أظن)، الجهاز الذي أستطيع إقفاله بخطوة واحدة أصبح البوابة اليومية التي أغادر فيها خصوصيتي وأنتقل إلى المجال العام. أصبح هذا الجهاز الخاص جدا نافذتي اليومية لفقد خصوصيتي.http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 05, 2014 18:00
August 3, 2014
وفرة في الاتصال وشحّ في التواصل
وفرة في الاتصال وشحّ في التواصلعبدالله المطيري يتوافر كثير من الناس اليوم على أعداد كبيرة من البشر في قوائم اتصالاتهم في الفيسبوك والتويتر والباث والواتزآب والانستغرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي لكن نسبة ومعدلات التواصل الحقيقي مع هذه الأرقام لا تزال محدودة. أعني بالتواصل الحقيقي هنا العلاقة التي تساعد كل طرف على معرفة الآخر ورؤيته بشكل واضح مما يفتح قناة لتبادل الأفكار والمشاعر بصدق وأمان. أو بعبارة أخرى التواصل المتأسس على الثقة بالطرف الآخر. يمكن قياس هذه الحالة بملاحظة التالي: ارتفاع كبير في قوائم الاتصال لا يوازيه ارتفاع في قوائم المحبين والأصدقاء. كذلك يمكننا ملاحظة ضيق كثير من الناس من العلاقات التي ينخرطون فيها يوميا في وسائل التواصل الاجتماعي. بمعنى أنهم يلاحظون الكثير من الزيف والكذب في ما يقوله الناس وكثير من التوترات والسلوكيات السلبية في تعامل الناس مع بعضهم. بمعنى أن الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي بدأ يهدد قدرة الافراد حتى على الحفاظ بقائمة أصدقائهم الصغيرة السابقة وسط أمواج الاتصال المتوترة. هذه الاشكالية ليست جديدة على الأقل في نوعها وإن كانت كذلك في درجتها. بمعنى أن ظاهرة وفرة الاتصال وضعف التواصل قد تمت ملاحظتها منذ بدايات القرن الماضي. ذلك الوقت شهد ثورة في وسائل الاتصال من سكك حديد وسيارات وطيارات وهواتف وراديو وتلفزيون وصحف كما شهد كذلك إحدى أعنف صفحات التاريخ البشري مع الحروب العالمية وما تلاها من حرب باردة وعنف لا يزال يتدفق يوميا حتى الآن.عالم الفيزياء ومنظّر الحوار ديفيد بوم (1917-1992) David Bohmمثلا لاحظ أنه على الرغم من تطور وسائل الاتصال في عصره إلا أن قدرة الشعوب على التفاهم ومعرفة بعضها البعض وتجنّب العنف لم تتطور أبدا. في الأخير التواصل قناة يفترض أن تتيح للناس حل مشاكلهم دون اللجوء للحلول القديمة والتي ترتكز على محاولة كل طرف القضاء على الطرف الآخر. بمعنى أن التواصل هو إمكان سلمي لحل الخلافات مع بقاء أطراف الصراع في أفضل أحوالهم الممكنة. إذا كانت المشكلة قد ظهرت على مستوى الدول والشعوب منذ بداية القرن الماضي فإن ظهورها على مستوى الأفراد يشهد هذه الأيام أوج حضوره. لا تحتاج اليوم أن تكون مهتما بالشأن العام ولا بالسياسة لتشعر بكثافة الاتصال وندرة التواصل. مشهد الإنسان الذي يشعر بالعزلة وهو يتحرك داخل أمواج هائلة من البشر أصبح مألوفا أكثر من أي وقت مضى. ما سبق كان محاولة للوصف وسأحاول الآن تقديم شيء من التفسير لما يجري. نتعلم من التواصل الطبيعي للإنسان مع الطبيعة أنه يقوم على التمييز والدمج. بمعنى أن حاسة مثل حاسة البصر تقوم أولا على تمييز الألوان وفرزها ومن ثم تضعها العين في صورة واحدة لها معنى. العين التي تفقد القدرة على التمييز بين الألوان تفقد القدرة على الرؤية. الأذن كذلك لديها القدرة على فرز الأصوات وتمييزها ومن ثم دمجها في صوت يمكن نقله. هناك أصوات كثيرة لا تستطيع الأذن الوصول لها وبالتالي لا تدخل ضمن عملها السمعي. يمكن ملاحظة ذات السلوك في بقية الحواس. القدرة على التمييز والفرز والتفكيك والتي تليها القدرة على التركيب والتأليف والدمج هي ما يجعل الحواس تقدم لنا صورا وأصواتا وأذواقا محسوسة نشعر بها ولاحقا نستطيع التحكم بها بحسب رغباتنا وأهدافنا. السؤال المرتبط بنقاشنا هنا هو عن قدرتنا على التمييز والفرز والتفكيك ولاحقا القدرة على التركيب والتأليف والدمج وسط أمواج الاتصال التي تحيط بنا. بعبارة أخرى السؤال هنا عن حاسة التواصل عندنا وعن فهمنا لها وقدرتنا على التحكم في عملها في اتجاه يخدم أهدافنا. سؤالنا هنا هو عن قدرتنا على التعامل مع قوائم الاتصال وتحويلها إلى حالات وتجارب من التواصل العملي. المهمة الأولى أي مهمة التمييز والفرز والتفكيك هي مهمة تعرّف وتجريب وعائقها الأول أننا لا نعرف حقيقة الناس الذين نتواصل معهم. قد نعرف أسمائهم وبعض المعلومات عنهم ولكن التواصل المباشر اليومي