جزيرة صقلية في ظل الإسلام
بخلاف أطلال مسجد بالقرب من كنيسة القديس يوحنا في بالرمو، وقصر الفوارة، لا يوجد في صقلية أي مباني إسلامية ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي التي استمرت مائتي عام، في تلك الفترة برزت صقلية على سطح التاريخ، ثم عادت شيئا مجهولا لا أهمية له بعدها كما كانت قبلها.
(1)
صقلية قبل الفتح الإسلامي
تعد كتابات المفكر والمؤرخ الإيطالي الكبير ميشيل أماري هي العمدة التي يعتمد عليها الباحثون في كل العالم –تقريبا- حين يحاولون التأريخ لجزيرة صقلية، وخصوصا الفترة الإسلامية التي ضَمَّنَها كتابه الكبير (تاريخ مسلمي صقلية) (Storia Dei Musulmani Di Sicilia)، والذي بذل فيه جهدا عظيما في البحث من خلال المصادر والمراجع العربية واللاتينية واليونانية والوثائق والنقوش، ومؤلفات من قبله.
وخلاصة ما سجله ميشيل أماري عن تاريخ صقلية قبل الفتح الإسلامي يتمثل في النقاط الآتية:
1. كانت صقلية فريسة لجشع المحصلين تدفع ضريبة على الأملاك، وأخرى على الرؤس، وإتاوات على التجارة والصناعة، وزيادات إضافية على الضريبة الأولى، وضرائب للجند، وأخرى للملاحين، وأموالا يبتزها الموظفون ويزيدون بها الحمل ثقلا.
2. وصل الحال في نهاية القرن السادس الميلادي، إلى درجة خطيرة حتى إن أحد الجباة أجبر الرعايا العاجزين عن دفع المال على تقديم أبنائهم، واستطاع موظف تافه الشأن في صقلية أن يصادر الممتلكات بالقوة، ويقول القديس جريجوريو: "نحتاج إلى مجلد لنفصل الجور الذي سمعنا به من هذا القبيل".
3. كانت الكنيسة أيضا تتحكم في صقلية، وكانت لها أملاك يفلحها لهم طبقة من الفلاحين تشبه طبيقة العبيد في ارتباطها بالأرض ودفعها للضرائب تسمى (الكولونيين coloni)، وكانت تلك الأراضي تمد الكنيسة كل عام بأسطولين محملين بالقمح، وإذا غرقت المؤن في البحر أو نهبت قبل وصولها، طولب الكولونيون بالتعويض.
4. أهملت الدولة البيزنطية جيش صقلية، فأصبحت وارداته قليلة مما اضطر القادة والحكام إلى طرق خطيرة النتائج، فكان القائد مثلا يعهد بأرضه إلى جماعة من الجنود كي يفلوحها ويفيدوا من حاصلاتها دخل في صفوف الجيش جماعة من الفقراء الذين رضوا أن يتقاضوا أجراً قليلاً، وحل هؤلاء بجهلهم محل العسكريين أصحاب الدربة القديمة، وبهذا أصبح الجيش سيئا وأصبح الجنود مجرد حاشية للقائد فأصبحوا جزءا من مشكلة الأمن والحماية بعكس ما يفترض بهم.
5. وكانت الجزيرة أيضا من وسائل العقوبات باعتبارها منفى، فكثيرا ما امتلأت بالفقراء وصغار الملاك ممن لم يستطيعوا دفع الضرائب، فعوقبوا بالنفي، ثم اضطر هؤلاء بعد فترة إلى التحول إلى عبيد.
6. وكانت الحالة الدينية تشبه حالة هذه العصور من حيث سيطرة الخرافات والأوهام على الناس والمجتمع.
ويلخص أماري الوضع بعبارة واحدة في قوله: "تلك هي حال الجزيرة بين أطماع الحكومة والكنيسة وفساد حال الجيش، ومن ثم لم يكن المجتمع الصقلي في ظل الدولة البيزنطية مجتمعاً سعيداً ناهضاً مكفول الحرية"