محمد إلهامي's Blog, page 88

February 8, 2012

عصيان مدني.. لماذا؟

حسنا، كنت بانتظار رأي المعارضين لدعوة العصيان المدني حتى أتعرف إلى منطقهم وآرائهم فلعلي أرجع عن دعمي لفكرة العصيان المدني، وقد تمخض جبل المعارضين عن نوعين:

1. العسكر ومنافقوهم!

2. الإخوان المسلمون!

أما العسكر فهم خصوم، وشهادتهم باطلة، فلا يُلتفت إلى مواقفهم ولا آرائهم. وأما الإخوان فهم الفصيل الوطني الكبير الذي لا أشكك في نواياه وإن اختلف التقدير للمواقف، وهم قوم "إصلاحيون" لم تصل "الثورة" إلى منهجهم وتفكيرهم وخطواتهم، ولست أشك أبدا في أن الثورة المصرية لو طالت إلى شهور لكانوا قد تحولوا من خندق الثورة إلى خندق الوسطاء ومسوقي الحلول الوسط المطروحة كما حدث في اليمن على سبيل المثال، ولكن الله قدر الخير للبلاد، وكانت المعادلة الدولية متوافقة مع الرغبة الشعبية لإزاحة الطاغية العجوز، فانفض عنه رجاله بمن فيهم مجلسه العسكري.. فسقط!

نعتذر عن الاستطراد، ونعود إلى موضوع الحديث، فنذكر أن من المعارضين للإضراب أيضا ثوار مخلصون يتخوفون أن يكون الإضراب في صالح العسكر، وأن يكون مثل أخيه الذي رتبه عبد الناصر قبل نصف قرن لكي ينقلب على الديمقراطية.

وبتعبير الموظف البيروقراطي الظريف في "همسة عتاب" والذي كان يردد "بعض الفحص والمحص والتمحيص..." نقول:

1. الإضراب العام حق جماهيري، لمواجهة السلطة المستبدة الجائرة التي تحكمه، وهو ما صك له البعض مصطلح "التجويع السياسي" لتوصيل الرسالة التي تفيد بأن الجالس على كرسي الحكم لا يحكم إلا نفسه.

2. الدعوة إلى الإضراب جاءت بعد وسائل كثيرة من الفعل الثوري ولم تكن الخيار الأول، ولم يقصر الثائرون في بذل الدماء في كل هذه الخيارات: مظاهرات، اعتصامات، مسيرات صامتة، وقفات صامتة، عروض مصورة، وسيل من الكتابة والصيحات على الصفحات والمدونات والفضائيات ومواقع التفاعل الاجتماعي.. فلا يتهمنا أحد بالنزق!

3. الثائرون يطالبون بحقوق مشروعة، تسليم السلطة للمدنيين، نحن الآن بعد عام من الثورة، وقد كان الوعد ستة أشهر فقط، وما رأيناه من المماطلات والتزوير الناعم في الإعلان الدستوري، وفي تصريحات العسكر لا تبشر بالخير، ليس هذا تحليل ولا استنتاج، بل هو حقائق واقعية: إن العسكر هم من أعلنوا عن نواياهم في وثيقة السلمي التي لم تسقط إلا بدماء شهداء وجرحى محمد محمود.. ومن كان ينسى فليقرأها مرة أخرى.

4. البرلمان حتى الآن ليس على مستوى تطلعات الشعب، قد يكون مكبلا بلوائح وقوانين، وقد يكون تعبيرا عن تفاهمات العسكر مع الأغلبية الشعبية (تفاهم الأغلبية الشعبية مع العسكر لا بأس به عندي مبدأيا، ويمكن تشبيهه لتقريب الصورة بتفاهمات حزب الوفد مع الإنجليز أو مع السرايا في الأربعينات، لكن المشكلة هو موضوع التفاهم وشروطهن فكل ما يؤدي إلى إسناد سلطة غير مستحقة لجهة غير منتخبة أو لإعادة إنتاج النظام القديم ولو محسنا أو إلى تضييع الثورة وسرقتها فهذا هو المرفوض).. والبرلمان في النهاية وكيل عن الشعب وليس سلطة عليه، وأعضاؤه نواب عن الشعب وليسوا حكاما عليه.. وحيث كان البرلمان ليس على مستوى التطلعات، فمن حق الذين يستطيعون الضغط أكثر أن يمارسوا حقهم المشروع. [انظر آخر فقرات المقال ففيه إضافة مهمة لهذه النقطة]

5. ما قاله الأمين العام للإخوان المسلمين من أن الإضراب يعني "إيقاف السكك الحديدية، والمواصلات، والنقل، وإيقاف العمل في المصانع والمؤسسات والجامعات والمدارس، والتوقف عن سداد الأموال المستحقة للحكومة" ليس إلا في خياله هو، أو خيال مجموعة قليلة جدا من النشطاء الداعين للإضراب، وإذا كان التوصيف خاطئا فتقديره لما يترتب عليه أشد خطأً، فالأمر بين النشطاء الداعين للإضراب ليس إلا التوقف عن العمل في هذا اليوم (فيما عدا الجهات الحيوية كالأطباء والنقل ونحو ذلك)، وبعضهم يدعو لاستمراره حتى تسليم السلطة وبعضهم يكتفي بجعله ورقة ضغط قابلة للاستدعاء، وهناك من يريده تصاعديا بحيث يكون الإضراب يوم 11 فبراير مقصورا على جهات بعينها كالجامعات ثم يتوسع بعدئذ.. كالعادة، مجموعات الثورة تتحرك بالتلقائية الطبيعية لحركة الشعوب، لا رأس لها، لا مجالس إدارة، لا تنظيم هيكلي.. ومن العجائب أن كل ما يحققه هؤلاء من مكاسب يصب في النهاية لصالح الحركات النظامية التي لو شاءت وأرادت لكانت الآن على رأس السلطة لا تنتظر جدولا موعودا ممن ثبت أنه لا يفي بالعهود.

6. لا أتوقع أن يكون هذا الإضراب شبيها بالذي رتبه عبد الناصر في 54، فالاختلافات المؤثرة كثيرة منها: أن عبد الناصر ظهر كزعيم شعبي وله بالفعل جماهيرية كبيرة وهذا لا يتوفر للمجلس العسكري على الإطلاق.. ربما لو كان تصرف المجلس العسكري مع مبارك ونظامه قاسيا كما فعل عبد الناصر لحقق هذه الجماهيرية، ومنها أن عبد الناصر كان مخترقا فعليا للتنظيمات القائمة في وقته كالإخوان والشيوعيين وغيرهم مما كان يجعل أي تصرف منه مسببا لارتباك حقيقي داخل هذه الحركات بينما كل أفعال المجلس العسكري الآن يُنظر إليها بعين الريبة والتوجس، ومنها أن عبد الناصر كان جزءا من معادلة دولية تصب في صالحه (كان الأمريكان يرثون الأسد الإنجليزي العجوز) بينما تبدو المعادلة الدولية الآن (لا سيما بعد خطاب أوباما الاستراتيجي) لا تصب في صالح العسكر، ويدل على هذا مناوشات المنظمات الحقوقية التي داهمها العسكر ولوحت أمريكا غاضبة بورقة المعونة في الكونجرس، تبدو المعادلة الآن سائرة نحو تفاهم أمريكي مع الإسلاميين "المعتدلين"، لضمان استقرار الأحوال في الشرق الأوسط بينما تتجه هي نحو التنين الأصفر!

7. هدوء الأحوال لا يستفيد منه –في لحظات الثورة- إلا أعداؤها، ويمكن مراجعة العام الماضي ليتبين أن لحظات الهدوء لم يتخذ العسكر فيها قرارا واحدا لصالح الثورة، فيم كانت لحظات الاحتجاج المتصاعدة هي لحظات القرارات التي تصب في صالح الثورة ولو جزئيا.. فالإضراب –وكل فعل ثوري احتجاجي- هو استكمال للثورة التي حققت بعض أهدافها وما زالت تسعى لتحقيق أهم الأهداف.

8. قصة العمل والإنتاج والبناء هي قصة ساذجة واسطوانة مشروخة لا تستحق الرد عليها، لقد كان المصريون يعملون طول حياتهم كالعبيد والحمير في عهود الاستبداد فما جنوا شيئا، لا تقدما ولا رخاء، بل ولا حصلوا على حقوقهم الأساسية في الصحة والسكن والتعليم ولا حتى الطعام والشراب.. ومن كان يظن أن العمل والإنتاج في هذه اللحظات يعود على الشعب بالخير فهو يخادع نفسه ويخادع الناس..

9. كما أن قصة الفوضى والهدم والتخريب كأختها قصة العمل والإنتاج والبناء، لا يرددها إلا من يريد استقرار الأحوال لصالحه ومصالحه، أو قد يكون مخدوعا لا يرى الصورة من كل جوانبها.

10. وأخيرا: انظر إلى صفحات العسكر ومنافقيهم، تعرف أن الإضراب في صالح الشعب والثورة!