معهم يفاجئنا باستمرار. بمعنى أنك في حالة انفتاح يومية ومباشرة على فرح كثير من الناس وتعاستهم، على مزاجاتهم الرائقة ومزاجاتهم المتعكّرة، على لحظات نشوتهم وعلى حالات اكتآبهم. منفتح على ناس تكذب وتنافق، على ناس مرتبكة وعلى ناس صادقة بشكل مفاجئ. هذا المشهد مربك جدا. فهم إنسان واحد يعتبر مهمة شاقة جدا فما بالك بفهم هذا الموج من البشر. في أحسن الأحوال فإننا نتعرف على الآخرين في وسائل التواصل وفي الأحوال الطبيعية أو السيئة فإننا في ورطة مع الآخرين بسبب عجزنا على التعرّف عليهم. التعرّف على الآخرين في الأخير هو تعرّف على الذات وهذه مهمة يتجنبها الكثير. على مستوى الجماعات كانت الحروب العالمية والحرب الباردة علامة على ورطة كل شعب برؤية الشعب الآخر بشكل مكثّف. في السابق كان ضعف التواصل يجعل من السهل بناء صورة نمطية والعيش داخلها بهدوء. غالبا الصورة كالتالي: أنا خيّر والآخر شرّير، أنا قوي والآخر ضعيف، أنا جميل والآخر قبيح. الذي حصل مع ثورة الاتصالات أن خيرية الآخر وقوته وجماله أصبحت أمام عيني كل يوم وأن الصورة الرومانسية السابقة لم تعد قادرة على العمل والتأثير كما كانت في السابق. هذه الربكة دفعت الجماعات لمحاولة القضاء على بعضها كمهمة أسهل من مهمة تعديل النظرة السابقة والعيش المشترك بسلام وأمان. إذن الصورة الأولية المقترحة كالتالي: التواصل ضعيف بسبب أننا لا نزال في مرحلة التعرّف والتجريب والتي يمكن أن نصل من خلالها إلى تطوير قدرة على التمييز والفرز والتفكيك ولاحقا التركيب والدمج والتأليف. نحن الآن في مرحة التعرف على الآخرين والتعرف على ذواتنا كذلك. إنها مرحلة مربكة ومؤلمة وتشرح لنا قبل كل شيء محدودية معرفتنا لبعضنا ولذواتنا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 03, 2014 15:46
August 2, 2014
النقد من منظور حقوقي
النقد من منظور حقوقيعبدالله المطيري سعت المقالات السبع السابقة إلى النظر إلى النقد من منظور حقوقي. بمعنى التساؤل عن ما هي الحقوق المستحقة على أطراف ممارسة النقد تجاه بعضهم كأفراد وتجاه المجتمع المعرفي بشكل أوسع. انطلقت المقالات كذلك من وعي بإشكالية قديمة وعميقة وهي إشكالية العلاقة بين الحقوق والحرية. بمعنى أنها إشكالية القلق من الحد من حرية النقد تحت شعار الالتزامات الأخلاقية. هذا القلق حقيقي وله شواهده التاريخية المتكررة من محاولة فرض جماعة ما قيمها الأخلاقية على القول النقدي. بمعنى أن تكون منظومة أخلاقية معينة هي معيار النقد الواجب إتباعه. هذه الإشكالية جعلتنا أمام خيارين. الأول هو قطع كل علاقة بين الأخلاق والنقد والثاني هو إيجاد نوع مختلف من العلاقة بين الأخلاق والنقد. الخيار الأول يضعنا أمام حتمية استحالة النقد باعتبار أن النقد علاقة بين أطراف تنطوي على إصدار أحكام لها علاقة بالناقد والمنقود ومجتمع المعرفة. هذه العلاقة لن تكون عادلة ومنصفة إلا بالتزامات مشتركة بين أطرافها تحفظ ولو القدر الأساسي من حضور أطراف النقد كما هم لا كما تفترض ميول ورغبات أحدهم. هذه الالتزامات هي ما يعوّل عليه في التفريق بين النقد والمدح والذم وبين النقد والعنف اللفظي. كانت مقالة "النقد والضرورة الأخلاقية" مخصصة لتقديم محاججة على أن الأخلاق ضرورية لإمكان العمل النقدي من أساسه. لهذا السبب كان أمامنا الخيار الثاني وهو إقامة علاقة مختلفة بين النقد والأخلاق. العلاقة المُشكلة هي العلاقة "المضمونية" والعلاقة المقترحة هي العلاقة "الإجرائية". العلاقة المضمونية تحدد فيها الأخلاق مضمون النقد بمعنى أن الالتزام الأخلاقي فيها يحدد للناقد معايير الحق والخير والجمال التي يفترض أن يطبّقها في عمله النقدي. في المقابل الأخلاق الإجرائية لا تصل إلى هذا المستوى فالالتزام بها يعني فقط الالتزام بمحددات أولية للعلاقة مع أطراف عملية النقد تجعلها عادلة ومنصفة دون تحديد مضامين النقد. بمعنى أنها العلاقات التي تُلزم الناقد برؤية منقوده ورؤية مجتمع المعرفة قبل إطلاقه قوله النقدي. الرؤية هنا تعني أن يتواصل الناقد مع منقوده بأكبر قدر ممكن من التواصل وأن يكون العمل النقدي ممارسة داخل هذا التواصل. بمعنى أن الناقد يسعى لإظهار منقوده لا لطمسه من خلال إجراء النقد كحوار بين أطراف لا يتحقق الحوار بدون ظهورهم. كانت مقالة "أي أخلاق وأي نقد" محاولة لرسم ملامح هذه العلاقة الإجرائية التي تم الرهان فيها