حساسية الضيافة لخيارات الضيف
حساسية الضيافة لخيارات الضيفعبدالله المطيريهذا المقال امتداد للحوار المحفّز مع الصديق عبدالله العقيل. الإشكالية التي أثارها الحوار متعلّقة بالعنصرية وتعبيراتها التي وصلت ربما للضيافة. بدأنا النقاش بهذا المثال: لو كان لديك "سائق" عمل معك لسنين طويلة ثم غادر لبلده مغادرة نهائية. هذا "السائق" يعود بعد سنوات للعمرة أو للحج ويتصل بك مبديا رغبته في زيارة منزلك والسلام على الأسرة وتجديد الذكريات الجميلة. السؤال هنا عن طبيعة الضيافة التي ستقدمها لهذا الإنسان مقارنة بغيره. هل ستقيم له مناسبة صغيرة جدا محصورة في أفراد الأسرة أم ستقيم له مناسبة أكبر كما تقيم لباقي ضيوفك وتدعو الجيران والأقارب لهذه المناسبة؟ مهما كان الجواب على الأسئلة السابقة فإننا لا يمكن الحكم على الخيار إلا بتحليل عوامل عديدة من أهمها هذا العامل: أن يكون الضيف وراحته وما يناسبه هو الهدف الرئيسي من شكل الضيافة التي قدمت له. لتوضيح هذا المعنى لا بد من التفكير في الاحتمالات التالية: الاحتمال الأول أن تقيم لهذا الضيف مناسبة كبيرة بحسن نية ولكنه يجد أجواء الضيافة غريبة ولا يشعر فيها براحة أو انتماء بسبب كثرة الناس الذين لا يعرفهم. الاحتمال الثاني أن تقيم له ضيافة صغيرة حميمية ويشعر فيها بارتياح عميق وفرصة لقضاء وقت مع الناس الذين قضى معهم سنين طويلة من عمره. الاحتمال الثالث أن تقيم له احتفالا كبيرا ويشعر فيه بالسعادة لأنه يريد التعرّف على أكبر عدد من الناس في المجتمع وهو بطبيعته اجتماعي. المشهد الرابع أن تقيم له حفلا صغيرا لأنك تشعر بنوع من الخجل أن تستضيف سائقا، ولذا لا تحب أن يعلم الآخرون عن هذا الأمر. احتمال آخر أن تقيم حفلا كبيرا لهذا الشخص والهدف الأساسي خلف ما تفعل هو أن تُظهر نفسك أمام الآخرين بمظهر المضياف الكريم بغض النظر عن مشاعر ضيفك. المشاهد السابقة توضّح أن ذات الضيافة قد تعبّر عن المحبة أو عن العنصرية، وأن العامل الذي يحدث الفرق هو مدى قرب المضيف من مشاعر ورغبات الضيف. المضيف الحقيقي يراعي رغبات ضيفه بغض النظر عن شكل الضيافة والمعنى الجميل يصل. يلاحظ الناس أن أهل الضيافة الحقيقية لا يبالغون في ضيافتهم. الوصف الدقيق لضيافتهم أنها من المعتدل الدائم. أي أنها ضيافة معتدلة ولكنها مستمرة. الباب والقلب مفتوحان دائما للضيف في إطار معتدل وهادئ. في المقابل العلامة اللازمة للهياط أنه نشاط مبالغ فيه ومتقطّع. المهايطي يحرص على إشاعة خبر مناسبة وحيدة مبالغ فيها ثم يقفل قلبه وبابه لمدة طويلة بعد ذلك.
نتذكر دائما أن الآخر هو هدف الضيافة ومتى ما غاب هذا الآخر وحلّت الذات مكانه غابت الضيافة. المهايطي مشغول بذاته، لا يفكر إلا فيها والآخر بالنسبة له ليس إلا وسيلة يحقق من خلالها رغبات ذاته. "الضيف" في مشهد الهياط مجرد أداة لتحقيق أغراض أخرى. الضيف هنا يتم استعماله لترويج صورة معينة عن ذات المضيف. لذا مشهد الهياط مزيّف والناس يعلمون أنه مزيف ورغم الطاقة الهائلة التي ينفخها أهل الهياط في المشهد إلا أنه يستعصي على دخول قلوب الناس وضمائرهم. المهايطي يحتوي طاقة أنانية مفرطة تطرد الآخرين. في المقابل الضيافة الحقيقية تعمل من أجل الآخر، من أجل مشاركته مكان وطعام وأمان الذات. حين يقول المضيف الحقيقي لضيفه المحل محلّك أو البيت بيتك فهو مدفوع بطاقة الترحيب والانفتاح على الآخر. لذا الضيافة نقيضة الأنانية، نقيضة الانتقام والعنف.