***

قال شيخ مواجهة الاستبداد عبد الرحمن الكواكبي في خالدته "طبائع الاستبداد":

"أشكال الحكومة المستبدّة كثيرة (فصفة الاستبداد) كما تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولّى الحكم بالغلبة أو الوراثة، تشمل أيضاً الحاكم الفرد المقيَّد المنتخب متى كان غير مسؤول، وتشمل حكومة الجمع ولو منتخباً؛ لأنَّ الاشتراك في الرّأي لا يدفع الاستبداد، وإنَّما قد يعدّله الاختلاف نوعاً، وقد يكون عند الاتّفاق أضرّ من استبداد الفرد. ويشمل أيضاً الحكومة الدّستورية المُفرَّقة فيها بالكُلِّيَّة قوَّة التشريع عن قوَّة التَّنفيذ وعن قوَّة المراقِبة؛ لأنَّ الاستبداد لا يرتفع ما لم يكن هناك ارتباط في المسؤولية، فيكون المُنَفِّذُون مسؤولين لدى المُشَرِّعين، وهؤلاء مسؤولين لدى الأمَّة، تلك الأمَّة التي تعرف أنَّها صاحبة الشّأن كلّه، وتعرف أنْ تراقب وأنْ تتقاضى الحساب".

كأن هذا الكتاب مقتبس من نور الوحي الخالد! فهو دائما غض طري كأنما كتب بالأمس!!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 08, 2012 09:41

February 3, 2012

جزيرة صقلية في ظل الإسلام

بخلاف أطلال مسجد بالقرب من كنيسة القديس يوحنا في بالرمو، وقصر الفوارة، لا يوجد في صقلية أي مباني إسلامية ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي التي استمرت مائتي عام، في تلك الفترة برزت صقلية على سطح التاريخ، ثم عادت شيئا مجهولا لا أهمية له بعدها كما كانت قبلها.

(1)

صقلية قبل الفتح الإسلامي

تعد كتابات المفكر والمؤرخ الإيطالي الكبير ميشيل أماري هي العمدة التي يعتمد عليها الباحثون في كل العالم –تقريبا- حين يحاولون التأريخ لجزيرة صقلية، وخصوصا الفترة الإسلامية التي ضَمَّنَها كتابه الكبير (تاريخ مسلمي صقلية) (Storia Dei Musulmani Di Sicilia)، والذي بذل فيه جهدا عظيما في البحث من خلال المصادر والمراجع العربية واللاتينية واليونانية والوثائق والنقوش، ومؤلفات من قبله.

وخلاصة ما سجله ميشيل أماري عن تاريخ صقلية قبل الفتح الإسلامي يتمثل في النقاط الآتية:

1. كانت صقلية فريسة لجشع المحصلين تدفع ضريبة على الأملاك، وأخرى على الرؤس، وإتاوات على التجارة والصناعة، وزيادات إضافية على الضريبة الأولى، وضرائب للجند، وأخرى للملاحين، وأموالا يبتزها الموظفون ويزيدون بها الحمل ثقلا.

2. وصل الحال في نهاية القرن السادس الميلادي، إلى درجة خطيرة حتى إن أحد الجباة أجبر الرعايا العاجزين عن دفع المال على تقديم أبنائهم، واستطاع موظف تافه الشأن في صقلية أن يصادر الممتلكات بالقوة، ويقول القديس جريجوريو: "نحتاج إلى مجلد لنفصل الجور الذي سمعنا به من هذا القبيل".

3. كانت الكنيسة أيضا تتحكم في صقلية، وكانت لها أملاك يفلحها لهم طبقة من الفلاحين تشبه طبيقة العبيد في ارتباطها بالأرض ودفعها للضرائب تسمى (الكولونيين coloni)، وكانت تلك الأراضي تمد الكنيسة كل عام بأسطولين محملين بالقمح، وإذا غرقت المؤن في البحر أو نهبت قبل وصولها، طولب الكولونيون بالتعويض.

4. أهملت الدولة البيزنطية جيش صقلية، فأصبحت وارداته قليلة مما اضطر القادة والحكام إلى طرق خطيرة النتائج، فكان القائد مثلا يعهد بأرضه إلى جماعة من الجنود كي يفلوحها ويفيدوا من حاصلاتها دخل في صفوف الجيش جماعة من الفقراء الذين رضوا أن يتقاضوا أجراً قليلاً، وحل هؤلاء بجهلهم محل العسكريين أصحاب الدربة القديمة، وبهذا أصبح الجيش سيئا وأصبح الجنود مجرد حاشية للقائد فأصبحوا جزءا من مشكلة الأمن والحماية بعكس ما يفترض بهم.

5. وكانت الجزيرة أيضا من وسائل العقوبات باعتبارها منفى، فكثيرا ما امتلأت بالفقراء وصغار الملاك ممن لم يستطيعوا دفع الضرائب، فعوقبوا بالنفي، ثم اضطر هؤلاء بعد فترة إلى التحول إلى عبيد.

6. وكانت الحالة الدينية تشبه حالة هذه العصور من حيث سيطرة الخرافات والأوهام على الناس والمجتمع.

ويلخص أماري الوضع بعبارة واحدة في قوله: "تلك هي حال الجزيرة بين أطماع الحكومة والكنيسة وفساد حال الجيش، ومن ثم لم يكن المجتمع الصقلي في ظل الدولة البيزنطية مجتمعاً سعيداً ناهضاً مكفول الحرية"

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 03, 2012 15:05

January 30, 2012

الرئيس قبل الدستور، هكذا أراد الشعب

هل يجوز لحاكم جاء إلى منصبه بانتخابات حرة نزيهة أن يستبد بالناس ويمارس الطغيان عليهم إذا رأى أن هذا هو الأصلح له؟

هل يجوز للوكيل على الأموال، بما أنه اكتسب ثقة الموكل عنه بلا ضغط ولا إكراه، أن يتصرف في هذه الأموال على رغبته وإن خالفت رغبة صاحب المال؟

بل هل كان يجوز للنبي أو الرسول أن يشرع من عند نفسه طالما أن الإله قد اختاره لتبليغ الرسالة؟ أما قال الله تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين). والمعنى النبي لو ذكر أقوالا من نفسه وادعى بأنها من عند الله لبطش الله به وقطع شريان قلبه (الوتين) وما استطاع أحد أن يقف أمام عقاب الله

***

نقول هذا في سياق ما بدأنا نراه من اتجاه لدى الأحزاب الإسلامية لكتابة الدستور أولا وقبل انتخابات الرئاسة، ويسري خفية أن حصولهم على ثقة الشعب وأغلبية البرلمان قد يجعلهم مفوضين في تغيير مسار نقل السلطة الذي أقره الشعب في الاستفتاء على التعديلات الدستورية.

ونحن من موقع الناصح الأمين، والمحب المشفق نحذر هؤلاء الكرام الفضلاء من الإقدام على هذه الخطوة، ففيها من الخطر الكثير، وهو خطر يحيق بالوطن ويحيق بصورتهم أيضا، وهذه هي الأسباب:

1. شرعا لا يجوز للوكيل أو المفوض أو المؤتمن التصرف بغير رغبة صاحب الحق الأصلي، وصاحب الحق هنا هو الشعب، وإرادته التي عبرت عنها نتيجة الاستفتاء تظل أقوى من أي تفويض آخر، لأنها ممارسة مباشرة من صاحب الحق لحقه الأصيل.

2. أخلاقيا، لا يجوز مخالفة الإرادة الشعبية، وإلا لصار الإسلاميون كالنخبة والتيارات العلمانية التي لا تحترم إرادة الشعب إلا حين توافق هواها، فإن خالفت هواها استكبروا عليها وصدوا عنها وشيطنوها، وهو السلوك الذي قال عنه الإسلاميون أنفسهم قبل ذلك –عن حق- إنه كصنم العجوة، يعبدونه وقت الرخاء فإذا جاعوا أكلوه.. فالله الله في أنفسكم، ودينكم، ورسالتكم.. لا تكونوا كمن نكص على عقبيه، وانهزم في ميدان المبادئ والأخلاق أمام خصمه وإن انتصر عليه في ميدان المعركة.

3. إن مخالفتكم للإرادة الشعبية وانقلابكم عليها يرسخ ما قيل عنكم من شبهات دائما، وأبرزها أنكم تتخذون الديمقراطية وسيلة للوصول إلى غايتكم ثم تمنعونها، سلما تصعدون عليه ثم تركلونه أو تحرقونه.. حينها سيصدق عليكم –مهما أنكرتم- أنكم "الحزب الوطني فرع المعاملات الإسلامية" وأنه "لا فرق بينكم وبين النخبة إلا اللحية".. وسيكون هذا أكبر إثبات عملي يصب في صالح العلمانية التي ترى أنه لابد من فصل الدين عن السياسة لأن دخول الدين في السياسة يلوثه ولا يطهرها، وهو الأمر الذي طالما جادلنا لإثبات عكسه.. فالله الله في أنفسكم ورسالتكم والأجيال القادمة.