على تقديم حل لإشكال الالتزام الأخلاقي وحرية التعبير في الممارسة النقدية. داخل هذه العلاقات الناقد لديه كامل الحرية في تحديد مرجعياته وأدواته النقدية ولكنه لا يملك استحقاق طمس منقوده أو تشويه أفكاره أو النيابة عنه في التعبير عن نفسه. القيام بهذه الأعمال يعني الخروج من العمل النقدي إلى أعمال أخرى منها التصفية السياسية أو التشويه الأيديولوجي أو التنفيس النفسي أو الصراع الشخصي لا الفكري. مقالة "الأخلاق الإجرائية كقنوات تواصل" هدفت إلى إبراز الجوهر التواصلي للأخلاق الإجرائية التي يفترض أن يتحرّك ضمنها النقد. هذا الفهم يتحقق من خلال كشف الطبيعة الاجتماعية للعمل النقدي أي من خلال إبراز النقد كتواصل داخل فضاء اجتماعي عام يشمل المجتمع بكامله وخاص يشمل مجتمع المعرفة بكافة أطرافه. النقد داخل مجتمع المعرفة هو علامة الحياة داخل هذا المجتمع أي أنها علامة جوهرية على أن أفراد هذا المجتمع يتواصلون معرفيا. المجتمع المعرفي المؤسس على علاقة الشيخ بالمريد أو علاقة المنظّر بالمنفّذ لا يوجد فيه تواصل باعتبار أن أحد أطراف العلاقة تم طمسه وإخفاءه من الصورة كفاعل يملك حق التفكير والقول وليس فقط التنفيذ. الطبيعة التواصلية للأخلاق الإجرائية يجعل من البرهان جوهر هذه الأخلاق. البرهان هنا هو قيام الناقد بالانكشاف أمام القارئ. أي قيام الناقد بإخبار القارئ كيف فكّر وكيف وصل إلى أحكامه النقدية. هنا القارئ يحضر كشريك مباشر في عملية النقد باعتبار أن البرهنة المكشوفة والواضحة جعلته أيضا أمام مسئولية أو إمكان الحكم. الناقد هنا يقول للقارئ هكذا فكّرت أنا والآن جاء دورك. تقديم مبررات الرؤى والأحكام النقدية من قبل الناقد هو التزام بحق القارئ والمنقود في المعرفة. غياب البراهين المعرفية يعني حضور الرهان على سُلطات غير معرفية تملأ فراغ البرهان. الالتزام بالمفهوم الحقوقي للنقد ترعاه كثير من الجامعات والمراكز البحثية في العالم تحت اسم المنهج العملي وقد يخفى على كثير من المطبّقين له الأبعاد الأخلاقية المؤسسة لتلك المنهجيات أما خارج الأكاديميات فإن الوعي بمثل تلك الالتزامات يتلاشى داخل أمواج الصراعات السياسية والاجتماعية. في الفضاءات التي يمكن فيها التمييز بين العمل الفكري والعمل السياسي التنفيذي يسهل التمييز بين النقد الفكري والعمل السياسي المدفوع بتحقيق أهداف حزبية سريعة ومباشرة. لكن في الفضاءات التي يتجنّب فيها الفاعلون الكشف عن عملهم الحزبي السياسي الميداني ويقدمون أنفسهم بصفات بحثية معرفية فإن المشهد برمته يرتبك. المتوقع من الباحث المعرفي يختلف عن المتوقع من الناشط الحزبي السياسي. الأول مشغول بالفهم والتفسير والثاني مشغول بالدفع باتجاه أجنده الحزب الذي ينتمي إليه. المتوقع من المتحدث باسم الحزب السياسي يختلف عن المتوقع من الباحث الموضوعي. هذا التفريق يشير إلى توقعات أخلاقية مختلفة أيضا. المتوقع أخلاقيا من الباحث الملتزم بالإنصاف والعدالة يختلف عن المتوقع أخلاقيا من الفاعل السياسي المشغول بمصلحة جماعته الخاصة. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 02, 2014 18:56
البرهان...جوهر النقد
البرهان...جوهر النقدعبدالله المطيري لا شيء يقطع التواصل مثل حكم بلا برهان. لنتخيل هذا المشهد: فلان يقول لك أن سلوكك معه خاطئ. الخطوة التالية المتوقعة منك أن تسأل لماذا. بمجرد أن يبدأ الشخص المقابل في ذكر الأسباب التي بنى عليها حكمه فإن حالة من الانفتاح والانكشاف الهائلة تتحقق على مرجعيات فكرية واجتماعية وأخلاقية قابلة للنقاش والجدل. مثلا حين يقول لك فلان أن هذا السلوك خاطئ لأن مرجعيته الدينية تقول كذلك فإن الحديث هنا انتقل من الحكم الشخصي إلى مرجعية عامة يمكن الجدل حولها بعيدا عن أشخاص النقاش. بمجرد أن يتولى الفرد مهمة البرهنة على أحكامه فإنه قد سلّم الطرف الآخر سلطة مراجعة ونقد وتعديل حكمه الأول. بمعنى أنه يقول أن هذا حكمي وهذه براهيني ولك الحق في أن تفحص ما قمت به وأن تراجعه وأن تصل أنت بنفسك إلى نتيجتك الخاصة. لنتخيل الآن المشهد الآخر. فلان يقول لك أن سلوكك معه خاطئ وحين تسأله لماذا يرفض أن يجيب أو يحيلك على مرجعية ذاتية أو إلى مرجعية مغلقة على جماعة محددة لا تنتمي أنت لها أو لا يسمح لك الانضمام لها. كأن يقول لك سلوكك خاطئ لأنه لا يعجبه أو هكذا لأنه لا يتوافق مع مزاجه أو يرفض أن يبرهن على حكمه بأي برهان أو يحيلك إلا استدلال ويرفض أي تدخل لك فيه. في هذا المشهد يرفض هذا الشخص أن يفتح تفكيره للآخرين. بمعنى أنه يرفض تسليم سلطة مراجعة أحكامه لأحد غيره. هذا الموقف برأيي يمكن أن ينتج عن خوف شديد أو عن استبداد مفرط أو عن زهد في أي تواصل. وكلها علامات على انقطاع إمكانيات التواصل. لماذا قد يؤدي كشف الإنسان عن مبررات أحكامه للخوف؟ عدة أسباب منها عدم ثقة الإنسان في مبرراته أو عدم ثقته في قدرة الطرف الآخر على تفهّمها واستيعابها. هناك حالة من عدم الثقة المتبادلة في الذات وفي الآخر. الحوار يأتي كفرصة لردم تلك الفجوة وبناء حالة من الثقة قائمة أولا على الاعتراف بالخوف والقلق. النقد كحالة حوارية هو عملية من الجرأة والرهان على إمكانية التواصل مع أطراف المجتمع المعرفي من خلال كشف الناقد عن تفكيره للآخرين. بمعنى أن يقول لهم هكذا فكرت في هذه القضية وهذه أحكامي. راجعوها معي ولكم فيها من حق القول كما لي. بقدر ما تقلّ وتضعف حالة انكشاف الناقد على أطراف مجتمع المعرفة بقدر ما تضعف حالة التواصل وبالتالي يمكن أن نتنبأ بحالة من الخوف تحيط بالأجواء. أولا قد يكون خوف الناقد من كشف أدواته ومبرراته علما منه بضعفها وعدم قدرتها على الصمود أمام فحص المتابعين. ثانيا قد يكون خوف الناقد من ردة فعل مجتمع المعرفة على مبرراته وطريقة تفكيره. حضور البرهان في الخطاب النقدي هو مقياس دقيق لحضور ثقة الناقد في ذاته وفي مجتمع المعرفة الذي يتحرّك داخله. العامل الثاني القابع خلف غياب البرهان في الخطاب النقدي هو حالة من الاستبداد التي يعيشها الناقد لدرجة أنه يعتقد أن مجرد تبرير أحكامه يجرح في مكانته المعرفية. هنا مشهد مقارب ما حالة المعلّم أو الأب الذي يشعر بأن طلب طلابه او أولاده تبريرات على أحكامه هو تعبير عن قلّة احترام وتشكيك في مكانته المتعالية. المشهد هنا مشابه كذلك لعلاقة القائد العسكري بجنوده المؤسسة على علاقة التنفيذ لا التفكير. المطلوب هنا هو تنفيذ الأوامر لا التفكير فيها. قناعة الجندي بالأمر غير مطلوبة وغير مهمة ولذا فإن ذكر مبررات الأمر (الأمر صورة من صور الأحكام) غير مطلوب وغير مهم. كل هذه النماذج تعبّر عن حالة من الانقطاع بين أطراف العلاقة. الانقطاع هنا يعني توقّف أطراف العلاقة عن الحضور كأطراف تتمتع بالحد الأدنى من استحقاق التفكير والحكم قبل التنفيذ. إذا كانت هذه تفسيرات مقترحة لغياب البرهان في الخطاب "النقدي" فإنه لا بد من الانتباه إلى أن غياب البرهان يعني بالضرورة حضور غيره لملئ المشهد النقدي ولو صوريا. لا بد أن أوضح أولا أنني لا أعني بالبرهان هنا المعنى الأرسطي المخصص لنوع خاص من الاستدلال بقدر ما أعني به كل محاولة للإقناع متعلّقة بجوهر الحكم. الخطابات التي تملأ عادة الفراغ الذي يحدثه غياب البرهان هي خطابات تعزز من سلطة الناقد أو خطابات تسعى لإحداث حالة من الخوف لدى المتلقي تدفعه للتسليم للناقد دون التفكير في ما يقوله. تعزيز سلطة الناقد تعني التركيز على مكانته العلمية وقيمته البحثية وكأنها بحد ذاتها برهان على صحة القول. بمعنى أننا نصبح أمام محاججة بهذه الصورة. فلان قال بـ أ، فلان حجة في مجاله، إذن أ صحيح. نلاحظ في هذا النوع من الخطابات تكرار ألقاب ومكانته الأفراد لتعزيز إمكانية قبلو هذا النوع من المحاججات داخل الوسط المعرفي. بالنسبة لإحداث حالة من الخوف في المشهد فإن حالات الصراع والعنف والحروب أمثلة حادة على مثل هذه الأجواء حيث يُطلب من الجميع التوقف عن التفكير بالمنطق والاستدلال باعتباره يودي إلى تفتيت الهمم وإحداث حالة من التخذيل تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. مهمة الناقد الشكلي هي خلق حالة من أجواء الحرب في النص يتم من خلالها إدخال المتلقي في حالة من الخوف تدفعه باتجاه تسليم حقه بالتفكير الحر. من هنا فإن التزام الناقد بالبرهنة على أحكامه وإخلاصه في هذه المهمة تعتبر علامة على تحقق حالة صحية من العلاقة النقدية وحالة من الانفتاح والثقة على مجتمع المعرفة تنطوي في عمقها على التزام أخلاقي بالعدل والإنصاف والصدق وتجنب ممارسة العنف باسم النقد. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on August 02, 2014 18:53
July 9, 2014
الأخلاق النقدية كعلاقة اجتماعية
