في حقوق الأطفال
في حقوق الأطفالعبدالله المطيري الأطفال حالة خاصة في المجتمع. فهم من جهة ينتمون لفئة المعتمدين اعتمادا كليا على الآخرين. الأطفال الرضّع مثلا يموتون إذا لم يجدوا عناية من آخرين. مع تقدم العمر والخبرة يبدأ الطفل بالاستقلال ولكن الانسان من أبطأ الكائنات الحية تحقيقا لهذا الاستقلال. يبقى الأطفال لسنين طويلة معتمدين بشكل رئيسي على آخرين للقيام بشئون حياتهم الأساسية. من جهة أخرى الأطفال كائنات في طريقها للاستقلال ففي نهاية المطاف الطفل الصحيح صحيا غالبا ما يستقل بذاته ويبدأ بالاعتماد على نفسه في شئون حياته ويصبح قادرا على اتخاذ قراراته وتحمل مسئولية تلك القرارات. إذن الأطفال من جهة عالة على غيرهم وعاجزين عن القيام بشئونهم الخاصة ومن جهة الأخرى هم في الطريق للاستقلال والمسئولية. هذا ما يجعل من الأطفال حالة مختلفة عن العاجزين لأسباب صحية باعتبار وإن كان الرضيع عمليا عاجز تماما عن القيا صحية. الخاصة ومن جهة الأخرى هم في الطريق للاستقلال والمسئولية. اد على نفسه في م بشئونه الخاصة كالمعاق ذهنيا إلا أن الطفل يحمل إمكان تجاوز هذه الحالة. هذه الإمكانية تعني اختلاف ضروري في طريقة التعامل مع الأطفال. الأطفال في الأخير حالة ثالثة تقع بين القادرين على تدبير شئونهم الخاصة وبالتالي تحمل مسئولية ذواتهم وبين الفئة العاجزة لأسباب قاهرة عن القيام بتلك المهمة. هذا التفريق له معنى أساسي عند النظر لحقوق الأطفال. من جهة المستقلين بذواتهم تكون حقوقهم لهم بالأصالة بمعنى أنهم يتولون القيام بشئون حقوقهم بأنفسهم. الإنسان البالغ مثلا له الحق في السفر من مدينة إلى مدينة أخرى في الأحوال الطبيعية. قرار السفر هنا يتخذه الإنسان بنفسه والقانون يتعامل معه على أنه استحقاق لا مبرر للاعتراض عليه من ناحية المبدأ. في المقابل البشر العاجزون لأسباب قاهرة يستحقوق حقوقهم بالنيابة. بمعنى أن حقوقهم تتم من خلال إشراف رعاة ووكلاء عليهم. الإنسان المعاق ذهنيا لدرجة حادة جدا مثلا لا يملك حق السفر السابق ويبقى الاستحقاق في يد المسئول عنه. هذه الحالة تجعل من التعامل مع موضوع حقوق الأطفال حالة لها طبيعتها الخاصة. باختصار يصبح السؤال هو: كيف تتعامل مع حقوق الأطفال آخذا بعين الاعتبار هاتين الحقيقتين: أنهم غير قادرين على تحمل مسئولياتهم وأنهم في طريقهم لتحمل مسئولياتهم. في التربية هذه العملية تستوجب معاملة دقيقة تنطلق من الاكتفاء بالحدود الدنيا من السيطرة والتحكّم وفتح المجال للقدرة التي تنمو يوما بعد يوم لتجعل الاستقلال ممكنا وواقعا. حديثنا اليوم عن الحقوق وليس عن التربية ولذا سأستعرض نظريتين لتأسيس معنى الحقوق وأثرها على فهم حقوق الأطفال. النظرية الأولى هي نظرية الإرادة والاختيار والثانية هي نظرية الرعاية والمنفعة. هذه النظريات تحاول أن تجيب على هذا السؤال: ماذا يعني أن يمتلك إنسانا ما حقا؟ نظرية الإرادة والاختيار تنظر للحق على أنه ممارسة محمية للإرادة والاختيار. الحق هنا يجعل من صاحبه كائن ذو سيادة على مجموعة من الاستحقاقات. بهذا المعنى أن تكون صاحب حق يعني أن تمتلك القوة بأن تحمّل إنسانا آخرا أو مؤسسة ما أو تعفيهم من واجب معين. بمعنى أنه لو كان للإنسان حق التعليم فهذا يعني بناء على هذه النظرية أنه له الحق أن يمارس الاختيار بأن يجعل المدرسة أمام واجب تدريسه من عدمه. في المقابل نظرية الرعاية تنظر لامتلاك الحق على أنه يعني أن يمتلك الفرد فائدة ومنفعة معينة تجعل لديه القدرة على أن يجعل من تحقيق تلك الفائدة واجبا تقع مسئولية تحقيقة على جهة أخرى. مثال التعليم السابق سيكون كالتالي: معنى أن يمتلك الفرد حق للتعليم يعني أن لديه استحقاق منفعة التعليم مما يجعل من الجهة المسئولة عن تقديم التعليم أمام واجب تحقيقها. الفرق الناتج عن هذين التصورين له أثر على حقوق الأطفال. بحسب النظرية الأولى وباعتبار أن الأطفال خصوصا في أيامهم الأولى لا يملكون القدرة على اتخاذ قرارات أو ممارسة إرادة حرة فإنهم خارج دائرة الحقوق على الأقل من الدرجة الأولى. طبعا دعاة هذه النظرية لا يقولون بأن الأطفال ليس لهم حقوق ولكنها تقول أن حقوقهم تصبح امتدادا لحقوق والديهم وليست حقوقا مستقلة. في المقابل النظرية الثانية، نظرية النفع، ترى أن الأطفال مستحقين بشكل مباشر لحقوقهم باعتبار أننا نعلم أن لهم منافع أساسية تفرض على جهاة أخرى واجب تحقيقها. من مميزات نظرية الإرادة أنها فعلا تشير إلى العلاقة القوية بين الحقوق والإرادة والاختيار ففي الأخير الأفراد هم من يدفعون بحقوقهم لكي تتحول إلى واجبات على آخرين لكنها في ذات الوقت تفشل في تفسير أن هناك حقوق لا يمكن التنازل عنها. على سبيل المثال حق الحرية لا يملك الفرد التنازل عنه. لا يملك أحد الحق في تحويل ذاته إلى عبد لإنسان آخر بمعنى أنه لو فعل ذلك فإن فعله لا يعني أن واجبا ما قد وقع على عاتق جهة أخرى لتنفيذه. نظرية النفع أيضا تتميز بأنها تثبّت الحقوق بغض النظر عن قدرة أصحابها على اتخاذ القرارات حيالها مما يجعلنا مع حقوق تشمل الجميع ولكنها في ذات الوقت تواجه صعوبات في تفسير أننا أحيانا نعتقد أن لنا نفع في أمر معين بدون أن يكون لنا استحقاق له. مثال للزوج نفع كبير في أن تحصل زوجته على استحقاقاتها المالية من جهة عملها ولكن هذا لا يعني أن له الحق شخصيا في تلك الاستحقاقات. في المقالات القادمة سأحاول التفكير في حقوق الأطفال بناء على تلك النظريات وأثر ذلك على معنى ودلالات حقوق الأطفال وعلاقة ذلك بالمؤسسات والأفراد الآخرين.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on October 07, 2014 17:29
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