4. التعديلات الدستورية تنص صراحة على أن رئيس الجمهورية سينتخب قبل وضع الدستور، هذا نص المادة 189، وهذا ما أكد عليه رئيس اللجنة التي وضعت التعديلات المستشار طارق البشري بوضوح في أكثر من لقاء وأكثر من مقال.. بل إن هذا ما أكده اللواء ممدوح شاهين نفسه أول الأمر حين كان يشرح التعديلات الدستورية.. كل هذا الوضوح يجعل من محاولة وضع الدستور قبل الرئاسة إهدارا وانتهاكا لإرادة الشعب، ولا أريد أن أقول: خيانة للشعب، فما زلنا نفترض حسن النوايا.

5. أيهما تفضل: مجلس عسكري غير منتخب يملك القوة المسلحة يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كما هو في الإعلان الدستوري؟ أم رئيس مدني منتخب يمارس نفس الصلاحيات ولا يملك أن يكون مستبدا أصلا، لأن الاستبداد يحتاج سنين من السيطرة على مراكز القوة.. فأيهما تفضل؟

6. صحيح أن المثالية الحالمة تدفع باتجاه انتخاب رئيس على قواعد وصلاحيات محددة في الدستور، لكننا –للأسف- لسنا في الحالة المثالية المستقرة، بل نحن نجاهد لاستخلاص البلاد من الحكم العسكري المستبد، وقد أثبتت الشهور القليلة الماضية أن سياسة المجلس العسكري لا تختلف كثيرا عن سياسات الستين عاما الماضية.. ولو أنك –يا أخي الكريم- تصر على المثالية، فقد كان يجب عليك رفض تكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد (فهذا ليس دستوريا ولا قانونيا) أو أن تشكل أربع حكومات بلا وزير دفاع، أو أن تصدر القوانين والمراسيم من جهة غير منتخبة كالمجلس العسكري.. نحن لسنا في حالة مثالية لكي ننتظر انتهاء الدستور ثم ننتخب الرئيس، نحن في حالة خطر وضرورة.

7. وضع الدستور قبل انتخاب الرئيس يضعنا بالفعل رهينة في أيدي العسكر عبر أكثر من طريق:

· من أراد أن يتخلص من حكم العسكر فليرض بالدستور الذي وضع مهما كانت سلبياته وثغراته.

· ومن لم يرض، فلينتظر في ظل العسكر سنين عددا، فالدساتير المحترمة لا توضع في أيام ولا شهور، ويمكننا أن نسرد بعض الأمثلة التاريخية الكثيرة ولكن المقام لا يتسع، ويكفي أن نعرف أن تعديلات المواد التسعة استغرفت من لجنة التعديلات أكثر من عشرة أيام (من 15/2/2011 حتى 26/2/2011 م)، وعليه فإذا لم يعجبك هذا الدستور فأنت في قبضة العسكر لحين تشكيل لجنة أخرى تضع دستورا آخر يعجبك!

· العسكر بما يملكونه بالفعل من سلطة وأجهزة قادرون على التأثير على تشكيل لجنة الدستور، وعلى صياغة الدستور، بالأساليب المشروعة وغير المشروعة، وبالترغيب والترهيب، وهذه القدرة تنخفض إذا اكتمل تسليم السلطة قبل صياغة الدستور، فلن يكون لهم وقتها أي شرعية للتدخل والتأثير.

8. ثم دعنا نتذكر: إذا كنت ترى المصلحة في وضع الدستور أولا، فكيف كنت تحشد الناس للتصويت عليها بنعم في ذلك الوقت؟ وكيف خضت المعارك الكبيرة طوال العام الماضي ليكون الدستور آخرا لا أولا؟.. هل يصح عقلا وخُلُقًا أن تنقلب على مواقفك وتنقض بنفسك كل كلامك وحججك؟.. راجع كلامك أنت –أيها الإخواني والسلفي- في الرد على النخبة وعلى البرادعي وعلى الإعلام الذي وضع كل ثقله خلف دعوة "الدستور أولا"؟.. هل كنت في ذلك الوقت تدرك ما تدركه الآن وتخوض المعركة بالباطل؟؟!!

***

أخي النائب المحترم، في عنقك الآن مصير بلد، وبلد مؤثر في مسار التاريخ، وقد كان من قبلك أناس لم تكفهم حسن نواياهم في الإصلاح فأضاعوا البلاد ستين سنة، وضاعت معها الأمة كلها، ولقد كانت ستين سنة في عمر الزمان وقرونا في عمر الحضارة والتفوق العلمي.

أخي النائب المحترم، لا ينجيك في هذا الموقف إلا أن تجتهد ما وسعك الجهد في استجلاء المصلحة، ثم تجتهد ما وسعك الجهد في المفاضلة بين المكاسب والخسائر، ثم تجتهد ما وسعك الجهد في أن تتجرد لله وتبتعد عن الهوى وحظ النفس لتختار الطريق الصحيح ولو كان صعبا (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته)..

أخي النائب المحترم.. إنا وإياك كالخليفة الراشد، اختاره قومه ليقودهم، فما استقام لهم استقاموا له، فإن رأوا انحرافا نصحوه وقوموه، وما كان له أن يتكبر على نصحهم أو أن يتلبس قول الطاغية (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، بل كان رشده وخيرته في قوله (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها).

نشر في رابطة النهضة والإصلاح

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 30, 2012 06:42

January 29, 2012

حازم أبو إسماعيل.. الرجل الثائر

بداية، هذا المقال لبيان دور هذا الرجل في إعادة إشعال الثورة وليس نفيا لأدوار غيره في هذا الأمر.

تعرضت الثورة المصرية إلى لحظات خطيرة بالفعل، ولولا الله ثم الله ثم الله لكانت الثورة الآن قد سُرِقت وانتهى أمرها، وملخص الحكاية كالآتي:

أخطأ العسكر خطأ وحيدا، كلفوا لجنة وطنية محترمة بصياغة التعديلات الدستورية، فأنتجت هذه اللجنة تعديلات في قمة الدقة والروعة، رسمت بها مسارا بلا ثغرات لانتهاء المرحلة الانتقالية بأسرع وآمن طريق ممكن.

وهنا ثارت ثائرة العلمانيين في مصر، وسخروا كل قنواتهم وصحافتهم وأموالهم، بخلاف الأموال التي تدفقت عليهم، لشيطنة الإسلاميين ورفض التعديلات الدستورية التي تمثل كارثة عليهم في عنصرين تحديدا: انتخابات عاجلة لتقصير الفترة الانتقالية، ودستور جديد تكتبه لجنة يختارها أعضاء البرلمان المنتخبون. ولما كانوا بلا حجم في الشارع فضلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن، وفَضَّلوا حكم العسكر على حكم مدني إسلامي، وسارعوا لإشاعة أن صفقة تمت بين الإخوان والعسكر، وشملت حملتهم مهاجمة المجلس العسكري الذي سمح للإسلاميين بمجرد الوجود، وشهدت الشهور الآتية حملة شيطانية إبليسية فاجرة لقلب المسار ونسف التحول الديمقراطي..

كان من فوائد هذه الحملة أنها ركزت الضوء على جرائم العسكر وانتهاكاتهم، وكسرت هيبة الجنرالات في نفوس الناس، وجعلت مهاجمة المجلس العسكري أمرا معتادا بعد أن كانت الهيبة العميقة في نفوس الناس تمنعهم من مهاجمة الجيش لا سيما وقد أرادوا تصديق أنفسهم في أن الجيش قد انحاز إليهم وحمى ثورتهم..

حين ذاك وجد الإسلاميون أنفسهم في معسكر المجلس العسكري بغير رغبة ولا إرادة، ولا صفقة بطبيعة الحال، وتراوحت مواقفهم إزاء الجنرالات بين التأييد المطلق والتأييد الخافت والسكوت على جرائمهم واحتمال أذى المرحلة الانتقالية، والتماس العذر لإدارتهم السياسية.

من ناحيته، حاول المجلس العسكري تكفير الخطيئة التي ارتكبها، فتقدم للعلمانيين بكثير من الرسائل لكنها لم تكفهم: شكل حكومتين، ومجلس أعلى للصحافة، ومجلس أعلى لحقوق الإنسان بدون أي شخصية إسلامية، وتباطأ في الفترة الانتقالية وإصدار قانون انتخاب مجلسش الشعب والشورى حتى اللحظة الأخيرة.. والإسلاميون من ناحيتهم لا يريدون اشتباكا ولا صداما، لا سيما وقد ظهر لهم أن رفاق النضال من العلمانيين ليسوا إلا معارضين لمبارك لا للديكتاتورية وأنهم مجرد نماذج أخرى منه، فلئن أمسكوا بالسلطة فسيكونون أظلم منه وأشد بطشا. والعلمانيون من ناحيتهم لا يرضون بأقل من كتابة الدستور بأنفسهم أو على الأقل كتابة مبادئه الأساسية الملزمة لكل الناس، وليذهب الاختيار الشعبي إلى الجحيم.. ولا بأس أن يذهب الشعب كله إلى الجحيم أيضا.