هذا المعنى للضيافة يجعلنا نسائل تحوّل الضيافة إلى عملية إجرائية، إلى مجموعة من الإجراءات المتبعة بغض النظر عن الضيف. نعلم أن الضيافة كسلوك اجتماعي تتمثل في عدد من العادات والتقاليد التي تمثّل الخبرة الإنسانية مع الضيافة على مدى قرون من الممارسة. هذه العادات قد تتحول إلى إجراء روتيني تتم ممارسته بغض النظر عن طبيعة الضيف. هنا نحن أمام احتمال كبير للابتعاد عن المعنى الأساسي للضيافة وهي أنها حسّاسة لرغبة الضيف وظروفه. اليوم يمكننا ملاحظة هذه الإشكالية في المشهد التالي: تزور عمّك أو خالك أو أحد أقاربك الكبار في السن. يقيمون لك ضيافتهم المعتادة والتي تتضمن دعوة عدد آخر من كبار السن. الضيف الشاب يشعر بالغربة. اليوم الثاني ابن المضيف الأول يدعو قريبه لعزيمة مختصرة محصورة على عدد من الأصدقاء يستمتع فيها الضيف. أي المشهدين يعبّر أكثر عن الضيافة؟ أيضا هناك عوامل كثيرة في المشهد تحتاج إلى تحليل. في المشهد الأول العم أو الخال يعتقد أن إعلان قدوم ضيفه ودعوة الآخرين لضيافته نوع من الاحترام والتقدير. يعتقد أن الضيافة مشهد عمومي يعبّر عن ملتقى شعبي يتعارف فيه الناس. ربما فارق العمر له أثر مهم هنا. الضيافة فعلا تأثرت مفاهيمها مع تغيّر الظروف العامة التي يمر بها الناس وهذا أمر طبيعي لأن الضيافة في الأخير استجابة طبيعية لحاجات الآخرين. المشهد الثاني في المقابل حصر الضيافة في مشهد صغير مغلق ممتع لأفراده لكنه قد يثير التساؤل حول تحوّل الضيافة من طقس اجتماعي إلى لقاءات فردية خاصة. كل هذه عوامل مؤثرة ولا أعتقد أنه يمكن تفهّم مضيافية مشهد ما بدون تحليل كل هذه التفاصيل. الضيافة هنا عصية على قولبتها في قواعد صورية محددة مسبقا. لكن في المقابل هل كون الضيف "آخر" لا نعرفه يجعل من الضيافة بالضرورة إجرائية مصممة حسب الظروف العامة؟ هذا سؤال جوهري سأناقشه لاحقا. لكن السؤال الذي وصل له نقاشي مع الصديق أبو سُلاف كان التالي: هل المشاهد التي نتحدث عنها من زيارات الأصدقاء والأقارب تعتبر فعلا من الضيافة. قلنا سابقا إن الضيافة هي استجابة "حاجة" الآخر للمكان والرفقة والأمان. هل ينطبق هذا المعنى على المشاهد التي نحللها هنا بين الأقارب والجيران حيث لا حاجة حقيقية؟ هل التغييرات الكبيرة التي نشاهدها من توفر السكن المؤقت في الفنادق والشقق المفروشة والطعام في المطاعم أدى إلى انتقال الضيافة إلى فضاءات ومعاني أخرى؟ هل أصبحت الضيافة حصرا على المجال العام في وقت أصبحت الاحتياجات الأخرى التي طالما وفرها البيت متوفرة بمبالغ معقولة؟ سأحاول مناقشة هذه الأسئلة مع صديقي العقيل وسأوافيكم بثمرات النقاش لاحقا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
نتذكر دائما أن الآخر هو هدف الضيافة ومتى ما غاب هذا الآخر وحلّت الذات مكانه غابت الضيافة. المهايطي مشغول بذاته، لا يفكر إلا فيها والآخر بالنسبة له ليس إلا وسيلة يحقق من خلالها رغبات ذاته. "الضيف" في مشهد الهياط مجرد أداة لتحقيق أغراض أخرى. الضيف هنا يتم استعماله لترويج صورة معينة عن ذات المضيف. لذا مشهد الهياط مزيّف والناس يعلمون أنه مزيف ورغم الطاقة الهائلة التي ينفخها أهل الهياط في المشهد إلا أنه يستعصي على دخول قلوب الناس وضمائرهم. المهايطي يحتوي طاقة أنانية مفرطة تطرد الآخرين. في المقابل الضيافة الحقيقية تعمل من أجل الآخر، من أجل مشاركته مكان وطعام وأمان الذات. حين يقول المضيف الحقيقي لضيفه المحل محلّك أو البيت بيتك فهو مدفوع بطاقة الترحيب والانفتاح على الآخر. لذا الضيافة نقيضة الأنانية، نقيضة الانتقام والعنف.