الأخلاق النقدية كعلاقة اجتماعيةعبدالله المطيري انتهت المقالة السابقة إلى تحديد طبيعة العلاقة النقدية بين طرفين أساسيين من أطراف العملية النقدية: الناقد والمنقود. قامت تلك العلاقة على مبدأ أولي وهو التزام الناقد بالتوجه للمنقود وليس لغيره. هذا الالتزام يجعل من الضروري إبقاء طرفي العلاقة في حالة ظهور مستمرة من خلال إحضار الناقد لمنقوده باستمرار في خطابه بأفضل صورة الممكنة. في حال قيام الناقد بطمس منقوده (المنقود هنا قد يكون شخص أو فكرة أو موقف) فإن العلاقة النقدية تتوقف لأنه لم يعد لدينا أية ضمانة بأنه النقد موجه لموضوعه بقدر ما قد يكون موجه لصورة متخيّلة لا تمت للواقع بصلة. في حالة هذا النقد المزيّف فإن الناقد أمام مهمتين متناقضتين بشكل جدلي. المهمة الأولى وهي طمس المنقود من خلال تزييف قوله وإظهاره بصورة تحجبه عن القارئ. المهمة الثانية هي الإبقاء على حضور المنقود ولو اسما ليتم توجيه الضربات له تحديدا وليس لغيره. بمعنى أن الناقد المزيّف يريد أن يقول للقارئ لا تقرأ فلان وفي ذات الوقت لا تنسى أنه فلان تحديدا وليس أحدا آخر. هذه العملية عادة ما تؤدي إلى نتائج معاكسة لهدف الناقد المزيّف بحيث تصبح عملية محاولة حجب منقوده نافذة يلتقي من خلالها الناقد والقارئ. أذكر أن دراستنا للعقائد والمذاهب الفكرية والدينية وإن كان الغرض منها في الجامعة صد وقطع أي تواصل للطلاب معها إلا أن مجرد ذكرها وحضورها في المشهد يؤدي إلى تحفيز عدد من الطلاب للتواصل مع المنقودين دون واسطة الناقد الساعي لقطع ذلك التواصل. لذا تخرج توجهات حادة وعنيفة ترفض ذكر أي مقولة أو عبارة للمنقودين حتى ولو كانت مأخوذة خارج سياقها. هذه المحاولة تسعى لحجب أي بصيص نور يمكن أن تنفذ منه احتمالية تواصل بين القارئ والمنقود. لكن حتى هذه المحاولة تضطر إلى القول بأن هناك جماعة مخالفة، جماعة أخرى، وهذا بحد ذاته إظهار لوجود تلك الجماعة. الجدلية الأخيرة تظهر لنا الدور الأساسي لمجتمع المعرفة (المتلقين) في عملية النقد. هذا الطرف وإن كان يبدأ العلاقة بدور المتلقي إلا أنه يتحول مباشرة إلى دور المرسل والفاعل المنتج في عملية النقد. أول الأدوار الأساسية لمجتمع المعرفة أنه يؤسس أنماط التفكير التي يتحرك داخلها الناقد وعملية النقد. بمعنى أن العلاقات الاجتماعية التي تؤسس مجتمع المعرفة هي ذاتها ما يؤسس علاقات النقد والفكر النقدي عند أفراد الجماعة. على سبيل المثال في مجتمع الصراعات الأيديولوجية داخل الأحزاب السياسية التي تتصارع عمليا على كسب أصوات الجماهير هناك نمط من التفكير يسيطر على الفاعلين داخل تلك الأجواء. في المقابل الأجواء الأكاديمية البعيدة بشكل جزئي عن الصراع السياسي المباشر والمرتبطة بعقلية وإجراءات أكاديمية مؤسساتية يخضع فيها العقل النقدي للطبيعة علاقات مختلفة. هذا الدور الأساسي لمجتمع المعرفة يجعل من القارئ عامل فاعل أساسي في العملية النقدية وليس مجرد هدف سلبي متلقي. لدينا الآن ثلاثة أطراف أساسية الناقد والمنقود ومجتمع المعرفة دعونا نتصور بعض الاحتمالات التي يمكن أن تأخذها العلاقة بينهم. أولا: لدينا العلاقة التي يهيمن فيها مجتمع المعرفة على العملية النقدية ويبقى النقاد والمنقود مجرد تطبيقات لهذه الهيمنة. الفاعل الاجتماعي والفكري الذي يتحرك وفقا لهوى مجموعة من الجماهير مثال لهذه العلاقة. هذه العلاقة تختلف عن كون الناقد صوتا للناس. كونه كذلك يطلب منه أن يختلف مع الناس وأن يقول ما لا يحبون سماعه. العلاقة الخاضعة للهيمنة هنا هي تحوّل الناقد إلى متكسّب أو منتفع من موافقة هذه الجماعة من الناس ومعارضة تلك. كذلك حين يؤسس مجتمع المعرفة لأجواء من الخوف والريبة يشتغل داخلها العمل النقدي فإنه قد أسس بالتالي لمساحة ضيقة جدا لا يمكن أن تنمو داخلها أجواء نقدية إلا بأثمان عالية قلّ من يقبل بدفعها. ثانيا: لدينا علاقة يطغى فيها الناقد ولو شكليا على منقوده وعلى مجتمع المعرفة من خلال تحوّله إلى مجرد ملقّن وموجه للقارئ دون احترام لمساحة الرأي الخاصة والحرة للقارئ. من أوجه تلك العلاقة أن لا يبذل الناقد مجهودا كافيا لرسم علاقته مع منقوده أمام مجتمع المعرفة بمعنى أن لا يدرك استحقاق القارئ لمعرفة الآراء المنقوده كما الآراء الناقدة. من علامات عدم الاحترام للقارئ والتي تتكرر حين يكون المنقود يكتب بلغة لا يجيدها غالب القراء أن لا يبذل الناقد إيصال أفكار منقوده بصورة أمينة بحيث يتيح للقارئ تصور الجدل الفكري المفترض أن