فئات أخرى ظلت حائرة في هذا المشهد الحافل بالاستقطاب، إسلاميون وغير إسلاميين يرون جرائم المجلس العسكري وانتهاكاته وإطالته للفترة الانتقالية وتنازلاته للعلمانيين وعدم احترام وعوده، همهم الأول هو إنهاء الحكم العسكري وتثبيت الحكم المدني الديمقراطي ولو جاء بالإخوان أو السلفيين أو الجن الأزرق!

وبينما ظلت الفئات غير الإسلامية لا تجد لها ناظما ولا قائدا، خرج بين الإسلاميين ذلك الرجل الفذ العظيم: حازم صلاح أبو إسماعيل.

سيذكر التاريخ هذا الرجل، وستذكرون ما أقول لكم، باعتباره مشهدا فارقا بين الحالة الإسلامية قبله وبعده، لقد جمع بين الثورية (التي بدا أنها حكر في هذا الوقت على العلمانيين) والإسلامية (التي بدت في صف المجلس العسكري) ثم جمع بعد كل هذا خطابا شديد الوضوح إسلاميا (لم يجرؤ عليه حتى كثير من السلفيين) وشديد الوعي بالسياسة ومسار المجلس العسكري (لم نجده عند أحد من العلمانيين).. فكان الإسلامي الثائر الذي نبه في لحظة صمت سائدة إلى حقيقة أن المجلس العسكري يسرق الثورة وأن جنرالاته إنما هم "ذئاب وثعالب".

استطاع حازم أبو إسماعيل جذب الكثير من الشباب الإسلامي، وبالأخص أولئك الكثيرون الذين انسحبوا من حركة الإخوان والسلفيين فيما قبل الثورة أو بعدها لاختلافهم مع ضعف النهج الثوري في هذه الحركات، وبدا الرجل كفارس جديد يداعب خيال الشباب الإسلامي الذي رأى لأول مرة في جيله رجلا يقدم خطابا إسلاميا واضحا ومتمسكا بالثوابت، لا يتراجع ولا يتلجلج ولا يناور أمام محاكم التفتيش الإعلامية، ثم هو بعد ذلك يستوعب أوضاع السياسة والاقتصاد والقانون، ولديه رؤية ناهضة واضحة.

على كل حال، ليس هذا هو المقصود بالمقال، وإنما المقصود أن هذا الرجل كان هو الزعيم الوحيد.. وأكرر: الوحيد، الذي جابه المجلس العسكري وفضح مؤامراته في سرقة الثورة والتآمر عليها، ولم يكن أحد من مرشحي الرئاسة جميعا يتكلم بذات القوة أو الوضوح التي يتحدث بها، ثم كان هو الوحيد الذي "يعمل" في مواجهة مخطط العسكر، فلم يكن أحد غيره من مرشحي الرئاسة أو الشخصيات العامة من يحشد لمقاومة سرقة الثورة.

ثم تلقينا جميعا صاعقة هائلة في يوم 1/10/2011، إذ استطاع رئيس الأركان سامي عنان التغرير بقيادات الأحزاب جميعا، واستخلص منهم توقيعا على وثيقة العار والفضيحة والجريمة في حق الوطن والثورة، وهي الوثيقة التي تنسف تماما التعديلات الدستورية وتضرب الإرادة الشعبية في مقتل، وتسمح للعسكر باستعادة الحكم في مصر، وملخصه أن الفترة الانتقالية قد طالت إلى سنتين ونصف بحد أدنى، وأن الدستور سيوضع في حكم العسكر، وستوضع له مبادئ فوق دستورية تعهدت الأحزاب بالالتزام "الشرفي" بها، بالإضافة إلى جدول زمني ممطوط للانتخابات البرلمانية، وإبقاء حالة الطوارئ (بالمخالفة للاستفتاء والتعديل الدستوري)، ثم تأييدا مطلقا للمجلس العسكري!

لم يعد أدنى شك في أن قيادات الأحزاب هؤلاء يتراوحون بين السذاجة والمكر، وكانت صدمة الإسلاميين هائلة في رئيسي حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" على وجه التحديد، أما الأحزاب الأخرى فهم ميئوس منهم أصلا، لا سيما وقد صرح محمد أبو الغار –رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وهو أحد الأحزاب التي يمولها ساويرس- بأنه وقع على الوثيقة لأن "القوى المدنية" لم تستطع أن تتفق أو تتحد في وجه التيارات الظلامية (يعني: الإسلامية)، وهو ما يعني أنه ألقى بنفسه في حضن العسكر هروبا من ديمقراطية تأتي بالإسلاميين..

صحيح أن مصطفى النجار –رئيس حزب العدل- سحب توقيعه بعد الثورة عليه، وأصدر حزب النور تصريحا يحمل ضمنيا عدم رضاه، ثم أصدرت جماعة الإخوان بيانا معناه رفض الوثيقة دون التصريح بسحب التوقيع، وكل هذا تم بفعل الشباب الثائر الذي ملأ وسائله الإعلامية بالاحتجاج على وثيقة العار هذه.. إلا أن الصحيح أيضا أن العسكر تجاهلوا كل هذا ومضوا في تنفيذ هذه الوثيقة وأصروا عليها، ولم يعبأوا بكل هذا..

وهنا بدا أن الثورة قد سُرِقت بالفعل، لكن الله قيض لها شبابا ثائرا رائعا، وقيض لها هذا الرجل: حازم صلاح أبو إسماعيل الذي بذل كل طاقته في الحشد لمليونية في 28/10، وأعلن أنها جمعة "المطلب الوحيد: تسليم السلطة" وإعلان موعد فتح الترشيح لانتخابات الرئاسة.

وبالفعل: وبعد خفوت ميدان التحرير في الشهور الماضية وضعف الحشود، استطاعت هذه الجمعة أن تعيد هذا الزخم إلى الميدان، وظلت الآلاف ساهرة حتى الليل تنتظر قرار الاعتصام من عدمه، وجرت أشياء كثيرة في الدهاليز أسفرت عن تأجيل الاعتصام إلى جمعة 18/11، ثم حشد الشيخ لهذه الجمعة بكل طاقته أيضا، وحشد معه كل الرافضين لحكم العسكر على اختلاف توجهاتهم، وكانت الجمعة الثانية التي أعادت صوت ميدان التحرير، وكان عشرة آلاف على الأقل مستعدون للاعتصام، وأعرف بشكل شخصي عددا من الشباب نزلوا من أعمالهم في الدول العربية لتجديد هذه الثورة بأثر من دعوة الشيخ.

أما المجلس العسكري الذي فوجيء بهذا التجدد للثورة التي ظن أنه سرقها، فقد استعمل العنف في إنهائها، وعلى حين فَضَّل الشيخ حازم عدم الاعتصام فانصرف الناس والكآبة تعلو وجوههم، إلا من أعداد قليلة أصرت على الاعتصام ومنهم أسر الشهداء والمصابين في الثورة، فانقضت قوات الأمن عليهم بكل ما كانت تحمله من ثأر للثورة ورغبة في سحقها والانتهاء منها.

وهكذا.. حين عادت الداخلية إلى ثوبها القديم، وأسفر المجلس العسكري عن نيته في سحق الثورة، عاد الشعب إلى الشوارع من جديد، ووقف الشباب المصري الباسل أمام قوات الأمن التي تحاول اقتحام ميدان التحرير من شارع محمد محمود، وكلما سقط الشباب وافتضح العسكر، كلما زاد هذا من التفاف الناس حول الثورة، وبالدم وحده سقطت وثيقة المبادئ فوق الدستورية، وقصرت الفترة الانتقالية عاما على الأقل، وما زالت الثورة مستمرة.. وما زال المصريون يجاهدون في سبيل حريتهم.

ومما أراه الآن في التغطيات الإعلامية، لا أجد واحدا يتذكر فضل حازم أبو إسماعيل في تجديد الزخم الثوري على الإطلاق، فكان لزاما أن تكتب مثل هذه الكلمات تذكيرا بتاريخ ينساه البعض سهوا ويتناساه البعض عمدا ولا يشير إليه أحد رغم أنه تاريخ لم يمض عليه إلا أيام!!

نشر في: شبكة رصد الإخبارية، ورابطة النهضة والإصلاح

اقرأ: الرجل الواضح

أيها الإسلامي لا تخن ضميرك

قصة طالوت تتكرر في مصر

الحركة الإسلامية والرئيس التوافقي

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 29, 2012 04:07

January 26, 2012

الثورة والبرلمان بعضهم أولياء بعض

المشكلة المصرية تتلخص في أن الملايين الهادرة لا تجد لها قائدا، فهي تبذل الجهد والتعب والنصب بل والدم ثم لا تجد من يحصد هذا في أروقة السياسة والحكم، أسفرت سنوات الاستبداد عن تيبس جيل الكهول الذين فقدوا الحد الأدنى من الثورية، فلم يفكروا في الثورة إلا حين صنعها الشباب واقعا، فكان خيرهم حالا من التحق بها، وظل كثير منهم يترقبون..

حتى وصلنا إلى هذا الوضع الشاذ الغريب..