هذا المعنى للضيافة يجعلنا نسائل تحوّل الضيافة إلى عملية إجرائية، إلى مجموعة من الإجراءات المتبعة بغض النظر عن الضيف. نعلم أن الضيافة كسلوك اجتماعي تتمثل في عدد من العادات والتقاليد التي تمثّل الخبرة الإنسانية مع الضيافة على مدى قرون من الممارسة. هذه العادات قد تتحول إلى إجراء روتيني تتم ممارسته بغض النظر عن طبيعة الضيف. هنا نحن أمام احتمال كبير للابتعاد عن المعنى الأساسي للضيافة وهي أنها حسّاسة لرغبة الضيف وظروفه. اليوم يمكننا ملاحظة هذه الإشكالية في المشهد التالي: تزور عمّك أو خالك أو أحد أقاربك الكبار في السن. يقيمون لك ضيافتهم المعتادة والتي تتضمن دعوة عدد آخر من كبار السن. الضيف الشاب يشعر بالغربة. اليوم الثاني ابن المضيف الأول يدعو قريبه لعزيمة مختصرة محصورة على عدد من الأصدقاء يستمتع فيها الضيف. أي المشهدين يعبّر أكثر عن الضيافة؟ أيضا هناك عوامل كثيرة في المشهد تحتاج إلى تحليل. في المشهد الأول العم أو الخال يعتقد أن إعلان قدوم ضيفه ودعوة الآخرين لضيافته نوع من الاحترام والتقدير. يعتقد أن الضيافة مشهد عمومي يعبّر عن ملتقى شعبي يتعارف فيه الناس. ربما فارق العمر له أثر مهم هنا. الضيافة فعلا تأثرت مفاهيمها مع تغيّر الظروف العامة التي يمر بها الناس وهذا أمر طبيعي لأن الضيافة في الأخير استجابة طبيعية لحاجات الآخرين. المشهد الثاني في المقابل حصر الضيافة في مشهد صغير مغلق ممتع لأفراده لكنه قد يثير التساؤل حول تحوّل الضيافة من طقس اجتماعي إلى لقاءات فردية خاصة. كل هذه عوامل مؤثرة ولا أعتقد أنه يمكن تفهّم مضيافية مشهد ما بدون تحليل كل هذه التفاصيل. الضيافة هنا عصية على قولبتها في قواعد صورية محددة مسبقا. لكن في المقابل هل كون الضيف "آخر" لا نعرفه يجعل من الضيافة بالضرورة إجرائية مصممة حسب الظروف العامة؟ هذا سؤال جوهري سأناقشه لاحقا. لكن السؤال الذي وصل له نقاشي مع الصديق أبو سُلاف كان التالي: هل المشاهد التي نتحدث عنها من زيارات الأصدقاء والأقارب تعتبر فعلا من الضيافة. قلنا سابقا إن الضيافة هي استجابة "حاجة" الآخر للمكان والرفقة والأمان. هل ينطبق هذا المعنى على المشاهد التي نحللها هنا بين الأقارب والجيران حيث لا حاجة حقيقية؟ هل التغييرات الكبيرة التي نشاهدها من توفر السكن المؤقت في الفنادق والشقق المفروشة والطعام في المطاعم أدى إلى انتقال الضيافة إلى فضاءات ومعاني أخرى؟ هل أصبحت الضيافة حصرا على المجال العام في وقت أصبحت الاحتياجات الأخرى التي طالما وفرها البيت متوفرة بمبالغ معقولة؟ سأحاول مناقشة هذه الأسئلة مع صديقي العقيل وسأوافيكم بثمرات النقاش لاحقا.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on February 16, 2016 17:24
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

