التعليم وعنف الفهم
التعليم وعنف الفهمعبدالله المطيري من الحوارات المشهورة في الإرث الفلسفي محاورة سقراط مع مينو. في بداية الحوار يسأل مينو سقراط عن تعريف الفضيلة وهل يمكن تدريسها. كعادته لا يجيب سقراط على السؤال ويحيل الطلب من جديد على السائل. يستعرض مينو الإجابات المشهورة في عصره على سؤال الفضيلة ويقوم سقراط بنقض كل جواب مطروح لنصل في إلى مرحلة أن يسلّم مينو لسقراط أنه لم يعد يعرف فعلا ما هي الفضيلة وأنه لا يرى أي جواب واضح أمامه يمكن أن يقنعه. تسمى هذه المرحلة في الحوار السقراطي مرحلة التفكيك أو مرحلة مسح الطاولة من الإجابات القديمة المتداولة استعدادا للبدء في التفكير في الموضوع من جديد. عملية التفكيك هذه عملية مؤلمة ونجد أن مينو يشتكي كثيرا من أسلوب سقراط معه. بحسب مينو فسقراط يعمل كساحر أو كمشعوذ لديه قدرات عجيبة على إقناع الآخرين أنهم على خطأ. كيف ينقض سقراط الآراء المطروحة؟ بمعنى آخر ما هي المرجعية التي يحيل إليها لكي نعلم أن ما يقوم به ضروري ومقنع؟ كيف نعرف أن سقراط على حق؟ داخل آلية الحوار السقراطي المرجعية التي تتم الإحالة عليها لكي ينتقل الحوار من مستوى إلى آخر هي مرجعية موافقة الطرف الآخر في الحوار. بمعنى أن موافقة مينو على أطروحات سقراط تعطي نتيجتين الأولى: حسم القضية والانتقال إلى ما بعدها والثانية أن هذا الحسم لم يعد فعلا سقراطيا بحتا بل هو عمل مشترك يلزم كل أطراف الحوار. ولكن إذا كانت النتائج تتم بموافقة كل الأطراف فلماذا تألّم مينو واتهم سقراط بتشويش تفكيره. التفسير السقراطي هو أن مينو يمر بمرحلة الخروج من الكهف وهي مرحلة مؤلمة بطبيعتها. أسطورة الكهف عند سقراط تقوم على فكرة تشبيه الناس قبل التعليم بمجموعة من البشر مقيدين في الكهف ولا يستطيعون النظر إلا باتجاه واحد الاتجاه الداخلي للكهف. هؤلاء الناس لا يعرفون أنهم في كهف فقد ولدوا في هذا المكان ولا توجد لديهم القدرة على الحركة لكي يكتشفوا طبيعة المكان. خلف هؤلاء الناس تتحرك مجموعة من التماثيل التي ينعكس ظلالها على الجدار الداخلي للكهف. لا يعلم الناس أن ما يشاهدونه هو مجرد ظلال وليس حقيقة الأشياء. لاحقا يتحرر أحد أهل الكهف ليبدأ مرحة شاقة من الخروج من الكهف مقاوما الآلام التي يسببها نور الشمس على عينيه المعتادة على الظلام. بعد أن يكتشف حقيقة الأشياء يعود هذا المتنوّر لمساعدة أهله العالقين في الظلام ولكنهم يرفضون مساعدته ويحاولون قتله. هذه الحكاية يفترض أن تبرر الألم والعنف الناتج عن التعليم. مينو يتألم ويشتكي لأنه يمر بمرحلة الخروج من الظلام إلى النور وهي مرحلة مؤلمة بطبيعتها. هذه هي الأطروحة السقراطية/الأفلاطونية ولكن هل هي فعلا التفسير الوحيد لألم مينو؟ في الأخير الحوارات السقراطية وصلت لنا عن طريق أفلاطون نفسه وبالتالي يمكن لنا أن نشكك في دقة التدوين وعرض وجهات النظر المخالفة لسقراط لكن على كل حال يمكننا الانطلاق من النصوص المتوافرة حاليا لتسجيل بعض الملاحظات: آليات النقض لدى سقراط تعتمد على افتراضات ميتافيزيقة محددة منها على سبيل المثال فرضية وجود جوهر للأشياء. بحسب سقراط هناك جوهر واحد يجمع كل الفضائل وما لم عثر عليه فإننا لا نستطيع أن ندعي أننا نعرف الفضيلة. بالتأكيد هذا إلزام أو اشتراط عالي جدا ومن المتوقع بالتالي أن تفشل أغلب الإجابات المطروحة في الوفاء به. الفرضية الثانية أن الجواب يجب أن يكون كاملا لكي يتم قبوله بمعنى أن الجواب الجزئي حتى ولو كان عال الاحتمال مرفوض من البداية. هذه المحاججة يمكن تسميتها بالمحاججة المثالية وهي من أسهل الوسائل لإسقاط كل الأطروحات. المشكلة الأكبر والتي تتكرر كثيرا في الحوارات السقراطية أن سقراط حين يتحول من المرحلة التفكيكية إلى المرحلة البنائية ويقوم بتقديم جوابه على السؤال المطروح لا يلتزم بذات المعايير التي يطلب من الآخرين الالتزام بها. على سبيل المثال في حواره مع مينو يقدم سقراط هذه المحاججة الغريبة: إذا كان من الممكن تعلّم الفضيلة فلا بد أن يكون هناك معلمين لها ولكنه لا يوجد معلمين لها إذن فالفضيلة لا يمكن تعلّمها وهي هدية من الآلهة. لو كان مينو قد طرح هذا الجواب في البداية لربما اعترض عليه سقراط بسهولة باعتبار أنه يقوم على فرضيات ضعيفة. مثلا الفرضية الإمبيريقية أنه لا يوجد معلمين للفضيلة لا يمكن إثباتها إلا من خلال تعريف الفضيلة أولا. أيضا عدم وجود معلمين للفضيلة هي أطروحة شخصية تحتاج برهنة خاصة. يبدو أن سقراط يكتفي بنفي تعليم الفضيلة حين يفشل الحكيم في جعل أبنائه فاضلين وهذه أطروحة ضعيفة باعتبار فشل المعلم مع أحد طلابه لا يعني عدم كونه معلما. إذا كانت الصورة الأخيرة دقيقة هل يبدو ألم مينو مبررا؟ هل هناك مبرر يجعلنا نعتقد أن التعليم بطبيعته مؤلما؟ وأن الناس جهلة في أصلهم ويعيشون في الظلام ولا بد من إخراجهم للنور! نلاحظ هنا أن كل هذه المبررات تجعل من العنف أمرا مقبولا ولذا فلا بد من فحص هذه المبررات للتأكد بشكل واضح ودقيق من كونها فعلا تحيلنا إلى ضرورة تجعل من العنف أمر لا خيار لنا أمامه. في التعليم هناك الكثر من العنف المحمي بمبررات قوية. في السابق كان الاعتقاد السائد أن العنف الجسدي العقابي ضروري للتعليم ولكننا نعلم اليوم أن هذا غير صحيح وأن العنف الجسدي عقبة في طريق التعليم. http://www.alwatan.com.sa/Articles/De...
Published on May 27, 2015 04:40
No comments have been added yet.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