الجماهير بالملايين تطالب بتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى مجلس الشعب المنتخب، ولكن مجلس الشعب المنتخب هو من يرفض! إذ القوى الإسلامية ترى أنها غير مستعدة لتحمل أعباء الحكم، كأنما يريدون أن يشيروا ويستمتعون أن يطالبوا ويهمهم أن ينقدوا أداء الحكومة والمجلس العسكري دون أن يتكلفوا تحمل المهمة، هل استعذب الإسلاميون موقع المعارضة حتى بعد أن صاروا أغلبية؟؟

لدى الثوار طرح آخر، أن تُجرى انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تؤجل أو تلغى انتخابات الشورى، لكن الأغلبية البرلمانية أيضا لا تريد ذلك ولا تدفع باتجاهه، بذريعة التمسك بالإعلان الدستوري (الذي هو أصلا قد خالف الإرادة الشعبية وارتكب تزويرا خطيرا وإن كان ناعما في المواد المستفتى عليها).. بل إن الأخطر والأعجب من هذا أن ترى الأغلبية الشعبية تريد أن ترتكب هي جريمة مخالفة الإرادة الشعبية بأن تكتب الدستور أولا وقبل انتخاب الرئيس وفي ظل الحكم العسكري، وهي نفسها التي عاشت العام الماضي معارك "احترام الإرادة الشعبية" حتى انعكست الأمور: فصارت الفئات الثورية غير الإسلامية تطالب بالانتخابات أولا لتتخلص من حكم العسكر الذي ثبت بالدليل وبالدماء أن استمراره خطر على مصلحة البلاد والجيش، ثم نجد أن القوى المتصدرة للمشهد الإسلامي هي التي تسعى نحو كتابة دستور تحت الحكم العسكري!!

من كان يحلم أن يرى هذا المشهد في مصر: غير الإسلاميين يناشدون الإسلاميين تسلم السلطة للخلاص من الحكم العسكري، والإسلاميون يمتنعون ويتمسكون بالوفاء بالخطة التي وضعها العسكر، والتي قَصَّروها مجبرين تحت ضغط الشارع وبثمن مقابل: أربعين شهيدا ونحو ألفي جريح!!

إن الواجب الشرعي –قبل كل التقديرات الأخرى- تحتم على الإسلاميين قيادة المشهد، فما لهم عذر أمام الله وقد رفعهم الناس بالانتخاب إلى البرلمان، ثم يطالبهم من لم ينتخبهم بتحمل المسؤولية، ولا تغني عنهم ذرائع التخوف من الفشل شيئا أمام الله وأمام الناس.

وأما التقدير السياسي فله حديث ينبغي أن يكون مفهوما لدى الجميع وخلاصته كالآتي:

من يمتلك القوة هو من يحكم، بغض النظر عن شرعيته أو الحق الذي يحكم به، وكل التجربة الإنسانية في تنظيم الحياة البشرية متلخصة في "كيف نجعل القوة مرتبطة بالحق والشرعية لا منفصلة عنها"، وخاضت البشرية تجربة طويلة من النظريات والتطبيقات وصلت كلها في النهاية إلى مبدأ واحد وهو "الفصل بين السلطات" حيث جوهر التجربة يتمثل في أن تكون "القوة" محايدة، وأن يكون الجهاز الأمني والعسكري خاضع للسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وأي فشل في التجربة إنما يعود لاختلال هذا الخضوع، وخروج "القوة" عن هيمنة السلطة التشريعية والقضائية.

يمكن أن نطيل كثيرا في ضرب الأمثلة من التاريخ والواقع المعاصر، وهذا المعنى كتبت فيه الكثير من الدراسات والبحوث التي يعرفها أهل التخصص، بل هذا المعنى يُدرك بالفطرة السليمة وبالعقل المجرد غير المطلع على بحوث وكتابات، ذلك أن حكم القاضي يظل حبرا على ورق مالم تسعى جهة تنفيذ الأحكام القضائية (التي تملك القوة) لتنفيذه، ويظل القرار والقانون والمرسوم حبرا على ورق ما لم تخضع له الجهة (التي تملك القوة) ويُناط بها التنفيذ.. ونحن ما زلنا في العهد الذي يمكنك تعطيل حكم القضاء فيه برشوة لموظف متوسط في هيئة تنفيذ الأحكام القضائية!

المقصود في سياقنا الآن هو مطالعة الحالة المصرية، وفيها يتبدى بوضوح أن البرلمان لن يعدو أكثر من جلسات دردشة، أو نواح في أقصى حالاته، لو لم تخضع له السلطة التنفيذية، وأهم عناصرها هي: وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، بكل ما يتبعهما وما يرتبط بهما من أجهزة أمنية واستخباراتية، وإذا كان الجميع يعلم الوضع الذي يسود في هذه الأجهزة فعلى الجميع ألا يتفاءل بمجرد الحصول على البرلمان.

بل أذهب أبعد من ذلك فأقول: إن البرلمان لا يحميه إلا الثورة الشعبية، ولولا هذه الثورة ويقظتها لاستطاعت تلك الأجهزة حل البرلمان واعتقال نوابه وإلغاء الانتخابات ونتائجها، وقد حدث هذا في الجزائر سابقا، وحدث في غزة (لولا أن حماس تمتلك قوة عسكرية لتمت تصفيتها وما أغنت عنها أصوات الناس شيئا)، وبقدر ما بقيت هذه الثورة يقظة بقدر ما بقيت الحماية المتوفرة للبرلمان، وبقدر ما استطاعت الثورة إنجاز التحول الديمقراطي في لحظة فورانها بقدر ما نجحت في التغيير! ففي لحظات الهدوء الشعبي واختفاء القوة الشعبية من المعادلة تعود موازين القوى لتحدد طبيعة ونتائج الصراع!

لهذا، فما لم يتقدم الإسلاميون لتشكيل الحكومة والإمساك بمفاصل الدولة الحقيقية (وأهمها الدفاع والداخلية وما يتبعهما) فسيظل برلمانهم في مهب الريح، يتربص به الجميع، فمتى عاد الشارع إلى الهدوء عادوا هم إلى السجون كما في الجزائر، أو في أحسن الأحوال صاروا بلا أثر ملموس وجزءا من النظام القديم ذي الطلاء الجديد كما في كل البرلمانات غير المؤثرة: الكويت والأردن وباكستان والمغرب.

النظام البرلماني لا يصلح في الدول غير المستقرة، عرقيا أو دينيا أو سياسيا، ونحن من الدول غير المستقرة سياسيا لأنها تحاول الخروج من نفق التبعية الطويل الذي عاشت فيه قرابة قرن ونصف، وللدول الخارجية وأجهزتها أيادي متغلغلة في مفاصل الدولة وأجهزتها وأحزابها وتياراتها السياسية، فمحاولة توزيع السلطة بين هذه التيارات المتشاكسة ستبوء بالفشل، لا سيما إن حاولت الأغلبية تحسين صورتها وبحثت عن التوافق (وهو خرافة) مع القوى الأخرى، فهنا تكون كمن يبحث عن المشكلات لنفسه بنفسه، وفي عالم السياسة لا مكان للصدقات ولا للهدايا، والأحزاب التي تحوز الأغلبية الكافية لا تتصدق على غيرها بل تمارس حقها كاملا، وهذا هو الواقع في كل الدنيا، بل وكان واقعا في بلادنا فيما قبل انقلاب يوليو، حيث كان الإنجليز والقصر يتلاعبون بأحزاب الأقلية كالسعديين والأحرار الدستوريين، ولم يكن الوفد –صاحب الأغلبية- يقبل بتشكيل حكومات ائتلافية مطلقا!

بقي لدينا النموذج الأسوأ في الأنظمة البرلمانية: نموذج العراق ولبنان، ففيهما يظهر أسوأ ما في النموذج البرلماني: أحزاب تقتسم المناصب السياسية بالمحاصصة الطائفية، ويملك كل منها أن يُسقط الحكومة لأن شيئا ما لم يعجبه أو لم يرضه، وتضطر الدولة والدول الصديقة والعدوة إلى التدخل وعقد المؤتمرات وجلسات الصلح وتتكاثر الجولات المكوكية والزيارات والوساطات، فلا يتوصلون بعد هذا كله إلا إلى صيغة ترضي الأطراف ثم تكون بطبيعتها هشة متهالكة تنتظر أن تسقط وتتأزم من جديد!

إضافة إلى هذا فإن الحكومة لا تسيطر على "القوة" الموجودة على الأرض، فكل جلسات البرلمان وقوانينه، وكل الحكومة وقراراتها، لا تساوي الحبر الذي كُتِب به إذا لم يرغب من يمتلك القوة على الأرض في تنفيذه، ولذا يمكنك أن تجد نائب رئيس الوزراء مطلوب للاعتقال ولا يستطيع العودة إلى العاصمة (طارق الهاشمي في العراق)، ويمكن للبرلمان اللبناني أن يدعم المحكمة الدولية أو يرى ضرورة نزع السلاح وتوحيده (بغض النظر الآن عن الصواب أو الخطأ) لكنه لا يملك تنفيذ شيء طالما لا يعجب حسن نصر الله، ويمكن لمن يملك القوة أن يصنع دولة داخل الدولة فعليا ثم إذا شاء أعلن عنها (كما في حالة كردستان العراق) وإذا لم يشأ لم يعلن (كما في حالة حزب الله في الجنوب اللبناني)

الخلاصة، أن البرلمانات دون خضوع السلطة التنفيذية لها لا تساوي أكثر من جلسات دردشة أو جلسات صياح ونواح، وهذا ما ينبغي أن يكون موضوعا في الذهن والخاطر، وينبغي للبرلمان أن يعلم أنه في حماية الثورة، وعليه أن يمثلها ويكون رأس حربتها ليحفظ نفسه ومصير البلد كله، ويستطيع إنجاز التحول الديمقراطي على خير ما يكون.