يحدث. هذه المهمة تتطلب عملية ترجمة واقتباسات ضرورية تكسر الحاجز بين المنقود والقارئ. النقاد الذي لا يحترم القارئ غير حريص على كسر ذلك الحاجز لأن ما يهمه هو علاقة ثنائية أبوية بينه وبين القارئ سيربكها وجود الشريك الثالث. ثالثا: العلاقة التي يهيمن فيها المنقود على باقي أطراف العلاقة النقدية وهذه برأيي حالة لا تتوفر إلا حين يكون المنقود سواء كان رأيا أم شخصا محروسا برمزية عالية داخل مجتمع المعرفة بحيث يؤسس هذا المجتمع أجواء لا تسمح بهذه الشخصية أو هذا الرأي. هذه الحالة كفيلة إما بتعطيل العمل النقدي برمته أو جعل القيام بهذه العملية يعني الخروج من مجتمع المعرفة والقطيعة معه. الأيديولوجيات السياسية والدينية القائمة على تقديس مقام الزعيم مثال على تلك الأجواء حيث يصبح من المتعذّر عمليا تواجد ناقد الرمز داخل جماعة تقدّس الرمز. القيام بهذا النقد يحدث شرخ عميق في طبيعة العلاقات القائمة على التضامن الكامل والوحدة ضد العدو الخارجي الذي يمكن التعرّف عليها بشكل أساسي من خلال محاولته التقليل والشك في قيمة الرمز المقدس. هذه ثلاث وجوه للعلاقات النقدية المعطوبة والتي تسعى العلاقات الإجرائية لإعادة تأسيسها لتكون منصفة للجميع في ذات الوقت. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on July 09, 2014 05:29
July 2, 2014
الأخلاق الإجرائية كقنوات تواصل
الأخلاق الإجرائية كقنوات تواصلعبدالله المطيري الأخلاق الإجرائية تسعى إلى تحقيق شروط إمكان النقد من خلال مهمتين أساسيين: أولا: إقامة علاقة منصفة بين الناقد والمنقود ومجتمع المعرفة. ثانيا، عدم تحويل النقد بالضرورة لنقد أخلاقي. أي أننا هنا أمام منظومة أخلاقية يتوقف دورها في توفير شروط النقد بدون التورط في تحديد توجّه هذا النقد. هذه الإجراءات تنطلق من فكرة أساسية يبدو أن كل المتصدين للفعل النقد سيوافقون عليها وهي أن النقد يفترض أن يتوجه لموضوعه وليس لموضوع متخيّل بدلا عنه. بمعنى أن الناقد أ الذي يريد نقد العمل ب بالضرورة ملتزم، على الأقل نظريا، أن يتوجه نقده لـ ب وليس له شيء آخر متخيّل قد يضعه تحت شعار ب. هذا الالتزام يمكن أن نستنبط منه سلسلة من العمليات الإجرائية التي يمكن أن تساعد على تحقيقه. واقعيا نعلم أنه كثيرا ما يتوجه النقد لشخصية متوهمة أو فكرة مصطنعة لا تعبر بأمانة عن الشخص أو الفكرة التي يتم إجراء النقد باسمها. لذا فإننا نسمع كثيرا من أصحاب الأفكار المنقودة أن النقد المقدم لا ينتمي لأفكارهم ولا يعبّر عنها بشكل دقيق وأنهم يشعرون بأن الكلام موجه ضد دعاوى لم يطلقوها ولا علاقة لهم بها لذا يبدو لهم لكثير منهم أن الوصف الدقيق لما تعرضوا له هو تجني واتهام وليس نقدا. هنا نحن أمام عدة احتمالات منها: أولا أن الناقد فعلا لم يقدم ما يبرهن على أن نقده موجه للمنقود فعلا وليس لصورة متخيّلة قدمها عنه. ثانيا: أن الناقد وصل بأفكار منقوده إلى نتائج إضافية بعد عرض الأفكار الأساسية بشكل دقيق ولكنه لم يفصل استنتاجاته الخاصة عن ما قاله المنقود فعلا. ثالثا، أن الناقد قدم فهما جديدا لأفكار منقوده ولكنه لم يفصل بين أصل القول وبين الفهم الجديد الذي قدمه. رابعا، يكون الناقد قد قدم كل ما عليه من تصّور دقيق للأفكار المنقودة ولكن المنقود يريد التملّص من أفكاره وآثارها. كل هذه الحالات تسبب إشكال في التواصل داخل العلاقة النقدية. هذا الإشكال لن ينته بالتأكيد حتى مع الأخلاق الإجرائية ولكن هدف هذه الأخلاق هو الدفع بالعلاقة النقدية باستمرار إلى مستويات أعلى من التواصل. هنا بعض الالتزامات الأخلاقية الإجرائية التي يمكن أن تدفع باتجاه هدف التواصل أكثر. أولا على الناقد احترام منقوده. احترام المنقود لا يعني هنا الاتفاق معه بل يعني احترام كونه إنسان صاحب رأي أو موقف وأن نقده يتطلب الاستماع له أولا. بعبارة أخرى لا بد أن يرى الناقد منقوده. أي أن يبذل الجهد في تصوّر أفكار منقوده في إطار معقول على الأقل من وجهة نظر صاحبها. هذه يتطلب برأيي ما يمكن تسميته بالقراءة المتسامحة الأولى. أي أن يبدأ النقد بعملية قراءة هدفها فهم الكاتب بشكل رئيس. أي أنها فترة قراءة مع تعليق الحكم. هذه القراءة تسمح بفتح المساحة بشكل أكبر لعملية التصوّر والاستيعاب مع تشويش أقل من نزعة الحكم وإصدار القول. هذه المرحلة تميّز النقد عن غيره من العلاقات التي ينطلق فيها الطرف الأول من موقف محدد سلفا. النقد يحتمل في داخله فكرة تبني موقف المنقود لذا فمن حق هذه الفكرة أن تأخذ حقها في الظهور في أفضل صورها الممكنة. هذه العملية يمكن توضيحها أكثر من خلال الدراسة الأكاديمية. المشهد كالتالي: فصل دراسي مخصص لدراسة نظريات اقتصادية مختلفة ومتعارضة. الخطوة الأولى هي محاولة فهم هذه النظريات. دور الأستاذة هنا هو محاولة عرض أفكار النظرية وكما لو كانت هي صاحبة النظرية. هذه الإجراء هدفه إعطاء النظرية أكبر فرصة ممكنة للحضور. هذا يعني أن الطالبة حصلت على حقها في أن تُعرض لها النظرية بشكل جيد مما يكفل لها لاحقا تقديم تصورات نقدية عن هذه النظرية. لنتخيل المشهد الثاني حيث قدمت الأستاذة النظرية للمرة الأولى من خلال منظورها النقدي الخاص. بمعنى أن ما عُرض على الطلاب هو النظرية من وجهة نظر الأستاذة. في هذا المشهد فقد الطالبات فرصة الاستماع لصوت النظرية أولا مما يعني أيضا إضعاف احتمال وصولهم إلى تصورات خاصة عن النظرية قد لا تتفق بالضرورة مع تصورات الأستاذة. إعطاء الفرصة للمنقود بالحديث أولا هو ما أعنيه بالاحترام هنا. هذا المستوى من الالتزام تجاه المنقود هو ما يجعل عملية النقد المنصفة أصعب بكثير في أوساط الصراعات المحتدمة. في تلك الأجواء مجرد سماع صوت الطرف الآخر يسبب قلقا وإرباكا وتوترا يحجب أي قدرة على التفكير المنصف. في تلك الأجواء تصبح عملية احترام الطرف الآخر تعني عدم احترام الذات وخيانة الجماعة والاصطفاف مع العدو وغيرها من التهم التي تسعى لقطع كل إمكان للتواصل يحفظ لجميع الأطراف حق الوجود والمشاركة. من علامات هذا الاحترام في الدراسات الأكاديمية الرصينة هو أن تتم العودة دائما للنصوص الأصلية التي كتبها أصحاب الفكرة أو التيار أو التوجه الفكري. من هناك تنطلق عملية النقد الحقيقية. في لب هذا المشهد تكمن مهمة الأستاذ وصل طالباته وطلابه بأكبر قدر ممكن من مصادر المعرفة. في المقابل في أوساط القطيعة فإن النصوص الأصلية يتم حجبها وإضعاف إمكانات التواصل المباشر معها واستبدالها برؤى معارضيها. أي أن يتم حجب صوت الفكرة التي يراد توجيه النقد لها. الأخلاق الإجرائية مهمتها الأولى هي إعادة الوصل بين أطراف عملية النقد بدون هذا الوصل فإن عملية النقد تتعذّر من أساسها. احترام المنقود يعني إدراك قيمة وجوده وحقه في التعبير والمشاركة. يعني النظر في عينه كشريك رغم الاختلاف. هذا السلوك يفتح المجال لتلك المساحة المشتركة التي يمكن أن تولد فيها علاقة تواصل منصفة تبشّر بإنتاج حالة نقدية مبدعة.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on July 02, 2014 04:54
June 24, 2014
الأخلاق النقدية والنقد الأخلاقي
الأخلاق النقدية والنقد الأخلاقيعبدالله المطيري كانت السمة الأولى للأخلاق الإجرائية المقترحة في المقالة السابقة تقوم على دعوى قيام الأخلاق الإجرائية بربط جماعة النقد بعلاقة مقبولة أخلاقيا دون أن يتم تحويل عملهم النقدي لعمل تطبيقي خاضع لمنظوماتهم الأخلاقية. هذا فرق جوهري بين العلاقة المضمونية والعلاقة الإجرائية. العلاقة المضمونية تحوّل النقد تحت تأثير الالتزام الأخلاقي إلى نقد أخلاقي. بمعنى أن يصبح القول هنا هو ماذا تقول منظومتي الأخلاقية في هذه الفكرة أو هذا الكتاب أو أيا كان المنقود. في المقابل العلاقة الإجرائية تهدف لفتح مجال أوسع من الحرية من خلال الفصل بين الالتزام الأخلاقي الذي يؤسس للعلاقة العادلة بين الناقد والمنقود ومجتمع المعرفة من جهة ومضمون النقد من جهة أخرى. هذا يعني أننا يمكن أن نصل من ذات الأخلاق الإجرائية إلى حكمين متناقضين. هذا يعني أيضا أن لا يتحول النقد الملتزم بالأخلاق النقدية الإجرائية إلى نقد أخلاقي. النقد الأخلاقي هنا يعني إصدار نتائج أخلاقية على موضوعات النقد. هذا يعني أن الأخلاق النقدية الإجرائية منفتحة على النقد الميتافيزيقي والإبيستمولوجي والعلمي والأدبي ..