اقرأ:

ميدان ثائر وبرلمان هادر

تسليم السلطة في يناير.. والإخوان

الحركة الإسلامية وشعرة معاوية

الحركة الإسلامية والرئيس التوافقي

مقالات الباحث السياسي محمد بريك

مقالات الباحث في التاريخ محمد شعبان أيوب

مقالات الباحث خالد خطاب

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 26, 2012 02:57

January 21, 2012

الرجل الواضح

ويسألونك عن محاكم التفتيش؟

قل: هي نوعان؛ نوع نصبه الكاثوليك في أوروبا ليفتشوا عن إيمان الناس، وكان أكثر من ناله العذاب فيها هم المسلمون في الأندلس حتى صارت محنتهم واحدة من أبشع المحن في التاريخ الإنساني! ونوع نصبه العلمانيون في مصر على الفضائيات ليفتشوا عن إيمان الإسلاميين بحرية العري والأحضان والخمور وأكل الربا (يسمونها حرية الفن والتعبير والإبداع، وحرية السوق).. فأما الأولى فقد صمد أمامها المسلمون ستة قرون، وأما الثانية فقد شهدت تنازلات مريعة لمن تحدثوا باسم الإسلاميين حتى كأنه إسلام جديد لا نعرفه ولم نسمع به!

قبل دقائق من كتابة هذه السطور (مساء الخميس 19/1/2012) نصبت قناة (نايل سينما) محكمة تفتيش لأحمد أبو بركة –المستشار القانوني لحزب الإخوان المسلمين- ليختبروا إيمانه بحرية الأحضان والقبلات، وكالعادة كان الرجل على غير المستوى المأمول، وكان حديثه مليئا بالمناورات والتنازلات، رغم أنه الحزب الفائز بالاختيار الشعبي الحر في الانتخابات النزيهة، وكأنما كُتِب على الجماهير أن تتبع دين الأقلية التي ساقتها ظروف النكبات الوطنية لأن تكون النخبة المتسلطة التي تريد فرض نفسها ودينها على الناس بالإكراه.

الأمر بسيط ويفهمه كل الناس، الإسلامي صاحب الرسالة عرض نفسه على الناس كإسلامي وصاحب رسالة، وهم اختاروه لأجل هذا تحديدا، فأغلب المرشحين بلا تاريخ ولا شهرة ولا نضال طويل، وما فازوا إلا بحملهم للرسالة التي يُقبل الناس عليها، وهو يريد أن ينفذ هذا البرنامج الذي يراه رسالته المأمور بها شرعا ودينا قبل أن يكون المحمول بها على أكتاف الجمهور إلى مقاعد البرلمان!!

من أراد أن يقبل هذا الخيار الشعبي فليقبله، ومن لم يرد فليقاومه عبر الطرق القانونية، وليسقطه في الانتخابات القادمة، لكن المذهل المدهش المثير للأعصاب أن تأتي الأقلية لتحاول فرض رأيها على الأغلبية، والأنكى أن من فاز بأصوات الناس يقبل بهذا فيناور ويداري ويتنازل!!

من أجل هذا ينتصب الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل كمثال يداعب خيال المسلمين الذين يحبون الوضوح والصراحة، ولا يخجلون من التعبير عن أهدافهم ورؤاهم، وبهذا الوضوح يعرضون أنفسهم على الناس، فإن قبلوهم فبها ونعمت، وإن لم يفعلوا نشروا بين الناس دعوتهم حتى يقبلوهم أو يُعذِروا أنفسهم أمام الله!

هكذا قال حازم أبو إسماعيل "أنا مرشح رسالتي لا غير"، لهذا فهو لا يغازل أحدا، لا القوى الدولية ولا مراكز القوى في مصر ولا التيارات الثورية، ولا حتى الإسلاميين الذين يعدون مركز الثقل بالنسبة لهم! وبأثر من هذا الوضوح لا تجد تناقضا في تصريحات الرجل، ولا تقلبا في مواقفه، ولا تزيده الأيام إلا وضوحا ونقاء!

اللهم هيئ لهذا البلد أمر رشد، واحفظه وأهله ممن أراد بهم أو بثورتهم سوءا!

نشر في رابطة النهضة والإصلاح

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 21, 2012 06:30

قصة طالوت تتكرر في مصر!

بين فلاسفة التاريخ خلاف: هل الظروف التاريخية هي من يصنع البطل، أم أن البطل هو من يحفر وينحت في الصخور حتى ينبي مجده ومجد قومه ويصل إلى ما يريد، وليس الهدف في هذا المقال أن نفصل في الخلاف، وإنما المؤكد أن كثيرا من الظروف التاريخية كانت تنتظر بطلا ولم تجد، والمؤكد أيضا أن الظروف أحيانا كانت أقوى من البطل فلم يصل إلى ما يريد.. المؤكد الثالث: أن وجود البطل في اللحظة التاريخية هو أمر حتمي لتفعيل الأفكار والتصورات والرؤى ليجسدها على أرض الواقع في شخصه، وبدونه تظل الأفكار أحلاما وخيالا وأمنيات!

***

مرت على بني إسرائيل كثير من فترات الذل، منها تلك التي استبيحت فيها حرماتهم وأرضهم حتى استولى العدو على أثمن مقدساتهم: التابوت الذي يحوي تراث آل موسى وآل هارون، قيل: كان فيه عصا موسى وآثار الألواح التي كتبت فيها التوراة أول مرة.. وعاش بنو إسرائيل حالة الذل والقهر وكانت كل الظروف تدفعهم للجهاد إلا أنهم افتقدوا شيئا واحدا "البطل"، ذلك الرجل المناسب للحظة التاريخية.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)

ورغم أن الله بعث فيهم نبيه شمويل

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 21, 2012 03:48

January 20, 2012

في مواطن الموت

أتذكر أني كنت مرعوبا حين حضرت المظاهرة الأولى في حياتي، كانت لدعم الانتفاضة الفلسطينية عام 2000م، وكانت في "المجمع النظري" بجامعة المنوفية في شبين الكوم، طوال الطريق من منوف (حيث كليتي: الهندسة الإلكترونية، وإقامتي) وحتى الوصول إلى شبين الكوم كنت أذكر الله طمعا في أن يطمئن قلبي (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).. بعد هذه المرة كان الأمر أيسر وإن كان الخطر أشد، وساعتها علمتُ بيقين أن الخوف ليس إلا كائنا داخل نفوسنا، ابتلانا الله به ليختبر الإيمان بالرسالة والقيمة والدين، وكل هذه أسماء لشيء واحد (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، دينًا قِيَمًا، ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين).

***

بعدها بسنوات عدت إلى منزلي في قنا فوجدت أمي غارقة في البكاء، وإني لأحسبني من أرقاء القلوب ومن البارين بأمهاتهم، فعظم ذلك عندي جدا، وحاولت تهدئتها حتى هدأت، ثم علمت أنه قد جاءها في غيابي رسول أمن الدولة يطلبونني لأكون لديهم في الغد!

أتذكر أن القلق انتابني على أمي وأبي حتى استطعت تهدئتهما، ثم اشتعل القلق في نفسي على نفسي، فتحت إذاعة القرآن الكريم لكي أطمئن نفسي، فوجدت الشيخ محمود علي البنا يقرأ (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم، إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل، ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى * قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاضٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى * إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى * ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العُلى * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى)

وما بالك بمكروب في جوف الليل يسمع هذه الآيات؟ لقد انسابت الآيات إلى قلبي، ونمت ليلة من أهدأ وأنعم الليالي، ثم ذهبت إليهم في الصباح، فحبسوني حتى الثالثة، ولولا إصراري على صلاة الجمعة ما تركوني أصليها في المسجد..

وفي المسجد كان الخطيب يتحدث عن "خالد بن الوليد"، فروسيته وقوته وشجاعته، وكيف أنه تعرض للمهالك ثم مات على فراشه قائلا قولته الخالدة الباقية "فلا نامت أعين الجبناء".. فكانت رسالة إلهية أخرى أعادت إلي بعض ما فقدته من اطمئنان في ساعات الانتظار، وما أطولها في أمن الدولة!

عدت إلى أمن الدولة بعد الجمعة، فحبسوني مرة أخرى حتى استدعاني الضابط المسؤول، عصبوا عيني وقادوني إليه، وقتها فقط عرفت قيمة العين، إنها ليست أداة للرؤية فحسب بل هي وسيلة للأمان، حين تفقد عينيك تشعر أن حصن الأمان قد انهار من حولك، وأنك في الظلام المخيف المجهول، لا تدري من أين تأتي لك الضربات!