الخ. أي أنها إلتزامات أخلاقية يمكن أن يلتزم بها الناقد في قضايا خارج المبحث الأخلاقي دون أن يتحوّل عمله النقدي إلى نقد أخلاقي. هذه نقطة جوهرية لأننا يمكن أن نلاحظ بسرعة أن العلاقة الأخلاقية المضمونية تؤدي غالبا إلى تحويل العمل النقدي غير المشغول أساسا بقضايا أخلاقية إلى نقد أخلاقي. يمكن مشاهدة هذا لدى المشتغلين بالعلوم وفي ذات الوقت لديهم معتقدات دينية وأخلاقية مضمونية حيث يتحول عملهم في نهاية الأمر إلى قول أخلاقي على موضوعاتهم العلمية. بالتأكيد هذا خيار واستحقاق لكل فرد لكن الأكيد أن مساحة الحرية التي تتيحها تلك العلاقة الأخلاقية محدودة جدا وهذا ما سيحد من قيمة النقد أيضا. على سبيل المثال المسيحي المتديّن الذي يتعامل مع نظرية التطوّر الداروينية قد يتحرّك كل عمله في الإجابة على سؤال هل الداروينية متوافقة مع المسيحية أم لا. الاشتغال بهذا السؤال، وهو سؤال مشروع، في المبحث العلمي يؤدي غالبا إلى تضاؤل السؤال العلمي الأولي وهو ما هي الداروينية وما هي المسيحية والذي برأيي يحتاج إلى التأسيس الوصفي لموضوع البحث قبل القول الأخلاقي فيه. بمعنى أن يسبق التصّور الحكم. أو كما يقول المناطقة: الحكم على الشيء فرع عن تصوّره. ما اقوله هنا هو أن العلاقة الأخلاقية المضمونية تحدّ من القدرة على التصوّر بسبب انشغالها العميق بمهمة إصدار الحكم. من أهم الأسباب التي قد تحد من قدرة الناقد على التصوّر هي تلك العلاقات التي تجمعه بموضوعات نقده. هذه العلاقات تشمل علاقته بالآخرين الذين يتفق أو يختلف معهم وعلاقته بالأفكار التي يتفق أو يختلف معها. هذه العلاقة جوهرية لفتح إمكان التصوّر أو إغلاقه. هذه العلاقات تحديدا هي موضوع الأخلاق الإجرائية. أي الالتزامات الأخلاقية تجاه الأفكار والأشخاص التي تجعل من تصوّر ما يقولون ممكنا ودقيقا قدر الإمكان. بمعنى أنها الإجراءات التي يمكن أن تسمح لك برؤية إشكالات الآراء التي تتفق معها و نقاط قوّة الأفكار التي تختلف معها. الأخلاق المضمونية مرشحة بقوّة لأن تصبح تهديدا كبيرا لهذه إمكانية خصوصا الأخلاق المضمونية الحادة والمتوترة المدفوعة بالتعصبات بكافة أنواعها. هذا النوع من الأخلاق المشغول بالقطيعة مع المخالف سيصعب عليه بالتأكيد إقامة علاقة تسمح بتصوّر ما يقول بشكل عادل. بمعنى أننا هنا أمام مهمتين متناقضتين لا يمكن أن تقوم بها الأخلاق المضمونية الحادة: مهمة القطيعة ومهمة التواصل. هنا تبدو الأخلاق الإجرائية على خلاف عميق مع هذا النوع من الأخلاق الحادة. بمعنى أن الأخلاق الإجرائية تسعى إلى توفير شروط أولية تسمح بالتواصل خصوصا بين المختلفين بشدة أو المتوافقين بشدة. الاختلاف الحاد يؤسس لقطيعة تسعى الأخلاق الإجرائية لإنهائها وتأسيس علاقة تواصل. كذلك التوافق الحاد يؤسس لتماهي يؤدي كذلك لقطيعة تسعى الأخلاق الإجرائية لإنهائها من أجل علاقة تواصل تُبقي وجود الطرفين دون ذوبان أحدهما في الآخر. إذن فالعلاقات الإجرائية هنا هدفها فتح إمكان اللقاء بين أطراف العملية النقدية. هذا اللقاء يفترض أن يحضر فيه أطراف العلاقة النقدية بأوضح صورة ممكنة. الناقد يفترض أن يحضر بوصفه كائنا فاعلا حرا على استعداد لممارسة حقه في التفكير والمسائلة والحوار وإطلاق الأحكام كما يحضر المنقود في أوضح صوره أيضا باعتباره طرفا فاعلا كذلك في العلاقة النقدية له الحق أن يقول لا أن يقال بالنيابة عنه. القارئ كذلك يجب أن يحضر في العلاقة باعتباره طرفا في العلاقة له الحق في أن يقدم له مشهد نقدي منصف يحترم عقله وأخلاقه. العلاقات الأخلاقية الإجرائية تنطلق من الوعي بأن لكل ناقد انحيازاته الفكرية والثقافية السابقة والمؤثرة في عمله النقدي. لذا فهي تسعى لأن توفر الشروط الضرورية لكي لا تحجب هذه الانحيازات إمكان النقد من خلال قطع العلاقة بين الناقد والمنقود والمجتمع المعرفي. بهذه المعنى فإن هذه الالتزامات الأخلاقية هي في جوهرها نقد ذاتي تتم من خلاله مراجعة الناقد لنفسه قبل مراجعته للآخرين. هذه العلاقات الإجرائية تضع الناقد أمام مهمة ومسئولية قد لا تتوافق مع اندفاعاته الأيديولوجية والعقدية فهي باختصار تطلب منه أن يرى منقوده أي أن يقرأه باحترام. أو بعبارة أخرى هذه الأخلاق الإجرائية تطلب من الناقد أن يغالب كل حماسته للقول بأن ينصت أولا. الانصات عمل يتضمن احترام وأدب وثقة في الذات وفي الآخر. الإنصات هو بوابة التصوّر والفهم الذي هو بالتالي بوابة الحكم. الحكم السابق على الإنصات لن يتجاوز حدود التفريغ النفسي والانتقام والاكتفاء بالمعارك الهوائية. النقد في أساسه مواجهة مع الذات قبل الآخر، مواجهة لأخلاقها وقدرتها على الإنصاف والعدل وهذه بالتأكيد هي المهمة الأصعب في كل هذا المشوار.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on June 24, 2014 18:14
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