حاول الضابط تخشين صوته وخاطبني بأداء مسرحي سخيف، لكني أقسم بالله أني ما شعرت باطمئنان قدر ما شعرت به في مكتب أمن الدولة وأمام هذا الضابط، لقد نزل الثلج في صدري، وصرت كأني في حلم رائق.. لم أشعر بغير الصفعة الأولى، هي التي أثرت في نفسي لمدة، ولم يُزِلْها إلا أن أعدت على نفسي سيرة الصالحين الذين عُذِّبوا في الله ما ضعفوا ولا استكانوا!

***

في شارع محمد محمود، في اليوم الثالث أو الرابع لاشتعال الأحداث، تغيرت خطة الأمن في ضرب القنابل المسيلة للدموع، بدل أن كانوا يضربون الواحدة والاثنتين والثلاثة لغرض التفريق، أصبحوا يضربون العشرة مرة واحدة، كان الشباب المصري الباسل يتهافت على القنبلة ليمسكها ويعيد إلقاءها عليهم أو إلقاءها بعيدا أول الأمر، أما حين تُضرب عشر قنابل مرة واحدة فإنه يسود الشارع سحابة بيضاء ويعود لا مجال لفعل أي شيء، لا سيما مع الاختناق الرهيب والسعال الحارق الذي تسببه الأنواع الجديدة من القنابل..

في أثناء واحدة من هذه المشاهد وبينما أتراجع أمام سيل القنابل إذ تعثرت في الحجارة المتكومة على الأرض، فوقعت على وجهي، وكنت بدوري سببا في تعثر من خلفي فوقع علي، ثم كان بدوره سببا في وقوع آخرين.. لا أحد يرى شيئا، والهجوم عنيف، لم يعد لدي شك في أني سأموت تحت الأقدام، فالمحاولات الأولى للنهوض بسرعة قبل تكاثر المتعثرين باءت بالفشل..

ولمرة أخرى مذهلة.. لم أشعر بالخوف من الموت، وشعرت بنفسي تستسلم له وتنتظر استقباله كأي شيء عادي!!

ما لبث الله أن فرجها فقام المتعثرون وقمت من تحتهم بجروح بسيطة، ولكن هذا الشعور ظل يلازمني ويدهشني ولا أجد له تفسيرا!

***

في محمد محمود رأيت ما لم أره قط! الدماء التي تنبثق من الرأس، الشاب الذي يسقط مصابا، فتيات باسلات مدهشات، رجل يجاوز الثمانين صار متخصصا في الجري على القنابل ثم الجري بها وإعادة رميها، كنا نصاب بالخرطوش ونستمر في مواجهة قوات الأمن، شعرت بألم حارق في ذراعي فقلت لأحدهم: انظر، هل ثمة دم أو نزيف؟ فقال لي: لا تقلق، إنه خرطوش، وكشف لي عن ذراعه وظهره الممتليء بالخرطوش ليثبت لي أنه أمر بسيط ثم عاود الرمي، أمسكت به وصحت فيه "روح المستشفى الميداني" فنظر لي ساخرا ومشفقا وعاد إلى جهاده!

***

إنني الآن أقرب من أي وقت مضى لفهم التاريخ الإسلامي، مجال اهتمامي وعملي وغرامي، أفهم كيف فتح المسلمون في ثمانين سنة ما لم يفتحه الروم في ثمانية قرون، وكيف انطلق رعاة الإبل والغنم في غفلة من التاريخ السياسي والحضاري ليفتحوا العالم شرقا وغربا ويؤسسوا دولتهم الشاسعة الواسعة في أقل من نصف قرن! وينتصرون على الامبراطوريتين الكبيرتين في وقت واحد! في وقت واحد! في وقت واحد!!!

لقد انطلقوا وهم يؤمنون أن الآخرة خير لهم من الدنيا، وأن الواحد فيهم حين يقذف نفسه في قلب المعركة فلن يصيبه إلا ما كتب الله له، فإن قُدِّر له العودة والنصر فسيعود، وإن قدر له الموت فسيموت ولو على فراشه (يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قُتِلنا هاهنا، قل: لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتِب عليهم القَتْل إلى مضاجعهم، وليبتلي الله ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم، والله عليم بذات الصدور)!

اللهم انصر ثورتنا، واجعل بلادنا أمنا وإيمانا، سلما وإسلاما، سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين.

نشر في شبكة رصد الإخبارية

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 20, 2012 20:25

January 16, 2012

رسالة إلى المجلس العسكري

لم أكن أتخيل أن كلماتي قد تصل إليكم، غير أني علمت بوصولها بشكل مؤكد حين عدت يوم 18 نوفمبر الماضي لأجد باب بيتي مكسورا، ومحتوياته مقلوبة رأسا على عقب، ثم لم يُسرق منه إلا جهاز لاب توب، وفلاش ميموري فقط.. وأشارت الدلائل إلى أن هاتفي مراقب، ومنه تم تحديد المسكن الجديد الذي لم أكمل فيه شهرا، ولا يكاد يعرفه أحد..

وعليه، فإني أقرب من أي وقت مضى لتصديق أن هذه الكلمات تصل لبعض المهمين المتنفذين!

أيها المجلس العسكري الحاكم..

حين نزل الناس إلى الشارع يوم 25 يناير، وحتى 28 يناير، لم يكن أحد يتوقع الرجوع إلى بيته، بالتأكيد فإن الموت برصاص الشرطة له نفس مذاق الموت برصاص الجيش، تعدد الرصاص والموت واحد، وطعم الشهادة واحد! يغفر الله للشهيد عند أول دفقة من دمه، سواء كان برصاص الشرطة أو الجيش.

ولا شك أنكم علمتم هذا بالمشاهدة في أول نزولكم عصر يوم 28 يناير.. لقد كان موقفكم سديدا –بغض النظر عن دوافعه التي كانت في الكواليس- بعدم ضرب الجماهير.. ترى هل كنتم ساعتها تنطلقون من عقيدتكم القتالية بعدم ضرب الشعب؟ أم كانت تلك محصلة توازن سياسي ما؟.. لا أدري، وإن كان ما جرى في العام الماضي يشكك جدا في أنها نابعة من عقيدة قتالية!

أيها المجلس العسكري:

لماذا فرطت في تلك الفرصة التاريخية التي تجعلكم أبطالا كبارا وعلامة فارقة في التاريخ المصري كله؟ بالله عليكم.. قولوا لماذا؟

لقد كان الشعب ملتفا حولكم، ويريد نسيان كل ما من شأنه أن يخدش موقفكم، ومستعد للتنازل عن كل أخطاء كنتم قد اقترفتموها في أي لحظة من حياتكم، كنا مستعدين أن نصنع منكم أصناما، وربما كنا سنجاهد ألا يقدسكم الناس وألا يرفعوكم إلى مقامات الأنبياء والأولياء.. لماذا ضيعتم هذه الفرصة.. لماذا؟

كل ما كنتم تريدون الحصول عليه كان سيمكنكم الحصول عليه، كل حصانة، كل رفاهية، كل وجاهة اجتماعية، كل شهرة إعلامية، الخلود في كتب التاريخ، مفخرة أبنائكم وأحفادكم طول الدهر.. كل هذا كنتم ستحصلون عليه بتسليم السلطة إلى المدنيين في ستة أشهر!

ستة أشهر فقط.. إنها لفرصة نادرة ثمينة أن تجيد العمل في ستة أشهر في آخر عمرك لتكون بعدها بطل الحاضر والمستقبل، ولتنزل عليكم المدائح والقصائد والأدعية وشكر الناس..

بالله عليكم.. لماذا فرطتم في هذه الفرصة؟ لماذا؟ لماذا؟

والأهم، فرطتم فيها في مقابل ماذا؟ خوفا من فتح ملفات يملكها الخارج مثلا.. لم يكن أحد سيعيرهم اهتماما، ولو أعارهم أحد اهتماما لقدَّر وغفر وصفح وقال: يكفي ما فعلوه في الثورة..

في مقابل سلطة؟ كانت ستأتيكم السلطة نفسها، سلطة الحب والفخار في قلوب الجماهير، والبرلمان، والرئاسة، ستكون الكلمة من أحدكم هي الكلمة النافذة الصادرة من خبير عسكري وطني له مواقفه المشهودة في البطولة والفداء (عسكريا) وفي التقدير الصائب (سياسيا).. وبها كنتم تستطيعون أن تحوزوا بالمودة ما تحاولون حيازة بعضه قسرا.

في مقابل مال؟ ما أحسب حاكما مهما بلغ من قوة كان يستطيع أن يفتح ملفاتكم المالية السابقة أو يحاول تهديد المكاسب القائمة، وكل هذا لدوركم في الثورة، وهو الدور الذي سيرى الناس أنكم تستحقون عليه من التكريم ما لا يستطيعونه..

كان الناس سينسون ولاءكم السابق للمخلوع، ووقوفكم على الحياد يوم معركة الجمال والبغال، وكشوف العذرية، والتعذيب في المتحف والسجون الحربية، والتضييق على الميدان ومنع الطعام والدواء عنه لأيام، والعلاقات المفتوحة مع الأمريكان، والفساد الخاص بالأبناء والأقارب.. وكل تلك الملفات التي انفتحت من حيث لا تحتسبون..

أيها المجلس العسكري:

إن الثورات تُسْرق ولا تُضْرَب، ولقد كنتم تسيرون في طريق سرقتها على أتم حال حتى أخطأتم الخطأ الفادح بالإصرار على مبادئ فوق دستورية، ثم هذا التعامل الغاشم مع اعتصام 18 نوفمبر وأحداث مجلس الوزراء.. فحينئذ تكشف للناس ما كانوا يحاولون تجاهله ولا يريدون تصديقه، ولا شك أن أجهزتكم الأمنية تنقل لكم نبض الشارع بأفضل مما أراه، وهو على كل حال نبض تراجع كثيرا ويوشك فعلا على النفاد!

ولهذا، فمن الغباء حقا الإصرار على وضع خاص في الدستور أو مبادئ فوق دستورية أو مواجهة الشعب مرة أخرى بالضرب سواء في 25 يناير القادم أو ما بعدها، ولو شئتم النصيحة، فإني والله أقولها لوجه الله ولمصلحتكم: سلموا السلطة في أقرب وقت وأسرع وقت، فالمواجهة مع الشعب هي من الأشياء التي لا يملك أحد على الإطلاق توقع نتائجها، بكل ما يحمله هذا من احتمالات انشقاق داخل الجيش أو تدخل أجهزة استخباراتية لتصعيد قيادات وسيطة تحقق مصالحها وتصالح الشعب بالتضحية بكم.. التوترات والاضطرابات لا يمكن لأحد إدراتها، وحدها الأطراف الواضحة هي من تدفع الثمن، ولا مستقبل لأحد في مواجهة شعب في لحظة ثورة!

أيها المجلس العسكري:

كفى ما أنزلته بالشعب من ضحايا، وما أنزلته بنفسك من انهيارات.. وهناك وقت ينفع فيه العلاج الجذري، فإذا فات فسندخل في وقت العلاج الجزئي، فإذا فات وجب على الطبيب التضحية بالعضو المريض ببتره.. فبالله عليكم، لا تضيعوا الوقت، فالشعب باق والسلطة زائلة..

أيها المجلس العسكري:

بالله عليك، استحلفك بالله، أناشدك الله والرحم والوطن..

اعلم أن كل إنسان سيموت، وبعد الموت سيحاسب، وهناك يوم القيامة، وكلكم –أطال الله أعماركم في الخير- في خريف العمر وتنتظرون نداء الله.. فلا تجعلوا أنفسكم كمن خسر آخرته الخالدة بأيام معدودة أمسك فيها بالسلطة.. السلطة زائلة إلى غيركم قطعا وبلا أدنى شك، بحكم قوانين الكون وسنن الحياة.. فاستقبلوا آخرتكم بخير ما تملكون، وبهذا تتركون لأنفسكم سيرة خالدة في الدنيا كذلك!

نشر في: رابطة النهضة والإصلاح، وشبكة رصد الإخبارية

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 16, 2012 04:32

January 11, 2012

أيها الإسلامي.. لا تَخُنْ ضميرك

لا تخن ضميرك، ولا تهرب منه، ولا تتهرب من سماع الحق لأنه يؤرقك، فالحق له في النفوس صولة، فلا تكن كالذين قالوا (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)

لقد عشت عمرك كله تحلم بسقوط الظلم والطغيان وتنفس الحرية والعدالة.. فلا تحاول أن تقنع نفسك بأن ما حدث كان ثورة كاملة، وأن النظام لم يزل يمتلك نواته الصلبة في الأجهزة الأمنية والإعلامية، لا تهرب من ضميرك، فأنت تعلم أن أنصاف الثورات هي قبور الثوار!

لا تهرب من ضميرك وتبتلع مواقف مخزية صدرت عن شيوخ وقيادات كنت تجلها وتحترمها، لا أقول لك حاربهم أو عادِهم، بل أقول: كن حرا ولا تكن عبدا لأحد.. فالله لم يطلب منك الاقتداء بأحد سوى نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)

لا تهرب من ضميرك، ولا تتردد في أن تعترف بأن بعض الناس –رغم جلالتها- ساذجون في عالم السياسة، ينخدعون لمن خادعهم بالله، يستزلهم الثعلب الماكر، وقديما قالوا: الكريم يُخدع، فهو يظن كل الناس على شاكلته.. ليس كل الأجلاء دينا لهم باع في السياسة، وتذكر موقف الحسن بن علي (وقد كان شابا) حين اعترض عمار بن ياسر (وكان في التسعين) وقاطع خطبته التي أضرت بأهل الحق سياسيا!

لا تحاول أن تقلل من صورة الشجاع الثائر الهادر، الذي تثبت كل يوم صدق رؤيته، فقط لأنه لا يريح قياداتك وشيوخك.. نعم؛ أقصد ذلك الرجل الذي خطر على بالك، حازم صلاح أبو إسماعيل.. هل يسع أحد ألا يعترف بفضل حركة هذا الرجل في إعادة إشعال الثورة من بعد ما سرقها العسكر بتوقيعات الأحزاب في وثيقة العار (الأحزاب – عنان).. فهو من دعا إلى جمعة 28 أكتوبر، ثم 18 نوفمبر، وكان أول الواقفين في مذبحة محمد محمود حتى اضطر العسكر أن يتراجعوا عما تمسكوا به من مبادئ فوق دستورية ومن جدول مفتوح لتسليم الرئاسة..

لا تهرب من ضميرك لتردد أنه يعمل وحده (فهو لا يعمل وحده) أو أنه خرق إجماع العلماء (فالحق أنه لم يكن لا إجماع ولا يحزنون.. هذا مع الحاجة إلى تحرير معنى "الإجماع" ومعنى "العلماء") أو أنه متهور غير حكيم (فما وصلنا بحكمة الآخرين إلا إلى مآزق ما كان أغنانا عنها)..

حازم أبو إسماعيل يجدد في الوجدان الإسلامي صورة القائد، فارس الأحلام بالنسبة للشباب المسلم، ذلك الشباب الذي افتقد قيادة شجاعة ثائرة، قيادة لا تتلعثم في التصريحات الإعلامية، ولا تتناقض في مواقفها، ولا تبدو ساذجة في فهم الواقع، ولا يظهر منها رؤية مفصلة للنهضة، ولا تتنازل عن الثوابت إرضاء لأحد أو هروبا من مأزق..

حين تسمع نقدا، فلا تسارع لتحليل شخصية قائله.. بل انظر في الكلام، فإن كان حقا فاقبله على أي وجهه، وإن كان باطلا فدعه بعد أن ترتاح لكونه باطل.. تبدو مثيرا للشفقة حين تبرر الباطل الذي صدر من شيخك أو قادتك بأن غيرهم قد قالوه من قبل، فما هكذا يقاس الحق والباطل يا أخي.. دعك ممن قال وممن لم يقل، وانظر في الأمر نفسه..

إن أحببت الاستفادة من الواقع وفهمه حقا فلا تعش في دوامة اضطهاد الإعلام، فإنك لو عشت فيها فلن تخرج منها أبدا، بل انظر فيما لديك، واسأل: هل أخطأنا فاستغلوا خطأنا؟ أم أصبنا وشوهوا موقفنا؟ فإن كانت الأولى فليكن اهتمامك بما أخطأت فيه وتصحيحه.. وإن كانت الأخرى فامض لما أنت عليه..

لا تهرب من ضميرك لتختار ما يريح نفسك، لا تفكر برغبتك، لا تختر ما يرضيك بل اجتهد أن تتجرد.. تتجرد لتختار ما يرضي الله.. الله وحده! ساعتها سيرتاح ضميرك ولو كان الثمن هو عناء جسدك!

أيها الإسلامي، اسأل نفسك، في قرارة نفسك: هل لا تصلح الشريعة التي سيطبقها رئيس إسلامي لمصر في هذه الحال؟ هل تصدق أن الشريعة تحتاج لتمهيد ليبرالي أو توافقي قبلها؟ أين ذهب كل جهادك وقد كان شعاره "الإسلام صالح لكل زمان ومكان" و"الإسلام هو الحل" و"لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".. كيف تبخرت هذه الشعارات لنبحث عن رئيس توافقي، غير إسلامي، لا يهمه أمر الشريعة، ليكون تمهيدا لحكم الشريعة، وكأن الشريعة من دون هذا التمهيد ستفشل؟!! قل لي بربك: كيف تسربت هذه الفكرة الشيطانية إلى رأسك، فوالله لقد فشل الاستعمار في زرعها في نفوسنا قرونا حتى جاءتنا من مأمننا، من حيث لا نحتسب!!

أيها الإسلامي.. لا تهرب من ضميرك..

لا تهرب من ضميرك.. فإنه لن يدعك تهرب..

نشر في: رابطة النهضة والإصلاح، وشبكة رصد الإخبارية

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 11, 2012 02:47